المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ١

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌[سَبَبُ وُجُوب الطَّهَارَةُ]

- ‌[أَحْكَام الْوُضُوء]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[أَرْكَانُ الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءُ]

- ‌[نَوَاقِض الْوُضُوء]

- ‌[أَحْكَام الْغُسْل]

- ‌[فَرَائِض الْغُسْل]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْل]

- ‌ آدَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَات الْغُسْل]

- ‌[الْغُسْل الْمُسِنُّونَ]

- ‌[الْغُسْل الواجب]

- ‌[أَحْكَام الْمِيَاه]

- ‌[الْوُضُوء بِمَاءِ السَّمَاءِ]

- ‌[الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ]

- ‌[مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ]

- ‌ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ

- ‌[صِفَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[حُكْم الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ]

- ‌[الطَّهَارَة بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْد الْفِيل إذَا دُبِغَ]

- ‌[التَّدَاوِي بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[طَهَارَة سُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[سُؤْرُ الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ]

- ‌ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم]

- ‌[شَرَائِط التَّيَمُّم]

- ‌كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ

- ‌سُنَنُ التَّيَمُّمِ

- ‌[نَوَاقِض التَّيَمُّم]

- ‌ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ

- ‌[رَجُلٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ]

- ‌[الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ]

- ‌ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ]

- ‌[بَيَان مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مَحَلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَمْنَع الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةُ الْقُرْحَةِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازُ]

- ‌[الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[كَيْفِيَّة الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الْحَيْضِ]

- ‌[مَا يَمْنَعهُ الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْض]

- ‌[الْمُحَيِّرَةِ فِي الْحَيْض]

- ‌[الْحُكْمِ فِيمَا لَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ]

- ‌[حَيْض الْمُبْتَدَأَة وَنِفَاسهَا]

- ‌[أَحْكَام النِّفَاسُ]

- ‌ أَقَلَّ النِّفَاسِ

- ‌(بَابُ الْأَنْجَاسِ)

- ‌[التَّطْهِيرُ بِالدُّهْنِ]

- ‌جِلْدَةُ آدَمِيٍّ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ

- ‌[طَهَارَة دَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ]

- ‌النَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ

- ‌[الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ مُنْقٍ]

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[آدَاب دُخُولَ الْخَلَاءِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّلَاة]

- ‌[أَوْقَات الصَّلَاة]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْفَجْرِ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعَصْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْمَغْرِبُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الظُّهْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِشَاءُ]

- ‌[الْأَوْقَات المنهي عَنْ الصَّلَاة فِيهَا]

- ‌[التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ)

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَة بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ

- ‌[جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌[أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ]

- ‌ أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ)

- ‌(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)

- ‌[تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاة]

- ‌ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ

- ‌[الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَكْبِير الْعِيدَيْنِ]

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ الْإِمَامَةِ)

- ‌[شَرَائِطِ صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[صِفَة الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا]

- ‌[جَمَاعَةُ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[وُقُوف الْمَأْمُومِينَ فِي الصَّلَاة خَلْف الْإِمَام]

- ‌[حُضُور النِّسَاء الْجَمَاعَاتِ ومَجَالِسِ الْوَعْظِ]

- ‌[اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي

- ‌ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ)

- ‌[اقْتِدَاء غَاسِلٍ بِمَاسِحٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ

- ‌(بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌[سَبَقَهُ حَدَثٌ وَكَانَ إمَامًا فِي الصَّلَاة]

- ‌[رَأَى الْإِمَام المُتَيَمِّمٌ مَاءً]

- ‌[اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ فِي الصَّلَاة]

الفصل: ‌[سؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم]

- عليه السلام الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِنَجِسٍ» ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الْمَصَابِيحِ، وَأَمَّا سُؤْرُ الْفَرَسِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ طَهُورِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ عِنْدَهُ لِاحْتِرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا سُؤْرُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ فَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْإِبِلُ الْجَلَّالَةُ وَالْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ كَمَا سَيَأْتِي وَالْجَلَّالَةُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِالْفَتْحِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْبَعْرَةُ وَقَدْ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَذِرَةِ، وَهِيَ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُغْرِبِ وَيُلْحَقُ بِمَا يُؤْكَلُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

(قَوْلُهُ: وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) أَيْ سُؤْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَجِسٌ وَالْمُرَادُ بِسِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَحْوُ الْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ رحمه الله قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ إلَى آخِرِهِ بِالرَّفْعِ أَجْوَدُ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُشْعِرًا بِحَذْفِهِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا مَا يُشْعِرُ بِحَذْفِهِ، وَهُوَ تَقَدُّمُ ذِكْرِ السُّؤْرِ، وَلَوْ جُرَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَجْرُورِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْفَرَّاءِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَتُرِكَ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَلَى إعْرَابِهِ كَانَ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ نَحْوُ قَوْلِهِمْ مَا كُلُّ سَوْدَاءَ تَمْرَةٌ وَلَا كُلُّ بَيْضَاءَ شَحْمَةٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ ذِكْرُ الْمُضَافِ اهـ.

وَقَدْ أَطَالَ رحمه الله الْكَلَامَ مَعَ عَدَمِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ مَجَازًا إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلِينَ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْآدَمِيِّ، وَهُوَ مَعْمُولٌ لِلْمُضَافِ أَعْنِي سُؤْرٌ وَنَجِسٌ مَعْطُوفٌ عَلَى طَاهِرٍ، وَهُوَ مَعْمُولُ الْمُبْتَدَأِ أَعْنِي سُؤْرَ فَكَانَ فِيهِ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولِينَ وَهُمَا الْآدَمِيُّ وَطَاهِرٌ لِعَامِلَيْنِ وَهُمَا الْمُضَافُ وَالْمُبْتَدَأُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْإِضَافَةَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَقَوْلُهُمْ عَلَى عَامِلَيْنِ فِيهِ تَجَوُّزٌ قَالَ الشُّمُنِّيُّ يَعْنِي بِحَذْفِ الْمُضَافِ قَالَ الرَّضِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ أَنْ تَعْطِفَ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مَعْمُولَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَانَا فِي الْإِعْرَابِ كَالْمَنْصُوبِ وَالْمَرْفُوعِ أَوْ مُتَّفِقَيْنِ كَالْمَنْصُوبِينَ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ إنَّ زَيْدًا ضَرَبَ عَمْرًا وَبَكْرًا خَالِدًا فَهُوَ عَطْفُ مُتَّفِقَيْ الْإِعْرَابِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَوْلِك إنَّ زَيْدًا ضَرَبَ غُلَامَهُ وَبَكْرًا أَخُوهُ عَطْفُ مُخْتَلِفَيْ الْإِعْرَابِ وَلَا يُعْطَفُ الْمَعْمُولَانِ عَلَى عَامِلَيْنِ بَلْ عَلَى مَعْمُولَيْهِمَا فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ اهـ.

وَفِي الْمُغْنِي الْحَقُّ جَوَازُ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ فِي نَحْوِ فِي الدَّارِ زَيْدٌ وَالْحُجْرَةِ عَمْرٌو اهـ.

أَمَّا سُؤْرُ الْكَلْبِ فَهُوَ طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَلَكِنْ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا تَعَبُّدًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ نَجِسٌ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «قَالَ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ وَأُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَرَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ تَوَاتَرَتْ طُرُقُهُ وَكَثُرَتْ عَنْهُ وَالْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ دَلِيلُ التَّنَجُّسِ وَكَذَا الطَّهُورُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ فَيَسْتَدْعِي سَابِقَيْهِ الْحَدَثُ أَوْ الْخَبَثُ وَلَا حَدَثَ فِي الْإِنَاءِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا وَمَعْقُولَ الْمَعْنَى كَانَ جَعْلُهُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى هُوَ الْوَجْهَ لِنُدْرَةِ التَّعَبُّدِ وَكَثْرَةِ التَّعَقُّلِ وَلَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا سُؤْرُ الْفَرَسِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْجِهَادِ إذْ لَا خُبْثَ فِي لَحْمِهَا بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى حِلِّ لَبَنِهَا.

[سُؤْرُ الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ]

(قَوْلُهُ: وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ) قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ هِيَ مَا كَانَ يَصْطَادُ بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالضَّبُعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِي التَّقْرِيرِ السَّابِقِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَنْزِيلِ اخْتِلَافِ الْعَمَلِ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ، وَهُوَ سُؤْرٌ وَاحِدٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ عَمَلَهُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَفِي الْخَبَرِ مُخْتَلِفٌ فَكَانَ كَعَامِلَيْنِ وَكَذَا لَا إشْكَالَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْخَبَرِ هُوَ الِابْتِدَاءُ أَوْ الِابْتِدَاءُ وَالْمُبْتَدَأُ.

ص: 134

الْكَلْبِ ثَلَاثًا» رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِعْلًا وَقَوْلًا مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا مِنْ طَرِيقَتَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَأَخْرَجَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ أَهْرِقْهُ وَغَسِّلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِلْمَامِ هَذَا إسْنَادٌ صَحَّحَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ قَالَ لَنَا أَحْمَدُ الْحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ يُسْأَلْ عَنْهُ وَلَهُ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ ذَكَرَ فِيهَا اخْتِلَافَ النَّاسِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَذَكَرَ فِيهَا أَخْبَارًا كَثِيرَةً وَكَانَ حَافِظًا لَهَا وَلَمْ أَجِدْ لَهُ مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي حَمَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ اللَّفْظِ بِالْقُرْآنِ فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا اهـ.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالضَّعْفِ وَالصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ صِحَّةُ مَا حُكِمَ بِضَعْفِهِ ظَاهِرًا وَثُبُوتُ كَوْنِ مَذْهَبِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ قَرِينَةٌ تُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَجَادَهُ الرَّاوِي الْمُضَعَّفُ وَحِينَئِذٍ يُعَارِضُ حَدِيثَ السَّبُعِ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعَ حَدِيثِ السَّبْعِ دَلَالَةَ التَّقَدُّمِ لِلْعِلْمِ بِمَا كَانَ مِنْ التَّشْدِيدِ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ أَوَّلَ الْأَمْرِ حَتَّى أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَالتَّشْدِيدُ فِي سُؤْرِهَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ إذْ ذَاكَ وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ فَإِذَا عَارَضَ قَرِينَهُ مُعَارِضٌ كَانَتْ التَّقَدُّمَةُ لَهُ

وَلَوْ طَرَحْنَا الْحَدِيثَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ فِي عَمَلِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى خِلَافِ حَدِيثِ السَّبْعِ، وَهُوَ رِوَايَةُ كِفَايَةٌ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَتْرُكَ الْقَطْعِيُّ بِالرَّأْيِ مِنْهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ظَنِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ رَاوِيهِ فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى رَاوِيه الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَطْعِيٌّ حَتَّى يُنْسَخَ بِهِ الْكِتَابُ إذَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فِي مَعْنَاهُ فَلَزِمَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ إلَّا لِقَطْعِهِ بِالنَّاسِخِ إذْ الْقَطْعِيُّ لَا يُتْرَكُ إلَّا لِقَطْعِيٍّ فَبَطَلَ تَجْوِيزُهُمْ تَرْكَهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ نَاسِخٍ فِي اجْتِهَادِهِ الْمُحْتَمِلِ لِلْخَطَأِ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ كَانَ تَرْكُهُ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ الْآخَرُ مَنْسُوخًا بِالضَّرُورَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَوْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِرِوَايَةِ السَّبْعِ وَلَا يُجْعَلُ مَنْسُوخًا لَكَانَ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى مِمَّا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ «وَعَفِّرُوا الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» وَالزَّائِدُ أَوْلَى مِنْ النَّاقِصِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَعْمَلَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَإِنْ تَرَكَهَا لَزِمَهُ مَا لَزِمَ خَصْمَهُ فِي تَرْكِ السَّبْعِ وَمَالِكٌ لَمْ يَأْخُذْ بِالتَّعْفِيرِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ مُطْلَقًا فَثَبَتَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ اهـ.

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فَكَانَ الْأَخْذُ بِرِوَايَتِهِ أَحْوَطَ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا وَلَغَ السِّنَّوْرُ فِي الْإِنَاءِ يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ وَكُلُّ جَوَابٍ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَوَابُنَا عَمَّا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ يُحْمَلُ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي «الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ أَنَّهُ يُغْسَلُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا» فَخَيَّرَهُ، وَلَوْ كَانَ التَّسْبِيعُ وَاجِبًا لَمَا خَيَّرَهُ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ وَالْوَبَرِيَّ نَقَلَا أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَحُدُّوا لِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْهُ حَدًّا بَلْ الْعِبْرَةُ لِأَكْبَرِ الرَّأْيِ، وَلَوْ بِمَرَّةٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي غَسْلِ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ الثَّلَاثَ هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي إزَالَةِ الْأَنْجَاسِ أَوْ لَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي النِّهَايَةِ الْوُلُوغُ حَقِيقَةً شُرْبُ الْكَلْبِ الْمَائِعَاتِ بِأَطْرَافِ لِسَانِهِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْمَاضِيَ وَالْمُضَارِعَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ تَقُولُ وَلَغَ يَلَغُ

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ نَجِسٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُصَحَّحِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ؛ فَلِأَنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ وَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 135

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ طَهَارَةِ عَيْنِهِ طَهَارَةُ سُؤْرِهِ لِنَجَاسَةِ لَحْمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ نَجَاسَةُ عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ نَجَاسَةُ لَحْمِهِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ اللُّعَابُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُؤْرِ السِّبَاعِ وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَالْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوُلُوغِ وَوَضْعِ بَعْضِ عُضْوٍ فِي الْإِنَاءِ وَلَمْ أَرَ هَذَا فِي كُتُبِنَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ تَنَجُّسُ الْمَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ عَدَمُ تَنَجُّسِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْبِئْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ كَمَاءِ الْآنِيَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُلُوغِ كَلْبٍ أَوْ كَلْبَيْنِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يُوجِبْ تَنَجُّسًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي طَعَامٍ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ إنْ كَانَ جَامِدًا قَوَّرَ مَا حَوْلَهُ وَأَكَلَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا انْتَفَعَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَبْدَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا سُؤْرُ الْخِنْزِيرِ؛ فَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وَالرِّجْسُ النَّجَسُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدًا إلَيْهِ لِقُرْبِهِ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى جِلْدِهِ.

وَأَمَّا سُؤْرُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِطَهَارَتِهِ مُحْتَجًّا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفَضَلَتْ الْحُمْرُ قَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفَضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا» .

وَبِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى وَرَدُّوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَك السِّبَاعُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْهُ فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا وَبِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارٍ فَسَارَ لَيْلًا فَمَرُّوا عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ مِقْرَاةٍ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ يَا صَاحِبَ الْمِقْرَاةِ أَوَلَغَتْ السِّبَاعُ اللَّيْلَةَ فِي مِقْرَاتِك فَقَالَ عليه السلام يَا صَاحِبَ الْمِقْرَاةِ لَا تُخْبِرْهُ هَذَا مُتَكَلِّفٌ لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ» وَلَنَا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحُرْمَةِ مَعَ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلْغِذَاءِ غَيْرَ مُسْتَقْذَرٍ طَبْعًا كَوْنُهُ لِلنَّجَاسَةِ وَخُبْثُ طِبَاعِهَا لَا يُنَافِيهِ بَلْ ذَلِكَ يَصْلُحُ مُثِيرًا لِحُكْمِ النَّجَاسَةِ فَلْيَكُنْ الْمُثِيرُ لَهَا فَيُجَامِعُهَا تَرْتِيبًا عَلَى الْوَصْفِ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ مُقْتَضَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَعُمُومُ بَلْوَى فَيَخْرُجُ السِّنَّوْرُ وَالْفَأْرَةُ؛ وَلِأَنَّ لِسَانَهُ يُلَاقِيَ الْمَاءَ فَيَخْرُجُ سِبَاعُ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ يَشْرَبُ بِمِنْقَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ تَتَعَارَضْ أَدِلَّتُهُ فَيَخْرُجُ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَقَدْ اعْتَرَفَ النَّوَوِيُّ بِضَعْفِهِ، وَأَمَّا أَثَرُ الْمُوَطَّإِ فَهُوَ، وَإِنْ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيّ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ فَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَعَلَى تَسْلِيمِ الصِّحَّةِ يُحْمِلُ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرَ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ أَوْ عَلَى حُمُرِ الْوُحُوشِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ بِدَلِيلِ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» جَوَابًا لِسُؤَالِهِ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ إعْطَاءً لِحُكْمِ هَذَا الْمَاءِ الَّذِي تَرِدُهُ السِّبَاعُ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ الْجَوَابَ لَا بُدَّ أَنْ يُطَابِقَ أَوْ يَزِيدَ فَيَنْدَرِجَ فِيهِ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ بِمَفْهُومِ شَرْطِهِ فَنَجَّسَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَحَقِيقَةُ مَفْهُومِ شَرْطِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا يَتَنَجَّسُ مِنْ وُرُودِ السِّبَاعِ، وَهَذَا مِنْ الْوُجُوهِ الْإِلْزَامِيَّةِ لَهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ رحمه الله.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فِي سُؤْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ إشْكَالًا، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ نَجِسٍ ثُمَّ يَقُولُونَ إذَا ذُكِّيَ طَهُرَ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لِأَجْلِ رُطُوبَةِ الدَّمِ

وَقَدْ خَرَجَ بِالذَّكَاةِ، فَإِنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ نَجِسٌ نَجَاسَةَ عَيْنِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَطْهُرَ بِالذَّكَاةِ كَالْخِنْزِيرِ، وَإِنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِهِ لِأَجْلِ مُجَاوَرَةِ الدَّمِ فَالْمَأْكُولُ كَذَلِكَ يُجَاوِرُهُ الدَّمُ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي السُّؤْرِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَيَتَنَجَّسُ بِمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْمُذَكَّى فِي حَقِّ الْأَكْلِ وَالْحُرْمَةُ لَا تُوجِبُ النَّجَاسَةَ وَكَمْ مِنْ طَاهِرٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 136

إلَّا جِلْدَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهِ لَا لِكَرَامَتِهِ آيَةُ نَجَاسَتِهِ لَكِنَّ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ جَلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ تَنَجُّسَ الْجِلْدِ بِاللَّحْمِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ حَاصِلَ هَذَا الْإِشْكَالِ وَذَكَرَ أَنَّهَا نُكْتَةٌ لَا بَأْسَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا ثَمَّ قَالَ وَحَلُّهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّحْمِ الطَّاهِرِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ اللُّعَابُ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَبِالنَّجَسِ مَا يُقَابِلُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي النَّجَاسَةِ الْمُجَارَةِ بِالدَّمِ الْمَسْفُوحِ قَبْلَ الذَّبْحِ، فَإِنَّ الشَّاةَ لَا تُؤْكَلُ إذَا مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَاشْتَرَكَا فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَهُ لِزَوَالِ الْمُنَجِّسِ، وَهُوَ الدَّمُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الشَّاةَ تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ دُونَ الْكَلْبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي الظَّاهِرِ إلَّا اخْتِلَاطُ اللُّعَابِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ اللَّحْمِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللُّعَابَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ لَحْمِ مَأْكُولٍ بَعْدَ الذَّبْحِ طَاهِرٌ بِلَا كَرَاهَةٍ دُونَ غَيْرِهِ إضَافَةً لِلْحُكْمِ إلَى الْفَارِقِ صِيَانَةً لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَنْ الْمُنَاقَضَةِ ظَاهِرًا هَذَا مَا سَنَحَ لِي اهـ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ، فَإِنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَالْحُرْمَةُ لَا تُوجِبُ النَّجَاسَةَ يَرُدُّهُ بَلْ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُرْمَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْكَرَامَةِ، فَإِنَّهَا آيَةُ النَّجَاسَةِ لَكِنَّ فِيهِ شُبْهَةَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لِاخْتِلَاطِ الدَّمِ بِاللَّحْمِ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ بَلْ نَجَاسَتُهُ لِذَاتِهِ لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَغَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ إذَا كَانَ حَيًّا فَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ الْحَرَامِ الْمَخْلُوطِ بِالدَّمِ فَيَكُونُ نَجِسًا لِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ أَمَّا فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الِاخْتِلَاطُ بِالدَّمِ فَلَمْ يُوجِبْ نَجَاسَةَ السُّؤْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ بِانْفِرَادِهَا ضَعِيفَةٌ إذْ الدَّمُ الْمُسْتَقِرُّ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ يُعْطِ لَهُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فِي الْحَيِّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَيًّا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى كَانَ نَجِسًا سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَرَامًا بِالْمَوْتِ فَالْحُرْمَةُ مَوْجُودَةٌ مَعَ اخْتِلَاطِ الدَّمِ فَيَكُونُ نَجِسًا، فَإِذَا كَانَ مُذَكًّى كَانَ طَاهِرًا أَمَّا فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْحُرْمَةُ وَلَا اخْتِلَاطُ الدَّمِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الِاخْتِلَاطُ وَالْحُرْمَةُ الْمُجَرَّدَةُ غَيْرُ كَافِيَةٍ فِي النَّجَاسَةِ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ اهـ.

فَحَاصِلُهُ أَنَّ نَجَاسَةَ اللَّحْمِ لِحُرْمَتِهِ مَعَ اخْتِلَاطِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِهِ، وَقَدْ فُقِدَ الثَّانِي فِي الْمُذَكَّى مِنْ السِّبَاعِ فَكَانَ طَاهِرًا وَاجْتَمَعَا فِي حَالَتَيْ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ فَكَانَ نَجِسًا وَفُقِدَ الْأَوَّلُ فِي الشَّاةِ حَالَةَ الْحَيَاةِ وَالذَّكَاةِ فَكَانَ طَاهِرًا وَاجْتَمَعَا حَالَةَ الْمَوْتِ فَكَانَ نَجِسًا فَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ طَهَارَةَ الْعَيْنِ لَا تَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ السِّبَاعَ طَاهِرَةُ الْعَيْنِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ مَعَ أَنَّ لَحْمَهَا نَجِسٌ فَثَبَتَ بِهَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْكَلْبَ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَلَحْمَهُ نَجِسٌ وَنَجَاسَةُ سُؤْرِهِ لِنَجَاسَةِ لَحْمِهِ لَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُمْ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ تَنَجُّسَ الْجِلْدِ بِاللَّحْمِ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي طَهَارَةَ الْجِلْدِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الذَّكَاةِ أَوْ الدِّبَاغَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ نَجَاسَةَ سُؤْرِ السِّبَاعِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا خَفِيفَةٌ أَمْ غَلِيظَةٌ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ غَلِيظَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ سُؤْرَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَمِمَّا سَيَأْتِي فِي سَبَبِ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ يَظْهَرُ وَجْهُ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأُولَى لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ

(قَوْلُهُ: وَالْهِرَّةُ وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ وَسِبَاعُ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنُ الْبُيُوتِ مَكْرُوهٌ) أَيْ سُؤْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَكْرُوهٌ، وَفِي التَّبْيِينِ وَإِعْرَابُهُ بِالرَّفْعِ أَجْوَدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَعْنِي مِنْ السُّؤْرِ الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ بِغَيْرِهِ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إذَا أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِمْ فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى: لَفْظُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهَا التَّحْرِيمُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: قُلْت لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ قَالَ: التَّحْرِيمُ اهـ.

وَقَدْ صَرَّحُوا بِالْخِلَافِ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ فَمِنْهُمْ كَالطَّحَاوِيِّ وَمَنْ مَالَ إلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ نَظَرَ إلَى حُرْمَةِ لَحْمِهَا، وَمِنْهُمْ كَالْكَرْخِيِّ مَنْ مَالَ إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةَ قَالُوا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ تَوَضَّأَ بِغَيْرِهِ أَحَبُّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ إلَخْ) أَقُولُ: يُمْكِنُ إرْجَاعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ إلَى مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْحُرْمَةُ مَعَ اخْتِلَاطِ الدَّمِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ.

فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ اشْتَرَاكَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُجَاوِرَةِ بِالدَّمِ ذَكَرَ انْفِرَادَ غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِالْحُرْمَةِ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ الْأَمْرَانِ بِخِلَافِ الْمَأْكُولِ فَكَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللُّعَابَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ لَحْمٍ مَأْكُولٍ بَعْدَ الذَّبْحِ طَاهِرٌ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ إلَّا الِاخْتِلَاطُ بِالدَّمِ وَقَوْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ أَيْ دُونَ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمٍ مَأْكُولٍ بِأَنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ لَحْمٍ حَرَامٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ، فَإِنَّ لُعَابَهُ غَيْرُ طَاهِرٍ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ لَحْمٍ حَرَامٍ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الشَّيْئَانِ فَمُؤَدَّى الْكَلَامَيْنِ مُتَّحِدٌ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ شَرْحِ الْوُقَايَةِ أَصْرَحُ.

ص: 137

إلَيَّ لَكِنْ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَكَانَتْ لِلتَّحْرِيمِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي الْمُرَادِ مِنْ الْكَرَاهَةِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةَ وَكَذَا فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ

أَمَّا سُؤْرُ الْهِرَّةِ فَظَاهِرُ مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِسُؤْرِهَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مُخَالِفٌ لَهُمَا مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي قَتَادَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَسَكَبَتْ لَهُ وُضُوءً فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي فَقُلْت نَعَمْ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالنَّجَسُ بِفَتْحَتَيْنِ كُلُّ مَا يُسْتَقْذَرُ

قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا لَفْظُ أَوْ الطَّوَّافَاتِ فَرُوِيَ بِأَوْ وَبِالْوَاوِ قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْسِيمِ وَيَكُونَ ذِكْرُ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمِلٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لِلنَّوْعَيْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الطَّوَّافُونَ الْخَدَمُ وَالْمَمَالِيكُ وَقِيلَ هُمْ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ بِرِفْقٍ وَعِنَايَةٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّوَّافِينَ مِنْ الْخَدَمِ وَالصِّغَارِ الَّذِينَ سَقَطَ فِي حَقِّهِمْ الْحِجَابُ وَالِاسْتِئْذَانُ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَحِينَ الظَّهِيرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا سَقَطَ فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ لِلضَّرُورَةِ وَكَثْرَةِ مُدَاخَلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ فَلِهَذَا يُعْفَى عَنْ الْهِرَّةِ لِلْحَاجَةِ اهـ.

وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي سُقُوطِ النَّجَاسَةِ، الْمُفَادِ بِالْحَدِيثِ بِعِلَّةِ الطَّوْفِ الْمَنْصُوصَةِ يَعْنِي أَنَّهَا تَدْخُلُ الْمَضَايِقَ وَلَازِمُهُ شِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ صَوْنُ الْأَوَانِي مِنْهَا بَلْ صَوْنُ النَّفْسِ مُتَعَذِّرٌ

فَلِلضَّرُورَةِ اللَّازِمَةِ

مِنْ ذَلِكَ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ إنَّمَا الْكَلَامُ بَعْدَ هَذَا فِي ثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَنْهَضْ بِهِ وَجْهٌ

فَإِنْ قَالَ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ فَبَقِيَتْ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ إذْ سُقُوطُ وَصْفٍ أَوْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ آخَرَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ إثْبَاتَ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَسْتَدْعِي دَلِيلًا فَإِثْبَاتُ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَفَى فِيهِ أَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةَ فَيُكْرَهُ كَمَاءٍ غَمَسَ الصَّغِيرُ يَدَهُ فِيهِ وَأَصْلُهُ كَرَاهَةُ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ لِلْمُسْتَيْقِظِ قَبْلَ غَسْلِهَا نُهِيَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ فَهَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ مُنْتَهِضٌ يَتِمُّ بِهِ الْمَطْلُوبُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّمَسُّكِ بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم السِّنَّوْرُ سَبُعٌ» وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُرِدْ الْحَقِيقَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا بُعِثَ لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْحُكْمَ وَالْحُكْمُ أَنْوَاعٌ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ وَكَرَاهَتُهُ وَحُرْمَةُ اللَّحْمِ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَلْحَقَ بِهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَوْ فِي حُرْمَةِ اللَّحْمِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا أَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ أَوْ فِي كَرَاهَةِ السُّؤْرِ، وَهُوَ الْمَرَامُ أَوْ فِي نَجَاسَتِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا إذْ النَّجَاسَةُ مُنْتَفِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ أَوْ بِالضَّرُورَةِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ أَوْ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الثَّانِي أَوْ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الثَّالِثِ أَوْ فِي الثَّانِي مَعَ الثَّالِثِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ

فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْكَلَامُ أَنْ لَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ وَارِدًا بَعْدَ تَحْرِيمِ السِّبَاعِ قُلْنَا حُرْمَةُ لَحْمِ السِّبَاعِ قَبْلَ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ، فَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً فَظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً لَا تَكُونُ الْحُرْمَةُ مِنْ لَوَازِمِ كَوْنِهِ سَبُعًا فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهَا أَوْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُلْحَقَ بِهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ وَكَرَاهَتُهُ وَحُرْمَةُ اللَّحْمِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الثَّانِي) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ

ص: 138

نَقُولُ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حُرْمَةُ اللَّحْمِ مُرَادَةً مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ كَلَامِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْإِعَادَةِ لَا عَلَى الْإِفَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ سَابِقًا أَوْ مَسْبُوقًا تَأَمَّلْ تَدْرِ اهـ.

فَثَبَتَ بِهَذَا كَرَاهَةُ سُؤْرِهَا وَيُحْمَلُ إصْغَاءُ أَبِي قَتَادَةَ الْإِنَاءَ عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ بِأَنْ كَانَتْ بِمَرْأًى مِنْهُ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ غَسْلُهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيُمْكِنُ كَوْنُهُ بِمُشَاهَدَةِ شُرْبِهَا مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ قُدُومِهَا عَنْ غِيبَةٍ يَجُوزُ مَعَهَا ذَلِكَ فَيُعَارِضُ هَذَا التَّجْوِيزَ تَجْوِيزُ أَكْلِهَا نَجَسًا قُبَيْلَ شُرْبِهَا فَيُسْقِطُهُ فَتَبْقَى الطَّهَارَةُ دُونَ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَا جَاءَتْ إلَّا مِنْ ذَلِكَ التَّجْوِيزِ وَقَدْ سَقَطَ وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ كَرَاهَةِ أَكْلِ فَضْلِهَا وَالصَّلَاةِ إذَا لَحِسَتْ عُضْوًا قَبْلَ غَسْلِهِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ بَلْ يُقَيَّدُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ، فَأَمَّا لَوْ كَانَ زَائِلًا بِمَا قُلْنَا فَلَا وَقَدْ تَسَامَحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ الْوَاجِبِ عَلَى الْعَوَامّ أَنْ يَغْسِلُوا مَوَاضِعَ لَحْسِ الْهِرَّةِ إذَا دَخَلَتْ تَحْتَ لِحَافِهِمْ لِكَرَاهَةِ مَا أَصَابَهُ فَمُهَا، فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ تَنْزِيهِيَّةٌ وَتَرْكُ الْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ مُسْتَحَبٍّ لَا وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْوَاجِبِ الثَّابِتُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَرَاهَةَ أَكْلِ فَضْلِهَا تَنْزِيهًا إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوا إنَّ السُّؤْرَ الْمَكْرُوهَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ أَصْلًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْأَصْلَ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ بِعِلَّةِ الطَّوَافِ يُفِيدُ أَنَّ سُؤْرَ الْهِرَّةِ الْوَحْشِيَّةِ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الطَّوَافُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ وَعُرِفَ قَطْعًا أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا فَالْحُكْمُ يَدُورُ عَلَى وُجُودِهَا لَا غَيْرَ كَعَدَمِ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ لِلْوَالِدَيْنِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَلَدُ مَعْنَاهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ بِجِهَةِ الْإِكْرَامِ ذَكَرَهُ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ فِي بَحْثِ دَلَالَةِ النَّصِّ

وَأَمَّا سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ؛ فَلِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ فَمِنْقَارُهَا لَا يَخْلُو عَنْ قَذَرٍ وَكَذَا الْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَالْإِبِلُ الْجَلَّالَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهَا فَقِيلَ هِيَ الَّتِي تُحْبَسُ فِي بَيْتٍ وَيُغْلَقُ بَابُهُ وَتُعْلَفُ هُنَاكَ لِعَدَمِ النَّجَاسَةِ عَلَى مِنْقَارِهَا لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ عَذِرَاتٍ غَيْرَهَا حَتَّى تَجُولَ فِيهَا، وَهِيَ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا لَا تَجُولُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْحَاكِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُرِدْ بِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً فِي بَيْتِهَا؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً تَجُولُ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْقَارِهَا قَذَرٌ فَيُكْرَهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُخَلَّاةً، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ تُحْبَسَ فِي بَيْتٍ لِتَسْمَنَ لِلْأَكْلِ فَيَكُونَ رَأْسُهَا وَعَلَفُهَا وَمَاؤُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَجُولَ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَاخْتَارَ الثَّانِيَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا لَا تَأْكُلُهُ بَلْ تُلَاحِظُ الْحَبَّ بَيْنَهُ فَتَلْتَقِطُهُ

وَأَمَّا سُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَالْقِيَاسُ نَجَاسَتُهُ لِنَجَاسَةِ لَحْمِهَا لِحُرْمَةِ أَكْلِهِ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهَا، وَإِنْ اقْتَضَتْ النَّجَاسَةَ لَكِنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا، وَهُوَ عَظْمٌ جَافٌّ طَاهِرٌ لَكِنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ وَالْجِيَفَ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الدَّجَاجَةَ الْمُخَلَّاةَ فَأَوْرَثَ الْكَرَاهَةَ بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ رَطْبٌ بِلُعَابِهَا الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمِهَا، وَهُوَ نَجِسٌ فَافْتَرَقَا؛ وَلِأَنَّ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ ضَرُورَةً وَبَلْوَى، فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ فَتَشْرَبُ وَلَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا خُصُوصًا فِي الْبَرَارِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ فِي مِنْقَارِهَا لَا لِوُصُولِ لُعَابِهَا إلَى الْمَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً يُعْلَمُ لِصَاحِبِهَا أَنَّهُ لَا قَذَرَ فِي مِنْقَارِهَا لَا يُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ بِسُؤْرِهَا وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَأَفْتَوْا بِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي التَّجْنِيسِ يَجُوزُ أَنْ يُفْتَى بِهَا، وَأَمَّا سُؤْرُ سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ؛ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ اللَّحْمِ أَوْجَبَتْ النَّجَاسَةَ لَكِنَّهَا سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ بِعِلَّةِ الطَّوَافِ وَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ كَرَاهَةِ أَكْلِ فَضْلِهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَوْ خَرَجَ الْإِطْلَاقُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ لَكَانَ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهِ يَسْتَغْنِي عَمَّا فِي الْبَحْرِ مِنْ حَمْله عَلَى التَّسَامُحِ أَوْ تَأْوِيلِ الْوَاجِبِ الثَّابِتِ اهـ وَنَحْوِهِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ.

ص: 139