الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنَجَاسَةً لَوْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يُفِيضَ الْمَاءَ عَلَى بَدَنِهِ ثَلَاثًا) لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ «وَضَعْت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» فَهَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَيَانِ السُّنَّةِ وَالْفَرِيضَةِ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَعَلَّلُوا بِأَنَّهُمَا آلَةُ التَّطْهِيرِ فَيُبْتَدَأُ بِتَنْظِيفِهِمَا وَاسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ غَسْلِ الْفَرْجِ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ لَا كَتَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي سَوَاءٌ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ لَا وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ يُغْنِيهِ أَنْ يَقُولَ وَنَجَاسَةٌ عَنْ قَوْلِهِ وَفَرْجُهُ لِأَنَّ الْفَرْجَ إنَّمَا يُغْسَلُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ. اهـ.
وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ غَسْلِ الْفَرْجِ لَمْ يَنْحَصِرْ كَوْنُهُ لِلنَّجَاسَةِ بَلْ لَهَا أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ رُبَّمَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ إلَّا دَاوُد الظَّاهِرِيَّ فَقَالَ بِالْوُجُوبِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ
وَإِذَا تَوَضَّأَ أَوَّلًا لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا بَعْدَ الْغُسْلِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَعْنِي لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ لِلْغُسْلِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَاخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَيُسْتَحَبُّ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ أَنْ يُدَلِّكَ الْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ يَدَهُ بِالتُّرَابِ أَوْ بِالْحَائِطِ لِيَذْهَبَ الِاسْتِقْذَارُ مِنْهَا، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ غَسْلِ الرَّأْسِ فِي الصَّبِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ ثُمَّ بِالرَّأْسِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَبِهِ يُضَعَّفُ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الرَّأْسَ وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ إشَارَاتٌ الْأُولَى: أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ فِي هَذَا الْوُضُوءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْغَسْلِ وَالْمَسْحِ
وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ، وَفِيهِ خِلَافٌ فَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَيْ مُجْتَمَعِهِ وَلَا يُقَدِّمُ وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ مُطْلَقًا وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يُؤَخِّرُ مُطْلَقًا وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ مَا وَقَعَ مِنْ رِوَايَتَيْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ فَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَأْخِيرَ الْقَدَمَيْنِ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ غَسْلِهِمَا، فَأَخَذَ بِهَذِهِ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا لِطُولِ الصُّحْبَةِ وَالضَّبْطِ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَةِ مَيْمُونَةَ صَرِيحًا تَأْخِيرُ غَسْلِهِمَا فَأَخَذَ بِهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا لِشُهْرَتِهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِحَمْلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُجْتَمَعِ الْمَاءِ
وَحُمِلَ مَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي مُجْتَمَعِ الْمَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا فِي الْجَوَازِ فَقَوْلُ الْمَشَايِخِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْخِيرِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيمِ غَسْلِهِمَا
ــ
[منحة الخالق]
[سُنَنُ الْغُسْل]
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ لَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْجُنُبَ قَدْ لَا يَكُونُ مُحْدِثًا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ عِنْدَنَا وَكَانَ مَا ذَكَرَهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ اهـ.
وَأَقُولُ: يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَيْضًا فِي كَافِرٍ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَسْلَمَ، وَهُوَ جُنُبٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ غَسْلِ الْفَرْجِ إلَخْ) نُظِرَ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي السُّنِّيَّةِ لَا النَّدْبِ وَدَفَعَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْبَحْرِ نَقْضُ حَصْرِ تَقْدِيمِهِ فِي كَوْنِهِ لِنَجَاسَتِهِ بِجَوَازِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ فِي الْجَوَازِ وَذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ الْغَسْلِ لِلصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ يَحْتَاجُ عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ إلَى غَسْلِهِمَا فَلَمْ يُفِدْ الْغَسْلُ فَائِدَتَهُ فَوَجَبَ التَّأْخِيرُ تَحَامِيًا عَنْ الْإِسْرَافِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَوْلَوِيَّةُ التَّأْخِيرِ مَعَ النَّجَاسَةِ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَجَاسَةٍ وَنَجَاسَةٍ، وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ بَنَى الِاخْتِلَافَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ الْمُفْتَى بِهَا أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ فَلَا كَلَامَ لَهُ فِي أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ لِمَا سَيَنْقُلُهُ عَنْ الْهِنْدِيِّ وَالْمُحِيطِ هَذَا وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِ عِبَارَةِ النَّهْرِ قَالَ مَا نَصُّهُ، وَأَقُولُ: كَوْنُ الْوُجُوبِ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُفِدْ إلَى قَوْلِهِ تَحَامِيًا عَنْ الْإِسْرَافِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ بِهِ حِينَئِذٍ مَسُّ الْمُصْحَفِ بَلْ مَا عَدَا الصَّلَاةِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لِزَوَالِ الْحَدَثِ وَهَلَّا تَكْفِي هَذِهِ الْفَائِدَةُ وَبَعْدَ حُصُولِهَا كَيْفَ يُقَالُ بِالْإِسْرَافِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ التَّرْكُ إذْ قَدْ لَا يُصَلِّي إذْ ذَاكَ وَقَوْلُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَجَاسَةٍ وَنَجَاسَةٍ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا بَلْ الْفَرْقُ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى الْبَدَنِ وَلَاقَاهَا الْمَاءُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدَثُ حِينَئِذٍ لِكَوْنِهِ تَنَجَّسَ بِهَا إلَّا إذَا تَطَهَّرَ الْمَحَلَّ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ الْحَدَثُ أَيْضًا وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ انْتِشَارِهَا فِي الْبَدَنِ بِخِلَافِ
؛ لِأَنَّهُمَا يَتَلَوَّثَانِ بِالْغَسَلَاتِ بَعْدُ فَيُحْتَاجُ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الْفَائِدَةُ الْكَامِلَةُ فِي تَقْدِيمِ غَسْلِهِمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ غَسْلَهُمَا وَلَمْ يَغْسِلْهُمَا ثَانِيًا خَرَجَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي أَصَابَهُمَا مِنْ الْأَرْضِ الْمُجْتَمَعِ فِيهَا الْغَسَلَاتُ مُسْتَعْمَلٌ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ طَاهِرٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَلَيْسَ الَّذِي أَصَابَ قَدَمَيْهِ مِنْ صَبِّهِ عَلَى بَقِيَّةِ بَدَنِهِ غَيْرُ مَا اجْتَمَعَ فِي الْأَرْضِ مُسْتَعْمَلًا أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ التَّجَزِّي فَلَا يُوصَفُ هَذَا الْمَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَالْمَاءُ الَّذِي أَصَابَ الْقَدَمَيْنِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ فِي الْغُسْلِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَجُوزَ نَقْلُ الْبِلَّةِ فِيهِ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّهِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ لَا اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ الَّذِي أَصَابَهُ مِنْ مُجْتَمَعِ الْغَسَلَاتِ
وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَقَدْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْحَدَثُ حَتَّى تَعَافَهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْهِنْدِيُّ فَقَالَ: وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّ غَسْلَهُمَا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَنَجَّسَانِ ثَانِيًا بِاجْتِمَاعِ الْغَسَلَاتِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَعَلَيْهَا فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً تَامَّةً، وَإِلَّا فَقَدْ أَفَادَ التَّقْدِيمُ فَائِدَةً، وَهِيَ حِلُّ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَتْ قَدَمَاهُ مُتَنَجِّسَتَيْنِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْفَائِدَةِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ التَّجَزِّي فَغَسْلُهُمَا مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تَزُولُ عَنْ رِجْلَيْهِ إذَا غَسَلَهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَيَكُونُ طَاهِرًا فِي مُجْتَمَعِ الْمَاءِ بَعْدَ غَسْلِ سَائِرِ جَسَدِهِ، فَإِنَّهُ فُهِمَ مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ بَاقِيَ بَدَنِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ غَسْلِ رِجْلَيْهِ لِأَجَلِ عَدَمِ ارْتِفَاعِ الْجَنَابَةِ عَنْهُمَا، وَهَذَا ذُهُولٌ عَظِيمٌ وَسَهْوٌ كَبِيرٌ، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فَرْضَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ قَدْ سَقَطَ بِتَقْدِيمِهِ وَلَكِنْ هَلْ زَالَتْ الْجَنَابَةُ عَنْهُمَا أَوْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي فَرِوَايَةُ التَّجَزِّي قَائِلَةٌ بِالْأَوَّلِ وَرِوَايَة عَدَمُ التَّجَزِّي قَائِلَةٌ بِالثَّانِي لَا أَنَّهَا قَائِلَةٌ بِوُجُوبِ إعَادَةُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَفَائِدَةُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ الْجُنُبُ أَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّجَزِّي يَحِلُّ لَهُ لِزَوَالِ الْجَنَابَةِ عَنْهُ وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي لَا يَحِلُّ لَهُ لِعَدَمِ الزَّوَالِ الْآنَ وَقَدْ صَحَّحَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ
وَقَدْ انْدَفَعَ بِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مَا اسْتَشْكَلَهُ بَعْض الْمُحَشَّيْنِ مِنْ زَوَالِ الْجَنَابَةِ بِصَبِّ الْمَاءِ مِنْ الرَّأْسِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ عَلَى رِوَايَةِ التَّجَزِّي وَقَالَ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ وَسُوءُ فَهْمٍ، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْبَدَنَ فِي الْغُسْل كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاء لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بَعْد الِانْفِصَالِ عَنْ الْعُضْو فَعَلَى رِوَايَة التَّجَزِّي لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا إذَا انْفَصِلْ عَنْ جَمِيع الْبَدَنِ، وَإِنْ زَالَتْ الْجَنَابَة عَنْ كُلّ عُضْو انْفَصِلْ عَنْهُ الْمَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرِ لَا يَخْفَى، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْخِيرِ إنَّمَا اسْتَحَبُّوهُ لِيَكُونَ الِافْتِتَاح وَالِاخْتِتَام بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَخَذَا مِنْ حَدِيث مَيْمُونَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّ قَوْلهَا تَوَضَّأَ، وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ الْأَظْهَرُ فِيهِ إكْمَالُ وُضُوئِهِ وَقَوْلُهَا آخِرًا ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا نَالَهُمَا مِنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ اهـ.
فَعَلَى هَذَا يَغْسِلُهُمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغُسْلِ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ غَسَلَهُمَا أَوْ لَا إكْمَالًا لِلْوُضُوءِ أَوْ لَمْ يَغْسِلْهُمَا وَسَوَاءٌ أَصَابَهُمَا طِينٌ أَوْ كَانَتَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَخْفَى تَعَيُّنُ غَسْلِهِمَا فِي حَقِّ الْوَاحِدِ مِنَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغُسْلِ إذَا كَانَتَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ، وَكَانَ عَلَى الْبَدَنِ نَجَاسَةٌ مِنْ مَنِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ وَفِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ خَاضَ الرَّجُلُ فِي مَاءِ الْحَمَّامِ بَعْدَ مَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ
فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَمَّامِ جُنُبًا أَجْزَأَهُ أَنْ لَا يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنْ فِي الْحَمَّامِ جُنُبًا قَدْ اغْتَسَلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ إذَا خَرَجَ قَالَ رحمه الله فِي وَاقِعَاتِهِ وَعَلَى
ــ
[منحة الخالق]
تَنَجُّسِ الرِّجْلَيْنِ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَتَمَامِ الطَّهَارَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْهِنْدِيُّ فَقَالَ إلَخْ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا بَنَى عَلَيْهِ كَلَامَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ هُوَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ بَلْ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ إذْ لَا شُبْهَةَ فِي لُزُومِ غَسْلِهِمَا بِنَاءً عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُقَوَّى بِهِ كَلَامَهُ مَعَ أَنَّهُ يُنَابِذُ مَرَامَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي إلَخْ) أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تَزُولُ عَنْ رِجْلَيْهِ إلَخْ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي غَسْلِهِمَا أَوَّلًا وَأَنَّهُ يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا