الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَخْتَلِفُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا مَا عَنْ «عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيْ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَفِي الْمُغْرِبِ انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيْ عَلِيٍّ صَوَابُهُ كُسِرَ أَحَدُ زَنْدَيْهِ؛ لِأَنَّ الزَّنْدَ مُذَكَّرٌ وَالزَّنْدَانِ عَظْمَا السَّاعِدِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى خِلَافًا فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ الْكَسْرُ يَوْمَ أُحُدٍ أَوْ يَوْمَ خَيْبَرَ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرِّجَ أَحَادِيثَ دَالَّةً عَلَى الْجَوَازِ وَضَعَّفَهَا وَيَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْعِصَابَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ، فَإِنَّ الْأَبْدَالَ لَا تَنْصِبُ بِالرَّأْيِ وَالْبَاقِي اسْتِئْنَاسٌ لَا يَضُرُّهُ التَّضْعِيفُ إنْ تَمَّ إذَا لَمْ يُقَوِّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَمَّا إذَا قَوِيَ فَلْيُسْتَدَلَّ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله صِفَةَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْمُلْحَقَ بِهَا لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ يَضُرُّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ فَالْمَسْحُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ فَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالْمَسْحُ يَضُرُّهُ جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ
وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَحْكِ فِي الْأَصْلِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ عِنْدَهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَهُ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ حَتَّى يَجُوزَ بِدُونِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَأَوْجَبَ الْعَمَلَ بِهِ دُونَ الْعِلْمِ فَحَكَمْنَا بِوُجُوبِ الْمَسْحِ عَمَلًا وَلَمْ نَحْكُمْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ حَالَ عَدَمِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسَادِ يَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يُوجِبُهُ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَسْحَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ وَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي تَجْرِيدِهِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَكَذَا صَحَّحَ فِي الْغَايَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّجْنِيسِ الِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ اهـ.
وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ الْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ وَعَلَيْهِ
ــ
[منحة الخالق]
[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازُ]
(قَوْلُهُ: وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ إلَخْ) أَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضِيَّةُ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ أَيَّاهَا بَعْدَ نَقْلِ الْقَوْلِ بِرُجُوعِ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا أَيْ وَهُمَا يَقُولَانِ بِالْفَرْضِيَّةِ لَكِنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَقَالَ ثُمَّ الْمَسْحُ مُسْتَحَبٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَاجِبٌ عِنْدَ هُمَا وَقِيلَ إنَّ الْوُجُوبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ الْمَسْحُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا اهـ.
وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لَهُمَا قَوْلَيْنِ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ وَقَوْلًا بِالْفَرْضِيَّةِ كَمَا أَنَّ لَهُ قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ وَقَوْلًا بِالْوُجُوبِ فَعَلَى هَذَا فَرُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا رُجُوعٌ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ إلَى الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ الْأَصَحَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى هُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ قَائِلٌ بِالْوُجُوبِ فَحَمْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَوَاجِبٌ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ غَيْرُ الْفَرْضِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ قَوْلُهُمَا بِالِافْتِرَاضِ آخَرَ فَقَوْلُهُ إنَّ الْوُجُوبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْوُجُوبَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنَ الْأَوَّلِ غَالِبًا وَلَا يُقَالُ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ إلَخْ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ هُنَا الِافْتِرَاضُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ مِنْ الْآحَادِ فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ كَمَا قَرَّرَهُ الْمُحَقِّقُ وَلَمَّا كَانَ دَلِيلُ التَّيَمُّمِ قَطْعِيًّا كَانَ الثَّابِتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةَ فَالتَّشْبِيهُ بِالتَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ قَائِمٌ مَقَامَ غَسْلِ الْعُضْوِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ وَكَمَا لَا يُقَالُ إلَخْ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطِيَ الْمُشَبَّهَ مَا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ الْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى يَجُوزَ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ حَتَّى تَجُوزَ صَلَاتُهُ بِدُونِهِ اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُثْبَتَ أَوَّلًا وَالْمَنْفِيَّ ثَانِيًا هُوَ الْوُجُوبُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْغَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْحِ هَلْ هُوَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعِنْدَهُمَا وَاجِبٌ وَقِيلَ فِي التَّوْفِيقِ الْوُجُوبُ الْمَنْفِيُّ عِنْدَهُ بِمَعْنَى الْفَرْضِ وَعِنْدَهُمَا الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ وُجُوبُ الْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ وَنُقِلَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الِاسْتِحْبَابُ وَالْوُجُوبُ وَالْجَوَازُ وَقِيلَ هُوَ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا وَاجِبٌ عِنْدَهُ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمُثْبَتَ عِنْدَهُمَا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ الثَّالِثِ، وَأَمَّا الْمَنْفِيُّ عِنْدَهُ فَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ ثُمَّ الْمُرَادُ عَلَى الْأَوَّلِ الِاسْتِحْبَابُ فَقَطْ وَعَلَى الثَّالِثِ الْوُجُوبُ فَقَطْ وَعَلَى الثَّانِي أَحَدُ هَذَيْنِ أَوْ الْوُجُوبُ
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ فَانْظُرْ كَيْفَ نَسَبُوا إلَيْهَا تَارَةً الْقَوْلَ بِالْفَرْضِيَّةِ وَتَارَةً
الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا وَوَظِيفَةُ هَذَا الْعُضْوِ الْغَسْلُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالتَّيَمُّمِ وَكَمَا لَا يُقَالُ إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا سَاقِطٌ فَسَقَطَ الْمَسْحُ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِدَلِيلِهِ كَمَا وَجَبَ التَّيَمُّمُ بِدَلِيلِهِ اهـ.
فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي افْتِرَاضِهِ أَوْ وُجُوبِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ اسْتِحْبَابَهُ عَلَى قَوْلٍ وَقَدْ جَنَحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى تَقْوِيَةِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ حَيْثُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ وَغَايَةُ مَا يُفِيدُ الْوَارِدُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ الْوُجُوبُ فَعَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِهِ أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ وَحُكِمَ عَلَى قَوْلِ الْخُلَاصَةِ الْمَاضِي بِأَنَّهُ اُشْتُهِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شُهْرَةُ نَقِيضِهِ عَنْهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَعْنَى مَا قِيلَ إنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ. اهـ.
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ حَكَمَ بِالْفَسَادِ يَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ فَلَا يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَفِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ لَهَا مَعَ أَنَّ تَرْكَ الْكَلَامِ فِيهَا ثَابِتٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ فَيَجُوزُ ثُبُوتُهُ بِظَنِّيٍّ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسَادِ بِسَبَبِ الْكَلَامِ لَيْسَ ثَابِتًا بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَفَادَ كَوْنَهُ مَحْظُورًا فِيهَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ حَظْرٌ يَرْتَفِعُ إلَى الْإِفْسَادِ، فَهُوَ إنَّمَا ثَبَتَ بِالِاتِّفَاقِ لَا بِالْحَدِيثِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ لَا الْفَسَادُ بِتَرْكِهِ إذَا لَمْ يَمْسَحْ وَصَلَّى، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ تَرْكِ وَاجِبٍ وَجَبَتْ إعَادَتُهَا هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ تَفْصِيلًا عَلَى قَوْلِ
ــ
[منحة الخالق]
الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ الْمُقَابِلِ لِلْمُسْتَحَبِّ وَلِلْفَرْضِ وَلَمْ يَنْسُبُوا إلَيْهِ الْقَوْلَ بِالْفَرْضِيَّةِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ جَائِزٌ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إمَّا وَاجِبٌ أَوْ فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ غَيْرِ مَا كِتَابٍ، وَإِذَا حَمَلْنَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِمَا عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْجَوَازِ إلَى الْوُجُوبِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُهَا بِعَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هَذَا شَأْنُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْجَائِزِ تَتَّفِقُ كَلِمَتُهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَكُونُ مَا فِيهَا غَيْرَ مَا صَحَّحُوهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ مَا نَقَلْنَاهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مِنْ التَّوْفِيقِ السَّابِقِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمَجْمَعِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ لَك فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ قَوْلٌ بِالْفَرْضِيَّةِ إذْ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِهِ بَلْ صَرَّحُوا بِنَفْيِهِ قَوْلًا لَهُ فَضْلًا عَنْ تَصْحِيحِهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَكَلَامِ أَخِيهِ فِي النَّهْرِ حَيْثُ وَافَقَهُ بَلْ زَادَ عَلَيْهِ وَمَشَى عَلَى الْفَرْضِيَّةِ وَتَابَعَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْمِنَحِ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي افْتِرَاضِهِ أَوْ وُجُوبِهِ
أَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمَعْنَى الِافْتِرَاضِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْفَتْوَى، وَهَذَا آكَدُ فِي التَّصْحِيحِ مِنْ لَفْظِ الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ أَوْ الْمُخْتَارِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَلِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ مِنْ رُجُوعِ الْإِمَامِ قَدَّسَ سِرَّهُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قُلْنَا، وَإِلَّا لَا يُتْرَكُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي شُرُوحِ الْوِقَايَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ إنْ ضَرَّ جَازَ تَرْكُهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ فَقَدْ اخْتَلَفَ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي جَوَازِ تَرْكِهِ وَالْمَأْخُوذُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ اهـ.
وَبِهِ جَزَمَ مُنْلَا خُسْرو اهـ كَلَامُ الْمِنَحِ وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ.
وَأَقُولُ: أَمَّا مَا نَسَبَهُ إلَى الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمَعْنَى الِافْتِرَاضِ فَلَيْسَ الْمَوْجُودُ فِيهِ كَذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ خِلَافَهُ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ فَقَدْ عَمِلْت تَأْوِيلَهَا، وَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ كَلَامِ شُرُوحِ الْوِقَايَةِ وَمُنْلَا خُسْرو مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَرْضِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ وَالْوَاجِبُ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمَ الصِّحَّةِ لِإِسْنَادِهِمْ إيَّاهُ إلَى التَّرْكِ وَلَا يُقَالُ لَا يَصِحُّ تَرْكُهُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَدَمُ الْحِلِّ؛ وَلِذَا عَطَفَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا بِالْفَرْضِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ عِنْدَهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ أَيْ يَحِلُّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ بِالِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْجَوَازِ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَاجِبٌ أَيْ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فَقَوْلُ شُرَّاحِ الْوِقَايَةِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ هُوَ مَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ تَصْحِيحُ الْوُجُوبِ لَا الْفَرْضِيَّةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْفُرُوقِ مِنْ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلَا تَقْتَصِرْ عَلَيْهِ بَلْ ارْجِعْ أَيْضًا إلَى رَأْيِك مُنْصِفًا وَابْحَثْ مَعَ ذَوِي الْأَفْهَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ: وَقَدْ جَنَحَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ اخْتِيَارِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ إلَخْ فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْفَرَائِضُ الْعَمَلِيَّةُ تَثْبُتُ بِالظَّنِّ وَالِاشْتِهَارُ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ ثُبُوتِ أَصْلِهِ غَيْرُ لَازِمِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ يَثْبُتُ بِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا مُطْلَقًا لَمَّا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى نَوْعَيْنِ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ هُوَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِحَيْثُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ لِكَمَالِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الظَّنِّيِّ الْقَوِيِّ الْمُثْبِتِ لِلْفَرْضِ وَبَيْنَ الظَّنِّيِّ الْمُثْبِتِ لِلْوَاجِبِ اصْطِلَاحًا خُصُوصُ الْمَقَامِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية وَيَتَعَيَّنُ