الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَخْطُبُ فَقَالَ أَصَلَّيْت يَا فُلَانُ قَالَ لَا قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» وَسَمَّاهُ النَّسَائِيّ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمْسَكَ لَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ، كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْأَوَّلِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ إذْ النَّفَلُ مَكْرُوهٌ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَوَقْتِهَا سَوَاءٌ أَمْسَكَ الْخَطِيبُ عَنْهَا أَوْ لَا، أَطْلَقَ الْخُطْبَةَ فَشَمِلَتْ كُلَّ خُطْبَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ خُطْبَةَ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ أَوْ كُسُوفٍ أَوْ اسْتِسْقَاءٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَوْ حَجٍّ وَهِيَ ثَلَاثٌ أَوْ خَتْمٌ أَيْ خَتْمُ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى أَوْ خُطْبَةَ نِكَاحٍ وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِلَى هُنَا صَارَتْ الْأَوْقَاتُ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا ثَمَانِيَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الْخُطْبَةِ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَمِنْهَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ مَكْرُوهٌ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا التَّنَفُّلُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهَا فِي الْمَسْجِدِ لَا فِي الْبَيْتِ وَمِنْهَا التَّنَفُّلُ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنْهَا وَقْتُ الْمَكْتُوبَةِ إذَا ضَاقَ يُكْرَهُ أَدَاءُ غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ فِيهِ وَمِنْهَا وَقْتُ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ وَمِنْهَا وَقْتُ حُضُورِ الطَّعَامِ إذَا كَانَتْ النَّفْسُ تَائِقَةً إلَيْهِ وَالْوَقْتُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ مَا يَشْغَلُ الْبَالَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَيُخِلُّ بِالْخُشُوعِ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الشَّاغِلُ، كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَدَاءِ الْعِشَاءِ لَا غَيْرُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ هُوَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ فِي التَّأْخِيرِ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: وَعَنْ
الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ)
أَيْ مُنِعَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِسَبَبِ الْعُذْرِ لِلنُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ بِتَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ وَلِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً قَطُّ إلَّا لِوَقْتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَمَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ فِعْلًا بِأَنْ صَلَّى الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَيُحْمَلُ تَصْرِيحُ الرَّاوِي بِالْوَقْتِ عَلَى الْمَجَازِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَالْمَنْعُ عَنْ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ عِنْدَنَا مُقْتَضٍ لِلْفَسَادِ إنْ كَانَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ وَلِلْحُرْمَةِ إنْ كَانَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ مَعَ الصِّحَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمُسَافِرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَقَدْ شَاهَدْت كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فِي الْأَسْفَارِ خُصُوصًا فِي سَفَرِ الْحَجِّ مَاشِينَ عَلَى هَذَا تَقْلِيدًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ يُخِلُّونَ بِمَا ذَكَرَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ الشُّرُوطِ لَهُ فَأَحْبَبْت إيرَادَهَا إبَانَةً لِفِعْلِهِ عَلَى وَجْهِهِ لِمُرِيدِهِ، اعْلَمْ أَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فِعْلَ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا أَفْضَلُ إلَّا لِلْحَاجِّ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَفِي حَقِّ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ قَالُوا شُرُوطُ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةٌ الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى وَنِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَمَحِلُّ هَذِهِ النِّيَّةِ عِنْدَ التَّحْرِيمِ أَعْنِي فِي الْأُولَى وَيَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا فِي الْأَظْهَرِ وَلَوْ نَوَى مَعَ السَّلَامِ مِنْهَا جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمُوَالَاةُ بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ، فَإِنْ طَالَ وَجَبَ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ وَمَا عَدَّهُ الْعُرْفُ فَصْلًا طَوِيلًا فَهُوَ طَوِيلٌ يَضُرُّ وَمَالًا فَلَا وَلِلْمُتَيَمِّمِ الْجَمْعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَوَازِنَا تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ سِوَى تَأْخِيرِهَا بِنِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ نَوَى، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً كَفَى عَلَى مَا فِي الرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ وَاعْتُبِرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَدْرُ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَخَّرَ عَصَى فِي التَّأْخِيرِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَضَاءً قَالُوا وَإِذَا كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى فَتَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ نَازِلًا فَتَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِ الْأُولَى أَفْضَلُ ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي مَنَاسِكِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْأَذَانِ]
ــ
[منحة الخالق]
[التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ]
(قَوْلُهُ: أَوْ كُسُوفٍ) فِيهِ أَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا مَذْهَبُنَا تَأَمَّلْ، وَأَمَّا خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَهِيَ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ
[الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ]
(بَابُ الْأَذَانِ)
هُوَ لُغَةً الْإِعْلَامُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] وَشَرْعًا إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَسَبَبُهُ الِابْتِدَائِيُّ أَذَانُ جِبْرِيلَ عليه السلام لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَإِقَامَتُهُ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إمَامًا بِالْمَلَائِكَةِ وَأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ فِي الْمَنَامِ وَهُوَ مَشْهُورٌ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَلَكِ فَقِيلَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ غَيْرُهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْبَقَائِيُّ دُخُولُ الْوَقْتِ وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَصِفَتُهُ سَتَأْتِي وَرُكْنُهُ الْأَلْفَاظُ الْمَخْصُوصَةُ وَكَيْفِيَّتُهُ مَعْلُومَةٌ، وَأَمَّا سُنَنُهُ فَنَوْعَانِ سُنَنٌ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ وَسُنَنٌ فِي صِفَاتِ الْمُؤَذِّنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَسَيَأْتِي، وَأَمَّا الثَّانِي فَأَنْ يَكُونَ رَجُلًا عَاقِلًا ثِقَةً عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَأَوْقَاتُ الصَّلَاةِ فَأَذَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ وَلَا مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُعَادُ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ «وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» وَصَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ أَذَانِ الْفَاسِقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ عَالِمًا أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي كَوْنِهِ خِيَارًا أَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُؤَذِّنِ وَلَا لِلْإِمَامِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يُشَارِطْهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَكِنْ عَرَفُوا حَاجَتَهُ فَجَمَعُوا لَهُ فِي وَقْتٍ شَيْئًا كَانَ حَسَنًا وَيَطِيبُ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يُهْدُوا إلَيْهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ
أَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا فَيَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ وَالْمُفْتِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْمُؤَذِّنُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابَ الْمُؤَذِّنِينَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَفِي أَخْذِ الْأَجْرِ أَوْلَى. اهـ.
وَقَدْ يُمْنَعُ لِمَا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لِلْجَهَالَةِ الْمُوَقَّعَةِ فِي الْغَرَرِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ الْمُقَدَّرَ فِي الْوَقْفِ لِلْمُؤَذِّنِ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهُ فِيمَنْ يُوَلِّي وَيُرَتِّبُ لِلْأَذَانِ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَمْ الْإِمَامَةُ قِيلَ بِالْأَوَّلِ لِلْآيَةِ {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33] فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ بِالْمُؤَذِّنِينَ وَلِلْحَدِيثِ «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ قِيلَ أَطْوَلُ النَّاسِ رَجَاءً يُقَالُ طَالَ عُنُقِي إلَى وَعْدِك أَيْ رَجَائِي وَقِيلَ أَكْثَرُ النَّاسِ اتِّبَاعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُمْ كُلُّ مَنْ يُصَلِّي بِأَذَانِهِمْ يُقَالُ جَاءَنِي عُنُقٌ مِنْ النَّاسِ أَيْ جَمَاعَةٌ وَقِيلَ أَعْنَاقُهُمْ تَطُولُ حَتَّى لَا يُلْجِمَهُمْ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ إعْنَاقًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ إسْرَاعًا فِي السَّيْرِ وَقِيلَ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا أَئِمَّةً وَلَمْ يَكُونُوا مُؤَذِّنِينَ وَهُمْ لَا يَخْتَارُونَ مِنْ الْأُمُورِ إلَّا أَفْضَلَهَا وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ
وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ إنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ اخْتَارَ الْإِمَامَةَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَخَافُ إنْ تَرَكْت الْفَاتِحَةَ أَنْ يُعَاتِبَنِي الشَّافِعِيُّ وَإِنْ قَرَأْتُهَا مَعَ الْإِمَامِ أَنْ يُعَاتِبَنِي أَبُو حَنِيفَةَ فَاخْتَرْت الْإِمَامَةَ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ. اهـ.
وَقَدْ كُنْت أَخْتَارُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُ عُمَرَ لَوْلَا الْخِلِّيفَى لَأَذَّنْت لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ مُرَادُهُ لَأَذَّنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا عُلِمَ مِنْ إخْبَارِهِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مَهِيبًا وَيَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ النَّاسِ وَيَزْجُرُ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَاتِ وَلَا يُؤَذِّنُ لِقَوْمٍ آخَرِينَ إذَا صَلَّى فِي مَكَانِهِ وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي مَوْضِعٍ عَالٍ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَفِي أَذَانِ الْمَغْرِبِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْمَكَانُ الْعَالِي فِي أَذَانِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ أَسْمَعَ لِلْجِيرَانِ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَلَا يُجْهِدَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَوِلَايَةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَنْ بَنَى الْمَسْجِدَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَالْقَوْمُ كَارِهُونَ لَهُ وَكَذَا الْإِمَامَةُ إلَّا أَنَّ هَهُنَا اسْتَثْنَى الْفَاسِقَ اهـ. يَعْنِي فِي الْإِمَامَةِ.
(قَوْلُهُ: سُنَّ لِلْفَرَائِضِ) أَيْ سُنَّ الْأَذَانُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَوِيَّةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ حَتَّى أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْوُجُوبَ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ قَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِهِ لَا عَلَى وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ اسْتِخْفَافِهِمْ بِالدِّينِ بِخَفْضِ أَعْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ إعْلَامِ الدِّينِ كَذَلِكَ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وُجُوبَهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ أَهْلُ بَلْدَةٍ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ إذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُضْرَبُوا وَلَمْ يُحْبَسُوا وَاسْتُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ صَلَّوْا فِي الْحَضَرِ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَأَثِمُوا. اهـ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمَقْرُونَةَ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ لَا الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَالظَّاهِرُ كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ فِي بَلَدٍ سَقَطَتْ الْمُقَاتَلَةُ عَنْ أَهْلِهَا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي بَلَدٍ سَقَطَ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ إظْهَارُ أَعْلَامِ الدِّينِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكِفَايَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ سُنَّةً فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا كَمَا سَيَأْتِي وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْإِثْمِ عَلَى تَرْكِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَلَّ الْإِثْمَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ بَعْضُهُ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ بِالسُّنِّيَّةِ حَيْثُ قَالَ أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ فِي حَقِّ لُحُوقِ الْإِثْمِ لِتَارِكِهِمَا. اهـ.
وَخَرَجَ بِالْفَرَائِضِ مَا عَدَاهَا فَلَا أَذَانَ لِلْوِتْرِ وَلَا لِلْعِيدِ وَلَا لِلْجَنَائِزِ وَلَا لِلْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ؛ لِأَنَّهَا اتِّبَاعٌ لِلْفَرَائِضِ وَالْوِتْرُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عِنْدَهُ لَكِنَّهُ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَى بِأَذَانِهِ لَا لِأَنَّ الْأَذَانَ لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: بِلَا تَرْجِيعٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ وَهُوَ أَنْ يَخْفِضَ بِالشَّهَادَتَيْنِ صَوْتَهُ، ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَرْفَعَ بِهِمَا صَوْتَهُ «؛ لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ لَا يُرَجِّعُ وَأَبُو مَحْذُورَةَ رَجَّعَ بِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم لِلتَّعْلِيمِ» كَمَا كَانَ عَادَتُهُ فِي تَعْلِيمِ أَصْحَابِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِعْلَامُ وَلَا يَحْصُلُ بِالْإِخْفَاءِ فَصَارَ كَسَائِرِ كَلِمَاتِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ التَّرْجِيعَ عِنْدَنَا مُبَاحٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ بِصُورَةِ نَقْلِ الْخِلَافِ وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِوَجْهٍ فَإِنَّ الْمُقَاتَلَةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ وَعَدَمِ الْقَهْرِ لَهُمْ وَالضَّرْبُ وَالْحَبْسُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قَهْرِهِمْ فَجَازَ أَنْ يُقَاتَلُوا إذَا امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْأَمْرِ بِالْأَذَانِ وَلَمْ يُسَلِّمُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِذَا قُوتِلُوا فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ ضُرِبُوا وَحُبِسُوا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ إلَخْ) أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ السَّابِقِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلْدَةٍ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ ثَبَتَ عَدَمُ الْإِنْكَارِ عَلَى أَهْلِ بَلْدَةٍ تَرَكُوهُ لَا عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ تَرْكِهِ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ جَوَازُ تَرْكِهِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا اتَّسَعَتْ أَطْرَافُهَا كَمِصْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَحَلَّةٍ سَمِعُوا الْأَذَانَ وَلَوْ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى يَسْقُطُ عَنْهُمْ لَا إنْ لَمْ يَسْمَعُوا. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْإِثْمِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمَذْكُورُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ السُّنَنِ وَبِهَذَا يَبْطُلُ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْإِثْمَ إلَخْ) لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ هُنَا لَكِنْ سَيَجْزِمُ بِهِ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ مُسْتَنِدًا إلَى شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْفَرَائِضِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَنْذُورَةِ وَرَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ يُسَنُّ الْأَذَانُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي أَذَانِ الْمَوْلُودِ وَالْمَهْمُومِ وَالْمَفْزُوعِ وَالْغَضْبَانِ وَمَنْ سَاءَ خُلُقُهُ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةٍ وَعِنْدَ مُزْدَحِمِ الْجَيْشِ وَعِنْدَ الْحَرِيقِ قِيلَ وَعِنْدَ إنْزَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ قِيَاسًا عَلَى أَوَّلِ خُرُوجِهِ لِلدُّنْيَا لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِنْدَ تَغَوُّلِ الْغِيلَانِ أَيْ عِنْدَ تَمَرُّدِ الْجِنِّ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ فِيهِ أَقُولُ: وَلَا بُعْدَ فِيهِ عِنْدَنَا.
(قَوْلُهُ: وَأَبُو مَحْذُورَةَ رَجَعَ بِأَمْرِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِحِكْمَةٍ رُوِيَتْ فِي قِصَّتِهِ وَهِيَ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ يُبْغِضُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْإِسْلَامِ بُغْضًا شَدِيدًا فَلَمَّا أَسْلَمَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْأَذَانِ فَلَمَّا بَلَغَ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ خَفَضَ صَوْتَهُ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَرَكَ أُذُنَهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ وَامْدُدْ بِهَا صَوْتَك إمَّا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ مِنْ الْحَقِّ أَوْ لِيَزِيدَهُ مَحَبَّةً لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِتَكْرِيرِ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَتِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى، أَمَّا التَّرْجِيعُ بِمَعْنَى التَّغَنِّي
فِيهِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ لَكِنْ ذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنُ وَلَا التَّطْرِيبُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّرْجِيعَ هُنَا لَيْسَ هُوَ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ بَلْ هُوَ التَّغَنِّي وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةُ مُؤَذِّنِينَ: بِلَالٌ وَأَبُو مَحْذُورَةَ وَعَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِذَا غَابَ بِلَالٌ أَذَّنَ أَبُو مَحْذُورَةَ وَإِذَا غَابَ أَبُو مَحْذُورَةَ أَذَّنَ عَمْرٌو» قَالَ التِّرْمِذِيُّ أَبُو مَحْذُورَةَ اسْمُهُ سَمُرَةُ بْنُ مُعِيرٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَحْنٌ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ لَحْنٌ أَيْ تَلْحِينٌ وَهُوَ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ التَّطْرِيبُ وَالتَّرَنُّمُ يُقَالُ لَحَّنَ فِي قِرَاءَتِهِ تَلْحِينًا طَرَّبَ فِيهَا وَتَرَنَّمَ، وَأَمَّا اللَّحْنُ فَهُوَ الْفِطْنَةُ وَالْفَهْمُ لِمَا لَا يَفْطِنُ لَهُ غَيْرُهُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» وَفِي الصِّحَاحِ اللَّحْنُ الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ وَالتَّلْحِينُ التَّخْطِئَةُ وَالْمُنَاسِبُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ بِالتَّغَنِّي بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ كَلِمَاتِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِيهِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَغَنٍّ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ مَطْلُوبٌ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا وَقَيَّدَهُ الْحَلْوَانِيُّ بِمَا هُوَ ذِكْرٌ فَلَا بَأْسَ بِإِدْخَالِ الْمَدِّ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّلْحِينَ هُوَ إخْرَاجُ الْحَرْفِ عَمَّا يَجُوزُ لَهُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ نَقْصٍ مِنْ الْحُرُوفِ أَوْ مِنْ كَيْفِيَّاتِهَا وَهِيَ الْحَرَكَاتُ وَالسَّكَنَاتُ أَوْ زِيَادَةُ شَيْءٍ فِيهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ سَمَاعُ الْمُؤَذِّنِ إذَا لَحَّنَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي الْقِرَاءَةِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى قِرَاءَةً وَسَمَاعًا وَقَيَّدَهُ بِالتَّلْحِينِ؛ لِأَنَّ التَّفْخِيمَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ اللُّغَتَيْنِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ تَغْلِيظُ اللَّامِ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي خِلَافًا فِيهِ بَيْنَ الْقُرَّاءِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِكَرَاهَةِ الْخَطَأِ فِي إعْرَابِ كَلِمَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ بَعْدَ فَلَاحِ أَذَانَ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) «لِحَدِيثِ بِلَالٍ حَيْثُ ذَكَرَهَا حِينَ وُجِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمًا فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَهُ بِهِ فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك» وَهُوَ لِلنَّدْبِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مَا أَحْسَنَ هَذَا، وَإِنَّمَا خُصَّ الْفَجْرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ دُونَ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَهَا مَكْرُوهٌ أَوْ نَادِرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ النَّوْمُ مُشَارِكًا لِلصَّلَاةِ فِي أَصْلِ الْخَيْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِبَادَةً كَمَا إذَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ أَوْ لِأَنَّ النَّوْمَ رَاحَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةُ رَاحَةٌ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ الرَّاحَةُ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَ فَلَاحٍ أَذَانَ الْفَجْرِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ مَحِلَّهَا بَعْدَ الْأَذَانِ بِتَمَامِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ هَكَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
(قَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْأَذَانِ فِي كَوْنِهِ سُنَّةَ الْفَرَائِضِ فَقَطْ وَفِي عَدَدِ كَلِمَاتِهِ وَفِي تَرْتِيبِهَا لِحَدِيثِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ أَذَّنَ مَثْنَى مَثْنَى وَأَقَامَ مَثْنَى مَثْنَى وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَذَانَ تِسْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً» ، وَإِنَّمَا قَالَ تِسْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً لِأَجْلِ التَّرْجِيعِ وَإِلَّا فَالْأَذَانُ عِنْدَنَا خَمْسَ عَشَرَةَ كَلِمَةً وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَعْمَلْ بِمَجْمُوعِهِ الْفَرِيقَانِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِتَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ وَالْحَنَفِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِالتَّرْجِيعِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى إيتَارِ صَوْتِهَا بِأَنْ يَحْدُرَ فِيهَا كَمَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ لِيُوَافِقَ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ النَّصِّ الْغَيْرِ الْمُحْتَمَلِ لَا إيتَارُ أَلْفَاظِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِإِيتَارِ التَّكْبِيرِ بَلْ هُوَ مَثْنَى فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ تَوَاتَرَتْ الْآثَارُ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ حَتَّى مَاتَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ أَذَّنَ رَجُلٌ وَأَقَامَ آخَرُ بِإِذْنِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْأَوَّلُ يُكْرَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَجَوَابُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا فِي الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا نَكْرَهُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَرْضَ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا فِيهِ نَظَرٌ
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالْأَفْضَلُ
ــ
[منحة الخالق]
فَلَا يَحِلُّ فِيهِ فَفِي الْقُرْآنِ أَوْلَى. اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ قُلْتُ: وَفِي الْمَنْبَعِ قَالَ: فَإِنْ قُلْتُ: ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَرْجِيعَ فِي الْأَذَانِ لَكِنْ لَوْ رَجَّعَ هَلْ يَكُونُ الْأَذَانُ مَكْرُوهًا قُلْتُ: مَا رَأَيْت إطْلَاقَ الْكَرَاهَةِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ فِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَسْأَلَةِ كَرَاهَةِ التَّلْحِينِ فَقَالَ وَلِهَذَا يُكْرَهُ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُنَاسِبُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ) مُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ التَّطْرِيبُ وَالتَّرَنُّمُ وَبِالثَّالِثِ الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ. (قَوْلُهُ: فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَهُ بِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِلَالٌ رضي الله عنه وَاَلَّذِي فِي الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -
أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ وَلَوْ أَقَامَ غَيْرُهُ جَازَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِقَامَةَ آكَدُ فِي السُّنِّيَّةِ مِنْ الْأَذَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِهَذَا قَالُوا يُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلْمُسَافِرِ دُونَ الْأَذَانِ، وَقَالُوا إنَّ الْمَرْأَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِقَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ وَفِي الْقُنْيَةِ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتَئِذٍ لَا تُسَنُّ إعَادَةُ الْإِقَامَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْمِثْلِيَّةِ تَحْوِيلُ وَجْهِهِ بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ فِيهَا كَالْأَذَانِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا كَهُوَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ إلَّا أَنَّ الْإِقَامَةَ أَخْفَضُ مِنْهُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ وَيَزِيدُ بَعْدَ فَلَاحِهَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَفِي رَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ أَكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَمْشِيَ فِي إقَامَتِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا انْتَهَى الْمُؤَذِّنُ إلَى قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ إنْ شَاءَ أَتَمَّهَا فِي مَكَانِهِ وَإِنْ شَاءَ مَشَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ إمَامًا كَانَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ غَيْرَهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ غَيْرَ الْإِمَامِ أَتَمَّهَا فِي مَوْضِعِ الْبِدَايَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَدَخَلَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ إلَى أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فِي مُصَلَّاهُ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَنْتَظِرُ الْمُؤَذِّنُ وَلَا الْإِمَامُ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شِرِّيرًا وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَيُعْذَرُ وَقِيلَ يُؤَخَّرُ.
(قَوْلُهُ: وَيَتَرَسَّلُ فِيهِ وَيَحْدُرُ فِيهَا) أَيْ يَتَمَهَّلُ فِي الْأَذَانِ وَيُسْرِعُ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدُّهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَتَيْ الْأَذَانِ بِسَكْتَةٍ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لِلتَّوَارُثِ وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ «إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِك وَإِذَا أَقَمْت فَاحْدُرْ» فَكَانَ سُنَّةً فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَالتَّرَسُّلُ بِحَالِهِ أَلْيَقُ وَمِنْ الْإِقَامَةِ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَدْرُ بِحَالِهِ أَلْيَقُ وَفُسِّرَ التَّرَسُّلُ فِي الْفَوَائِدِ بِإِطَالَةِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْحَدْرُ قِصَرُهَا وَإِيجَازُهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ جَعَلَ الْأَذَانَ إقَامَةً يُعِيدُ الْأَذَانَ وَلَوْ جَعَلَ الْإِقَامَةَ أَذَانًا لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ دُونَ الْإِقَامَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَسَّلَ فِيهِمَا أَوْ حَدَرَ فِيهِمَا أَوْ تَرَسَّلَ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدَرَ فِي الْأَذَانِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَتَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ لَا يَضُرُّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَالْإِعَادَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان أَذَّنَ وَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ فَظَنَّهَا أَذَانًا فَصَنَعَ كَالْأَذَانِ فَعَرَفَ يَسْتَقْبِلُ الْإِقَامَةَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِقَامَةِ الْحَدْرُ فَإِذَا تَرَسَّلَ تَرَكَ سُنَّةَ الْإِقَامَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَذَّنَ مَرَّتَيْنِ. اهـ.
لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ جَعَلَ الْأَذَانَ إقَامَةً لَا يَسْتَقْبِلُ وَلَوْ جَعَلَ الْإِقَامَةَ أَذَانًا يَسْتَقْبِلُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِقَامَةِ التَّغَيُّرَ وَقَعَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِسُنَّتِهَا وَهُوَ الْحَدْرُ وَفِي الْأَذَانِ التَّغَيُّرُ مِنْ آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِسُنَّتِهِ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ التَّرَسُّلُ فَلِهَذَا لَا يُعِيدُ. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَعْلِ الْأَذَانِ إقَامَةً أَنَّهُ أَتَى فِيهِ بِقَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُرَادُ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَتَصِيرُ مَسْأَلَةً أُخْرَى غَيْرَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْكَافِي وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُسَكِّنُ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَكِنْ فِي الْأَذَانِ يَنْوِي الْحَقِيقَةَ وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ فِيهِ نَظَرٌ) ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَى ذَلِكَ بَلْ هِيَ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا مِثْلُهُ فِي خَمْسَةٍ السُّنِّيَّةُ لِلْفَرَائِضِ وَالْعَدَدُ وَالتَّرْتِيبُ وَتَحْوِيلُ الْوَجْهِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ لَكِنْ فِي النَّهْرِ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْمُمَاثَلَةُ فِي السُّنِّيَّةِ وَعَدَمِ التَّرْجِيعِ وَاللَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا قَالَ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ وَيَسْتَدِيرُ فِي صَوْمَعَتِهِ شُرُوعٌ فِيمَا اُخْتُصَّ بِهِ الْأَذَانُ فَكَذَا مَا عَطَفَهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَذَلِكَ يَنْفِي الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَلَا يُرَدُّ مَا ذُكِرَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَرَّتَيْنِ) أَيْ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالتَّرَسُّلِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُرَادُ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْمُرَادُ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ يُعَادُ عَلَى مَا فِيهَا لَا عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى جَعَلَ الْأَذَانَ إقَامَةً عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ تَرَكَ التَّرَسُّلَ فِيهِ فَيُعِيدُ لِفَوَاتِ تَمَامِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَعَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ لَفْظَ الْإِقَامَةِ فَلَا يُعِيدُ لِوُجُودِ التَّرَسُّلِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ نَعَمْ لَوْ جَعَلَ الْإِقَامَةَ أَذَانًا لَا يُعِيدُهُ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُعِيدُهُ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا جَاءَتْ عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلرَّاجِحِ السَّابِقِ وَبِهَذَا تَتَّفِقُ النُّقُولُ ثُمَّ الْإِعَادَةُ إنَّمَا هِيَ أَفْضَلُ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْأَذَانِ يَنْوِي الْحَقِيقَةَ) لَا دَخْلَ لِذِكْرٍ يَنْوِي هُنَا وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَنَصُّهَا وَيُسَكِّنُ كَلِمَاتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ شَيْئَانِ يُجْزَمَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ يَعْنِي عَلَى الْوَقْفِ لَكِنْ فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةً وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ فِي الْمُبْتَغَى: وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ، فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الْمُبْتَغَى يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَكْبِيرُ الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ وَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ بِالرَّفْعِ يَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْجَزْمُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَالتَّسْمِيعُ جَزْمٌ» اهـ. بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ ثُمَّ فِي اللَّفْظِ مَجَازٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ مُسَكَّنًا بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ