المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ التيمم لخوف فوت صلاة الجمعة وصلاة مكتوبة - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ١

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌[سَبَبُ وُجُوب الطَّهَارَةُ]

- ‌[أَحْكَام الْوُضُوء]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[أَرْكَانُ الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءُ]

- ‌[نَوَاقِض الْوُضُوء]

- ‌[أَحْكَام الْغُسْل]

- ‌[فَرَائِض الْغُسْل]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْل]

- ‌ آدَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَات الْغُسْل]

- ‌[الْغُسْل الْمُسِنُّونَ]

- ‌[الْغُسْل الواجب]

- ‌[أَحْكَام الْمِيَاه]

- ‌[الْوُضُوء بِمَاءِ السَّمَاءِ]

- ‌[الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ]

- ‌[مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ]

- ‌ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ

- ‌[صِفَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[حُكْم الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ]

- ‌[الطَّهَارَة بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْد الْفِيل إذَا دُبِغَ]

- ‌[التَّدَاوِي بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[طَهَارَة سُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[سُؤْرُ الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ]

- ‌ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم]

- ‌[شَرَائِط التَّيَمُّم]

- ‌كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ

- ‌سُنَنُ التَّيَمُّمِ

- ‌[نَوَاقِض التَّيَمُّم]

- ‌ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ

- ‌[رَجُلٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ]

- ‌[الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ]

- ‌ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ]

- ‌[بَيَان مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مَحَلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَمْنَع الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةُ الْقُرْحَةِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازُ]

- ‌[الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[كَيْفِيَّة الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الْحَيْضِ]

- ‌[مَا يَمْنَعهُ الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْض]

- ‌[الْمُحَيِّرَةِ فِي الْحَيْض]

- ‌[الْحُكْمِ فِيمَا لَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ]

- ‌[حَيْض الْمُبْتَدَأَة وَنِفَاسهَا]

- ‌[أَحْكَام النِّفَاسُ]

- ‌ أَقَلَّ النِّفَاسِ

- ‌(بَابُ الْأَنْجَاسِ)

- ‌[التَّطْهِيرُ بِالدُّهْنِ]

- ‌جِلْدَةُ آدَمِيٍّ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ

- ‌[طَهَارَة دَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ]

- ‌النَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ

- ‌[الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ مُنْقٍ]

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[آدَاب دُخُولَ الْخَلَاءِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّلَاة]

- ‌[أَوْقَات الصَّلَاة]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْفَجْرِ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعَصْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْمَغْرِبُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الظُّهْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِشَاءُ]

- ‌[الْأَوْقَات المنهي عَنْ الصَّلَاة فِيهَا]

- ‌[التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ)

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَة بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ

- ‌[جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌[أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ]

- ‌ أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ)

- ‌(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)

- ‌[تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاة]

- ‌ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ

- ‌[الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَكْبِير الْعِيدَيْنِ]

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ الْإِمَامَةِ)

- ‌[شَرَائِطِ صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[صِفَة الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا]

- ‌[جَمَاعَةُ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[وُقُوف الْمَأْمُومِينَ فِي الصَّلَاة خَلْف الْإِمَام]

- ‌[حُضُور النِّسَاء الْجَمَاعَاتِ ومَجَالِسِ الْوَعْظِ]

- ‌[اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي

- ‌ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ)

- ‌[اقْتِدَاء غَاسِلٍ بِمَاسِحٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ

- ‌(بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌[سَبَقَهُ حَدَثٌ وَكَانَ إمَامًا فِي الصَّلَاة]

- ‌[رَأَى الْإِمَام المُتَيَمِّمٌ مَاءً]

- ‌[اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ فِي الصَّلَاة]

الفصل: ‌ التيمم لخوف فوت صلاة الجمعة وصلاة مكتوبة

لَوْ خِيفَ الْفَوْتُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بُرْهَانِيًّا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ ابْتِدَائِيًّا فَهُمَا نَظَرَا إلَى أَنَّ اللَّاحِقَ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَلَا فَوْتَ وَأَبُو حَنِيفَةَ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَيَعْتَرِيهِ عَارِضٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ مِنْ رَدِّ سَلَامٍ أَوْ تَهْنِئَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فَتَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَتَفُوتُ إلَى بَدَلٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْإِفْسَادِ عِنْدَ الْكُلِّ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَا عَدَا سُنَّةَ الْفَجْرِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا لَوْ تَوَضَّأَ، فَإِنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ، فَإِنَّهَا لَا تُقْضَى كَمَا فِي الْعِيدِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُنَّةٌ كَمَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ

وَأَمَّا سُنَّةُ الْفَجْرِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا مَعَ الْفَرِيضَةِ لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَتَيَمَّمُ، فَإِنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا فَاتَتْهُ بِاشْتِغَالِهِ بِالْفَرِيضَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ يَقْضِيهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِيهَا أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: لَا لِفَوْتِ جُمُعَةٍ وَوَقْتٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ‌

‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ

، وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهُمَا عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَمَّا عَدَمُ جَوَازِهِ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ؛ فَلِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى خَلْفٍ، وَهُوَ الظُّهْرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى مَذْهَبِ زُفَرَ أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارُ مِنْ أَنَّ الْجُمُعَةَ خَلَفٌ وَالظُّهْرَ أَصْلٌ فَلَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بِصُورَةِ الْخَلَفِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ يُصَلَّى الظُّهْرُ فَكَانَ الظُّهْرُ خَلَفًا صُورَةً أَصْلًا مَعْنًى وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّافِعِ فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِهِ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ؛ فَلِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ الْقَضَاءُ، فَإِنْ قِيلَ فَضِيلَةُ الْجُمُعَةِ وَالْوَقْتِ تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُسَافِرِ التَّيَمُّمُ وَجَازَتْ الصَّلَاةُ لِلرَّاكِبِ الْخَائِفِ مَعَ تَرْكِ بَعْضِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ، وَكُلُّ هَذَا لِفَضِيلَةِ الْوَقْتِ قُلْنَا فَضِيلَةُ الْوَقْتِ وَالْأَدَاءِ وَصْفٌ لِلْمُؤَدَّى تَابِعٌ لَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ، فَإِنَّهَا أَصْلٌ فَيَكُونُ فَوَاتُهَا فَوَاتَ أَصْلٍ مَقْصُودٍ وَجَوَازُهَا لِلْمُسَافِرِ بِالنَّصِّ لَا لِخَوْفِ الْفَوْتِ بَلْ لِأَجْلِ أَنْ لَا تَتَضَاعَفَ عَلَيْهِ الْفَوَائِتُ وَيُحْرَجَ فِي الْقَضَاءِ وَكَذَا صَلَاةُ الْخَوْفِ لِلْخَوْفِ دُونَ خَوْفِ الْفَوْتِ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا، وَفَرَّعَ عَلَيْهَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي سَطْحٍ لَيْلًا وَفِي بَيْتِهِ مَاءٌ لَكِنَّهُ يَخَافُ فِي الظُّلْمَةِ إنْ دَخَلَ الْبَيْتَ يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَكَذَا يَتَيَمَّمُ فِي كِلَّةٍ لِخَوْفِ الْبَقِّ أَوْ مَطَرٍ أَوْ حَرٍّ شَدِيدٍ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ لَا خَوْفَ الْوَقْتِ فَرَّعَ مُحَمَّدٌ رحمه الله مَا لَوْ وَعَدَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِنَاءَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، فَكَانَ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ظَاهِرًا وَكَذَا إذَا وَعَدَ الْكَاسِي الْعَارِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّوْبَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ عُرْيَانًا لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِهِ وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ) أَيْ وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ نَاسِيًا الْمَاءَ كَائِنًا فِي رَحْلِهِ مِمَّا يُنْسَى عَادَةً، وَكَانَ مَوْضُوعًا بِعِلْمِهِ، وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلدَّابَّةِ وَيُقَالُ لِمَنْزِلِ الْإِنْسَانِ وَمَأْوَاهُ رَحْلٌ أَيْضًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحْلِ الْأَوَّلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ قَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّ فِي الظَّنِّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الرَّحْلَ مَعْدِنُ الْمَاءِ عَادَةً فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ كَمَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْعُمْرَانَاتِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَبْطُلُ بِالظَّنِّ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَضْدَادِ الْعِلْمِ وَظَنُّهُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ لَا يُعْتَبَرُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي رَحْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا إلَخْ) تَوَقَّفَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي صُورَةِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا وَعَدَهُ شَخْصٌ بِالْمَاءِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَهُ لَا يُدْرِكُ سِوَى الْفَرْضِ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ صَلَاةِ السُّنَّةِ مَعَهَا فَهُنَا خَافَ فَوْتَ السُّنَّةِ وَحْدَهَا وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا أَيْضًا بِمَا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ وَأَرَادَ قَضَاءَهُمَا فَخَافَ زَوَالَ الشَّمْسِ إنْ صَلَّى السُّنَّةَ بِالْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي الْفَرْضَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَكِنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى هُنَا أَنْسَبُ.

[التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ]

(قَوْلُهُ: لَكِنْ قَدْ يُقَالُ قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ الْمَاءُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ عَادَةً وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ رَحْلَهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ كُلَّ رَحْلٍ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزِلًا أَوْ رَحْلَ بَعِيرٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ فِي الظَّنِّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا) أَقُولُ: وَكَذَا فِي الشَّكِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ مِنْ عَزْوِهِ إلَيْهِ الْجَوَازَ وَعِبَارَةُ السِّرَاجِ هَكَذَا قَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ فَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا اهـ. فَتَنَبَّهْ.

ص: 167

ظَهْرِهِ فَنَسِيَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ يُعِيدُ اتِّفَاقًا وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مِمَّا يُنْسَى عَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا إذَا نَسِيَ الْمَاءَ الْمُعَلَّقَ فِي مُؤَخَّرِ رَحْلِهِ، وَهُوَ يَسُوقُ دَابَّتَهُ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ اتِّفَاقًا وَكَذَا إذَا كَانَ رَاكِبًا وَالْمَاءُ فِي مُقَدَّمِ الرَّحْلِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ رَاكِبًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَائِقًا، وَهُوَ فِي الْمُقَدَّمِ أَوْ رَاكِبًا، وَهُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ، فَإِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدًا مُطْلَقًا وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُخَاطَبُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّارِحِينَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ سَهْوٌ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَنُقِلَ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ

وَالْحَقُّ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا نَصًّا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ لَفْظَ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَنَسِيَ وَالنِّسْيَانُ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْعِلْمِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ جُعِلَ عُذْرًا عِنْدَهُمَا فَبَقِيَ مَوْضِعٌ لَا عِلْمٌ أَصْلًا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ عُذْرًا عِنْدَ الْكُلِّ وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، فَإِنَّهُ قَالَ مُسَافِرٌ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ فِي رَحْلِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَغَيْرَهَا لِأَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ فِي السَّفَرِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ الْهَلَاكِ فَكَانَ الْقَلْبُ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَالْتَحَقَ النِّسْيَانُ فِيهِ بِالْعَدَمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّحْلَ مَوْضِعُ الْمَاءِ غَالِبًا لِحَاجَةِ الْمُسَافِرِ إلَيْهِ فَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا كَمَا فِي الْعُمْرَانِ وَلَهُمَا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِعْمَالُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْفِعْلِ هُوَ الَّذِي لَوْ أَرَادَ تَحْصِيلَهُ يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ وَلَا تَكْلِيفَ بِدُونِ الْقُدْرَةِ وَلَوْ فُقِدَتْ قُدْرَتُهُ بِفَقْدِ سَائِرِ الْآلَاتِ جَازَ تَيَمُّمُهُ فَإِذَا فُقِدَ الْعِلْمُ، وَهُوَ أَقْوَى الْآلَاتِ أَوْلَى وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ بَعْدَ مَا قَرَّرَ لِأَبِي يُوسُفَ لِثُبُوتِ الْعِلْمِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ الْكُلُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمُلْحَقِ بِهَا، وَإِنَّمَا الْمُفِيدُ لَيْسَ إلَّا مَنْعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّحْلَ دَلِيلُ الْمَاءِ الَّذِي ثُبُوتُهُ يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ أَعْنِي مَاءَ الِاسْتِعْمَالِ بَلْ الشُّرْبُ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الشُّرْبِ اهـ.

وَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا، وَفِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِالْإِجْمَاعِ فَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّ الرَّحْلَ مُعَدٌّ لِلثَّوْبِ لَا لِمَاءِ الْوُضُوءِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ لَوْ مَعَ ثَوْبٍ نَجَسٍ نَاسِيًا الطَّاهِرَ، فَإِنَّهَا كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَارِيًّا مَعَ أَنَّ الرَّحْلَ لَيْسَ مُعَدًّا لِمَاءِ الِاسْتِعْمَالِ بَلْ لِمَاءِ الشُّرْبِ كَمَا بَيَّنَّا وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا لَوْ نَسِيَ مَاءَ الْوُضُوءِ فَتَيَمَّمَ بِأَنَّ فَرْضَ السِّتْرِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَاتَ لَا إلَى خَلَفٍ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لَا يُثْلِجُ الْخَاطِرَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْأَصْلِ إلَى خَلَفٍ لَا يَجُوزُ الْخَلَفُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ بَلْ إذَا فُقِدَ شَرْطُهُ مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ يَصِيرُ فَاقِدًا لِلطَّهُورَيْنِ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ عِنْدَهُ وَالتَّشَبُّهُ عِنْدَهُمَا بِالْمُصَلِّينَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْأَصْلِ إلَى آخِرِهِ صَحِيحٌ

وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلْ إذَا فُقِدَ شَرْطُهُ إلَى آخِرِهِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ الْخَلَفِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَفَقْدُ هَذَا الشَّرْطِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ فَقْدُ شَرْطِ الْخَلَفِ مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ بَلْ يَلْزَمُ مِنْ فَقْدِ شَرْطِ الْخَلَفِ وُجُودُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ فَوَاتُ الْأَصْلِ فَفَقْدُهُ بِوُجُودِهِ وَلَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ مَرَّ بِالْمَاءِ، وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ لَكِنَّهُ نَسِيَ أَنَّهُ تَيَمَّمَ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ، وَلَوْ ضَرَبَ الْفُسْطَاطَ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ قَدْ غَطَّى رَأْسَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ بِالْمَاءِ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ مَعْفُوٍّ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَوْ نَسِيَ الْمُحْدِثُ غَسْلَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَمِنْهَا لَوْ صَلَّى قَاعِدًا مُتَوَهِّمًا عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ صَلَّى إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَارِيًّا فِي لُزُومِ الْإِعَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ فِي رَحْلِهِ وَالرَّحْلُ مُعَدٌّ لِلثَّوْبِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ مَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَصُّ مَا فِيهِ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ مَعَ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَبَرَ الرَّحْلَ فِيهَا دَلِيلَ مَاءِ الِاسْتِعْمَالِ اهـ.

وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ لَفْظَةَ الطَّاهِرِ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ وَالْأَصْلُ الْمُطَهِّرُ أَوْ أَرَادَ بِالطَّاهِرِ الْمَاءَ الطَّاهِرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْخَلَفُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَلْ شَرْطُهُ مَوْجُودٌ لَا مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ جَعَلَهُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ فَانْثَلَجَ الْخَاطِرُ (قَوْلُهُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ فِي كَلَامِهِ تَدَافُعًا؛ لِأَنَّ فَقْدَ شَرْطِ التَّيَمُّمِ هُوَ الْقُدْرَةُ وَمَعَهَا لَا يَفُوتُ الْأَصْلُ وَفِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَا خَفَاءَ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ عَلَيْهِ فَإِذَا فُقِدَ هَذَا مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ صَارَ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ عُدُولًا عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَكِبُ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ.

ص: 168

وَكَانَ قَادِرًا وَمِنْهَا أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِالْقِيَاسِ نَاسِيًا النَّصَّ وَمِنْهَا لَوْ نَسِيَ الرَّقَبَةَ فِي الْكَفَّارَةِ فَصَامَ وَمِنْهَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ نَاسِيًا وَمِنْهَا لَوْ فَعَلَ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ نَاسِيًا وَمِنْهَا لَوْ فَعَلَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ نَاسِيًا وَمِنْهَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ تُعْرَفُ فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: وَيَطْلُبُهُ غَلْوَةً إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ، وَإِلَّا لَا) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ طَلَبُ الْمَاءِ قَدْرَ غَلْوَةٍ إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ قُرْبَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَحَدُّ الْقُرْبِ مَا دُونَ الْمِيلِ قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْمِيلَ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ لَا يُوجِبُ الطَّلَبَ وَقَيَّدْنَا بِالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ فِي الْعُمْرَانَاتِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا مُطْلَقًا وَكَذَا لَوْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْهَا وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الطَّلَبِ فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَدْرَ غَلْوَةٍ، وَهِيَ مِقْدَارُ رَمْيَةِ سَهْمٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ أَوْ ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْرِبِ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ يَطْلُبُ مِقْدَارَ مَا يَسْمَعُ صَوْتَ أَصْحَابِهِ وَيُسْمَعُ صَوْتُهُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْمُسَافِرِ لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَيَطْلُبُ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ إنْ طَمِعَ فِيهِ فَلْيَفْعَلْ وَلَا يَبْعُدْ فَيَضُرَّ بِأَصْحَابِهِ إنْ انْتَظَرُوهُ وَبِنَفْسِهِ إنْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ وَيُوَافِقُهُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَطْلُبُ قَدْرَ مَا لَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ وَرُفْقَتِهِ بِالِانْتِظَارِ، فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْغَلْوَةِ فَالطَّلَبُ أَنْ يَنْظُرَ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَ غَلْوَةً كَذَا فِي الْحَقَائِقِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ بَلْ يَكْفِيهِ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ، وَهُوَ فِي مَكَانِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ حَوَالَيْهِ لَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ وَنَحْوُهُ صَعِدَهُ وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ أَوْ الْمُخَلَّفِ فِي رَحْلِهِ

فَإِنْ خَافَ لَمْ يَلْزَمْهُ الصُّعُودُ وَالْمَشْيُ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَلَوْ بَعَثَ مَنْ يَطْلُبُ لَهُ كَفَاهُ عَنْ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ تَيَمَّمَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، وَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا وَصَلَّى ثُمَّ طَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى وَفِي إيرَادِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَقِيبَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَطِيفَةٌ، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ اهـ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ الطَّلَبُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الطَّلَبِ، وَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] وَلَا طَلَبَ وقَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى} [الضحى: 7] وَقَوْلُهُ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] وَقَوْلُهُ {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف: 49] وَلَمْ يَطْلُبُوا خَطَايَاهُمْ وقَوْله تَعَالَى {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] وَقَوْلُهُ {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُعَرِّفْهَا» وَلَا طَلَبَ مِنْ الْوَاجِدِ وَلِقَوْلِهِ مَنْ وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَيُقَالُ فُلَانٌ وَجَدَ مَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَوَجَدَ مَرَضًا فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَطْلُبْهُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُودَ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ شَرْطَ الْجَوَازِ عَدَمَ الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ فَمَنْ زَادَ شَرْطَ الطَّلَبِ فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْعُمْرَانَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ، وَإِنْ ثَبَتَ حَقِيقَةً لَمْ يَثْبُتْ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَاءِ فِي الْعُمْرَانَاتِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى وُجُودِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْعِمَارَةِ بِالْمَاءِ فَكَانَ الْعَدَمُ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ

وَشَرْطُ الْجَوَازِ الْعَدَمُ الْمُطْلَقُ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي الْعُمْرَانَاتِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ قُرْبُهُ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ كَمَا فِي التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ وَكَمَا فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ طَلَبُ الْمَاءِ) يَعْنِي يُفْتَرَضُ كَمَا فِي الشرنبلالية مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ قَاضِي خَانْ يُشْتَرَطُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: مَعْنَى مَا فِي الْحَقَائِقِ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْمَشْيَ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ عَلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ فَيَمْشِي عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِائَةُ ذِرَاعٍ إذْ الطَّلَبُ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ، وَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَوْ بَعَثَ مَنْ يَطْلُبُ لَهُ كَفَاهُ عَنْ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ مُكَلَّفٌ عَدْلٌ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ إذْ عَلَى مَا فَهِمَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَعْثِ أَصْلًا اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ الْحَقَائِقِ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الشَّافِي عِنْدَ قَوْلِ النَّسَفِيِّ وَلَا لِفَرْضَيْنِ وَقَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا بِغَيْرِ طَلَبٍ وَفَوْتِ مَا نَصُّهُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لَا يَجُوزُ لِعَادِمِ الْمَاءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ وُجُودِ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ وَلَا يَصِحُّ الطَّلَبُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالطَّلَبُ أَنْ يَنْظُرَ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ غَلْوَةً وَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ الطَّلَبُ وَعِنْدَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ يَتَيَمَّمُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ إجْمَاعًا اهـ كَلَامُهُ.

وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّفْسِيرَ لِلطَّلَبِ لَيْسَ خَاصًّا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ فَيُطِلُّ يَمِينًا وَيَسَارًا قَدْرَ غَلْوَةٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهِيَ ثَلَثُمِائَةِ خُطْوَةٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَقِيلَ قَدْرُ رَمْيَةِ سَهْمٍ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَبَ غَلْوَةً مِنْ جَانِبَيْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَطْلُبَهُ مِقْدَارَ مِيلٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلُزُومِ الضَّرَرِ اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ سُؤَالِ أَبِي يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَجَوَابُهُ لَهُ وَكَذَا نَقْلُ بَعْضِهِمْ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ يَجِبُ

ص: 169

لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَقْرُهُ وَكَمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَةُ الْمَاءِ أَوْ طَهَارَتُهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ قُرْبُهُ فَلَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ عَلَى طَمَعٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَطْمَعْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّلَبُ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَجَاءٍ مِنْهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّنِّ غَالِبُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا حَقَّقَهُ اللَّامِشِيُّ فِي أُصُولِهِ أَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ إذَا قَوِيَ وَتَرَجَّحَ عَلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يَأْخُذْ الْقَلْبُ مَا تَرَجَّحَ بِهِ، وَلَمْ يَطْرَحْ الْآخَرَ فَهُوَ الظَّنُّ، وَإِذَا عَقَدَ الْقَلْبُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ فَهُوَ أَكْبَرُ الظَّنِّ وَغَالِبُ الرَّأْيِ اهـ.

وَغَلَبَةُ الظَّنِّ هُنَا أَمَّا بِأَنْ وَجَدَ إمَارَةً ظَاهِرَةً أَوْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْوَشِيحِ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِالْعَدْلِ

(قَوْلُهُ: وَيَطْلُبُهُ مِنْ رَفِيقِهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ تَيَمَّمَ) أَيْ يَطْلُبُ الْمَاءَ مِنْ رَفِيقِهِ أَطْلَقَهُ هُنَا وَفَصَّلَ فِي الْوَافِي فَقَالَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ يُعِيدُ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا، وَإِنْ مَنَعَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَأَعْطَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً اهـ.

اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وُجُوبُ السُّؤَالِ مِنْ الرَّفِيقِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: وَإِذَا كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ السُّؤَالُ ذُلٌّ وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ إلَّا لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مَاءُ الطَّهَارَةِ مَبْذُولٌ عَادَةً بَيْنَ النَّاسِ وَلَيْسَ فِي سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَذَلَّةٌ فَقَدْ «سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ حَوَائِجِهِ مِنْ غَيْرِهِ» اهـ.

فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَعِنْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ وَانْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْحَسَنِ حَسَنٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَمُرَادُهُ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ تَجْرِي الظِّنَّةُ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ اهـ.

وَلَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ دَلْوٌ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَسْأَلَهُ وَلَوْ سَأَلَهُ فَقَالَ انْتَظِرْ حَتَّى أَسْتَقِيَ فَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَنْتَظِرَ بِقَدْرِ مَا لَا يَفُوتُ الْوَقْتُ، فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ تَيَمَّمَ وَعِنْدَهُمَا يُنْظَرُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْوَعْدَ إذَا وُجِدَ صَارَ قَادِرًا بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَفِي بِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَعَدَ لَهُ رَفِيقُهُ الثَّوْبَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّوْشِيحِ لَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ دَلْوٌ وَلَيْسَ مَعَهُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ وَفِي الْمُجْتَبَى رَأَى فِي صَلَاتِهِ مَاءً فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتنِي لَأَعْطَيْتُك فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ يُعِيدُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الشُّرُوعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْعِدَةَ بَعْدَ الذَّهَابِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْإِعْطَاءِ قَبْلَهُ. اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفُرُوعَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا عَنْ الزِّيَادَاتِ وَفِي التَّوْشِيحِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا قَالَ أَبَحْت لَك مَالِي لِتَحُجَّ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي الْمَاءِ إذَا وَعَدَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَيَنْتَظِرُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ فِي الْأَوَّلِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَفِي الثَّانِي بِالْإِبَاحَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَرُبَ مِنْ الْمَاءِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِقُرْبِهِ كَبُعْدِهِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ حَتَّى تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَاءٍ قَرِيبٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِالسُّؤَالِ كَمَنْ نَزَلَ بِالْعُمْرَانِ وَلَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ

وَإِنْ سَأَلَهُ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَمْ يُخْبِرْهُ

ــ

[منحة الخالق]

فِي جَانِبِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَكَذَا فِي الشرنبلالية عَنْ قَاضِي خَانْ لَكِنْ فِيهَا عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ قَدْرَ الطَّلَبِ بِغَلْوَةٍ مِنْ جَانِبِ ظَنِّهِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ حَمْلُ عِبَارَاتِهِمْ عَلَى هَذَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُمْ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْحَسَنَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَخَذَ هُوَ بِهِ فَاعْتَمَدَ فِي الْمَبْسُوطِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَاعْتَمَدَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ رِوَايَةَ الْحَسَنِ لِكَوْنِهَا أَنْسَبَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ بِالْغَيْرِ وَفِي اعْتِبَارِ الْعَجْزِ لِلْحَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْعَلَّامَةِ الْبُرْهَانِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الْوَجْهَ هُوَ التَّفْصِيلُ كَمَا قَالَ أَبُو نَصْرٍ الصَّفَّارُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ السُّؤَالُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ عِزَّةِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ بِتَحَقُّقِ مَا قَالَا مِنْ أَنَّهُ مَبْذُولٌ عَادَةً فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ظَاهِرُ الْمَنْعِ عَلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ كُلُّ مَنْ عَانَى فِي الْأَسْفَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الطَّلَبُ وَلَا تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ فِيمَا إذَا ظَنَّ الْإِعْطَاءَ لِظُهُورِ دَلِيلِهِمَا دُونَ مَا إذَا ظَنَّ عَدَمَهُ لِكَوْنِهِ فِي مَوْضِعِ عِزَّةِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا شَكَّ فِي مَوْضِعِ عِزَّةِ الْمَاءِ أَوْ ظَنَّ الْمَنْعَ فِي غَيْرِهِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي قَوْلِهِمَا وَالتَّوَسُّعَةُ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي السُّؤَالِ ذُلًّا وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا ذُلَّ فِي سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَمْنُوعٌ وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَأَلَ ثَمَّ بَعْضَ حَوَائِجِهِ مِنْ غَيْرِهِ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَأَلَ افْتَرَضَ عَلَى الْمَسْئُولِ الْبَذْلُ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُ اهـ.

وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ لَوْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَسْأَلَهُ) الَّذِي رَأَيْته فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ يَجِبُ بِدُونِ لَمْ (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ

ص: 170

ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَاءٍ قَرِيبٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ:، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا بِثَمَنٍ وَلَهُ ثَمَنُهُ لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا إنْ أَعْطَاهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّذِي يَعُزُّ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ أَوْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ لِتَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْبَدَلِ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَاءِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ تَمْنَعُ الصَّوْمَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِوُجُودِ الضَّرَرِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ وَالضَّرَرُ فِي النَّفْسِ مُسْقِطٌ فَكَذَا فِي الْمَالِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَنَظِيرُهُ الثَّوْبُ النَّجَسُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَاءٌ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ الثَّوْبِ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ، وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَفِي النَّوَادِرِ هُوَ ضَعْفُ الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ إذَا قَدَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَقِيلَ مَا لَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مُسْقِطٌ وَاقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ عَلَى مَا فِي النَّوَادِرِ فَكَانَ هُوَ الْأَوْلَى وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَأَمْكَنَهُ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَازِمٌ وَلَا مُطَالَبَةَ قَبْلَ حُلُولِهِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ قُيِّدَ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَ إذَا قَدَرَ عَلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا تَيَمَّمَ وَبِعَكْسِهِ يَغْسِلُ) أَيْ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ أَكْثَرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ تَيَمَّمَ، وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَجْرُوحِ يَغْسِلُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَيَمْسَحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْخِرْقَةِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ فِي نَفْسِ كُلِّ عُضْوٍ، فَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ جِرَاحَةٌ وَالرِّجْلُ لَا جِرَاحَةَ بِهَا يَتَيَمَّمُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَعْضَاءِ الْجِرَاحَةِ جَرِيحًا أَوْ صَحِيحًا وَالْآخَرُونَ قَالُوا إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةِ جَرِيحًا فَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّيَمُّمُ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَفِي الْحَقَائِقِ الْمُخْتَارُ اعْتِبَارُ الْكَثْرَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْأَعْضَاءِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُضُوءِ، وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَكْثَرَ الْبَدَنِ صَحِيحًا أَوْ جَرِيحًا الْأَكْثَرِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ فَلَوْ اسْتَوَيَا لَا رِوَايَةً فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ أَصْلًا وَقِيلَ يَغْسِلُ

ــ

[منحة الخالق]

وَفِي السِّرَاجِ قِيلَ يَجِبُ الطَّلَبُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَالثَّانِي عَلَى مَا فِي الْهِدَايَة (قَوْلُهُ: قُيِّدَ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَ إذَا قَدَرَ عَلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيَاضٌ بَعْدَ قَوْلِهِ الثَّوْبُ وَفِي بَعْضِهَا لَفْظَةُ لَا يَجِبُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُصَلِّي عُرْيَانًا وَهَاتَانِ النُّسْخَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا يَجِبُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي السِّرَاجِ فَقَالَ وَلَوْ مَلَكَ ثَمَنَ الثَّوْبِ هَلْ يُكَلَّفُ شِرَاءَهُ قَالَ إسْمَاعِيلُ الْإِمَامُ لَا وَلَوْ مَلَكَ ثَمَنَ الْمَاءِ يُكَلَّفُ شِرَاءَهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً وَيُكَلَّفُ شِرَاءَ الثَّوْبِ كَمَا يُكَلَّفُ شِرَاءَ الْمَاءِ اهـ.

وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ قُيِّدَ بِالْمَاءِ إلَخْ الْمَشْيُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَالْأَنْسَبُ نُسْخَةُ لَا يَجِبُ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالنُّسَخُ هُنَاكَ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَفِي بَعْضِهَا التَّرْدِيدُ وَفِي بَعْضِهَا الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَكَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ لَمْ يَرَ عِبَارَةَ السِّرَاجِ فَقَالَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ قِيَاسًا عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ اهـ وَمَا بَحَثَهُ مُخَالِفٌ لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ أَخِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَجْرُوحِ يَغْسِلُ) أَيْ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ غَسْلُ الصَّحِيحِ بِدُونِ إصَابَةِ الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ بِالْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ إلَّا بِإِصَابَةِ الْمَاءِ لِلْجَرِيحِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّهُ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْجُنُبُ إذَا كَانَ بِهِ جِرَاحَاتٌ فِي عَامَّةِ جَسَدِهِ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ غَسْلَ الْجِرَاحَةِ وَيَسْتَطِيعُ غَسْلَ مَا بَقِيَ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ غَيْرَ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ رُبَّمَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهَا فَيَضُرُّهُ لَا جَرَمَ لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْسِلَ غَيْرَ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ وَيَمْسَحَ عَلَى الْجِرَاحَةِ بِالْمَاءِ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ أَوْ يَعْصِبَهَا بِخِرْقَةٍ وَيَمْسَحَ عَلَى الْخِرْقَةِ فَعَلَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَائِهِ صَحِيحًا بِأَنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرُ جَسَدِهِ صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ يَدَعُ الرَّأْسَ وَيَغْسِلُ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ اهـ.

كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فَأَفَادَ أَنَّ الْجِرَاحَةَ لَوْ كَانَتْ بِظَهْرِهِ مَثَلًا بِحَيْثُ لَوْ غَسَلَ مَا فَوْقَهَا أَصَابَهَا الْمَاءُ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُ الْجِرَاحَةِ إلَّا إذَا عَصَبَهَا لَزِمَهُ تَعْصِيبُهَا وَمَسْحُ الْعِصَابَةِ (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْغَسْلِ إلَخْ)

ص: 171