الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِلْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ فِي الْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ فِي مَنْزِلٍ وَاكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ، وَقَدْ أَسَاءُوا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَيْتِ لَيْسَ احْتِرَازًا بَلْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا صَلَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا بَلْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ دَخَلَ مَسْجِدًا لِيُصَلِّيَ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ وَلَا يُقِيمُ وَإِنْ أَذَّنَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَصَلَّوْا يُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُؤَذِّنُوا وَيُعِيدُوا الْجَمَاعَةَ وَلَكِنْ يُصَلُّوا وِحْدَانًا وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى الطَّرِيقِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنُوا فِيهِ وَيُقِيمُوا اهـ
وَفِي الْخُلَاصَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَذَّنُوا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى وَجْهِ الْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ غَيْرُهُمْ، ثُمَّ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ قَوْمٌ وَعَلِمُوا فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِالْجَمَاعَةِ عَلَى وَجْهِهَا وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَمَاعَةِ الْأُولَى وَالتَّقْيِيدُ بِالْمِصْرِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا أَيْضًا بَلْ الْقَرْيَةُ كَالْمِصْرِ إنْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ مَسْجِدٌ فِيهِ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَسْجِدٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمَسْجِدِ يُكْرَهُ تَرْكُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَذَانًا أَوْ إقَامَةً، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَكُونَانِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً. (قَوْلُهُ: وَنَدْبًا لَهُمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ أَذَّنَ الْمُسَافِرُ رَاكِبًا فَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْتٌ لَهُ مَسْجِدٌ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَيَتْرُكَ الْإِقَامَةَ. (قَوْلُهُ: لَا لِلنِّسَاءِ) أَيْ لَا يُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ قَيَّدَ بِالنِّسَاءِ أَيْ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُنْفَرِدَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَظَاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهَا لَا تُقِيمُ أَيْضًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَبِيدَ لَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ وَجَمَاعَتُهُمْ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ التَّكْبِيرُ عَقِبَهَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)
وَهِيَ جَمْعُ شَرْطٍ عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ، وَأَمَّا الشَّرَائِطُ فَوَاحِدُهَا شَرِيطَةٌ، كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ فِي اللُّغَةِ فَمَنْ عَبَّرَ هُنَا بِالشَّرَائِطِ فَمُخَالِفٌ لِلُّغَةِ كَمَا عَرَفْت وَلِلْقَاعِدَةِ التَّصْرِيفِيَّةِ فَإِنَّ فَعَائِلَ لَمْ يُحْفَظْ جَمْعًا لِفَعْلٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْفَرَائِضِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ فَرِيضَةٌ كَصَحَائِفَ جَمْعُ صَحِيفَةٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا فِي الصِّحَاحِ الشَّرْطُ مَعْرُوفٌ وَالشَّرَطُ بِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ وقَوْله تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] أَيْ عَلَامَاتُهَا وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ، وَقَدْ قَسَّمَ الْأُصُولِيُّونَ الْخَارِجَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْحُكْمِ إلَى مُؤَثِّرٍ
ــ
[منحة الخالق]
[تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ لَيْسَ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى بَلْ أَصْلُهُ وَأَنَّهُ بِوَاوِ الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَذِّنُوا فَتَكُونُ الْوَاوُ سَقَطَتْ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ إلَخْ) لَوْ أَخَّرَهُ إلَى الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُنْفَرِدَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ أَنَّ تَرْكَهُمَا هُوَ السُّنَّةُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ بَلْ جَعَلَهُ أَوْلَوِيًّا فَرَاجِعْهُ
[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]
(قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ) أَيْ مَصْدَرُ شَرَطَ يَشْرُطُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ. اهـ. حِلْيَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الصِّحَاحِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ الْمُفَسَّرَ بِالْعَلَامَةِ هُوَ الشَّرْطُ مُحَرَّكًا فَقَيَّدُوهُ بِذَلِكَ وَفِي الْقَامُوسِ الشَّرْطُ إلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوُهُ جَمْعُهُ شُرُوطٌ وَبِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ جَمْعُهُ أَشْرَاطٌ. اهـ. وَلَعَلَّ الْفُقَهَاءَ وَقَفُوا عَلَى تَفْسِيرِهِ
بِالْعَلَامَةِ أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرُوطَ جَمْعُ شَرْطٍ سَاكِنًا وَالْأَشْرَاطُ جَمْعُهُ مُحَرَّكًا وَالشَّرَائِطُ جَمْعُ شَرِيطَةٍ وَهِيَ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ مِنْ الْإِبِلِ وَالشَّاةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَقَوْلُ النَّهْرِ وَهِيَ أَيْ الشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ مُحَرَّكًا بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ لُغَةٌ فَسَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَسَّمَ الْأُصُولِيُّونَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَشْرُوعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مَاهِيَّتِهِ فَيُسَمَّى رُكْنًا كَالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ وَهَذَا إمَّا أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ لِلْحِلِّ فَيُسَمَّى عِلَّةً أَوْ لَا يُؤَثِّرَ وَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَصِّلًا إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَالْوَقْتِ وَيُسَمَّى سَبَبًا أَوْ لَا يُوَصِّلُ وَهَذَا إمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ الشَّيْءُ عَلَيْهِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ فَيُسَمَّى شَرْطًا أَوْ لَا يَتَوَقَّفَ كَالْأَذَانِ فَيُسَمَّى عَلَامَةً كَمَا بَسَطَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا فِي قَوْلِهِ تَبَعًا لِلْعِنَايَةِ الشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ وَإِلَّا كَانَ عِلَّةً وَغَيْرَ مُوَصِّلٍ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا كَانَ سَبَبًا، وَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ مَا يُوجَدُ ذَلِكَ الشَّيْءُ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا بِوُجُودِهِ وَلَا بِدُونِهِ أَجْمَعَ
فِيهِ وَمُفْضٍ إلَيْهِ بِلَا تَأْثِيرٍ فَالْأَوَّلُ الْعِلَّةُ وَالثَّانِي السَّبَبُ وَإِلَّا، فَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْوُجُودُ فَالشَّرْطُ وَإِلَّا فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ فَالْعَلَامَةُ وَالشَّرْطُ حَقِيقِيٌّ وَجَعْلِيٌّ فَالْأَوَّلُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي الْوَاقِعِ وَالثَّانِي شَرْعِيٌّ أَيْ بِجَعْلِ الشَّرْعِ فَيَتَوَقَّفُ شَرْعًا كَالشُّهُودِ لِلنِّكَاحِ وَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِ شَرْعِيٍّ أَيْ بِجَعْلِ الْمُكَلَّفِ بِتَعْلِيقِ تَصَرُّفِهِ عَلَيْهِ مَعَ إجَازَةِ الشَّرْعِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَذَا وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشُّرُوطِ هُنَا مَا لَا يَكُونُ الْمُكَلَّفُ بِحُصُولِهَا شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ احْتِرَازًا عَنْ التَّحْرِيمَةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ عِنْدَنَا وَلَا تُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ. اهـ.
وَأَطْلَقَ الشُّرُوطَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالتَّقَدُّمِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لَا مُخَصَّصَةٌ إذْ الشَّرْطُ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَقَدِّمًا وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: هِيَ طَهَارَةُ بَدَنِهِ مِنْ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ) ، أَمَّا طَهَارَةُ بَدَنِهِ مِنْ الْحَدَثِ فَبِآيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمِنْ الْخَبَثِ فَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» وَلِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «اغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» وَالْحَدَثُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْضَاءِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُزِيلِ وَالْخَبَثُ عَيْنٌ مُسْتَقْذَرَةٌ شَرْعًا وَقَدَّمَ الْحَدَثَ لِقُوَّتِهِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ مَانِعٌ بِخِلَافِ قَلِيلِ الْخَبَثِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ تُنَجِّسُ وَالْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَا يَنْجُسُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ. اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَنْجَاسِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَأَمَّا طَهَارَةُ ثَوْبِهِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] فَإِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ ثِيَابُك الْمَلْبُوسَةُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ طَهِّرْهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا لَكِنَّ الْأَرْجَحَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلِعُمُومِ الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَإِذَا وَجَبَ التَّطْهِيرُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثَّوْبِ وَجَبَ فِي الْمَكَانِ وَالْبَدَنِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمُ لِلْمُصَلِّي مِنْهُ لِتَصَوُّرِ انْفِصَالِهِ بِخِلَافِهِمَا وَأَرَادَ بِالْخَبَثِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ وَأَشَارَ بِاشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ نَجَاسَةً مَانِعَةً فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ فَكَذَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي طَرَفِ عِمَامَتِهِ أَوْ مِنْدِيلِهِ الْمَقْصُودُ ثَوْبٌ هُوَ لَابِسُهُ فَأَلْقَى ذَلِكَ الطَّرَفَ عَلَى الْأَرْضِ وَصَلَّى فَإِنَّهُ إنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِتِلْكَ الْحَرَكَةِ يُنْسَبُ لِحَمْلِ النَّجَاسَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الصَّبِيُّ إذَا كَانَ ثَوْبُهُ نَجِسًا أَوْ هُوَ نَجِسٌ فَجَلَسَ عَلَى حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَامُ النَّجِسُ إذَا وَقَعَ عَلَى رَأْسِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يُصَلِّي كَذَلِكَ جَازَتْ الصَّلَاةُ وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ إذَا حَمَلَهُ الْمُصَلِّي لِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْمُصَلِّي مُسْتَعْمِلٌ لَهُ فَلَمْ يَصِرْ الْمُصَلِّي حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ. اهـ.
وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَرَأْسُهُ يَصِلُ إلَى السَّقْفِ النَّجِسِ أَوْ فِي كِلَّةٍ مُتَنَجِّسَةٍ أَوْ فِي خَيْمَةٍ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ لِكَوْنِهِ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إذَا صَلَّى فِي الْخَيْمَةِ وَرَفَعَ سَقْفَهَا لِتَمَامِ قِيَامِهِ جَازَ إذَا كَانَتْ طَاهِرَةً وَإِلَّا فَلَا. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ عَلَى عُنُقِ الْكَلْبِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَبْلَ لَمَّا سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَقَدْ انْقَطَعَ حُكْمُ الِاتِّصَالِ بِهِ فَصَارَ كَالْعِمَامَةِ الطَّوِيلَةِ. اهـ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَبْلُ مَشْدُودًا فِي وَسَطِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَرْبُوطًا فِي سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا الْبَيَانُ الْوَاقِعُ وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ كَالْحَيَاةِ لِلْأَلَمِ وَالْجَعْلِيِّ كَدُخُولِ الدَّارِ لِلطَّلَاقِ وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ مَا لَا يَتَقَدَّمُهَا كَالْقَعْدَةِ شَرْطُ الْخُرُوجِ وَتَرْتِيبُ مَا لَمْ يُشْرَعْ مُكَرَّرًا شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ عَقْلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يُخْرِجُ قَيْدَ التَّقَدُّمِ الْعَقْلِيِّ وَالْجَعْلِيِّ لِلْقَطْعِ بِتَقَدُّمِ الْحَيَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ عَلَى الْأَلَمِ مَثَلًا وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يُقَالُ بَلْ الْجَعْلِيُّ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ إذْ الشَّرْطُ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْعَكْسِ فَالشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ لَهُ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ شَرْطٌ لُغَةً؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ بَلْ السَّبَبُ هُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ الْجَعْلِيِّ فَصَدَقَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ لَا مُؤَثِّرَ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا تَقْيِيدٌ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَا مُطْلَقُ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لِلصَّلَاةِ شَرْطٌ جَعْلِيٌّ وَيَبْعُدُ الِاحْتِرَازُ عَنْ شَرْطِهَا الْعَقْلِيِّ مِنْ الْحَيَاةِ وَنَحْوِهَا إذْ الْكِتَابُ مَوْضُوعٌ لِبَيَانِ الْعَمَلِيَّاتِ فَلَا يَخْطُرُ غَيْرُهَا وَشَرْطُ الْخُرُوجِ وَالْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَيْسَا شَرْطَيْنِ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الْخُرُوجُ وَالْبَقَاءُ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ شَرْطُ الصَّلَاةِ بِنَوْعٍ مِنْ التَّجَوُّزِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَعَلَى الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ.
(قَوْلُهُ: وَقُدِّمَ الْحَدَثُ لِقُوَّتِهِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ مَانِعٌ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا قَلِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِقَلِيلِهِ اللُّمْعَةُ تَسَاهُلًا وَمَا أَوْرَدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ طَهَارَةِ الْمُسْتَعْمِلِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَغْلَظِيَّةِ الْأَغْلَظِيَّةُ مِنْ حَيْثُ مَنْعُ الصَّلَاةِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. (قَوْلُهُ: الْمَقْصُودُ ثَوْبٌ هُوَ لَابِسُهُ) أَقْحَمَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ خُصُوصُ الْمِنْدِيلِ بَلْ أَعَمُّ.
حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَلَوْ صَلَّى وَمَعَهُ جَرْوُ كَلْبٍ أَوْ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِ قِيلَ لَمْ يَجُزْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَمُهُ مَفْتُوحًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ يَسِيلُ فِي كُمِّهِ فَيَصِيرُ مُبْتَلًّا بِلُعَابِهِ فَيَتَنَجَّسُ كُمُّهُ فَيَمْنَعُ الْجَوَازَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَإِنْ كَانَ فَمُهُ مَشْدُودًا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ لُعَابُهُ إلَى ثَوْبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٌ وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَنَجَاسَةُ بَاطِنِهِ فِي مَعْدِنِهِ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهَا كَنَجَاسَةِ بَاطِنِ الْمُصَلِّي وَلَوْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ قَارُورَةٌ مَضْمُومَةٌ فِيهَا بَوْلٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهِ وَمَكَانِهِ وَلَوْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ بَيْضَةٌ مَذِرَةٌ قَدْ صَارَ مُحُّهَا دَمًا جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْدِنِهِ وَالشَّيْءُ مَا دَامَ فِي مَعْدِنِهِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ الْكُلُّ فِي الْمُحِيطِ وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ مَوْضِعَ الْقَدَمِ وَالسُّجُودِ فَقَطْ
أَمَّا طَهَارَةُ مَوْضِعِ الْقَدَمِ فَبِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ بِشَرْطِ أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى النَّجَاسَةِ، أَمَّا إنْ رَفَعَ الْقَدَمَ الَّتِي مَوْضِعُهَا نَجَسٌ وَصَلَّى جَازَ، وَأَمَّا طَهَارَةُ مَوْضِعِ السُّجُودِ فَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَحِذَاءَ إبْطَيْهِ وَصَدْرِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى النَّجَاسَةِ كَلَا وَضْعَ وَالسُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَكَان طَاهِرٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا سَجَدَ تَقَعُ ثِيَابُهُ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ وَلَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ وَعَلَى طَرَفٍ مِنْهُ نَجَاسَةٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَهُوَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ لَا تَمْنَعُ فِي مَوْضِعِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ بَسَطَ بِسَاطًا رَقِيقًا عَلَى الْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَصَلَّى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْبِسَاطُ بِحَالٍ يَصْلُحُ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ رَطْبَةً فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا وَصَلَّى إنْ كَانَ ثَوْبًا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ عَرْضِهِ ثَوْبًا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ أَلْقَى عَلَيْهَا لِبَدًا فَصَلَّى عَلَيْهِ يَجُوزُ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُلْقِيَ عَلَى هَذَا الطَّرَفِ الطَّرَفَ الْآخَرَ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ يَابِسَةً جَازَتْ يَعْنِي إذَا كَانَ يَصْلُحُ سَاتِرًا. اهـ.
وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَا لَهُ بِطَانَةٌ مُتَنَجِّسَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى مَا يَلِي مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ الْمِضْرَبِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ ثَوْبَيْنِ وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمِضْرَبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا، قَالَ فِي التَّجْنِيس وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِضْرَبَ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَلَوْ قَامَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ وَلَوْ افْتَرَشَ نَعْلَيْهِ وَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ الصَّلَاةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَسَطَ الثَّوْبَ الطَّاهِرَ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ جَازَ، وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كِتَابِ التَّحَرِّي يَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِنَابُ وَذَكَرَ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ خِلَافًا فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ إلَى أَنْ حَدَّثَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَخَالَفَ فِيهِ كَالْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ مَحِلِّهَا وَالْمُرَادُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إطْلَاقًا، لِاسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحِلِّ فِي الْأَوَّلِ وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» أَيْ الْبَالِغَةِ سُمِّيَتْ حَائِضًا؛ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَائِضِ يُخْرِجُ الَّتِي دُونَ الْبُلُوغِ لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ مُرَاهِقَةٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَكَانِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ الظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ فَقَدْ اخْتَارَ الْفَقِيهُ خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِ عَامَّةِ الْمُتُونِ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ يَعْنِي تُجْمَعُ وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ الْعُضْوَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَهَذَا كَمَا لَوْ صَلَّى رَافِعًا إحْدَى قَدَمَيْهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ وَضَعَ الْقَدَمَ عَلَى النَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ. اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَكَانِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ إذَا لَمْ يَضَعْهُمَا، أَمَّا إنْ وَضَعَهُمَا اُشْتُرِطَتْ فَلْيُحْفَظْ هَذَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: لَوْ خَرَجَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى رَأْيِ الْفَقِيهِ لَكَانَ أَظْهَرَ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.
هَذَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَا نَصُّهُ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَوْضِعَ الْكَفَّيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ فِي الْعُيُونِ هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ رُكْبَتَيْهِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ. اهـ.
وَنَقَلَ شَارِحُهَا الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ السَّابِقَةَ ثُمَّ قَالَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَالْقَدَمَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُضْوِ بِالنَّجَاسَةِ بِمَنْزِلَةِ حَمْلِهَا وَإِنْ كَانَ وَضْعُ ذَلِكَ الْعُضْوِ لَيْسَ بِفَرْضٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: سَاتِرُ الْعَوْرَةِ) أَيْ بِأَنْ لَا يَصِفَ مَا تَحْتَهُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ مَحِلُّهَا) الضَّمِيرُ لِلزِّينَةِ وَمَحِلُّهَا الثَّوْبُ السَّاتِرُ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى بَيَانِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 29] فَعَلَى الْأَوَّلِ أَطْلَقَ اسْمَ الْحَالِّ وَهُوَ الزِّينَةُ وَأُرِيدَ
صَلَّتْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ عُرْيَانَةً تُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ وَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَصَلَاتُهَا تَامَّةٌ اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تُصَلِّي حَائِضٌ بِغَيْرِ قِنَاعٍ» فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْحَائِضِ وَلِأَنَّ سَتْرَ عَوْرَةِ الرَّأْسِ لَمَّا سَقَطَ بِعُذْرِ الرِّقِّ فَبِعُذْرِ الصِّبَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا الْخِطَابُ بِالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا يَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا. اهـ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَتْ الْعَوْرَةُ عَوْرَةً لِقُبْحِ ظُهُورِهَا وَلِغَضِّ الْأَبْصَارِ عَنْهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَوَرِ وَهُوَ النَّقْصُ وَالْعَيْبُ وَالْقُبْحُ وَمِنْهُ عَوَرُ الْعَيْنِ وَالْكَلِمَةُ الْعَوْرَاءُ الْقَبِيحَةُ أُطْلِقَ فِيمَا يَسْتُرُ بِهِ فَشَمِلَ مَا يُبَاحُ لُبْسُهُ وَمَا لَا يُبَاحُ فَلَوْ سَتَرَهَا بِثَوْبِ حَرِيرٍ وَصَلَّى صَحَّتْ وَأَثِمَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يُصَلِّي فِيهِ لَا عُرْيَانًا وَحَدُّ السَّتْرِ أَنْ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ حَتَّى لَوْ سَتَرَهَا بِثَوْبٍ رَقِيقٍ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ لَا يَجُوزُ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ عُرْيَانًا وَلَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ السِّتْرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعِبَادِ وَإِنْ كَانَ مُرَاعًى فِي الْجُمْلَةِ بِسَبَبِ اسْتِتَارِهِ عَنْهُمْ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ السِّتْرُ لَا يُحْجَبُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَرَى الْمَسْتُورَ كَمَا يَرَى الْمَكْشُوفَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَرَى الْمَكْشُوفَ تَارِكًا لِلْأَدَبِ وَالْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا وَهَذَا الْأَدَبُ وَاجِبٌ مُرَاعَاتُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ صَلَّى فِي الْمَاءِ عُرْيَانًا إنْ كَانَ كَدِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ عَوْرَتِهِ لَا تَصِحُّ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ الصَّلَاةُ عَلَى جِنَازَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّصْوِيرُ وَأَرَادَ بِسِتْرِهَا السِّتْرَ عَنْ غَيْرِهِ لَا عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى فَرْجَهُ مِنْ زِيَقَةٍ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا صَلَّى فِي قَمِيصٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إزْرَارٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزُرَّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ «سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ فَقَالَ زُرَّهُ عَلَيْك وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَعِمَامَةٍ وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ وَاحِدٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ مِنْ أَسْفَلَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَأَعْلَاهُ وَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمَنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ فَلَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ مِنْ تَحْتِهِ رَأَى عَوْرَتَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَاعْلَمْ أَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ وَفِي الْخَلْوَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَكُنْ الِانْكِشَافُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ مِنْ تَحْتِ سُتْرَتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) أَيْ مَا بَيْنَهُمَا فَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ فَالْغَايَةُ هُنَا لَمْ
ــ
[منحة الخالق]
الْمَحَلُّ وَهُوَ السَّاتِرُ وَعَلَى الثَّانِي بِالْعَكْسِ أَيْ أَطْلَقَ اسْمَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَسْجِدُ وَأُرِيدَ الْحَالُّ وَهُوَ الصَّلَاةُ فَإِنَّ السِّتْرَ لَا يَجِبُ لِعَيْنِ الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ سِتْرَةَ الصَّلَاةِ لَا لِأَجْلِ النَّاسِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْأَسْوَاقِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ فَلَوْ كَانَ لِلنَّاسِ لَقَالَ عِنْدَ كُلِّ سُوقٍ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ قَالَ: لِأَنَّ الثَّوْبَ سَبَبُ الزِّينَةِ وَمَحَلُّ الزِّينَةِ الشَّخْصُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّصْوِيرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّافِي وَغَيْرِهِ يُؤَذِّنُ بِأَنَّ لَهُ ثَوْبًا إذْ الْعَادِمُ لَهُ يَسْتَوِي فِي حَقِّهِ الصَّافِي وَغَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيمَاءُ لِلْفَرْضِ. اهـ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلِي فِي الْكَلَامَيْنِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ تَصْوِيرِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَدَنِهِ شَيْءٌ إذَا سَدَّ مَنَافِذَهُ بَلْ مَا يَفْعَلُهُ الْغَطَّاسُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْغَرِيقِ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزُرَّهُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالدَّلِيلُ يُسَاعِدُهُ وَهُوَ أَنَّ السِّتْرَ وَجَبَ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ ذَاتِهَا لَا لِخَوْفِ رُؤْيَةِ الْعَوْرَةِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ نَظَرَ لَرَأَى بِلَا تَكَلُّفٍ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهُوَ السِّتْرُ، وَلِذَا لَوْ صَلَّى عُرْيَانًا فِي الظُّلْمَةِ بِلَا عُذْرٍ لَا تَجُوزُ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ لِخَوْفِ الرُّؤْيَةِ لَجَازَتْ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا فَرْضُ السِّتْرِ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي هُوَ الَّذِي بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ لَرَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ دُونَ الْفَسَادِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ دُونَ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ مِنْ تَحْتِ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ هُوَ مَا تَحْتَ الْخَطِّ الَّذِي يَمُرُّ بِالسُّرَّةِ وَيَدُورُ عَلَى مُحِيطِ بَدَنِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ بُعْدُهُ عَنْ مَوْقِعِهِ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ عَلَى السَّوَاءِ. اهـ.
وَأَمَّا الرُّكْبَةُ فَسَيَأْتِي أَنَّهَا مُلْتَقَى عَظْمِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ وَفِي حَوَاشِي الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ الشَّافِعِيُّ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا تَحْدِيدَ الرُّكْبَةِ وَعَرَّفَهَا فِي الْقَامُوسِ بِأَنَّهَا مَوَاصِلُ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْفَخِذِ وَأَعَالِي السَّاقِ قَالَ وَصَرِيحُ مَا يَأْتِي فِي الثَّامِنِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ الْمُنْحَدِرِ عَنْ آخِرِ الْفَخِذِ إلَى أَوَّلِ أَعْلَى السَّاقِ وَعَلَيْهِ فَكَأَنَّهُمْ اعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ الْعُرْفَ لِبُعْدِ تَقْيِيدِ الْأَحْكَامِ بِحَدِّهَا اللُّغَوِيِّ لِقِلَّتِهِ جِدًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْمَوْصِلِ مَا قَرَّرْنَاهُ وَهُوَ قَرِيبٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي الصِّحَاحِ قَالَ وَالرُّكْبَةُ
تَدْخُلْ تَحْتَ الْمُغَيَّا لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ «مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» وَلِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ «مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» وَلِرِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ» ، وَأَمَّا انْكِشَافُ فَخِذِهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ فَلَمْ يَكُنْ قَصْدًا، وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمَيْ السَّاقِ وَالْفَخِذِ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ فَاجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ فَغَلَبَ الْمُحَرِّمُ احْتِيَاطًا كَذَا قَالُوا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ السُّرَّةُ عَوْرَةً كَمَا هُوَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ تَعَارَضَ فِي السُّرَّةِ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَرِّمًا لِدَلِيلٍ اقْتَضَاهُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ «قَالَ كُنْت أَمْشِي مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ لِلْحَسَنِ اكْشِفْ لِي عَنْ بَطْنِك جُعِلْت فِدَاك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُهُ قَالَ فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ» كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى مَوْضِعِ نَبَاتِ شَعْرِ الْعَانَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِتَعَامُلِ الْعُمَّالِ فِي إبْدَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ الِاتِّزَارِ وَفِي سِتْرِهِ نَوْعُ حَرَجٍ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ بِخِلَافِ النَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ حَتَّى لَوْ رَأَى رَجُلٌ غَيْرَهُ مَكْشُوفَ الرُّكْبَةِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَلَا يُنَازِعُهُ إنْ لَجَّ وَإِنْ رَآهُ مَكْشُوفَ الْفَخِذِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بِعُنْفٍ وَلَا يَضْرِبُهُ إنْ لَجَّ وَإِنْ رَآهُ مَكْشُوفَ السَّوْأَةِ أَمَرَهُ بِسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَدَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ لَجَّ. اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدُهُ بِالْقَاضِي وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ.
(قَوْلُهُ: وَبَدَنُ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَسَّرَهُ بِالثِّيَابِ كَمَا رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى الْمُحْرِمَةَ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ» وَلَوْ كَانَا عَوْرَةً لَمَا حَرُمَ سِتْرُهُمَا
وَلِأَنَّ
الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِلَى إبْرَازِ الْكَفِّ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ عَوْرَةً وَعَبَّرَ بِالْكَفِّ دُونَ الْيَدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمُحِيطِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْبَاطِنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي خان ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ إلَى الرُّسْغِ وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ قَتَادَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إلَى الْمِفْصَلِ» وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ إخْرَاجَ الْكَفِّ عَنْ كَوْنِهِ عَوْرَةً مَعْلُولٌ بِالِابْتِلَاءِ بِالْإِبْدَاءِ إذْ كَوْنُهُ عَوْرَةً مَعَ هَذَا الِابْتِلَاءِ مُوجِبٌ لِلْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَهَذَا الِابْتِلَاءُ كَمَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي بَاطِنِ الْكَفِّ مُتَحَقِّقٌ فِي ظَاهِرِهِ. اهـ.
وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَلِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى كَشْفِهِ لِلْخِدْمَةِ وَلِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَهُوَ السِّوَارُ وَصُحِّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا خَارِجَهَا وَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْمُتُونِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَحِلُّ النَّظَرِ مَنُوطٌ بِعَدَمِ خَشْيَةِ الشَّهْوَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَوْرَةِ وَلِذَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَوَجْهِ الْأَمْرَدِ إذَا شَكَّ فِي الشَّهْوَةِ وَلَا عَوْرَةَ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ مِنْ كَشْفِ وَجْهِهَا بَيْنَ الرِّجَالِ فِي زَمَانِنَا لِلْفِتْنَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الشَّعْرَ الْمُتَرَسِّلَ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَأَمَّا غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ فَمَوْضُوعٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ الْقَدَمَ لِلِابْتِلَاءِ فِي إبْدَائِهِ خُصُوصًا الْفَقِيرَاتُ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشَايِخِ
ــ
[منحة الخالق]
مَعْرُوفَةٌ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدَارَ فِيهَا عَلَى الْعُرْفِ وَالْكَلَامُ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَامُوسَ إنْ لَمْ تُحْمَلْ عِبَارَتُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ اعْتَمَدَ فِي حَدِّهِ لَهَا بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْ اللُّغَةِ إلَى غَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ التَّعْزِيرِ. اهـ.
وَاَلَّذِي فِي أَوَّلِ التَّعْزِيرِ وَالتَّعْزِيرُ ضَرْبٌ دُونَ الْحَدِّ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّ هَذَا وَضْعٌ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ لِأَهْلِ اللُّغَةِ الْجَاهِلِينَ لِذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَهُوَ غَلَطٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ
(قَوْلُهُ: لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْبَاطِنِ) عَزَاهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْمُسْتَصْفَى ثُمَّ قَالَ وَاعْتُرِضَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَفِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ لُغَةً يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ وَلِهَذَا يُقَالُ ظَهْرُ الْكَفِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَفَّ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا لَا يَتَنَاوَلُ ظَهْرَهُ. اهـ.
وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ الْحَقُّ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ عَدَمُ دُخُولِ الظَّاهِرِ وَمَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْكَفُّ يَتَنَاوَلُ ظَاهِرَهُ أَغْنَاهُ عَنْ تَوْجِيهِ الدَّفْعِ إذْ إضَافَةُ الظَّاهِرِ إلَى مُسَمَّى الْكَفِّ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ. اهـ.
قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّبَادُرِ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَنْ تَأَمَّلَ إلَخْ فَقَدْ اعْتَرَضَهُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّ هَذَا مَغْلَطَةٌ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَيْهِ لَا تَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِهِ فِيهِ وَإِلَّا لَاقْتَضَتْ إضَافَةُ الرَّأْسِ إلَى زَيْدٍ عَدَمَ دُخُولِ الرَّأْسِ فِي مُسَمَّى
فَصُحِّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خان أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ
وَصَحَّحَ الْأَقْطَعُ وَقَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ عَلَى أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ والْمَرْغِينَانِيُّ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَعَوْرَةٌ خَارِجَهَا وَرَجَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَوْنَهُ عَوْرَةً مُطْلَقًا بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا إزَارٌ فَقَالَ إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِهَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَصَرَّحَ فِي النَّوَازِل بِأَنَّ نَغْمَةَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ تَعَلُّمَهَا الْقُرْآنَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَعَلُّمِهَا مِنْ الْأَعْمَى وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَهَا الرَّجُلُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي فَقَالَ وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قِيلَ إذَا جَهَرَتْ بِالْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ كَانَ مُتَّجَهًا. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْأَشْبَهُ أَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلْبِيَةِ وَلَعَلَّهُنَّ إنَّمَا مُنِعْنَ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ رَفْعِ صَوْتِهَا بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ أَنْ يَكُونَ عَوْرَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الصَّغِيرَةُ جِدًّا لَا تَكُونُ عَوْرَةً وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَمِنْهَا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَأَمَّا عَوْرَةُ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ فَمَا دَامَا لَمْ يُشْتَهَيَا فَالْقُبُلُ وَالدُّبُرُ، ثُمَّ يَتَغَلَّظُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ يَكُونُ كَعَوْرَةِ الْبَالِغِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زَمَانٌ يُمْكِنُ بُلُوغُ الْمَرْأَةِ فِيهِ وَكُلُّ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا انْفَصَلَ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى رِيقِهَا وَدَمْعِهَا وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الذَّكَرُ الْمَقْطُوعُ مِنْ الرَّجُلِ وَشَعْرُ عَانَتِهِ إذَا حَلَقَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَكَشْفُ رُبْعِ سَاقِهَا يَمْنَعُ وَكَذَا الشَّعْرُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ) ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الِانْكِشَافِ عَفْوٌ عِنْدَنَا لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ ثِيَابَ الْفُقَرَاءِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ خَرْقٍ كَالنَّجَاسَةِ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ مُفْسِدٌ لِعَدَمِهَا فَاعْتُبِرَ الرُّبْعُ وَأُقِيمَ مُقَامَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ شَبَهًا بِالْكُلِّ كَمَا فِي حَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِهِ الدَّمُ كَمَا لَوْ حَلَقَ كُلَّهُ
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَفِيهِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ فِيهِ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْبَعْضَ، أَمَّا فِي الْإِحْرَامِ فَالنَّصُّ تَنَاوَلَهُ كُلَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] فَأُقِيمَ رُبْعُهُ مُقَامَ كُلِّهِ أَطْلَقَ فِي الشَّعْرِ فَشَمِلَ مَا عَلَى الرَّأْسِ وَالْمُسْتَرْسِلَ وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَأَرَادَ بِالْغَلِيظَةِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ وَمَا حَوْلَهُمَا وَالْخَفِيفَةَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَنَصَّ عَلَى الْغَلِيظَةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْكَرْخِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْغَلِيظَةِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ قِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّغْلِيظَ فِي الْغَلِيظَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الدُّبُرِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَالدُّبُرُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مَكْشُوفًا وَهُوَ تَنَاقُضٌ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ الْغَلِيظَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ مَعَ مَا حَوْلَهُمَا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ. اهـ.
وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِمَّا قِيلَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ عُضْوٌ وَاحِدٌ بَلْ بَيَانُ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ كَيْفَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ عُضْوًا عَلَى حِدَتِهِ
ــ
[منحة الخالق]
زَيْدٍ وَكَمَا يُقَالُ ظَهْرُ الْكَفِّ كَذَلِكَ يُقَالُ بَاطِنُ الْكَفِّ. اهـ. وَهُوَ وَجِيهٌ.
(قَوْلُهُ: وَبُنِيَ عَلَيْهِ أَنَّ تَعَلُّمَهَا الْقُرْآنَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ تَدَافُعٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّعَلُّمِ أَنْ تَسْمَعَ مِنْهُ فَقَطْ لَكِنْ حِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ. اهـ.
أَقُولُ: التَّدَافُعُ مَدْفُوعٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَحَبُّ إلَى كَوْنِهِ مُخْتَارًا لِي وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْوِيزَ غَيْرِهِ بَلْ اخْتِيَارُهُ إيَّاهُ يَقْتَضِي عَدَمَ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالنَّغْمَةِ مَا فِيهِ تَمْطِيطٌ وَتَلْيِينٌ لَا مُجَرَّدُ الصَّوْتِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ كَلَامُهَا مَعَ الرِّجَالِ أَصْلًا لَا فِي بَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمَّا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مَظِنَّةَ حُصُولِ النَّغْمَةِ مَعَهَا مُنِعَتْ مِنْ تَعَلُّمِهَا مِنْ الرَّجُلِ وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا مَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ خَطِّ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي السَّمَاعِ وَلَا يَظُنُّ مَنْ لَا فِطْنَةَ عِنْدَهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا صَوْتُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ أَنَّا نُرِيدُ بِذَلِكَ كَلَامَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّا نُجِيزُ الْكَلَامَ مَعَ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ وَمُحَاوَرَتِهِنَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَا نُجِيزُ لَهُنَّ رَفْعَ أَصْوَاتِهِنَّ وَلَا تَمْطِيطَهَا وَلَا تَلْيِينَهَا وَتَقْطِيعَهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اسْتِمَالَةِ الرِّجَالِ إلَيْهِنَّ وَتَحْرِيكِ الشَّهَوَاتِ مِنْهُمْ وَمِنْ هَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُؤَذِّنَ الْمَرْأَةُ. اهـ.
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْعَوْرَةَ رَفْعُ الصَّوْتِ الَّذِي لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ النَّغْمَةِ لَا مُطْلَقِ الْكَلَامِ فَلَمَّا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ لَا تَخْلُو عَنْ ذَلِكَ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَغَلَّظُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَانَ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ السَّبْعِ؛ لِأَنَّهُمَا يُؤْمَرَانِ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَا هَذَا السِّنَّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَجِيبٌ)
فِي الدِّيَةِ فَكَذَا هُنَا لِلِاحْتِيَاطِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْكُلَّ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ عُضْوٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْقُبُلَ مَعَ مَا حَوْلَهُ عُضْوٌ وَالدُّبُرَ مَعَ مَا حَوْلَهُ عُضْوٌ، وَأَمَّا الرُّكْبَةُ مَعَ الْفَخِذِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا عُضْوٌ وَاحِدٌ، كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ فَلَيْسَتْ بِعُضْوٍ مُسْتَقِلٍّ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ عَوْرَةً تَبَعًا لِلْفَخِذِ احْتِيَاطًا فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى وَرُكْبَتَاهُ مَكْشُوفَتَانِ وَالْفَخِذُ مُغَطًّى فَإِنَّهُ يَجُوزُ، كَذَا فِي الْمُنْيَةِ وَفِي شَرْحِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكَعْبَ لَيْسَ بِعُضْوٍ مُسْتَقِلٍّ بَلْ هُوَ مَعَ السَّاقِ عُضْوٌ وَاحِدٌ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يُمْنَعُ رُبْعُ السَّاقِ مَعَ رُبْعِ الْكَعْبِ أَوْ مِقْدَارُ رُبْعِهِمَا وَالدُّبُرُ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَكُلُّ أَلْيَةٍ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكُلُّ أُذُنٍ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ وَثَدْيُ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ نَاهِدَةً فَهِيَ تَبَعٌ لِصَدْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْكَسِرَةً فَهِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا وَالنَّاهِدَةُ بِمَعْنَى النَّافِرَةِ مِنْ الصَّدْرِ غَيْرُ مُسْتَرْخِيَةٍ وَالثَّدْيُ يَذَّكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالتَّذْكِيرُ أَشْهَرُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْمُغْرِبِ سِوَى التَّذْكِيرِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ عُضْوٌ وَالْمُرَادُ مِنْهُ حَوْلَ جَمِيعِ الْبَدَنِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الزِّيَادَاتِ امْرَأَةٌ صَلَّتْ فَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ فَخِذِهَا وَشَيْءٌ مِنْ سَاقِهَا وَشَيْءٌ مِنْ صَدْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهَا الْغَلِيظَةِ وَلَوْ جُمِعَ بَلَغَ رُبْعَ عُضْوٍ صَغِيرٍ مِنْهَا لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ الِانْكِشَافِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَيُجْمَعُ كَالنَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي مَوَاضِعَ وَالطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ فِي مَوَاضِعَ بِخِلَافِ الْخُرُوقِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ وَإِلَّا يُمْنَعُ الْقَلِيلُ فَلَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثُمُنِ الْفَخِذِ وَنِصْفُ ثُمُنِ الْأُذُنِ وَذَلِكَ يَبْلُغُ رُبْعَ الْأُذُنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ الْمُنْكَشِفَةِ لَا تَبْطُلُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَجْمُوعِ الْأَعْضَاءِ الْمُنْكَشِفَةِ بَعْضُهَا وَإِلَى مَجْمُوعِ الْمُنْكَشِفِ، فَإِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُ الْمُنْكَشِفِ رُبْعَ مَجْمُوعِ الْأَعْضَاءِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الزِّيَادَاتِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ إذَا صَلَّتْ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ فَرْجِهَا إنْ كَانَ بِحَالِ لَوْ جُمِعَ بَلَغَ الرُّبْعَ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَلَغَ رُبْعَ أَصْغَرِهَا أَمْ أَكْبَرِهَا وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ
اعْلَمْ أَنَّ انْكِشَافَ مَا دُونَ الرُّبْعِ مَعْفُوٌّ إذَا كَانَ فِي عُضْوٍ
ــ
[منحة الخالق]
أَيْ مَا أَجَابَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ مَا نَقَلَهُ مِنْ الْقِيلِ بَيَانٌ لِلْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَجْمُوعَ عُضْوٌ وَاحِدٌ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ عُضْوٌ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الشَّارِحُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ وَأَقَرَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُفْسِدَ إنَّمَا هُوَ رُبْعُ الْمُنْكَشِفِ وَهَذَا خُلْفٌ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الِانْكِشَافُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَثَمَّةَ يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ كَمَا إذَا انْكَشَفَ مِنْ فَخِذِهِ مَوَاضِعُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالِانْكِشَافُ حَصَلَ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ كُلٌّ مِنْهَا عَوْرَةٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِي اعْتِبَارِ أَدْنَاهَا لِأَنَّ بِهِ يُوجَدُ الْمَانِعُ فَيُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُنْكَشِفِ مِنْ جَمِيعِهَا، فَإِنْ بَلَغَ رُبْعَ أَصْغَرِهَا أَفْسَدَ احْتِيَاطًا وَإِلَّا لَزِمَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ انْكِشَافِ رُبْعِ عَوْرَةٍ مِنْ الْمُنْكَشِفِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَهَذَا لَازِمٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِالْأَجْزَاءِ وَلَا قَائِلَ بِهِ. اهـ.
وَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الزِّيَادَاتِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ تَفْصِيلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ، وَقَدْ قَالَ بَدِيعُ الدِّينِ: إنَّ مَا فِي الزِّيَادَاتِ نَصَّ عَلَى أَمْرَيْنِ النَّاسُ عَنْهُمَا غَافِلُونَ: أَحَدُهُمَا - أَنْ لَا يُقَيَّدَ الْجَمْعُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْأَسْدَاسِ وَالْأَتْسَاعِ بَلْ بِالْقَدْرِ. وَالثَّانِي - أَنَّ الْمَكْشُوفَ مِنْ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِ الْأَعْضَاءِ مَنَعَ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رُبْعُ أَدْنَى عُضْوٍ انْكَشَفَ بَعْضُهُ لَا أَدْنَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا وَلَوْ لَمْ يَنْكَشِفْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ دُرَرِ الْبِحَارِ فَلْيُتَدَبَّرْ وَأَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ مِنْ الْعَوْرَةِ وَشَرْحِ الْكَنْزِ لَيْسَ الْمَذْهَبُ كَمَا تَرَى وَعَلَى الْمَذْهَبِ مَا فِي شَرْحِ ابْنِ مَالِكٍ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الزِّيَادَاتِ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ ابْنِ الشِّحْنَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَفِيهِ أَيْ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ وَمَا نَقَلَهُ بَدِيعُ الدِّينِ نَفْيٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ إلَى أَنْ قَالَ وَالْعَجَبُ مِنْ شَيْخِنَا يَعْنِي ابْنَ الْهُمَامِ كَيْفَ تَبِعَهُ عَلَيْهِ وَأَقَرَّهُ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَنْصُوصِ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُهُمْ إنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ فِي الِانْكِشَافِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ الْمُرَادُ بِهِ فِي اعْتِبَارِ الْجَمْعِ لَا فِي اعْتِبَارِ رُبْعِ مَجْمُوعِهَا فَتَأَمَّلْهُ مُمْعِنًا فِيهِ النَّظَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْهَادِي إلَى الصَّوَابِ. اهـ.
قُلْتُ: وَنَصُّ عِبَارَةِ الزِّيَادَاتِ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ انْكَشَفَ مِنْ شَعْرِهَا شَيْءٌ فِي صَلَاتِهَا وَمِنْ فَخِذِهَا شَيْءٌ وَمِنْ سَاقِهَا شَيْءٌ وَمِنْ ظَهْرِهَا وَمِنْ بَطْنِهَا فَلَوْ جُمِعَ يَكُونُ قَدْرُ رُبْعِ شَعْرِهَا أَوْ رُبْعِ سَاقِهَا أَوْ رُبْعِ فَخِذِهَا لَمْ تُجْزِهَا صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّهَا عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ.
قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ النَّاسُ عَنْهُمَا غَافِلُونَ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْأَسْدَاسِ وَالْأَسْبَاعِ وَالْأَتْسَاعِ بَلْ بِالْقَدْرِ. وَالثَّانِي - أَنَّ الْمَكْشُوفَ مِنْ الْكُلِّ لَوْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمَكْشُوفَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ مِنْ الْأُذُنِ تُسْعُهَا وَمِنْ السَّاقِ تُسْعُهَا تُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَكْشُوفَ قَدْرُ رُبْعِ الْأُذُنِ. اهـ.
وَنَقَلَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ عِبَارَةً لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الْأَمْرَ الثَّانِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ نَقْلًا مِنْ الزِّيَادَاتِ
وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ فِي عُضْوَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَجَمَعَ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ. اهـ.
وَهُوَ تَفْصِيلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ اقْتَضَى اعْتِبَارَ الرُّبْعِ سَوَاءٌ كَانَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ عُضْوَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَاصِلُ أَنَّ الِانْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُ وَالِانْكِشَافُ الْقَلِيلُ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ أَيْضًا لَا يُفْسِدُ وَالْمُفْسِدُ الِانْكِشَافُ الْكَثِيرُ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ، وَقَدْرُ الْكَثِيرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ وَالْقَلِيلُ دُونَهُ فَلَوْ انْكَشَفَ فَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ فَسَدَتْ فِي الْحَالِ عِنْدَهُمْ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اعْتَبَرَ أَدَاءَ الرُّكْنِ حَقِيقَةً، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَامَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ لِلِازْدِحَامِ أَوْ قَامَ عَلَى نَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْعِ دُونَ الْفَسَادِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا أَحْرَمَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الِانْعِقَادِ وَمَا إذَا انْكَشَفَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا، وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ كَالِانْكِشَافِ الْمَانِعِ وَتَفَرَّعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا فِي الْمُحِيطِ أَمَةٌ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَرَعَفَتْ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَتَوَضَّأَتْ، ثُمَّ تَقَنَّعَتْ وَعَادَتْ إلَى الصَّلَاةِ جَازَتْ؛ لِأَنَّهَا مَا أَدَّتْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَإِنْ عَادَتْ، ثُمَّ تَقَنَّعَتْ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْكَشْفِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَمَةُ كَالرَّجُلِ وَظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا عَوْرَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ دُونَهُ وَكُلٌّ مِنْ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ مَوْضِعٌ مُشْتَهًى وَمَا عَدَا هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ رَأْسًا أَوْ كَتِفًا أَوْ سَاقًا لِلْحَرَجِ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ ضَرَبَ أَمَةً مُتَقَنَّعَةً وَقَالَ اكْشِفِي رَأْسَك لَا تَتَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ فِي تَوْضِيحِ الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ مَنَعَ عُمَرُ الْإِمَاءَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْحَرَائِرِ فَجَوَابُهُ أَنَّ السُّفَهَاءَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالتَّعَرُّضِ لِلْإِمَاءِ فَخَشِيَ عُمَرُ أَنْ يَلْتَبِسَ الْأَمْرُ فَيَتَعَرَّضَ السُّفَهَاءُ لِلْحَرَائِرِ فَتَكُونُ الْفِتْنَةُ أَشَدَّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] أَيْ يَتَمَيَّزْنَ بِعَلَامَتِهِنَّ عَنْ غَيْرِهِنَّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْأَمَةِ سِتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا بَلْ هُوَ مَنْقُولُ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَالْأَمَةُ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ الْحُرَّةِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ فَلِهَذَا أَطْلَقَهَا لِيَشْمَلَ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُسْتَسْعَاةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَعِنْدَهُمَا الْمُسْتَسْعَاةُ حُرَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَسْعَاةِ مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ، وَأَمَّا الْمُسْتَسْعَاةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا أَعْتَقَهَا الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَهِيَ حُرَّةٌ اتِّفَاقًا، وَقَدْ وَقَعَ تَرَدُّدٌ فِي بَعْضِ الدُّرُوسِ فِي الْجَنْبِ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ أَوْ لَا فَذَكَرْت أَنَّهُ عَوْرَةٌ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ قَالَ الْجَنْبُ تَبَعُ الْبَطْنِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لَهُ. اهـ.
وَلَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَنَحْوَهُ فَسَتَرَتْهُ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنٍ جَازَتْ لَا بِكَثِيرٍ أَوْ بَعْدَ رُكْنٍ، كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ تُؤَدِّيَ رُكْنًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْرُ الْكَثِيرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ) أَيْ بِسُنَّتِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمُنْيَةِ قَالَ شَارِحُهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَيْ بِمَا لَهُ مِنْ السُّنَّةِ أَيْ بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِيهِ مِنْ الْكَمَالِ السُّنِّيِّ كَالتَّسْبِيحَاتِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَثَلًا وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ وَوَجْهُهُ قَرِيبٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ قَصِيرًا أَوْ طَوِيلًا. اهـ.
أَيْ تَقْيِيدُ الرُّكْنِ أَيْ هَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ قَدْرُ رُكْنٍ طَوِيلٍ بِسُنَّتِهِ كَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ أَوْ الْقِيَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى قِرَاءَةِ الْمَسْنُونِ أَوْ قَدْرِ رُكْنٍ قَصِيرٍ كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ بِسُنَّتِهِ أَيْ قَدْرُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ وَذَلِكَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ. اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ أَقْصَرُ رُكْنٍ وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ) فِيهِ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْإِطْلَاقِ وَلَكِنَّ الْأَشْبَهَ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ قَدْ تَدْعُو إلَى التَّعَمُّدِ ضَرُورَةً فِي الْجُمْلَةِ فَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ التَّعَمُّدُ بِسَبَبِهَا حَتَّى يَكُونَ كَلَا تَعَمُّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَخَافَ أَنْ يُضَيِّعَ نَعْلَهُ فَرَفَعَهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ فِيهَا قَذَرٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَقَامَ وَالنَّعْلُ فِي يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ حَتَّى يَرْكَعَ رُكُوعًا تَامًّا أَوْ رُكْنًا آخَرَ وَالنَّعْلُ فِي يَدِهِ. اهـ.
قَالَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَسَادَ إذَا لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِنَاءً عَلَى ضَرُورَةِ تَرْكِ التَّعَمُّدِ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ وَهِيَ خَوْفُ ضَيَاعِ النَّعْلِ فَعَدَمُ الْفَسَادِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْجَنْبُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ شِقُّ الْإِنْسَانِ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْإِبْطِ وَالْوَرِكِ فَمَعْنَى كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لِلْبَطْنِ وَمَا لَمْ يَلِ الْبَطْنَ بِأَنْ وَلِيَ الصَّدْرَ فَتَبَعٌ لِلظَّهْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الظَّهْرَ أَعْلَى مِنْ الْبَطْنِ؛ لِأَنَّ الْبَطْنَ مَا لَانَ وَالصَّدْرُ قَفَصُ الْعِظَامِ وَالظَّهْرُ يُحَاذِيهِمَا غَايَتُهُ أَنَّ الْكَتِفَيْنِ غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي الظَّهْرِ فَلَيْسَا بِعَوْرَةٍ. اهـ.
أَقُولُ: وَهُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ الْأَوْجَهُ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لَهُ وَمَا يَلِي الظَّهْرَ تَبَعٌ لَهُ وَلَكِنْ نُقِلَ أَوَّلَ الْبَابِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجَنْبَ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ فَإِنَّهُ قَالَ رَفَعَتْ يَدَيْهَا لِلشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَانْكَشَفَ مِنْ كُمَّيْهَا رُبْعُ بَطْنِهَا أَوْ جَنْبِهَا لَا يَصِحُّ شُرُوعُهَا تَأَمَّلْ
بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ فَشَرَطَ عِلْمَهَا تَبَعًا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهَا لَوْ صَلَّتْ شَهْرًا بِغَيْرِ قِنَاعٍ، ثُمَّ عَلِمَتْ بِالْعِتْقِ مُنْذُ شَهْرٍ تُعِيدُهَا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَأَدَّى رُكْنًا مَعَهُ فَسَدَتْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَذَكَرَ نَحْوَهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً وَهَذَا أَنَّ الْمَنْطُوقَانِ أَوْجَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ مَاتَ بِمَكَّةَ فَلَزِمَ امْرَأَةً أَنْ تُعِيدَ صَلَاةَ سَنَةٍ فَقُلْ هُوَ رَجُلٌ عَلَّقَ عِتْقَ جَارِيَتِهِ بِمَوْتِهِ فَمَاتَ بِمَكَّةَ وَهِيَ لَمْ تَعْلَمْ بِمَوْتِهِ وَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَإِنَّهَا تُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَجَدَ الْكِسْوَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ السِّتْرُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الشُّرُوعِ وَهُوَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَمَّا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الْخِطَابُ بِالسِّتْرِ فِي الصَّلَاةِ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَوَجَّهَ إلَيْهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَرَكَهُ بِخِلَافِهَا إذْ الْعِتْقُ سَبَبُ خِطَابِهَا بِالسِّتْرِ، وَقَدْ وُجِدَ حَالَةَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَتَرَتْ كَمَا قَدَرَتْ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْ السِّتْرِ فَلَمْ تَسْتَتِرْ كَالْحُرَّةِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ وَفِي شَرْحِ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْخُنْثَى إذَا كَانَ رَقِيقًا فَعَوْرَتُهُ عَوْرَةُ الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، فَإِنْ سَتَرَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَصَلَّى قَالَ بَعْضُهُمْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا.
فَرْعٌ حَسَنٌ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا لِأَئِمَّتِنَا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْت حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ إنْ كَانَ فِي حَالِ عَجْزِهَا عَنْ سِتْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَعَتَقَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السِّتْرِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ لَصَارَتْ حُرَّةً قَبْلَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا تُعْتَقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ. اهـ.
وَسَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَهُ أَنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ، وَإِذَا طَلَّقَهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمُقْتَضَاهُ هُنَا أَنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهَا وَيَقَعُ الْعِتْقُ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعَهُ طَاهِرٌ وَصَلَّى عَارِيًّا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ كُلَّهُ طَاهِرٌ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحِلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَلَا مَا يُقَلِّلُهَا، فَإِنْ وَجَدَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهِ وَعُلِمَ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الرُّبْعِ طَاهِرًا بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ) يَعْنِي بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ يَلِي الْأَوَّلَ فِي الْفَضْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ سِتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ دُونَهُمَا فِي الْفَضْلِ وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عُرْيَانًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ مُومِئًا بِهِمَا إمَّا قَاعِدًا وَإِمَّا قَائِمًا فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُخَيَّرُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّابِعُ دُونَ الثَّالِثِ فِي الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ سِتْرُ الْعَوْرَةِ فِيهِ أَكْثَرَ لِلِاخْتِلَافِ فِي صِحَّتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إلَّا فِي الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ التَّطْهِيرِ سَقَطَ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ خِطَابُ السِّتْرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالطَّاهِرِ فِي حَقِّهِ
وَلَهُمَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ السِّتْرُ بِالطَّاهِرِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ سَقَطَ فَيَمِيلُ إلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَوْجَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ) أَيْ مَفْهُومِ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَعْدَ الْعِلْمِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْعَارِي إلَخْ) يَعْنِي حُكْمَ الْأَمَةِ فِيمَا إذَا أُعْتِقَتْ فِي الصَّلَاةِ فَتَقَنَّعَتْ مِنْ سَاعَتِهَا حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ بِخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَجَدَ السَّاتِرَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ وِجْدَانِهِ لَهُ.
(قَوْلُهُ: فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا) وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ قَالَ وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْمَنْبَعِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رحمه الله التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَتَبِعَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَفِي الْمِفْتَاحِ أَوْمَأَ الْقَائِمُ أَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ الْقَاعِدُ جَازَ. اهـ.
قُلْتُ: وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَنْعُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاسِخِ وَالْأَصْلِ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّهْرِ بَعْدُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ تَنَبَّهْ.
وَالْحَاصِلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ صَلَاتِهِ بِهِ قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عُرْيَانًا قَاعِدًا مُومِئًا ثُمَّ عُرْيَانًا قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عُرْيَانًا قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عُرْيَانًا قَائِمًا مُومِئًا وَالْأَفْضَلِيَّةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّابِعُ دُونَ الثَّالِثِ فِي الْفَضْلِ) مُرَادُهُ بِالرَّابِعِ الْإِيمَاءُ قَائِمًا وَبِالثَّالِثِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَسَمَّاهُ رَابِعًا؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ نَقْلِ عِبَارَةِ مُلْتَقَى الْبِحَارِ زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلًا وَلِيُشِيرَ إلَى مَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ نَعَمْ عِبَارَةُ الْمُلْتَقَى تُفِيدُ صُورَةً أُخْرَى غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَهِيَ صَلَاتُهُ
أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ الْأَقَلُّ أَوْ كَانَ كُلُّهُ نَجِسًا لَكَانَ أَفْوَدَ إذْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ مَذْهَبًا وَخِلَافًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي لِيُفْهَمَ مِنْهُ الْأَوَّلُ بِالْأَوْلَى لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْأَسْرَارِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ بِخِلَافٍ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ عَوْرَتَهُ وَلَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْبَوْلِ أَوْ الدَّمِ أَوْ نَحْوِهِمَا فِي الثَّوْبِ كُلِّهِ تَزُولُ بِالْمَاءِ وَنَجَاسَةَ الْجِلْدِ لَا يُزِيلُهَا الْمَاءُ فَكَانَتْ أَغْلَظَ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ رُبْعُ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الَّذِي رُبْعُهُ طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ لِمَا أَنَّ طَهَارَةَ الرُّبْعِ كَطَهَارَةِ الْكُلِّ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ نَجَاسَةَ أَحَدِهِمَا لَوْ كَانَتْ قَدْرَ الرُّبْعِ وَالْآخَرُ أَقَلُّ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَقَلِّهِمَا وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَلِمَا دُونَ الرُّبْعِ حُكْمَ الْعَدَمِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ الرُّبْعِ أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبْعِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمَا رُبْعَ الثَّوْبِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الدَّمُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الثَّوْبِ وَالطَّاهِرُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ سِتْرُ الْعَوْرَةِ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا إذَا تَحَرَّكَ الطَّرَفُ الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَتَحَرَّك. اهـ.
وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ، أَمَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَلَا تَفْصِيلَ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً يَنْكَشِفُ مِنْ عَوْرَتِهَا مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَّتْ قَاعِدَةً لَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهَا تُصَلِّي قَاعِدَةً لِمَا أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ أَهْوَنُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا وَرُبْعَ رَأْسِهَا فَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ لَا يَضُرُّ وَالسِّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا لِلِانْكِشَافِ وَلَوْ كَانَ جَرِيحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا مُومِئًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ، ثُمَّ قَعَدَ وَأَوْمَأَ لِلسُّجُودِ جَازَ لِمَا قُلْنَا وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا قَاعِدًا يُصَلِّي قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ وَلَوْ صَلَّى فِي الْفَصْلَيْنِ قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَجُزْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَدِمَ ثَوْبًا صَلَّى قَاعِدًا مُومِئًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) لِمَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ فَخَرَجُوا مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً فَصَلُّوا قُعُودًا بِإِيمَاءٍ أَرَادَ بِالثَّوْبِ مَا يَسْتُرُ عَامَّةَ عَوْرَتِهِ وَلَوْ حَرِيرًا أَوْ حَشِيشًا أَوْ نَبَاتًا أَوْ كَلَأً أَوْ طِينًا يُلَطِّخُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ لَا الزُّجَاجُ الَّذِي يَصِفُ مَا تَحْتَهُ وَالْعَدَمُ الْمَذْكُورُ يَثْبُتُ بِعَدَمِ الْوُجُودِ فِي مِلْكِهِ وَبِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ لَهُ حَتَّى لَوْ أُبِيحَ لَهُ ثَوْبٌ تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ صَلَّى عَارِيًّا لَمْ يَجُزْ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أُبِيحَ لَهُ الْمَاءُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعُرْيَانِ يَعِدُهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ الثَّوْبَ إذَا صَلَّى فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُهُ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْتَظِرُهُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَيَمِّمِ إذَا كَانَ يَرْجُو الْمَاءَ فِي آخِرِهِ وَأَطْلَقَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فِي بَيْتٍ أَوْ صَحْرَاءَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ خَصَّهُ بِالنَّهَارِ
أَمَّا فِي اللَّيْلِ فَيُصَلِّي قَائِمًا؛ لِأَنَّ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّوْبِ إذَا صَلَّى عُرْيَانًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لَا يَجُوزُ
ــ
[منحة الخالق]
عُرْيَانًا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتَهَا فِي الْفَضِيلَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فَوْقَ الْقِيَامِ عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ فِيهَا أَبْلَغُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْأَسْرَارِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ) نَظَرَ فِيهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي النَّجَاسَةِ الْعَارِضَةِ لَا الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ السِّتْرُ بِذَلِكَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي كَوْنِ نَجَاسَةِ جِلْدَ الْمَيْتَةِ أَصْلِيَّةً نَظَرٌ بَلْ هِيَ عَارِضَةٌ بِالْمَوْتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَحَرُّكِ الطَّرَفِ فِي الْآخَرِ هُنَا إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنْ يَبْلُغَ رُبْعًا تَحَتَّمَ لُبْسُهُ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ أَوْ لَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ خُيِّرَ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله عَلَى مَا عَلِمْت نَعَمْ الْمُنَاسِبُ حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى قَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى الْمُتَيَمِّمِ إذَا كَانَ يَرْجُو الْمَاءَ فِي آخِرِهِ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ وُعِدَ بِالْمَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِظَارُ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ فَيَنْبَغِي قِيَاسُ الثَّوْبِ عَلَيْهِ إذْ هُوَ أَقْرَبُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ الظَّاهِرُ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَوْعُودِ عَلَى الْمَوْعُودِ تَأَمَّلْ
فَصَارَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَ حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَحَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَأَطَالَ إلَى أَنْ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنْ صَلَاةِ الْعُرْيَانِ قَالَ إنْ كَانَ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ صَلَّى جَالِسًا وَإِنْ كَانَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ صَلَّى قَائِمًا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ سَنَدُهُ ضَعِيفًا فَلَا يَقْصُرُ عَنْ إفَادَةِ الِاسْتِئْنَاسِ، وَأَمَّا وَاقِعَةُ الصَّحَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةُ فَقَدْ تَطَرَّقَ إلَيْهَا احْتِمَالَاتٌ إمَّا لِأَنَّهُمْ اخْتَارُوا الْأَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الِانْكِشَافِ أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَرَائِينَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَيْلًا فَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ الْقُعُودِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا فَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَهُوَ يَفْتَرِشُ وَهِيَ تَتَوَرَّكُ وَفِي الذَّخِيرَةِ يَقْعُدُ وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى عَوْرَتِهِ الْغَلِيظَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي السِّتْرِ مَا لَا يَحْصُلُ بِالْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ خُلُوِّ هَذِهِ الْهَيْئَةِ عَنْ فِعْلِ مَا لَيْسَ بِأَوْلَى وَهُوَ مَدُّ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُعُودَ عَلَى هَيْئَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ بَلْ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقُعُودُ أَفْضَلَ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ أَهَمُّ مِنْ أَدَاءِ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ مُطْلَقًا وَالْأَرْكَانُ فَرَائِض الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ أَتَى بِبَدَلِهَا
وَإِنَّمَا كَانَ الْقِيَامُ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ فَرْضَ السَّتْرِ فَقَدْ كَمَّلَ الْأَرْكَانَ الثَّلَاثَةَ وَبِهِ حَاجَةٌ إلَى تَكْمِيلِهَا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ الْإِيمَاءُ قَائِمًا؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ تَرْكِ فَرْضِ السَّتْرِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ تَكْمِيلِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُومِئُ بِهِمَا قَائِمًا لَمْ يُحْرِزْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مَعَ أَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ قِطْعَةٌ يَسْتُرُ بِهَا أَصْغَرَ الْعَوْرَاتِ فَلَمْ يَسْتُرْ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرْ بَعْضَ الْعَوْرَةِ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ. اهـ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ إلَّا أَحَدَهُمَا قِيلَ يَسْتُرُ الدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقِيلَ يَسْتُرُ الْقُبُلَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتُرُ بِغَيْرِهِ وَالدُّبُرُ يُسْتَرُ بِالْأَلْيَتَيْنِ اهـ.
كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ الْعُرَاةَ لَا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً وَفِي الذَّخِيرَةِ وَأَسْتَرُ مَا يَكُونُ أَنْ يَتَبَاعَدَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِهِمْ إذَا أَمِنُوا الْعَدُوَّ وَالسَّبُعَ وَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيَقِفُ الْإِمَامُ وَسْطَهُمْ وَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ سِوَى الْإِمَامِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رحمه الله لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَلَى الْعَارِي الْإِعَادَةَ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا، وَقَدْ أَفَادَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا صَلَّى عَارِيًّا لِلْعَجْزِ عَنْ السُّتْرَةِ. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا إذَا كَانَ الْعَجْزُ لِمَنْعٍ مِنْ الْعِبَادِ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبَهُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْمَاءِ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَارِيًّا لَا ثَوْبَ لَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى شِرَاءِ ثَوْبٍ هَلْ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ كَالْمَاءِ إذَا كَانَ يُبَاعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَهُ ثَمَنُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ.
(قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ بِلَا فَاصِلٍ) يَعْنِي مِنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَخْ) وَاخْتَارَ تَقْيِيدَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِمَا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ جَلَسَ كَهَيْئَةِ الْمُتَشَهِّدِ تَبْدُو عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ حَالَةَ الْإِيمَاءِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَكْثَرَ مِمَّا إذَا جَلَسَ وَمَقْعَدَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ مَادًّا رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ إلَّا انْكِشَافٌ يَسِيرٌ حَالَةَ الْإِيمَاءِ وَفِي مَدِّ رِجْلَيْهِ زِيَادَةُ سِتْرٍ عَلَى مَا إذَا جَلَسَ مُتَرَبِّعًا وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرَانِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَوْلَى لِزِيَادَةِ السِّتْرِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قُلْتُ: وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ وَالدُّرَرِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) يُوَافِقُهُ مَا مَرَّ عَنْ ظَاهِرِ الْهِدَايَةِ فِي الْمَقُولَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا أَقُولُ: وَهَذَا الْبَحْثُ مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ.
(قَوْلُهُ: قِيلَ يَسْتُرُ الدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ تَعَيَّنَ سِتْرُ الْقُبُلِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا إلَخْ) وَافَقَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ يُمْكِنُ تَأْيِيدُ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ لَمَّا كَانَتْ لَا تَسْقُطُ وَلَا بِعُذْرٍ كَمَا سَبَقَ جَرَى فِيهَا التَّفْصِيلُ لِأَهَمِّيَّتِهَا بِخِلَافِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ كَمَا تَرَى فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
وَفِيهِ بَحْثٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي السُّقُوطِ بِالْعُذْرِ فَاضْمَحَلَّ الْفَرْقُ.
(قَوْلُهُ: هَلْ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ كَالْمَاءِ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِدُونِ هَلْ فَمُقْتَضَى النُّسْخَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَصًّا فِي ذَلِكَ وَيُوَافِقُهَا مَا سَبَقَ لَهُ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْضًا وَلَكِنْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ نَقْلَ مَسْأَلَةٍ عَنْ السِّرَاجِ وَأَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ النَّهْرِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ قِيَاسًا عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ. اهـ.
وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ ثُمَّ رَأَيْت فِي مَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ جَزَمَ بِأَنَّ الثَّوْبَ كَالْمَاءِ
شُرُوطِ الصَّلَاةِ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى اشْتِرَاطِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] كَمَا فَعَلَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعِبَادَةَ بِمَعْنَى التَّوْحِيدِ بِدَلِيلِ عَطْفِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأُصُولِيِّينَ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ فَيُفِيدُ السُّنِّيَّةَ وَالِاسْتِحْبَابَ لَا الِافْتِرَاضَ، وَالنِّيَّةُ إرَادَةُ الصَّلَاةِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْوُضُوءِ الْكَلَامَ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ نِيَّاتٍ: نِيَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَنِيَّةُ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى وَنِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَوْلُنَا عَلَى الْخُلُوصِ يُغْنِي عَنْ الثَّانِيَةِ
وَأَمَّا نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَلَيْسَتْ شَرْطًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْمِحْرَابِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِلَا فَاصِلٍ أَيْ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ الْفَاصِلِ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَتُبْطِلُ النِّيَّةَ وَشِرَاءُ الْحَطَبِ وَالْكَلَامُ، وَأَمَّا الْمَشْيُ وَالْوُضُوءُ فَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى الشُّرُوطِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ أَجْنَبِيٌّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ يُفِيدُ أَنَّ النِّيَّةَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ صَحِيحَةٌ كَالطَّهَارَةِ قَبْلَهُ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ اشْتِرَاطَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِلنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَفِي ثُبُوتِهِ تَرَدُّدٌ لَا يَخْفَى لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الصَّوْمِ. اهـ.
وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَمُخَالِطًا لَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. اهـ.
وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَكِنْ عِنْدَنَا هَذَا الِاحْتِيَاطُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ وَذَلِكَ عِنْدَ الشُّرُوعِ لَا قَبْلَهُ قُلْنَا النَّصُّ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالرَّأْيِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» يُفِيدُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَا نَوَى إذَا تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ مَا نَوَى خِلَافُ النَّصِّ وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقِرَانِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَرَجِ مَعَ مَا فِي الْتِزَامِهِ مِنْ فَتْحِ بَابِ الْوَسْوَاسِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَ، ثُمَّ فَسَّرَ النَّوَوِيُّ الْقِرَانَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ مَعَ أَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَيَسْتَصْحِبَهَا إلَى آخِرِهِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّدْقِيقُ فِي تَحْقِيقِ الْمُقَارَنَةِ وَأَنَّهُ يَكْفِي الْمُقَارَنَةُ الْعُرْفِيَّةُ فِي ذَلِكَ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِصَلَاتِهِ غَيْرَ غَافِلٍ عَنْهَا اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ فِي مُسَامَحَتِهِمْ فِي ذَلِكَ
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِرَانِ لِمَكَانِ الْحَرَجِ وَالْحَرَجُ يَنْدَفِعُ بِتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّأْخِيرِ وَجُوِّزَ التَّأْخِيرُ فِي الصَّوْمِ لِلْحَرَجِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَالْعَتَّابِيِّ نَسِيَ النِّيَّةَ فَنَوَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا إلَهَ غَيْرُك يَصِيرُ شَارِعًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ عَلَى تَخْرِيجِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى انْتِهَاءِ الثَّنَاءِ، وَقِيلَ إلَى أَنْ يَرْكَعَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ كِتَابِ الرَّحْمَةِ التَّعْبِيرُ بِأَنَّهَا فَرْضٌ لِلصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ وَهَذَا التَّعْبِيرُ هُوَ الصَّوَابُ لِتَصْرِيحِ الشَّافِعِيَّةِ بِرُكْنِيَّتِهَا فِيهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ: إنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَرُوِيَ بِأَلْفَاظٍ رَوَيْت كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْخِلَافُ فِي الْمَشْهُورِ قِيلَ هُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمُتَوَاتِرِ وَقِيلَ حُجَّةٌ لِلْعَمَلِ بِمَنْزِلَتِهِ وَأَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: وَشِرَاءُ الْحَطَبِ وَالْكَلَامُ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهُ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ قَدْ وُجِدَتْ الْمَسْأَلَةُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي مَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَاخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ هَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْبِيرِ أَوْ تَكُونُ مُقَارَنَةً لَهُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رحمهم الله يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ مَا لَمْ يَقْطَعْ بِعَمَلٍ. اهـ.
وَفِي الْجَوَاهِرِ وَابْنِ صُبْرٍ بِضَمِّ الصَّادِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ صُبْرٍ الْقَاضِي الْبَغْدَادِيُّ الْفَقِيهُ وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ. اهـ.
فَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ أَبُو صَبِرَةَ لَيْسَ بِصَوَابٍ. اهـ.
وَمَا فِي نُسَخِ الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ هُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ فَاسِدٌ إلَخْ) بِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَقْوَالَ الْآتِيَةَ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا غَفَلَ عَنْ النِّيَّةِ أَمْكَنَ لَهُ التَّدَارُكُ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ إبْطَالِ الصَّلَاةِ. اهـ.
إلَى أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ نَوَى بَعْدَ قَوْلِهِ اللَّهُ قَبْلَ أَكْبَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ يَصِحُّ بِقَوْلِهِ اللَّهُ فَكَأَنَّهُ نَوَى بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَجَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي) أَيْ الشَّرْطُ فِي اعْتِبَارِهَا عِلْمُهُ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي أَيْ التَّمْيِيزُ، فَالنِّيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ لِلْفِعْلِ وَشَرْطُهَا التَّعْيِينُ لِلْفَرَائِضِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ لِلْفَرَائِضِ لَكَانَ تَكْرَارًا إذْ قَالُوا بَعْدَهُ وَلِلْفَرْضِ شَرْطُ تَعْيِينِهِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ صَلَاةً فَعَلِمَ أَنَّهَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ أَوْ نَفْلٌ أَوْ قَضَاءٌ يَكُونُ ذَلِكَ نِيَّةً لَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لِلتَّعْيِينِ إذَا أَوْصَلَهَا بالتحريمية. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا الْعِلْمَ بِالْقَلْبِ لِإِفَادَةِ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا هِيَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِاللِّسَانِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ وَاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ وَأَدْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَعَزَاهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إلَى الْأَجْنَاسِ فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى الشُّرُوعِ بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى الْجَوَابِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ أَوْ لَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْوُضُوءِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبَدَائِعِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَمَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ الْفَرْضَ فِي الْجَمَاعَةِ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ كَبَّرَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا خَالَفَ أَبَا يُوسُفَ فِي ذَلِكَ. اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ يَكْفِي تَقَدُّمُ أَصْلِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ التَّعْيِينِ لِلْفَرَائِضِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُقَارَنَةُ وَلَا الِاسْتِحْضَارُ لِمَا نَوَاهُ فِي أَثْنَائِهَا، بَلْ كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِحْضَارِ لَهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ احْتَاجَ إلَى تَفَكُّرٍ بَعْدَ السُّؤَالِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ الذِّكْرِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا الْعِلْمَ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ إفَادَةُ أَنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ لَقَالُوا وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ شَيْءٍ يَفْعَلُ أَيْ لِيُمَيِّزَ الْعِبَادَةَ عَنْ الْعَادَةِ وَحِينَئِذٍ يُفِيدُ مَا قَالَ بِخِلَافِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ كُلِّ صَلَاةٍ شَرَعَ فِيهَا عَنْ غَيْرِهَا وَذَلِكَ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ كَمَا مَرَّ هِيَ الْإِرَادَةُ أَيْ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي اللُّغَةِ الْعَزْمُ وَالْعَزْمُ هُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ وَالْإِرَادَةُ صِفَةٌ تُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَفْعُولِ بِوَقْتٍ وَحَالٍ دُونَ غَيْرِهِمَا فَالنِّيَّةُ هِيَ أَنْ يَجْزِمَ بِتَخْصِيصِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ يُمَيِّزَهَا عَنْ غَيْرِهَا لَكِنْ لَوْ كَانَتْ نَفْلًا يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُهَا عَنْ فِعْلِ الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا يُشْتَرَطُ أَيْضًا تَمْيِيزُهَا عَمَّا يُشَارِكُهَا فِي أَخَصِّ أَوْصَافِهَا فَاشْتِرَاطُ التَّمْيِيزِ هُنَا مُجْمَلٌ بَيْنَ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَيَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ إلَخْ فَالتَّكْرَارُ مُنْتَفٍ وَلَوْ سَلَّمَ يُرَدُّ عَلَى مَا ادَّعَى أَنَّهُ الْحَقُّ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ أَجَابَ بِحَاصِلِ مَا أَجَبْت بِهِ حَيْثُ قَالَ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ هُنَا مُجْمَلٌ وَفِيمَا يَأْتِي مُفَصَّلٌ وَذِكْرُ الْمُفَصَّلِ بَعْدَ الْمُجْمَلِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. اهـ.
فَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ النِّيَّةُ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.
وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي الشرنبلالية عَلَى الدُّرَرِ ثُمَّ قَالَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْإِرَادَةِ لِيَلْزَمَ مَا قِيلَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَتَأَتَّى نِسْبَةُ مَا ذُكِرَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الظَّاهِرِ وَكَلَامُهَا ظَاهِرٌ. اهـ.
وَهُوَ جَانِحٌ إلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ وَأَدْنَاهُ أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِذَلِكَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الْعِلْمِ الْمَشْرُوطِ فِي النِّيَّةِ الْحَاصِلِ عِنْدَهَا، يَعْنِي أَنَّ الْعِلْمَ الْمَشْرُوطَ أَدْنَاهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْجَوَابُ فَوْرَ السُّؤَالِ وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْعِلْمُ إذْ لَوْ احْتَاجَ إلَى تَأَمُّلٍ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي اسْتِمْرَارَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ يُفْهَمُ ذَلِكَ وَلِلَّهِ تَعَالَى دَرُّ الْحَصْكَفِيِّ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ أَيْ عَمَلُ الْقَلْبِ أَنْ يَعْلَمَ عِنْدَ الْإِرَادَةِ بَدَاهَةً بِلَا تَأَمُّلٍ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي حَيْثُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْإِرَادَةِ دَفْعًا لِمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا بُدَّ مِنْ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَسَيَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ سَبَقَ عَنْ الْعُيُونِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ بِالْإِجْمَاعِ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَمَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ وَالْمِفْتَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ.
بِاللِّسَانِ مَرْدُودٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْمَشَايِخِ فِي التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ فَذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ أَنَّهُ يَحْسُنُ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ وَفِي الِاخْتِيَارِ مَعْزِيًّا إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ إقَامَتُهَا فِي الْقَلْبِ إلَّا بِإِجْرَائِهَا عَلَى اللِّسَانِ فَحِينَئِذٍ يُبَاحُ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ السُّنَّةَ الِاقْتِصَارُ عَلَى نِيَّةِ الْقَلْبِ، فَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ جَازَ وَنُقِلَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ الْكَرَاهَةُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اخْتِيَارُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ أُصَلِّي كَذَا وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ» وَهَذِهِ بِدْعَةٌ. اهـ.
وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ لِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ خَاطِرِهِ فَإِذَا ذَكَرَ بِلِسَانِهِ كَانَ عَوْنًا عَلَى جَمْعِهِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّجْنِيسِ قَالَ وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ وَالتَّكَلُّمُ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَمَنْ اخْتَارَهُ اخْتَارَهُ لِتَجْتَمِعَ عَزِيمَتُهُ. اهـ.
وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ عِنْدَ قَصْدِ جَمْعِ الْعَزِيمَةِ، وَقَدْ اسْتَفَاضَ ظُهُورُ الْعَمَلِ بِذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ فَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِالسُّنِّيَّةِ أَرَادَ بِهَا الطَّرِيقَةَ الْحَسَنَةَ لَا طَرِيقَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَقِيَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّلَفُّظِ بِهَا فَفِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ صَلَاةَ كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَهَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْحَاوِي وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا أَرَادَ النَّفَلَ أَوْ السُّنَّةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الصَّلَاةَ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَفِي الْفَرْضِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَرْضَ الْوَقْتِ أَوْ فَرْضَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ لَك وَأَدْعُوَ لِهَذَا الْمَيِّتِ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَالْمُقْتَدِي يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَرْضَ الْوَقْتِ مُتَابِعًا لِهَذَا الْإِمَامِ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي. اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ يُفِيدُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا بِنَحْوِ نَوَيْت أَوْ أَنْوِي كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَلَفِّظِينَ بِالنِّيَّةِ مِنْ عَامِّيٍّ وَغَيْرِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ سُؤَالَ التَّوْفِيقِ وَالْقَبُولِ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ التَّلَفُّظِ بِهَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي وَجْهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَمْتَدُّ وَيَقَعُ فِيهِ الْعَوَارِضُ وَالْمَوَانِعُ وَهُوَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ تَحْصُلُ بِأَفْعَالٍ شَاقَّةٍ اُسْتُحِبَّ طَلَبُ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُشْرَعْ مِثْلُ هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهَا فِي وَقْتٍ يَسِيرٍ. اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ قِيَاسِ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَجِّ وَفِي الْمُجْتَبَى مَنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِ الْقَلْبِ فِي النِّيَّةِ يَكْفِيهِ اللِّسَانُ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ فِعْلَ اللِّسَانِ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ فِعْلِ الْقَلْبِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْغُنْيَةِ عَزَمَ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ نَوَيْت صَلَاةَ الْعَصْرِ يُجْزِئُهُ.
(قَوْلُهُ: وَيَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّرَاوِيحِ) ، أَمَّا فِي النَّفْلِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَدْنَى فَهُوَ مُتَيَقِّنٌ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ أَوْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يُصَلِّي لِغَيْرِ اللَّهِ، وَأَمَّا فِي السُّنَّةِ وَالتَّرَاوِيحِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْكِتَابِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَجَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَسَبَهُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ مَعْنَى السُّنَّةِ كَوْنُ النَّافِلَةِ مُوَاظَبًا عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَإِذَا أَوْقَع الْمُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسَمَّى سُنَّةً فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَى مَا سَمِعْت فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْوِي السُّنَّةَ بَلْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَعُلِمَ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ ثَبَتَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ) أَخَذَهُ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَعِبَارَتُهُ وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ لَهُ فِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ فِعْلِ اللِّسَانِ فِي هَذَا مَقَامَ عَمَلِ الْقَلْبِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ بَدَلًا مِنْهُ لَا يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْإِبْدَالَ لَا تُنْصِبُ بِالرَّأْيِ، وَقَدْ يَسْقُطُ الشَّرْطُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا إلَى بَدَلٍ، وَقَدْ يَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ، وَقَدْ يَسْقُطُ الْمَشْرُوطُ بِوَاسِطَةِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى شَرْطِهِ فَإِثْبَاتُ أَحَدِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ دُونَ الْبَاقِي يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَأَيْنَ الدَّلِيلُ هُنَا عَلَى إقَامَةِ فِعْلِ اللِّسَانِ مُقَامَ فِعْلِ الْقَلْبِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ الشَّارِعِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
بَعْدَ فِعْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ تَسْمِيَةٌ مِنَّا بِفِعْلِهِ الْمَخْصُوصِ لَا أَنَّهُ وَصْفٌ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى نِيَّتِهِ وَذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ فِي فَصْلِ التَّرَاوِيحِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي السُّنَنِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَبِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الصِّفَةِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ أَوْ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَلْ يَحْتَاجُ لِكُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ وَيُعَيِّنَ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْتَاجُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي السُّنَّةِ يَنْوِي السُّنَّةَ. اهـ.
أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي السُّنَّةِ فَشَمِلَ سُنَّةَ الْفَجْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَهَجُّدًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَتَا عَنْ السُّنَّةِ وَفِي آخِرِ الْعُمْدَةِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْفَجْرِ فَوَقَعَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الطُّلُوعِ يُحْتَسَبُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا تَكُونُ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَلَمْ تَحْصُلْ، وَقَدْ قَالُوا فِي سُجُودِ السَّهْوِ: إنَّهُ لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَضُمُّ سَادِسَةً وَلَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ التَّنَفُّلُ مَكْرُوهًا فِي الْفَجْرِ جَعَلْنَاهُمَا سُنَّةً بِخِلَافِهِ فِي الظُّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَلَى أَنَّهَا آخِرُ ظُهْرٍ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَبَيَّنَ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تَنُوبُ عَنْ سُنَّتِهَا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ وَبِهِ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ وَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لَا تَنُوبُ لِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ.
(قَوْلُهُ: وَلِلْفَرْضِ شَرْطُ تَعْيِينِهِ كَالْعَصْرِ مَثَلًا) لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَرَنَ بِالْيَوْمِ كَعَصْرِ الْيَوْمِ سَوَاءٌ خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ لَا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ قَضَاءٌ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الْأَسِيرِ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَتَحَرَّى شَهْرًا وَصَامَ فَوَقَعَ صَوْمُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ وَهَذَا قَضَاءٌ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَرَنَ بِالْوَقْتِ كَعَصْرِ الْوَقْتِ أَوْ فَرَضَ الْوَقْتَ وَقَيَّدَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِعَدَمِ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَإِنْ خَرَجَ وَنَسِيَهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّحِيحِ وَجَعَلَ هَذَا الْقَيْدَ الشَّارِحُ قَيْدًا فِي فَرْضِ الْوَقْتِ فَقَطْ مُعَلِّلًا بِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إذَا تَبَيَّنَ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ سَابِقٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَجَعَلَ هَذَا الْقَيْدَ الشَّارِحُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ فَإِنَّ لَفْظَ الشَّارِحِ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا أَوْ فَرْضَ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِوُجُودِ التَّعْيِينِ فَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ. اهـ.
أَيْ وَكَذَلِكَ ظُهْرُ الْوَقْتِ فَقَدْ جَعَلَهُ قَيْدًا فِيهِمَا كَمَا تَرَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ ظُهْرِ الْوَقْتِ وَظُهْرِ الْيَوْمِ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَمَنْ تَأَمَّلَ وَجَدَ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَفِي وَقْتِ الْعَصْرِ صَلَاةٌ تُسَمَّى فَرْضُ الْوَقْتِ فَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ لِلِاشْتِبَاهِ وَلَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ تُسَمَّى ظُهْرَ الْوَقْتِ فَلَا يَشْتَبِهُ الْحَالُ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ قَابِلَةٌ لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ بَلْ قَرِيبَةٌ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ. اهـ.
لَكِنْ اعْتَرَضَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ كَلَامَ النَّهْرِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْقَيْدَ لَهُمَا كَمَا فَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ التَّبْيِينِ فِي التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ التَّبْيِينِ بَعْدَهُ وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا يُعْطِي خِلَافَهُ. اهـ.
ثُمَّ نَقَلَ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا نَحْوَ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَا تَخْلُو عَنْ إشَارَةٍ إلَى أَنَّ ظُهْرَ الْوَقْتِ كَفَرْضِ الْوَقْتِ لَا كَظُهْرِ يَوْمِهِ طِبَاقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَأَفْهَمَهُ التَّبْيِينُ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ مَلَكٍ وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ صَاحِبِ الْفَتْحِ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَوْلَى فِي نِيَّةِ الْفَرْضِ مَثَلًا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت ظُهْرَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ظُهْرَ الْوَقْتِ أَوْ فَرْضَهُ فَكَانَ الْوَقْتُ خَارِجًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لَا يُجْزِئُهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ ظُهْرَ الْيَوْمِ فَيُجْزِئُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ خَارِجًا أَوْ بَاقِيًا. اهـ.
لَكِنْ فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي وَلَوْ شَكَّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ظُهْرًا، وَقَدْ يَكُونُ عَصْرًا وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ أَوْ عَصْرَهُ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ.
لَكِنَّ هَذَا يَرِدُ عَلَى حَصْرِ التَّبْيِينِ الْمُخَلِّصَ عَنْ الشَّكِّ فِي ظُهْرِ الْيَوْمِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا سَلَكَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ قَطْعِ ظُهْرِ الْوَقْتِ عَنْ التَّعْلِيلِ لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ بَيْنَ صُورَةِ الشَّكِّ وَبَيْنَ صُورَةِ مَسْأَلَتِنَا فَرْقًا مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الشَّكِّ فِيهَا الْغَيْرِ الْمُمَحَّضِ النِّيَّةَ بِخِلَافِ صُورَتَيْ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ فَتَحَصَّلَ لَنَا أَنَّ نِيَّةَ ظُهْرِ الْوَقْتِ وَفَرْضَ الْوَقْتِ لَا تُجْزِيَانِ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ مَالِكٍ وَالْفَتْحِ وَأَفْهَمَهَا عِبَارَاتُ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتْحِ النِّسْيَانَ مَكَانَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَتُجْزِئُ الْأُولَى فِي صُورَةِ الشَّكِّ فِي خُرُوجِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَأَمَّا ظُهْرُ الْيَوْمِ فَيُجْزِئُ
فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ عَصْرِ الْوَقْتِ صَحِيحَةً وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَيَكُونُ الْوَقْتُ كَالْيَوْمِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَرْضِ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ فَإِنَّهَا بَدَلُ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا نَفْسِهِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ، وَشَمِلَ مَا إذَا نَوَى الْعَصْرَ بِلَا قَيْدٍ وَفِيهِ خِلَافٌ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ كَمَا يَقْبَلُ ظُهْرَ هَذَا الْيَوْمِ يَقْبَلُ ظُهْرًا آخَرُ وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهُ هَذَا إذَا كَانَ مُؤَدِّيًا، فَإِنْ كَانَ قَاضِيًا، فَإِنْ صَلَّى بَعْدِ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَنَوَى الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَنْوِي صَلَاةً عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ وَقْتِيَّةً فَهِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَضَاءً فَهِيَ عَلَيْهِ أَيْضًا. اهـ.
وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ لَكِنْ جَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَصَحَّحَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى وَيَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ غَيْرَهَا وَإِلَّا فَلَا تَعْيِينَ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى شَيْئَيْنِ فَإِنَّهُ
ــ
[منحة الخالق]
فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا وَفِي صُورَةِ الشَّكِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَتَّابِيُّ وَالتَّبْيِينُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ صُورَتَيْ الشَّكِّ وَعَدَمِ الْعِلْمِ قَوْلُ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَفِي الْعَتَّابِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ يَوْمِهِ وَكَذَا كُلُّ وَقْتٍ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ هَلْ تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي قَلْبِهِ فَرْضُ الْوَقْتِ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَنَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ جَازَ. اهـ. إذْ لَوْلَا الْمُغَايَرَةُ لَكَانَ تَكْرَارًا وَقَوْلُ الْمُجْتَبَى وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ بَعْدَمَا خَرَجَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ جَازَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ. اهـ. ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ النَّهْرِ قَالَ إلَخْ. اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ رحمه الله.
أَقُولُ: وَذُكِرَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة كُلُّ وَقْتٍ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ. اهـ.
وَكَذَا فِي مَتْنِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالتَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لَكِنْ بِزِيَادَةِ الْبِنَاءِ الْمَارِّ عَنْ عُمْدَةَ الْمُفْتِي وَكَانَ الْحَلَبِيُّ لَمْ يَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّكِّ وَعَدَمَ الْعِلْمِ فَاعْتَرَضَ الْمُنْيَةُ بِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا اخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ غَيْرُ الْمُخْتَارِ. اهـ.
وَأَغْرَبَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ حَكَمَ بِأَنَّ مَا فِي الْمُنْيَةِ غَلَطٌ لَا يُسَاعِدُهُ الْوَجْهُ وَلَا الْمَسْطُورُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ كَمَا نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ نَقْلِهِ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعُمْدَةِ الْمُفْتِي وَالْمُحِيطِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُنْيَةِ ثِقَةٌ لَا يَعْزُو بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ وَوُجُودُهُ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ يُنَافِي ذَلِكَ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ دَفَعَ الْإِيرَادَ عَلَى حَصْرِ الزَّيْلَعِيِّ وَدَفَعَ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِ لَوْ حُمِلَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ وَكَلَامِ الْعُمْدَةِ وَفِي كُلٍّ نَظَرٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ لَا يَكُونُ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ ظُهْرِ الْوَقْتِ كَنِيَّةِ ظُهْرِ الْيَوْمِ بَلْ تَخْصِيصُ الْمُخَلِّصِ بِالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْإِيرَادُ بَاقٍ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّغَايُرِ بَيْنَ الشَّكِّ وَعَدَمِ الْعِلْمِ لَا يُجْدِي فِي دَفْعِ الْمُنَافَاةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُتَقَابِلَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَارِحِي الْمُنْيَةِ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ آخِرًا وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُخَلِّصٌ لِمَنْ يَشُكُّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ. اهـ.
مَعَ أَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّكِّ وَلَا يَظْهَرُ دَفْعُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَبَيْنَ كَلَامِ الْعُمْدَةِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْمُنْيَةِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَلْ هُوَ يُؤَكِّدُ الْمُنَافَاةَ وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُتَبَايِنَانِ كَمَا قُلْنَا، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَنَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ فَاَلَّذِي فِي ظَنِّهِ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ فَيَكُونُ مُرَادُهُ بِالْوَقْتِ وَقْتَ الظُّهْرِ وَمَعَ هَذَا لَا تَجُوزُ نِيَّتُهُ فَإِذَا كَانَ شَاكًّا فِي خُرُوجِهِ يَكُونُ أَوْلَى فِي عَدَمِ الْجَوَازِ فَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ فِي هَذَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِعَدَمِهِ فِي الْأَوَّلِ فَأَيْنَ التَّوْفِيقُ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْخِزَانَةِ وَالْمُجْتَبَى لَا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الْمُنَافَاةِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَصْلِ التَّغَايُرِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ وَعِبَارَةُ الْخِزَانَةِ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ حَاصِلَهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نِيَّةِ ظُهْرِ الْوَقْتِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الشَّكِّ وَعَدَمِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى التَّعَرُّضُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَثَبَتَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ خِلَافُ مَا فِي الْمُنْيَةِ وَالْعُمْدَةِ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ
ثُمَّ التَّحْقِيقُ أَنَّ تَعْلِيلَ الزَّيْلَعِيِّ يَصْلُحُ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ أَلْ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَ الْحَلَبِيُّ لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَنَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَتَعَيَّنُ الظُّهْرُ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ فَرْضُ الْوَقْتِ الْحَاضِرِ الْمَعْهُودِ بَلْ فَرْضُ الْوَقْتِ غَيْرُهُ فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فَرَضَ الْوَقْتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْ حَالَةِ خُرُوجِ الْوَقْتِ غَيْرِ الظُّهْرِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ جَوَازِ نِيَّةِ ظُهْرِ الْوَقْتِ وَفَرْضِ الْوَقْتِ بِلَا تَقْدِيرٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَيْضًا دَفْعُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا صَحَّحَهُ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ بِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَأَقُولُ: الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ الْعُمْدَةَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ. اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ وَتَلَفَّظَ بِالْعَصْرِ يَكُونُ شَارِعًا فِي الْعَصْرِ. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى شَيْئَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَخْ)
لَا يَصِحُّ فَلَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً كَمَا إذَا فَاتَتْهُ الظُّهْرُ فَنَوَى فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَتَيْنِ فَهِيَ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْوَقْتِيَّةَ وَاجِبَةٌ لِلْحَالِ وَغَيْرُهَا لَا. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَاحِبِ تَرْتِيبٍ وَإِلَّا فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُنْيَةِ أَيْضًا لَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً فَهِيَ لِلْفَائِتَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْوَقْتِيَّةِ. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ وَأَفَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَكْتُوبَتَيْنِ فَائِتَتَيْنِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَأَقَرَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ
ــ
[منحة الخالق]
أَقُولُ: ذَكَرَ الْخَلَّاطِيُّ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مَا يُخَالِفُ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا فَلْنَذْكُرْ حَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ مُوَضِّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ اعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضَيْنِ مَعًا إنْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ لَغْوًا عِنْدَ هُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَصُورَتُهُ مَا لَوْ كَبَّرَ يَنْوِي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا عَلَيْهِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَالِمًا بِأَوَّلِهِمَا أَوْ لَا فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ رَفَعَهُ وَأَبْطَلَهُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ ثُمَّ كَبَّرَ يَنْوِي عَصْرًا عَلَيْهِ بَطَلَتْ الظُّهْرُ وَصَحَّحَ شُرُوعَهُ فِي الْعَصْرِ لِامْتِنَاعِ كَوْنِهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا فَإِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةُ رَفْعِ الْأُخْرَى بَعْدَ ثُبُوتِهَا يَكُونُ لَهَا قُوَّةُ دَفْعِهَا عَنْ الْمَحَلِّ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَهُ إمَّا بِالْحَاجَةِ إلَى التَّعْيِينِ وَإِمَّا بِالْقُوَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ إطْلَاقُ الْفَرْضَيْنِ يَتَنَاوَلُ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَكْتُوبَةِ أَوْ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ كَالْمَنْذُورِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَفَاسِدِ النَّفْلِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالظُّهْرَيْنِ وَالْجِنَازَتَيْنِ وَالْمَنْذُورَتَيْنِ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ أَوْ مَعَ النَّذْرِ أَوْ مَعَ الْجِنَازَةِ وَقِيلَ: إنَّ نَاوِيَ الْفَرْضَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مُتَنَفِّلٌ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْفَرْضَيْنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً وَيَكُونُ مُتَنَفِّلًا إلَّا إذَا كَانَ الْفَرْضَانِ كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مُفْتَرِضًا فَإِذَا نَوَى بِكُلِّ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ لِلْفَقِيرِ زَكَاةً وَكَفَّارَةً ظِهَارًا وَنَوَى الصَّوْمَ عَنْ قَضَاءٍ وَكَفَّارَةٍ أَوْ لَبَّى مَنْ كَانَ حَجَّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ يَنْوِي حَجَّتَيْنِ مَنْذُورَتَيْنِ صَارَ شَارِعًا فِي نَفْلٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَيْنِ هُنَا تَدَافَعَا وَصْفًا وَهُوَ جِهَةُ الصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ لَا أَصْلًا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الطَّارِئِ دُونَ الْقَائِمِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ التَّدَافُعُ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ بَقِيَ أَصْلُ النِّيَّةِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِلنَّفْلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ التَّدَافُعُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ عِنْدَ الْمُقَارَنَةِ فَبَطَلَا جَمِيعًا، وَأَمَّا فِي كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ ظِهَارَيْنِ مِنْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ عَنْ إفْطَارَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ رَمَضَانَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْجِهَتَانِ لَا أَصْلًا وَلَا وَصْفًا فَلَا يَلْغُو الْعِتْقُ كَمَا لَغَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَقَعُ نَفْلًا كَمَا فِي الصَّوْمِ وَأَخَوَاتِهِ بَلْ يَقَعُ فَرْضًا عَنْ أَحَدِهِمَا اسْتِحْسَانًا لِإِلْغَاءِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِذَا لَغَا يَبْقَى نِيَّةُ أَصْلِ التَّكْفِيرِ فَيَكْفِي عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ أَطْلَقَ وَإِذَا نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا فَهُوَ مُفْتَرِضٌ كَمَا إذَا نَوَى الظُّهْرَ وَالتَّطَوُّعَ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ الصَّوْمَ عَنْ الْقَضَاءِ وَالتَّطَوُّعِ أَوْ أَهَلَّ مِنْ حَجٍّ لِلْإِسْلَامِ يَنْوِي حَجَّةَ نَذْرٍ وَتَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْفَرْضِ وَتَبْطُلُ نِيَّةُ التَّطَوُّعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ تَرْجِيحًا لِلْفَرْضِ بِقُوَّتِهِ أَوْ حَاجَتِهِ إلَى التَّعْيِينِ فَيَلْغُو مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ وَيُعْتَبَرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا إذَا بَاعَ سِوَارًا وَعَبْدًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ السِّوَارِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حِصَّةِ السِّوَارِ لِئَلَّا يَفْسُدَ الْبَيْعُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الصَّلَاةِ تَلْغُو فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ ظُهْرًا أَوْ نَفْلًا أَوْ ظُهْرًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ بِأَنْ نَوَى حَجَّةً مَنْذُورَةً وَحَجَّةً تَطَوُّعًا يَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْفَرْضِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى
وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَغَتْ نِيُّهُ الْجِهَتَيْنِ بَقِيَ أَصْلُ النِّيَّةِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْفَارِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَوْ نَوَى صَلَاتَيْنِ مَكْتُوبَتَيْنِ لَا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَتَا فَائِتَتَيْنِ أَوْ فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ ضَاقَ وَقْتُ الْوَقْتِيَّةِ أَوْ لَا وَلَعَلَّهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ اعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ تَرْجِيحَ الْقُوَّةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَتَأَمَّلْ أَوْ هُمَا رِوَايَتَانِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ إلَخْ) هَذِهِ الْإِفَادَةُ إنَّمَا تَتِمُّ لَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُنْيَةِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْوَقْتِيَّةَ مَعَ الْفَائِتَةِ أَوْ مَعَ الَّتِي لَمْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا، أَمَّا لَوْ حُمِلَ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلُ أَنَّهُ فِي الْمُنْيَةِ ذَكَرَ حُكْمَ الْوَقْتِيَّةِ مَعَ الْفَائِتَةِ فِيمَا يُعِيدُهُ مُغَايِرًا لِذَلِكَ فَيَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ فَتَعَيَّنَ مَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِقَوْلِهِ وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَتَيْنِ إلَخْ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الْوَقْتِيَّةُ مَعَ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَدَّمَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ فَلَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً إلَخْ
لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْأُولَى وَهُوَ إنَّمَا يُتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا وَلَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى مِنْ النَّفْلِ فَلَا يُعَارِضُهُ فَتَلْغُو نِيَّةُ النَّفْلِ وَتَبْقَى نِيَّةُ الْفَرْضِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا لِتَعَارُضِ الْوَصْفَيْنِ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ وَالْجُمُعَةَ جَمِيعًا بَعْضُهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ وَرَجَّحُوا نِيَّةَ الْجُمُعَةِ بِحُكْمِ الِاقْتِدَاءِ وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَةً وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ فَهِيَ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَلَوْ نَوَى نَافِلَةً وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ فَهِيَ نَافِلَةٌ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَطْلَقَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فَشَمِلَ الْفَوَائِتَ أَيْضًا فَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَيَنْوِي أَيْضًا ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا، فَإِنْ أَرَادَ تَسْهِيلَ الْأَمْرِ يَنْوِي أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ فَرْقٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَفِي الصَّوْمِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ فَقَضَى يَوْمًا وَلَمْ يُعَيِّنْ جَازَ؛ لِأَنَّ فِي الصَّوْمِ السَّبَبَ وَاحِدٌ وَهُوَ الشَّهْرُ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إكْمَالَ الْعَدَدِ، أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَالسَّبَبُ مُخْتَلِفٌ وَهُوَ الْوَقْتُ وَبِاخْتِلَافِ السَّبَبِ يَخْتَلِفُ الْوَاجِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ. اهـ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِلْفَرَائِضِ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي رَجُلٍ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاشْتَبَهَتْ أَنَّهَا أَيَّةُ صَلَاةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ كُلِّ الْيَوْمِ حَتَّى يَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهِ وَيَتَفَرَّعَ أَيْضًا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْخَمْسَ فَرْضٌ عَلَى الْعِبَادِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي مَوَاقِيتِهَا لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ مِنْهَا فَرِيضَةً وَمِنْهَا سُنَّةً لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْفَرِيضَةَ مِنْ السُّنَّةِ، فَإِنْ نَوَى الْفَرِيضَةَ فِي الْكُلِّ جَازَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَهَا فَرِيضَةٌ وَبَعْضَهَا سُنَّةٌ فَصَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَنَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ جَازَتْ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ الْفَرَائِضَ مِنْ السُّنَنِ لَكِنْ لَا يَعْلَمُ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ جَازَتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا، فَإِنْ أَمَّ هَذَا الرَّجُلُ غَيْرَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ الْفَرَائِضَ مِنْ النَّوَافِلِ فَصَلَّى وَنَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ جَازَتْ صَلَاتُهُ، أَمَّا صَلَاةُ الْقَوْمِ فَكُلُّ صَلَاةٍ لَيْسَتْ لَهَا سُنَّةٌ قَبْلَهَا كَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يَجُوزُ أَيْضًا وَكُلُّ صَلَاةٍ قَبْلَهَا سُنَّةٌ مِثْلُهَا كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْقَوْمِ. اهـ.
وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْضِ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ فَيَدْخُلُ فِيهِ قَضَاءُ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَالنَّذْرُ وَالْوِتْرُ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْهُ وَقَالُوا: إنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ لَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي السَّجَدَاتِ. اهـ.
وَأَمَّا نِيَّةُ التَّعْيِينِ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِدَفْعِ الْمُزَاحِمِ مِنْ سَجْدَةِ الشُّكْرِ وَالسَّهْوِ وَأَرَادَ بِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ وُجُودَهُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فَقَطْ حَتَّى لَوْ نَوَى فَرْضًا وَشَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ نَسِيَ فَظَنَّهُ تَطَوُّعًا فَأَتَمَّهُ عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فَهُوَ فَرْضٌ مُسْقِطٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَمِثْلُهُ إذَا شَرَعَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَأَتَمَّهَا عَلَى ظَنِّ الْمَكْتُوبَةِ فَهِيَ تَطَوُّعٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَبَّرَ حِينَ شَكَّ يَنْوِي التَّطَوُّعَ فِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا) الْعِبَارَةُ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ وَقَالَ بَعْدَهَا بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ أَنَّهَا لِلْأُولَى؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا أَوْلَى. اهـ.
وَجَزَمَ بِهِ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الصَّوْمِ السَّبَبَ وَاحِدٌ وَهُوَ الشَّهْرُ) أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِهِ خِلَافًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَلِذَا وَجَبَ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ وَقَالَ فَصَارَ الْيَوْمَانِ كَالظُّهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَكِنَّا سَنُبَيِّنُ مَا يَرْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ) سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ وَفِي الْفَتْحِ هُنَاكَ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَمَّ هَذَا الرَّجُلُ غَيْرَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ) الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ فَإِنَّ أَمَّ غَيْرَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ إلَخْ وَيُسْقِطَ (هَذَا الرَّجُلُ) . (قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ أَنَّ الْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَهُمَا سُنَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ فَمَتَى نَوَى الْفَرْضَ فِيهَا صَارَتْ فَرْضًا وَكَانَ مَا بَعْدَهَا نَفْلًا فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِينَ بِهِ فِيهَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَصَلَاةٍ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا مِثْلَهَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا يَظْهَرُ لَك بِالتَّأَمُّلِ. (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْضِ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعَمَلِيَّ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِدْقِهِ عَلَى الْعِيدَيْنِ وَمَا أَفْسَدَهُ مِنْ النَّفْلِ وَالتِّلَاوَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِهِ اللَّازِمَ. (قَوْلُهُ: وَقَالُوا: إنَّهُ لَا يَنْوِي إلَخْ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْوُجُوبِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ وُجُوبَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَنَفِيًّا يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَهُ لِيُطَابِقَ اعْتِقَادَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ لَا تَضُرُّهُ تِلْكَ النِّيَّةُ، كَذَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْوِتْرِ. (قَوْلُهُ: وُجُودُهُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فَقَطْ) أَيْ لِاسْتِمْرَارِهِ لَكِنْ فِي تَقْيِيدِهِ بِوَقْتِ الشُّرُوعِ نَظَرٌ بَلْ الشَّرْطُ التَّعْيِينُ عِنْدَ النِّيَّةِ كَمَا فِي النَّهْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ الشُّرُوعِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى مَا مَرَّ
الْأَوَّلِ أَوْ الْمَكْتُوبَةَ فِي الثَّانِي حَيْثُ يَصِيرُ خَارِجًا إلَى مَا نَوَى ثَانِيًا لِقِرَانِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ وَسَيَأْتِي فِي الْمُفْسِدَاتِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْمَنْوِيِّ فَلَوْ رَدَّدَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ التَّعْيِينِ مُغْنٍ عَنْهُ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا وَالْفَجْرَ أَرْبَعًا جَازَ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِاللِّسَانِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ وَتَلَفَّظَ بِالْعَصْرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُقْتَدِي يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْإِمَامِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُ الْمُقْتَدِي بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ إمَّا مُقَارَنٌ بِالنِّيَّةِ أَوْ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُكَبِّرَ الْقَوْمُ مَعَ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ مُلَّا خُسْرو فِي شَرْحِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَوْ نَوَاهُ حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي، فَإِنْ نَوَى حِينَ وَقَفَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ جَازَ وَإِنْ نَوَاهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ وَلَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُقْتَدِي مِنْ ثَلَاثِ نِيَّاتٍ: أَصْلُ الصَّلَاةِ وَنِيَّةُ التَّعْيِينِ وَنِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَأَنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ لَا تَكْفِيهِ عَنْ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ أَوْ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْتَدِي عِلْمٌ بِهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ أَيْضًا لَكَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ حَيْثُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ بِاقْتِدَاءٍ بِهِ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ انْتَظَرَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ، ثُمَّ كَبَّرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ عَنْ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ قَدْ يَكُونُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِقَصْدِ الِاقْتِدَاءِ فَلَا يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِالشَّكِّ خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّهُ يَكْفِيهِ عَنْ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْمُتَابَعَةِ فَشَمِلَ الْجُمُعَةَ
لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ وَذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَى الْبَعْضِ وَأَفَادَ أَنَّ تَعْيِينَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو يَصِحُّ إلَّا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ خِلَافُهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ وَمِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَطَأِ فِي تَعْيِينِ الْمَيِّتِ فَعِنْدَ الْكَثْرَةِ يَنْوِي الْمَيِّتَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّيْخِ وَهُوَ شَابٌّ صَحَّ؛ لِأَنَّ الشَّابَّ يُدْعَى شَيْخًا لِلتَّعْظِيمِ وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ لَمْ يَصِحَّ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَلَوْ رَدَّدَ لَا يُصْبِحُ) أَقُولُ: هَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِالصَّلَاتَيْنِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ هَذَا أَيْ الْخِلَافُ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ قَطْعِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْمَنْوِيِّ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ لِقَطْعِهَا عَلَى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا. اهـ.
وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ عِبَارَةُ الْفَتْحِ بِدُونِ التَّعْلِيلِ وَأَسْقَطَ لَفْظَةَ " لَا " فَأَوْرَثَتْ خَلَلًا فَتَنَبَّهْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى حِينَ وَقَفَ إلَخْ) أَيْ حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَوْ نَوَى حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي صُورَةِ الظَّنِّ فَقَطْ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ نَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَيَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا شَرَعَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَصَدَ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لِلْحَالِ إنَّمَا قَصَدَ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا شَرَعَ الْإِمَامُ وَلَوْ نَوَى الشُّرُوعَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ شَرَعَ وَلَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ. اهـ.
أَيْ لِأَنَّهُ قَصَدَ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لِلْحَالِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ شَرَعَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَخْ) قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْعِيدُ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ) هَذَا غَيْرُ قَيْدٍ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْبُرْهَانِ إبْرَاهِيمَ سَوَاءٌ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ لَمْ يَصِحَّ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ وَالْإِشَارَةُ هُنَا لَا تَكْفِي؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إشَارَةً إلَى الْإِمَامِ إنَّمَا هِيَ إلَى شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
وَمُرَادُهُ الْجَوَابُ عَمَّا أَوْرَدَ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَلْغُوَ التَّسْمِيَةُ كَمَا لَغَتْ فِي هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ بَكْرٌ وَفِي هَذَا الشَّيْخُ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى عَدَمِ الْكِفَايَةِ وَلَئِنْ سُلِّمَ اقْتَضَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ فِي الْحُكْمِ مَعَ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَلَعَلَّهُ إلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِمَّا يَقْبَلُ التَّسْمِيَةَ بِالِاسْمِ الْمُقَارِنِ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ، أَمَّا فِي الْحَالِ كَمَا فِي هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ بَكْرٌ فَإِنَّ الَّذِي عَلِمَهُ بَكْرٌ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِلْمُهُ زَيْدٌ فِي الْحَالِ وَكَمَا فِي هَذَا
لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَيِّنَ الْإِمَامَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْقَوْمِ وَلَا يُعَيِّنُ الْمَيِّتَ وَقَيَّدَ بِالْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الرِّجَالِ بِهِ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَصَلَّى وَنَوَى أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَصَلَّى خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِمَامَةَ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ فُلَانًا لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَصَلَّى وَنَوَى أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ فَصَلَّى ذَلِكَ الرَّجُلُ مَعَ النَّاسِ خَلْفَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى النَّاسَ دَخَلَ فِيهِ هَذَا الرَّجُلُ، وَأَمَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُنَّ إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُنَّ؛ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِهِ بِلَا نِيَّةٍ إلْزَامًا عَلَيْهِ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ إذَا حَاذَتْهُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ مِنْهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَخَالَفَ فِي هَذَا الْعُمُومِ بَعْضُهُمْ فَقَالُوا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ إمَامَتَهُنَّ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي حَقِّهِنَّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ اقْتِدَائِهَا بِهِ فِيهَا نِيَّةُ إمَامَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلِلْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ وَإِخْلَاصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْوِي الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ فَقَطْ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً فَإِنَّ مُطْلَقَ الدُّعَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) يَعْنِي مِنْ شُرُوطِهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ قَبِلَتْ الْمَاشِيَةُ الْوَادِي بِمَعْنَى قَابَلَتْهُ وَلَيْسَ السِّينُ فِيهِ لِلطَّلَبِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُقَابَلَةِ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطُ بَلْ الشَّرْطُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ الْمُقَابَلَةُ فَهُوَ بِمَعْنَى فَعَلَ كَاسْتَمَرَّ وَاسْتَقَرَّ وَالْقِبْلَةُ فِي الْأَصْلِ الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابِلُ الشَّيْءُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ كَالْجِلْسَةِ لِلْحَالَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَالْآنَ، وَقَدْ صَارَتْ كَالْعَلَمِ لِلْجِهَةِ الَّتِي تُسْتَقْبَلُ فِي الصَّلَاةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يُقَابِلُونَهَا فِي صَلَاتِهِمْ وَتَقَابُلُهُمْ وَهُوَ شَرْطٌ بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ هُنَا فَقِيلَ الْمَسْجِدُ الْكَبِيرُ الَّذِي فِيهِ الْكَعْبَةُ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْكَعْبَةِ يَصْعُبُ اسْتِقْبَالُهَا لِصِغَرِهَا وَقِيلَ الْحَرَمُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] وَالصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَعْبَةُ فَهِيَ الْقِبْلَةُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَحَادِيثِ وَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ» وَالنُّكْتَةُ فِي ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِرَادَةِ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَحَوَاشِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ هُوَ الْجِهَةُ، وَبِالسُّنَّةِ كَثِيرٌ مِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَانْعَقَدَ
ــ
[منحة الخالق]
الشَّيْخُ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ عَالِمٌ فَإِنَّ الشَّابَّ يَصِيرُ شَيْخًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا. (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْخَانِيَّةِ يَحْنَثُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً إلَّا إذَا أَشْهَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا حِنْثَ قَضَاءً
(قَوْلُهُ: وَبِالسُّنَّةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ إلَخْ) وَتَمَامُ حَدِيثِهِ مَا ذُكِرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ «رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْك السَّلَامُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَامُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ الرَّجُلُ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي قَالَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى فَرْضِيَّةِ مَا ذُكِرَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا وَعَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا فَرْضِيَّةُ مَا ذُكِرَ فِيهِ فَلِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَأَمَّا عَدَمُ فَرْضِيَّةِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ فَلِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ وَتَعْرِيفِ أَرْكَانِهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْحِصَارَ الْفَرَائِضِ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْوُضُوءِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِمَا تَيَسَّرَ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالسَّجْدَةِ الْأُولَى وَالرَّفْعِ مِنْهَا وَالثَّانِيَةِ وَالرَّفْعِ مِنْهَا فَيَدُلُّ الْأَمْرُ عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا وَحَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا وَحَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَحَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ فِيهَا هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ فَمِنْهُ مَا اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ وَمِنْهُ مَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّشَهُّدِ لِذَلِكَ وَمِنْهُ مَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السَّلَامِ لِذَلِكَ
الْإِجْمَاعُ
عَلَيْهِ وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى الْكَعْبَةُ إذَا رُفِعَتْ عَنْ مَكَانِهَا لِزِيَارَةِ أَصْحَابِ الْكَرَامَةِ فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُتَوَجِّهِينَ إلَى أَرْضِهَا. (قَوْلُهُ: فَلِلْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا) أَيْ عَيْنِ الْقِبْلَةِ بِمَعْنَى الْكَعْبَةِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ أَطْلَقَ فِي الْمَكِّيِّ فَشَمِلَ مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَتِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَكِّيٌّ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى شَطْرِ الْكَعْبَةِ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ فَإِنَّهُ لَوْ أُزِيلَتْ الْمَوَانِعُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقَعَ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَا مَحَالَةَ، كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَهُ لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ، وَفِي التَّجْنِيسِ مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ فَالشَّرْطُ إصَابَةُ عَيْنِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِمُعَايَنَتِهَا فَالشَّرْطُ إصَابَةُ جِهَتِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَتَرْكَ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ وَمَا أَقْرَبَ قَوْلَهُ فِي الْكِتَابِ وَالِاسْتِخْبَارِ فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى الظَّنِّيِّ لِإِمْكَانِ ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْيَقِينُ مَعَ إمْكَانِهِ لِلظَّنِّ.
(قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهِ إصَابَةُ جِهَتِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا وَهُوَ الْجَانِبُ الَّذِي إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الشَّخْصُ يَكُون مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا إمَّا تَحْقِيقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ خَطًّا مَنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ عَلَى زَاوِيَةٍ قَائِمَةٍ إلَى الْأُفُقِ يَكُونُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا وَإِمَّا تَقْرِيبًا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُنْحَرِفًا عَنْ الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا انْحِرَافًا لَا تَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَسَافَةٍ بَعْدَهُ لَا تَزُولُ بِمَا تَزُولُ بِهِ مِنْ الِانْحِرَافِ لَوْ كَانَتْ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ وَيَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْبُعْدِ وَتَبْقَى الْمُسَامَتَةُ مَعَ انْتِقَالٍ مُنَاسِبٍ لِذَلِكَ الْبُعْدِ فَلَوْ فَرَضَ مَثَلًا خَطًّا مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْكَعْبَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَخَطٌّ آخَرَ يَقْطَعُهُ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ وَشِمَالِهِ لَا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِّ بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ وَلِهَذَا وَضَعَ الْعُلَمَاءُ قِبْلَةَ بَلَدٍ وَبَلَدَيْنِ وَبِلَادٍ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَجِهَةُ الْكَعْبَةِ تُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ وَالدَّلِيلُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى الْمَحَارِيبُ الَّتِي نَصَبَهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ فِي اسْتِقْبَالِ الْمَحَارِيبِ الْمَنْصُوبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالسُّؤَالُ مِنْ الْأَهْلِ، أَمَّا الْبِحَارُ وَالْمَفَاوِزُ فَدَلِيلُ الْقِبْلَةِ النُّجُومُ إلَى آخِرِهِ وَفِي الْمُبْتَغَى فِي مَعْرِفَةِ الْجِهَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا - فِي أَقْصَرِ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَاجْعَلْ عَيْنَ الشَّمْسِ عِنْدَ مَطْلَعِهَا عَلَى رَأْسِ أُذُنِك الْيُسْرَى فَإِنَّك تُدْرِكُهَا.
وَثَانِيهَا - فَاجْعَلْ عَيْنَ الشَّمْسِ عَلَى مُؤَخَّرِ عَيْنِك الْيُسْرَى عِنْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّك تُصِيبُهَا. وَثَالِثُهَا - فَاجْعَلْ الشَّمْسَ عَلَى مُقَدِّمِ
ــ
[منحة الخالق]
وَقَدْ كَثُرَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ طَرْدًا وَعَكْسًا وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ رَدًّا لِاسْتِدْلَالِهِمْ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يُفِيدُ فَرْضِيَّةَ شَيْءٍ أَصْلًا أَقُولُ: الِاسْتِدْلَال مِنْهُمْ صَحِيحٌ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ إثْبَاتَ الْفَرْضِ بِخَبَرٍ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَعْنِي بِهِ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ مَفْهُومِ النَّصِّ الْغَيْرِ الْقَطْعِيِّ عَلَى إثْبَاتِ فَرْضِيَّةِ شَيْءٍ إذَا كَانَ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ قَطْعِيًّا شَائِعٌ كَثِيرٌ فِيمَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَقِلًّا فِي إثْبَاتِهِ لِعَدَمِ قَطْعِيَّةِ ثُبُوتِهِ وَيَقْصِدُونَ بِذَلِكَ تَأْكِيدَ مَضْمُونِ الْقَطْعِيِّ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فِي كُتُبِهِمْ لِإِثْبَاتِ فَرْضِيَّةِ شَيْءٍ أَنَّهُ فَرْضٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ وَمَقْصُودُهُمْ مِنْ إيرَادِ الْعَقْلِ تَقْوِيَةُ مَضْمُونِ النَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ مُسْتَقِلًّا لِإِثْبَاتِ الْفَرْضِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فَوْقَ الْقِيَاسِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ شَيْءٍ تَقْوِيَةً لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَانْظُرْ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَهْمَا تَجِدُهُ مِنْ مَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَعَ مُوَافِقًا لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ فَقُلْ بِفَرْضِيَّتِهِ وَمَا لَمْ تَجِدْهُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ لَا تَقُلْ بِفَرْضِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالْأَمْرُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَعَ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3]{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَرْضًا وَالْأَمْرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لِتَرْكِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ بَلْ وَقَعَ مُخَالِفًا لِإِطْلَاقِهِ فَلَا يَكُونُ تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَرْضًا بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالرُّكُوعِ وَهُوَ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ وَبِالسُّجُودِ وَهُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الدَّوَامَ وَيَتَعَلَّقُ الْكَمَالُ بِالسُّنِّيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذْ الزِّيَادَةُ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. اهـ. كَلَامُ الْقَرْمَانِيِّ.
(قَوْلُهُ: الْكَعْبَةُ إذَا رُفِعَتْ عَنْ مَكَانِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَيَرُدُّ بِهِ عَلَى مَنْ نَسَبَ إمَامَنَا إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِهَا. (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ إلَخْ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ وُجُوبًا بِحَيْثُ أَوْ التَّقْدِيرُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ
عَيْنِك الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ عِنْدَ صَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِهَا فَإِنَّك تُدْرِكُهَا وَرَابِعُهَا فَاجْعَلْ عَيْنَ الشَّمْسِ عَلَى مُؤَخِّرِ عَيْنِك الْيُمْنَى عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّك تُدْرِكُهَا، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الْمِهْرَجَانِ بِشَهْرٍ فَاسْتَقْبَلَ الْعَقْرَبَ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّك تُدْرِكُهَا وَإِذَا جَعَلَتْ بَنَاتَ نَعْشٍ الصُّغْرَى عَلَى أُذُنِك الْيُمْنَى وَانْحَرَفْت قَلِيلًا إلَى شِمَالِك فَإِنَّك تُدْرِكُهَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ الْقُطْبُ وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ فِي بَنَاتِ نَعْشٍ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ إذَا جَعَلَهُ الْوَاقِفُ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى كَانَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ إنْ كَانَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَهَمْدَانَ وَقَزْوِينَ وَطَبَرِسْتَانَ وَجُرْجَانَ وَمَا وَالَاهَا إلَى نَهْرِ الشَّاشِ وَيَجْعَلُهُ مَنْ بِمِصْرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرَ وَمَنْ بِالْعِرَاقِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ فَيَكُونُ مُسْتَقْبِلًا بَابَ الْكَعْبَةِ وَبِالْيَمَنِ قُبَالَةَ الْمُسْتَقْبِلِ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ وَبِالشَّامِ وَرَاءَهُ وَفِي مَعْرِفَةِ الْجِهَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَطْلَقَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْجِهَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْكَعْبَةِ وَشَرَطَهَا الْجُرْجَانِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا يُمْكِنُ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِلْبَعِيدِ إلَّا مِنْ حَيْثُ النِّيَّةُ فَانْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَذَهَبَ الْعَامَّةُ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ إصَابَةِ الْعَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ إصَابَةَ الْجِهَةِ تَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْعَيْنِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْفَرْضُ إصَابَةَ الْعَيْنِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ أَوْ إصَابَةَ الْجِهَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْوِيَ الْكَعْبَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُحَاذِيَ هَذِهِ الْجِهَةُ الْكَعْبَةَ فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَهَا شَرْطٌ مِنْ الشَّرَائِطِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ كَالْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ لَوْ نَوَى بِنَاءَ الْكَعْبَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَعْبَةِ الْعَرْصَةُ لَا الْبِنَاءُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْبِنَاءِ جِهَةَ الْكَعْبَةِ فَيَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُمْ وَلَوْ نَوَى أَنَّ قِبْلَتَهُ مِحْرَابُ مَسْجِدِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِقِبْلَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَوْلُهُمْ: لَوْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَنْوِ الْكَعْبَةَ قِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْجِهَةَ وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ أَتَى مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الشَّارِطِ لِلنِّيَّةِ، أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَيَجُوزُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ثَمَرَة الْخِلَافِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَظْهَرُ أَيْضًا فِي الِانْحِرَافِ قَلِيلًا فَمَنْ قَالَ الْفَرْضُ التَّوَجُّهُ إلَى الْعَيْنِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَمَنْ قَالَ الْجِهَةُ صَحَّحَهَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ الْقِبْلَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ لَا الْكَعْبَةُ؛ لِأَنَّهَا الْبِنَاءُ وَفِي الْفَتَاوَى الِانْحِرَافُ الْمُفْسِدُ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَإِذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَتَفْسُدُ بِصَدْرِهِ قِيلَ هَذَا أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الرَّفْضِ لَا تَفْسُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى لَوْ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ الْإِتْمَامِ فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ بَنَى مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُذْرِهِ هُنَاكَ وَتَمَرُّدِهِ هُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ فَسَدَتْ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْكُتُبِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ مُتَعَمِّدًا لَا يَكْفُرُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لِعَدَمِ الْجَوَازِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ بِحَالٍ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْفَرْضِ لُزُومُ الْكُفْرِ بِجَحْدِهِ لَا بِتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْكُفْرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ عَمْدًا لِلُزُومِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسَائِلِ إذْ لَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بَلْ الْمُوجِبُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ إلَخْ) هُوَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى الِانْحِرَافُ الْمُفْسِدُ أَنْ يُجَاوِزَ) الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ كَذَا نَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الِانْحِرَافَ إذَا لَمْ يُوَصِّلْهُ إلَى هَذَا الْقَدْرِ لَا يُفْسِدُ وَعِبَارَةُ التَّجْنِيسِ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُؤَلِّفُ بَعْدَهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُفْسِدَ انْحِرَافَ الصَّدْرِ فَيَصْدُقُ بِمَا دُونَ ذَلِكَ أَيْ بِأَنْ يَنْحَرِفَ بِصَدْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَى اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَنْ أَمَالِي الْفَتَاوَى وَنَصُّهُ وَذُكِرَ فِي أَمَالِي الْفَتَاوَى حَدُّ الْقِبْلَةِ فِي بِلَادِنَا يَعْنِي سَمَرْقَنْدَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبَيْنِ مَغْرِبَ الشِّتَاءِ وَمَغْرِبَ الصَّيْفِ، فَإِنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْمَغْرِبَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. اهـ.
قَالَ شَارِحُهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْمُلْتَقَطِ مَعَ زِيَادَةٍ وَهِيَ وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ يَنْظُرُ إلَى أَقْصَرِ يَوْمٍ فِي الشِّتَاءِ وَإِلَى أَطْوَلِ يَوْمٍ فِي الصَّيْفِ فَيَعْرِفُ مَغْرِبَيْهِمَا ثُمَّ يَتْرُكُ الثُّلُثَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَالثُّلُثَ عَنْ يَسَارِهِ وَيُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَهَذَا اسْتِحْبَابٌ وَالْأَوَّلُ لِلْجَوَازِ. اهـ.
وَمَشَى عَلَى الْأَوَّلِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَجَعَلَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مَنْصُورٍ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ قَالَ الْفَقِيرُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ
لِلْإِكْفَارِ هُوَ الِاسْتِهَانَةُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ وَإِلَّا فَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْكُلِّ وَأَلْحَقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ كَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ بَعْضَ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ يَقُولُ بِأَنَّ إزَالَتَهَا سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ وَلَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ جَحْدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ وَحُكِيَ فِي الذَّخِيرَةِ الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ اُبْتُلِيَ إنْسَانٌ بِذَلِكَ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَانَ مَعَ قَوْمٍ فَأَحْدَثَ وَاسْتَحْيَا أَنْ يَظْهَرَ فَكَتَمَ ذَلِكَ وَصَلَّى هَكَذَا أَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْعَدُوِّ فَقَامَ يُصَلِّي وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَكُونُ كَافِرًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَهْزِئٍ وَمَنْ اُبْتُلِيَ بِذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِحَيَاءٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالْقِيَامِ قِيَامَ الصَّلَاةِ وَلَا يَقْرَأَ شَيْئًا وَإِذَا حَنَى ظَهْرَهُ لَا يَقْصِدُ الرُّكُوعَ وَلَا يُسَبِّحُ حَتَّى لَا يَصِيرَ كَافِرًا بِالْإِجْمَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَالْخَائِفُ يُصَلِّي إلَى أَيْ جِهَةٍ قَدَرَ) لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ زَائِدٌ يَسْقُطُ عِنْدَ الْعَجْزِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي خِدْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْجِهَةِ فَابْتَلَاهُ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ لِلْكَعْبَةِ نَفْسِهَا كَفَرَ فَلَمَّا اعْتَرَاهُ الْخَوْفُ تَحَقَّقَ الْعُذْرُ فَأَشْبَهَ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ فِي تَحَقُّقِ الْعُذْرِ فَيَتَوَجَّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمْ تُعْتَبَرْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِلِابْتِلَاءِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخَوْفَ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ وَسَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ وَأَرَادَ بِالْخَائِفِ مَنْ لَهُ عُذْرٌ فَيَشْمَلُ الْمَرِيضَ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَجُّهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَيْهَا أَوْ كَانَ التَّحْوِيلُ يَضُرُّهُ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ وُجُودِ مَنْ يُحَوِّلُهُ جَرَى عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَالْقَادِرُ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَادِرٍ كَمَا عُرِفَ فِي التَّيَمُّمِ وَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ عَلَى لَوْحٍ فِي السَّفِينَةِ يَخَافُ الْغَرَقَ إذَا انْحَرَفَ إلَيْهَا وَمَا إذَا كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ لَا يَجِدُ عَلَى الْأَرْضِ مَكَانًا يَابِسًا أَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جُمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْكَبَ إلَّا بِمُعِينٍ وَلَا يَجِدُهُ فَكَمَا تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْأَرْكَانُ كَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى) أَيْ إذَا عَجَزَ عَنْ تَعَرُّفِ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِ التَّحَرِّي لَزِمَهُ التَّحَرِّي وَهُوَ بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنِيلِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] أَيْ قِبْلَتُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ قَيَّدْنَا بِالْعَجْزِ عَنْ التَّعَرُّفِ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَعَرُّفِ الْقِبْلَةِ بِالسُّؤَالِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِمَّنْ هُوَ عَالَمٌ بِالْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْبَارَ فَوْقَهُ لِكَوْنِ الْخَبَرِ مُلْزِمًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَالتَّحَرِّي مُلْزِمٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْأَدْنَى مَعَ إمْكَانِ الْأَعْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقَلِّدُهُ؛ لِأَنَّ كَحَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ الْمُسْتَخْبَرِينَ سَأَلَهُ فَصَلَّى بِالتَّحَرِّي، ثُمَّ أَخْبَرَهُ لَا يُعِيدُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَمَا إذَا كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ إلَخْ) الرَّدْغَةُ بِالتَّحْرِيكِ وَكَذَا بِالتَّسْكِينِ الْمَاءُ وَالطِّينُ وَالْوَحْلُ الشَّدِيدُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ لَوْ كَانَ فِي طِينٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ جَازَ لَهُ الْإِيمَاءُ عَلَى الدَّابَّةِ وَاقِفَةً إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَسَائِرَةً مُتَوَجِّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى النُّزُولِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ نَزَلَ وَأَوْمَأَ قَائِمًا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ دُونَ السُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً مُبْتَلَّةً بِحَيْثُ لَا يَغِيبُ وَجْهُهُ فِي الطِّينِ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي صُورَةِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ يَجْعَلُونَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الِاسْتِقْبَالِ هَهُنَا فَلَزِمَهُمْ الِاسْتِقْبَالُ، قَالَ فِي الْفَتَاوَى: إذَا كَانُوا فِي طِينٍ أَوْ رَدْغَةٍ صَلَّوْا إلَى الْقِبْلَةِ إذَا كَانَتْ دَوَابُّهُمْ وَاقِفَةً وَقَالَ غَيْرُهُ يُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَوْ كَانَتْ دَوَابُّهُمْ سَائِرَةً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا زَمُّوا وَالدَّوَابُّ تَسِيرُ لَمْ تُجْزِئْهُمْ إذَا قَدَرُوا أَنْ يُوقِفُوهَا، كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَكَذَا فِي التَّنْبِيهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ يَخَافُ النُّزُولَ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَسْتَقْبِلُ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعِنْدِي هَذَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً، فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَصِّلَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَوْ أَوْقَفَهَا لِلصَّلَاةِ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا يَخَافُ فَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يُوقِفَهَا كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّيَمُّمِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ مَضَى إلَى الْمَاءِ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَيَنْقَطِعُ جَازَ وَإِلَّا ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ وَاسْتَحْسَنُوهَا. اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا فِي التَّبْيِينِ بِقَوْلِهِ إنْ قَدَرُوا وَفِي السِّرَاجِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ. وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ آخِرًا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ
(قَوْلُهُ: قَيَّدْنَا بِالْعَجْزِ مَعَ قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَفَازَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَيَّدَ الْقُدُورِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ، فَإِنْ كَانَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ قُدِّمَ عَلَى التَّحَرِّي وَحَدُّ الْحَضْرَةِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ بِهِ سَمِعَهُ وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً لَا يَجُوزُ وَلَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ اسْتَغْنَى عَنْ الْقَيْدِ الْأَوَّلِ بِذِكْرِ الِاشْتِبَاهِ وَذَلِكَ أَنَّ تَحَقُّقَهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ فَقْدِ الدَّلِيلِ وَأَهْمَلَ الثَّانِي لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ عِنْدَ آخَرِينَ وَعَلَيْهِ إطْلَاقُ عَامَّةِ الْمُتُونِ
وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا وَبِنَاءً عَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ تَحَرَّى فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ، وَقَدْ عَلِمَ حَالَتَهُ الْأُولَى لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ. اهـ.
وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَفَازَةِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَلَهُ عِلْمٌ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالنُّجُومِ عَلَى الْقِبْلَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَوْقَهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ صَلَّى بِالتَّحَرِّي إلَى الْجِهَةِ فِي الْمَفَازَةِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ النُّجُومَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ هَلْ يَجُوزُ قَالَ رضي الله عنه قَالَ أُسْتَاذُنَا ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ يَجُوزُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِالْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ الْمُعْتَادَةِ نَحْوَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَمَّا دَقَائِقُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ وَصُوَرِ النُّجُومِ الثَّوَابِتِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْجَهْلِ بِهَا. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ التَّحَرِّي أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ بِانْطِمَاسِ الْأَعْلَامِ وَتَرَاكُمِ الظَّلَامِ وَتَضَامِّ الْغَمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ وَهُوَ يُرَجِّحُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ السَّمَاءَ إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي مَعَ الْمَحَارِيبِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُعَرِّفُهُ الْقِبْلَةَ قَالَ فِي الْأُصُولِ يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَمَّنْ يَسْأَلُهُ فَصَارَ كَالْمَفَازَةِ وَقَالَ أَئِمَّةُ بَلْخٍ مِنْهُمْ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَا تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ بِالتَّحَرِّي وَعَلَّلَ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ نَائِبَةُ الْعُقْبَى فَتُعْتَبَرُ بِنَائِبَةِ الدُّنْيَا وَلَوْ حَدَثَتْ بِهِ نَائِبَةُ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَسْتَغِيثُ بِجِيرَانِ الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ هَاهُنَا يَجِبُ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدِ نَفْسِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كَالْبَيْتِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَسْجِدُهُ وَمَسْجِدُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ قَالَ مَحَارِيبُ خُرَاسَانَ كُلُّهَا مَنْصُوبَةٌ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ إلَى مَيْسَرَةِ الْكَعْبَةِ وَمَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْكَعْبَةِ وَمَالَ بِوَجْهِهِ إلَى مَيْسَرَةِ الْكَعْبَةِ وَقَعَ وَجْهُهُ إلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَمَنْ مَالَ بِوَجْهِهِ إلَى يَمِينِهَا وَقَعَ وَجْهُهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَلِهَذَا قِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَمِيلَ إلَى يَمِينِهَا قَالَ وَمَحَارِيبُ الدُّنْيَا كُلُّهَا نُصِبَتْ بِالتَّحَرِّي حَتَّى مِنًى وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا وَهَذَا خِلَافُ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي مِحْرَابِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِقَاعِ حَتَّى قِيلَ: إنَّ مِحْرَابَ مِنًى نُصِبَ بِالتَّحَرِّي وَالْعَلَامَاتِ وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ إلَى مَكَّةَ. اهـ.
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُمْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ إصَابَةُ جِهَتِهَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي غَيْرِ الْمَدَنِيِّ فَإِنَّ الْمَدَنِيَّ كَالْمَكِّيِّ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ إصَابَةُ عَيْنِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَيْضًا وَأُطْلِقَ فِي الِاشْتِبَاهِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ بِأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَصَلَّى بِالتَّحَرِّي، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَكَانَ الرَّازِيّ يَقُولُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بِالْخَطَأِ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان رَجُلٌ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ بِالتَّحَرِّي فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِعَ أَبْوَابَ النَّاسِ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يَعْرِفُ الْقِبْلَةَ بِمَسِّ الْجُدْرَانِ وَالْحِيطَانِ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً لَا يُمْكِنُهُ تَمْيِيزُ الْمِحْرَابِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَسَى يَكُونُ ثَمَّ هَامَةٌ مُؤْذِيَةٌ فَجَازَ لَهُ التَّحَرِّي اهـ.
وَقُيِّدَ بِالِاشْتِبَاهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ إلَى جِهَةٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ كَانَ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ حَتَّى ذَهَبَ عَنْ الْمَوْضِعِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ كَانَ أَكْبَرَ رَأْيِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَقُيِّدَ بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى مِمَّنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِلَا تَحَرٍّ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ؛ لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ لَا تَحْصِيلُهُ وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَصَابَ يَسْتَقْبِلُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِمَا ذَكَرْنَا قُلْنَا حَالَتُهُ قَوِيَتْ بِالْعِلْمِ وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ، أَمَّا لَوْ تَحَرَّى وَصَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ التَّحَرِّي فَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ اخْتَلَفَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُمْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْمَدَنِيَّ كَالْمَكِّيِّ فِي لُزُومِ إصَابَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا لَزِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مِحْرَابَ الْمَدِينَةِ لَا يَجُوزُ مَعَهُ التَّحَرِّي وَيَجِبُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَقْطُوعًا بِهِ، أَمَّا لِكَوْنِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْجِهَاتِ أَوْ عَلَى نَفْسِ الْعَيْنِ وَمَا بَعُدَ عِنْدَهُ مِنْ أَمَاكِنِ الْمَدِينَةِ مِمَّا هُوَ عَلَى سَمْتِ الِاسْتِقَامَةِ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَيْنِ قَطْعًا فَيَتَعَيَّنُ اتِّبَاعُ جِهَتِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا كَيْفَ، وَقَدْ قَالُوا فِي نَفْسِ مَكَّةَ مَعَ الْحَائِلِ تَكُونُ كَغَيْرِهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَائِطَ لَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ هَذَا الْقَوْلُ يَصِحُّ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ، فَأَمَّا فِي أَكْثَرِ الْمَسَاجِدِ فَيُمْكِنُ تَمْيِيزُ الْمِحْرَابِ مِنْ غَيْرِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ كَمَا شَاهَدْنَا فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ فَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي مَسْجِدٍ، كَذَا فِي الْمِفْتَاحِ. (قَوْلُهُ: لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّ مَا اُفْتُرِضَ لِغَيْرِهِ إلَخْ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله -
الْمَشَايِخُ فِي كُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَظَنَّ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي أَدَّى إلَيْهَا التَّحَرِّي قِبْلَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَنَا وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ فَفِيهِ قَوْلٌ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يُصِيبُ الْحَقَّ لَا مَحَالَةَ وَلَا نَقُولُ بِهِ لَكِنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ مَرَّةً وَيُصِيبُ أُخْرَى. اهـ.
وَأَمَّا صَلَاتُهُ فَلَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ أَصَابَ مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هِيَ مُشْكِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُمَا فِي هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي حَقِّهِ جِهَةُ التَّحَرِّي، وَقَدْ تَرَكَهَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ التَّحَرِّي تَصْدُقُ مَعَ تَرْكِ التَّحَرِّي وَتَعْلِيلُهُمَا فِي تِلْكَ بِأَنَّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ مُجَرَّدُ حُصُولِهِ كَالسَّعْيِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي هَذِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ أَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تَحَرِّيهِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الْعُدُولِ عَنْ جِهَةِ التَّحَرِّي إذَا ظَهَرَ صَوَابُهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الشَّرْعِ عَلَى الْفَسَادِ هُوَ التَّحَرِّي أَوْ اعْتِقَادُ الْفَسَادِ عَنْ التَّحَرِّي فَإِذَا حَكَمَ بِالْفَسَادِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَزِمَ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي فَكَانَ ثُبُوتُ الْفَسَادِ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الصَّوَابِ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ الْفَسَادَ فَيُؤَاخَذُ بِاعْتِقَادِهِ الَّذِي لَيْسَ بِدَلِيلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَحَرٍّ وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ تَحَرَّى فَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيه عَلَى شَيْءٍ قِيلَ يُؤَخِّرُ وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ تَحَرَّى رَجُلٌ وَاسْتَوَى الْحَالَانِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ جَازَ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ جَازَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى بِالتَّحَرِّي فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَسْتَقْبِلُ. اهـ.
وَفِي الْبُغْيَةِ لَوْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ بِتَحَرٍّ، ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَتَحَوَّلَ وَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ التَّحَرِّي لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا يَجُوزُ لِلصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخْطَأَ لَمْ يُعِدْ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةِ تَحَرِّيه بِخِلَافِ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَجِسٌ حَيْثُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَلَاتُهُ) أَيْ صَلَاةُ الْمُصَلِّي إلَى غَيْرِ جِهَةِ تَحَرِّيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَصَابَ مُطْلَقًا) لِيَنْظُرَ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ الْفَسَادَ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا ثَبَتَ فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي عَدَمُ الْجَزْمِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِقَادَ الْفَسَادِ وَمُجَرَّدُ اعْتِقَادِ الْفَسَادِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْفَسَادَ لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّ دَلِيلَ الْفَسَادِ هُوَ التَّحَرِّي أَوْ الِاعْتِقَادُ النَّاشِئُ عَنْهُ وَبِدُونِ الدَّلِيلِ الْمُعْتَبَرِ أَيْنَ يَجِيءُ الْفَسَادُ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ فَالْمُنَاسِبُ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْعَلَّامَةِ الْحَلَبِيِّ حَيْثُ قَالَ بِخِلَافِ صُورَةِ عَدَمِ التَّحَرِّي فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ الْفَسَادَ بَلْ هُوَ شَاكٌّ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ فَإِذَا ظَهَرَ إصَابَتُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْفِعْلِ زَالَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ وَتَقَرَّرَ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْبِنَاءُ إذَا عَلِمَ الْإِصَابَةَ قَبْلَ التَّمَامِ لِمَا قُلْنَا مِنْ لُزُومِ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ التَّمَامِ. اهـ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ إلَّا إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَلَكِنَّ مَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ مَا إذَا صَلَّى مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا غَابَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَمْ يَظْهَرْ الْحَالُ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَرْفَعُهُ قَدْ يُظَنُّ جَرَيَانُ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَا فَيَقْتَضِي الصِّحَّةَ أَيْضًا وَيُجَابُ بِأَنَّ وُجُودَ الشَّكِّ هُنَا يُنَافِي كَوْنَ الْجَوَازِ هُوَ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُخَيَّرُ) أَيْ إنْ شَاءَ أَخَّرَ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى الصَّلَاةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَهَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي زَادِ الْفَقِيرِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ جَازَ مَا بِهِ وَعَبَّرَ عَنْ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَهُ بِقِيلِ، قُلْتُ: وَذُكِرَ فِي آخِرِ الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَالرَّاجِحُ هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ الْأَخِيرُ لَا الْوَسَطُ وَلَا يَظْهَرُ مَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَيْفَ وَفِيهِ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ لِأَجْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكُ النَّهْيِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُكَلَّفًا بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ الْمُرَجِّحُ لِأَحَدِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَالطَّاعَةُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ جِهَتَهُ جِهَةُ تَحَرِّيهِ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ قِيلَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْجِهَةِ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ أَمْكَنَ فَلَهُ وَجْهٌ، وَأَمَّا أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ) أَيْ بِأَنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إلَى جِهَةٍ غَيْرِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا
وَهُوَ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَعَلَى طَهَارَةٍ وَهُوَ قَدْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ التَّحَرِّي وَفِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ وَيَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالثَّوْبَيْنِ وَالثِّيَابِ وَإِنْ كَانَ النَّجَسُ غَالِبًا وَفِي الْإِنَاءَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بِهِمَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَصَلَّى يَنْظُرُ إنْ تَوَضَّأَ بِالْأَوَّلِ وَصَلَّى جَازَ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهُ مِنْ الْأَوَّلِ تَحَرٍّ مِنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ فَلَوْ تَوَضَّأَ بِالثَّانِي، ثُمَّ صَلَّى يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ وَلَمْ يُصَلِّ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى تَوَضَّأَ بِالثَّانِي قَالَ عَامَّتُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَعْضَاءَهُ صَارَتْ نَجِسَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لِمَا لَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي عِنْدَنَا لِغَلَبَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ لِاسْتِوَاءِ الطَّاهِرِ بِالنَّجَسِ يُهْرِيقُ الْمِيَاهَ كُلَّهَا وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي أَوْ يَخْلِطُ الْمِيَاهَ كُلَّهَا حَتَّى تَصِيرَ الْمِيَاهُ كُلُّهَا نَجِسَةً، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ احْتِرَازًا عَنْ إضَاعَةِ الْمَاءِ وَلَوْ لَمْ يُهْرِقْهَا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ قَالُوا هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ إلَّا بَعْدَ الْإِرَاقَةِ وَقَالَ ابْنُ زِيَادَةَ يَخْلِطُهَا، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثٌ أَوْ أَنَّ أَحَدَهَا نَجِسٌ وَوَقَعَ تَحَرِّي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى إنَاءٍ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ فُرَادَى وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا سُؤْرَ حِمَارٍ وَالْآخَرُ طَاهِرًا يَتَوَضَّأُ بِهِمَا وَلَا يَتَيَمَّمُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ اسْتَدَارَ) أَيْ إنْ عَلِمَ بِالْخَطَأِ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُصَلُّونَ بِمَسْجِدِ قُبَاءَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْكِتَابِ السُّنَّةَ إذْ لَا نَصَّ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الْقُرْآنِ فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ وَعَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ، كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَفِي كَوْنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَبَتَ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ بِالسُّنَّةِ فَقَطْ بَحْثٌ بَلْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَسَائِلُ حُسْنِ التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ عَلَى عِشْرِينَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَمْ يَشُكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ شَكَّ وَتَحَرَّى أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّى وَلَمْ يَشُكَّ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ أَصَابَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ أَخْطَأَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَصَابَ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَذَهَبَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَهُ كَانَ ضَعِيفًا، وَقَدْ قَوِيَ حَالُهُ بِظُهُورِ الصَّوَابِ وَلَا يَبْنِي الْقَوِيَّ عَلَى الضَّعِيفِ وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ جَائِزَةً مَا لَمْ يَظْهَرْ الْخَطَأُ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ لَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ بِيَقِينٍ أَوْ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ حَتَّى غَابَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَرْفَعُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا شَكَّ وَتَحَرَّى فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الصِّحَّةُ فِي الْوُجُوهِ الْخَمْسِ
وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ فَهِيَ فَاسِدَةٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ بِيَقِينٍ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَصَابَهَا قَالَ قَاضِي خان اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا الرَّابِعُ فَهُوَ فَاسِدُ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الشَّكِّ فَإِذَا لَمْ يَشُكَّ لَمْ يَتَحَرَّ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ صَلَّى بِالتَّحَرِّي وَخَلْفَهُ نَائِمٌ وَمَسْبُوقٌ فَبَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ تَحَوَّلَ رَأْيُهُمَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَالْمَسْبُوقُ يَتَحَوَّلُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ تَحَرِّيه إلَيْهَا وَاللَّاحِقُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ قُيِّدَ بِتَحْوِيلِ الرَّأْيِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ فَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا بِالتَّحَرِّي، ثُمَّ تَحَوَّلَ تَحَرِّيهِ إلَى ثَوْبٍ آخَرَ فَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ جَازَتْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْمُعَلَّلِ وَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بَلْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قِبْلَتِهِمْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا بِهَذِهِ الْآيَةِ بَلْ كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ، نَعَمْ فِيهَا دَلَالَةٌ بَعْدَ الْبَيَانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ قَبْلَهَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي مُجَرَّدِ مَشْرُوعِيَّتِهِ بَلْ فِي مُوجِبِهِ وَهِيَ لَمْ تَدُلَّ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: وَفِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ إذَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ يَكُونُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْكِتَابِ لَا إلَى السُّنَّةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ نَعَمْ يَرُدُّ عَلَى الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا وَهُوَ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ (قَوْلُهُ: التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ عَلَى عِشْرِينَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إمْكَانِ الْوُجُودِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّابِعُ فَهُوَ إلَخْ) أَيْ فَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ.