الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَصَابِعَ كَالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ وَالرِّجْلِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
الرَّابِعَ: عَشَرَ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ لَيْسَ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مَعَ إرَادَةِ عَدَمِ الْغَسْلِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعِبَادَةٍ عَلَى أَصْلِنَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ إلَّا فِيمَا هُوَ عِبَادَةٌ أَوْ وَسِيلَةٌ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِيهَا كَالتَّيَمُّمِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[بَابُ الْحَيْضِ]
اخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْأَنْجَاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الثَّانِي وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا بَابُ الْأَنْجَاسِ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا ذَكَرَ مَا هُوَ أَقَلُّ وُقُوعًا مِنْهُ، وَلَقَّبَ الْبَابَ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ حَالَةً مَعْهُودَةً فِي بَنَاتِ آدَمَ دُونَ النِّفَاسِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِدَلِيلِ التَّعْرِيفِ، وَأَفْرَدَهُ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَحْكَامٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقَدَّمَهُ لِكَثْرَةِ مُنَاسَبَتِهِ بِالْأَحْدَاثِ حَتَّى كَانَتْ الْأَحْكَامُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْأَحْدَاثِ ثَابِتَةً لَهُ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِصَاصُ نَوْعٍ مِنْ النَّجَسِ بِأَحْكَامٍ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ غَوَامِضِ الْأَبْوَابِ خُصُوصًا مِنْ الْمُتَحَيِّرَةِ وَتَفَارِيعِهَا وَلِهَذَا اعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ.
وَمَعْرِفَةُ مَسَائِلِ الْحَيْضِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُهِمَّاتِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْبُلُوغِ وَالْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمَ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ عِظَمَ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِهِ وَضَرَرُ الْجَهْلِ بِمَسَائِلِ الْحَيْضِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِغَيْرِهَا فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا طَوِيلًا فَإِنَّ الْمُحَصِّلَ يَتَشَوَّفُ إلَى ذَلِكَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ فِي تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَسَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَقَدْرِهِ وَأَلْوَانِهِ وَأَوَانِهِ وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، أَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُهُ السَّيَلَانُ يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي أَيْ سَالَ فَسُمِّيَ حَيْضًا لِسِيلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْحَيْضُ دَمٌ يُرْخِيهِ رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَادَةٍ، وَيُقَالُ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمُحَاضًا فَهِيَ حَائِضٌ بِحَذْفِ التَّاءِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً فَلَا تَحْتَاجُ إلَى عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ بِخِلَافِ قَائِمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ.
وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: الْخَامِسَ عَشَرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَزِدْت السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ لَيْسَ خَلَفًا وَلَا بَدَلًا عَنْ الْغَسْلِ بِخِلَافِ الْخُفِّ اهـ.
وَقَدْ يُزَادُ غَيْرُهَا كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ فَنَقُولُ السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ يُتْرَكُ إنْ ضَرَّ، وَإِلَّا لَا بِخِلَافِ الْخُفِّ الثَّامِنَ عَشَرَ أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْعَجْزِ عَنْ مَسْحِ نَفْسِ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَسْحِهِ فَلَا مَسْحَ عَلَيْهَا التَّاسِعَ عَشَرَ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِبُرْءِ مَوْضِعِهَا، وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ الْعِشْرُونَ أَنَّهُ يَبْطُلُ سُقُوطُهَا عَنْ بُرْءٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِسُقُوطِهِ بِلَا شَرْطٍ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ إنْ مَسَحَ جَبِيرَةَ رَجُلٍ يَجْمَعُ مَعَ غَسْلِ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْخُفِّ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْعَجْزِ عَنْ مَسْحِ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ الْخُفِّ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الرِّجْلَيْنِ بِخِلَافِ الْخُفِّ.
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا غَمَسَ الْجَبِيرَةَ فِي إنَاءٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَأَفْسَدَ الْمَاءَ بِخِلَافِ الْخُفِّ وَكَذَا الرَّأْسُ فَلَا يَفْسُدُ وَيَجُوزُ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَشَرْحِهَا الْحَقَائِقِ وَالْفِرَقِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَسْحَ يَتَأَدَّى بِالْبِلَّةِ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَيَجُوزُ الْمَسْحُ أَمَّا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ فَكَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ وَأَحَالَهُ إلَى الْمُنْتَقَى اهـ.
قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ لَوْ كَانَتْ عَلَى رِجْلِهِ وَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ وَيَخَافُ إنْ غَسَلَهَا أَنْ تَسْقُطَ مِنْ الْبَرْدِ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِخِلَافِ الْخُفِّ عَلَى مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(بَابُ الْحَيْضِ) .
(قَوْلُهُ: وَضَرَرُ الْجَهْلِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ مَسَائِلَ الْحَيْضِ رُبَّمَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَتَأْتِي بِهِمَا فِي وَقْتِ وُجُوبِ التَّرْكِ وَكِلَاهُمَا أَمْرٌ حَرَامٌ وَضَرَرٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّ ضَرَرَ هَذَا الْجَهْلِ يَخْتَصُّ وَيَتَعَدَّى بِخِلَافِ الْجَهْلِ فِيمَا سِوَاهُ، أَمَّا الْمُخْتَصُّ فَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُتَعَدِّي فَهُوَ غَشَيَانُ الرَّجُلِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَذَلِكَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالِاعْتِقَادُ بِحِلِّهِ كُفْرٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» أَيْ مُسْتَحِلًّا وَحُكِيَ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ وَبِهَا مِنْ الْجِهَازِ الْعَظِيمِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى فَلِمَا زُفَّتْ إلَيْهِ وَدَخَلَ هُوَ مَعَهَا فِي الْفِرَاشِ وَهَمَّ بِهَا دَمِيَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ وَاَللَّهِ مَا سَمِعْت مِنْك خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. اهـ.
فَوَائِدُ
الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا حَائِضَةٌ وَلَهُ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ حَيْضٌ وَطَمْثٌ بِالْمُثَلَّثَةِ وَضَحِكٌ وَإِكْبَارٌ وَإِعْصَارٌ وَدِرَاسٌ وَعِرَاكٌ وَفِرَاك بِالْفَاءِ وَطَمْسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَنِفَاسٌ وَزَادَ بَعْضُهُمْ " طَمْتٌ " بِالْمُثَنَّاةِ وَطَمْءٌ بِالْهَمْزَةِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ وَصِغَرٍ) فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ دَمٌ غَيْرُ الْمُعَرَّفِ وَشَمَلَ الدَّمَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ دَمُ الرُّعَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَمَا يَكُونُ مِنْهُ لَا مِنْ آدَمِيَّةٍ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ مِنْ الدَّمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عَنْ انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَإِنْ أَمْسَكَ زَوْجُهَا عَنْ الْإِتْيَانِ أَحَبُّ إلَيَّ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ تَخْرُجْ الِاسْتِحَاضَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحِمِ هُنَا الْفَرْجُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ " سَلِيمَةٍ " عَنْ دَاءٍ أَيْ دَاءٍ بِرَحِمِهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ مَرَضَ الْمَرْأَةِ السَّلِيمَةِ الرَّحِمِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ مَا تَرَاهُ فِي عَادَتِهَا مَثَلًا حَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى وَخَرَجَ بِهِ النِّفَاسُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِالرَّحِمِ دَاءً بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالُوا: إنَّ النِّفَاسَ خَرَجَ بِهِ؛ لِأَنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ تَبَرُّعَاتُهَا مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مَرَضَ الْمَرْأَةِ يَمْنَعُ كَوْنَهَا حَائِضًا، وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ، وَقَدْ خَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ فَإِنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَلَا يُقَالُ لَهُ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى صِفَةٍ لَا تَكُونُ حَيْضًا، وَلِهَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الِاسْتِحَاضَةُ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ؛ فَلِهَذَا ذَكَرَ مَا يُخْرِجُ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ بِقَوْلِهِ وَصِغَرٍ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَا يَخْلُو عَنْ تَكْرَارٍ وَاسْتِدْرَاكٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصِّغَرِ مُسْتَدْرَكٌ، وَالِاسْتِحَاضَةُ تَكَرَّرَ إخْرَاجُهَا لِخُرُوجِهَا بِذِكْرِ الرَّحِمِ وَسَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ وَتَعْرِيفُهُ بِلَا اسْتِدْرَاكٍ وَلَا تَكَرُّرٍ دَمٌ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ. اهـ.
وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّعْرِيفِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُنْثَى إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَالدَّمُ فَالْعِبْرَةُ لِلْمَنِيِّ دُونَ الدَّمِ، ثُمَّ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْحَيْضِ خَبَثٌ، أَمَّا إذَا كَانَ مُسَمَّاهُ الْحَدَثَ الْكَائِنَ عَنْ الدَّمِ الْمُحَرِّمِ لِلتِّلَاوَةِ وَالْمَسِّ كَاسْمِ الْجَنَابَةِ لِلْحَدَثِ الْخَاصِّ لَا لِلْمَاءِ الْخَاصِّ فَتَعْرِيفُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ عَمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَعَنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدِ وَالْقُرْبَانِ، وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ لَا الْأَنْجَاسِ وَعَرَّفَهُ بِمَا فِي الْكِتَابِ فَكَانَ تَنَاقُضًا مِنْهُ.
وَأَمَّا سَبَبُهُ فَقَدْ قِيلَ إنَّ أُمَّنَا حَوَّاءَ عليها السلام حِينَ تَنَاوَلَتْ مِنْ شَجَرَةِ الْخُلْدِ فَابْتَلَاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَبَقِيَ هُوَ فِي بَنَاتِهَا إلَى يَوْمِ التَّنَادِي بِذَلِكَ السَّبَبِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَيْضِ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْبَرُ، قَالَ النَّوَوِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ بُرُوزُ الدَّمِ مِنْ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ حَتَّى تَثْبُتَ الْأَحْكَامُ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ إلَيْهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ رَفَعَتْهُ بَعْدَهُ تَقْضِي الصَّوْمَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا يَعْنِي إذَا لَمْ يُحَاذِ حَرْفَ الْفَرْجِ الدَّاخِلَ، فَإِنْ حَاذَتْهُ الْبِلَّةُ مِنْ الْكُرْسُفِ كَانَ حَيْضًا وَنِفَاسًا اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْحَدَثُ بِالْبَوْلِ وَلَوْ وَضَعَتْهُ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَتْ رَأَتْ الطُّهْرَ تَقْضِي الْعِشَاءَ فَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَرَأَتْ الْبِلَّةَ حِينَ أَصْبَحَتْ تَقْضِيهَا أَيْضًا إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إنْزَالًا لَهَا طَاهِرَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ حِينِ وَضَعَتْهُ وَحَائِضًا فِي الثَّانِيَةِ حِينَ رَفَعَتْهُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ امْتِدَادُ دَوْرِ الدَّمِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَالْحَيْضُ لَا يَقُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ الِامْتِدَادَ الْخَاصَّ مُعَرِّفٌ لَهُ لَا أَنَّهُ رُكْنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِدَادَ لَوْ كَانَ رُكْنُهُ لِمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ قَبْلَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حُكْمَهُ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الْبُرُوزِ
وَأَمَّا شَرْطُهُ فَتَقَدَّمَ نِصَابُ الطُّهْرِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَعَدَمُ نُقْصَانِهِ عَنْ الْأَقَلِّ وَعَدَمُ الصِّغَرِ وَفَرَاغُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُخْرِجْ الِاسْتِحَاضَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحِمِ الْفَرْجُ إذْ قَوْلُهُ يَنْفُضُهُ يَدْفَعُهُ لِمَا اسْتَقَرَّ أَنَّ النَّفْضَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الرَّحِمِ فَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ خُرُوجِ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَصِغَرٍ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ اسْتِحَاضَةٌ وَالْجَوَابُ مَنْعُ تَسْمِيَتِهِ اسْتِحَاضَةً بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَكُونُ خَارِجًا بِقَوْلِهِ سَلِيمَةً عَنْ دَاءٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ دَمَ الْفَسَادِ لَيْسَ عَنْ دَاءٍ وَلَكِنْ ظَاهِرُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ عَنْ دَاءٍ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ سَلِيمَةٍ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِدَمِ الصَّغِيرَةِ اسْتِحَاضَةٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى صِفَةٍ لَا تَكُونُ حَيْضًا (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّقْرِيرِ مِنْ الْبُعْدِ وَالتَّكَلُّفِ كَمَا عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ وَفِي النَّهْرِ بَقِيَ أَنَّهُ
الرَّحِمِ عَنْ الْحَبَلِ الَّذِي تَنْفَسُ بِوَضْعِهِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا تَنْفَسُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ فَمَا رَأَتْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَبَلٌ بَلْ لَحْمٌ مِنْ الْبَطْنِ فَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِالشَّكِّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ لَهُ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَأَمَّا مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ وَالصَّغِيرَةُ فَلَيْسَ مِنْ الرَّحِمِ فَلَمْ يُوجَدْ الرُّكْنُ وَعَدَمُ الصِّغَرِ يُعْرَفُ بِتَقْدِيرِ أَدْنَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ الْمُخْتَارُ مِنْهَا تِسْعٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ فِي سِنٍّ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيهِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَعِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَتْرُكُ حَتَّى تَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَيْضَ مُوَقَّتٌ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوهُ بِسِتِّينَ سَنَةً وَمَشَايِخُ بُخَارَى وَخُوَارِزْمَ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ فَمَا رَأَتْ بَعْدَهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُحْكَمَ بِالْإِيَاسِ عَنْ الْخَمْسِينَ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا إنْ رَأَتْ دَمًا قَوِيًّا كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ الْقَانِي كَانَ حَيْضًا وَيَبْطُلُ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَ التَّمَامِ وَبَعْدَهُ لَا، وَإِنْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ خُضْرَةً أَوْ تُرْبِيَّةً فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ إنَّمَا يُنْتَقَضُ الْحُكْمُ بِالْإِيَاسِ بِالدَّمِ الْخَالِصِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى حَتَّى لَا تَفْسُدَ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشِرَةُ قَبْلَ الْمُعَاوَدَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ قَضَاءُ الْقَاضِي لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ مُدَّةَ الْإِيَاسِ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَضَاءِ. اهـ. وَقَدْ عُلِمَ أَوَانُهُ وَوَقْتُ ثُبُوتِهِ وَسَيَأْتِي مِقْدَارُهُ وَأَلْوَانُهُ وَأَحْكَامُهُ.
(قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ) أَيْ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، أَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى كَوْنِهَا خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ الْإِضْمَارِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالتَّقْدِيرُ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى الظَّرْفِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُمْتَدًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ سَاعَةً حَتَّى يَكُونَ حَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا نَادِرًا بَلْ انْقِطَاعُ الدَّمِ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ فَصَاعِدًا غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلْحَيْضِ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْمُرَادُ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّتِهِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَأَكْثَرُهَا قَدْرُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَافِي، وَإِنَّمَا حَذَفَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهَا مِنْ اللَّيَالِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وَالْقَصَّةُ وَاحِدَةٌ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ رَأَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ السَّبْتِ وَانْقَطَعَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الثَّالِثِ وَهُوَ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سَاعَةً عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ النَّوَادِرِ.
الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيْلَتَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّجْنِيسِ وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْبَدَائِعِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ عَنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْش دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَامْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
وَلَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ» هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَخَرَّجَهُ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرَّجُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَوَائِلَةَ وَمُعَاذٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ بِطُرُقٍ ضَعِيفَةٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ سَرْدِهَا فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُتَعَدِّدَةِ الطُّرُقِ وَذَلِكَ يَرْفَعُ الضَّعِيفَ إلَى الْحَسَنِ، وَالْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ مِمَّا لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَالْمَوْقُوفُ فِيهَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ بَلْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِكَثْرَةِ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِمَّا أَجَادَ فِيهِ ذَلِكَ الرَّاوِي الضَّعِيفُ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ نَعْلَمْ فِيهِ حَدِيثًا حَسَنًا وَلَا ضَعِيفًا
ــ
[منحة الخالق]
لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ وَإِيَاسٍ؛ لِأَنَّ مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ أَيْ الَّتِي بَلَغَتْ خَمْسًا وَخَمْسِينَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَيْسَ حَيْضًا وَأَجَابَ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا وَجْهَ لِإِدْخَالِهِ فِي الْحَدِّ