الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَجَسٌ وَالتَّدَاوِي بِالطَّاهِرِ الْمُحَرَّمِ كَلَبَنِ الْأَتَانِ فَلَا يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِالنَّجَسِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ فَلَا يُعْرَضُ عَنْهَا إلَّا بِتَيَقُّنِ الشِّفَاءِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ أَنَّهُ عليه السلام عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا وَلَمْ يُوجَدْ تَيَقُّنُ شِفَاءُ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ الْأَطِبَّاءُ وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَطْعِيَّةٍ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ شِفَاءُ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ لِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ حَتَّى لَوْ تَعَيَّنَ الْحَرَامُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ الْآنَ يَحِلُّ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ وَلِأَنَّهُ عليه السلام عُلِمَ مَوْتُهُمْ مُرْتَدِّينَ وَحْيًا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ شِفَاءُ الْكَافِرِينَ فِي نَجِسٍ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور: 26] وَبِدَلِيلِ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه «أَنَّهُ عليه السلام قَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» فَاسْتُفِيدَ مِنْ كَافِ الْخِطَابِ أَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ هَذَا وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ مَشَايِخِنَا فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ فَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ الِاسْتِشْفَاءُ بِالْحَرَامِ يَجُوزُ إذَا عُلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَمْ يُعْلَمْ دَوَاءٌ آخَرُ اهـ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان مَعْزِيًّا إلَى نَصْرِ بْنِ سَلَّامٍ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا شِفَاءٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا شِفَاءٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَطْشَانَ يَحِلُّ لَهُ شُرْبُ الْخَمْرِ لِلضَّرُورَةِ اهـ.
وَكَذَا اخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ فَقَالَ إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ أَنْفِ إنْسَانٍ يَكْتُبُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بِالدَّمِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلِاسْتِشْفَاءِ وَالْمُعَالَجَةِ، وَلَوْ كَتَبَ بِالْبَوْلِ إنْ عُلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةُ سَاقِطَةٌ عِنْدَ الِاسْتِشْفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَطْشَانَ يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالْجَائِعُ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ. اهـ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الطَّاهِرِ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَشَدُّ إشْكَالًا اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ عَمَلًا بِحَدِيثِ «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» وَقَالَ بِجَوَازِ شُرْبِهِ لِلتَّدَاوِي عَمَلًا بِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ.
(قَوْلُهُ: وَعِشْرُونَ دَلْوًا وَسَطًا بِمَوْتِ نَحْوِ فَأْرَةٍ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ أَيْ يُنْزَحُ عِشْرُونَ إذَا مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ وَنَحْوُهَا وَقَوْلُهُ عِشْرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبِئْرِ وَفِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَاهُ تُنْزَحُ الْبِئْرُ وَعِشْرُونَ دَلْوًا وَأَرْبَعُونَ وَكُلُّهُ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَزَحَ الْبِئْرِ وَعِشْرِينَ دَلْوًا وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ تُنْزَحَ الْبِئْرُ إذَا وَقَعَ فِيهَا نَجَسٌ ثُمَّ ذَلِكَ النَّجَسُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ عِشْرِينَ وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ وَلَيْسَ نَزْحُ الْبِئْرِ مُغَايِرًا لِهَذِهِ الثَّلَاثِ حَتَّى يُعْطَفَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَقْسِيمٌ لِذَلِكَ النَّزَحِ الْمُبْهَمِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا يُوجِبُ الْجَمِيعَ وَبِالْمَعْطُوفِ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ أَيْضًا فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْجَمِيعَ لَمَا ذَكَرَ ثَانِيًا لِكَوْنِهِ تَكْرَارًا مَحْضًا؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَبَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ إلَى هُنَا كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ رحمه الله
وَأَقُولُ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الْإِطَالَةِ مَعَ إمْكَانِ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ عِشْرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبِئْرِ بِمَعْنَى مَاءِ الْبِئْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْوَاوُ فِيهِ كَبَقِيَّةِ الْمَعْطُوفَاتِ بِمَعْنَى أَوْ وَالتَّقْدِيرُ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ بِوُقُوعِ نَجَسٍ غَيْرَ حَيَوَانٍ أَوْ يُنْزَحُ عِشْرُونَ دَلْوًا مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ بِمَوْتِ نَحْوِ فَأْرَةٍ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْهُ بِنَحْوِ دَجَاجَةٍ أَوْ كُلُّهُ بِنَحْوِ شَاةٍ إلَى آخِرِهِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ بِوُقُوعِ نَجَسٍ لَيْسَ مُبْهَمًا بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ نَجَسٌ غَيْرُ حَيَوَانٍ انْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ التَّكْرَارِ لَوْ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ نَزْحُ الْجَمِيعِ، فَإِنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ نَزْحَ الْجَمِيعِ لِوُقُوعِ غَيْرِ حَيَوَانٍ وَأُرِيدَ بِالثَّانِي نَزْحُ الْجَمِيعِ لِوُقُوعِ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا تَكْرَارَ وَقَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ إلَى آخِرِهِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ يُمْنَعُ قَوْلُهُ فَبَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ جَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثِ بَقَاؤُهَا مُطْلَقًا لِجَوَازٍ حَمْلِهِ عَلَى نَوْعٍ رَابِعٍ غَيْرِ
ــ
[منحة الخالق]
[التَّدَاوِي بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]
(قَوْلُهُ: هَذَا وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ إلَخْ) قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ: بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ وَتَصْرِيحُ الْأَوَّلِ أَيْ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ لَا يُنَافِيه قَوْلُ مَنْ بَعْدَهُ بِاشْتِرَاطِ الشِّفَاءِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الدُّرَرِ لَا لِلتَّدَاوِي مَحْمُولٌ عَلَى الْمَظْنُونِ، وَإِلَّا فَجَوَازُهُ بِالْيَقِينِ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُصَفَّى لِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُشْكِلٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ إذْ الْكَلَامُ فِي طَاهِرٍ لَا إيذَاءَ فِيهِ بَلْ كَانَ دَوَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ فِي لَبَنِ الْأَتَانِ مَمْنُوعٌ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ بِالتَّدَاوِي بِهِ قَالَ الصَّدْرُ وَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: لَا إشْكَالَ فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
الثَّلَاثَةِ كَمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى النَّجَسِ الَّذِي لَيْسَ حَيَوَانًا، وَهُوَ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْ الْأَنْوَاعِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَمُوتَ الْفَأْرَةُ فِي الْبِئْرِ أَوْ خَارِجَهَا وَتُلْقَى فِيهَا وَكَذَا سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ إلَّا الْمَيِّتَ الَّذِي تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ الْمَغْسُولِ أَوْ الشَّهِيدِ نَعَمْ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَالْفَأْرَةُ الْيَابِسَةُ لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ الْيُبْسَ دِبَاغَةٌ اهـ.
وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ؛ لِأَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ لَا يَطْهُرُ وَأَنَّ الْيُبْسَ لَيْسَ بِدِبَاغَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْفَأْرَةَ الْمَيِّتَةَ إذَا كَانَتْ يَابِسَةً، وَهِيَ فِي الْخَابِيَةِ وَجَعَلَ فِي الْخَابِيَةِ الزَّيْتَ فَظَهَرَتْ عَلَى رَأْسِ الْخَابِيَةِ فَالزَّيْتُ نَجَسٌ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْبِئْرِ إمَّا نَجَاسَةٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ بِوُقُوعِ نَجَسٍ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ وَالْحَيَوَانُ إمَّا آدَمِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ إمَّا نَجَسُ الْعَيْنِ أَوْ غَيْرُهُ وَغَيْرُ نَجَسِ الْعَيْنِ إمَّا مَأْكُولُ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرُهُ وَالْكُلُّ إمَّا إنْ أُخْرِجَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَالْمَيِّتُ إمَّا مُنْتَفِخٌ أَوْ غَيْرُهُ فَالْآدَمِيُّ إذَا خَرَجَ حَيًّا وَلَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ، وَكَانَ مُسْتَنْجِيًا لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَانْغَمَسَ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ أَوْ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَقَدْ قُدِّمَ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُنْزَحُ مَاؤُهَا؛ لِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَإِنْ أُخْرِجَ مَيِّتًا، وَكَانَ مُسْلِمًا وَقَعَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَسَدَ وَالْكَافِرُ يُفْسِدُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ إنْ كَانَ نَجَسَ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ نَجَّسَ الْبِئْرَ مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ أَصَابَ الْمَاءَ فَمُهُ أَوْ لَمْ يُصِبْ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَلْبَ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ لَا يُنَجِّسُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ فَمُهُ إلَى الْمَاءِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ دُبُرُهُ مُنْقَلِبٌ إلَى الْخَارِجِ فَلِهَذَا يُفْسِدُ الْمَاءَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ
وَأَمَّا سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ، فَإِنْ عُلِمَ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَ الْمَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ فَمُهُ إلَى الْمَاءِ وَقَيَّدْنَا بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْبَقَرِ وَنَحْوِهِ يَخْرُجُ وَلَا يَجِبُ نَزْحُ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ اشْتِمَالَ بَوْلِهَا عَلَى أَفْخَاذِهَا لَكِنْ يُحْتَمَلُ طَهَارَتُهَا بِأَنْ سَقَطَتْ عَقِبَ دُخُولِهَا مَاءً كَثِيرًا هَذَا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَصِلْ فَمُهُ إلَى الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يُوجِبُ التَّجْنِيسَ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالطُّيُورِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ التَّجْنِيسِ وَكَذَلِكَ فِي الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مَشْكُوكًا فِيهِ وَقِيلَ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ، وَإِنْ وَصَلَ لُعَابُهُ فَحُكْمُ الْمَاءِ حُكْمه فَيَجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ إذَا وَصَلَ لُعَابُ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ إلَى الْمَاءِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ وَقَعَ سُؤْرُ الْحِمَارِ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ طَهُورٍ وَلَا يَجِبُ النَّزْحُ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ مَا يُكْرَهُ سُؤْرُهُ وَوَصَلَ لُعَابُهُ إلَى الْمَاءِ لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ عَشَرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ احْتِيَاطًا وَثِقَةً وَفِي التَّبْيِينِ يُسْتَحَبُّ نَزْحُ الْمَاءِ كُلِّهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا خَرَجَ حَيًّا
فَإِنْ مَاتَ وَانْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فَالْوَاجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِخْ وَلَمْ يَتَفَسَّخْ فَالْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْقُدُورِيِّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ فَفِي الْفَأْرَةِ وَنَحْوِهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ وَفِي الدَّجَاجَةِ وَنَحْوِهَا أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ أَوْ سِتُّونَ وَفِي الشَّاةِ وَنَحْوِهَا يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَعَلَهُ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ فَفِي الْحَلَمَةِ وَاحِدُ الْحَلَمِ وَهِيَ الْقُرَادُ الضَّخْمُ الْعَظِيمُ وَالْفَأْرَةِ الصَّغِيرَةِ عَشْرُ دِلَاءٍ وَفِي الْفَأْرَةِ الْكَبِيرَةِ عِشْرُونَ وَفِي الْحَمَامَةِ ثَلَاثُونَ وَفِي الدَّجَاجَةِ أَرْبَعُونَ وَفِي الْآدَمِيِّ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَسَائِلَ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ فَذَكَرَ مَشَايِخُنَا فِي كُتُبِهِمْ آثَارًا الْأَوَّلُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا.
الثَّانِي: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَاجَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: كَالْمُسْلِمِ الْمَغْسُولِ أَوْ الشَّهِيدِ) قَالَ فِي الشرنبلالية فِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي بِهِ غَيْرُ طَاهِرٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا غُسِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ سَقَطَتْ) أَيْ النَّجَاسَةُ وَضَمِيرُ دُخُولِهَا لِلْبَقَرِ وَمَاءً بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ دُخُولٍ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ) أَقُولُ: لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ لَفْظَةُ يَجِبُ بَلْ قَالَ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ نَعَمْ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَمِثْلُ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ عِبَارَةُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَعَزَاهُ شَارِحُهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ إلَى الْبَدَائِعِ وَكَذَا فِي الدُّرَرِ وَعَزَاهُ شَارِحُهَا الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إلَى الْمُبْتَغَى (قَوْلُهُ: وَيُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا) وَالْعُصْفُورَةُ وَنَحْوُهَا تُعَادِلُ الْفَأْرَةَ فِي الْجُثَّةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ وَالثَّلَاثُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْوَضْعُ لِمَعْنَيَيْنِ ذَكَرَهُمَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ فِي رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «قَالَ فِي الْفَأْرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ فَمَاتَتْ فِيهَا يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثُونَ» هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السَّمَرْقَنْدِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَأَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَكَانَ الْأَقَلُّ ثَابِتًا بِيَقِينٍ، وَهُوَ مَعْنَى الْوُجُوبِ وَالْأَكْثَرُ يُؤْتَى بِهِ لِئَلَّا
أَرْبَعُونَ دَلْوًا قَالَ فِي الْغَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِيمَا عَلِمْته حَدِيثَ أَنَسٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَلَى عَادَتِهِمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ذَكَرَ مَشَايِخُنَا مَا عَنْ أَنَسٍ وَالْخُدْرِيِّ غَيْرَ أَنَّ قُصُورَ نَظَرِنَا أَخْفَاهُ عَنَّا
وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ إنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَاهُمَا مِنْ طُرُقٍ وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيِّ الْمُخَرَّجُ بِأَنِّي لَمْ أَجِدْهُمَا فِي شَرْحُ الْآثَارُ لِلطَّحَاوِيِّ وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي دَجَاجَةٍ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ فَمَاتَتْ قَالَ يُنْزَحُ مِنْهَا قَدْرُ أَرْبَعِينَ دَلْوًا أَوْ خَمْسِينَ.
وَأَجَابَ عَنْهُ الْمُحَقِّقُ السَّرَّاجُ الْهِنْدِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّحَاوِيُّ ذَكَرَهُمَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ لَهُ أَوْ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَهُ أَوْ فِي كِتَابٍ آخَرَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوِجْدَانِ فِي الْآثَارِ عَدَمُ الْوُجُودِ مُطْلَقًا الثَّالِثُ حَدِيثُ الزِّنْجِيِّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الدَّلْوِ الْوَسَطِ فَقِيلَ هِيَ الدَّلْوُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمَّا أَطْلَقُوا انْصَرَفَ إلَى الْمُعْتَادِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَقِيلَ مَا يَسَعُ صَاعًا، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَقِيلَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبِئْرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا دَلْوٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا دَلْوٌ اُعْتُبِرَ بِهِ، وَإِلَّا اُتُّخِذَ لَهَا دَلْوٌ يَسَعُ صَاعًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ قَدَّرَ الدَّلْوَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبِئْرِ دَلْوٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَلَوْ نَزَحَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ فِيهَا بِحَسَبِ دَلْوِهَا أَوْ دَلْوِهِمْ بِدَلْوِ وَاحِدٍ كَبِيرٍ أَجْزَأَ وَحُكِمَ بِطَهَارَتِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَقُولُ لَا تَطْهُرُ إلَّا بِنَزْحِ الدِّلَاءِ الْمُقَدَّرَةِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَكْرَارِ النَّزْحِ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ أَسْفَلِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهُ فَيَكُونُ كَالْجَارِي، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِدَلْوٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَنَقَلَهُ فِي التَّبْيِينِ وَالنِّهَايَةِ عَنْ زُفَرَ قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ إخْرَاجُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَاعْتِبَارُ مَعْنَى الْجَرَيَانِ سَاقِطٌ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ التَّوَالِي فِي النَّزْحِ حَتَّى لَوْ نُزِحَ فِي كُلِّ يَوْمٍ دَلْوٌ جَازَ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّوَالِي أَنَّهُ إذَا نَزَحَ الْبَعْضَ ثُمَّ ازْدَادَ فِي الْغَدِ قِيلَ يُنْزَحُ كُلُّهُ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْبَقِيَّةِ هَذَا مَعَ أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ التَّوَالِي خِلَافًا نَقَلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَأَنَّهُ إذَا ازْدَادَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يُنْزَحُ إلَّا مَا بَقِيَ إلَيْهِ أَشَارَ فِي
ــ
[منحة الخالق]
يُتْرَكُ اللَّفْظُ الْمَرْوِيُّ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الرُّوَاةَ اخْتَلَفَتْ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَرَوَى مَيْسَرَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعُ دِلَاءٍ وَفِي رِوَايَةٍ عِشْرُونَ وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثُونَ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ فَإِذَا بَعْضُهُمْ أَوْجَبَ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرِينَ وَبَعْضُهُمْ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ فَأَخَذَ عُلَمَاؤُنَا بِالْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ الْأَوْسَطُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَكَانَ هُوَ وَاجِبًا لِتَعَيُّنِهِ، وَمَا وَرَاءَهُ اسْتِحْبَابًا وَاعْتِرَاضُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ عِشْرُونَ لِلْوُجُوبِ اهـ.
يَقُولُ الْفَقِيرُ هَذَا النَّظَرُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الْمَعْنَى فِي ثَلَاثِينَ مَمْنُوعٌ بَلْ الثَّلَاثِينَ إنَّمَا هُوَ الْوَسَطُ بَيْنَ الْأَوْسَطِ وَالْأَكْثَرِ لَا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الْفَأْرَةِ خَمْسٌ أَحَدُهَا دِلَاءٌ بِدُونِ التَّعْيِينِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ مِنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ، وَهُوَ الثَّلَاثُ وَالثَّانِيَةُ سَبْعٌ وَالثَّالِثَةُ عِشْرُونَ وَالرَّابِعَةُ الثَّلَاثُونَ وَالْخَامِسَةُ الْأَرْبَعُونَ وَلَا يَذْهَبُ عَنْك أَنَّ الْعِشْرِينَ مِنْ بَيْنِ هَاتِيك الرِّوَايَاتِ هُوَ الْأَوْسَطُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ هُوَ الثَّلَاثُ وَالسَّبْعُ وَالْكَثِيرُ هُوَ الثَّلَاثُونَ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْعِشْرُونَ أَوْسَطُ بَيْنَهُمَا تَدَبَّرْ حَقَّ التَّدَبُّرِ يَحْصُلْ لَك نَتِيجَةُ التَّفَكُّرِ. اهـ. فَرَائِدُ.
(قَوْلُهُ: الْمُخَرِّجُ) أَيْ صَاحِبُ كِتَابِ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ شَارِحِ الْكَنْزِ، فَإِنَّهُ غَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْوَسَطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُقَابِلٌ لَهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الدَّلْوِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ دَلْوُ كُلِّ بِئْرٍ يَسْتَقِي بِهِ مِنْهَا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدْرُ صَاعٍ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ اهـ.
وَقَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْوَسَطُ هِيَ الدَّلْوُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا؛ لِأَنَّهَا أَيْسَرُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ مَا يَسَعُ صَاعًا إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ قَدَّرَ الدَّلْوَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: التَّقْدِيرُ بِالصَّاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ أَنَّهُ الْوَسَطُ وَيَنْبَغِي عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْمُسْتَعْمَلِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ اعْتِبَارُهُ فِي الْفَاقِدَةِ لَهُ أَيْضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوَهَا لَا يَتَأَتَّى اعْتِبَارُ الْوَسَطِ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا فِي الَّتِي لَا دَلْوَ لَهَا وَحِينَئِذٍ فَيُعْتَبَرُ الْوَسَطُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَبِهَذَا اعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ الْحَمْلَ مِمَّا لَا دَاعِيَ إلَيْهِ اهـ.
وَأَرَادَ بِالْقَوْلَيْنِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَسَطَ مَا كَانَ قَدْرَ صَاعٍ وَالْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَسَطَ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ (قَوْلُهُ: بِدَلْوٍ وَاحِدٍ كَبِيرٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فَلَوْ كَانَ دَلْوُهَا الْمُعْتَادُ لَهَا كَبِيرًا جِدًّا هَلْ يَجِبُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ هَذَا الثَّانِي فَيَكُونُ مُقَيِّدًا لِقَوْلِهِمْ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الْفَقِيهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الدِّلَاءَ الْمُسْتَعْمَلَةَ فِي آبَارِ قُرَى بِلَادِنَا عَلَى نَحْوِ الْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَيُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الْمَحْص مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَيَتَفَرَّعُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّوَالِي إلَخْ) التَّفْرِيعُ لِلْقَوْلِ الثَّانِي فَقَطْ.
الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله بِقَوْلِهِ بِمَوْتِ نَحْوِ فَأْرَةٍ إلَى أَنَّ مَا يُعَادِلُ الْفَأْرَةَ فِي الْجُثَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُهَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي الْمُسْتَصْفَى فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْفَأْرَةِ وَالدَّجَاجَةِ وَالْآدَمِيِّ وَقَدْ قِيسَ مَا عَادَلَهَا بِهَا قُلْنَا بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلُ صَارَ كَاَلَّذِي ثَبَتَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي يَأْبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهَا اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ لِلرَّأْيِ مَدْخَلًا فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْآبَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا إلْحَاقٌ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأَرْبَعُونَ بِنَحْوِ حَمَامَةٍ) أَيْ يُنْزَحُ أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَسَطًا بِمَوْتِ نَحْوِ حَمَامَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ قَرِيبًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسْتَحَبَّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا، وَالْمَذْكُورُ فِي غَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي نَحْوِ الْفَأْرَةِ عَشَرَةٌ وَفِي نَحْوِ الدَّجَاجَةِ اخْتَلَفَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَفِي الْأَصْلِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ عِشْرُونَ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَشَرَةٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ:، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَعُلِّلَ لَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ صُنِّفَ بَعْدَ الْأَصْلِ فَأَفَادَ أَنَّ الظُّهُورَ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ، وَقَدْ يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ إنَّ الَّذِي يَضْعُفُ بِسَبَبِ كِبَرِ الْحَيَوَانِ إنَّمَا هُوَ الْوَاجِبُ لَا الْمُسْتَحَبُّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَحَبَّ الْمَذْكُورَ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ رحمه الله حَيْثُ قَالَ يُنْزَحُ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ وَفِي الْهِرَّةِ أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ فَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّخْيِيرَ بَلْ أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ، وَلَيْسَ هَذَا الْفَهْمُ بِلَازِمٍ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَفِي الصَّغِيرِ يُنْزَحُ الْأَقَلُّ وَفِي الْكَبِيرِ يُنْزَحُ الْأَكْثَرُ وَقَدْ اخْتَارَ هَذَا بَعْضُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ سَبَبُ تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِلْمُسْتَحَبِّ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ الْوَاقِعُ وَاحِدًا فَأَمَّا إذَا تَعَدَّدَ فَالْفَأْرَتَانِ إذَا لَمْ يَكُونَا كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ كَفَأْرَةٍ وَاحِدَةٍ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا كَانَ كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ إلَّا فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ وَالْهِرَّتَانِ كَالشَّاةِ إجْمَاعًا وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ كَفَأْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْخَمْسَةَ كَالْهِرَّةِ إلَى التِّسْعِ وَالْعَشَرَةَ كَالْكَلْبِ
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثُ كَالْهِرَّةِ وَالسِّتُّ كَالْكَلْبِ وَلَمْ يُوجَدْ التَّصْحِيحُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الثَّلَاثَ كَالْهِرَّةِ فَيُفِيدُ أَنَّ السِّتَّ كَالْكَلْبِ وَبِهِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْفَأْرَةِ وَالْهِرَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَأْرَةِ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْهِرَّةِ وَالْكَلْبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْهِرَّةِ وَهَكَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَصْغَرِ وَالْهِرَّةِ مَعَ الْفَأْرَةِ كَالْهِرَّةِ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الْفَأْرَةَ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ الْهِرَّةِ فَوَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ وَمَاتَتْ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ غَالِبًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ فِي الْهِرَّةِ مَعَ الْفَأْرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ خَوْفًا وَقَدْ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى بِخِلَافِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِي ثُبُوتِ كَوْنِهَا بَالَتْ شَكًّا فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّهُ بِنَحْوِ شَاةٍ) أَيْ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ بِمَوْتِ مَا عَادَلَ الشَّاةَ فِي الْجُثَّةِ كَالْآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا بِنَزْحِ الْمَاءِ كُلِّهِ حِينَ مَاتَ زِنْجِيٌّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ ابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَتَادَةُ وَأَبُو الطُّفَيْلِ أَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ فَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ زِنْجِيًّا مَاتَ فِي زَمْزَمَ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأُخْرِجَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنْزَحَ قَالَ فَغَلَبَتْهُمْ عَيْنٌ جَاءَتْ مِنْ الرُّكْنِ قَالَ فَأُمِرَ بِهَا فَسُدَّتْ بِالْقَبَاطِيِّ وَالْمَطَارِفِ حَتَّى نَزَحُوهَا فَلَمَّا نَزَحُوهَا انْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ وَالْقَبَاطِيُّ جَمْعُ قِبْطِيَّةٍ، وَهُوَ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ رَقِيقَةٌ بَيْضَاءُ وَكَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى الْقِبْطِ وَهُمْ أَهْلُ مِصْرَ وَالْمَطَارِفُ أَرِدْيَةٌ مِنْ خَزٍّ مُرَبَّعَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ مُفْرَدُهَا مِطْرَفٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا الِاحْتِمَالُ سَاقِطٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ بُنِيَتْ عَلَى الْآثَارِ وَالْوَارِدِ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُحَمَّدٌ رحمه الله إنَّمَا هُوَ إيجَابُ الْعِشْرِينَ فِي نَحْوِ الْفَأْرَةِ وَالْأَرْبَعِينَ فِي نَحْوِ الْحَمَامَةِ مُطْلَقًا، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الِاحْتِمَالُ لَبَطَلَ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَال؛ وَلِهَذَا تَعَيَّنَ حَمْلُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمَشَايِخُ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) أَقُولُ: وَكَذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ فَقَالَ: وَأَلْحَقَ أَيْ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثَ مِنْهَا إلَى الْخَمْسِ بِالْهِرَّةِ وَالسِّتَّ بِالْكَلْبِ لَا الْخَمْسَ إلَى التِّسْعِ بِهَا وَالْعَشْرِ بِهِ اهـ.
أَيْ مَا أَلْحَقَ الْخَمْسَ إلَى التِّسْع بِالْهِرَّةِ وَالْعَشْرَ بِالْكَلْبِ كَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مَعَهَا أَنْ تَكُونَ هَارِبَةً مِنْهَا وَالتَّقْيِيدُ بِمَوْتِهَا غَيْرُ وَاقِعٍ لِمَا مَرَّ ثُمَّ رَأَيْت فِي السِّرَاجِ قَالَ لَوْ أَنَّ هِرَّةً أَخَذَتْ فَأْرَةً فَوَقَعَتَا جَمِيعًا فِي الْبِئْرِ إنْ أُخْرِجَتَا حَيَّتَيْنِ لَمْ يُنْزَحُ شَيْءٌ أَوْ مَيِّتَتَيْنِ نُزِحَ أَرْبَعُونَ أَوْ الْفَأْرَةُ مَيِّتَةٌ فَقَطْ فَعِشْرُونَ، وَإِنْ مَجْرُوحَةً أَوْ بِاَلَّتِي نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ. اهـ.
وَهُوَ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَبَقِيَ مِنْ الْأَقْسَامِ مَوْتُ الْهِرَّةِ فَقَطْ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ نَزْحِ الْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية وَفِي الْفَيْضِ
، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَطَاءٍ فَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ أَنْ حَبَشِيًّا وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ فَمَاتَ فَأَمَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَنُزِحَ مَاؤُهَا فَجَعَلَ الْمَاءُ لَا يَنْقَطِعُ فَنَظَرَ فَإِذَا عَيْنٌ تَجْرِي مِنْ قِبَلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ حَسْبُكُمْ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْآمِرُ فِيهَا بِالنَّزْحِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ قَتَادَةَ فَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالْآمِرُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي الطُّفَيْلِ فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْآمِرُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَإِنْ قَالُوا رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ مُرْسَلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ بَلْ سَمِعَهَا مِنْ عِكْرِمَةَ وَكَذَا قَتَادَةُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ دِينَارٍ فَفِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي طُفَيْلٍ فَفِيهَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَمَّا عَطَاءٌ فَهُوَ، وَإِنْ سَمِعَ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ وُجِدَ مَا يُضَعِّفُ رِوَايَتَهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ أَنَا بِمَكَّةَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ أَرَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَعْرِفُ حَدِيثَ الزِّنْجِيِّ الَّذِي قَالُوا إنَّهُ وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ وَلَا سَمِعْت أَحَدًا يَقُولُ نُزِحَتْ زَمْزَمُ ثُمَّ أُسْنِدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَيْفَ يَرْوِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَيَتْرُكُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ فَلِنَجَاسَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَوْ نَزَحَهَا لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ زَمْزَمَ لِلشُّرْبِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمَّا أَرْسَلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَهُمَا ثِقَةً، وَهُوَ عِكْرِمَةُ كَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا مُحْتَجًّا بِهِ وَفِي التَّمْهِيدِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مَرَاسِيلُ ابْنِ سِيرِينَ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ صِحَاحٌ كَمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَمَّا الْجُعْفِيُّ فَقَدْ وَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَاحْتَمَلَهُ النَّاسُ وَرَوَوْا عَنْهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَيْضًا، وَأَمَّا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ هُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الثِّقَاتُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَاللَّيْثُ بْنِ سَعْدٍ
وَأَمَّا عَدَمُ عِلْمِ سُفْيَانَ وَالشَّافِعِيِّ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا فَقَدْ عَرَفَ غَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَعْلَامِ الْأَئِمَّةِ وَإِثْبَاتُهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى نَفْيِ غَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَرِيبًا مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ عِنْدَهُ دَلِيلٌ أَوْجَبَ تَخْصِيصَهُ، فَإِنَّ رِوَايَتَهُ كَعِلْمِ الْمُخَالِفِ بِهِ فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِتَنْجِيسِ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِدُونِ تَغَيُّرٍ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَقَعَ عِنْدَهُ أَوْجَبَ تَخْصِيصَ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُسْتَبْعَدُ مِثْلُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا تَجْوِيزُ كَوْنِ النَّزْحِ لِنَجَاسَةٍ ظَهَرَتْ أَوْ لِلتَّنْظِيفِ فَمُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَاتَ فَأَمَرَ بِنَزْحِهَا أَنَّهُ لِلْمَوْتِ لَا لِنَجَاسَةٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِمْ زَنَى فَرُجِمَ وَسَهَا فَسَجَدَ وَسَرَقَ فَقُطِعَ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُمْ لَا يُنْزَحُ أَيْضًا لِلنَّجَاسَةِ، وَلَوْ كَانَ لِلتَّنْظِيفِ لَمْ يَأْمُرْ بِنَزْحِهَا وَلَمْ يُبَالِغُوا هَذِهِ الْمُبَالَغَةَ الْعَظِيمَةَ مِنْ سَدِّ الْعَيْنِ وَقَوْلِ النَّوَوِيِّ كَيْفَ يَصِلُ هَذَا الْخَبَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَبِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ اسْتِبْعَادٌ بَعْدَ وُضُوحِ الطَّرِيقِ وَمُعَارَضٌ بِأَنَّ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ انْتَقَلُوا إلَى الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَلَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ إلَّا الْقَلِيلُ وَانْتَشَرُوا فِي الْبِلَادِ لِلْجِهَادِ وَالْوِلَايَاتِ وَسَمِعَ النَّاسُ مِنْهُمْ وَانْتَشَرَ الْعِلْمُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ الْعِجْلِيّ فِي تَارِيخِهِ نَزَلَ الْكُوفَةَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَنَزَلَ قَرْقِيسِيَاءَ سِتُّ مِائَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْرِفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا يُنْكِرُ هَذَا إلَّا مُكَابِرٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ إمَامِهِ فَقَدْ حَكَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِأَحْمَدَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيحٌ فَأَعْلَمُونِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَيْهِ كُوفِيًّا كَانَ أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا فَهَلَّا قَالَ كَيْفَ يَصِلُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْبِئْرَ إذَا نُزِحَتْ لَا يَحْضُرُهَا أَهْلُ الْبَلَدِ وَلَا أَكْثَرُهُمْ، وَإِنَّمَا يَحْضُرُ مَنْ لَهُ بَصَارَةٌ أَوْ مَنْ يُسْتَعَانُ
ــ
[منحة الخالق]
وَبَوْلُ الْفَأْرَةِ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ؛ وَلِأَنَّ أَصَحَّهُمَا عَدَمُ التَّنْجِيسِ اهـ.
فَلَعَلَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا تَأَمَّلْ.
بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَانْتِفَاخُ حَيَوَانٍ أَوْ تَفَسُّخُهُ) أَيْ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ لِأَجْلِ انْتِفَاخِ الْحَيَوَانِ الْوَاقِعِ فِيهَا أَوْ تَفَسُّخِهِ مُطْلَقًا صَغُرَ الْحَيَوَانُ أَوْ كَبُرَ كَالْفَأْرَةِ وَالْآدَمِيِّ وَالْفِيلِ لِانْتِشَارِ الْبِلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ انْتِفَاخِهِ تَنْفَصِلُ بِلَّتُهُ، وَهِيَ نَجِسَةٌ مَائِعَةٌ فَصَارَتْ كَقَطْرَةٍ مِنْ خَمْرٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ ذَنَبُ فَأْرَةٍ يُنْزَحُ الْمَاءُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مِنْهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ نَجَاسَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ قَبْلَ الِانْتِفَاخِ؛ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ أَجْزَائِهَا لَمْ يَبْقَ فِي الْمَاءِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا وَالِانْتِفَاخُ أَنْ تَتَلَاشَى أَعْضَاؤُهُ وَالتَّفَسُّخُ أَنْ تَتَفَرَّقَ عُضْوًا عُضْوًا وَكَذَا إذَا تَمَعَّطَ شَعْرُهُ فَهُوَ كَالْمُنْتَفِخِ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، فَإِنْ جَعَلَ مَوْضِعَ الْقَطْعِ شَمْعَةً لَمْ يَجِبْ إلَّا مَا يَجِبُ فِي الْفَأْرَةِ اهـ.
فُرُوعٌ لَا يُفِيدُ النَّزْحُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ النَّجَاسَةِ وَمَعَ بَقَائِهَا لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَكَانَ مُتَنَجِّسًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبِئْرِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ نُزِحَ مَا فِيهَا فَإِذَا جَاءَ الْمَاءُ بَعْدَهُ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ غَارَ الْمَاءُ قَبْلَ النَّزْحِ ثُمَّ عَادَ يَعُودُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُطَهِّرُ، وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِي قَعْرِهَا، وَقَدْ جَفَّتْ تُجْزِئُهُ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ لَكِنْ اخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ نَجِسًا وَصَرَّحَ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ بِأَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ كَنَظَائِرِهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّزْحِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ الْأَصَحُّ عَدَمَ الْعَوْدِ فِيمَا إذَا جَفَّ أَسْفَلُهُ أَمَّا إذَا غَارَ وَلَمْ يَجِفَّ أَسْفَلُهُ فَالْأَصَحُّ الْعَوْدُ كَمَا أَفَادَهُ السِّرَاجُ الْوَهَّاجُ، وَإِذَا طَهُرَتْ الْبِئْرُ يَطْهُرُ الدَّلْوُ وَالرَّشَا وَالْبَكَرَةُ وَنَوَاحِي الْبِئْرِ وَيَدُ الْمُسْتَقِي؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ فَتَطْهُرُ بِطَهَارَتِهَا لِلْحَرَجِ كَدَنِّ الْخَمْرِ يَطْهُرُ تَبَعًا إذَا صَارَ خَلًّا وَكَيَدِ الْمُسْتَنْجِي تَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ وَكَعُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ فَجَعَلَ يَدَهُ عَلَيْهَا كُلَّمَا صَبَّ عَلَى الْيَدِ فَإِذَا غَسَلَ الْيَدَ ثَلَاثًا طَهُرَتْ الْعُرْوَةُ بِطَهَارَةِ الْيَدِ
وَلَوْ سَالَ النَّجَسُ عَلَى الْآجُرِّ ثُمَّ وَصَلَ إلَى الْمَاءِ فَنَزْحُهَا طَهَارَةٌ لِلْكُلِّ، وَقِيلَ الدَّلْوُ طَاهِرٌ فِي حَقِّ هَذِهِ الْبِئْرِ لَا غَيْرِهَا كَدَمِ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ نَزْحُ الطِّينِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْآثَارَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِنَزْحِ الْمَاءِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَكُلَّمَا نُزِحَ مِنْ الْبِئْرِ شَيْءٌ طَهُرَ مِنْ الدَّلْوِ بِقَدْرِهِ وَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَلَا يُطَيَّنُ الْمَسْجِدُ بِطِينِ الْبِئْرِ الَّتِي نُزِحَتْ احْتِيَاطًا ثُمَّ نَجَاسَةُ الْبِئْرِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ وَغَيْرِهَا غَلِيظَةٌ ثُمَّ بِقَدْرِ مَا يُنْزَحُ تَخِفُّ فَلَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْأَوَّلَ مِنْ بِئْرٍ وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ عِشْرِينَ فِي بِئْرٍ طَاهِرَةٍ يُنْزَحُ مِنْ الثَّانِيَةِ عِشْرُونَ، وَلَوْ صَبَّ الثَّانِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ وَكَذَا الثَّالِثُ عَلَى هَذَا، وَلَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْأَخِيرَ يُنْزَحُ دَلْوٌ مِثْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْبِئْرَ الثَّانِيَةَ تَطْهُرُ بِمَا تَطْهُرُ بِهِ الْأُولَى، وَلَوْ أُخْرِجَتْ الْفَأْرَةُ وَأُلْقِيَتْ فِي بِئْرِ طَاهِرَةِ وَصُبَّ أَيْضًا فِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْأُولَى يَجِبُ إخْرَاجُ الْفَأْرَةِ وَنَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَطْهُرُ بِهِ فَكَذَا الثَّانِيَةُ، وَلَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْعَاشِرَةَ فِي بِئْرٍ طَاهِرَةٍ يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ وَفِي رِوَايَةٍ أَبِي سُلَيْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ إحْدَى عَشْرَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَوَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَالْأُولَى سِوَى الْمَصْبُوبِ وَالثَّانِيَةُ مَعَ الْمَصْبُوبِ فَلَا خِلَافَ
وَلَوْ صَبَّ مَاءَ بِئْرٍ نَجِسَةٍ فِي بِئْرٍ أُخْرَى، وَهِيَ نَجِسَةٌ أَيْضًا يُنْظَرُ بَيْنَ الْمَصْبُوبِ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ فِيهَا فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ أَغْنَى عَنْ الْأَقَلِّ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَنُزِحَ أَحَدُهُمَا يَكْفِي مِثَالُهُ بِئْرَانِ مَاتَتْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَأْرَةٌ فَنُزِحَ مِنْ إحْدَاهُمَا عَشَرَةٌ مَثَلًا وَصُبَّ فِي الْأُخْرَى يُنْزَحُ عِشْرُونَ، وَلَوْ صُبَّ دَلْوٌ وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي بِئْرٍ ثَالِثَةٍ فَصُبَّ مِنْ إحْدَى الْبِئْرَيْنِ عِشْرُونَ وَمِنْ الْأُخْرَى عَشَرَةٌ يُنْزَحُ ثَلَاثُونَ، وَلَوْ صُبَّ فِيهَا مِنْ كُلٍّ عِشْرُونَ نُزِحَ أَرْبَعُونَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْزَحَ الْمَصْبُوبُ ثُمَّ الْوَاجِبُ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ، وَلَوْ نُزِحَ دَلْوٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَصُبَّ فِي الْعِشْرِينَ يُنْزَحُ الْأَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَّ فِي بِئْرٍ طَاهِرَةٍ كَذَلِكَ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ يُنْزَحُ الْوَاجِبُ وَالْمَصْبُوبُ جَمِيعًا فَقِيلَ لَهُ إنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْك الْأَكْثَرَ فَأَنْكَرَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ، وَكَانَ مُتَنَجِّسًا) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ وَقَعَ عُصْفُورٌ فِي بِئْرٍ فَعَجَزُوا عَنْ إخْرَاجِهِ فَمَا دَامَ فِيهَا فَنَجِسَةٌ فَتُتْرَكُ مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّهُ اسْتَحَالَ وَصَارَ حَمْأَةً وَقِيلَ مُدَّةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ طَهُرَ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّهَارَةِ خِفَّةَ النَّجَاسَةِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا بَعْدَهُ
وَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي بِئْرَيْنِ وَقَعَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِنَّوْرٌ فَنُزِحَ مِنْ إحْدَاهُمَا لَوْ صُبَّ فِي الْأُخْرَى يُنْزَحُ مَاؤُهَا كُلُّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الدَّلْوَ الَّذِي نُزِحَ أَخَذَ حُكْمَ النَّجَاسَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ نَجَّسَهُ وَيَجِبُ غَسْلُهُ، فَصَارَ كَمَا إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ أُخْرَى وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَدَفَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَصْبُوبُ فِيهَا طَاهِرَةً
أَمَّا إذَا كَانَتْ نَجِسَةً فَلَا؛ لِأَنَّ أَثَرَ نَجَاسَةِ هَذَا الدَّلْوِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا وَرَدَ عَلَى طَاهِرٍ وَقَدْ وَرَدَ هُنَا عَلَى نَجِسٍ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ نَجَاسَتِهِ فَتَبْقَى الْمُورِدَةُ عَلَى مَا كَانَتْ، فَتَطْهُرُ بِإِخْرَاجِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَجْهُ دَفْعِهِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْبِئْرِ إلَّا نَجَاسَةُ فَأْرَةٍ وَنَجَاسَةُ فَأْرَةٍ يُطَهِّرُهَا عِشْرُونَ دَلْوًا اهـ وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ
فَإِنْ مَاتَتْ فِي حُبٍّ فَأُرِيقَ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُنْزَحُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَصْبُوبَةِ وَمِنْ عِشْرِينَ دَلْوًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ لَوْ وَقَعَتْ فِيهَا يُنْزَحُ عِشْرُونَ فَكَذَا إذَا صُبَّ فِيهَا مَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا إذَا زَادَ الْمَصْبُوبُ عَلَى ذَلِكَ فَتُنْزَحُ الزِّيَادَةُ مَعَ الْعِشْرِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُنْزَحُ الْمَصْبُوبُ وَعِشْرُونَ دَلْوًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْفَأْرَتَانِ فِي الْبِئْرِ يَجِبُ نَزْحُهُمَا وَنَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا كَذَا هَذَا، وَفِي الْكَافِي وَالْمُسْتَصْفَى وَالْبَدَائِعِ أَنَّ الْفَأْرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي الْحُبِّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يُهْرَاقُ الْمَاءُ كُلُّهُ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ لَهُ
وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِنَزْحِ الْبَعْضِ مَخْصُوصٌ بِالْآبَارِ ثَبَتَ بِالْآثَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الصِّهْرِيجِ أَوْ الْفَسْقِيَّةِ وَلَمْ يَكُونَا عَشْرًا فِي عَشْرٍ، فَإِنَّ الْمَاءَ كُلَّهُ يُهْرَاقُ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّلْوِ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ بِالْمَاءِ وَالْبِئْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَطْهُرُ بِالِانْفِصَالِ عَنْ الْمَاءِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَتَقَاطَرُ لِلضَّرُورَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ عَنْ الْمَاءِ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ وَاسْتَقَى مِنْ مَائِهَا رَجُلٌ ثُمَّ أَعَادَ الدَّلْوَ فَعِنْدَهُمَا الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ قَبْلَ الْعَوْدِ نَجِسٌ، وَعِنْدَهُ طَاهِرٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَوْدَ الدَّلْوِ قَيْدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا عَادَ الدَّلْوُ أَوْ لَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَكَانَ زَائِدًا وَفِي الْبَدَائِعِ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا نَزَحَ الْمَاءَ النَّجِسَ مِنْ الْبِئْرِ يُكْرَهُ أَنْ يَبِلَّ بِهِ الطِّينَ وَلَا يُطَيِّنَ بِهِ الْمَسْجِدَ أَوْ أَرْضُهُ لِنَجَاسَتِهِ بِخِلَافِ السِّرْقِينِ إذَا جَعَلَهُ فِي الطِّينِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا بِذَلِكَ اهـ.
وَالْبُعْدُ بَيْنَ الْبَالُوعَةِ وَالْبِئْرِ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْبِئْرِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَسَبْعَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْمُعْتَبَرُ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ مَاتَتْ الْفَأْرَةُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَائِعًا تَنَجَّسَ جَمِيعُهُ وَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الْأَبَدَانِ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْتَصْبَحَ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا عَنْ إدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا أُلْقِيَتْ الْفَأْرَةُ وَمَا حَوْلَهَا، وَكَانَ الْبَاقِي طَاهِرًا، وَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِمَا حَوْلَهَا فِي غَيْرِ الْأَبْدَانِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَحَدُّ الْجُمُودِ وَالذَّوْبِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ قُوِّرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ لَا يَسْتَوِي مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ جَامِدٌ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَوِي مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ ذَائِبٌ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْجِلْدَ إذَا دُبِغَ بِذَلِكَ السَّمْنِ يُغْسَلُ الْجِلْدُ بِالْمَاءِ وَيَطْهُرُ وَالتَّشَرُّبُ فِيهِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلِمَنْ اشْتَرَاهُ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنْ مَاتَتْ الْفَأْرَةُ فِي الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْخَلُّ مُبَاحٌ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَقِيلَ إذَا لَمْ تَتَفَسَّخْ فِيهِ جَازَ، وَإِنْ تَفَسَّخَتْ لَمْ يَجُزْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: يُهْرَاقُ الْمَاءُ كُلُّهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِرَاقَةِ بِلَا غَسْلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بَعْدَ الْإِرَاقَةِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمُرَاقِ، وَبَقِيَ الْأَثَرُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الصِّهْرِيجِ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّهْرِيجَ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الْبِئْرِ فِي شَيْءٍ كَذَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ قَبْلَهُ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ إيجَابَ الْعِشْرِينَ وَالْأَرْبَعِينَ فِي الْفَأْرَةِ وَالْحَمَامَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِمَا وَبِذَلِكَ تَمَسَّكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ وَأَفْتَى بِنَزْحِ عِشْرِينَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي صِهْرِيجٍ، وَفِي الْقَامُوسِ الصِّهْرِيجُ الْحَوْضُ الْكَبِيرُ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحُبِّ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ مِمَّا لَا يَخْفَى بُعْدُهُ، فَإِنَّ الْحُبَّ بِالْحَاءِ الْخَابِيَةُ وَأَيْنَ هِيَ مِنْ الصِّهْرِيجِ لَا سِيَّمَا الَّذِي يَسَعُ أُلُوفًا مِنْ الدِّلَاءِ اهـ.
قُلْت: وَنُقِلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ حُكْمَ الرَّكِيَّةِ حُكْمُ الْبِئْرِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَهِيَ الْبِئْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ لَكِنْ فِي الْعُرْفِ هِيَ بِئْرٌ يَجْتَمِعُ مَاؤُهَا مِنْ الْمَطَرِ اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّنْوِيرِ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ التَّنْوِيرِ عَنْ الْفَوَائِدِ أَنَّ الْحُبَّ الْمَطْمُورَ أَكْثَرُهُ فِي الْأَرْضِ كَالْبِئْرِ وَعَلَيْهِ فَالصِّهْرِيجُ وَالزِّيرُ الْكَبِيرُ يُنْزَحُ مِنْهُ كَالْبِئْرِ وَقَالَ: فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ اهـ.
وَالزِّيرُ الدَّنُّ، وَهُوَ الرَّاقُودُ الْعَظِيمُ، وَهُوَ أَطْوَلُ مِنْ الْحُبِّ لَا يُعْقَدُ إلَّا أَنْ
؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ وَهَذَا إذَا اُسْتُخْرِجَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ خَلًّا أَمَّا إذَا صَارَ خَلًّا وَالْفَأْرَةُ فِيهِ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَفَسِّخَةً أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ نَجَسٌ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّجْنِيسِ بَالُوعَةٌ حَفَرُوهَا وَجَعَلُوهَا بِئْرَ مَاءِ، فَإِنْ حَفَرُوهَا مِقْدَارَ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَجَوَانِبُهَا نَجِسَةٌ، وَإِنْ حَفَرُوهَا أَوْسَعَ مِنْ الْأَوَّلِ طَهُرَ الْمَاءُ وَالْبِئْرُ كُلُّهُ اهـ.
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَوْ نَزَحَ مَاءَ بِئْرِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَتَّى يَبِسَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَاءِ، وَلَوْ صُبَّ مَاءُ رَجُلٍ كَانَ فِي الْحُبِّ يُقَالُ لَهُ امْلَأْ الْإِنَاءَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحُبِّ مَالِكٌ لِلْمَاءِ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِوَزِّ كَالدَّجَاجِ إنْ كَانَ صَغِيرًا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَهُوَ كَالْجَمَلِ الْعَظِيمِ يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ تَنَجَّسَتْ بِئْرٌ فَأَجْرَى مَاؤُهَا بِأَنْ حُفِرَ مَنْفَذٌ فَصَارَ الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى خَرَجَ بَعْضُهُ طَهُرَتْ لِوُجُودِ سَبَبِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ وَصَارَ كَالْحَوْضِ إذَا تَنَجَّسَ فَأَجْرَى فِيهِ الْمَاءَ حَتَّى خَرَجَ بَعْضُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمِائَتَانِ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهَا) أَيْ يُنْزَحُ مِائَتَا دَلْوٍ إنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مُعَيَّنَةً لَا يُمْكِنُ نَزْحُهَا بِسَبَبِ أَنَّهُمْ كُلَّمَا نَزَحُوا نَبَعَ مِنْ أَسْفَلِهِ مِثْلَ مَا نَزَحُوا أَوْ أَكْثَرُ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهَا فَمَا فِي الْكِتَابِ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالُوا إنَّمَا أَفْتَى بِهِ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ فِي بَغْدَادَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مَاءُ آبَارِهَا كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّقْدِيرُ بِمِائَةِ دَلْوٍ قَالُوا أَفْتَى بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قِلَّةِ الْمِيَاهِ فِي آبَارِ الْكُوفَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مِثْلِهِ يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ وَلَمْ يُقَدِّرْ الْغَلَبَةَ بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي مِثْلِهِ. اهـ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُقَدِّرْهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ وَالنَّزْحُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْعَجْزُ أَمْرٌ صَحِيحٌ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ قَدْرُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُ جَمِيعُ الْمَاءِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ النَّزْحِ وَالْأَصَحُّ تَفْسِيرُ الْغَلَبَةِ بِالْعَجْزِ كَذَا ذَكَرَ قَاضِي خان وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُحْفَرَ حَفِيرَةٌ عُمْقُهَا وَدَوْرُهَا مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْهَا وَتُجَصَّصُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَيُصَبُّ فِيهَا فَإِذَا امْتَلَأَتْ فَقَدْ نُزِحَ مَاؤُهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ تُرْسَلَ قَصَبَةٌ فِي الْمَاءِ وَيُجْعَلَ عَلَامَةً لِمَبْلَغِ الْمَاءِ ثُمَّ يُنْزَحُ عَشْرُ دِلَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيُنْظَرُ كَمْ انْتَقَصَ فَإِنْ انْتَقَضَ الْعُشْرُ فَهُوَ مِائَةٌ قَالُوا وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا كَانَ دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّلِ حَدِّ الْمَاءِ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ مُتَسَاوِيًا، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُ إذَا نَقَصَ شِبْرٌ بِنَزْحِ عَشْرٍ مِنْ أَعْلَى الْمَاءِ أَنْ يَنْقُصَ شِبْرٌ بِنَزَحِ مِثْلِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ وَعْنَ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ يُؤْتَى بِرَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ بِأَمْرِ الْمَاءِ فَإِذَا قَدَّرَاهُ بِشَيْءٍ وَجَبَ نَزْحُ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِكَوْنِهِمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ وَاشْتِرَاطُ الْمَعْرِفَةِ لَهُمَا بِالْمَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تُسْتَفَادُ مِمَّنْ لَهُ عِلْمٌ أَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَظَاهِرُ مَا فِي النُّقَايَةِ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَيُكْتَفَى بِالْوَاحِدِ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْكُتُبِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَقَدْ صَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ جَمَاعَةٌ وَاخْتَارُوهُ وَصَحَّحَ الْإِمَامُ حُسَامُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اعْتِبَارَ الْغَلَبَةِ، وَهِيَ الْعَجْزُ وَذَكَرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُنْزَحُ ثَلَثُمِائَةٍ وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّ الْمُخْتَارَ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى فِيهَا وَالْإِفْتَاءُ بِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ أَسْهَلُ عَلَى النَّاسِ وَالْعَمَلُ بِمَا عَنْ أَبِي نَصْرٍ أَحْوَطُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ
وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْسَرُ عَلَى النَّاسِ لَكِنْ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ نَزْحَ جَمِيعِ الْمَاءِ لِلْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ فَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى نَزْحِ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الدِّلَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعِيٍّ يُفِيدُهُ وَأَيْنَ ذَلِكَ بَلْ الْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ خِلَافُهُ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْأَظْهَرَ إنْ أَمْكَنَ سَدُّ مَنَابِعِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ عُسْرٍ سُدَّتْ وَأُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ، وَإِنْ عَسَرَ
ــ
[منحة الخالق]
يَحْفِرَ لَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الَّذِي يَنْبَغِي تَحْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَا كَانَ حُفْرَةً فِي الْأَرْضِ لَا تَنَالُهُ الْيَدُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْبِئْرِ وَدَاخِلٌ فِي مُسَمَّاهَا؛ لِأَنَّهَا كَمَا مَرَّ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَارَتْ أَيْ حُفِرَتْ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِيهَا وَارِدًا فِيهِ بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّنِّ وَالْفَسْقِيَّةِ وَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ فَلَا يُلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا، وَبِهِ يَظْهَرُ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَكَذَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا يُشِيرُ صَدْرُ كَلَامِ النَّهْرِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ قَالُوا: إنَّمَا أَفْتَى بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ إذْ فَتْوَاهُ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ حُكْمٌ بِإِيجَابِ نَزْحِ الْكُلِّ وَالْغَرَضُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ، وَلَهُ (لَكِنْ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَكَانَ الْمَشَايِخُ إنَّمَا اخْتَارُوا مَا عَنْ مُحَمَّدٍ لِانْضِبَاطِهِ كَالْعَشْرِ تَيْسِيرًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بَلْ الْمَأْثُورُ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ مَا مَرَّ فِي حَدِيثِ الزِّنْجِيِّ الْوَاقِعِ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ.
ذَلِكَ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ كَوْنَ مَحَلِّ الْمَاءِ مِنْهَا عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ طُولًا وَعَرْضًا فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ أَرْسَلَ فِي الْمَاءِ قَصَبَةً وَعَمِلَ فِي ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِمِقْدَارِهِ مِنْ عَدْلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ بِمِيَاهِ الْآبَارِ أُخِذَ بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِمِقْدَارِ الْمَاءِ مِنْ عَدْلَيْنِ بَصِيرَيْنِ بِذَلِكَ نَزَحُوا حَتَّى يَظْهَرَ لَهُمْ الْعَجْزُ بِحَسَبِ غَلَبَةِ ظَنِّهِمْ. اهـ.
وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ لِلْمُتَأَمِّلِ فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَنَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ فَأْرَةٌ مُنْتَفِخَةٌ جُهِلَ وَقْتُ وُقُوعِهَا، وَإِلَّا مُذْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) أَيْ نَجَّسَ الْبِئْرَ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ مُنْتَفِخَةٌ لَا يُدْرَى وَقْتُ وُقُوعِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنْتَفِخَةً نَجَّسَهَا مُذْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَيْ مُذْ ثَلَاثِ لَيَالٍ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْأَيَّامُ لَقَالَ مُذْ ثَلَاثَةٍ لَكِنَّ اللَّيَالِيَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا أَنَّ الْأَيَّامَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أَيْ وَعَشْرَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا اهـ.
فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُنَا اعْلَمْ أَنَّ الْبِئْرَ تُنَجَّسُ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الْحَيَوَانِ الَّذِي وُجِدَ مَيِّتًا فِيهَا إنْ عُلِمَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَقَدْ صَارَ الْمَاءُ مَشْكُوكًا فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَإِذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ، فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُحْدِثُونَ أَوْ اغْتَسَلُوا مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ عَنْ نَجَاسَةٍ فَفِي الثَّالِثِ لَا يُعِيدُونَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَمَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَدْرِ مَتَى أَصَابَتْهُ لَا يُعِيدُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالتَّبْيِينِ وَتَعَقَّبَهُ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ غَسْلُهَا لَكَوَّنَهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ حَالَ الْعِلْمِ بِاشْتِمَالِ الْبِئْرِ عَلَى الْفَأْرَةِ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: الْمُصَنِّفُ فَأْرَةٌ مُنْتَفِخَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: زَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ مُتَفَسِّخَةٌ إذْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الِانْتِفَاخِ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي التَّفَسُّخِ يُعِيدُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ إفْسَادَ الْمَاءِ مَعَهُ أَكْثَرُ كَمَا أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْمَزِيدِ يُوهِمُ إعَادَةَ الْأَقَلِّ فَالْجَمْعُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَا) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ عَادَةُ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقَدِّرُوهُ بِالْأَيَّامِ، وَهُوَ قَدَّرَهُ بِاللَّيَالِيِ حَيْثُ حَذَفَ التَّاءَ مِنْ الثَّلَاثِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةً فَقَدْ تَمَّ الْآخَرُ اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْجِيهَيْنِ أَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّيَالِي وَيَلْزَمُ مِنْهُ دُخُولُ الْأَيَّامِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُصَفَّى الْمَقْصُودُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ فَلِذَا كَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ.
قَالَ فِي النَّهْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَذْفَ التَّاءِ يُعَيِّنُ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ إذَا كَانَ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا أَمَّا إذَا كَانَ مَحْذُوفًا جَازَ تَقْدِيرُهُ مُذَكَّرًا أَوْ مُؤَنَّثًا وَقَدْ جَوَّزُوا فِي حَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» تَقْدِيرَ الْمَحْذُوفِ أَرْكَانًا أَوْ دَعَائِمَ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْكَافِيَةِ زَادَ مَا إذَا قَدَّمَ الْمَعْدُودَ وَجَعَلَ اسْمَ الْعَدَدِ صِفَةً فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ فِي اسْمِ الْعَدَدِ إلْحَاقُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا وَقَالَ: فَاحْفَظْهَا، فَإِنَّهَا عَزِيزَةٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الْأُجْرُومِيَّةِ وَالْمُضَارِعُ مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ إحْدَى الزَّوَائِدِ الْأَرْبَعِ وَالزَّوَائِدُ جَمْعُ زَائِدَةٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ قَوْلُ الْأَكْمَلِ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ سِتٌّ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ) أَقُولُ: مَا بِمَعْنَى وَقْتٍ وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " مَغْسُولَةٌ " وَقَوْلُهُ " حَالَ " مَفْعُولٌ تَقَدَّمَ مِثْلُ: " وَاتَّقُوا يَوْمًا " لَا ظَرْفٌ وَقَوْلُهُ بِاشْتِمَالٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ وَقَوْلُهُ بِدُونِ مُتَعَلِّقٍ بِتَقَدَّمَ وَالْمَعْنَى إذَا كَانَ يَلْزَمُهَا غُسْلُهَا لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى زَمَنِ الْعِلْمِ بِالْفَأْرَةِ كَيْفَ لَا يَكُونُ تَنَجُّسُ الثِّيَابِ مُسْتَنِدًا مَعَ التَّيَقُّنِ بِتَقَدُّمِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَالِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ التَّقَدُّمَ بِكَوْنِهِ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ حِينِ وُجُودِهَا لَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِوُقُوعِهَا حِينَئِذٍ وَيُشْكَلُ أَيْضًا أَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي كَانَتْ بِالثَّوْبِ مُوقَنَةً وَفِي زَوَالِهَا بِهَذَا الْمَاءِ شَكٌّ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّهَارَةِ عَنْ حَدَثٍ وَأَيْضًا إذَا كَانَ لُزُومُ غَسْلِهَا لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ لَا لِلنَّجَاسَةِ الَّتِي كَانَتْ بِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَارِحِ الْمُنْيَةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثِّيَابِ وَبَيْنَ مَا إذَا غُسِلَتْ لَا عَنْ نَجَاسَةٍ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وُجُوبُ غَسْلِهَا مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَوْلُهُ نَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ يَعْنِي فِي حَقِّ الْوُضُوءِ حَتَّى يَلْزَمَهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا، وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِمَائِهَا لَا يَلْزَمُ إلَّا غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ وَنَحْوِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَكَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَعَادُوا صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ عِبَارَةَ الْقُدُورِيِّ بِحُرُوفِهَا لَكِنْ يَعُودُ إيرَادُ شَارِحِ الْمُنْيَةِ عَلَى عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ بِأَنَّهُ إذَا حُكِمَ بِالنَّجَاسَةِ فِي الْحَالِ يَجِبُ غَسْلُ هَذِهِ الثِّيَابِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حَوَاشِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ اشْتِبَاهٌ حَتَّى حَذَفَ بَعْضُهُمْ حَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كَلَامِهِ لَكِنْ وَجَّهَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي مُحَشِّي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ فِي الْبِئْرِ الْمَذْكُورَةِ اعْتِبَارَيْنِ الْأَوَّلُ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّنَزُّهُ وَمُقْتَضَاهُ
كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الثِّيَابِ مِنْ بَابِ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّنَجُّسِ فِي الْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَتَّجِهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغَسْلِ الْإِعَادَةَ لَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ غَسْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا اهـ.
وَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي خِلَافٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَقْتَ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا قَبْلَ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِطَهَارَتِهَا فِيمَا مَضَى وَقَدْ شُكَّ فِي النَّجَاسَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي غَيْرِ الْبِئْرِ ثُمَّ أَلْقَتْهَا الرِّيحُ الْعَاصِفُ فِيهَا أَوْ بَعْضُ السُّفَهَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ أَوْ بَعْضُ الطُّيُورِ كَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ رَأَى حَدَأَةً فِي مِنْقَارِهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ فَأَلْقَتْهَا فِي الْبِئْرِ فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ إذَا وَجَدَهَا فِي ثَوْبِهِ وَعَلَى مَا إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةَ فِي كُرْسُفِهَا دَمًا وَلَا تَدْرِي مَتَى نَزَلَ وَعَلَى مَا لَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَهُ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةُ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهُمْ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْإِحَالَةَ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ خَفَاءِ الْمُسَبَّبِ وَالْكَوْنُ فِي الْمَاءِ قَدْ تَحَقَّقَ، وَهُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِلْمَوْتِ وَالْمَوْتُ فِيهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَدْ خَفِيَ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ مَاتَ فِيهِ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ عِنْدَ خَفَاءِ الْمُسَبَّبِ دُونَ الْمَوْهُومِ، وَهُوَ الْمَوْتُ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا وَلَمْ يَزَلْ مُصَاحِبَ الْفِرَاشِ حَتَّى مَاتَ يُضَافُ مَوْتُهُ إلَى الْجُرْحِ حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ مَوْتُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَكَذَا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ يُضَافُ الْقَتْلُ إلَى أَهْلِهَا حَتَّى تَجِبَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ
وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ قُتِلَ فِي مَوْضِعً آخَرَ غَيْرَ أَنَّ الِانْتِفَاخَ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ وَلِهَذَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إلَى ثَلَاثِ أَيَّامٍ عَلَى مَا قِيلَ وَعَدَمُ الِانْتِفَاخِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقَدَّرْنَاهُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا لِتَفَاوُتِهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيّ تِلْمِيذُهُمَا أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً يُعِيدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ طَرِيَّةً يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَهُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا عَلَى الْوِفَاقِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ الْأَصَحُّ فَالْفَرْقُ لَهُ وَاضِحٌ، وَهُوَ أَنَّ الثَّوْبَ بِمَرْأَى عَيْنِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرُهُ فَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَصَابَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَعَلِمَ بِهَا بِخِلَافِ الْبِئْرِ فَإِنَّهَا غَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِهِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُعَلَّى رحمه الله كَوْنَهُ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَفَقُّهٌ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ الْحَقُّ فَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إنَّ الْمُعَلَّى
ــ
[منحة الخالق]
الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهَا مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي حَقِّ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ فَتُعَادُ الصَّلَاةُ وَتُغْسَلُ الثِّيَابُ وَلَا يُؤْكَلُ الْعَجِينُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ.
وَالثَّانِي: نَفْيُ الْحَرَجِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ مُطْلَقًا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُمَا وَالْأَوَّلُ فِي نِهَايَةِ الْحَرَجِ وَالثَّانِي فِي نِهَايَةِ التَّوْسِعَةِ فَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ خَصَّ رَأْيَ الْإِمَامِ بِالتَّوَضُّؤِ وَالِاغْتِسَالِ احْتِيَاطًا بِالْعِبَادَةِ وَرَأْيَهُمَا بِمَا عَدَاهُ لِنَفْيِ الْحَرَجِ وَلَكِنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي الثِّيَابِ فَقَالَ يَجِبُ غَسْلُهَا حَذَرًا عَنْ النَّجَاسَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِسَبْقِهَا وَلَمْ يَجْزِمْ بِإِعَادَةِ مَا صَلَّاهُ بِتِلْكَ الثِّيَابِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْعَجِينِ اهـ.
وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا مَا سَيَأْتِي عَنْ الصَّبَّاغِيِّ قَالَ بَعْدَ هَذَا اعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ إذَا غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ عَنْ النَّجَاسَةِ لَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ بَحْثًا وَذَلِكَ أَنَّ الْحَالَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونُوا صَلَّوْا فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الثِّيَابِ الَّتِي غُسِلَتْ بِمَاءِ تِلْكَ الْبِئْرِ أَوْ صَلَّوْا فِي غَيْرِهَا مِنْ الثِّيَابِ، وَكَانَ الْوُضُوءُ مِنْهَا
فَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَقُلْنَا بِوُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَأَوْلَى أَنْ نَقُولَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ فِي ثِيَابٍ طَاهِرَةٍ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ تَجِبَ فِي ثِيَابٍ نَجِسَةٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا نِزَاعَ لَا حَدَّ فِيهِ فَعَلَى هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ عَدَمُ غَسْلِ الثِّيَابِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ لَكِنْ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا نَجِسَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ عَدَمُ وُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ الْمَغْسُولَةِ بِمَائِهَا وَقَدْ صَلَّوْا فِيهَا، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا يُعِيدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الثَّوْبِ وَبَيْنَ الْبِئْرِ أَنَّ الثَّوْبَ مَرْئِيٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ، فَإِنَّهَا غَائِبَةٌ عَنْ الْأَعْيُنِ فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ الثِّيَابِ الَّتِي غُسِلَتْ بِمَاءِ الْبِئْرِ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبِئْرِ وَالزَّيْلَعِيُّ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ تَوَهَّمُوا اسْتِوَاءَ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ عَلَى الثَّوْبِ وَالثَّوْبِ الَّذِي غُسِلَ بِمَاءِ الْبِئْرِ بِجَامِعِ أَنْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وُجُودَ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ لَكِنَّ الْفَرْقَ مَا أَسْلَفْنَاهُ اهـ.
لَكِنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ لَفْظِ عَدَمٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ قُلْنَا أَنْ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ عَدَمُ وُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ وَعَلَى هَذَا لَا يَظْهَرُ تَعْلِيلُ الدَّفْعِ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شَيْءٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ إمَّا قَيْدٌ لِلُّزُومِ الْغُسْلُ أَوْ لِعَدَمِ الْإِعَادَةِ أَوْ لَهُمَا وَمُقَابِلُ الْأَوَّلِ عَدَمُ لُزُومِ الْغُسْلِ مَعَ عَدَمِ الْإِعَادَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَمُقَابِلُ الثَّانِي لُزُومُ الْإِعَادَةِ مَعَ لُزُومِ الْغُسْلِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَمُقَابِلُ الثَّالِثِ عَدَمُ لُزُومِ الْغُسْلِ مَعَ لُزُومِ الْإِعَادَةِ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَتَّجِهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغُسْلِ الْإِعَادَةَ) أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ سَابِقًا، فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي) وَهُمَا إنْ تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُحْدِثُونَ أَوْ اغْتَسَلُوا مِنْ جَنَابَةٍ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ) أَيْ الْمَذْكُورَةُ فِي دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ
قَالَ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ نَفْسِهِ
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمِيرَاثِ فَالْمَرْأَةُ مُحْتَاجَةٌ إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لَهَا وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَالْوَرَثَةُ هُمْ الدَّافِعُونَ وَفِي الْمُجْتَبَى وَحُكْمُ مَا عُجِنَ بِهِ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَكَانَ الصِّبَاغَيْ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ وَبِقَوْلِهِمَا فِيمَا سِوَاهُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ احْتِيَاطٌ فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ وَمَا قَالَاهُ عَمَلٌ بِالْيَقِينِ وَرِفْقٌ بِالنَّاسِ وَفِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ رحمه الله وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ الْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا قُلْت هُوَ الْمُخَالِفُ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ فَقَدْ رَجَحَ دَلِيلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَقَالُوا إنَّهُ الِاحْتِيَاطُ فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ مَا عُجِنَ بِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُلْقَى إلَى الْكِلَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْلِفُ الْمَوَاشِيَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاعُ مِنْ شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ أَوْ دَاوُدِيِّ الْمَذْهَبِ اهـ.
وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي الْبَدَائِعِ وَجَزَمَ بِهِ بِصِيغَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا يُطْعَمُ لِلْكِلَابِ.
فُرُوعٌ ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَعَادَ مِنْ آخِرِ مَا احْتَلَمَ، وَإِنْ كَانَ دَمًا لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ دَمَ غَيْرِهِ قَدْ يُصِيبُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِصَابَةَ لَمْ تَتَقَدَّمْ زَمَانَ وُجُودِهِ فَأَمَّا مَنِيُّ غَيْرِهِ لَا يُصِيبُ ثَوْبَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنِيُّهُ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ سَبَبِ خُرُوجِهِ حَتَّى إنَّ الثَّوْبَ لَوْ كَانَ مِمَّا يَلْبَسُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ يَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ الدَّمِ وَالْمَنِيِّ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا فِي الْبَوْلِ يُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ مَا بَالَ وَفِي الدَّمِ مِنْ آخِرِ مَا رُعِفَ وَفِي الْمَنِيِّ مِنْ آخِرِ مَا احْتَلَمَ أَوْ جَامَعَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمُرَادُهُ بِالِاحْتِلَامِ النَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ بِدَلِيلِ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ أَنَّهُ يُعِيدُ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ شَيْئًا لَوْ رَأَى دَمًا، وَلَوْ فَتَقَ جُبَّةً فَوَجَدَ فِيهَا فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى دَخَلَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجُبَّةِ ثَقْبٌ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ يَوْمِ نَدَفَ الْقُطْنَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ثَقْبٌ يُعِيدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبِئْرِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُحِيطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي الطَّرِيقِ وَلَا يُسْقَى لِلْبَهَائِمِ وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْقَى الْمَاءُ النَّجِسُ لِلْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى قَوْلِهِ فَالْمُعَادُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْوِتْرُ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي.
(قَوْلُهُ: وَالْعَرَقُ كَالسُّؤْرِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَسَادِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ نَفْسِ الْحَيَوَانَاتِ فِيهِ ذَكَرَهُمَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَالسُّؤْرُ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّتِي يُبْقِيهَا الشَّارِبُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ فِي الْحَوْضِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِبَقِيَّةِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَالْجَمْعُ الْأَسْآرُ وَالْفِعْلُ أَسْأَرَ أَيْ أَبْقَى مِمَّا شَرِبَ أَيْ عَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً وَكَرَاهَةً؛ لِأَنَّ السُّؤْرَ مُخْتَلِطٌ بِاللُّعَابِ، وَهُوَ وَالْعَرَقُ مُتَوَلِّدَانِ مِنْ اللَّحْمِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُطُوبَةٌ بِهِ مُتَحَلِّلَةٌ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَا حُكْمَهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِعَرَقِ الْحِمَارِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مَعَ أَنَّ سُؤْرَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ خُصَّ بِرُكُوبِهِ صلى الله عليه وسلم الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا وَالْحَرُّ حَرُّ الْحِجَازِ وَالثِّقَلُ ثِقَلُ النُّبُوَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرَقَ الْحِمَارُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فَرَسٌ عُرْيٌ لَا سَرْجَ عَلَيْهِ وَلَا لِبَدَ وَجَمْعُهُ أَعْرَاءٌ وَلَا يُقَالُ فَرَسٌ عُرْيَانُ كَمَا لَا يُقَالُ رَجُلٌ عُرْيٌ وَأَعْرَوْرَى الدَّابَّةَ رَكِبَهُ عُرْيًا وَمِنْهُ «كَانَ عليه السلام يَرْكَبُ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا» ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكَنِّ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَفْعُولِ لَقِيلَ مُعْرَوْرِيّ اهـ.
أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَرَقِهِ وَسُؤْرِهِ، فَإِنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَالشَّكَّ إنَّمَا هُوَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خان فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فِي لُعَابِهِ وَعَرَقِهِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ فِي رِوَايَةٍ مُقَدَّرٌ بِالدِّرْهَمِ وَفِي رِوَايَةٍ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُمْنَعُ وَإِنْ فَحُشَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ عَرَقَهُ نَجِسٌ لَكِنْ عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ يُفْسِدُهُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ.
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ لَا يُفْسِدُهُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ يَعْنِي بِهِ لَمْ يَبْقَ طَهُورًا؛ لِأَنَّ عَرَقَهُمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ صَارَ الْمَاءُ مُشْكِلًا كَمَا فِي لُعَابِهِمَا وَالْمَاءُ الْمُشْكِلُ طَاهِرٌ لَكِنَّ كَوْنَهُ طَهُورًا مُشْكِلٌ فَلَا يَزُولُ الْحَدَثُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى وَحُكْمُ مَا عُجِنَ بِهِ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ) يُنْظَرُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْعَجِينِ وَالثَّوْبِ إذَا غُسِلَ لَا عَنْ نَجَاسَةٍ حَيْثُ حُكِمَ فِي الْعَجِينِ بِتَنَجُّسِهِ دُونَ الثَّوْبِ.
(قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ سُؤْرَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ) أَيْ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ، وَهُوَ غَيْرُ الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ هُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِطَهَارَةِ عَرَقِ الْحِمَارِ طَهَارَتُهُ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ لَا يُصَيِّرُهُ مَشْكُوكًا لَا فِي طَهَارَتِهِ وَلَا فِي طَهُورِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ عَلَى هَذَا طَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ طَهَارَةَ الْمَاءِ الَّذِي أَصَابَهُ كَمَا يَقْتَضِيه الْجَوَابُ الثَّانِي الْآتِي لَمْ يَصْلُحْ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لِلْجَوَابِيَّةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: فَرَسٌ عُرْيٌ إلَخْ) الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِلَكِنْ لِيُفِيدَ الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا فَعَلَ فِي النَّهْرِ، فَإِنَّ مَبْنَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى طَهَارَتِهِ عَلَى أَنَّ مُعْرَوْرِيًا حَالٌ مِنْ الْحِمَارِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فَلَا دَلَالَةَ لَكِنْ فِي كَوْنِهِ حَالًا مِنْ الْفَاعِلِ بُعْدٌ لَا يَخْفَى إذْ لَا يُبْعِدُ مِنْ حَالِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْكَبَ، وَهُوَ عُرْيَانُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ حَالَ كَوْنِهِ مُعْرَوْرِيًا الْحِمَارُ فَهُوَ اسْمُ الْفَاعِلِ