الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ الرَّابِعَ عَشَرَ: مِنْهَا إدْخَالُ خِنْصَرَيْهِ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ مِنْهَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ عُضْوٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْهُ) أَيْ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ وَالنَّجَسُ بِفَتْحَتَيْنِ اصْطِلَاحًا عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبِكَسْرِ الْجِيمِ مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا وَفِي اللُّغَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ أَعَمُّ فَيَصِحُّ ضَبْطُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالنَّقْضُ فِي الْجِسْمِ فَكُّ تَأْلِيفِهِ وَفِي غَيْرِهِ إخْرَاجُهُ عَنْ إفَادَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوُضُوءِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ خُرُوجُ نَجَسٍ أَنَّ النَّاقِضَ خُرُوجُهُ لَا عَيْنُهُ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْخُرُوجَ عِلَّةُ الِانْتِقَاضِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى وَعَلَّلَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَفْسُهَا نَاقِضَةً لَمَا حَصَلَتْ طَهَارَةٌ لِشَخْصٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ تَحْتَ كُلِّ جِلْدَةٍ دَمًا لَكِنْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الظَّاهِرُ أَنَّ النَّاقِضَ النَّجَسُ الْخَارِجُ وَبَيَّنَهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ لِلنَّقْضِ وَالضِّدُّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ وَصِفَةُ النَّجَاسَةِ الرَّافِعَةُ لِلطَّهَارَةِ إنَّمَا هِيَ قَائِمَةٌ بِالْخَارِجِ، فَالْعِلَّةُ لِلنَّقْضِ هِيَ النَّجَاسَةُ بِشَرْطِ الْخُرُوجِ وَتَأَيَّدَ هَذَا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ «مَا الْحَدَثُ قَالَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ»
فَالْعِلَّةُ النَّجَاسَةُ، وَالْخُرُوجُ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، وَإِضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ أَوْلَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا قَالُوا مِنْ لُزُومِ عَدَمِ حُصُولِ طَهَارَةٍ لِشَخْصٍ عَلَى تَقْدِيرِ إضَافَةِ النَّقْضِ إلَى النَّجَاسَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْخُرُوجَ لَيْسَ شَرْطًا فِي عَمَلِ الْعِلَّةِ، وَلَا عِلَّةِ الْعِلَّةِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ جَمِيعَ النَّوَاقِضِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ، وَهُوَ قِسْمَانِ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَخَارِجٌ مِنْ غَيْرِهِمَا فَالْأَوَّلُ نَاقِضٌ مُطْلَقًا فَتَنْقُضُ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ وَالذَّكَرِ وَالْفَرْجِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي السَّرَّاجِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ فَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الدُّودَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ فَرْجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ يَكُونُ الدُّودَةُ نَاقِضَةً أَنَّهَا نَجِسَةٌ لِتَوَلُّدِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ فِيهَا طَرِيقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ النَّاقِضَ مَا عَلَيْهَا وَاخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ فِي الْحَصَاةِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ الرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الذَّكَرِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمَا اخْتِلَاجٌ، وَلَيْسَ بِرِيحٍ خَارِجَةٍ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَتْ بِمُنْبَعِثَةٍ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالرِّيحُ لَا يَنْقُضُ إلَّا لِذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا طَاهِرَةٌ حَتَّى لَوْ لَبِسَ سَرَاوِيلَ مُبْتَلَّةً أَوْ ابْتَلَّ مِنْ أَلْيَتَيْهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ الرِّيحُ فَخَرَجَ الرِّيحُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي بِسَرَاوِيلِهِ فَوَرَعٌ مِنْهُ كَذَا قَالُوا فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَدَخَلَ أَيْضًا مَا لَوْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي دُبُرِهِ وَلَمْ يُغَيِّبْهَا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْبِلَّةُ وَالرَّائِحَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي شَرْحِ قَاضِي خان وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا غَيَّبَهُ نُقِضَ مُطْلَقًا، وَكَذَا الذُّبَابُ إذَا طَارَ وَدَخَلَ فِي الدُّبُرِ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ بِلَّةٍ لَا يَنْقُضُ وَكَذَا الْمِحْقَنَةُ إذَا أَدْخَلَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بِلَّةٌ لَا تَنْقُضُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِذَا أَقَطَرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا ثُمَّ عَادَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَقَنَ بِدُهْنٍ ثُمَّ عَادَ اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الثَّانِي اخْتَلَطَ الدُّهْنُ بِالنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْإِحْلِيلِ لِلْحَائِلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ النَّقْضِ قَوْلُهُ فَقَطْ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ لَا يَنْقُضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْإِحْلِيلُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكُلُّ شَيْءٍ إذَا غَيَّبَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَوْ خَرَجَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَقَضَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَاخِلًا مُطْلَقًا فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَكُلُّ شَيْءٍ إذَا أُدْخِلَ بَعْضُهُ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ مُطْلَقًا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ اهـ.
وَالْكُلِّيَّةُ الثَّانِيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الْبِلَّةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ احْتَشَتْ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَنَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ
ــ
[منحة الخالق]
[نَوَاقِض الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ أَعَمُّ) اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فِيهِ الظَّرْفَانِ الْمُرَادُ مَا هُوَ مُتَنَجِّسٌ كَالثَّوْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَلَكٍ وَحِينَئِذٍ ضَبْطُهُ بِالْفَتْحِ مُتَعَيِّنٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا خَرَجَ مُتَنَجِّسًا بِاعْتِبَارِ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ الَّتِي بِهِ فَصَدَقَ عَلَيْهِ خُرُوجُ النَّجَسِ فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ بِالْفَتْحِ أَشْمَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى) أَيْ وَالْعِلَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى وَالْخُرُوجُ كَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى (قَوْلِهِ لَيْسَ شَرْطًا فِي عَمَلِ الْعِلَّةِ وَلَا عِلَّةِ الْعِلَّةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ شَرْطًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا ظَاهِرَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فَيُشْكَلُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ دُخُولِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ فِي كَلَامِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنُهَا نَجِسَةً لَكِنَّهَا مُتَنَجِّسَةٌ فَتَدْخُلُ فِيهِ سَوَاءٌ قُرِئَ قَوْلُهُ نَجِسٌ بِالْفَتْحِ أَوْ بِالْكَسْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لُغَةً فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ) ، وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى الْوُضُوءِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَالْكُلِّيَّةُ الثَّانِيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الْبِلَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ فَأَمَّا فِي الصَّوْمِ فَلَا لِتَعَلُّقِهِ بِالدُّخُولِ فَقَطْ ثُمَّ فِي الْكُلِّيَّةِ الْأُولَى إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى إطْلَاقِهَا أَنْ تُحْكَمَ بِنَقِيضِ الْوُضُوءِ بِغَيْرِ خَارِجٍ نَجِسٍ إذَا خَرَجَ ذَلِكَ الشَّيْءُ غَيْرَ مُبْتَلٍّ فَتَأَمَّلْ
فَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةً أَوْ مُحَاذِيَةً لِحَرْفِ الْفَرْجِ كَانَ حَدَثًا لِوُجُودِ الْخُرُوجِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ مُتَسَلِّفَةً عَنْهُ لَا يُنْقَضُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَإِنْ كَانَتْ احْتَشَتْ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ فَابْتَلَّ دَاخِلَ الْحَشْوِ انْتَقَضَ نَفَذَ وَلَمْ يَنْفُذْ فِي التَّبْيِينِ، وَإِنْ حَشَى إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ فَخَرَجَهُ بِابْتِلَالِ خَارِجِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمَجْبُوبُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْبَوْلَ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إمْسَاكِهِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَرْسَلَهُ، فَهُوَ بَوْلٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ
وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يَسِلْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخُنْثَى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَذَكَرُهُ كَالْجُرْحِ أَوْ رَجُلٌ فَفَرْجُهُ كَالْجُرْحِ وَيُنْقَضُ فِي الْآخِرِ بِالظُّهُورِ لَكِنْ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُنْثَى يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا سَالَ أَوْ لَا تَبَيَّنَ حَالَةً أَوْ لَا وَفِي التَّوْشِيحِ يُؤْخَذُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكَلِ بِالْأَحْوَطِ، وَهُوَ النَّقْضُ، وَأَمَّا الْمُفْضَاةُ، وَهِيَ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْهَا وَاحِدًا أَوْ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَوَطْئِهَا وَاحِدًا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ مِنْ الرِّيحِ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبُهُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَفْصٍ لِلِاحْتِيَاطِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الرِّيحِ كَوْنُهَا مِنْ الدُّبُرِ بَلْ لَا نِسْبَةً لِكَوْنِهَا مِنْ الْقُبُلِ بِهِ، فَيُفِيدُ غَلَبَةُ ظَنٍّ تَقْرُبُ مِنْ الْيَقِينِ، وَهُوَ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ لَهُ حُكْمُ الْيَقِينِ، فَتَرْجُحُ الْوُجُوبُ اهـ.
لَكِنْ يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ فِيهَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ النَّقْضِ بِالرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْفَرْجِ، وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ يُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَهَا حُكْمَانِ آخَرَانِ:
الْأَوَّلُ لَوْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ الثَّانِي وَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا جِمَاعُهَا إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ إتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّا بِهَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ
وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ كَانَ بِذَكَرِهِ شِقٌّ لَهُ رَأْسَانِ إحْدَاهُمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَاءٌ يَسِيلُ فِي مَجْرَى الذَّكَرِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ فَفِي الْأَوَّلِ يُنْقَضُ بِالظُّهُورِ وَفِي الثَّانِي بِالسَّيَلَانِ وَفِي التَّوْشِيحِ بَاسُورٌ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، فَإِنْ عَالَجَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِخِرْقَةٍ حَتَّى أَدْخَلَهُ تُنْقَضُ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِقُ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَّا إنْ عَطَسَ فَدَخَلَ بِنَفْسِهِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ إنْ تَيَقَّنَ خُرُوجَ الدُّبُرِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الدُّودَةِ فَدَخَلَتْ اهـ.
ثُمَّ الْخُرُوجُ فِي السَّبِيلَيْنِ يَتَحَقَّقُ بِالظُّهُورِ، فَلَوْ نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَا يُنْقَضُ، وَإِلَى الْقُلْفَةِ فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُنَا بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَلْقُهُ كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ.
وَأَجَابَ فِي الْغُسْلِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الْإِيصَالِ عَلَى الْجُنُبِ فَلَا إشْكَالَ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِيصَالِ فِي الْغُسْلِ لِلْحَرَجِ لَا؛ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ، فَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ وَاسْتَدَلُّوا لِكَوْنِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضًا مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ يُقْصَدُ لِلْحَاجَةِ فَالْمَجِيءُ مِنْهُ يَكُونُ لَازِمًا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَأُطْلِقَ اللَّازِمُ، وَهُوَ الْمَجِيءُ مِنْهُ وَأُرِيدَ الْمَلْزُومُ، وَهُوَ الْحَدَثُ كِنَايَةً كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ
وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ اللَّازِمَ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ وَالْمَلْزُومَ الْمَجِيءُ مِنْ الْغَائِطِ، وَإِذَا كَانَ كِنَايَةً عَنْ اللَّازِمِ فَالْحَمْلُ عَلَى أَعَمِّ اللَّوَازِمِ أَوْلَى أَخَذَا بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ فَكَانَ جَمِيعُ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ النَّجَاسَةِ نَاقِضًا مُعْتَادًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ، فَكَانَ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى إرَادَةِ أَعَمِّ اللَّوَازِمِ لِلْمَجِيءِ وَالْخَارِجُ النَّجَسُ مُطْلَقًا لَيْسَ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْغَائِطَ لَا يُقْصَدُ قَطُّ لِلرِّيحِ فَضْلًا عَنْ جُرْحِ إبْرَةٍ وَنَحْوِهِ فَالْأَوْلَى كَوْنُهُ فِيمَا يَحِلُّهُ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى الرِّيحِ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَى غَيْرِهِ بِالْخَبَرِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ» لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْتَحَاضَةِ تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» اهـ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ فِي التَّبْيِينِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ فِيهَا) أَيْ تَرْجِيحُ الْوُجُوبِ فِي الْمُفْضَاةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَهِيَ أَنَّهَا الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْهَا وَاحِدًا وَكَذَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِذَكَرِهِ شَقٌّ) الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ جُرْحٌ بَدَلَ شَقٍّ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالْحَرَجِ أَنَّهُ فِيمَنْ لَا يُمْكِنُهُ فَسْخُهَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَ فَلَا يَكُونُ مُنَافَاةً بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِالْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَيَكُونُ وُجُوبُ الْغَسْلِ مَبْنِيًّا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ مُعْتَادًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ مُعْتَادًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ) بَيَانٌ لِعُمُومِ اللَّازِمِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ أَيْ لَا يُخَصُّ بِالْمُعْتَادِ
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَشَايِخَ إنَّمَا اسْتَدَلُّوا بِالْآيَةِ عَلَى مَالِكٍ فِي نَفْيِهِ نَاقِضِيَّةَ غَيْرِ الْمُعْتَادِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَلَمْ يَسْتَدِلُّوا بِهَا عَلَى الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَالْقِيَاسُ أَيْضًا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ، فَالْأَصْلُ الْخَارِجُ النَّجَسُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَادِ وَالْفَرْعُ مَا خَرَجَ مِنْهُمَا إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَادِ، وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، فَنَاقِضٌ بِشَرْطِ أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ كَذَا قَالُوا وَمُرَادُهُمْ أَنْ يَتَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَوْ تُنْدَبُ مِنْ بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَمَكَانٍ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الْحُكْمَ بِالْأَعَمِّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّ مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ لَا تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَصْلًا بَلْ تُنْدَبُ لِمَا أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ مَسْنُونَةٌ وَأَنَّ حَدَّهَا أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِمَنْخِرَيْهِ يَصْعَدُ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ نَقَضَ وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى صِمَاخِ الْأُذُنِ يَكُونُ حَدَثًا
وَفِي الصِّحَاحِ صِمَاخُ الْأُذُنِ خَرْقُهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِكَوْنِهِ يُنْدَبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَكَذَا إذَا افْتَصَدَ وَخَرَجَ دَمٌ كَثِيرٌ وَسَالَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ، فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِكَوْنِهِ وَصَلَ إلَى ثَوْبٍ أَوْ مَكَان يَلْحَقُهُمَا حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ كَلَامَ كَثِيرٍ مِنْ الشَّارِحِينَ؛ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ خَرَجَ مِنْ جُرْحٍ فِي الْعَيْنِ دَمٌ فَسَالَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهَا لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمٌ هُوَ وُجُوبُ التَّطْهِيرِ أَوْ نَدْبُهُ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ الْمُرَادُ أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعٍ تَجِبُ طَهَارَتُهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ وَقَوْلُ الْحَدَّادِيِّ إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ لَا يَنْقُضُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا يُسَنُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ حِينَئِذٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْعِبَارَاتِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ نَقَضَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ النَّقْضِ إذَا وَصَلَ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْهُ لَا بِالْمَفْهُومِ، وَالصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَشَايِخَ) تَعَقُّبٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ فَكَانَ جَمِيعُ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ إلَخْ حَيْثُ عَمَّ (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُمْ أَنْ يَتَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَوْ تُنْدَبُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا وَهْمٌ وَأَنَّى يُسْتَدَلُّ بِمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَدْ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا يَمْنَعُ هَذَا الِاسْتِخْرَاجَ فَقَالَ مَا لَفْظُهُ لَوْ نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ انْتَقَضَ بِخِلَافِ الْبَوْلِ إذَا نَزَلَ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَمْ يَظْهَرْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَفِي الْأَنْفِ وَصَلَ، فَإِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ.
وَقَدْ أَفْصَحُ هَذَا التَّعْلِيلُ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْقَصَبَةِ مَا لَانَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ لَوْ نَزَلَ الدَّمُ مِنْ الْأَنْفِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ وَحَمْلُ الْوُجُوبِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الثُّبُوتِ مِمَّا لَا دَاعِيَ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالصِّمَاخِ الْخِرَقُ الَّذِي يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الْجَنَابَةِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُنَافٍ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ أَنَّ مُلَاحَظَتَهَا فِي الْمُجَاوَزَةِ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَكَان يَقْتَضِي أَنَّ الدَّمَ إذَا وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ يُنْدَبُ تَطْهِيرُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ انْتَقَضَ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ فِي فُرُوعِهِمْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ تَنَبُّهِهَا بَلْ الْمُرَادُ بِالتَّجَاوُزِ السَّيَلَانُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ.
وَأَقُولُ: يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمِعْرَاجِ، فَإِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّ أَصْلَ الِاسْتِنْشَاقِ فَرْضٌ وَأَنْ يَبْقَى أَوَّلُ كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّقْضَ بِالْوُصُولِ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَأَنَّ اشْتِرَاطَ الْوُصُولِ إلَى مَا لَانَ مِنْهُ قَوْلُ زُفَرَ وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ مِنْهُ لِبَيَانِ الِاتِّفَاقِ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ مَا قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ مُلَاحَظَتَهَا فِي الْمُجَاوَزَةِ إلَخْ مِمَّا لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَضْلًا عَنْ اقْتِضَائِهِ مَا ذَكَرَهُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّجَاوُزِ السَّيَلَانُ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي آخَرِ كَلَامِهِ وَالْمُرَادُ بِالْوُصُولِ الْمَذْكُورِ سَيَلَانُهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا وَهْمَ فِي كَلَامِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُنَافِي تِلْكَ الزِّيَادَةَ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الثُّبُوتِ فَتَدَبَّرْ مُنْصِفًا
(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ) أَيْ لَمْ يَتَجَاوَزْ إلَى مَحَلِّ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ مِنْ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لَيُبَيِّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْبَدَنِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْمِيمِ السَّابِقِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنَّهُ لَوْ سَالَ إلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَبَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ مَثَلًا أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ غَيْرِهِ ذَلِكَ لَا يَنْتَقِضُ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ إبْدَالَ قَوْلِهِ أَوَّلًا فَنَاقِضٌ بِشَرْطِ أَنْ يَصِلَ إلَخْ بِقَوْلِنَا بِشَرْطِ أَنْ يَسِيلَ ظَاهِرُ الْبَدَنِ أَوْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعٍ تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَوْ تُنْدَبُ مِنْ الْبَدَنِ فَيَدْخُلُ فِي شَرْطِ السَّيَلَانِ ظَاهِرُ الْبَدَنِ مَسْأَلَةُ الِافْتِصَادِ حَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ وَمَسْأَلَةُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ مِمَّا سَالَ دَاخِلَهُ تَدْخُلُ فِي قَوْلِنَا أَوْ يَصِلَ إلَخْ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ أَيْ إلَى الْمَارِنِ وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي، فَإِنْ قُلْت لِمَ قُيِّدَ بِهَذَا الْقَيْدِ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ مَسْطُورَةٌ فِي الْكُتُبِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الدَّمَ إذَا نَزَلَ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَنْزِلَ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا الْقَيْدِ إذَنْ سِوَى التَّكْرَارِ بِلَا فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَدْ عُلِمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ فَتَجَاوَزَا إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ قُلْت بَيَانًا لِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ زُفَرَ لَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يَنْزِلْ الدَّمُ إلَى مَا لَانَ مِنْ
وَالْمُرَادُ بِالْوُصُولِ الْمَذْكُورِ سَيَلَانُهُ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ فَفِي الْمُحِيطِ حَدُّهُ أَنْ يَعْلُوَ وَيَنْحَدِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَفَخَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ، وَصَارَ أَكْبَرَ مِنْ رَأْسِهِ نَقَضَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
وَفِي الدِّرَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحَّ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَوْلَى، وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَوَرَّمَ رَأْسُ الْجُرْحِ فَظَهَرَ بِهِ قَيْحٌ وَنَحْوُهُ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْوَرَمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْوَرَمِ فَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ ثُمَّ الْجُرْحُ وَالنَّفْطَةُ وَمَاءُ السُّرَّةِ وَالثَّدْيِ وَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَاءَ النَّفْطَةِ لَا يَنْقُضُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَفِيهِ تَوْسِعَةٌ لِمَنْ بِهِ جَرَبٌ أَوْ جُدَرِيٌّ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي التَّبْيِينِ وَالْقَيْحُ الْخَارِجُ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الصَّدِيدُ إنْ كَانَ بِدُونِ الْوَجَعِ لَا يَنْقُضُ، وَمَعَ الْوَجَعِ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْجُرْحِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا يَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ وَجَعٍ أَوْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ نَعَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مَاءً لَيْسَ غَيْرُ وَفِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ يَسِيلُ مِنْهُمَا الدُّمُوعُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا اهـ
وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عُلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ بِعَلَامَاتٍ تَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ فِي الْجُرْحِ فَأَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ أَكَلَهُ الذُّبَابُ فَازْدَادَ فِي مَكَانِهِ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَزِيدُ وَيَسِيلُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِنَفْسِهِ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ إذَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ تُرَابٌ أَوْ رَمَادٌ ثُمَّ ظَهَرَ ثَانِيًا وَتَرَّبَهُ ثُمَّ وَثُمَّ فَهُوَ كَذَلِكَ يَجْمَعُ كُلَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا، وَإِنَّمَا يَجْمَعُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَمَّا إذَا كَانَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ لَا يَجْمَعُ، وَلَوْ رَبَطَ الْجُرْحَ فَنَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى ضَاقَ لَا إلَى الْخَارِجِ نَقَضَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ
ــ
[منحة الخالق]
الْأَنْفِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ قَبْلَ ذَلِكَ. اهـ.
وَهُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِتَزْيِيفِ صَاحِبِ النَّهْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ
(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الدِّرَايَةِ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَوْلَى اهـ.
وَالْأَوَّلُ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَا ذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ ثَانِيًا ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَالنَّفِطَةُ) هِيَ الْقُرْحَةُ الَّتِي امْتَلَأَتْ وَحَانَ قَشْرُهَا، وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ انْتَفَطَ فُلَانٌ إذَا امْتَلَأَ غَضَبًا قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ تَنَفَّطَتْ يَدُ الرَّجُلِ إذَا رَقَّ جِلْدُهَا مِنْ الْعَمَلِ وَصَارَ فِيهَا كَالْمَاءِ وَالْكَفُّ نَفِيطَةٌ وَمَنْفُوطَةٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَهُ هَذَا أَيْ النَّقْضُ إذَا كَانَتْ النَّفِطَةُ أَصْلُهَا دَمًا وَقَدْ تَكُونُ مِنْ الِابْتِدَاءِ مَاءً (قَوْلُهُ: نَعَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فِيهِ أَنَّ الْمَاءَ مِنْ فُرُوعٍ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَنْضَحُ فَيَصِيرُ صَدِيدًا (قَوْلُهُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ إلَخْ) رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ رَاجِحٌ وَبِأَنَّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ وَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى قَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَذَلِكَ يَجْمَعُ كُلَّهُ) أَقُولُ: التَّشْبِيهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ مَا قَبْلَهُ لَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَلْ النَّظَرُ فِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَسَالَ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْخَارِجَ إذَا تُرِكَ رُبَّمَا لَا يَسِيل لِانْسِدَادِ الْمَخْرَجِ بِمَا خَرَجَ فَإِذَا مَسَحَهُ وَخَرَجَ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَسِيلُ وَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءٌ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَسْمُوحَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إذَا جُمِعَ رُبَّمَا يَكُونُ سَائِلًا
وَأَمَّا هَذَا فَيَقْتَضِي النَّقْضُ بِذَلِكَ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ ظَاهِرَةٌ وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا أَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا حَيْثُ يَجْمَعُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ هُوَ النَّظَرُ فِيهِ لَوْ تُرِكَ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة يَجْمَعُ جَمِيعَ مَا نَشَفَ فَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ سَالَ جُعِلَ حَدَثًا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ وَغَالِبِ الظَّنِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ رُبِطَ الْجُرْحُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ) أَقُولُ: يُفْهَمُ مِنْ هَذَا حُكْمُ مَاءِ الْحِمَّصَةِ لَوْ نَفَذَ إلَى الرِّبَاطِ وَيُقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْفَتْحِ فَالْحُكْمُ فِيهَا مَعَ السَّيَلَانِ وَعَدَمِهِ فَمَا لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ السَّيَلَانِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي مَحَالٍّ كَثِيرَةٍ لَا يُنَجَّسُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الْمُصَابَ لَا يَصِلُ مِنْهُ إلَيْهِ إلَّا بَلَلٌ غَيْرُ سَائِلٍ، وَهُوَ طَاهِرٌ وَكَذَا بَاقِي الْمَحَلِّ وَكَذَلِكَ إذَا أَصَابَ مَائِعًا لَا يُنَجِّسُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى وَكَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِيهَا رِسَالَةٌ لَا بَأْسَ بِذِكْرِ حَاصِلِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ سَرْدِ النُّقُولِ فَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّ مَاءَ الْحِمَّصَةِ الَّذِي لَا يَسِيلُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ طَاهِرٌ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَلَا الْخِرْقَةَ الْمَوْضُوعَةَ عَلَيْهِ وَلَا الْمَاءَ إذَا أَصَابَهُ فَلَوْ كَانَ لَهُ قُوَّةُ السَّيَلَانِ بِنَفْسِهِ يَكُونُ ذَلِكَ السَّائِلُ الْخَارِجُ نَجِسًا نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ
وَيَلْزَمُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الثَّوْبِ وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ الصَّلَاةُ حَالَ سَيَلَانِهِ، فَإِنَّهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ نَجِسٌ وَلَا يَصِيرُ بِهِ صَاحِبَ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ عُذْرِهِ وَلَوْ بِالرَّبْطِ وَالْحَشْوِ الَّذِي يَمْنَعُ خُرُوجَ النَّجَسِ وَصَاحِبُ الْحِمَّصَةِ الَّتِي يَسِيلُ الْخَارِجُ مِنْهَا بِوَضْعِهَا إذَا تَرَكَ الْوَضْعَ لَا يَبْقَى بِالْمَحِلِّ شَيْءٌ يَسِيلُ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ طَهَارَةٌ وَلَا صِحَّةُ صَلَاةٍ حِينَئِذٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَنْعِ بِتَرْكِ الْوَضْعِ فَلَا يَبْقَى مُخَلِّصٌ مَعَ الْوَضْعِ وَالسَّيَلَانِ إلَّا بِالتَّقْلِيدِ مَعَ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ فِي مَذْهَبِ مَنْ قَلَّدَهُ احْتِرَازًا عَنْ التَّفْلِيقِ الْبَاطِلِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْلَا الرِّبَاطُ سَالَ؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَوْ تَرَدَّدَ عَلَى الْجُرْحِ فَابْتَلَّ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَفِي الْمُحِيطِ مَصَّ الْقُرَادَ فَامْتَلَأَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَنْقُضُ كَمَا لَوْ مَصَّ الذُّبَابَ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا نَقَضَ كَمَصِّ الْعَلَقَةِ اهـ.
وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الدَّمَ فِي الْكَبِيرِ يَكُونُ سَائِلًا قَالُوا وَلَا يَنْقُضُ مَا ظَهَرَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَمْ يَرْتَقْ كَالنَّفْطَةِ إذَا قُشِّرَتْ وَلَا مَا ارْتَقَى عَنْ مَوْضِعِهِ وَلَمْ يَسِلْ كَالدَّمِ الْمُرْتَقِي مِنْ مَغْرِزِ الْإِبْرَةِ.
وَالْحَاصِلُ فِي الْخِلَالِ مِنْ الْأَسْنَانِ، وَفِي الْخُبْزِ مِنْ الْعَضِّ وَفِي الْإِصْبَعِ مِنْ إدْخَالِهِ فِي الْأَنْفِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَلَوْ اسْتَنْثَرَ فَسَقَطَتْ مِنْ أَنْفِهِ كُتْلَةُ دَمٍ لَمْ تَنْقُضْ وُضُوءَهُ، وَإِنْ قُطِرَتْ قَطْرَةُ دَمٍ انْتَقَضَ اهـ.
وَأَمَّا مَا سَالَ بِعَصْرٍ، وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُعْصَرْ لَمْ يَسِلْ قَالُوا لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَرَّجٌ، وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَنْقُضُ، وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْكَافِي؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ يَظْهَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَلْ لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهِ، فَصَارَ كَالْفَصْدِ كَيْفَ وَجَمِيعُ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ يُفِيدُ تَعْلِيقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُخْرَجِ اهـ.
وَضَعَّفَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْإِخْرَاجَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَلْزِمُهُ فَكَانَ ثُبُوتُهُ غَيْرَ قَصْدِيٍّ وَلَا مُعْتَبَرٍ بِهِ اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَحَادِيثَ ضَعَّفَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ وَالْقِيَاسُ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ اسْتَحَاضَ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدْعُ الصَّلَاةَ قَالَ لَا إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرْت فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ» قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ أَبِي ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَمَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ دُفِعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى مُشَاكَلَةِ الْأَوَّلِ لَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ قَائِلِ الْأَوَّلِ فَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ وَكُلُّ الدِّمَاءِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَبَيَانُهُ أَنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ شَرْعًا، وَقَدْ عُقِلَ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَنَّ زَوَالَ الطَّهَارَةِ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ أَنَّهُ نَجَسٌ خَارِجٌ مِنْ الْبَدَنِ إذَا لَمْ يَظْهَرُ لِكَوْنِهِ مِنْ خُصُوصِ السَّبِيلَيْنِ تَأْثِيرٌ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِمَا وَفِيهِ الْمَنَاطُ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ، فَالْأَصْلُ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَحُكْمُهُ زَوَالُ الطَّهَارَةِ وَعِلَّتُهُ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْبَدَنِ وَخُصُوصُ الْمَحَلِّ مُلْغًى وَالْفَرْعُ الْخَارِجُ النَّجِسُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَفِيهِ الْمَنَاطُ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ زَوَالُ الطَّهَارَةِ الَّتِي مُوجِبُهَا الْوُضُوءُ فَثَبَتَ أَنَّ مُوجِبَ هَذَا الْقِيَاسِ ثُبُوتُ زَوَالِ طَهَارَةِ الْوُضُوءِ، وَإِذَا صَارَ زَائِلَ الطَّهَارَةِ فَعِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ خِطَابُ الْوُضُوءِ، وَهُوَ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ
وَإِذَا صَارَ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَخُرُوجِهَا مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا اشْتَرَطْتُمْ فِي الْفَرْعِ السَّيَلَانَ أَوْ مِلْءَ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الْأَصْلِ فَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْضَ بِالْخُرُوجِ وَحَقِيقَتُهُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَذَلِكَ بِالظُّهُورِ فِي السَّبِيلَيْنِ يَتَحَقَّقُ وَفِي غَيْرِهِمَا بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ؛ لِأَنَّ بِزَوَالِ الْقِشْرَةِ تَظْهَرُ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا، فَتَكُونُ بَادِيَةً لَا خَارِجَةً وَالْفَمُ ظَاهِرٌ مِنْ وَجْهٍ بَاطِنٌ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ ظَاهِرًا فِي مِلْءِ الْفَمِ بَاطِنًا فِيمَا دُونَهُ.
(قَوْلُهُ: وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ قَيْءٌ مَلَأَ فَمَ الْمُتَوَضِّئِ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ لِمُخَالَفَتِهِ فِي حَدِّ الْخُرُوجِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْرِدْ الْخَارِجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْخَارِجِ مِنْهُمَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَضَعَّفَهُ فِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَنْك أَنَّ تَضْعِيفَ الْعِنَايَةِ لَا يُصَادِمُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي حَاشِيَةِ أَخِي زَادَهْ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَوْلُهُ إذَا عَصَرَ الْقُرْحَةَ قَبْلَ عَدَمِ النَّقْضِ هَا هُنَا عَلَى اخْتِيَارِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْهِدَايَةِ وَذَهَبَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالسَّرَخْسِيِّ إلَى أَنَّ الْمَخْرَجَ نَاقِضٌ كَالْخَارِجِ قِيَاسًا عَلَى الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ وَمَصِّ الْعَلَقَةِ
وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الرِّفْقُ بِالنَّاسِ فِي الْأَوَّلِ وَتَحْقِيقُهُ عِنْدِي أَنَّ الْخُرُوجَ لَازِمُ الْإِخْرَاجِ وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ اللَّازِمِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَلْزُومِ فَيَحْصُلُ النَّاقِضُ حِينَئِذٍ لَا مَحَالَةَ فَافْهَمْ اهـ كَلَامُهُ.
وَأَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ هِيَ الْخُرُوجُ بِالطَّبْعِ وَالسَّيَلَانِ وَقَدْ انْتَفَى وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَذْكُورَاتِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا يَخْرُجُ الدَّمُ بَعْدَ قَطْعِ الْجِلْدَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ارْتِفَاعِ الْمَانِعِ حَتَّى صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَصَّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ الدَّمُ بَعْدَ سُقُوطِ الْعَلَقَةِ لَا يَنْقُضُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْخُرُوجِ هِيَ الْعَصْرُ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ شَقَّ زِقِّ الْغَيْرِ ثُمَّ عَصْرَهُ وَالْمَصُّ يُشْبِهُ شَقَّهُ ثُمَّ تَرْكَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي اهـ.
وَإِذَا تَأَمَّلْت لَمْ يُعْجِزْك رَدُّ مَا أَتَى بِهِ فَتَأَمَّلْ قَالَهُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: أَيْ لَمْ يُعْجِزْك رَدُّ مَا وَجَّهَ بِهِ أَخِي زَادَهْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَكَانَ مُرَادُهُ بِهِ مَنْعَ قَوْلِهِ إنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ هِيَ الْخُرُوجُ بِالطَّبْعِ وَالسَّيَلَانِ بَلْ الْعِلَّةُ هِيَ كَوْنُهُ خَارِجًا نَجَسًا وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ تُفِيدُ تَعْلِيقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَخْرَجِ.
كَمَا فِي الْوَافِي لِمَا أَنَّ السَّيَلَانَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْخُرُوجِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِخِلَافِ مِلْءِ الْفَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ لِمَذْهَبِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ مِلْءِ الْفَمِ فَصُحِّحَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَا لَا يُمْكِنْ إمْسَاكُهُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَصُحِّحَ فِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّجَسَ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَيْءَ لَيْسَ إلَّا مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَصْحِبٌ لِلْجِنْسِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ فَلَا يَسْتَصْحِبُهُ؛ وَلِأَنَّ لِلْفَمِ بُطُونًا مُعْتَبَرًا شَرْعًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ انْتَقَلَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ فِي الْجَوْفِ وَظُهُورًا حَتَّى لَا يَفْسُدَ الصَّوْمُ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ فِيهِ فَرَاعَيْنَا الشَّبَهَيْنِ فَلَا يَنْقُضُ الْقَلِيلُ مُلَاحَظَةً لِلْبُطُونِ، وَيَنْقُضُ الْكَثِيرُ لِلْآخَرِ الْخُرُوجُ النَّجَسِ ظَاهِرًا
(قَوْلُهُ:، وَلَوْ مُرَّةً أَوْ عَلَقًا أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً) بَيَانٌ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ، وَالْعَلَقُ مَا اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ وَجَمُدَ أُطْلِقَ فِي الطَّعَامِ وَالْمَاءِ قَالَ الْحَسَنُ إذَا تَنَاوَلَ طَعَامًا أَوْ مَاءً ثُمَّ قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلْ وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا فَلَا يَكُونُ نَجَسًا وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَضَعَ وَقَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ أَمَّا لَوْ قَاءَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا، وَهُوَ فِي الْمَرِيءِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ قَاءَ دُودًا كَثِيرًا أَوْ حَيَّةً مَلَأَتْ فَاهُ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ بِهِ قَلِيلٌ، وَهُوَ غَيْرُ نَاقِضٍ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَنْ حَكَمَ بِنَجَاسَةِ الدُّودِ أَنْ يَنْقُضَ إذَا مَلَأَ الْفَمَ
(قَوْلُهُ: لَا بَلْغَمًا) عُطِفَ عَلَى مُرَّةٍ أَيْ لَا يَنْقُضُهُ بَلْغَمٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْجَوْفِ مَلَأَ الْفَمَ أَوْ لَا مَخْلُوطًا بِطَعَامٍ أَوْ لَا إلَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ مِلْءَ الْفَمِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ إنْ مَلَأَ الْفَمَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ فِي الْمَعِدَةِ بِالْمُجَاوَرَةِ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَزِجٌ صَقِيلٌ لَا يَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ، فَصَارَ كَالْبُزَاقِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْقَيْءِ قَلِيلٌ وَلَا يَرِدُ مَا إذَا وَقَعَ الْبَلْغَمُ فِي النَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ وَأَمَّا إذَا انْفَصَلَ قَلَّتْ ثَخَانَتُهُ وَازْدَادَتْ رِقَّتُهُ فَقَبِلَهَا هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبَلْغَمَ لَيْسَ نَجِسًا اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا نَجَّسَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَهُمَا حَكَمَا بِطَهَارَتِهِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْمَعِدَةِ فَانْدَفَعَ بِهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْبَلْغَمَ نَجِسٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ إحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ حَتَّى قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ مَنْ صَلَّى وَمَعَهُ خِرْقَةُ الْمُخَاطِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاسْتَوَى النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ وَالْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ، وَقَدْ قَالُوا لَا خِلَافَ فِي طَهَارَةِ الْأَوَّلِ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَقِيقَةِ بِأَنَّ جَوَابَ أَبِي يُوسُفَ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْمَعِدَةِ، وَأَنَّهُ حَدَثٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ وَجَوَابُهُمَا فِي الصَّاعِدِ مِنْ حَوَاشِي الْخَلْقِ وَأَطْرَافِ الرِّئَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ صَافِيًا غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالطَّعَامِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَصْعَدْ مِنْ الْمَعِدَةِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا، وَإِنْ كَانَ مَخْلُوطًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَعِدَ مِنْهَا، فَيَكُونُ حَدَثًا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّ الْبَلْغَمَ إذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِالطَّعَامِ لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ غَالِبًا بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ مَلَأَ الْفَمَ
أَمَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ مَغْلُوبًا فَلَا يَنْقُضُ مَعَ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مِنْ الْمَعِدَةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَإِنْ اسْتَوَيَا لَا يَنْقُضُ وَفِي صَلَاةِ الْمُحْسِنِ قَالَ الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ، وَلَوْ اسْتَوَيَا يُعْتَبَرُ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَجْزُ هَذَا أَوْلَى مِنْ عَجْزِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خان الْخِلَافُ فِي الْبَلْغَمِ، وَهُوَ مَا كَانَ مُنْعَقِدًا مُتَجَمِّدًا أَمَّا الْبُزَاقُ، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ مُتَجَمِّدًا فَلَا يَنْقُضُ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ يَعْقُوبُ بَاشَا أَنَّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْبَلْغَمِ مِنْ الْقَيْءِ قَلِيلٌ، وَهُوَ غَيْرُ نَاقِضٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ الْوُضُوءُ بِقَيْءِ الْبَلْغَمِ إذَا تَكَرَّرَ جِدًّا مَعَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَوْ السَّبَبِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ) أَقُولُ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ نَجِسٌ لِمُخَالَطَتِهِ النَّجَاسَةَ وَتَدَاخُلِهَا فِيهِ بِخِلَافِ الْبَلْغَمِ. اهـ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا قِيلَ إنَّ السَّوْدَاءَ إحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّهَا تُعَدُّ مِنْ الْأَخْلَاطِ لَا مِنْ الطَّبَائِعِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَطِبَّاءَ قَالُوا الْأَخْلَاطُ أَرْبَعَةٌ الدَّمُ وَالْمَرَّةُ السَّوْدَاءُ وَالْمَرَّةُ الصَّفْرَاءُ وَالْبَلْغَمُ فَطَبْعُ الْأَوَّلِ حَارٌّ رَطْبٌ وَالثَّانِي بَارِدٌ يَابِسُ وَالثَّالِثُ حَارٌّ يَابِسٌ وَالرَّابِعُ بَارِدٌ رَطْبٌ فَعُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ طَبْعًا لَا أَنَّ ذَاتَه طَبْعٌ اهـ.
فَمَا ذَكَرَهُ فِي السَّوْدَاءِ يَجْرِي فِي الْبَلْغَمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ غَالِبًا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لَا يَنْقُضُ رَاجِعٌ إلَى الْبَلْغَمِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّعَامُ غَالِبًا يَكُونُ النَّاقِضُ هُوَ الطَّعَامَ لَا الْبَلْغَمَ وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ قَاءَ طَعَامًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مُخْتَلِطًا بِالْبَلْغَمِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ نَقَضَ وُضُوءَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْبَلْغَمِ، وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ الْبَلْغَمُ بَلَغَ مِلْءَ الْفَمِ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ اهـ. أَيْ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَهُمَا.
وَيَبْلُغُ بِالْجَمْعِ حَدَّ الْكَثْرَةِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ الظَّاهِرُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَهَلَكٍ أَمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا مُسْتَهْلَكًا فَلَا وَصَرَّحُوا فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ أَنَّ نَجَاسَةَ الْقَيْءِ مُغَلَّظَةٌ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَاءَ طَعَامًا أَوْ مَاءً فَأَصَابَ إنْسَانًا شِبْرًا فِي شِبْرٍ لَا يَمْنَعُ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ. اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُخَفَّفَةٌ وَحَمَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى مَا إذَا قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَاهِرٌ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ وَأَلْحَقُوا بِالْقَيْءِ مَاءَ فَمِ النَّائِمِ إذَا صَعَدَ مِنْ الْجَوْفِ بِأَنْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ مُنْتِنًا، وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي نَصْرٍ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ طَهَارَتَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجِسٌ، وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ فَظَاهِرٌ اتِّفَاقًا وَفِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَيْفَمَا كَانَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(قَوْلُهُ: أَوْ دَمًا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُصَاقُ) مَعْطُوفًا عَلَى الْبَلْغَمِ أَيْ لَا يُنْتَقَضُ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْفَمِ الْمَغْلُوبُ بِالْبُصَاقِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ كُلَّهُ بُزَاقٌ قُيِّدَ بِغَلَبَةِ الْبُزَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَغْلُوبًا وَالدَّمُ غَالِبٌ نَقَضَ؛ لِأَنَّهُ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا نَقَضَ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ سَيَلَانِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ أَسَالَهُ غَيْرُهُ فَوُجِدَ الْحَدَثُ مِنْ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ الشَّكِّ وَلَا عِبْرَةَ لَهُ مَعَ الْيَقِينِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالُوا عَلَامَةُ كَوْنِ الدَّمِ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا أَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ خَارِجًا مِنْ الْفَمِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ مَائِعًا غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِشَيْءٍ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْقُضُ إنْ مَلَأَ الْفَمَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ نَقَضَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الدَّمِ فَيَكُونُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَهُمَا قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ مُحَمَّدٌ وَكَذَا فِي السَّرَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَجِيزِ، وَلَوْ كَانَ مَائِعًا نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا، وَلَوْ كَانَ عَلَقًا مُتَجَمِّدًا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ
وَأَمَّا الصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلَطِ بِالْبُزَاقِ فَحُكْمُهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ الْمُخْتَلِطِ بِالْبُزَاقِ لَا فَرْقَ فِي الْمَخْلُوطِ بِالْبُزَاقِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ الْفَمِ أَوْ الْجَوْفِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِينَ كَصَاحِبِ الْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَجَامِعِ قَاضِي خان وَالْكَافِي وَالْيَنَابِيعِ وَالْمُضْمَرَاتِ وَصَرَّحَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجُمَعِ أَنَّ الدَّمَ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ إذَا غَلَبَهُ الْبُزَاقُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الدَّمَ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلِطَ بِالْبُزَاقِ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَلَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيَبْلُغُ بِالْجَمْعِ حَدَّ الْكَثْرَةِ) أَيْ يَبْلُغُ مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْقَيْءِ حَدَّهَا (قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) عِبَارَتُهُ هَكَذَا وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا فَحُشَ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُ الْمُتَّصِلِ بِهِ الْقَدْرُ الْمَانِعُ، وَبِمَا دُونَهُ مَا دُونَهُ انْتَهَتْ فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ اتِّصَالِ الْقَدْرِ الْمَانِعِ، وَهُوَ مِلْءُ الْفَمِ فَلَا وَجْهَ لِلرَّدِّ وَالتَّخْطِئَةِ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ بِأَنَّ النَّجِسَ إذَا اتَّصَلَ بِالطَّاهِرِ يَصِيرُ نَجِسًا اهـ.
أَيْ بِخِلَافِ الْبَلْغَمِ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لِلُزُوجَتِهِ لَا تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ كَمَا مَرَّ؛ فَلِذَا اُعْتُبِرَ مِلْءُ الْفَمِ فِيمَا خَالَطَهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ عَلَقًا إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ فَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ مَائِعًا الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ مَائِعًا أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَقًا نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ دَمًا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَاءَ دَمًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْجَوْفِ سَائِلًا أَوْ عَلَقًا فَالسَّائِلُ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ يَنْقُضُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَلَّ وَالصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ مَلَأَ الْفَمَ وَالْعَلَقُ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ الصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَمْلَأَ الْفَمَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الدَّمَ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ إلَخْ) اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ بِمَا مَعْنَاهُ لَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ بَلْ ذَكَرَ الدَّمَ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الِاخْتِلَاطِ اهـ.
وَأَقُولُ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ قَاءَ دَمًا إنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ عَلَقًا يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سَوْدَاءُ احْتَرَقَتْ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا نَقَضَ، وَإِنْ قَلَّ ثُمَّ قَالَ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُصَاقُ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهُ وَاخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ اهـ.
فَذَكَرَ حُكْمَ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُزَاقُ ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ نَفْسِ الْفَمِ
فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ إلَخْ فَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ خَرَجَ يَعْنِي الدَّمُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ غَلَبَ الْبُزَاقُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهُ إلَخْ، فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَ تَفَاصِيلَهُ الدَّمَ لَا بِهَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ تَفَاصِيلَهُ مَا إذَا كَانَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا مَلَأَ الْفَمَ أَوْ لَا وَاَلَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُزَاقُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْفَمِ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْنَا وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْقَلِيلِ مَا لَا يَمْلَأُ الْفَمَ وَبِالْكَثِيرِ مَا يَمْلَؤُهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْجَوْفِ لَا يُخَالِطُهُ الْبُزَاقُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْفَمِ؛ لِأَنَّ الْبُزَاقَ
يَخْفَى عَدَمُ صِحَّتِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ مَعَ عَدَمِ تَعَقُّلِ فَرْقٍ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ وَالْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلِطَيْنِ بِالْبُزَاقِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرُوا هُنَا أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَعِدَةِ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا كَالدَّمِ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَمَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَعِدَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُصُولَ الطَّعَامِ إلَيْهَا مِنْهُ فَكَانَ مِنْهَا لِاتِّصَالِهِ بِهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا فِي حَقِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا إذَا كَانَ قَلِيلًا بِخِلَافِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ بِمَوْضِعِهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حُكْمِ الدَّمِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الطَّاهِرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْبُزَاقِ عُرُوقُ الدَّمِ فَهُوَ عَفْوٌ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ اسْتَعَطَ فَخَرَجَ السَّعُوطُ إلَى الْفَمِ إنْ مَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ
وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ لَا يَنْقُضُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثُمَّ خَرَجَ، وَإِلَّا فَهُوَ لَمْ يَصِلْ إلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ خِلَافٌ فِي النَّقْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَوَجْهُهُ الْقَوْلُ بِالنَّقْضِ بِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ: عَلَامَةُ كَوْنِهِ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَالتَّغَيُّرُ أَنْ يَسْتَحِيلَ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَحِينَئِذٍ يَكُون نَجِسًا وَالْبُزَاقُ بِالزَّايِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ لُغَاتٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الصَّوْمِ كَحُكْمِ الْوُضُوءِ هُنَا حَتَّى إذَا ابْتَلَعَ الْبُصَاقَ وَفِيهِ دَمٌ إنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا أَوْ كَانَا سَوَاءً أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ) أَيْ مُتَفَرِّقَ الْقَيْءِ وَصُورَتُهُ لَوْ قَاءَ مِرَارًا كُلُّ مَرَّةٍ دُونَ مَلْءِ الْفَمِ، وَلَوْ جَمَعَ مَلَأَ الْفَمَ يُجْمَعُ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ إنْ اتَّحَدَ السَّبَبُ، وَهُوَ الْغَثَيَانُ، وَهُوَ مَصْدَرُ غَثَتْ نَفْسُهُ إذَا جَاشَتْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ لَا يُجْمَعُ وَتَفْسِيرُ اتِّحَادِهِ أَنْ يَقِيءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ وَإِنْ قَاءَ ثَانِيًا بَعْدَ سُكُونِ النَّفْسِ كَانَ مُخْتَلِفًا، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْمَعُ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَعْنِي اتِّحَادَ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْمَجْلِسُ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ؛ لِأَنَّ لِلْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ؛ وَلِهَذَا تَتَّحِدُ الْأَقْوَالُ الْمُتَفَرِّقَةُ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَكَذَلِكَ التِّلَاوَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ لِآيَةِ السَّجْدَةِ تَتَّحِدُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَلِمُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ عَلَى حَسَبِ ثُبُوتِ السَّبَبِ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَيَتَّحِدُ بِاتِّحَادِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا جُرِحَ جِرَاحَاتٍ وَمَاتَ مِنْهَا قَبْلَ الْبُرْءِ يَتَّحِدُ الْمُوجِبُ، وَإِنْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ اخْتَلَفَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي:
وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا تُرِكَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلضِّرْوَةِ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ لَانْتَفَى التَّدَاخُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ تِلَاوَةٍ سَبَبٌ وَفِي الْأَقَارِيرِ اُعْتُبِرَ الْمَجْلِسُ لِلْعُرْفِ وَفِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ
لِدَفْعِ الضَّرَرِ
اهـ.
ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَتَّحِدَ السَّبَبُ وَالْمَجْلِسُ أَوْ يَتَعَدَّدَ أَوْ يَتَّحِدَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَفِي الْأَوَّلِ يُجْمَعُ اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِي لَا يُجْمَعُ اتِّفَاقًا وَفِي الثَّالِثِ يُجْمَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الرَّابِعِ يُجْمَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ نَقَلُوا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مَسْأَلَةً اعْتَبَرَ فِيهَا مُحَمَّدٌ الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ السَّبَبَ، وَهِيَ رَجُلٌ نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ إصْبَعِ نَائِمٍ ثُمَّ أَعَادَهَا إنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ النَّوْمِ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَهَا ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُ فَأَعَادَهَا فِي النَّوْمَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَبَهَ وَجَبَ رَدُّهَا إلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ حَتَّى نَامَ لَمْ يَبْرَأْ بِالرَّدِّ إلَيْهِ، وَهُوَ نَائِمٌ بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هُنَاكَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى نَائِمٍ وَهُنَا لَمَّا اسْتَيْقَظَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى مُسْتَيْقِظٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى النَّائِمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ
وَإِنْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظَتُهُ، فَإِنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَرَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَالسَّبَبِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَاقِعَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا قَوْلًا وَقَالَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ: مِنْ الْغَصْبِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّحْوِيلِ اهـ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ
ــ
[منحة الخالق]
مَحَلُّهُ الْفَمُ لَا الْجَوْفُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ وَالْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ قَالَ الْخَارِجُ مِنْ الْفَمِ إنَّمَا كَانَ سَيَلَانُهُ بِسَبَبِ الْبُزَاقِ وَجَعَلَ غَلَبَتَهُ عَلَى الْبُزَاقِ دَلِيلَ سَيَلَانِهِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْفَمِ إلَّا إذَا كَانَ سَائِلًا بِنَفْسِهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَبِهِ يُرَجَّحُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى كَلَامِ ابْنِ مَلَكٍ وَيَظْهَرُ أَنَّ إطْلَاقَ كَلَامِ الشَّارِحِينَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا كَالدَّمِ إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ الْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلِطِ بِالْبُزَاقِ إذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ كَمَا قَدَّمَهُ.
السَّبَبِ أَوْ الْمَجْلِسِ، فَإِنَّ النَّوْمَ لَيْسَ سَبَبًا فِي بَرَاءَتِهِ بَلْ السَّبَبُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ لَكِنْ أَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَيْهِ، وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَامَ ثَانِيًا يَبْرَأُ وَمُحَمَّدٌ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَقَدْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الْمَعِدَةِ فَلَا بَأْسَ بِضَبْطِهَا، وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(قَوْلُهُ: وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ) بَيَانٌ لِلنَّوَاقِضِ الْحُكْمِيَّةِ بَعْدَ الْحَقِيقِيَّةِ وَالنَّوْمُ فَتْرَةٌ طَبِيعِيَّةٌ تَحْدُثُ فِي الْإِنْسَانِ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَتَمْنَعُ الْحَوَاسَّ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ عَنْ الْعَمَلِ مَعَ سَلَامَتِهَا وَاسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ مَعَ قِيَامِهِ فَيَعْجِزُ الْعَبْدُ عَنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي النَّوْم طَرِيقَتَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَتَبِعَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ إحْدَاهُمَا أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِنَاقِضٍ إنَّمَا النَّاقِضُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مُقَامَهُ كَمَا فِي السَّفَرِ وَكَمَا إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ وَشَكَّ فِي وُضُوئِهِ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْخَلَاءِ بِالتَّبَرُّزِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ عَيْنَهُ نَاقِضٌ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْأَوَّلَ فَاخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاقِضًا لَاسْتَوَى وُجُودُهُ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا فَمَا فِي التَّوْشِيحِ مِنْ أَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ اتِّفَاقًا فِيهِ نَظَرٌ، وَلَمَّا كَانَ النَّوْمُ مَظِنَّةَ الْحَدَثِ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى مَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ الِاسْتِرْخَاءُ عَلَى الْكَمَالِ، وَهُوَ فِي الْمُضْطَجِعِ وَالِاضْطِجَاعُ وَضْعُ الْجَنْبِ عَلَى الْأَرْضِ يُقَالُ ضَجَعَ الرَّجُلُ إذَا وَضَعَ جَنْبَهُ بِالْأَرْضِ وَاضْطَجَعَ مِثْلُهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ وَالنَّائِمُ الْمُسْتَلْقِي عَلَى وَجْهِهِ
وَأَمَّا مَنْ نَامَ وَاضِعًا أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَصَارَ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ عَلَى وَجْهِهِ وَاضِعًا بَطْنَهُ عَلَى فَخِذَيْهِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَعَزَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي غَيْرِهَا لَوْ نَامَ مُتَرَبِّعًا وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذَيْهِ نُقِضَ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ قَاعِدًا وَاضِعًا أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ قَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ وَأَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الْأَصَحُّ أَطْلَقَ فِي الْمُضْطَجِعِ فَشَمِلَ الْمَرِيضَ إذَا نَامَ فِي صَلَاتِهِ مُضْطَجِعًا وَفِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ نَوْمَهُ قَاعِدًا كَنَوْمِ الصَّحِيحِ قَائِمًا، وَأَمَّا التَّوَرُّكُ فَلَفْظٌ مُشْتَرَكٌ، فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى أَنَّ جِلْسَتَهُ تَكْشِفُ عَنْ الْمَخْرَجِ كَمَا إذَا نَامَ عَلَى أَحَدِ وِرْكَيْهِ أَوْ مُعْتَمِدًا عَلَى أَحَدِ مِرْفَقَيْهِ فَهَذَا نَاقِضٌ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِدَلِيلِ مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْكَافِي
وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى أَنْ يَبْسُطَ قَدَمَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ فَهَذَا غَيْرُ نَاقِضٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِنَادَ إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَقْعَدَتُهُ زَائِلَةً عَنْ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ النَّقْضَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَقْعَدَتُهُ زَائِلَةً، فَإِنَّهُ يُنْقَضُ اتِّفَاقًا، وَهُوَ بِمَعْنَى التَّوَرُّكِ فَلِذَا تَرَكَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ نَامَ عَلَى رَأْسِ التَّنُّورِ وَهُوَ جَالِسٌ قَدْ أَدْلَى رِجْلَيْهِ كَانَ حَدَثًا وَفِي الْمُبْتَغَى، وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يُنْقَضُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ عَلَى دَابَّةٍ، وَهِيَ عُرْيَانَةٌ قَالُوا إنْ كَانَ فِي حَالَةِ الصُّعُودِ وَالِاسْتِوَاءِ لَا يَكُونُ حَدَثًا، وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْهُبُوطِ يَكُونُ حَدَثًا؛ لِأَنَّ مَقْعَدَتَهُ مُتَجَافِيَةٌ عَنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ اهـ.
وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا حَدَثًا فَهُوَ بِمَعْنَى التَّوَرُّكِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِنَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَالْمُتَوَرِّكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ نَوْمُ الْقَائِمِ وَلَا الْقَاعِدِ، وَلَوْ فِي السِّرَاجِ أَوْ الْمَحْمَلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا الرَّاكِعِ وَلَا السَّاجِدِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ
وَإِنْ كَانَ خَارِجَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا فِي السُّجُودِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الِاسْتِمْسَاكَ بَاقٍ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْأَوَّلَ) وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ عَنْ شَخْصٍ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فَأَجَابَ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِنَاءً عَلَى هَذَا قَالَ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ نَاقِضٌ لَزِمَ نَقْضُ وُضُوءِ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ الرِّيحِ بِالنَّوْمِ اهـ.
أَقُولُ: وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَيْنُهُ أَيْ النَّوْمُ نَاقِضًا اتِّفَاقًا فِيمَنْ فِيهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ إذْ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ لَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ لَمْ يَنْقَضِ فَالْمُتَوَهِّمُ أَوْلَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَتَّبَ النَّقْضُ عَلَى وُجُودِ الِاسْتِمْسَاكِ وَعَدَمِهِ وَيُوَفَّقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِهِ وَيَلُوحُ ذَلِكَ مِنْ تَقْيِيدِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ وَاضِعًا أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِطْلَاقُ مَسْأَلَةِ التَّرَبُّعِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ نَوْمَهُ قَاعِدًا كَنَوْمِ الصَّحِيحِ) صَوَابُهُ؛ لِأَنَّ نَوْمَهُ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَا السَّاجِدُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ أَمْ لَا كَمَا يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) ، وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِطْلَاقِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ «الْعَيْنَانِ وِكَاءٌ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ انْطَلَقَ الْوِكَاءُ» وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ فَمُ الْقِرْبَةِ وَالسَّهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَيُحَرَّكُ الِاسْتُ جَمْعُهُ أَسْتَاهٌ وَبِالْكَسْرِ وَيُضَمُّ الْعَجُزُ أَوْ حَلْقَةُ الدُّبُرِ قَامُوسٌ
وَالِاسْتِطْلَاقَ مُنْعَدِمٌ بِخِلَافِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ فِيهَا بِالنَّصِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَفِي هَذَا كَالصُّلْبِيَّةِ وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ الصَّلَاةَ فَشَمِلَ مَا كَانَ عَنْ تَعَمُّدٍ وَمَا كَانَ عَنْ غَلَبَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا تَعَمَّدَ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ نُقِضَ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَفِي فَصْلِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ نَامَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ فَسَدَتْ فِي السُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ اهـ.
كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قِيَامِ الْمُسْكَةِ حِينَئِذٍ فِي الرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَفْصِلَ فِي ذَلِكَ السُّجُودِ إنْ كَانَ مُتَجَافِيًا لَا تَفْسُدْ، وَإِلَّا تَفْسُدْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى الْأَصَحِّ الْمُتَقَدِّمُ أَنْ لَا يَنْتَقِضَ بِالنَّوْمِ فِي السُّجُودِ مُطْلَقًا وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي جَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ النَّوْمَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَوْ تَعَمَّدَهُ وَلَكِنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ نَامَ قَاعِدًا فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ جَنْبُهُ الْأَرْضَ أَوْ عِنْدَ إصَابَةِ جَنْبِهِ الْأَرْضَ بِلَا فَصْلٍ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ تُزَايِلَ مَقْعَدَتُهُ الْأَرْضَ لَمْ تَنْقَضْ وُضُوءُهُ، وَإِنْ زَايَلَ مَقْعَدَتَهُ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَبِهَ انْتَقَضَ وَالْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ قِيلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَسَوَاءٌ سَقَطَ أَوْ لَمْ يَسْقُطْ وَإِنْ نَامَ جَالِسًا، وَهُوَ يَتَمَايَلُ رُبَّمَا تَزُولُ مَقْعَدَتُهُ عَنْ الْأَرْضِ وَرُبَّمَا لَا تَزُولُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَدَثًا، وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْتَيْقَظَ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ وَضَعَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ النَّقْضُ حَالَةَ النَّوْمِ فِي السُّجُودِ عَلَى غَيْرِ الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ هُوَ الْقِيَاسُ فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ الِاسْتِمْسَاكِ كَمَا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِيهَا وَاعْتُبِرَ فِي خَارِجِهَا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهَا، وَهُوَ لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ بِالنَّصِّ هَذَا فَهُوَ كَمَا تَرَى غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةَ مَا رُوِيَ وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ يُبَاهِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَلَائِكَتَهُ فَيَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ فِي طَاعَتِي» قَالَ: وَإِنَّمَا يَكُونُ جَسَدُهُ فِي الطَّاعَةِ إذَا بَقِيَ وُضُوءُهُ وَجُعِلَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْأَسْرَارِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ثُمَّ إنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَ النَّصَّ السَّابِقَ
وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ إنْ كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السُّجُودِ بِأَنْ كَانَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَإِلَّا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ، اهـ.
فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِيهِ يَعُودُ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا فِي السُّجُودِ إلَخْ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ إذْ هُوَ أَقْرَبُ وَالْأَحْسَنُ إرْجَاعُهُ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الضَّمِيرَ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى مَا هُوَ الْقِيَاسُ قَوْلُهُ الْآتِي مُقْتَضَى الْأَصَحِّ الْمُتَقَدِّمُ إلَخْ وَبِهِ سَقَطَ نِسْبَةُ السَّهْوِ إلَى الْمُؤَلِّفِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ إنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَمِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْضًا أَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ عَقْدِ الْفَرَائِدِ مَا نَصُّهُ إنَّمَا لَا يَفْسُدُ الْوُضُوءُ بِنَوْمِ السَّاجِدِ فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ قُيِّدَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَتْنِهِ نُورِ الْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَمِنْهَا نَوْمُ مُصَلٍّ وَلَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا إذَا كَانَ عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ هَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ الصَّلَاةَ) صَوَابُهُ النَّوْمَ بَدَلَ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ) وَحِينَئِذٍ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدْ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ نُقِضَ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ، وَهِيَ كَمَا تَرَى غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالسُّجُودِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت غَايَةَ الْبَيَانِ مَا نَصُّهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدْ النَّوْمَ فِي السُّجُودِ يَنْقُضُ، وَإِنْ غُلِبَتْ عَيْنَاهُ فَلَا يُنْقَضُ اهـ.
وَبِهِ يَتَرَجَّحُ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ فِي سُجُودِهَا فَقَطْ فَافْهَمْ ثُمَّ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ اعْتِرَاضُ هَذَا الْحَمْلِ بِقَوْلِهِ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ لِمَا فِي السِّرَاجِ لَوْ قَرَأَ أَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ نَائِمٌ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً لَا يَعْتَدّ بِهَا وَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ اهـ.
وَلَمْ يَحْكُمْ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْوُضُوءِ بِالنَّقْضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْبَحْرِ غُفُولًا عَنْ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.
أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ
بَطْنَ الْكَفِّ أَوْ ظَهْرَ الْكَفِّ مَا لَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ التَّيَقُّظِ اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ النُّعَاسَ مُضْطَجِعًا لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ وَأَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ: إنْ كَانَ لَا يَفْهَمُ عَامَّةَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ كَانَ حَدَثًا كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ لَا عَلَى الظَّاهِرِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي سُنَنِ الْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فَيَضَعُونَ جُنُوبَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّ النَّوْمَ مُضْطَجِعًا نَاقِضٌ إلَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ؛ وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَلَا يُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ «أَنَّهُ نَامَ لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ» ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانُ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ، وَلَيْسَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا هُوَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقَلْبِ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ، وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(قَوْلُهُ: وَإِغْمَاءٌ وَجُنُونٌ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ إغْمَاءٌ وَجُنُونٌ أَمَّا الْإِغْمَاءُ فَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْمَرَضِ يُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا أَيْ الْعَقْلَ بَلْ يَسْتُرُهُ بِخِلَافِ الْجُنُونِ، فَإِنَّهُ يُزِيلُهُ؛ وَلِذَا لَمْ يُعْصَمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْإِغْمَاءِ كَالْأَمْرَاضِ وَعُصِمَ مِنْ الْجُنُونِ، وَهُوَ كَالنَّوْمِ فِي فَوْتِ الِاخْتِيَارِ وَفَوْتِ اسْتِعْمَالِ الْقُدْرَةِ حَتَّى بَطَلَتْ عِبَارَاتُهُ بَلْ أَشَدُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ فَتْرَةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَإِذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ وَالْإِغْمَاءُ عَارِضٌ لَا يَتَنَبَّهُ صَاحِبُهُ إذَا نُبِّهَ فَكَانَ حَدَثًا بِكُلِّ حَالٍ؛ وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ النَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَدَثًا إلَّا إذَا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ غَايَةَ الِاسْتِرْخَاءِ فَغَلَبَ الْخُرُوجُ حِينَئِذٍ فَأُقِيمَ السَّبَبُ مَقَامَهُ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهَا عَدَمُهُ فَلَا يُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَهُ فَكَانَ عَدَمُ النَّقْضِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْخَارِجِ لَا يَنْقُضُ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ حَدَثًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَاقِضِيهِ: الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ يُقَالُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ وَغُمِّيَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ وَرَجُلٌ غَمًى أَيْ: مُغْمًى عَلَيْهِ وَكَذَا الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ وَقَدْ ثَنَّاهُ بَعْضُهُمْ وَجَمَعَهُ فَقَالَ رَجُلَانِ أَغْمَيَانِ وَرِجَالٌ أَغْمَاءٌ
وَأَمَّا الْجُنُونُ فَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ وَنَقْضُهُ ظَاهِرٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُبَالَاتِهِ وَتَمْيِيزِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَّلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِرْخَاءِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحِ فَالْأَوْلَى مَا قُلْنَاهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا الْعَتَهُ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ النَّوَاقِضِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ حَقِيقَتِهِ وَحُكْمِهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ آفَةٌ تُوجِبُ الِاخْتِلَالَ بِالْعَقْلِ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْرِبُ وَلَا يُشْتَمُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَفِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْمَنَارِ وَالْمُغْنِي وَالتَّوْضِيحِ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ مَعَ الْعَقْلِ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ فَيُوضَعُ عَنْهُ الْخِطَابُ وَفِي التَّقْوِيمِ لِأَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ مَعَ الْعَقْلِ إلَّا فِي الْعِبَادَاتِ فَإِنَّا لَمْ نُسْقِطْ عَنْهُ الْوُجُوبَ بِهِ احْتِيَاطًا فِي وَقْتِ الْخِطَابِ وَرَدَّهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ بِأَنَّهُ نَوْعُ جُنُونٍ فَمَنَعَ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى الْعَوَاقِبِ وَفِي أُصُولِ الْبُسْتِيِّ أَنَّ الْمَعْتُوهَ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ بِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا زَالَ الْعَتَهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ حَالًا وَبِقَضَاءِ مَا مَضَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرَجٌ كَالْقَلِيلِ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَقْضِي الْقَلِيلَ دُونَ الْكَثِيرِ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا فِيمَا قَبْلُ كَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ دُونَ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْهِنْدِيِّ وَظَاهِرُ
ــ
[منحة الخالق]
نَقْضُ الْوُضُوءِ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ عِبَارَةِ جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْفَسَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: لِأَنَّهُ نَوْمٌ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ) أَيْ الدَّقَّاقِ وَالرَّازِيِّ وَعِبَارَةُ التَّبْيِينِ: هَكَذَا وَالنُّعَاسُ نَوْعَانِ: ثَقِيلٌ: وَهُوَ حَدَثٌ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَخَفِيفٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِيهَا وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ يَسْمَعُ مَا قِيلَ عِنْدَهُ فَهُوَ خَفِيفٌ، وَإِلَّا فَهُوَ ثَقِيلٌ انْتَهَتْ وَلَيْسَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِالْفَهْمِ فَهُوَ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ إلَّا أَنْ يَعْتَبِرَ تَقْيِيدَ السَّمَاعِ بِالْفَهْمِ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ عَامَّةٍ الْمُشْعِرَةِ بِفَهْمِ الْبَعْضِ بَلْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ سَمَاعِ الْجَمِيعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ عَامَّةٌ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ لَكِنْ يَبْقَى فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَفْهَمُ جَمِيعَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ فَهُوَ نَائِمٌ لَا نَاعِسٌ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنِهِمَا عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ كَانَ يَسْهُو حَرْفًا أَوْ حَرْفَيْنِ فَلَا اهـ.
فَعَامَّةٌ لَيْسَ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ السَّمَاعُ عَلَى الْفَهْمِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَيُقَدَّرُ لَفْظُ أَكْثَرَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَيْ إنْ كَانَ يَفْهَمُ أَكْثَرَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ فَهُوَ خَفِيفٌ، وَإِلَّا فَهُوَ كَثِيرٌ فَيَتَوَافَقُ الْكَلَامَانِ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي سُنَنِ الْبَزَّارِ) أَيْ يُحْمَلُ النَّوْمُ فِيهِ عَلَى النُّعَاسِ.
كَلَامِ الْكُلِّ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّةِ أَدَائِهِ الْعِبَادَاتِ أَمَّا مَنْ جَعَلَهُ مُكَلَّفًا بِهَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُكَلَّفًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ عِبَادَاتِهِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَتَهَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ.
(قَوْلُهُ: وَسُكْرٌ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ سُكْرٌ وَهُوَ سُرُورٌ يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ فَيَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيلَهُ؛ وَلِذَا بَقِيَ أَهْلًا لِلْخِطَابِ وَقِيلَ إنَّهُ يُزِيلُهُ وَتَكْلِيفُهُ مَعَ زَوَالِ عَقْلِهِ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ عَلَيْهِ وَالتَّحْقِيقُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِهِ الْعَقْلُ فِي الرَّأْسِ وَشُعَاعُهُ فِي الصَّدْرِ وَالْقَلْبِ فَالْقَلْبُ يَهْتَدِي بِنُورِهِ لِتَدْبِيرِ الْأُمُورِ وَتَمْيِيزِ الْحَسَنِ مِنْ الْقَبِيحِ، فَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ خَلَصَ أَثَرُهَا إلَى الصَّدْرِ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُورِ الْعَقْلِ فَيَبْقَى الصَّدْرُ مُظْلِمًا فَلَمْ يَنْتَفِعْ الْقَلْبُ بِنُورِ الْعَقْلِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ سُكْرًا؛ لِأَنَّهُ سُكْرٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقْلِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ هُنَا فَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَالْيَنَابِيعِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَالتَّبْيِينِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَعَزَاهُ مِسْكِينٌ إلَى شَرْحِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ حَدَّهُ هُوَ حَدُّهُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ مَنْ حَصَلَ فِي مِشْيَتِهِ اخْتِلَالٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَشَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْمُضْمَرَاتِ وَشَرْحِ مِسْكِينٍ قَالُوا: وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَكْرَانَ، وَكَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قُلْنَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَالٍ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ أَنَّ السُّكْرَ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ الْمُسْكِرَ فَقَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ صَارَ فِي أَثْنَائِهَا إلَى حَالَةٍ لَوْ مَشَى فِيهَا يَتَحَرَّكُ.
(قَوْلُهُ: وَقَهْقَهَةُ مُصَلٍّ بَالِغٍ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ قَهْقَهَةٌ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ قِهْ قِهْ وَقَهْقَةٌ بِمَعْنًى وَاصْطِلَاحًا مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوَّلًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا لَيْسَتْ حَدَثًا، فَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِهَا عُقُوبَةً وَزَجْرًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي الْأَسْرَارِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَارِجًا نَجِسًا بَلْ هِيَ صَوْتٌ كَالْبُكَاءِ وَالْكَلَامِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ جَعَلَهَا حَدَثًا مَنَعَ جَوَازَ مَسِّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ وَمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عُقُوبَةً جَوَّزَ مَسَّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا هَكَذَا نُقِلَ الْخِلَافُ وَفَائِدَتُهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي لِمُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ وَسَلَامَتِهِ مِمَّا يُقَالُ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ نَجَاسَةً وَلَا سَبَبَهَا وَمُوَافَقَةَ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّهَا عَلَى مَا رَوَوْا لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأَمْرُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ؛ وَلِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي قَهْقَهَةِ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ وَصَحَّحُوا فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا أَوْجَبَتْ إعَادَةَ الْوُضُوءِ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ وَالنَّائِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَهَذَا يُرَجِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ سَوَّى فَخْرُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ كَلَامِ النَّائِمِ وَقَهْقَهَتِهِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَازِلِ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْقَهْقَهَةُ مِنْ النَّائِمِ مُفْسِدَةً لِلصَّلَاةِ لَا الْوُضُوءَ، وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا حَدَثًا لِلْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ فَتَبْقَى كَلَامًا بِلَا قَصْدٍ فَيُفْسِدُ كَالسَّاهِي بِهِ اهـ.
وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْمُبْتَغَى تَكَلُّمُ النَّائِمُ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْقَهْقَهَةِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ الْقَهْقَهَةَ كَلَامٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ قَهْقَهَةَ النَّائِمِ تُبْطِلُهُمَا وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ احْتِيَاطًا وَكَذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي النَّاسِي كَوْنُهُ فِي الصَّلَاةِ فَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ فِي السَّاهِي وَالنَّاسِي رِوَايَتَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِعَدَمِ النَّقْضِ أَنَّهُ كَالنَّائِمِ إذَا لَا جِنَايَةَ إلَّا بِالْقَصْدِ وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسُكْرٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَطْلَقَ السُّكْرَ فَشَمِلَ السُّكْرَ مِنْ مُبَاحٍ لِقَوْلِهِمْ السُّكْرُ مِنْ مُبَاحٍ كَالْإِغْمَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ إلَخْ) فِيهِ كَمَا قَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الثَّانِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَالِغٍ إذْ لَوْ كَانَتْ حَدَثًا لَاسْتَوَى فِيهَا الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ أَيْضًا فِي كِتَابَةِ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا حِلُّ الطَّوَافِ بِهَذَا الْوُضُوءِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ وَإِلْحَاقُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي إلَخْ) أَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ؛ وَلِذَا رَجَّحُوا عَدَمَ النَّقْضِ بِقَهْقَهَةِ النَّائِمِ اهـ.
لَكِنْ أَوْرَدَ أَنَّ فِيهِ تَبْعِيضَ الْأَحْكَامِ وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِبْطَالِهَا الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَقَطْ وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُ غَيْرِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا لِمُخَالَفَتِهَا لِلْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّ إبْطَالَهَا الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ بِهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى الصَّلَاةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْحُرْمَةُ فَقَطْ مَعَ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، وَهَذَا إبْطَالُ الْمَذْهَبِ لِمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يَرِدُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوبُ إعَادَةِ الْوُضُوءِ زَجْرًا مَعَ بَقَائِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا: إنَّهَا مُبْطِلَةٌ لِلْوُضُوءِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ سَوَّى فَخْرُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ كَلَامِ النَّائِمِ وَقَهْقَهَتِهِ) حِينَئِذٍ لَا مَحَلَّ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ هُنَا فَتَأَمَّلْ
الْقَائِلَةِ بِالنَّقْضِ لِمَا أَنَّ لِلصَّلَاةِ حَالَةً مُذَكِّرَةً لَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ نَاسِيًا مُفْسِدٌ لَهَا بِخِلَافِ النَّوْمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُتَوَضِّئًا أَوْ مُتَيَمِّمًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الْغُسْلَ وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ الَّذِي فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ فَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا تَنْقُضُ وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَقَاضِي خان النَّقْضَ عُقُوبَةً لَهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَفِي قَهْقَهَةِ الْبَانِي فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ الْوُضُوءِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ
وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِالنَّقْضِ قِيلَ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَلَا نِزَاعَ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ مُصَلٍّ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِ وَأَطْلَقَهَا فَانْصَرَفَتْ إلَى مَا لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ الْإِيمَاءِ لِعُذْرٍ أَوْ رَاكِبًا يُومِئُ بِالنَّفْلِ أَوْ بِالْفَرْضِ حَيْثُ يَجُوزُ فَلَا تَنْقُضُ الْقَهْقَهَة فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَكِنْ يَبْطُلَانِ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَاكِبًا يُومِئُ بِالتَّطَوُّعِ فِي الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ قَهْقَهَةَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِعَدَمِ جَوَازِ صَلَاتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْتَقِضُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ عِنْدَهُ، وَلَوْ نَسِيَ الْبَانِي الْمَسْحَ فَقَهْقَهَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ نُقِضَ وَبَعْدَهُ لَا يَنْقُضُ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ مَسَائِلِ الِامْتِحَانِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّهَا تَنْقُضُ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ عِنْدَ السَّلَامِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ ضَحِكَ الْقَوْمُ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ مُتَعَمِّدًا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَكَذَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ هُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ إذَا قَهْقَهُوا بَعْدَ سَلَامِهِ بَطَلَ وُضُوءُهُمْ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ هَلْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا
وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مَعًا أَوْ قَهْقَهَ الْقَوْمُ ثُمَّ الْإِمَامُ بَطَلَتْ طَهَارَةُ الْكُلِّ، وَإِنْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ أَوَّلًا ثُمَّ الْقَوْمُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ دُونَهُمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ طَهَارَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ عَمْدًا اهـ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ الْفَرْقَ بَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ عَمْدًا وَحَدَثِهِ عَمْدًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ قَاطِعٌ لِلصَّلَاةِ لَا مُفْسِدٌ لَهَا إذْ لَمْ يُفَوِّتْ شَرْطَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ، وَلَوْ مَسْبُوقًا فَيُنْقَضُ وُضُوءُهُمْ بِقَهْقَهَتِهِمْ بِخِلَافِ حَدَثِهِ عَمْدًا لِتَفْوِيتِهِ الطَّهَارَةَ فَأَفْسَدَتْ جُزْءًا يُلَاقِيه فَيَفْسُدُ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ كَذَلِكَ فَقَهْقَهَتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَنْقُضُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْحَدَثِ تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، وَلَوْ أَنَّ مُحْدِثًا غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَفَنِيَ الْمَاءُ فَتَيَمَّمَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَغْسِلُ بَاقِيَ الْأَعْضَاءِ وَيُصَلِّي وَعِنْدَهُمَا يَغْسِلُ جَمِيعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ هَلْ تُبْطِلُ مَا غُسِلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ؟ عِنْدَهُ لَا، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَإِذَا كَانَ شَرَعَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ وَبَطَلَ الْوَصْفُ ثُمَّ قَهْقَهَ مَنْ قَالَ بِبُطْلَانِ الْأَصْلِ لَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِالْقَهْقَهَةِ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِهِ انْتَقَضَتْ كَمَا إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَالتَّرْتِيبُ فَرْضٌ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ، وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ثُمَّ قَهْقَهَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا مَنْ قَهْقَهَ بَعْدَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ، وَكَذَا إذَا قَهْقَهَ بَعْدَ خُرُوجِهِ كَمَا إذَا سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَ الْقُعُودِ ثُمَّ قَهْقَهَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقُيِّدَ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ قَهْقَهَةَ الصَّبِيِّ لَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ لَكِنْ تُبْطِلُ صَلَاتَهُ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَنُقِلَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ نَقْضِ وُضُوئِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَاهُ الثَّانِي عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ دُونَ الصَّلَاةِ الثَّالِثُ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّهَا تُبْطِلُهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ ضَعِيفَيْنِ كَانَا كَالْعَدَمِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا إنَّمَا أَوْجَبَتْ إعَادَةَ الْوُضُوءِ عُقُوبَةً وَزَجْرًا وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي صَلَاةٍ كَامِلَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا فَلَا تَتَعَدَّى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَسِيَ الْبَانِي الْمَسْحَ فَقَهْقَهَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ نُقِضَ إلَخْ) أَيْ قَهْقَهَ فِي طَرِيقِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَدَمَ النَّقْضِ فِيهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمُخْتَارِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ النَّقْضَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ وَلَا مَسْبُوقًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمَأْمُومِينَ مَسْبُوقًا
إلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَصَلَاةِ الْبَانِي بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَلَاةِ النَّائِمِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا
وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا تَنْقُضُ أَصْلًا قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ نَقْضِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ ذَلِكَ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقَهْقَهَةُ فِي ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَتَرَدَّى فِي حُفْرَةٍ، وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَرَرٌ فَضَحِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْقَوْمِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا قِيلَ بِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ الضَّحِكُ بِالصَّحَابَةِ خَلْفَهُ قَهْقَهَةً أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُ الصَّحَابِيُّونَ وَالْمُنَافِقُونَ وَالْأَعْرَابُ الْجُهَّالُ فَالضَّاحِكُ لَعَلَّهُ كَانَ بَعْضَ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ بَعْضَ الْأَعْرَابِ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ كَمَا بَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ بِاللَّهْوِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ حُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ رضي الله عنهم، وَإِلَّا فَلَيْسَ الضَّحِكُ كَبِيرَةً وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ الصَّغَائِرِ بِمَعْصُومِينَ وَلَا عَنْ الْكَبَائِرِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ كَبِيرَةً اهـ.
وَالْمَنْقُولُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الصَّحَابَةَ عُدُولٌ فَهُمْ مَحْفُوظُونَ مِنْ الْمَعَاصِي وَقَيَّدَ بِالْقَهْقَهَةِ؛ لِأَنَّ الضَّحِكَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذَا أَصْلُهُ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْحَاءِ مَعَ فَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَعَمُّ مِنْ الْقَهْقَهَةِ، وَهِيَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ فَقَطْ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بَلْ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ
وَأَمَّا التَّبَسُّمُ، وَهُوَ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ أَصْلًا بِأَنْ تَبْدُوَ أَسْنَانُهُ فَقَطْ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُمَا «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَبَسَّمَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام وَأَخْبَرَهُ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْك مَرَّةً صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:«مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا تَبَسَّمَ، وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ» كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّبَسُّمَ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَا حُكْمَ لِلتَّبَسُّمِ وَقَدْ رَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِحَرْفَيْنِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عَمَلًا بِعَدَمِ تَبْعِيضِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْضُهُ وَقَعَ كُلُّهُ قِيَاسًا لِوُقُوعِهِ عَلَى ارْتِفَاعِهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَبَعَّضُ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحُكْمَ، وَهُوَ النَّقْضُ مُعَلَّقٌ بِالْقَهْقَهَةِ فَإِذَا وُجِدَ بَعْضُهَا لَا يُوجَدُ الْحُكْمُ وَلَا بَعْضُهُ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْضُهُ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ) يَعْنِي أَنَّ مِنْ النَّوَاقِضِ الْحُكْمِيَّةِ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ، وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَلَاقَى فَرْجُهُ فَرْجَهَا مَعَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ مُلَاقَاةَ الْفَرْجِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَذَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْ مُمَاسَّتَهُمَا وَشَرَطَ ذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا اهـ.
فَعُلِمَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْيَنَابِيعِ وَقَالَ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، وَهُوَ أَظْهَرُ اهـ.
فَقَوْلُ مَنْ قَالَ الظَّاهِرُ الِاشْتِرَاطُ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ لَا الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَ الْإِسْبِيجَابِيُّ اشْتِرَاطَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ حَدَثًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُقَامُ مُقَامَ الْمُسَبَّبِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمُسَبَّبِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَالْوَقْفُ عَلَى الْمُسَبَّبِ هُنَا مُمْكِنٌ بِلَا حَرَجٍ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ يَقَظَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِقَامَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا الْيُسْرِ بَائِعَ الْعَسَلِ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ إنِّي أَصَبْت مِنْ امْرَأَتِي كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ عَدَمُ مَذْيٍ مَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي مَقَامِ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ
وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ يَقُومُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ) الْمَذْكُورُ هُنَا ثَلَاثٌ لَكِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا.
مَقَامَ الْأَمْرِ الْبَاطِنِ وَذَلِكَ بِطَرِيقِ قِيَامِ هَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ مَقَامَ خُرُوجِ النَّجَسِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَفِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى هَذَا التَّصْحِيحِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُنْيَةِ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْغُلَامِ، وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَيْهِمَا، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَيْهَا أَيْضًا أَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ أَيْضًا قَالَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا إلَّا عَلَى الرَّجُلِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ ثَبَتَ لِلرِّجَالِ ثَبَتَ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ إلَّا مَا نُصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى الْأَصْلُ فِي النِّسَاءِ أَنْ لَا يُذْكَرْنَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْنَ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى شَكَوْنَ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إلَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مَخْصُوصًا بِهِنَّ كَمَسْأَلَةِ الصَّغِيرَةِ الْآتِيَةِ فِي الْغُسْلِ. اهـ.
وَلِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ عِبَارَاتِ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُقَيِّدُوا بِوُضُوءِ الرَّجُلِ فَكَانَ وُضُوءُهَا دَاخِلًا فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: لَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى خُرُوجِ نَجَسٍ أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الدُّودَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الدُّودَةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ بِلَّةٍ تَكُونُ مَعَهَا وَتَسْتَصْحِبُهَا وَتِلْكَ الْبِلَّةُ قَلِيلُ نَجَاسَةٍ وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ وَمِنْ غَيْرِهِمَا غَيْرُ نَاقِضَةٍ.
الثَّانِي: أَنَّ الدُّودَةَ حَيَوَانٌ، وَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْأَصْلِ وَالشَّيْءُ الطَّاهِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَقَضَ الْوُضُوءَ كَالرِّيحِ بِخِلَافِ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ:
الثَّالِثُ: أَنَّ الدُّودَةَ فِي الْجُرْحِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ انْفَصَلَ قِطْعَةٌ مِنْ اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَأَمَّا فِي السَّبِيلَيْنِ تَتَوَلَّدُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَتَكُونُ فِي الْخُرُوجِ كَالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدُّودَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ وَالْقُبُلِ وَالذَّكَرِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الدُّودَةَ مِنْ الْإِحْلِيلِ لَا تَنْقُضُ وَأَنَّ الدُّودَةَ مِنْ الْقُبُلِ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَفِي شَرْحِ مِسْكِينٍ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ الْجُرْحِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يُنَافِيه مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْجُرْحِ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَنْقُضُ كَمَا لَا يَخْفَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَسُّ ذَكَرٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الذَّكَرِ وَكَذَا مَسُّ الدُّبُرِ وَالْفَرْجِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الْمَسَّ لِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ إذَا كَانَ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ لَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِمَا رَوَتْ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَيُرَجَّحُ حَدِيثَ طَلْقٍ عَلَى حَدِيثِ بُسْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ الرِّجَالِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُمْ أَحْفَظُ لِلْعِلْمِ وَأَضْبَطُ؛ وَلِهَذَا جُعِلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ طَلْقٍ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ حَدِيثَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَتِلْكَ الْبِلَّةُ قَلِيلُ نَجَاسَةٍ إلَخْ) إطْلَاقُ النَّجَاسَةِ عَلَى الْقَلِيلِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ طَاهِرٌ، وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِهِمَا فَفِيهِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ أَشَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله نَجِسٌ أَوْ يُرِيدُ حَقِيقَتَهُ اللُّغَوِيَّةَ لَا الشَّرْعِيَّةَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْأَوَّلَ الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي مَادَّتُهُ مِنْ الْبَدَنِ.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ) الْمُرَادُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْأَصَابِعِ لَا خُصُوصُ الْأَصَابِعِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الشَّافِعِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَمَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ أَوْ مَحَلُّ قَطْعِهِ بِبَطْنِ كَفٍّ وَالْمُرَادُ بِبَطْنِ الْكَفِّ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِهِ مَا يَسْتَتِرُ عِنْدَ وَضْعِ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ قَالَ وَخَرَجَ بِبَطْنِ الْكَفِّ غَيْرُهُ كَرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الرَّاحَةِ وَاخْتَصَّ الْحُكْمُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، وَهُوَ الرَّاحَةُ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ التَّلَذُّذَ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ اهـ.
طَلْقٍ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ قَدْ عَلِمْت مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا حَدِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا تَرْجِيحًا لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ قُدُومَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْنِي مَسْجِدَهُ وَرَاوِي حَدِيثِ بُسْرَةَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فَغَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ وُرُودَ طَلْقٍ إذْ ذَاكَ ثُمَّ رُجُوعُهُ لَا يَنْفِي عَوْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُمْ قَدْ رَوَوْا عَنْهُ حَدِيثًا ضَعِيفًا مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَقَالُوا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام ذَكَرَ أَنَّ الذَّكَرَ قِطْعَةُ لَحْمٍ فَلَا تَأْثِيرَ لِمَسِّهِ فِي الِانْتِقَاضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ
وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا إنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسِّ فَوْقَ حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ سَأَلْته عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَائِلٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ تَعْلِيلَهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ «هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» يَأْبَى الْحَمْلَ وَالْبَضْعَةُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْقِطْعَةُ مِنْ اللَّحْمِ، وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ عَدَّ جَمَاعَةً لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْحَدِيثَ يَعْنِيَ حَدِيثَ بُسْرَةَ وَمَنْ رَأَيْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْهُمْ سَخِرْنَا مِنْهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ حَدِيثِ بُسْرَةَ بَاطِنًا أَنَّ أَمْرَ النَّوَاقِضِ مِمَّا يَحْتَاجُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ إلَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ النَّقْضَ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ وَفِي السُّنَنِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْقَاضِي السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرْنَا رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى الْحَافِظُ قَالَ اجْتَمَعْنَا فِي مَسْجِدِ الْحَنِيفِ أَنَا وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَتَنَاظَرْنَا فِي مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ وَتَقَلَّدَ قَوْلَهُمْ وَاحْتَجَّ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَاحْتَجَّ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ وَقَالَ لِيَحْيَى كَيْفَ تَتَقَلَّدُ إسْنَادَ بُسْرَةَ وَمَرْوَانَ أَرْسَلَ شُرْطِيًّا حَتَّى رَدَّ جَوَابَهَا إلَيْهِ وَقَالَ يَحْيَى وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ كِلَا الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا قُلْتُمَا فَقَالَ يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْ جَسَدِك فَقَالَ يَحْيَى عَمَّنْ قَالَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُذَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ فَابْنُ مَسْعُودٍ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ نَعَمْ وَلَكِنْ أَبُو قَيْسٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ مَا أُبَالِي مَسَسْتُهُ أَوْ أَنْفِي فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ عَمَّارٌ وَابْنُ عُمَرَ اسْتَوَيَا فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَذَا وَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَذَا اهـ.
وَإِنْ سَلَكْنَا طَرِيقَ الْجَمْعِ جُعِلَ مَسُّ الذَّكَرِ كِنَايَةً عَمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْبَلَاغَةِ يَسْكُتُونَ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَيَرْمِزُونَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَا هُوَ مِنْ رَوَادِفِهِ فَلَمَّا كَانَ مَسُّ الذَّكَرِ غَالِبًا يُرَادِفُ خُرُوجَ الْحَدَثِ مِنْهُ وَيُلَازِمُهُ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ كَمَا عَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ عَمَّا يُقْصَدُ لِأَجْلِهِ وَيَحِلّ فِيهِ فَيَتَطَابَقُ طَرِيقَا الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي التَّعْبِيرِ فَيُصَارُ إلَى هَذَا لِدَفْعِ التَّعَارُضُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ، وَهَذَا أَحَدُ مَا حُمِلَ بِهِ حَدِيثُ بُسْرَةَ فَقَالَ أَوْ الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدِ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي قَوْلِهِ الْوُضُوءُ قَبْلِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إذْ قَدْ عَلِمْت مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ بَلْ الَّذِي فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ بُسْرَةَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ بِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ) لَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَدَّمَهُ عَنْ شَرْحِ الْآثَارِ؛ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْهُمْ لَا تَقْتَضِي إفْتَاءَهُمْ بِهِ وَلَا أَنَّهُمْ يَرْوُونَهُ فَافْهَمْ