الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَقْرَأَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ أَقْرَأَهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَقَدَّمْنَا الْأَعْلَمَ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ يُفْتَقَرُ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَالْعِلْمَ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْمَذْهَبِ حَدِيثُ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» وَكَانَ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ» وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا وَهَذَا آخِرُ الْأَمْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَكْثَرُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَعْلَمِ فَإِنْ كَانَ مُتَبَحِّرًا فِي عِلْمِ الصَّلَاةِ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ فَهُوَ أَوْلَى اهـ.
وَقَيَّدَ فِي الْمُجْتَبَى الْأَعْلَمَ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَرِعًا وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِغَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ وَقَيَّدَ الشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا مِنْ الْقُرْآنِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ وَالْوَاجِبِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِالتَّرْكِ وَيُوَرِّثُ النُّقْصَانَ فِي الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَقْرَأُ) مُحْتَمِلٌ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَحْفَظُهُمْ لِلْقُرْآنِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ، الثَّانِي أَحْسَنَهُمْ تِلَاوَةً لِلْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ تَجْوِيدِ قِرَاءَتِهِ وَتَرْتِيلِهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَوْرَعُ) أَيْ الْأَكْثَرُ اجْتِنَابًا لِلشُّبُهَاتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى أَنَّ الْوَرَعَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ وَالتَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَرَعَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ الْهِجْرَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَلَمَّا انْتَسَخَتْ بَعْدَهُ أَقَمْنَا الْوَرَعَ مَقَامَهَا وَاسْتَثْنَى فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ نَسْخِ وُجُوبِهَا بَعْدَهُ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَكِنَّ الَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى مِنْهُ إذَا اسْتَوَيَا فِيمَا قَبْلَهَا.
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَسَنُّ) لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ وَلِصَاحِبٍ لَهُ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْهِجْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةً وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَنِّ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ قَوْلِهِ «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا» فَعَلَى هَذَا لَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي تَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ عَلَى الْأَسَنِّ وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي الْمُحِيطِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ وَالْآخَرُ أَوْرَعَ فَالْأَكْبَرُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِسْقٌ ظَاهِرٌ اهـ.
ــ
[منحة الخالق]
[الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة]
(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ إلَّا لِمُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَظَرَ فِيهِ بِرِوَايَةِ الْحَاكِمِ عِوَضَ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا وَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَوْ صَحَّ فَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَصَارَ الْحَاصِلُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَلَى مَا ادَّعَى وَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا أَوَّلًا يَقْتَضِي فِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مُتَبَحِّرٌ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ مُتَبَحِّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ وَمِنْهَا أَحْكَامُ الْكِتَابِ أَنَّ التَّقْدِمَةَ لِلثَّانِي لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ فِي الْفُرُوعِ عَكْسُهُ بَعْدَ إحْسَانِ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُفِيدُهُ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحْتَاجُ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالْقِرَاءَةَ لِرُكْنٍ وَاحِدٍ، وَثَانِيًا يَكُونُ النَّصُّ سَاكِتًا عَنْ الْحَالِ بَيْنَ مَنْ انْفَرَدَ بِالْعِلْمِ عَنْ الْأَقْرَئِيَّةِ بَعْدَ إحْسَانِ الْمَسْنُونِ وَمَنْ انْفَرَدَ بِالْأَقْرَئِيَّةِ عَنْ الْعِلْمِ لَا كَمَا ظَنَّ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَعْلَمُ مُطْلَقًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بَلْ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَقْرَئِيَّةُ وَالْأَعْلَمِيَّةُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْأَقْرَأِ الْأَعْلَمَ فَقَطْ أَيْ الَّذِي لَيْسَ بِأَقْرَأَ مَجَازًا فَيَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَقْرَأَ غَيْرَ أَنَّ الْأَقْرَأَ يَكُونُ أَعْلَمَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ إذْ ذَاكَ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ بِالْأَقْرَئِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ بِالْأَعْلَمِيَّةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا النَّصُّ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْحَالِ بَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: ذُكِرَ فِي الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ الْأَعْلَمُ أَوْلَى إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ حَافِظًا لِمِقْدَارِ الْوَاجِبِ أَيْضًا لِظُهُورِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَكْمِيلِ صَلَاتِهِ بَلْ حِفْظُ الْمَسْنُونِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَيْضًا اهـ.
أَقُولُ: بِاعْتِرَافِهِ أَنَّ الْمَسْنُونَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَيْضًا خَرَجَ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَرَجَعَ إلَى مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الْفَضَائِلِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَقْدَمُ وَرَعًا قُدِّمَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْأَرْبَعَةِ أَعْنِي الْعِلْمَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْوَرَعَ وَالسِّنَّ
وَقَدْ ذَكَرُوا أَوْصَافًا أُخَرَ فَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قَالُوا أَحْسَنُهُمَا خُلُقًا أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَأَحْسَنُهُمَا وَجْهًا أَوْلَى وَفَسَّرَ الشُّمُنِّيُّ الْخُلُقَ بِالْإِلْفِ بَيْنَ النَّاسِ وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَحْسَنَهُمْ وَجْهًا بِأَكْثَرِهِمْ صَلَاةً بِاللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَ الْمُحْدِثِينَ، وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ صَبَاحَةَ الْوَجْهِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ خَلْفَهُ وَقُدِّمَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَسَبُ عَلَى صَبَاحَةِ الْوَجْهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَشْرَفَهُمْ نَسَبًا وَزَادَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى ذَلِكَ أَوْصَافًا ثَلَاثَةً أُخْرَى وَهِيَ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَكْبَرَهُمْ رَأْسًا وَأَصْغَرَهُمْ عُضْوًا، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَكْثَرُهُمْ مَالًا أَوْلَى حَتَّى لَا يَطَّلِعَ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُهُمْ جَاهًا أَوْلَى وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ ثَانِيَ عَشَرَ وَهُوَ أَنْظَفُهُمْ ثَوْبًا وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسَافِرِ مَعَ الْمُقِيمِ قِيلَ هُمَا سَوَاءٌ وَقِيلَ الْمُقِيمُ أَوْلَى وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ فِي رَجُلَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَحَقِّيَّةِ إلَى أَنَّ الْقَوْمَ لَوْ قَدَّمُوا غَيْرَ الْأَقْرَأِ مَعَ وُجُودِهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَسَاءُوا وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُونَ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُونَا فِي بَيْتِ شَخْصٍ أَمَّا إذَا كَانَا فِي بَيْتِ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ وَيُؤَذِّنَ، وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا عَامَّةٌ كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقُ
وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيُقَدَّمُ الْوَالِي عَلَى الْجَمِيعِ وَعَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ وَصَاحِبِ الْبَيْتِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى مِنْ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ أَوْلَى مِنْ الْمُعِيرِ اهـ.
وَفِي تَقْدِيمِ الْمُسْتَعِيرِ نَظَرٌ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ بِخِلَافِ الْمُؤَجِّرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ إنْ كَانَتْ الْكَرَاهِيَةُ لِفَسَادٍ فِيهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ. اهـ.
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى الْقَوْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا نَاشِئَةٌ عَنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْرِيمِيَّةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ فِي صُورَةِ الْكَرَاهَةِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلَاةَ دِبَارًا» وَالدِّبَارُ أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ «وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرَهُ» كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا) بَيَانٌ لِلشَّيْئَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْكَرَاهَةِ أَمَّا الصِّحَّةُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ لِلصَّلَاةِ مَعَ أَدَاءِ الْأَرْكَانِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ أَفْسَقُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَوْ جَاءَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِخَبِيثَاتِهَا وَجِئْنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ لَغَلَبْنَاهُمْ وَإِمَامَةُ عِتْبَانُ بْنِ مَالِكٍ الْأَعْمَى لِقَوْمِهِ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاسْتِخْلَافُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى عَلَى الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى قِلَّةِ رَغْبَةِ النَّاسِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهَؤُلَاءِ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ الْمَطْلُوبِ تَكْثِيرُهَا تَكْثِيرًا لِلْأَجْرِ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ وَالْغَالِبُ عَلَى الْأَعْرَابِ الْجَهْلُ وَالْفَاسِقُ لَا يَهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ وَالْأَعْمَى لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الزِّنَا أَبٌ يُرَبِّيهِ وَيُؤَدِّبُهُ وَيُعَلِّمُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ. أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي هَؤُلَاءِ وَقَيَّدَ كَرَاهَةَ إمَامَةِ الْأَعْمَى فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ، فَإِنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ فَهُوَ أَوْلَى وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ تَقْدِيمُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الرِّجَالِ الصَّالِحِينَ لِلْإِمَامَةِ فِي الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْهُ حِينَئِذٍ وَلَعَلَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ أَفْضَلَ مَنْ كَانَ يَؤُمُّهُ
ــ
[منحة الخالق]
عَنْ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَأَكْبَرُهُمْ رَأْسًا وَأَصْغَرُهُمْ عُضْوًا) لِيَنْظُرَ مَا الْمُرَادُ بِالْعُضْوِ، وَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ بِمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْعَارِيَّةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ لَكِنْ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِهَا وَإِذَا رَجَعَ خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ.