المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَيَقُولُ يَا هَذِهِ أَبْلَغِي الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِك وَشُؤُونَ رَأْسِك وَهُوَ - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ١

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌[سَبَبُ وُجُوب الطَّهَارَةُ]

- ‌[أَحْكَام الْوُضُوء]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[أَرْكَانُ الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءُ]

- ‌[نَوَاقِض الْوُضُوء]

- ‌[أَحْكَام الْغُسْل]

- ‌[فَرَائِض الْغُسْل]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْل]

- ‌ آدَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَات الْغُسْل]

- ‌[الْغُسْل الْمُسِنُّونَ]

- ‌[الْغُسْل الواجب]

- ‌[أَحْكَام الْمِيَاه]

- ‌[الْوُضُوء بِمَاءِ السَّمَاءِ]

- ‌[الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ]

- ‌[مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ]

- ‌ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ

- ‌[صِفَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[حُكْم الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ]

- ‌[الطَّهَارَة بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْد الْفِيل إذَا دُبِغَ]

- ‌[التَّدَاوِي بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[طَهَارَة سُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[سُؤْرُ الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ]

- ‌ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم]

- ‌[شَرَائِط التَّيَمُّم]

- ‌كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ

- ‌سُنَنُ التَّيَمُّمِ

- ‌[نَوَاقِض التَّيَمُّم]

- ‌ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ

- ‌[رَجُلٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ]

- ‌[الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ]

- ‌ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ]

- ‌[بَيَان مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مَحَلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَمْنَع الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةُ الْقُرْحَةِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازُ]

- ‌[الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[كَيْفِيَّة الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الْحَيْضِ]

- ‌[مَا يَمْنَعهُ الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْض]

- ‌[الْمُحَيِّرَةِ فِي الْحَيْض]

- ‌[الْحُكْمِ فِيمَا لَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ]

- ‌[حَيْض الْمُبْتَدَأَة وَنِفَاسهَا]

- ‌[أَحْكَام النِّفَاسُ]

- ‌ أَقَلَّ النِّفَاسِ

- ‌(بَابُ الْأَنْجَاسِ)

- ‌[التَّطْهِيرُ بِالدُّهْنِ]

- ‌جِلْدَةُ آدَمِيٍّ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ

- ‌[طَهَارَة دَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ]

- ‌النَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ

- ‌[الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ مُنْقٍ]

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[آدَاب دُخُولَ الْخَلَاءِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّلَاة]

- ‌[أَوْقَات الصَّلَاة]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْفَجْرِ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعَصْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْمَغْرِبُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الظُّهْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِشَاءُ]

- ‌[الْأَوْقَات المنهي عَنْ الصَّلَاة فِيهَا]

- ‌[التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ)

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَة بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ

- ‌[جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌[أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ]

- ‌ أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ)

- ‌(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)

- ‌[تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاة]

- ‌ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ

- ‌[الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَكْبِير الْعِيدَيْنِ]

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ الْإِمَامَةِ)

- ‌[شَرَائِطِ صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[صِفَة الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا]

- ‌[جَمَاعَةُ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[وُقُوف الْمَأْمُومِينَ فِي الصَّلَاة خَلْف الْإِمَام]

- ‌[حُضُور النِّسَاء الْجَمَاعَاتِ ومَجَالِسِ الْوَعْظِ]

- ‌[اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي

- ‌ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ)

- ‌[اقْتِدَاء غَاسِلٍ بِمَاسِحٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ

- ‌(بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌[سَبَقَهُ حَدَثٌ وَكَانَ إمَامًا فِي الصَّلَاة]

- ‌[رَأَى الْإِمَام المُتَيَمِّمٌ مَاءً]

- ‌[اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ فِي الصَّلَاة]

الفصل: وَيَقُولُ يَا هَذِهِ أَبْلَغِي الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِك وَشُؤُونَ رَأْسِك وَهُوَ

وَيَقُولُ يَا هَذِهِ أَبْلَغِي الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِك وَشُؤُونَ رَأْسِك وَهُوَ مَجْمَعُ عِظَامِ الرَّأْسِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ مُعَارِضٌ لِلْكِتَابِ.

وَأَجَابَ تَارَةً بِالْمَنْعِ، فَإِنَّ مُؤَدَّى الْكِتَابِ غَسْلُ الْبَدَنِ وَالشَّعْرُ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مُتَّصِلٌ بِهِ نَظَرًا إلَى أُصُولِهِ فَعَلِمْنَا بِمُقْتَضَى الِاتِّصَالِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ حَتَّى قُلْنَا يَجِبُ النَّقْضُ عَلَى الْأَتْرَاكِ وَالْعَلَوِيِّينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِيصَالُ إلَى أَثْنَاءِ شَعْرِهَا إذَا كَانَ مَنْقُوضًا لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَبِمُقْتَضَى الِانْفِصَالِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ إذْ لَا يُمْكِنُهُنَّ حَلْقُهُ وَتَارَةً بِأَنَّهُ خَصَّ مِنْ الْآيَةِ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ فَيَخُصُّ بِالْحَدِيثِ بَعْدَهُ

وَأَمَّا أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما بِنَقْضِ النِّسَاءِ رُءُوسَهُنَّ إذَا اغْتَسَلْنَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إيجَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ فِي شُعُورٍ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهَا أَوْ يَكُونُ مَذْهَبًا لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ النَّقْضُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيّ أَوْ لَا يَكُونُ بَلَغَهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُنَّ بِذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا وهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ بَلُّهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بِلَّةٍ عَصْرَةٌ وَفِي صَلَاةِ الْبِقَالِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْحُسَامِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: الِاكْتِفَاءُ بِالْوُصُولِ إلَى الْأُصُولِ مَنْقُوضًا كَانَ أَوْ مَعْقُوصًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الذَّخِيرَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ الثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِالْوُصُولِ إلَى الْأُصُولِ إذَا كَانَ مَضْفُورًا وَوُجُوبُ الْإِيصَالِ إلَى أَثْنَائِهِ إذَا كَانَ مَنْقُوضًا وَمَشَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْكَافِي الثَّالِثُ وُجُوبُ بَلِّ الذَّوَائِبِ مَعَ الْعَصْرِ وَصُحِّحَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَوْ أَلْزَقَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا بِالصَّيَّبِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ وَجَبَ عَلَيْهَا إزَالَتُهُ وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَصَارَ كَمَاءِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ تَفْصِيلًا فِي غُسْلِ الْحَيْضِ فَقَالَ: إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَعَلَى الزَّوْجِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى وَطْئِهَا بَعْدَ الْغُسْلِ، وَإِنْ انْقَطَعَ لِعَشْرَةٍ فَعَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُحْتَاجَةُ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَا فَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ مَا قَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ: وَفَرْضٌ عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ عِنْدَ انْفِصَالِهِ) أَيْ وَفَرْضٌ الْغُسْلُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ إنْزَالَ الْمَنِيِّ وَنَحْوَهُ سَبَبٌ لَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ الْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ إلَى آخِرِهِ وَتَعَقَّبَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ مُوجِبَةٌ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْغُسْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ مِنْ عُلَمَائِنَا، فَإِنَّهَا تَنْقُضُهُ فَكَيْفَ تُوجِبُهُ وَرَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْغُسْلَ يَجِبُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي مُوجِبَةً لِوُجُودِ الْغُسْلِ لَا لِوُجُوبِهِ وَرُدَّ أَيْضًا بِأَنَّهَا تَنْقُضُ مَا كَانَ وَتُوجِبُ مَا سَيَكُونُ فَلَا مُنَافَاةَ.

وَأَجَابَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَيْضًا بِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ شُرُوطٌ فِي الْوُجُوبِ لَا أَسْبَابٌ فَأُضِيفَ الْوُجُوبُ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا كَقَوْلِهِمْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ وَالْوُجُوبُ وَالشَّرْطُ يُضَافُ إلَيْهِ الْوُجُودُ فَشَارَكَ الشَّرْطُ السَّبَبَ فِي الْوُجُودِ وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَ مَنِيٍّ وَلَمْ يَقُلْ بِمَنِيٍّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْغُسْلِ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْإِنْزَالِ وَالِالْتِقَاءِ

وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْلِ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْغُسْلَ يَجِبُ إذَا وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي وُجِدَتْ الْإِرَادَةُ أَوَّلًا فَكَيْفَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَبْلَغِي الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِك وَشُؤُونَ رَأْسِك إلَخْ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَالشُّؤُونُ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ فِي الْأَصْلِ الْخُطُوطُ الَّتِي فِي عَظْمِ الْجُمْجُمَةِ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ شُعَبِ عِظَامِهَا الْوَاحِدُ شَأْنٌ وَالْمُرَادُ هَا هُنَا أُصُولُ شَعْرِ رَأْسِهَا (قَوْلُهُ: مَنْقُوضًا كَانَ أَوْ مَعْقُوصًا) أَيْ مَضْفُورًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَقَصَ شَعْرَهُ يَعْقِصُهُ ضَفَّرَهُ وَفَتَلَهُ وَالْعِقْصَةُ بِالْكَسْرِ الْعَقِيصَةُ وَالضَّفِيرَةُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الذَّخِيرَةِ) أَيْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ، وَهَذَا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اهـ.

فَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ ظَاهِرُ الْمَتْنِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي اهـ.

[مُوجِبَات الْغُسْل]

(قَوْلُهُ: يَجِبُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ) أَيْ أَنَّ أَيَّ مَعْنًى إذَا وُجِدَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي يَجِبُ بِهِ الْغَسْلُ وَلَا مَدْخَلَ لِهَذَا فِي الرَّدِّ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَخْ

ص: 55

يَكُونُ سَبَبًا وَقِيلَ السَّبَبُ الْجَنَابَةُ وَرُدَّ أَيْضًا لِوُجُودِهِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَاخْتَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ السَّبَبَ الْجَنَابَةُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لِيَدْخُلَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَيُرَدُّ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ يُوجَدُ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ كَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ سَبَبُهُ وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ الْآنَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْجِمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ وَعَلَى وُجُوبِهِ بِالْإِنْزَالِ، وَكَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الْآخَرِينَ وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مَعَ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي «الرَّجُلِ يَأْتِي أَهْلَهُ ثُمَّ لَا يُنْزِلُ قَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَفِيهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» قَالَ الْعُلَمَاءُ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا حَدِيثُ «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَالْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالُوا إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَيَعْنُونَ بِالنَّسْخِ أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْجِمَاعِ بِغَيْرِ إنْزَالٍ كَانَ سَاقِطًا ثُمَّ صَارَ وَاجِبًا

وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَنْسُوخًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالرُّؤْيَةِ فِي النَّوْمِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ، وَهَذَا الْحُكْمُ بَاقٍ بِلَا شَكٍّ، وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَفِيهِ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَاشَرَهَا فِيمَا سِوَى الْفَرْجِ كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَكِنْ عِنْدَنَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِنْزَالِ أَنْ يَكُونَ انْفِصَالُ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ يُقَالُ دَفَقَ الْمَاءَ دَفْقًا صَبَّهُ صَبًّا فِيهِ دَفْعٌ وَشِدَّةٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ دَفَقَ الْمَاءَ دَفْقًا صَبَّهُ، وَدَفَقَ الْمَاءَ دُفُوقًا يَتَعَدَّى، وَلَا يَتَعَدَّى وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ نُزُولُ الْمَنِيِّ دُونَ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ النُّزُولِ الْإِنْزَالُ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنَّ مَنْ احْتَلَمَ أَوْ وَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِلَا قَصْدِ الْإِنْزَالِ ذَكَرَهُ الْهِنْدِيُّ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ ذِكْرُ الدَّفْقِ اشْتِرَاطًا لِلْخُرُوجِ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ دَفَقَ الْمَاءُ دُفُوقًا بِمَعْنَى خَرَجَ مِنْ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ دَفَقَ دَفْقًا، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى صَبَّهُ صَبًّا لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عِنْدَهُمَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْعَلَا الدَّفْقَ شَرْطًا بَلْ تَكْفِي الشَّهْوَةُ حَتَّى قَالَا بِوُجُوبِهِ إذَا زَايَلَ الْمَنِيَّ مِنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ

وَإِنْ خَرَجَ بِلَا دَفْقٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا حَصْرَ فِي كَلَامِهِ فَلِكَيْ يَسْتَقِيم غَايَتُهُ يَلْزَمُ تَرْكُ بَعْضِ مُوجِبَاتِهِ عِنْدَهُمَا فِي مَوْضِعِ بَيَانِهَا اهـ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ الْإِنْزَالِ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّهْوَةِ دَخْلٌ فِي الْإِنْزَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَارِنَةً أَوْ سَابِقَةً عَلَيْهِ مُقَارِنَةً لِلِانْفِصَالِ هَذَا، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَشَدُّ إشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهَا مَا وَرَدَ عَلَى عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَشْمَلُ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا لَا يَكُونُ دَافِقًا كَمَاءِ الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى فَرْجِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَيَرِدُ عَلَى عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ خَاصَّةً التَّنَاقُضُ فِي التَّرْكِيبِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّفْقِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ وَقَوْلُهُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ يَنْفِيه فَلَوْ حَذَفَ الدَّفْقَ لَكَانَ أَوْلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَرُدَّ أَيْضًا) أَيْ رُدَّ مَا تَعَقَّبَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، وَهَذَا الرَّدُّ يَئُولَ فِي الْمَعْنَى إلَى مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ لِمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى صَبَّهُ صَبًّا وَقَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَوْجُودُ فِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ هُنَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا الْمَوْجُودَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا قُلْنَا أَحْسَنُ (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ الْإِنْزَالُ إلَخْ) لَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا مَدْخَلٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ يَنْفِيهِ) وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ الشَّهْوَةَ وَالدَّفْقَ عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ رَأْسِ الذَّكَرِ لَا عِنْدَ الِانْفِصَالِ وَأَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ يُمْكِنُ: تَوْجِيهُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ وَلَكِنْ مَعَ نَوْعٍ مِنْ التَّكَلُّفِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ الدَّفْقُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ اللَّازِمِ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَيْ ذِي دَفْعٍ أَوْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ كَمَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ دَافِقًا؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْفُقُ بَعْضًا أَيْ يَدْفَعُهُ فَمِنْهُ دَافِقٌ وَمِنْهُ مَدْفُوقٌ وَالظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَرْضٌ كَالظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ عِنْدَ مَنِيٍّ وَالْمُرَادُ بِالِانْفِصَالِ الْخُرُوجُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ صَادِقًا بِالْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ لَمْ تُقَيَّدْ بِكَوْنِهَا عِنْدَ الِانْفِصَالِ وَلَا عِنْدَ الْخُرُوجِ أَوْ الظَّرْفُ الْأَوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضٍ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ وَالثَّانِي مُتَعَلِّقٌ بِالدَّفْقِ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِمَا فَذِكْرُ الشَّهْوَةِ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا فَلَا يَكُونُ مُسْتَدْرِكًا كَمَا قِيلَ لِتَغَايُرِ مَفْهُومَيْهِمَا، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُشْعِرُ بِهَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي فِيمَا بَعْدُ وَالدَّفْقُ عَلَى تَفْسِيرَيْهِ الْمَارَّيْنِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخُرُوجِ

وَيَشْمَلُ كَلَامُهُ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَوْ يَدْفَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَنْدَفِعُ أَيْضًا التَّنَاقُضُ عَنْ كَلَامِهِ، وَهَذَا

ص: 56

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الدَّفْقَ بِمَعْنَى الدُّفُوقِ مَصْدَرُ اللَّازِمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ إنْزَالَهُ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ أَوْ لَا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» أَيْ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْإِنْزَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ كَمَا نَقَلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ لَنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ، وَهُوَ فِي اللُّغَة اسْمٌ لِمَنْ قَضَى شَهْوَتَهُ فَكَانَ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ مُعَلَّقًا بِالْجَنَابَةِ لَا بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَأُورِدَ عَلَى هَذَا أَنَّ ظَاهِرَهُ الِاسْتِدْلَال بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَجِبْ عَنْهُ

وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا اسْتِدْلَالًا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَلَمْ يُوجَدْ كَانَ الْحُكْمُ مَعْدُومًا بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ أَوْجَبَ عَدَمَ الْحُكْمِ، وَهَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ اشْتَغَلَ بِأُصُولِ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَعِنْدَنَا الْعَدَمُ لَا يَثْبُتُ بِالتَّعْلِيقِ بَلْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ.

وَأَجَابَ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ شَهْوَةٍ قَالَ الشَّارِحُونَ: وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْعَامَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ يُرَادُ أَخَصُّ الْخُصُوصِ لِتَيَقُّنِهِ، وَهُنَا يَمْتَنِعُ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِإِنْزَالِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالْبَوْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ، وَهُوَ إنْزَالُ الْمَنِيِّ لَا عَنْ شَهْوَةٍ مُرَادًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَسْلَكَ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَوْفَقَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ أَخَصَّ الْخُصُوصِ الَّذِي أُرِيدَ بِالْإِجْمَاعِ مَا يَكُونُ عَنْ شَهْوَةٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَالِانْفِصَالِ جَمِيعًا فَالْأَوْلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةِ الِاحْتِلَامِ وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَارِدًا عُدِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَنْ طَرِيقَةِ الشَّارِحِينَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ أَيْ الْمَاءُ الْمَعْهُودُ وَاَلَّذِي بِهِ عَهْدُهُمْ هُوَ الْخَارِجُ عَنْ شَهْوَةٍ كَيْفَ وَرُبَّمَا يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ جَمِيعُ عُمْرِهِ وَلَا يَرَى هَذَا الْمَاءَ مُجَرَّدًا عَنْهَا عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْمَنِيِّ يَكُونُ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ مَمْنُوعٌ.

فَإِنَّ عَائِشَةَ أَخَذَتْ فِي تَفْسِيرِهَا إيَّاهُ الشَّهْوَةَ عَلَى مَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْمَنِيَّ هُوَ الْمَاءُ الْأَعْظَمُ الَّذِي مِنْهُ الشَّهْوَةُ، وَفِيهِ الْغُسْلُ وَكَذَا عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ مَنِيٌّ إلَّا مِنْ خُرُوجِهِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَإِلَّا يَفْسُدْ الضَّابِطُ ثُمَّ اتَّفَقَ أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ مَقَرِّهِ مِنْ الصُّلْبِ بِشَهْوَةٍ إلَّا إذَا خَرَجَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ الشَّهْوَةِ الْخُرُوجَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ وَعِنْدَهُمَا لَا

وَقَدْ أَشَارَ إلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا بِقَوْلِهِ عِنْدَ انْفِصَالِهِ أَيْ فَرْضِ الْغُسْلِ عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ مَوْصُوفٍ بِالدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ عِنْدَ الِانْفِصَالِ عَنْ مَحَلِّهِ عِنْدَهُمَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مُتَعَلِّقٌ بِانْفِصَالِ الْمَنِيِّ وَخُرُوجِهِ وَقَدْ شُرِطَتْ الشَّهْوَةُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ فَتُشْتَرَطُ عِنْدَ خُرُوجِهِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْجَنَابَةَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْإِنْزَالِ فَإِذَا وُجِدَتْ مَعَ الِانْفِصَالِ صَدَقَ اسْمُهَا، وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا ثُبُوتَ حُكْمِهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لَكِنْ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ الِانْفِصَالُ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ أَقْوَى مِمَّا بَقِيَ وَاحْتِيَاطٌ وَاجِبٌ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْأَقْوَى مِنْ الْوَجْهَيْنِ، فَوَجَبَ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ الْمُفْضَاةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ الْقُبُلِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ وَجَبَ فَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ جَانِبِ الْوُجُوبِ احْتِيَاطًا كَمَا قَالَا هُنَا.

وَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّكَّ هُنَاكَ جَاءَ مِنْ الْأَصْلِ فَتَعَارَضَ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ لِتُسَاوِيهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَتَسَاقَطَا فَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ الثَّابِتِ بِيَقِينٍ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ أَمَّا هُنَا جَاءَ دَلِيلُ عَدَمِ الْوُجُوبِ

ــ

[منحة الخالق]

التَّقْرِيرُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ بَعِيدٍ كُلَّ الْبَعْدِ خُصُوصًا الثَّانِيَ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْمَرَّةِ وَخُرُوجُهُ عَنْ الِانْتِظَامِ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ يَتَكَلَّفُونَ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ بِأَبْعَدَ مِنْ هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ بِذَلِكَ إلْمَامٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الْإِلْهَامِ (قَوْلُهُ: أَيْ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْإِنْزَالِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَيْ وُجُوبُ الْمَاءِ مِنْ نُزُولِ الْمَنِيِّ لِيَكُونَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ فِيهِمَا وَلِيُوَافِقَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رحمهم الله بِوُجُوبِهِ بِالنُّزُولِ لَا بِالْإِنْزَالِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَسْلَكَ لَوْ صَحَّ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَى حَمْلِ أَلْ عَلَى الْجِنْسِ أَيْ جِنْسِ الْمَاءِ النَّازِلِ مِنْ مَخْرَجِ الْإِنْسَانِ بَلْ هُوَ بَعِيدٌ لِعَدَمِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ وَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُونَ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَفْسُدْ الضَّابِطُ) أَيْ الضَّابِطُ الَّذِي وَصَفَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها لِتَمْيِيزِ الْمِيَاهِ لِتُعْطِيَ أَحْكَامَهَا، وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَتْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَأَمَّا الْمَذْيُ فَالرَّجُلُ يُلَاعِبُ امْرَأَتَهُ فَيَظْهَرُ عَلَى ذَكَرِهِ الشَّيْءُ فَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْتَسِلُ، وَأَمَّا الْوَدْيُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْبَوْلِ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْتَسِلُ، وَأَمَّا الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ الْمَاءُ الْأَعْظَمُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَقْوَى مِمَّا بَقِيَ) ، وَهُوَ الشَّهْوَةُ حَالَةَ الْخُرُوجِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَمِنْ الْجَوَابِ الْآتِي وَيَكُونُ حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالِانْفِصَالِ وَالْخُرُوجِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الِانْفِصَالِ لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا فَبِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ الشَّهْوَةِ حَالَةَ الِانْفِصَالِ يَجِبُ وَبِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِهَا حَالَةَ الْخُرُوجِ لَا فَوَجَبَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَثُبُوتُهُ بِالْأَوَّلِ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى

ص: 57

مِنْ الْوَصْفِ، وَهُوَ الدَّفْقُ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ نَفْسُ وُجُودِ الْمَاءِ مَعَ الشَّهْوَةِ، فَكَانَ فِي إيجَابِ الِاغْتِسَالِ تَرْجِيحٌ لِجَانِبِ الْأَصْلِ عَلَى جَانِبِ الْوَصْفِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ قَدْ سَبَقَ هُنَا، وَهُوَ مُزَايَلَةُ الْمَنِيِّ عَنْ مَكَانِهِ عَلَى سَبِيلِ الشَّهْوَةِ وَخُرُوجُهُ مِنْ الْعُضْوِ لَا عَلَى سَبِيلِ الدَّفْقِ بَقَاءُ ذَلِكَ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُوبِ لِذَلِكَ

وَأَمَّا هُنَاكَ فَاقْتَرَنَ الدَّلِيلَانِ عَلَى سَبِيلِ الْمُدَافَعَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْحَادِثُ لِتَدَافُعِهِمَا بَلْ يَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَفِي الْمُصَفَّى وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي ثَلَاثِ فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ مَنْ احْتَلَمَ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ.

وَالثَّانِي: إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَزَالَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى انْكَسَرَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ سَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا عَنْ دَفْقٍ فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَجَامِعَ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ أَوْ يَنَامَ ثُمَّ سَالَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ يُعِيدُ الِاغْتِسَالَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ فَلَوْ خَرَجَ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْبَوْلِ أَوْ النَّوْمِ أَوْ الْمَشْيِ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مَذْيٌ وَلَيْسَ بِمَنِيٍّ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ وَالنَّوْمَ وَالْمَشْيَ يَقْطَعُ مَادَّةَ الشَّهْوَةِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا بَعْدَ الْغُسْلِ الْأَوَّلِ قَبْلَ خُرُوجِ مَا تَأَخَّرَ مِنْ الْمَنِيِّ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ الْمَشْيَ بِالْكَثِيرِ فِي الْمُجْتَبَى وَأَطْلَقَهُ كَثِيرٌ وَالتَّقْيِيدُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْخُطْوَةَ وَالْخُطْوَتَيْنِ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُبْتَغَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ يَعْنِي تُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ إذَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً إذَا اغْتَسَلَتْ ثَانِيًا بِخُرُوجِ بَقِيَّةِ مَنِيِّهَا وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ فِي بَيْت إنْسَانٍ وَاحْتَلَمَ مَثَلًا وَيَسْتَحْيِي مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ خَافَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِمْ رِيبَةٌ بِأَنْ طَافَ حَوْلَ أَهْلِ بَيْتِهِمْ اهـ.

وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الضَّيْفِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي غَيْرِهِ اهـ.

وَلَوْ خَرَجَ مَنِيٌّ بَعْدَ الْبَوْلِ وَذَكَرُهُ مُنْتَشِرٌ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ إذَا وَجَدَ الشَّهْوَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ فِي حَالَةِ الِانْتِشَارِ وُجِدَ الْخُرُوجُ وَالِانْفِصَالُ جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ، وَهَذَا يُفِيدُ إطْلَاقَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمَنِيَّ الْخَارِجَ بَعْدَ الْبَوْلِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إجْمَاعًا قِيلَ وَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ مُسْتَيْقِظٌ وَجَدَ بِثَوْبِهِ أَوْ فَخِذِهِ بَلَلًا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ يَجِبُ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ انْفِصَالِهِ عَنْ شَهْوَةٍ ثُمَّ نَسِيَ وَرَقَّ هُوَ بِالْهَوَاءِ خِلَافًا لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ ثَابِتٌ فِي الْخُرُوجِ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الِانْفِصَالِ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ بَلْ هُوَ يَقُولُ لَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُمَا احْتَاطَا لِقِيَامِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ، وَرَأَى مَاءً رَقِيقًا حَيْثُ يَجِبُ اتِّفَاقًا حَمْلًا لِلرِّقَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ أَقْيَسُ وَأَخَذَ بِهِ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو اللَّيْثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَوْ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَوْ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَعَ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ أَوْ لَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ وَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ لَا وَفِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ وَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: مِنْ الْوَصْفِ، وَهُوَ الدَّفْقُ) أَيْ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْخُرُوجِ بِشَهْوَةٍ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا حُمِلَ كَلَامُ الْمُبْتَغَى عَلَيْهِ وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعِيدُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاءُ الرَّجُلِ فَهَذَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ ثَابِتٌ إلَخْ) أَيْ كَمَا أَنَّ الِاحْتِمَالَ مَوْجُودٌ فِي الِانْفِصَالِ عَنْ مَقَرِّهِ مَوْجُودٌ أَيْضًا فِي الِانْفِصَالِ عَنْ رَأْسِ الذَّكَرِ فَيُحْتَمَلُ انْفِصَالُهُ عَنْ شَهْوَةٍ فَيَجِبُ اتِّفَاقًا فَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهَا عَلَى الْخِلَافِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَا جَعْلُهَا مِنْ ثَمَرَتِهِ كَالثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ) زَادَ بَعْضُهُمْ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا ثُمَّ ضَبَطَهَا بِقَوْلِهِ إمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ وَعَلَى كُلٍّ أَمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ احْتِلَامًا أَوْ لَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا فِي سَبْعِ صُوَرٍ مِنْهَا، وَهِيَ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ مَعَ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ فِيهَا أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ مُطْلَقًا وَلَا يَجِبُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَدْيٌ مُطْلَقًا وَفِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَيْنِ مَعَ عَدَمِ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ وَيَجِبُ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي ثَلَاثَةٍ احْتِيَاطًا وَلَا يَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمُوجِبِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ وَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ) أَقُولُ: ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَ وُجُوبَ الْغُسْلِ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ هَذَا عَلَى مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَفِي الْمُصَفَّى ذَكَرَ فِي الْحُصْرِ وَالْمُخْتَلَفِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ إذَا اسْتَيْقَظَ فَرَأَى مَذْيًا وَقَدْ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا عَلَيْهِ الْغُسْلُ

ص: 58

أَوْ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ وَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ فِي الْكُلِّ وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ لَا أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ، وَيَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ فِيهِمَا، وَهَذَا التَّقْسِيمُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ فِيمَا رَأَيْت لَكِنَّهُ مُقْتَضَى عِبَارَتِهِمْ لَكِنْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ التَّيَقُّنُ مُتَعَذِّرٌ مَعَ النَّوْمِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَسْنَا نُوجِبُ الْغُسْلَ بِالْمَذْيِ لَكِنَّ الْمَنِيَّ يَرِقُّ بِإِطَالَةِ الْمُدَّةِ فَتَصِيرُ صُورَتُهُ صُورَةَ الْمَذْيِ لَا حَقِيقَةَ الْمَذْيِ اهـ.

وَهَذَا كُلُّهُ فِي النَّائِمِ إذَا اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ بَلَلًا أَمَّا إذَا غُشِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَوَجَدَ مَذْيًا أَوْ كَانَ سَكْرَانَ فَأَفَاقَ فَوَجَدَ مَذْيًا لَا غُسْلَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَقَدْ ظَهَرَ فِي النَّوْمِ تَذَكَّرَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ الِاحْتِلَامِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنِيٌّ رَقَّ بِالْهَوَاءِ أَوْ لِلْغِذَاءِ فَاعْتَبَرْنَاهُ مَنِيًّا احْتِيَاطًا وَلَا كَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمَا هَذَا السَّبَبُ وَلَوْ وَجَدَ الزَّوْجَانِ بَيْنَهُمَا مَاءً دُونَ تَذَكُّرٍ وَلَا مُمَيِّزَ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ غِلَظُهُ وَرِقَّتُهُ وَلَا بَيَاضُهُ وَصُفْرَتُهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقَيْدَ فَقَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَقِيلَ إذَا كَانَ غَلِيظًا أَبْيَضَ فَعَلَيْهِ أَوْ رَقِيقًا أَصْفَرَ فَعَلَيْهَا فَيُقَيِّدُونَهُ بِصُورَةِ نَقْلِ الْخِلَافِ، وَاَلَّذِي يُظْهِرُ تَقْيِيدَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا بِمَا ذَكَرْنَا فَلَا خِلَافَ إذَنْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ وَقَعَ طُولًا أَوْ عَرْضًا، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إنْ وَقَعَ طُولًا فَمِنْ الرَّجُلِ وَإِنْ وَقَعَ عَرْضًا فَمِنْ الْمَرْأَةِ، وَلَعَلَّهُ لِضَعْفِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّمْيِيزِ عِنْدَهُ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوُقُوعِ الشَّكِّ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَقْتَدِيَ بِهِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفِرَاشُ قَدْ نَامَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا قَبْلَهُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ نَامَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا، وَكَانَ الْمَنِيُّ الْمَرْئِيُّ يَابِسًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ إلَى ظَاهِرِ فَرْجِهَا عَنْ مُحَمَّدٍ يَجِبُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّهَا إلَى فَرْجِهَا الْخَارِجِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِوُجُودِ الْمَنِيِّ فِي احْتِلَامِهِمَا وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْخِلَافِيَّةِ إنَّمَا يُوجِبُهُ عَلَى وُجُودِهِ، وَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا لَمْ تَرَهُ خَرَجَ

ــ

[منحة الخالق]

فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَذُكِرَ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ إذَا تَيَقَّنَ بِالِاحْتِلَامِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا اهـ.

أَقُولُ: وَعَلَى مَا فِي الْمُصَفَّى يَجْرِي الْخِلَافُ أَيْضًا فِيمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ مَعَ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَدَ الزَّوْجَانِ بَيْنَهُمَا مَاءً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَجَدَ الزَّوْجَانِ عَنْ غَيْرِهِمَا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي غَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ) يُوهِمُ أَنَّهُ صَحَّحَهُ مَعَ التَّقْيِيدِ بِدُونِ تَذَكُّرٍ وَلَا مُمَيِّزَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا وُجِدَ فِي الْفِرَاشِ مَنِيٌّ وَيَقُولُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَقُولُ مِنْ الزَّوْجِ إنْ كَانَ أَبْيَضَ فَمَنِيُّ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ وَقِيلَ إنْ كَانَ مُدَوَّرًا فَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَوَّرٍ فَمَنِيُّ الرَّجُلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَأَخْذًا بِالثِّقَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِوُجُودِ الْمَنِيِّ فِي احْتِلَامِهِمَا) أَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي عِبَارَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْخِلَافِيَّةِ إنَّمَا يُوجِبُهُ عَلَى وُجُودِهِ، وَإِنْ لَمْ تَرَهُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَقِبَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ احْتَلَمَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الْمَاءُ إنْ وَجَدَتْ شَهْوَةُ الْإِنْزَالِ كَانَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّ مَاءَهَا لَا يَكُونُ دَافِقًا كَمَاءِ الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا فَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفْهِمُك أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا لَمْ تَرَهُ خَرَجَ إلَخْ وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ سَابِقًا وَلَاحِقًا أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْمَنِيُّ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَمُحَمَّدٌ قَالَ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْمَنِيِّ، وَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَقَوْلُهُمْ لَوْ احْتَلَمَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ عَلَى مَعْنَى وَلَمْ تَرَهُ خَرَجَ فَيَجِبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِهِ

وَإِنْ لَمْ تَرَهُ لَكِنَّ لَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ مُحَمَّدٍ لَا يَقُولُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَكَيْفَ يَجْعَلُونَ عَدَمَ الْوُجُوبِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا، فَإِنَّهُمْ قَيَّدُوا الْوُجُوبَ عِنْدَ غَيْرِ مُحَمَّدٍ بِمَا إذَا خَرَجَ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ فَهُوَ مِمَّا لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يُخَالِفَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمِيَّةُ فَلَمْ يَحْصُلْ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِوُجُودِ الْمَنِيِّ فَالظَّاهِرُ وُجُودُ الْخِلَافِ وَأَنَّ مَا فِي التَّجْنِيسِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَحِينَئِذٍ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت شَارِحَ الْمُنْيَةِ الْعَلَّامَةَ الْحَلَبِيَّ نَازَعَ الْكَمَالُ فِيمَا قَالَ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ: هَذَا لَا يُفِيدُ كَوْنَ الْأَوْجَهِ وُجُوبَ الْغُسْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ.

ص: 59

فَعَلَى هَذَا الْأَوْجَهُ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْخِلَافِيَّةِ

وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ فِي جَوَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّ سُلَيْمٍ لَمَّا «سَأَلَتْهُ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» الْعِلْمُ مُطْلَقًا، فَإِنَّهَا لَوْ تَيَقَّنَتْ الْإِنْزَالَ بِأَنْ اسْتَيْقَظَتْ فِي فَوْرِ الِاحْتِلَامِ فَأَحَسَّتْ بِيَدِهَا الْبَلَلَ ثُمَّ نَامَتْ فَاسْتَيْقَظَتْ حَتَّى جَفَّ فَلَمْ تَرَ بِعَيْنِهَا شَيْئًا لَا يَسَعُ الْقَوْلُ بِأَنْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ لَا رُؤْيَةَ بَصَرٍ بَلْ رُؤْيَةُ عِلْمٍ وَرَأَى تُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً فِي عِلْمٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ: رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ اهـ.

وَلَوْ جُومِعَتْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى فَرْجِهَا أَوْ جُومِعَتْ الْبِكْرُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا ظَهَرَ الْحَبَلُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْبَلُ إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ وَتُعِيدُ مَا صَلَّتْ إنْ لَمْ تَكُنْ اغْتَسَلَتْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهَا صَلَّتْ بِلَا طَهَارَةٍ وَلَوْ جُومِعَتْ فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَتْ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ، فَإِنْ رَأَتْهُ صَرِيحًا وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ وَقَدْ يُقَال يَنْبَغِي وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ لِوُجُودِ الْإِيلَاجِ؛ لِأَنَّهَا تَعْرِفُ أَنَّهُ يُجَامِعُهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا يَظْهَرُ هَذَا الِاشْتِرَاطُ إلَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ بَلَلًا فِي إحْلِيلِهِ وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ إلَّا إذَا كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ وَهَذِهِ تُقَيِّدُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا ثُمَّ إنَّ

ــ

[منحة الخالق]

سَوَاءٌ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ بِمَعْنَى الْبَصَرِ أَوْ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَرَ بِعَيْنِهَا وَلَا عَلِمَتْ خُرُوجَهُ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ - يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ - بِرَأَتْ رُؤْيَا الْحُلْمِ وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ التَّجْنِيسِ مُعَلَّلًا بِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ إذْ لَا أَثَرَ فِي نُزُولِ مَائِهَا مِنْ صَدْرِهَا غَيْرَ دَافِقٍ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ فِي الِاحْتِلَامِ مُتَعَلِّقٌ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ كَمَا تَعَلَّقَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ بِخُرُوجِهِ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ فَكَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ انْفَصَلَ مَنِيُّهُ عَنْ الصُّلْبِ بِالدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عَلَى أَنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُعْلَمُ انْفِصَالُ مَنِيِّهَا عَنْ صَدْرِهَا، وَإِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي النَّوْمِ وَأَكْثَرُ مَا يُرَى فِي النَّوْمِ لَا تَحَقُّقَ لَهُ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ كَانَتْ مُسْتَلْقِيَةً وَقْتَ الِاحْتِلَامِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِاحْتِمَالِ الْخُرُوجِ ثُمَّ الْعَوْدِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ احْتِيَاطًا، وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ مَاءَهَا إذَا لَمْ يَنْزِلْ دَفْقًا بَلْ سَيَلَانًا يَلْزَمُ أَمَّا عَدَمُ الْخُرُوجِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْفَرْجُ فِي صَبَبٍ أَوْ عَدَمُ الْعَوْدِ إنْ كَانَ فِي صَبَبٍ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تَحْبَلُ إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَبَلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْ مَقَرِّهِ لَا عَلَى خُرُوجِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْحَلَبِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ جَازِمًا بِذَلِكَ فَقَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِ مَنِيِّهَا إلَى رَحِمِهَا، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ مِنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ حَتَّى لَوْ انْفَصَلَ مِنْهَا عَنْ مَكَانِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَفِي النِّصَابِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.

فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (قَوْلُهُ: فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ يَأْتِيهَا فِي النَّوْمِ، وَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَوْ رَأَتْ أَنَّهُ جَامَعَهَا مِائَةُ إنْسِيٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مَا لَمْ تُنْزِلْ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ تَرَاهُ فِي حَالَةِ الْيَقَظَةِ يَتَأَتَّى مَا قَالَ: وَكَانَ نَسِيَ التَّقْيِيدَ بِالنَّوْمِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ كَمَا عَلِمْت ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ إسْمَاعِيلَ ضَبَطَ قَوْلَهُ فِي الْيَوْمِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّ) أَقُولُ: هَذَا التَّقْيِيدُ مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ أَمَّا إذَا ظَهَرَ لَهَا فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ إيلَاجِ قَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْ ذَكَرِهِ وَكَذَا إذَا ظَهَرَ لِلرَّجُلِ مِنْ الْإِنْسِ جِنِّيَّةٌ فِي صُورَةِ آدَمِيَّةٍ فَوَطِئَهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ إيلَاجِ حَشَفَتِهِ فِيهَا إلْحَاقًا لَهُ بِإِيلَاجِ آدَمِيٍّ لِآدَمِيَّةٍ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ الصُّورِيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا لَوْ لَمْ يُوجَدُ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وَهِيَ مُحَقَّقَةُ وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَ بِهِ بَعْضُهُمْ حُرْمَةَ التَّنَاكُحِ بَيْنَهُمَا فَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَجِبَ إلَّا بِالْإِنْزَالِ كَمَا فِي وَطْءِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيِّتَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ.

وَأَجَابَ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ لَوْ ظَهَرَ لَهَا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَوَطِئَهَا غَيْرَ عَالِمَةٍ بِأَنَّهُ جِنِّيٌّ أَوْ ظَهَرَتْ لَهُ جِنِّيَّةٌ كَذَلِكَ فَوَطِئَهَا كَذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَا بِمَا كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ لِانْتِفَاءِ مَا يُفِيدُ قُصُورَ السَّبَبِيَّةِ

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ إلَخْ) قَيَّدَ فِي الْمُنْيَةِ عَدَمَ وُجُوبِ الْغُسْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمَا إذَا نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَعَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ

ص: 60

أَبَا حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةِ وَمَسْأَلَةِ الْفَأْرَةِ الْمُنْتَفِخَةِ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ وَأَبَا يُوسُفَ وَافَقَهُ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ لِوُجُودِ فِعْلٍ هُوَ سَبَبُ خُرُوجِ الْمَذْيِ وَخَالَفَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِانْعِدَامِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَمُحَمَّدًا وَافَقَهُ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ عِنْدَهُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ بِخِلَافِ الْفَصْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، فَإِنَّ الْمُبَاشِرَ لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْ نَفْسِهِ فَيُحِسُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَزَبًا بِهِ فَرْطُ شَهْوَةٍ لَهُ أَنْ يَسْتَمْنِي بِعِلَاجٍ لِتَسْكُنَ شَهْوَتُهُ وَلَا يَكُونُ مَأْجُورًا عَلَيْهِ لَيْتَهُ يَنْجُو رَأْسًا بِرَأْسٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ الْمُرَاهِقُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْتَسِلَ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ بِدُونِ الْوُضُوءِ وَكَذَا الْمُرَاهِقَةُ اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَنْزَلَ الصَّبِيُّ مَعَ الدَّفْقِ، وَكَانَ سَبَبُ بُلُوغِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيهِ الْمُتُونِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَوْجِيهًا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ مَخْصُوصٌ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَاتِهِمْ فَقَوْلُهُمْ وَمُوجِبُهُ إنْزَالُ مَنِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّ إنْزَالَ الْمَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي خِلَافُ هَذَا فِي آخِرِ بَحْثِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِنُزُولِ الْبَوْلِ إلَى الْقُلْفَةِ يَجِبُ الْغُسْلُ بِوُصُولِ الْمَنِيِّ إلَيْهَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَتَوَارِي حَشَفَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ عَلَيْهِمَا) أَيْ وَفَرْضُ الْغُسْلِ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ، وَكَذَلِكَ غَيْبُوبَةُ مِقْدَارِ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ دُبُرٍ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَالتَّعْبِيرُ بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْتِفَاءِ الْخِتَانَيْنِ لِتَنَاوُلِهِ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ؛ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْفَرْجِ مُحَاذَاتُهُمَا لَا الْتِقَاؤُهُمَا؛ لِأَنَّ خِتَانَ الرَّجُلِ هُوَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ، وَهُوَ مَا دُونَ مُؤَخِّرَةِ الْحَشَفَةِ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ مَوْضِعُ قَطْعِ جِلْدَةٍ مِنْهَا كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ الْفَرْجِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ هُوَ مَخْرَجُ الْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ وَالْحَيْضِ وَفَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ مَخْرَجُ الْبَوْلِ كَإِحْلِيلِ الرَّجُلِ وَبَيْنَهُمَا جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ يُقْطَعُ مِنْهَا فِي الْخِتَانِ فَحَصَلَ أَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ مُتَسَفِّلٌ تَحْتَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَتَحْتَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مَدْخَلُ الذَّكَرِ فَإِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ حَاذَى خِتَانُهُ خِتَانَهَا وَلَكِنْ يُقَالُ لِمَوْضِعِ خِتَانِ الْمَرْأَةِ الْخِفَاضُ فَذِكْرُ الْخِتَانَيْنِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ قُيِّدَ بِالتَّوَارِي؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ التَّلَاقِي لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَكِنْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ؛ لِأَنَّ التَّوَارِي فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إلَّا بِالْإِنْزَالِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ التَّوَارِي فِي الْمَيِّتَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إلَّا بِالْإِنْزَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ مِنْ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ، وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الصَّغِيرَةَ وَالْبَهِيمَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ لَكِنَّ أَصْحَابَنَا رضي الله عنهم مَنَعُوهُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْجَنَابَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ ظَاهِرًا أَوْ حُكْمًا عِنْدَ كَمَالِ سَبَبِهِ مَعَ خَفَاءِ خُرُوجِهِ لِقِلَّتِهِ وَتَكَسُّلِهِ فِي الْمَجْرَى لِضَعْفِ الدَّفْقِ بِعَدَمِ بُلُوغِ الشَّهْوَةِ مُنْتَهَاهَا كَمَا يَجِدُهُ الْمُجَامِعُ فِي أَثْنَاءِ الْجِمَاعِ مِنْ اللَّذَّةِ بِمُقَارَبَةِ الْمُزَايَلَةِ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ إقَامَةُ السَّبَبِ مُقَامَهُ، وَهَذَا عِلَّةُ كَوْنِ الْإِيلَاجِ فِيهِ الْغُسْلُ فَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ وَعَلَى الْمُلَاطِ بِهِ إذْ رُبَّمَا يَتَلَذَّذُ فَيُنْزِلُ وَيَخْفَى لِمَا قُلْنَا وَأَخْرَجُوا مَا ذَكَرْنَا لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُوجِبَ إنْزَالُ الْمَنِيِّ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا عِنْدَ كَمَالِ سَبَبِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا لِنُقْصَانِ سَبَبِهِ لَكِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً وَالْعَامُّ لَا يُخَصَّصُ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً عِنْدَنَا فَيَحْتَاجُ أَئِمَّتُنَا إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَنْ يَسْتَمْنِي بِعِلَاجٍ لِتَسْكُنَ شَهْوَتُهُ) أَمَّا إذَا قَصَدَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ فَلَا يَحِلُّ كَمَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَصَرَّحَ بِالْإِثْمِ إذَا دَاوَمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ مَأْجُورًا عَلَيْهِ) قَالَ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَقِيلَ يُؤْجَرُ إذَا خَافَ الشَّهْوَةَ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ اهـ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّوَارِيَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إلَّا بِالْإِنْزَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: عَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ نَاقِصٌ فِي انْقِضَاءِ الشَّهْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ وَقَالُوا الْإِيلَاجُ فِي الْمَيِّتَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيلَاجِ فِي الْبَهَائِمِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فِي فَصْلِ مَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَمَا لَا يَجِبُ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي تَوْفِيقِ الْعِنَايَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ فَقَدْ وَافَقَ بَحْثَنَا الْمَنْقُولُ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى) أَيْ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً إلَخْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ وَالْبَهِيمَةَ وَالْعَامُّ قَطْعِيٌّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ حَتَّى يَجُوزَ نَسْخُ الْخَاصِّ بِهِ عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ ابْتِدَاءً بِظَنِّيٍّ كَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يُخَصَّصْ أَوَّلًا بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ لَفْظِيٍّ مُقَارِنٍ، فَإِنْ خُصِّصَ بِذَلِكَ لَا يَبْقَى قَطْعِيًّا عَلَى الصَّحِيحِ فَيُخَصُّ بِالْقِيَاسِ وَالْآحَادِ عَلَى مَا بُسِطَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَمَا هُنَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ لَا يُخَصِّصُ الْقَطْعِيَّ بَقِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْآتِيَ

ص: 61

وَيَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِوَطْءِ الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ الْمُتَنَاهِيَةِ فِي الْقُبْحِ الْعَمْيَاءِ الْبَرْصَاءِ الْمُقَطَّعَةِ الْأَطْرَافِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ لَذَّةً فِي الْعَادَةِ وَلَمْ أَجِدْ عَنْ هَذَيْنِ الْإِيرَادَيْنِ جَوَابًا وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَخْصِيصًا لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً وَبَيَانُهُ يَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ كَشْفٍ فَأَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنَّهُ قَدْ وَرَدَ حَدِيثَانِ ظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضُ الْأَوَّلُ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ، فَإِنَّ الْمَاءَ اسْمُ جِنْسٍ مُحَلَّى فَاللَّامُ الِاسْتِغْرَاقِ فَمَعْنَاهُ جَمِيعُ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْمَنِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَاءِ لَا مُطْلَقًا لِوُجُوبِهِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.

وَالثَّانِي: حَدِيثُ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» وَمُقْتَضَاهُ عُمُومُ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ فَيَشْمَلُ الصَّغِيرَةَ وَالْبَهِيمَةَ وَالْمَيِّتَةَ فَيُعَارِضُ الْأَوَّلَ

وَإِذَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَجَبَ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا إنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُسْلِ هُوَ إنْزَالُ الْمَنِيِّ كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ لَكِنَّ الْمَنِيَّ تَارَةً يُوجَدُ حَقِيقَةً وَتَارَةً يُوجَدُ حُكْمًا عِنْدَ كَمَالِ سَبَبِهِ وَهُوَ غَيْبُوبَةُ الْحَشَفَةِ فِي مَحَلٍّ يُشْتَهَى عَادَةً مَعَ خَفَاءِ خُرُوجِهِ وَلَوْ كَانَ فِي الدُّبُرِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ غَالِبًا كَالْإِيلَاجِ فِي الْقُبُلِ لِاشْتِرَاكِهِمَا لِينًا وَحَرَارَةً وَشَهْوَةً حَتَّى إنَّ الْفَسَقَةَ اللِّوَاطَةُ رَجَّحُوا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ مِنْ الدُّبُرِ عَلَى قَضَائِهَا مِنْ الْقُبُلِ وَمِنْهُ خَبَرًا عَنْ قَوْمِ لُوطٍ {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79] وَفِي الصَّغِيرَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَكُنْ الْإِيلَاجُ سَبَبًا كَامِلًا لِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ لِعَدَمِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ فَلَمْ يُوجَدْ إنْزَالُ الْمَنِيِّ حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا فَلَوْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ لَكَانَ فِيهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ أَصْلًا، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَكَانَ هَذَا مِنَّا قَوْلًا بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ لَا تَخْصِيصًا لِلنَّصِّ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً وَكَوْنُ إنْزَالِ الْمَنِيِّ هُوَ الْمُوجِبُ، وَهُوَ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَشَايِخُنَا فِي أُصُولِهِمْ فِي بَحْثِ الْمَفَاهِيمِ قَاطِعِينَ النَّظَرَ عَنْ كَوْنِ الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ مَنْسُوخًا كَمَا لَا يَخْفَى وَجَوَابٌ آخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ النَّصِّ الْعَامِّ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَمْنَعُونَهُ لِكَوْنِهِ عِنْدهمْ قَطْعِيًّا وَالْقِيَاسُ ظَنِّيٌّ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَامُّ ظَنِّيًّا جَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّهُ ظَنِّيُّ الثُّبُوتِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُشْتَهَى وَلَئِنْ سُلِّمَ فَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الشَّنِيعَةِ فِي امْرَأَةٍ نَادِرٌ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُبْتَغَى خِلَافًا فِيمَنْ غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي فَرْجِهِ فَقَالَ وَقِيلَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ كَالْبَهِيمَةِ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْجِ الدُّبُرُ وَنَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ اهـ.

وَجَعْلُ الدُّبُرِ كَالْبَهِيمَةِ بَعِيدٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ فِي إدْخَالِ الْإِصْبَعِ الدُّبُرَ خِلَافًا فِي إيجَابِ الْغُسْلِ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ اهـ.

وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ التَّجْنِيسِ وَلَفْظُهُ رَجُلٌ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي دُبُرِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْقَضَاءِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِصْبَعَ لَيْسَ آلَةً لِلْجِمَاعِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبَةِ ذَكَرَهُ فِي الصَّوْمِ وَقَدْ حَكَى عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ خِلَافًا فِي وَطْءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِيلَاجُ فِي مَحَلِّ الْجِمَاعِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَمْ يَفُضَّهَا

ــ

[منحة الخالق]

وَهُوَ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ» إلَخْ لَمْ يَظْهَرْ لِي كَوْنُهُ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ مَا يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ وَلَعَلَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ إضَافَةِ شُعَبٍ إلَى الضَّمِيرِ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْمُطْلَقِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَيَحْتَاجُوا أَيْضًا) صَوَابُهُ وَيَحْتَاجُونَ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ الْعَامُّ ظَنِّيًّا جَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً) قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْعَهُمْ تَخْصِيصَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ إنَّمَا هُوَ فِي عَامٍّ قَطْعِيِّ الثُّبُوتِ أَمَّا ظَنِّيُّهُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِلْمُسَاوَاةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُشْتَهَى) يَدُلُّ عَلَيْهِ إيجَابُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله الْوُضُوءَ بِمَسِّ الْعَجُوزِ دُونَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى شَيْخًا يُقَبِّلُ عَجُوزًا فَقَالَ لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ) قُيِّدَ فِي النَّهْرِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ دُبُرٍ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ قَالَ إذْ لَوْ غَيَّبَهَا فِي دُبُرِ نَفْسِهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَحَكَى فِي الْمُبْتَغَى فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الِاتِّفَاقِ إنَّمَا هُوَ فِي دُبُرِ الْغَيْرِ أَمَّا فِي دُبُرِ نَفْسِهِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْإِنْزَالِ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمَيِّتَةِ فِي قُصُورِ الدَّاعِي وَعُرِفَ بِهَذَا عَدَمُ الْوُجُوبِ بِإِيلَاجِ الْإِصْبَعِ (قَوْلُهُ:، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ فِي إدْخَالِ الْإِصْبَعِ الدُّبُرَ خِلَافًا إلَخْ) ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ هُنَا تَفْصِيلًا فَقَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَجِبَ فِي الْقُبُلِ إذَا قَصَدَ الِاسْتِمْتَاعَ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِنَّ غَالِبَةٌ فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ دُونَ الدُّبُرِ لِعَدَمِهَا وَعَلَى هَذَا ذَكَرُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَذَكَرُ الْمَيِّتِ وَمَا يُصْنَعُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ

ص: 62

فَهِيَ مِمَّنْ تُجَامَعُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ وَعَزَاهُ لِلصَّيْرَفِيِّ فِي الْإِيضَاحِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ بَقَاءَ الْبَكَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْإِيلَاجِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَ وَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُولِجًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ رَقِيقَةً بِحَيْثُ يَجِدُ حَرَارَةَ الْفَرْجِ وَاللَّذَّةَ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَحْوَطُ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِهَا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَهَذَا الذَّكَرُ مِنْهُ زَائِدٌ فَيَصِيرُ كَمَنْ أَوْلَجَ إصْبَعَهُ وَكَذَا فِي دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ فَرْجِ خُنْثَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ وَالْفَرْجَانِ زَائِدَانِ مِنْهُمَا وَكَذَا فِي فَرْجِ خُنْثَى مِثْلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخُنْثَى الْمَوْلَجُ فِيهِ رَجُلًا وَالْفَرْجُ زَائِدٌ مِنْهُ، وَإِنْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي فَرْجِ خُنْثَى مُشْكِلٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخُنْثَى رَجُلًا وَالْفَرْجُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ أَمَّا إذَا أَنْزَلَ وَجَبَ الْغُسْلُ بِالْإِنْزَالِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي حَشَفَةٍ وَقُبُلٍ مُحَقَّقَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(قَوْلُهُ: وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ) أَيْ وَفُرِضَ الْغُسْلُ عِنْدَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ رَأْيُ الْمُصَنِّفِ فِي كُتُبِهِ هَلْ الْمُوجِبُ الْحَيْضُ أَوْ انْقِطَاعُهُ فَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ الْمُوجِبَ رُؤْيَةُ الدَّمِ أَوْ خُرُوجُهُ وَعُلِّلَ بِأَنَّ الدَّمَ إذَا حَصَلَ نَقَضَ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى وَلَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ أَمْكَنَ الْغُسْلُ فَوَجَبَ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْحَدَثِ السَّابِقِ، فَأَمَّا الِانْقِطَاعُ فَهُوَ طَهَارَةٌ فَلَا يُوجِبُ الطَّهَارَةَ وَاخْتَارَ فِي الْكَافِي أَنَّ الْمُوجِبَ انْقِطَاعُ الدَّمِ لَا خُرُوجُهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ وَنَقِلَ نَظِيرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى عَنْ أُسْتَاذِهِ وَعَلَّلَ لَهُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَيْضِ فَقَدْ وُجِدَ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا وَاَللَّهِ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ مَلْزُومًا وَالْحَيْضُ لَازِمًا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ الْحَيْضُ عِنْدَ وُجُودِ الْخُرُوجِ لِاسْتِحَالَةِ انْفِكَاكِ اللَّازِمِ عَنْ الْمَلْزُومِ وَوُجُودُ الْحَيْضِ عِنْدَ وُجُودِهِ مُحَالٌ بِمَرَّةٍ اهـ.

أَقُولُ: لَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ مِنْ الْعَجَبِ وَمَا الْعَجَبُ إلَّا فَهْمُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ وَلَوْ فُهِمَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَيْضِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَقَدُّمِ الْحَيْضِ لَا لِنَفْسِ الْحَيْضِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ وَاسْتَبْعَدَ الزَّيْلَعِيُّ كَوْنَ الِانْقِطَاعِ سَبَبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الطَّهَارَةُ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تُوجِبَ الطَّهَارَةُ الطَّهَارَةَ، وَإِنَّمَا تُوجِبُهَا النَّجَاسَةُ وَيُدْفَعُ هَذَا الِاسْتِبْعَادُ بِأَنَّ الِانْقِطَاعَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِطُهْرٍ إنَّمَا الطُّهْرُ الْحَالَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ عَقِيبَهُ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَمَّا كَانَ الِانْقِطَاعُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْغُسْلِ بِدُونِهِ نُسِبَتْ السَّبَبِيَّةُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِي الْحَقِيقَةِ خُرُوجُ الدَّمِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ الْغُسْلُ يَجِبُ بِخُرُوجِ الدَّمِ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ أَوْ يَجِبُ بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ الثَّانِيَ بِأَنَّ الْحَيْضَ اسْمٌ لِدَمٍ مَخْصُوصٍ وَالْجَوْهَرُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَعْنَى وَالْحَقُّ غَيْرُ الْقَوْلَيْنِ بَلْ إنَّمَا يَجِبُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْغُسْلُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَبْلَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْخِلَافِ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ قَبْلَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَظَهَرَ بِهَذَا ضَعْفُ مَا نَقَلَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخَّرَتْ الْغُسْلَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَعَامَّةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ بَقَاءَ الْبَكَارَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَيْسَ هَذَا مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ إذْ الْكَبِيرَةُ كَذَلِكَ؛ وَلِذَا قَالُوا لَوْ جُومِعَتْ الْبِكْرُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا حَمَلَتْ لِإِنْزَالِهَا إنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْغُسْلَ هَلْ يَجِبُ بِوَطْءِ الصَّغِيرَةِ حَيْثُ لَا مَانِعَ إلَّا الصِّغَرُ اخْتَلَفُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُفْضِي بِالْوَطْءِ لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ تَوَارَتْ الْحَشَفَةُ لِقُصُورِ الدَّاعِي وَإِلَّا وَجَبَ اهـ.

وَحَاصِلُهُ تَقْيِيدُ قَوْلِ السِّرَاجِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ إذَا لَمْ يُفِضْهَا بِشَرْطِ زَوَالِ عُذْرَتِهَا لَا مُطْلَقًا، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ سَوِيٌّ قَوْلُهُ إلَّا إذَا حَمَلَتْ لِمَا عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ إلَخْ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ نُورِ الْإِيضَاحِ الْكَبِيرِ قُلْت وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مُعَامَلَةُ الْخُنْثَى بِالْأَضَرِّ فِي أَحْوَالِهِ وَعَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ اهـ.

أَقُولُ: مُعَامَلَتُهُ بِالْأَضَرِّ وَالْأَحْوَطِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ دَائِمًا بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا هَذِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ إشْكَالَهُ أَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهِيَ لَا تَرْفَعُ الثَّابِتَ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً يَقِينًا فَلَا تَرْتَفِعُ بِشُبْهَةِ كَوْنِ فَرْجِهِ الْمُولِجَ أَوْ الْمَوْلَجَ فِيهِ أَصْلِيًّا بِخِلَافِ مَسَائِلِ تَوْرِيثِهِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مَا لَمْ يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ فَيُعَامَلُ بِالْأَضَرِّ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مَا يَثْبُتُ لَهُ إلَّا نَفْعٌ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ إذَا وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ كَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ، وَهُوَ الْأَدَاءُ مَعْلُومٌ وَالْمُفْسِدُ وَهُوَ الْمُحَاذَاةُ مَوْهُومٌ وَلِلتَّوَهُّمِ أُحِبُّ إعَادَةَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لِتَوَهُّمِ الْمُحَاذَاةِ اهـ.

ص: 63

الْعِرَاقِيِّينَ تَأْثَمُ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ لَا تَأْثَمُ

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وُجُوبُ الْوُضُوءِ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِلْحَدَثِ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ لِلصَّلَاةِ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فَائِدَتَهُ تَظْهَرُ فِي التَّعَالِيقِ كَأَنْ يَقُولَ إنْ وَجَبَ عَلَيْك غُسْلٌ فَأَنْت طَالِقٌ وَقَدْ ظَهَرَ لِي فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ مَا إذَا اُسْتُشْهِدَتْ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَمَنْ قَالَ السَّبَبُ نَفْسُ الْحَيْضِ قَالَ إنَّهَا تُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَرْفَعُ مَا وَجَبَ قَبْلَ الْمَوْتِ كَالْجَنَابَةِ وَمَنْ قَالَ إنَّ السَّبَبَ انْقِطَاعُهُ قَالَ لَا تُغَسَّلُ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَقَدْ صُحِّحَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الشَّهِيدِ أَنَّهَا تُغَسَّلُ فَكَانَ تَصْحِيحًا لِكَوْنِ السَّبَبِ الْحَيْضَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا دَلِيلُ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَالْإِجْمَاعُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِلْحَيْضِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِالْغُسْلِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ ثَبَتَ فِي الْعَشَرَةِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الِاغْتِسَالِ لِأَجْلِ خُرُوجِ الدَّمِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْعَشَرَةِ، فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا وَجَبَ الِاغْتِسَالُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لِتَتَأَكَّدَ بِهِ صِفَةُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَيْضِ وَزَوَالِ الْأَذَى لِيَثْبُتَ الْحِلُّ لِلزَّوْجِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْحِلُّ بِمُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لِوُجُودِ التَّأَكُّدِ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ دَيْنًا عَلَيْهَا، وَفِي الْعَشَرَةِ قَدْ تَأَكَّدَ صِفَةُ الطَّهَارَةِ بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ، فَانْعَدَمَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ فَلَا يُمْكِنُ الْإِلْحَاقُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحَدِّ بِاللِّوَاطَةِ بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ بَعْدَ الْحُرْمَةِ، وَهُوَ كَثْرَةُ الْوُقُوعِ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا الْحَدَثُ أَوْ إرَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخِلَافِ، وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ هُنَا

فَأَمَّا الْفَرْقُ الَّذِي يَدَّعِيه، فَإِنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ لِثُبُوتِ الْحِلِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَجَبَ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ مَعَ انْعِدَامِ الْمَعْنَى الَّذِي يَدَّعِيه وَلَكِنَّهُ

وَإِنْ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ جُعِلَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّ الْحَيْضَ بِهِ يَنْتَهِي فَتَنْتَهِي الْحُرْمَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ فَعَرَفْنَا بِعِبَارَةِ النَّصِّ فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ حِرْمَانَ الْقُرْبَانِ مُغَيَّا إلَى الِاغْتِسَالِ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَبِإِشَارَتِهِ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ وَبِدَلَالَتِهِ وُجُوبُهُ فِي الْعَشَرَةِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا نَصَّ فِي النِّفَاسِ وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إجْمَاعُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خَبَرٍ فِي الْبَابِ لَكِنَّهُمْ تَرَكُوا نَقْلَهُ اكْتِفَاءً بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْقِيَاسِ عَلَى دَمِ الْحَيْضِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَمًا خَارِجًا مِنْ الرَّحِمِ اهـ.

وَالْمَذْكُورُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَصٍّ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَإِذَا أَجْنَبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْحَيْضُ، فَإِنْ شَاءَتْ اغْتَسَلَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَّرَتْ حَتَّى تَطْهُرَ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْحَائِضَ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَفِي اغْتِسَالِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ هَذِهِ الْفَائِدَةُ.

(قَوْلُهُ: لَا مَذْيٍ وَوَدْيٍ وَاحْتِلَامٍ بِلَا بَلَلٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَنِيٍّ أَيْ لَا يُفْتَرَضُ الْغُسْلُ عِنْدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْمَذْيُ فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْمَذْيُ بِإِسْكَانِ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالْمَذِيُّ بِكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهَاتَانِ مَشْهُورَتَانِ.

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ التَّخْفِيفُ أَفْصَحُ وَأَكْثَرُ وَالثَّالِثَةُ الْمَذْيِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَيُقَالُ مَذَى بِالتَّخْفِيفِ وَأَمْذَى وَمَذَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يُحِسُّ بِخُرُوجِهِ، وَهُوَ أَغْلَبُ فِي النِّسَاءِ مِنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي فَائِدَةٌ أُخْرَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَمَّا إذَا قُتِلَتْ قَبْلَ إتْمَامِهَا لَا تُغَسَّلُ إجْمَاعًا إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُعَكِّرُ عَلَى مَا سَبَقَ عَنْ الْهِنْدِيِّ فَيُحْمَلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ اهـ.

ص: 64

الرِّجَالِ.

وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الشَّهْوَةِ يُسَمَّى الْقَذَى بِمَفْتُوحَتَيْنِ وَالْوَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ عَنْ الْأُمَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَحَكَى صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ لُغَةً أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَهَذَانِ شَاذَّانِ يُقَالُ وَدَى بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَأَوْدَى وَوَدَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يُشْبِهُ الْمَنِيَّ فِي الثَّخَانَةِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْكُدُورَةِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ وَيَخْرُجُ عَقِيبَ الْبَوْلِ إذَا كَانَتْ الطَّبِيعَةُ مُسْتَمْسِكَةً وَعِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَيَخْرُجُ قَطْرَةً أَوْ قَطْرَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

وَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِهِمَا الْغُسْلُ وَجَبَ بِهِمَا الْوُضُوءُ وَفِي الْمَذْيِ حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَشْهُورُ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا

فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْوَدْيِ وَقَدْ وَجَبَ بِالْبَوْلِ السَّابِقِ عَلَيْهِ قُلْنَا عَنْ ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ أَحَدُهَا فَائِدَتُهُ فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، فَإِنَّ الْوَدْيَ يَنْقُضُ وُضُوءَهُ دُونَ الْبَوْلِ ثَانِيهَا فِيمَنْ تَوَضَّأَ عَقِبَ الْبَوْلِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَدْيِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَدْيُ فَيَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ ثَالِثُهَا يَجِبُ الْوُضُوءُ لَوْ تَصَوَّرَ الِانْتِقَاضَ بِهِ كَمَا فَرَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ لَوْ كَانَ يَقُولُ بِجَوَازِهَا قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَرَابِعُهَا الْوَدْيُ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجِمَاعِ وَبَعْدَ الْبَوْلِ، وَهُوَ شَيْءٌ لَزِجٌ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْخِزَانَةِ وَالتَّبْيِينِ فَالْإِشْكَالُ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ خَامِسُهَا أَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِالْبَوْلِ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ بِالْوَدْيِ بَعْدَهُ وَيَقَعُ الْوُضُوءُ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ فَرَعَفَ ثُمَّ بَالَ أَوْ عَكْسُهُ فَتَوَضَّأَ فَالْوُضُوءُ مِنْهُمَا فَيَحْنَثُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَتْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا وَحَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ فَهُوَ مِنْهُمَا وَتَحْنَثُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ الطَّهَارَةُ مِنْ الْأُولَى دُونَ الثَّانِي مُطْلَقًا وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ كَأَنْ بَالَ ثُمَّ بَالَ فَالْوُضُوءُ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ اخْتَلَفَ كَأَنْ بَالَ ثُمَّ رَعَفَ فَالْوُضُوءُ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ رَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ قَوْلَ الْجُرْجَانِيِّ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ يُثْبِتُ الْحَدَثَ ثُمَّ تَجِبُ إزَالَتُهُ عِنْدَ وُجُودِ شُرُوطِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا تَعَدُّدَ فِي أَسْبَابِهِ، فَالثَّابِتُ بِكُلِّ سَبَبٍ هُوَ الثَّابِتُ بِالْآخِرِ إذْ لَا دَلِيلَ يُوجِبُ خِلَافَ ذَلِكَ فَالنَّاقِضُ الْأَوَّلُ لَمَّا أَثْبَتَ الْحَدَثَ لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي شَيْئًا لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ الْأَسْبَابُ دَفْعَةً أُضِيفَ ثُبُوتُهُ إلَى كُلِّهَا وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ كَوْنَ كُلِّ عِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ كَوْنُ الْوَصْفِ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ أَثَرَ

وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ لِكُلٍّ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْقُولٌ يَجِبُ قَبُولُهُ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْحُكْمِ بِتَعَدُّدِ الْحُكْمِ هُنَا، وَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ وُقُوعَ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ بِحُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُمْ فِي الْأُصُولِ يُثْبِتُونَهُ، وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ الْحُلْمِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْمَنَامَاتِ يُقَالُ: حَلَمَ فِي مَنَامِهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ وَاحْتَلَمَ وَحَلَمْت كَذَا وَحَلَمْت بِكَذَا هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْجِمَاعِ فَيَحْدُثُ مَعَهُ إنْزَالُ الْمَنِيِّ غَالِبًا فَغَلَبَ لَفْظُ الِاحْتِلَامِ فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحُكْمُهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْغُسْلِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي بَعْضِ الشَّرْحِ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ الِاحْتِلَامَ قَالَ يَغْتَسِلُ وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ قَالَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْحُكْمِ بِتَعَدُّدِ الْحِكَمِ إلَخْ) هَذَا لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِتَوْجِيهِ قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ إذْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ بَلْ رَاجِعٌ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ نَاقِضٍ مُوجِبٌ لِحُكْمِهِ إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَعَدَّدَتْ فِيهِ الْعِلَلُ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ رَفْعُ وُقُوعِهَا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ أَثْبَتُوهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْحَدَثَ وَاحِدٌ لَا تَعَدُّدَ فِي أَسْبَابِهِ يَنْفِي مَا ذَكَرَهُ، وَكَانَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحِنْثِ، فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْحُكْمِ لَكِنَّ الْمُحَقِّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ وَالْحَقُّ أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَدَثِ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَبَيْنَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِنَاؤُهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَدَثِ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ بَوْلٍ وَرُعَافٍ تَوَضَّأْ مِنْهُمَا اهـ.

ص: 65

وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ الْمُتَقَدِّمُ،، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا هَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا عُدِمَ الشَّرْطُ انْعَدَمَ الْحُكْمُ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا بِأَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ أَثَّرَ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ وَسُنَّ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ وَعَرَفَةَ) أَيْ وَسُنَّ الْغُسْلُ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَيْ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ وَقِيلَ فَبِالرُّخْصَةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ هَذِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ لَا رُخْصَةٌ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ وَالضَّمِيرُ فِي فَبِهَا يَعُودُ إلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ مَشْهُورًا، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ مَالِكٍ فَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْوُجُوبِ إلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ وَتَمَسَّكُوا بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»

وَقَدْ أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ كَانَ وَنُسِخَ وَدُفِعَ بِأَنَّ النَّاسِخَ، وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِيهِ تَارِيخٌ أَيْضًا فَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُقَدَّمُ الْمُوجِبُ ثَانِيهَا أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءٍ عِلَّتِهِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا فَقَالُوا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ طَهُورٌ وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الْغُسْلُ «كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ إنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُ رِيَاحٌ حَتَّى أَذَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمَّا وَجَدَ عليه السلام تِلْكَ الرِّيَاحَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَمْثَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ النَّسَبُ وَبِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ شَرْعًا عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاجِبٌ فِي الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ وَحُسْنُ السُّنَّةِ بِقَرِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ وَمُنْفَصِلَةٍ أَمَّا الْمُتَّصِلَةُ، فَهِيَ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِمَا لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ وَالطِّيبُ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطِّيبَ وَالسِّوَاكَ لَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ، فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ التَّشْبِيهَ فِي الْهَيْئَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ لَا فِي كَوْنِهِ فَرْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوُضُوءِ، وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَهِيَ قَوْلُهُ «وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» ، وَأَمَّا كَوْنُ الْغُسْلِ سُنَّةً لِلْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 66