الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضَّرْبَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الْعُضْوِ مَسْحًا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ عَدَمُ اعْتِبَارِ ضَرْبَةِ الْأَرْضِ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ شَرْعًا، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَسْحُ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ غَيْرُ قَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء: 43] وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عليه السلام «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ» أَمَّا عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمَسْحَتَيْنِ كَمَا قُلْنَا أَوْ أَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَسْحًا أَوْ ضَرْبًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي مَوْضِعِ الْغُبَارِ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ يَجُوزُ وَلَوْ انْهَدَمَ الْحَائِطُ وَظَهَرَ الْغُبَارُ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ وَنَوَى التَّيَمُّمَ جَازَ وَالشَّرْطُ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ. اهـ.
وَهَذَا يُعَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَخْرَجَ الضَّرْبَةَ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ، وَأَمَّا مَنْ أَدْخَلَهَا فَلَا يُمْكِنُهُ الْقَوْلُ بِهَا فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ إذَا لَيْسَ فِيهَا ضَرْبٌ أَصْلًا لَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا عَلَى الْعُضْوِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ بِالضَّرْبِ الْفِعْلُ مِنْهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ ضَرْبًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا إذَا نَوَى بَعْدَ الضَّرْبِ فَمَنْ جَعَلَهُ رُكْنًا لَمْ يَعْتَبِرْ النِّيَّةَ بَعْدَهُ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ رُكْنًا اعْتَبَرَهَا بَعْدَهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ شُلَّتْ كِلَا يَدَيْهِ يَمْسَحُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يُيَمِّمَهُ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الْآمِرُ فَلَوْ ضَرَبَ الْمَأْمُورُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ بَعْدَ نِيَّةِ الْآمِرِ ثُمَّ أَحْدَثَ الْآمِرُ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ بِحَدَثِ الْآمِرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي شُجَاعٍ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِحَدَثِ الْمَأْمُورِ لِمَا أَنَّ الْمَأْمُورَ آلَةٌ وَضَرْبُهُ ضَرْبٌ لِلْآمِرِ فَالْعِبْرَةُ لِلْآمِرِ؛ وَلِهَذَا اشْتَرَطْنَا نِيَّتَهُ لَا نِيَّةَ الْمَأْمُورِ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَ
كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ
أَنْ يَضْرِبَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْفُضَهُمَا فَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَلَّ ثُمَّ يَضْرِبُ يَدَيْهِ ثَانِيًا عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْفُضُهُمَا فَيَمْسَحُ بِهِمَا كَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ كِلَيْهِمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا يَضْرِبُ يَدَيْهِ ثَانِيًا وَيَمْسَحُ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرُ يَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِكَفِّهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الرُّسْغِ وَيُمِرُّ بَاطِنَ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ؛ لِأَنَّ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمَلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، فَإِنَّ التُّرَابَ الَّذِي عَلَى يَدِهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَسْحِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ مَرَّةً وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ بَاطِنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ يُغْنِي عَنْهُ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ هَلْ الضَّرْبَةُ بِبَاطِنِ الْكَفَّيْنِ أَوْ بِظَاهِرِهِمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا بِظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْوَاوِ أَوْ إذْ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَفْظُهُ تَنْبِيهٌ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَضْرِبُ عَلَى الْأَرْضِ ظَاهِرَ كَفَّيْهِ أَوْ بَاطِنَهُمَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَضْرِبُ بَاطِنَهُمَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى ظَاهِرِ كَفَّيْهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِ كَفَّيْهِ إذَا ضَرَبَ بَاطِنَ كَفَّيْهِ عَلَى الْأَرْضِ اهـ ثُمَّ قَالَ قُلْت وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفِّ بَاطِنُهَا لَا ظَاهِرُهَا اهـ.
وَهَكَذَا فِي التَّوْشِيحِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ ذَكَرَ مَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مِنْ التَّصْحِيحِ.
وَ
سُنَنُ التَّيَمُّمِ
سَبْعَةٌ إقْبَالُ الْيَدَيْنِ بَعْدَ وَضْعِهِمَا عَلَى التُّرَابِ وَإِدْبَارُهُمَا وَنَفْضُهُمَا وَتَفْرِيجُ الْأَصَابِعِ وَالتَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِهِ وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ ذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ فِي الْمُبْتَغَى وَالْبَاقِيَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَبَعْضُهُمْ أَطْلَقَ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الِاسْتِحْبَابَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَنْفُضُهُمَا مَرَّةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ كَالزَّيْلَعِيِّ بِاخْتِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ، وَهُوَ تَنَاثُرُ التُّرَابِ إنْ حَصَلَ بِمَرَّةٍ اكْتَفَى بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ يَنْفُضُ مَرَّتَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ
ــ
[منحة الخالق]
[كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ]
(قَوْلُهُ: فَيَمْسَحُ بِهِمَا كَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ) أَيْ وَيُمِرُّ بِبَاطِنِ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى قَالَ الْعَارِفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله بَعْدَ نَقْلِهِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ وَهَذِهِ الصُّورَةَ حِكَايَةُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «تَيَمَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَكَذَا رَوَى جَابِرٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّ التُّرَابَ الَّذِي عَلَى يَدِهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَسْحِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ بِأَوَّلِ الْوَضْعِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُجْزِئَ فِي بَاقِي الْعُضْوِ، وَإِلَّا يُسْتَعْمَلْ بِأَوَّلِ الْوَضْعِ كَالْمَاءِ لَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْعَارِفُ فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَقِيلَ يَمْسَحُ بِجَمِيعِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَحَلِّهِ كَالْمَاءِ اهـ.
وَلِذَا عَبَّرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بِقَوْلِهِ وَالْأَحْسَنُ إشَارَةٌ إلَى تَجْوِيزِ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا صُورَةً لَا حَقِيقَةً وَلَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ مَرَّةً إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إذْ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى) قَالَ فِي النَّهْرِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْجَوَازَ حَاصِلٌ بِأَيِّهِمَا كَانَ نَعَمْ الضَّرْبُ بِالْبَاطِنِ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الذَّخِيرَةِ إلَخْ) أَقُولُ: رَاجَعْت الذَّخِيرَةِ فَرَأَيْته ذَكَرَ الْعِبَارَتَيْنِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْعِبَارَةَ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْرِبُ بِبَاطِنِ كَفِّهِ وَظَاهِرِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا يَصِيرُ رِوَايَةً أُخْرَى بِخِلَافِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ اهـ مَا رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ أَقُولُ: وَهَذَا يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاوِ وَحَقِيقَتُهَا تَأَمَّلْ.
[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]
(قَوْلُهُ: وَسُنَنُ التَّيَمُّمِ سَبْعَةٌ إلَخْ)
وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْفُضُ يَدَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَتَنَاثَرُ التُّرَابُ كَيْ لَا يَصِيرَ مُثْلَةً اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) يَعْنِي يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَالَ عَلَيْك بِالصَّعِيدِ» وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمَّارٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ، وَهُوَ جُنُبٌ» رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ
وَأَمَّا الْآيَةُ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ إلَى حَمْلِهَا عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ فَمَنَعُوا التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ وَذَهَبَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ إلَى أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجِمَاعِ فَجَوَّزُوهُ لِلْجُنُبِ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَرْجِيحًا لِسِيَاقِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ ثُمَّ نَقَلَ الْحُكْمَ إلَى التُّرَابِ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ وَذَكَرَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ بِقَوْلِهِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمُلَامَسَةِ عَلَى الْجِمَاعِ لِيَكُونَ بَيَانًا لِحُكْمِ الْحَدَثَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ كَمَا بَيَّنَ حُكْمَهُمَا عِنْدَ وُجُودِهِ وَالشَّافِعِيِّ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى الْجِمَاعِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ فَقَالَ بِإِبَاحَتِهِ لِلْجُنُبِ وَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ بِالْيَدِ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مُلْحَقَانِ بِالْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالشُّمُنِّيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ تَفْصِيلٌ فِي الْحَائِضِ، وَهِيَ أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ لِعَشْرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ لَهَا التَّيَمُّمُ، وَإِنْ طَهُرَتْ لِأَقَلَّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ الشُّمُنِّيَّ نَقَلَهُ عَنْهَا فِي تَيَمُّمِهَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَالْأَوَّلُ فِي مُطْلَقِ التَّيَمُّمِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِدَلِيلِ مَا اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِهِ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَالرَّجْعَةِ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَتَيَمَّمَتْ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَصَلَّتْ جَازَ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَهَلْ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ التَّيَمُّمِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الصَّلَاةِ بِهِ فِيهِ خِلَافٌ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ.
وَلَفْظُهُ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَوَقْتُ اغْتِسَالِهَا مِنْ الْحَيْضِ حَتَّى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَيْهَا مَعَ قُدْوَةِ الِاغْتِسَالِ فِيهِ، وَلَوْ تَيَمَّمَتْ، وَصَلَّتْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تُصَلِّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الرَّجْعَةِ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفُرُوعِ لَكِنْ صَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تُصَلِّيَ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا جَعَلَ التَّيَمُّمَ كَالِاغْتِسَالِ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَهُوَ قَطْعُ الرَّجْعَةِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ تَرْكُهُ فَلَيْسَ التَّيَمُّمُ فِيهِ كَالِاغْتِسَالِ كَمَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْحِلِّ لِلْأَزْوَاجِ وَفِي الْمُحِيطِ جُنُبٌ مَرَّ عَلَى مَسْجِدٍ فِيهِ مَاءٌ يَتَيَمَّمُ لِلدُّخُولِ وَلَا يُبَاحُ لَهُ إلَّا بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَيْنٌ صَغِيرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُ الِاغْتِرَافَ مِنْهُ لَا يَغْتَسِلُ فِيهَا وَيَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ يُفْسِدُهُ وَلَا يَخْرُجُ طَاهِرًا فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَلَوْ أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ فِي الْمَسْجِدِ قِيلَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ اعْتِبَارًا بِالدُّخُولِ وَقِيلَ يُبَاحُ؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَنْزِيهَ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَفِي الدُّخُولِ تَلْوِيثَهُ بِهَا. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْحَيْضِ تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: بِطَاهِرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَتَيَمَّمَ يَعْنِي يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةُ الصَّعِيدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَلَا طَيِّبَ مَعَ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ بِغُبَارِ ثَوْبٍ نَجَسٍ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ الْغُبَارُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ مَقْطُوعًا بِهَا حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ بِأَرْضٍ قَدْ أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا لَمْ يَجُزْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ مِنْهَا وَجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا أَنَّ الْجَفَافَ مُقَلِّلٌ لَا مُسْتَأْصِلٌ وَقَلِيلُهَا مَانِعٌ فِي التَّيَمُّمِ دُونَ الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْقَلِيلُ مَانِعًا فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ كَقَلِيلِهَا فِي الْمَاءِ مَانِعٌ
ــ
[منحة الخالق]
زَادَ الْعَارِفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ثَلَاثَةً أُخْرَى، وَهِيَ التَّيَامُنُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَالْمُجْتَبَى وَخُصُوصُ الضَّرْبِ عَلَى الصَّعِيدِ لِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالضَّرْبُ أَوْلَى لِيَدْخُلَ التُّرَابُ فِي أَثْنَاءِ الْأَصَابِعِ وَأَنْ يَكُونَ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا فَهِيَ عَشْرَةٌ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الشُّمُنِّيَّ إلَخْ) أَقُولُ: نَصُّ عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ هَكَذَا وَكَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْجُنُبِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرَةً، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ لَا يَجُوزُ اهـ بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ صَحِيحٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَادَتِهَا لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَيْضِ اتِّفَاقًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قُرْبَانُهَا، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَضْلًا عَنْ التَّيَمُّمِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ اهـ.
أَيْ قَوْلُهُ الْآتِي إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ أَيْ عَادَتُهَا ذَلِكَ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الظَّهِيرِيَّةِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرَةً إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الِانْقِطَاعُ لِلْعَادَةِ لَا لِلْأَقَلِّ فَهَذَا الْحَمْلُ بَعِيدٌ مِنْ عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا فَتَعَيَّنَ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ.
دُونَ الثَّوْبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْأَنْجَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي جَفَّتْ نَجِسَةٌ فِي حَقِّ التَّيَمُّمِ طَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا مُنِعَ التَّيَمُّمُ مِنْهَا لِفَقْدِ الطَّهُورِيَّةِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ بِمُطَهِّرٍ لِيَخْرُجَ مَا ذَكَرْنَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَلِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ بِمَعْنَى الْمُطَهَّرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَلَوْ تَيَمَّمَ اثْنَانِ مِنْ مَكَان وَاحِدٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِمَا الْتَزَقَ بِيَدِهِ لَا بِمَا فَضَلَ كَالْمَاءِ الْفَاضِلِ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ وُضُوءِ الْأَوَّلِ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ تَصَوُّرَ اسْتِعْمَالِهِ وَقَصْرِهِ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَمْسَحَ الذِّرَاعَيْنِ بِالضَّرْبَةِ الَّتِي مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ لَيْسَ غَيْرُ (قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) يَعْنِي يَتَيَمَّمُ بِمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى: كُلُّ مَا يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ فَيَصِيرُ رَمَادًا كَالشَّجَرِ أَوْ يَنْطَبِعُ وَيَلِينُ كَالْحَدِيدِ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ اهـ.
فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْأَشْجَارِ وَالزُّجَاجِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الرَّمْلِ وَغَيْرِهِ وَالْمَاءُ الْمُتَجَمِّدُ وَالْمَعَادِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي مَحَالِّهَا فَيَجُوزُ لِلتُّرَابِ الَّذِي عَلَيْهَا لَا بِهَا نَفْسِهَا وَاللُّؤْلُؤُ، وَإِنْ كَانَ مَسْحُوقًا؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ حَيَوَانٍ فِي الْبَحْرِ وَالدَّقِيقُ وَالرَّمَادُ وَيَجُوزُ بِالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَالسَّبْخَةِ الْمُنْعَقِدَةِ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ وَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْعَقِيقِ وَالْبَلْخَشِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَدَمُ الْجَوَازِ بِالْمَرْجَانِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّوْشِيحِ وَالْعِنَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالتَّبْيِينِ الْجَوَازُ فَكَانَ الْأَوَّلُ سَهْوًا
وَأَمَّا الْمِلْحُ، فَإِنْ كَانَ مَائِيًّا فَلَا يَجُوزُ بِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ جَبَلِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَصُحِّحَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ بِهِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَيَجُوزُ بِالْآجُرِّ الْمَشْوِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُسْتَحْجَرٌ وَكَذَا بِالْخَزَبِ الْخَالِصِ إلَّا إذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَبْغٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَذَا أَطْلَقَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ التُّرَابُ إذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُفَصِّلَ فِي الْمُخَالِطِ لِلنِّيءِ بِخِلَافِ الْمَشْوِيِّ لِاحْتِرَاقِ مَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَإِذَا احْتَرَقَتْ الْأَرْضُ بِالنَّارِ إنْ اخْتَلَطَتْ بِالرَّمَادِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَالِبُ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلتُّرَابِ جَازَ بِهِ التَّيَمُّمُ، وَإِلَّا فَلَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْأَرْضِ الْمُحْتَرِقَةِ فِي الْأَصَحِّ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَالظَّاهِرُ التَّفْصِيلُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَيَمَّمَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ كَانَ مَسْبُوكًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْبُوكًا، وَكَانَ مُخْتَلِطًا بِالتُّرَابِ وَالْغَلَبَةُ لِلتُّرَابِ جَازَ اهـ.
فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ
وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا الطِّينَ يُلَطِّخُهُ بِثَوْبِهِ فَإِذَا جَفَّ تَيَمَّمَ بِهِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَيَمَّمُ بِالطِّينِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ لَا اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْهُ وَالطِّينُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ إلَّا إذَا صَارَ مَغْلُوبًا بِالْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ الْجَوَازَ بِالطِّينِ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لِلتُّرَابِ الَّذِي عَلَيْهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ قَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنْ يَسْتَبِينَ أَثَرَ التُّرَابِ بِمَدِّهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِينُ لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ، وَهُوَ حَسَنٌ فَلْيُحْفَظْ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ.
(قَوْلُهُ: فَكَانَ الْأَوَّلُ سَهْوًا) أَقُولُ: الَّذِي حَرَّرَهُ صَاحِبُ الْمِنَحِ عَدَمُ الْجَوَازِ بِالْمَرْجَانِ لِشَبَهِهِ بِالنَّبَاتِ لِكَوْنِهِ أَشْجَارًا نَابِتَةً فِي قَعْرِ الْبَحْرِ قَالَ فَلَا سَهْوَ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ بَلْ الصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَأَطَالَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَأَرْجَعَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نَقَلَ عِنْدَ كَلَامِ الْكَمَالِ إلَى كَلَامِهِمْ قَالَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ فَالْمُرَادُ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ كَمَا فَسَّرَ بِهِ فِي الْآيَةِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ غَيْرُ مَا أَرَادَهُ فِي التَّوْشِيحِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَشْوِيِّ لِاحْتِرَاقِ مَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَا مِنْ النُّسَخِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ لَا يَجُوزَ بِالْآجُرِّ الْمَشْوِيِّ ثُمَّ رَاجَعْت فَتْحَ الْقَدِيرِ فَإِذَا فِيهِ لِاحْتِرَاقِ مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ سَقْطًا بِسَبَبِهِ اخْتَلَّ الْكَلَامُ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْجَوَازَ بِالطِّينِ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فِي اسْتِفَادَةِ تَقْيِيدِ الْجَوَازِ بِمَا ذُكِرَ نَظَرٌ إذْ عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجِيِّ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ فِي رَدْغَةِ طِينٍ وَلَمْ يَجِدْ الصَّعِيدَ فَنَفَضَ لِبْدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ وَتَيَمَّمَ بِغُبَارِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غُبَارٌ لَطَّخَ ثَوْبَهُ مِنْ الطِّينِ حَتَّى إذَا جَفَّ تَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَحْصِيلُ التُّرَابِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمَاءِ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ لَا يَتَيَمَّمُ بِالطِّينِ مَا لَمْ يَجِفَّ لَكِنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالتُّرَابِ أَوْ بِالرَّمْلِ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ خَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ تَيَمَّمَ بِالطِّينِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بِالطِّينِ عِنْدَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ قَبْلَ خَوْفِ ذَهَابِ الْوَقْتِ كَيْ لَا يَتَلَطَّخَ بِوَجْهِهِ فَيَصِيرُ بِمَعْنَى الْمُثْلَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّعِيدِ
أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ مَعَ هَذَا كَمَا لَوْ نَفَضَ ثَوْبَهُ وَتَيَمَّمَ بِغُبَارِهِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ عِنْدَهُ
وَصَاحِبُ الْمُبْتَغَى بِأَنْ يَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا كَيْ لَا يَتَلَطَّخَ وَجْهُهُ فَيَصِيرَ بِمَعْنَى الْمُثْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَوْ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَوْ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يَسْتَبِينُ أَثَرُهُ بِمَدِّهِ عَلَيْهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِينُ لَا يَجُوزُ اهـ.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ التَّيَمُّمِ عَلَى جُوخَةٍ أَوْ بِسَاطٍ عَلَيْهِ غُبَارٌ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِقِلَّةِ وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ فِي نَحْوِ الْجُوخَةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «قَالَ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ «وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَالصَّعِيدُ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ الزَّجَّاجُ لَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَفْهُومَهُ وَجَبَ تَعْمِيمُهُ وَتَعَيَّنَ حَمْلُ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّعِيدَ بِالتُّرَابِ عَلَى الْأَغْلَبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهَا لِلْجِنْسِ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا جُعِلَتْ مَسْجِدًا وَمَا جُعِلَ مَسْجِدًا هُوَ الَّذِي جُعِلَ طَهُورًا وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ «إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْك الْأَرْضَ» وَلَمْ يَقُلْ التُّرَابَ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَيَمَّمَ عَلَى الْجِدَارِ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ حِيطَانُ الْمَدِينَةِ مَبْنِيَّةٌ مِنْ حِجَارَةٍ سُودٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ الطَّهَارَةُ بِهَذَا التَّيَمُّمِ لَمَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم
وَأَمَّا رِوَايَةُ «وَتُرَابُهَا طَهُورٌ» فَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّ الثَّابِتَ وَتُرْبَتُهَا وَلَا يُرَادُ بِهَا التُّرَابُ بَلْ مَكَانُ تُرْبَتِهَا مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ التُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَوْ سَلَّمَ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَمَلٌ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا يُخَصِّصُ رِوَايَةَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ إخْرَاجُ الْفَرْدِ مِنْ حُكْمِ الْعَامِّ، وَهَذَا رَبْطُ حُكْمِ الْعَامِّ نَفْسِهِ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَعْنَاهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْجُمْهُورَ أَنَّهُ إذْ وَافَقَ خَاصٌّ عَامًّا لَمْ يُخَصِّصْهُ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ كَقَوْلِهِ «أَيُّمَا أَهَاب» وَكَقَوْلِهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ «دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» لَنَا لَا تَعَارُضَ فَالْعَمَلُ بِهِمَا وَاجِبٌ، فَإِنْ قِيلَ الْمَفْهُومُ مُخَصِّصٌ عِنْدَ قَائِلِيهِ فَذِكْرُهَا يُخْرِجُ غَيْرَهَا قُلْنَا أَمَّا عَلَى أَصْلِنَا فَظَاهِرٌ وَمَنْ أَجَازَ الْمَفْهُومَ فَبِغَيْرِ اللَّقَبِ اهـ.
وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أُصُولِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَقَوْلُهُمْ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ النَّصِّ عَلَى بَعْضِ أَشْخَاصِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] اهـ.
وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُمَا مِنْهُ وَقَوْلُهُمْ إنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ إذَا اقْتَرَنَ بِقَرِينَةٍ، وَهِيَ هُنَا مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ قُلْنَا إنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ.
(قَوْلُهُ:، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَقْعٌ وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِنْسِ الْأَرْضِ غُبَارٌ حَتَّى لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حَجَرٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ يَجُوزُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] قُلْنَا مِنْ لِلِابْتِدَاءِ فِي الْمَكَانِ إذْ لَا يَصِحُّ فِيهَا ضَابِطُ التَّبْعِيضِيَّةِ، وَهُوَ وَضْعُ بَعْضٍ مَوْضِعَهَا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ إذْ لَوْ قِيلَ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ بَعْضُهُ أَفَادَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ جَعْلُ الصَّعِيدِ مَمْسُوحًا وَالْعُضْوَيْنِ آلَتُهُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا وَلَا يَصِحُّ فِيهَا ضَابِطُ الْبَيَانِيَّةِ، وَهُوَ وَضْعُ الَّذِي
ــ
[منحة الخالق]
مُتَعَلِّقٌ بِالتُّرَابِ أَوْ بِالرَّمْلِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ.
كَلَامُهُ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَهُ بِالطِّينِ جَائِزٌ إلَخْ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَهُ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُثْلَةِ وَجَبَ تَأْخِيرُ فِعْلِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لِئَلَّا يُبَاشِرَ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمُثْلَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لَمْ يَجُزْ، وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ جَوَازَهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَبِمَا سَبَقَ ظَهَرَ لَك صِحَّةُ مَا بَحَثْته فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْجُوخَةِ وَأَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ بِحُصُولِ الْغُبَارِ وَعَدَمِهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنِّي رَأَيْت الشَّيْخَ عُمَرَ بْنَ نُجَيْمٍ رحمه الله فِي النَّهْرِ ذَكَرَ عَيْنَ مَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ ثُمَّ إنِّي رَاجَعْت الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِذَا الَّذِي فِيهَا وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ الْمُتَقَدِّمَةَ ثُمَّ قَالَ فَتَوَهَّمَ رحمه الله أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَوْ فَعَلَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ بِمَا هُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْزَائِهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ التَّفْصِيلُ إنْ اسْتَبَانَ أَثَرُهُ جَازَ، وَإِلَّا لَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ خُصُوصًا فِي ثِيَابِ ذَوِي الْأَشْغَالِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمُخْتَارِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْمُسَمَّى بِالْحَقَائِقِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ اهـ.
وَأَقُولُ: قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي غَرِيبٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ «وَجُعِلَ تُرْبَتَهَا لَنَا طَهُورًا» مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ وَتُرَابُهَا طَهُورًا إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ هُنَا تُرَابَهَا لَا تُرْبَتَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُمْ إنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ) بِجَرِّ قَوْلٍ عَطْفًا عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَسْبُوكِ الْوَاقِعِ
مَوْضِعَهَا مَعَ جُزْءٍ لِيَتِمَّ صِلَةُ الْمَوْصُولِ كَمَا فِي {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِثْلُهُ تَوَضَّأْت مِنْ النَّهْرِ أَيْ ابْتِدَاءً الْأَخْذُ لِلْوُضُوءِ مِنْ النَّهْرِ وَفِي الْكَشَّافِ، فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُمْ إنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ قَوْلٌ مُتَعَسِّفٌ وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَسَحْت بِرَأْسِي مِنْ الدُّهْنِ وَمِنْ الْمَاءِ وَمِنْ التُّرَابِ إلَّا مَعْنَى التَّبْعِيضِ قُلْت هُوَ كَمَا تَقُولُ وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ النِّسَاءِ وَاخْتَارَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهَا لِتَبْيِينِ جِنْسِ مَا تَمَاسُّهُ الْآلَةُ الَّتِي بِهَا يَمْسَحُ الْعُضْوَيْنِ عَلَى أَنَّ فِي الْآيَةِ شَيْئًا مُقَدَّرًا طُوِيَ ذِكْرُهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ دَأْبُ إيجَازِ الْحَذْفِ الَّذِي هُوَ بَابٌ مِنْ الْبَلَاغَةِ التَّقْدِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ امْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِمَّا مَسَّهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّعِيدِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ اسْتِعْمَالَ جُزْءٍ مِنْ الصَّعِيدِ فِي الْعُضْوَيْنِ قَطْعًا اهـ.
وَقَوْلُهُ: وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ أَيْ بِالنَّقْعِ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِلَا عَجْزٍ عَنْ التُّرَابِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ (تَنْبِيهَاتٌ) :
الْأَوَّلُ: أَنَّ الصَّعِيدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ ظَرْفُ مَكَان عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ يَشْتَرِطُ التُّرَابَ مَفْعُولٌ بِهِ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْبَاءِ أَيْ بِصَعِيدٍ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
الثَّانِي: أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى التَّيَمُّمِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ لِكَوْنِهِ عَبَثًا الثَّالِثُ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ هَاهُنَا لَطِيفَةٌ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ دُرَّةً وَنَظَرَ إلَيْهَا فَصَارَتْ مَاءً ثُمَّ تَكَاثَفَ مِنْهُ وَصَارَ تُرَابًا وَتَلَطَّفَ مِنْهُ فَصَارَ هَوَاءً وَتَلَطَّفَ مِنْهُ فَصَارَ نَارًا فَكَانَ الْمَاءُ أَصْلًا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ التَّوْرَاةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِالْمَعْدِنِ كَالْحَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْمَاءِ وَحْدَهُ حَتَّى يَقُومَ مَقَامَهُ وَلَا لِلتُّرَابِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَقُومَ مَقَامَهُ.
(قَوْلُهُ: نَاوِيًا) أَيْ يَتَيَمَّمُ نَاوِيًا وَهِيَ مِنْ شُرُوطِهِ وَالنِّيَّةُ وَالْقَصْدُ الْإِرَادَةُ الْحَادِثَةُ؛ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ لِلَّهِ تَعَالَى نَاوٍ وَلَا قَاصِدٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَنْوِيُّ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ أَوْ الطَّهَارَةُ أَوْ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ وَمَا وَقَعَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي التَّيَمُّمِ هِيَ نِيَّةُ التَّطْهِيرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يُنَافِيهِ لِتَضَمُّنِهَا نِيَّةَ التَّطْهِيرِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِنِيَّةِ التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شُرِعَتْ لِلصَّلَاةِ وَشُرِطَتْ لِإِبَاحَتِهِمَا فَكَانَتْ نِيَّتُهَا نِيَّةَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ لِتَعْلِيمِ الْغَيْرِ لَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْأَصَحِّ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَلَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ
وَالْمُرَادُ بِالْقُرْبَةِ الْمَقْصُودَةِ أَنْ لَا تَجِبَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ حَتَّى لَوْ تَلَاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ آخَرَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ إذَا وَجَبَتْ فِي وَقْتٍ نَاقِصٍ لَا تُؤَدَّى فِي نَاقِصٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ لَيْسَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ مِنْ جِهَتَيْنِ وَالْمُرَادُ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا أَنَّهَا شُرِعَتْ ابْتِدَاءً تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ تَبَعًا لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْمُرَادُ بِمَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ هَيْئَةَ السُّجُودِ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا عِنْدَ التِّلَاوَةِ بَلْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى التَّوَاضُعِ الْمُحَقِّقِ لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمُخَالَفَةِ أَهْلِ الطُّغْيَانِ فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يَخْتَصُّ إقَامَةُ الْوَاجِبِ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ بَلْ يَنُوبُ الرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ مَنَابَهَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ تَبَعًا لِلْخَبَّازِيَّةِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ مَسِّهِ أَوْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَوْ
ــ
[منحة الخالق]
مُضَافٍ إلَى تَسْلِيمٍ أَيْ وَتَسْلِيمُ قَوْلِهِمْ أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ تَوَضَّأْت مِنْ النَّهْرِ) أَيْ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء: 43] الْآيَةُ فِي كَوْنِ مِنْ لِلِابْتِدَاءِ فِي الْمَكَانِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَنَّ الصَّعِيدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ ظَرْفُ مَكَان إلَخْ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَوْ الشَّرْعِيَّ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَكُونُ الْمَعْنَى اقْصِدُوا وَجْهَ الْأَرْضِ فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ لَا ظَرْفٌ نَظِيرُ قَوْلِك قَصَدْت دَارَ زَيْدٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ كَمَا نَسَبَهُ إلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفَ مَكَان؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بَلْ هُوَ اسْمُ مَكَان نَعَمْ يَجُوزُ فِي اسْمِ الْمَكَانِ النَّصْبُ وَلَكِنْ يَكُونُ نَصْبُهُ نَصْبُ الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى التَّوَسُّعِ فِي الْكَلَامِ لَا نَصْبُ الظَّرْفِ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ غَيْرَ الْمُشْتَقِّ مِنْ اسْمِ الْحَدَثِ يَتَعَدَّى إلَيْهِ كُلُّ فِعْلٍ وَالْبَيْتُ وَالدَّارُ مَثَلًا فِي قَوْلِك دَخَلْت الْبَيْتَ أَوْ الدَّارَ لَيْسَا كَذَلِكَ فَلَا يُقَالُ نِمْت الْبَيْتَ وَلَا قَرَأْت الدَّارَ مَثَلًا كَمَا يُقَالُ نِمْت أَمَامَك وَقَرَأْت عِنْدَك فَهُوَ حِينَئِذٍ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّوَسُّعِ بِإِجْرَاءِ اللَّازِمِ مَجْرَى الْمُتَعَدِّي لَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَمِثْلُهُ وَجْهُ الْأَرْضِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: إنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى التَّيَمُّمِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَكَذَا الْغُسْلُ عَلَى الْغُسْلِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ الطَّهَارَةَ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ) مَنْصُوبَاتٌ بِالْعَطْفِ عَلَى خَبَرِ يَكُونُ
دَفْنِ الْمَيِّتِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ أَوْ السَّلَامِ أَوْ رَدِّهِ أَوْ الْإِسْلَامِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَالْإِسْلَامُ وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَكِنْ يَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ هَكَذَا أَطْلَقُوا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْمَنْعَ
وَفِي الْمُحِيطِ أُطْلِقَ الْجَوَازُ وَسَوَّى بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إذَا تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ فِيهَا، فَإِنْ تَيَمَّمَ لَهَا، وَهُوَ جُنُبٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يُفَصِّلَا فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَبَعٌ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ كَوْنُ الْمَنْوِيِّ عِبَادَةً مَقْصُودَةً أَوْ جُزْأَهَا، وَهُوَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَالْقِرَاءَةُ جُزْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ الْمَقْصُودَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ جُنُبًا وُجِدَ الشَّرْطُ الْأَخِيرُ، وَهُوَ عَدَمُ حِلِّ الْفِعْلِ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَكَمُلَ الشَّرْطُ فَجَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا عَدِمَ الشَّرْطَ الْأَخِيرَ وَلَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ وَخَرَجَ التَّيَمُّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا أَمَّا إنْ كَانَ لِلْحَدَثِ فَظَاهِرٌ لِفَوَاتِ الشَّرْطَيْنِ، وَأَمَّا لِلْجَنَابَةِ فَهُوَ، وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْأَخِيرُ، وَهُوَ عَدَمُ الْحِلِّ إلَّا أَنَّهُ عَدَمُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كَوْنُهُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً أَوْ جُزْأَهَا وَخَرَجَ التَّيَمُّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ عِبَادَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِلِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْعِبَادَةُ هِيَ الِاعْتِكَافُ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ تَبَعٌ لَهُ فَكَانَتْ عِبَادَةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِسَجْدَةِ الشُّكْرِ لَا يُصَلِّي بِهِ الْمَكْتُوبَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا قُرْبَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنْ قُلْت ذَكَرْت أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لِرَدِّ السَّلَامِ لَا تُصَحِّحُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ «أَنَّهُ عليه السلام تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ» عَلَى مَا أَسْلَفْته فِي الْأَوَّلِ، فَالْجَوَابُ إنَّ قَصْدَ رَدِّ السَّلَامِ بِالتَّيَمُّمِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَوَى عِنْدَ فِعْلِ التَّيَمُّمِ التَّيَمُّمَ لَهُ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ نَوَى مَا يَصِحُّ مَعَهُ التَّيَمُّمُ ثُمَّ يَرُدُّ السَّلَامَ إذَا صَارَ طَاهِرًا اهـ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ عَدَمَ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِلسَّلَامِ كَمَا زَعَمَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلسَّلَامِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ
وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلسَّلَامِ أَوْ لِرَدِّهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ فَعُلِمَ أَنَّ جَوَازَ الصَّلَاةِ بِهِ حُكْمٌ آخَرُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا فَعَلَهُ عليه السلام، فَإِنَّهُ تَيَمَّمَ لِلسَّلَامِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَادِمًا لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ اهـ.
وَعَلَى أُصُولِنَا لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْحَمْلِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا مَا يَفُوتُ لَا إلَى خَلْفٍ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عليه السلام لَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ بَلْ عِنْدَنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ مَا لَيْسَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي فِعْلِهِ وَحِلِّهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِدُخُولِ مَسْجِدٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَكَذَا لِلنَّوْمِ فِيهِ اهـ.
وَتَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ عليه السلام نَوَى مَعَهُ مَا يَصِحُّ مَعَهُ التَّيَمُّمُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِالْمُسَافِرِ أَمَّا إذْ يَتَيَمَّمُ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ لِخَوْفِ الْفَوْتِ، فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ يَبْطُلُ بِفَرَاغِهِ مِنْهَا وَمِمَّا تَقَدَّمَ عُلِمَ أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لَا تَكْفِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَوْ الْإِسْلَامُ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَنْبَغِي عَدُّ الْإِسْلَامِ هُنَا كَمَا وَقَعَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَهُ لَكِنْ لَا يُصَلِّي بِهِ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادُ الْعَدَمِ أَهْلِيَّتَهُ لِلنِّيَّةِ اهـ.
أَقُولُ: سَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِهِ فَعَدُّهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ خَرْأَهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ زَادَهُ فِي الضَّابِطِ لِإِدْخَالِ الْقِرَاءَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ وُقُوعُ الْقِرَاءَةِ جُزْءَ عِبَادَةٍ مِنْ وَجْهٍ لَا يُنَافِي وُقُوعَهَا عِبَارَةً مَقْصُودَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا سُجُودَ التِّلَاوَةِ فِي قَوْلِهِمْ عِبَادَةً مَقْصُودَةً مَعَ أَنَّ السُّجُودَ جُزْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ.
(قَوْلُهُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا وَأَنَّى يُتَخَيَّلُ مَا ذُكِرَ مَعَ قَوْلِهِ ذَكَرْت إلَخْ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلسَّلَامِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ لَا تُصَحِّحُهُ أَيْ الصَّلَاةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ اهـ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ السُّؤَالِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بَلْ عِنْدَنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ أَعَمُّ مِنْ وَجْهٍ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِاجْتِمَاعِ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي رَدِّ السَّلَامِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ وَيَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ وَانْفِرَادُ الْأُولَى فِي مِثْلِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَإِنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ وَلَا تَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ وَانْفِرَادُ الثَّانِيَةِ فِي مِثْلِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنْ يَفُوتَ لَا إلَى خَلَفٍ
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُبْتَغَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا فِي الْمُبْتَغَى إنْ كَانَ مَعْنَاهُ لِلْجُنُبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ امْتَنَعَ هَذَا التَّعْلِيلُ اهـ.
أَقُولُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُبْتَغَى مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ يُعَيِّنُ حَمْلَهُ عَلَى الْمُحْدِثِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ اعْتَرَضَ عَلَى النَّهْرِ