المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الركوع والسجود في الصلاة] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ١

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌[سَبَبُ وُجُوب الطَّهَارَةُ]

- ‌[أَحْكَام الْوُضُوء]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[أَرْكَانُ الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءُ]

- ‌[نَوَاقِض الْوُضُوء]

- ‌[أَحْكَام الْغُسْل]

- ‌[فَرَائِض الْغُسْل]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْل]

- ‌ آدَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَات الْغُسْل]

- ‌[الْغُسْل الْمُسِنُّونَ]

- ‌[الْغُسْل الواجب]

- ‌[أَحْكَام الْمِيَاه]

- ‌[الْوُضُوء بِمَاءِ السَّمَاءِ]

- ‌[الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ]

- ‌[مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ]

- ‌ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ

- ‌[صِفَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[حُكْم الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ]

- ‌[الطَّهَارَة بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْد الْفِيل إذَا دُبِغَ]

- ‌[التَّدَاوِي بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[طَهَارَة سُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[سُؤْرُ الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ]

- ‌ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم]

- ‌[شَرَائِط التَّيَمُّم]

- ‌كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ

- ‌سُنَنُ التَّيَمُّمِ

- ‌[نَوَاقِض التَّيَمُّم]

- ‌ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ

- ‌[رَجُلٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ]

- ‌[الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ]

- ‌ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ]

- ‌[بَيَان مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مَحَلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَمْنَع الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةُ الْقُرْحَةِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازُ]

- ‌[الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[كَيْفِيَّة الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الْحَيْضِ]

- ‌[مَا يَمْنَعهُ الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْض]

- ‌[الْمُحَيِّرَةِ فِي الْحَيْض]

- ‌[الْحُكْمِ فِيمَا لَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ]

- ‌[حَيْض الْمُبْتَدَأَة وَنِفَاسهَا]

- ‌[أَحْكَام النِّفَاسُ]

- ‌ أَقَلَّ النِّفَاسِ

- ‌(بَابُ الْأَنْجَاسِ)

- ‌[التَّطْهِيرُ بِالدُّهْنِ]

- ‌جِلْدَةُ آدَمِيٍّ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ

- ‌[طَهَارَة دَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ]

- ‌النَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ

- ‌[الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ مُنْقٍ]

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[آدَاب دُخُولَ الْخَلَاءِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّلَاة]

- ‌[أَوْقَات الصَّلَاة]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْفَجْرِ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعَصْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْمَغْرِبُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الظُّهْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِشَاءُ]

- ‌[الْأَوْقَات المنهي عَنْ الصَّلَاة فِيهَا]

- ‌[التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ)

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَة بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ

- ‌[جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌[أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ]

- ‌ أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ)

- ‌(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)

- ‌[تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاة]

- ‌ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ

- ‌[الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَكْبِير الْعِيدَيْنِ]

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ الْإِمَامَةِ)

- ‌[شَرَائِطِ صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[صِفَة الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا]

- ‌[جَمَاعَةُ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[وُقُوف الْمَأْمُومِينَ فِي الصَّلَاة خَلْف الْإِمَام]

- ‌[حُضُور النِّسَاء الْجَمَاعَاتِ ومَجَالِسِ الْوَعْظِ]

- ‌[اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي

- ‌ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ)

- ‌[اقْتِدَاء غَاسِلٍ بِمَاسِحٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ

- ‌(بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌[سَبَقَهُ حَدَثٌ وَكَانَ إمَامًا فِي الصَّلَاة]

- ‌[رَأَى الْإِمَام المُتَيَمِّمٌ مَاءً]

- ‌[اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ فِي الصَّلَاة]

الفصل: ‌[الركوع والسجود في الصلاة]

الْغَزْنَوِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا رُكْنٌ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الرُّكْنَ إلَى أَصْلِيٍّ، وَهُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَزَائِدٍ، وَهُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ، وَجَعَلُوا الْقِرَاءَةَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي بِالِاقْتِدَاءِ عِنْدَنَا وَعَنْ الْمُدْرِكِ فِي الرُّكُوعِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ تَعَقَّبَ كَوْنَ الرُّكْنِ يَكُونُ زَائِدًا فَإِنَّ الرُّكْنَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالزِّيَادَةِ وَأَجَابَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ بِأَنَّهُمَا بِاعْتِبَارَيْنِ فَتَسْمِيَتُهُ رُكْنًا بِاعْتِبَارِ قِيَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِهِ فِي حَالَةٍ بِحَيْثُ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهُ انْتِفَاءَهُ، وَتَسْمِيَتُهُ زَائِدًا فَلِقِيَامِهِ بِدُونِهِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى بِحَيْثُ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهُ انْتِفَاءَهُ وَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لِأَنَّهَا مَاهِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا الشَّارِعُ تَارَةً بِأَرْكَانٍ وَأُخْرَى بِأَقَلَّ مِنْهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا تَسْمِيَةُ غَسْلِ الرِّجْلِ رُكْنًا زَائِدًا فِي الْوُضُوءِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الزَّائِدَ هُوَ مَا إذَا سَقَطَ لَا يَخْلُفُهُ بَدَلٌ وَالْمَسْحُ بَدَلُ الْغُسْلِ فَلَيْسَ بِزَائِدٍ اهـ.

وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ بَقِيَّةِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوَائِدَ لِوُجُودِ الْخَلَفِ لَهَا، وَذَكَرَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ مَعْنَى الرُّكْنِ الزَّائِدِ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي إذَا انْتَفَى كَانَ حُكْمُ الْمُرَكَّبِ بَاقِيًا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْكَمِيَّةِ كَالْإِقْرَارِ فِي الْإِيمَانِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْكَمْيَّةِ كَالْأَقَلِّ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُ وَمِنْ الْأَكْثَرِ حَيْثُ يُقَالُ: لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ اهـ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ وَالْقِرَاءَةُ رُكْنٌ زَائِدٍ مَعَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَقْوَى مِنْهُ بِدَلِيلِ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي بَحْثِ الْقِيَامِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْقُعُودَ مَعَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الْقُعُودُ، وَالْقِرَاءَةُ لَا بَدَلَ لَهَا، وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ الْمَلِكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْجَمَّ الْغَفِيرَ وَجَعَلَ الْقِرَاءَةَ رُكْنًا أَصْلِيًّا، وَحَدُّ الْقِرَاءَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ بِلِسَانِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَقَدْرِ الْفَرْضِ فِي الْفَرْضِ، وَفِي النَّفْلِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِمَا وَرُكْنِيَّتِهِمَا وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الرُّكُوعِ فَفِي الْبَدَائِعِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ: الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الرُّكُوعِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ، وَفِي الْحَاوِي: فَرْضُ الرُّكُوعِ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: الرُّكُوعُ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ، وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْنِ ظَهْرَهُ أَصْلًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الرُّكُوعِ، وَهُوَ حَسَنٌ، كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَفِيهَا: الْأَحْدَبُ إذَا بَلَغَتْ حُدُوبَتُهُ إلَى الرُّكُوعِ يَخْفِضُ رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِي حَقِّهِ، وَحَقِيقَةُ السُّجُودِ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ فَدَخَلَ الْأَنْفُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ وَمَا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِ

ــ

[منحة الخالق]

[الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ]

(قَوْلُهُ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ) عِبَارَةُ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى أَنَّهَا فَرْضٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِلَا ضَرُورَةٍ لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ زَائِدًا وَسُقُوطُهُ فِيمَا مَرَّ لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ، وَمِنْ هُنَا ادَّعَى ابْنُ الْمَلَكِ أَنَّهُ أَصْلِيٌّ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا تَلْزَمُ زِيَادَتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ يَسْقُطُ بِالْمَسْحِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الزَّائِدُ هُوَ السَّاقِطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِلَا خَلَفٍ بِخِلَافِ الْأَصْلِيِّ. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ خَلَفٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْمُؤْتَمِّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلَفِ خَلَفٌ يَأْتِي بِهِ مَنْ فَاتَهُ الْأَصْلُ وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَيَرُدُّ عَلَى كِلَا التَّعْرِيفَيْنِ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رُكْنٌ زَائِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِذَا سَقَطَ سَقَطَ إلَى خَلَفٍ كَالِاضْطِجَاعِ أَوْ الِاسْتِلْقَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِابْنِ مَالِكٍ شُبْهَةً قَوِيَّةً فِي مُخَالَفَتِهِ لِلْجَمِّ الْغَفِيرِ فِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْرِ الْفَرْضِ فِي الْفَرْضِ) بِجَرِّ قَدْرٍ عَطْفًا عَلَى الْخِلَافِ الْمُضَافِ إلَى بَيَانٍ.

[الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاة]

(قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ طَأْطَأَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْنِ ظَهْرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مُرَادَهُ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَإِنْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَلِيلًا وَلَمْ يَعْتَدِلْ إنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ جَازَ وَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ. اهـ.

وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ فِي شَرْحِهَا طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ أَيْ خَفْضُهُ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: 77] ، وَأَمَّا كَمَا لَهُ فَبِانْحِنَاءِ الصُّلْبِ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرَّأْسُ بِالْعَجُزِ مُحَاذَاةً، وَهُوَ حَدُّ الِاعْتِدَالِ فِيهِ اهـ.

كَذَا فِي حَوَاشِي نُوحْ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ) تَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْغُنَيْمِيُّ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الْخَدَّ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَجْهِ، وَقَدْ قَالُوا مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْوَجْهِ: وَأَقُولُ: الْإِخْرَاجُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَيْسَ وَجْهًا بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّهُ بِالْخَدِّ وَالذَّقَنِ وَالصُّدْغِ سُخْرِيَةً لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّوَابُ زِيَادَةُ قَيْدِ مَعَ الِاسْتِقْبَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ لِقَوْلِ السِّرَاجِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى خَدِّهِ أَوْ ذَقَنِهِ لَا يَجُوزُ لَا فِي حَالَةِ الْعُذْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لَا أَنَّهُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ يُومِئُ إيمَاءً وَلَا يَسْجُدُ عَلَى الْخَدِّ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ الْأَنْفَ وَالْجَبْهَةَ

ص: 309

الْقَدَمَيْنِ بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَكْفِيه وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَعَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهُ وَبَيَانُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ تَعْرِيفَ بَعْضِهِمْ السُّجُودَ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا لَيْسَ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَالْمُرَادُ مِنْ السُّجُودِ: السَّجْدَتَانِ فَأَصْلُهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكَوْنُهُ مَثْنًى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ لَمْ يُعْقَلْ لَهُ مَعْنًى عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا تَحْقِيقًا لِلِابْتِدَاءِ: وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَذْكُرُ لَهُ حِكْمَةً: فَقِيلَ: إنَّمَا كَانَ مَثْنًى تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ حَيْثُ لَمْ يَسْجُدْ فَإِنَّهُ أُمِرَ بِسَجْدَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ تَرْغِيمًا لَهُ، وَقِيلَ الْأُولَى لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالثَّانِيَةُ تَرْغِيمًا لَهُ حَيْثُ لَمْ يَسْجُدْ اسْتِكْبَارًا، وَقِيلَ: الْأُولَى لِشُكْرِ الْإِيمَانِ وَالثَّانِيَةُ لِبَقَائِهِ، وَقِيلَ: فِي الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الْأَرْضِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إلَى أَنَّهُ يُعَادُ إلَيْهَا، وَقِيلَ: لَمَّا أُخِذَ الْمِيثَاقُ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ تَصْدِيقًا لِمَا قَالُوا فَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ وَبَقِيَ الْكُفَّارُ فَلَمَّا رَفَعَ الْمُسْلِمُونَ رُءُوسَهُمْ رَأَوْا الْكُفَّارَ لَمْ يَسْجُدُوا فَسَجَدُوا ثَانِيًا شُكْرًا لِلتَّوْفِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) وَهِيَ فَرْضٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِين عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَك مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ وَقَعَدْتَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ قَدْ وَرَدَتْ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ بَلَغَتْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ عَلَى أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فَرْضٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَكَذَا {وَقُومُوا لِلَّهِ} [البقرة: 238]{فَاقْرَءُوا} [المزمل: 20]{وَارْكَعُوا - وَاسْجُدُوا} [الحج: 43 - 77] أَوَامِرُ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْهَا وُجُوبُ الْمَذْكُورَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ لَا تَنْفِي إجْمَالَ الصَّلَاةِ إذْ الْحَاصِلُ حِينَئِذٍ أَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ.

بَقِيَ كَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِهَا فِي الْأَدَاءِ وَهَلْ الصَّلَاةُ هَذِهِ فَقَطْ أَوْ مَعَ أُمُورٍ أُخَرْ؟ وَقَعَ الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلِهِ، وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْهَا قَطُّ بِدُونِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ مَرَّةٍ دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَإِذَا وَقَعَتْ بَيَانًا لِلْفَرْضِ أَعْنِي الصَّلَاةَ الْمُجْمَلَ كَانَ مُتَعَلِّقُهَا فَرْضًا بِالضَّرُورَةِ، وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى سُنِّيَّتِهِ لَكَانَ فَرْضًا، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْفَاتِحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَهُوَ نَسْخٌ لِلْقَاطِعِ بِالظَّنِّيِّ لَكَانَا فَرْضَيْنِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَعُدْ إلَى الْقَعْدَة الْأُولَى لَمَّا تَرَكَهَا سَاهِيًا ثُمَّ عَلِمَ لَكَانَتْ فَرْضًا فَقَدْ عَرَفْت أَنَّ بَعْضَ الصَّلَاةِ عُرِفَ بِتِلْكَ النُّصُوصِ وَلَا إجْمَالَ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا يَنْفِي الْإِجْمَالَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَمَا تَعَلَّقَ بِالْأَفْعَالِ نَفْسِهَا لَا يَكُونُ بَيَانًا، فَإِنْ كَانَ نَاسِخًا لِلْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ نَسَخَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ، وَهُوَ أَدْرَى بِالْمُرَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا لَمْ يَصْلُحْ لِذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الظَّنِّيِّ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ وَعَمَّا ذَكَرْنَا كَانَ تَقْدِيمُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ، وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَهَا كَذَلِكَ اهـ.

وَقَوْلُهُ (قَدْرَ التَّشَهُّدِ) بَيَانٌ لِقَدْرِ الْفَرْضِ مِنْهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِقِرَاءَتِهِ، وَأَقَلُّ مَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ التَّشَهُّدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يَنْشَأُ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ غَيْرُهُ يَكُونُ آكَدَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْر مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ بَلْ وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ، فَإِذَا كَانَ شَرْعِيَّةُ الْقَعْدَةِ لِلذِّكْرِ أَوْ السَّلَامِ كَانَتْ دُونَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَيَّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا الْخُرُوجُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخِرِ فَتَاوَاهُ مِنْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ رَجُلٌ صَلَّى

ــ

[منحة الخالق]

لِلْوَضْعِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَتَأَتَّى مَعَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَوَضْعُ الْخَدِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ لِلسُّجُودِ شَرْعًا وَلِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى الذَّقَنِ لَمْ يُعْهَدْ تَعْظِيمًا، وَالصَّلَاةُ إنَّمَا شُرِعَتْ بِأَفْعَالٍ تُعْرَفُ تَعْظِيمًا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] فَمَعْنَاهُ: يَقَعُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ سُجَّدًا أَوْ الْمُرَادُ بِالْأَذْقَانِ: الْوُجُوهُ، كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، وَفِي لُزُومِ زِيَادَةِ قَيْدِ الِاسْتِقْبَالِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ السُّجُودِ الْمُعَرَّفِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ حَيْثُ جَاءَ عَلَى الرَّاجِحِ فَلَا وَجْهَ لِدَعْوَى عَدَمِ صِحَّتِهِ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَأَجَابَ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ شَيْخُنَا أَمْتَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَيَاتِهِ: بِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمُطَابِقَ لِقَوْلِ الْكَنْزِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ شَرْحِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ قَوْلِهِمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلْكَنْزِ وَأَقُولُ: إنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِالْبَعْضِ الْمُعَرَّفِ بِذَلِكَ أَحَدَ شُرَّاحِ الْكَنْزِ فَهَذَا الْجَوَابُ وَاضِحٌ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ حِينَئِذٍ الْمَشْرُوحَ، وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبَ الْمُغْرِبِ حَيْثُ عَرَّفَ بِذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِنْ شُرَّاحِ كَلَامِ مَنْ مَشَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ بِكَافٍ فِي الْجَوَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ) يَعْنِي دُرَرَ الْبِحَارِ لِلْقُونَوِيِّ (قَوْلُهُ فَالَأَوْلَى أَنْ يُعَيَّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا الْخُرُوجُ) أَيْ لِيَنْدَفِعَ

ص: 310

أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَجَلَسَ جِلْسَةً خَفِيفَةً فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ ثَالِثَةً فَقَامَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فَجَلَسَ وَقَرَأَ بَعْضَ التَّشَهُّدِ وَتَكَلَّمَ إنْ كَانَ كِلَا الْجِلْسَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَسَدَتْ اهـ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْقُعُودَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ وَعَدَمُ الْفَاصِلِ، ثُمَّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا اخْتَلَفُوا فِي رُكْنِيَّتِهَا، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ هِيَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِلَيْهِ مَالَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ فَعُلِمَ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ وُضِعَتْ لِلتَّعْظِيمِ وَهِيَ بِنَفْسِهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الِاسْتِرَاحَةِ فَتَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي كَوْنِهَا رُكْنًا أَصْلِيًّا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِثَمَرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ قَصْدًا مِنْ الْمُصَلِّي بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ بَعْدَ تَمَامِهَا فَرْضٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَمَا تُعَيِّنُهُ لِذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ، أَوْ كَانَ فِعْلًا مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَكَلَامِ النَّاسِ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ مَشْيٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِكَوْنِهِ مُفَوِّتًا لِلْوَاجِبِ، وَهُوَ السَّلَامُ، وَهَذَا الْفَرْضُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْفَسَادِ فِي الْمَسَائِلِ الاثنى عَشْرِيَّةِ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهَا بِفِعْلِهِ فَرْضٌ وَعَلَّلَ لَهُ بِأَنَّ إتْمَامَهَا فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِتْمَامُهَا بِإِنْهَائِهَا، وَإِنْهَاؤُهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِمُنَافِيهَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا لَا يُنْهِيهَا وَتَحْصِيلُ الْمُنَافِي صُنْعُ الْمُصَلِّي فَيَكُونُ فَرْضًا وَفَهِمَ مِنْ قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِيهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَعَلَّلَ لَهُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَتَعَيَّنَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ كَسَائِرِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ كَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ وَالْكَلَامِ الْعَمْدِ فَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالْفَرْضِ، وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ هُوَ حَمْلٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَسَيَأْتِي وَجْهُ الْفَسَادِ عِنْدَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَصَحَّحَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ عَلَى رَأْيِ الْبَرْدَعِيِّ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ فَرْضًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ تَتِمَّ صَلَاتُهُ فَرْضًا فَيَتَوَضَّأُ وَيَخْرُجُ مِنْهَا بِفِعْلٍ مُنَافٍ لَهَا فَلَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَأْتِ بِالسَّلَامِ حَتَّى أَتَى بِمُنَافٍ فَسَدَتْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى الْوُضُوءِ وَالسَّلَامِ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَشَرْحِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْفَرَائِضَ الْمَذْكُورَةَ إذَا أَتَى بِهَا نَائِمًا فَإِنَّهَا لَا تُحْتَسَبُ بَلْ يُعِيدُهَا كَمَا إذْ قَرَأَ نَائِمًا أَوْ رَكَعَ نَائِمًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا لَا سِيَّمَا فِي التَّرَاوِيح كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ قِرَاءَةَ النَّائِمِ فِي صَلَاتِهِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهَا؟ فَقِيلَ نَعَمْ وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي الصَّلَاةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْمُصَلِّي وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطٌ لِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ حَالَةَ النَّوْمِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْجَهُ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَافٍ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ حَالَةَ النَّوْمِ يُجْزِئُهُ.

ــ

[منحة الخالق]

الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ الْآتِي (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ كَمَا فِي النَّهْرِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ نَفْيُ الرُّكْنِيَّةِ أَصْلًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ عَدَمَ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا رُكْنًا زَائِدًا لِأَنَّ الرُّكْنَ الزَّائِدَ قَدْ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَاهِيَّةُ كَالْقِرَاءَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَحْنَثُ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْقَعْدَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ بِذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ تَصْحِيحُ أَنَّهَا شَرْطٌ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ شَرْطِيَّتُهُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ كَانَ رُكْنًا لَتَوَقَّفَتْ الْمَاهِيَّةُ عَلَيْهِ لَكِنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ إلَخْ (وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِثَمَرَةِ هَذَا الْخِلَافِ) بَيَّنَ الثَّمَرَةَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَهِيَ الِاعْتِدَادُ بِهَا إذَا نَامَ فِيهَا كُلِّهَا وَعَدَمُهُ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ يُعْتَدُّ بِهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي عَنْ التَّحْقِيقِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

(قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) هُوَ قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا يَكَادُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُنَافٍ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا بِصُنْعِهِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا إنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَإِنَّمَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مِنْهَا لَا بِصُنْعِهِ كَالْمَسَائِلِ الِاثْنَى عَشْرِيَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ إلَخْ) قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ الِاخْتِيَارِ فِي الِابْتِدَاءِ كَافِيًا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذَّاهِلَ غَيْرُ مُخْتَارٍ

ص: 311

وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. قَالَ فِي الْمُبْتَغَى رَكَعَ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا اهـ.

وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ لَا يُجْدِي نَفْعًا وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَيْضًا جَوَازُ الْقِيَامِ حَالَةَ النَّوْمِ أَيْضًا، وَإِنْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَمَّا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ نَائِمًا فَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إذَا نَامَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ كُلِّهَا فَلَمَّا انْتَبَهَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ نَائِمًا يُعْتَدُّ بِهَا، وَعَلَّلَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيِّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَمَبْنَاهَا عَلَى الِاسْتِرَاحَةِ فَيُلَائِمُهَا النَّوْمُ فَيَجُوزُ أَنْ تُحْتَسَبَ مِنْ الْفَرْضِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَشَقَّةِ فَلَا تَتَأَدَّى فِي حَالَةِ النَّوْمِ، وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِمَا رَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِيمَا لَوْ قَرَأَ نَائِمًا فِي قَوْلِهِمْ لَوْ رَكَعَ نَائِمًا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ فَنَامَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ فِي الْمُبْتَغَى جَازَ إجْمَاعًا، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَا يُعِيدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ وَالْوَضْعَ حَصَلَ بِالِاخْتِيَارِ، ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُ يَتَفَرَّغُ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاخْتِيَارِ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمَفْرُوضَةِ أَنَّ النَّائِمَ فِي الصَّلَاةِ لَوْ أَتَى بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إنَّهَا فَرْضٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا وَوَافَقَ نَصَّ الْكِتَابِ الْقَطْعِيِّ نَصُّ السُّنَّةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ نَصِّ الْكِتَابِ الْقَطْعِيِّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ السُّنَّةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ أَوْ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفْيَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَ إطْلَاقِ نَصِّ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ نَسْخٌ لَهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْقَطْعِيِّ بَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ، وَأَيْضًا ثَبَتَ عَنْهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِيهَا، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِهَا لِلْفَرْضِيَّةِ، وَالْمُوَاظَبَةُ وَحْدَهَا كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ ظَاهِرًا تُفِيدُ الْوُجُوبَ فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِهَا سَهْوًا، وَالْإِعَادَةُ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ لِتَكُونَ مُؤَدَّاةً عَلَى وَجْهٍ لَا نَقْصَ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يُعِدْهَا كَانَتْ مُؤَدَّاةً أَدَاءً مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ تَرَكَهُ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا، وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ اهـ.

إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَوَاجِبٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَرَكَ السُّورَةَ وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الْفَاتِحَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَلَوْ تَرَكَ أَقَلَّهَا لَا يَجِبُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ بِتَمَامِهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَكْثَرُهَا وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلْ، وَفِي الْقُنْيَةِ يَخَافُ الْمُصَلِّي فَوْتَ الْوَقْتِ إنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِآيَةٍ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ بِالزِّيَادَةِ اهـ.

ثُمَّ الْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ، وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ، وَفِي الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَسُنَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَضَمُّ سُورَةٍ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ سُنَّةٌ، وَلَنَا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا» أَطْلَقَ السُّورَةَ وَأَرَادَ بِهَا ثَلَاثَ آيَاتٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ سُورَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ كَسُورَةِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] وَلَمْ يُرِدْ السُّورَةَ بِتَمَامِهَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الِاقْتِصَارِ الْمَفْهُومِ مِمَّا سَبَقَ أَيْ عُرِفَ مِنْ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ جَوَازُ الْقِيَامِ حَالَةَ النَّوْمِ، وَفِيهِ خَفَاءٌ بَلْ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْعِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَأَنَّهُ لِهَذَا لَمْ يُفَرِّقْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَكَذَا الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ تَبَعًا لِإِطْلَاقِ عِبَارَةِ مَتْنِ التَّنْوِيرِ، وَكَذَا الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً لَا يُعْتَدُّ بِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَنَّ الْقِيَامَ مِنْهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ اهـ. أَيْ وَعَلَى أَنَّ الْقِيَامَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى يَسْجُدُ بِتَرْكِ آيَةٍ مِنْهَا هُوَ أَوْلَى، قُلْت: وَعَلَيْهِ فَكُلُّ آيَةٍ وَاجِبٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ بِتَمَامِهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ أَقُولُ: لَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ إيجَابَ السُّجُودِ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِهَا، وَهُوَ إذَا تَرَكَ أَكْثَرَهَا فَقَدْ تَرَكَهَا حُكْمًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَ أَقَلَّهَا فَلَا يَكُونُ تَارِكًا لَهَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ وَجْهٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَرْكِ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ إذْ فِيهِ تَسْلِيمٌ أَنَّ تَرْكَ الْأَقَلِّ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ.

ص: 312

كَلَامِهِ وَهَذَا الضَّمُّ وَاجِبٌ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ، وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ كَالْفَاتِحَةِ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا سُنَّةٍ بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ فَلَوْ ضَمَّ السُّورَةَ إلَى الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا كَمَا نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَسَيَأْتِي بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ) أَيْ وَتَعْيِينُ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ الْمَكْتُوبَتَيْنِ لِلْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ دُونَ الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّعَيُّنِ لَا فَرْضًا وَلَا وَاجِبًا لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ وَسَيَأْتِي تَضْعِيفُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَاجِبَيْنِ آخَرَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ صَرِيحًا: أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ لِثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ حَتَّى قَالُوا لَوْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ السُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ سَاهِيًا، ثُمَّ تَذَكَّرَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ السُّورَةَ وَيَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَضَمُّ سُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَقْدِيمَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُومَ إلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتَضِي تَأَخُّرَهُ عَنْهُ. ثَانِيهِمَا: الِاقْتِصَارُ فِي الْأُولَيَيْنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى إذَا قَرَأَهَا فِي رَكْعَةٍ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ وَجَبَ السُّجُودُ، وَإِنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالسُّورَةِ لَا يَجِبُ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ لَمَّا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ لُزُومِ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ السُّورَةُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ وَاجِبًا بِأَثَرِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي فِعْلٍ مُكَرَّرٍ) أَطْلَقَهُ هُنَا وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِالْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَقَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَزَادَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوْ يَكُونُ مُتَكَرِّرًا فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّ مَا يَقْضِيه الْمَسْبُوقُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ آخِرًا اهـ.

وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ مَا يَقْضِيه الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً وَأَيْضًا لَيْسَ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ مُطْلَقًا بَلْ أَوَّلُهَا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَآخِرُهَا فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَلَا نَقْصَ فِي صَلَاتِهِ أَصْلًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِالْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ) أَقُولُ: وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا وَهْمٌ إذْ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ لَيْسَ إلَّا وَاجِبًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ وَمَا فِي الشَّرْحِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخَبَّازِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَتْحِ اهـ.

وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَإِلَّا فَاَلَّذِي هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْكَافِي كَمَا مَرَّ، ثُمَّ حَاصِلُ كَلَامِ النَّهْرِ أَنَّ مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الرَّكَعَاتِ وَاجِبٌ عَلَى الْمَسْبُوقِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِلَّا لَمَا سَقَطَ عَنْ الْمَسْبُوقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِنَّ مَا يَقْضِيه الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَحَكَمْنَا عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَقْضِيه آخِرُهَا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إيقَاعُ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلًا فِي الْآخِرِ أَوْ لَحَكَمْنَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُصَلِّي أَوَّلًا رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا، ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ وَقَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ فِيمَا شَرَعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ: أَرَادَ بِهِ مَا تَكَرَّرَ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالرَّكَعَاتِ إلَّا لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يُصَلِّي آخِرَ الرَّكَعَاتِ قَبْلَ أَوَّلِهَا أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ اهـ.

وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ لَك عَدَمُ صِحَّةِ مَا اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: بَلْ هُوَ الْوَاهِمُ لِأَنَّ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ.

بَقِيَ هُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَّ إمَّا مُنْفَرِدٌ أَوْ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ فِي حَقِّ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ يَأْتِيَانِ بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الْأُولَى وَثَانِيًا فَهِيَ الثَّانِيَةُ وَهَلُمَّ جَرَّا، أَمَّا الْمَأْمُومُ فَهُوَ إمَّا مُدْرِكٌ أَوْ مَسْبُوقٌ أَوْ لَاحِقٌ فَالْمُدْرِكُ حُكْمُهُ كَإِمَامِهِ وَالْمَسْبُوقُ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ وَاللَّاحِقُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ، فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْوَاجِبِ وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَصَوُّرِ عَكْسِ التَّرْتِيبِ أَنْ لَا يُذْكَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا بِفَرْضِيَّةِ تَرْتِيبِ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَخِيرًا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ عَكْسُ التَّرْتِيبِ، نَعَمْ تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِي نَفْيِ فَرْضِيَّتِهِ وَهِيَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ

وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا كَلَامٌ تَرَكْنَاهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِشْكَالَ سَاقِطٌ مِنْ

ص: 313

فَلِذَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ وَاجِبًا لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيهِ وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَمَّا تَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَتَرْتِيبُ الرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَفَرْضٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُوجَدُ إلَّا بِذَلِكَ وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَعَلَّلُوا لَهُ بِأَنَّ مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ شُرِعَ فَإِذَا غَيَّرَهُ فَقَدْ قَلَبَ الْفِعْلَ وَعَكَسَهُ، وَقَلْبُ الْمَشْرُوعِ بَاطِلٌ، وَلَا كَذَلِكَ مَا تَعَدَّدَتْ شَرْعِيَّتُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَجِبُ بِأَشْيَاءَ، مِنْهَا: تَقْدِيمُ رُكْنٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ قَالَ أَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَلِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِذَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّنَاقُضِ عَلَى مَا قِيلَ

وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَتَّى اسْتَدَلَّ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَاجِبٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ حَتَّى قَالَ وَلَيْسَ فِيمَا تَكَرَّرَ قَيْدًا يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَإِنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي الْأَرْكَانِ الَّتِي لَا تُكَرَّرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْضًا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَقْدِيمِ رُكْنٍ وَأَوْرَدُوا لِنَظِيرِهِ الرُّكُوعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَسَجْدَةُ السَّهْوِ لَا تَجِبُ إلَّا لِتَرْكِ الْوَاجِبِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالْقِرَاءَةِ وَاجِبٌ مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُكَرَّرَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، وَيَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا تَكَرَّرَ: مَا تَكَرَّرَ فِي الصَّلَاةِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ، وَهُوَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَإِنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي ذَلِكَ فَرْضٌ اهـ.

وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ وَلَيْسَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا بِأَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ شَرْطٌ

ــ

[منحة الخالق]

أَصْلِهِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ الْإِشَارَةَ، إلَى الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ فِي اللَّاحِقِ فَعِنْدَنَا التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ فَرْضٌ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا أَدْرَكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَنَامَ، ثُمَّ انْتَبَهَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَوَّلًا مَا نَامَ فِيهِ، ثُمَّ يُتَابِعَ الْإِمَامَ، فَلَوْ تَابَعَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ صَلَّى مَا نَامَ فِيهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَازَ عِنْدَنَا وَأَثِمَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي السِّرَاجِ عَنْ الْفَتَاوَى الْمَسْبُوقُ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاللَّاحِقُ إذَا تَابَعَ الْإِمَامَ قَبْلَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ لَا تَفْسُدُ خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ.

(قَوْلُهُ فَلِذَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ وَاجِبًا) أَيْ رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ. (قَوْلُهُ يُرَاعِي وُجُودَهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحَلِّهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ هَذَا: تَحَرُّزًا عَنْ تَفْوِيتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا مِنْ جِنْسِهِ لِضَرُورَةِ اتِّحَادِهِ فِي الشَّرْعِيَّةِ اهـ.

قَوْلُهُ جُزْءًا أَوْ كُلًّا: حَالَانِ مِنْ قَوْلِهِ مَا تَعَلَّقَ وَمَا تَعَلَّقَ بِالْمُتَّحِدِ كُلُّ صَلَاةٍ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةِ أَوْ جُزْؤُهَا، وَهُوَ الرَّكْعَةُ: الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَّحِدَ لَمْ يُشْرَعْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فِي مَحَلِّهِ فَإِذَا فَاتَ فَاتَ أَصْلًا فَيَفُوتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ جُزْءِ الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّهَا، بِخِلَافِ الْمُتَكَرِّرِ فَإِنَّهُ لَوْ فَاتَ أَحَدُ فِعْلَيْهِ بَقِيَ الْآخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَفُتْ أَصْلًا فَلَمْ يَفُتْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ، كَمَا لَوْ أَتَى بِإِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَتَرَكَ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا قَالَ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى لِأَنَّ أَحَدَ فِعْلَيْ الْمُتَكَرِّرِ لَوْ فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ الْتَحَقَ بِمَحَلِّ الْأَوَّلِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِيهِ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صُورَةً، بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ، حَيْثُ فَاتَ بِفَوَاتِهِ فَلَمْ يُوجَدْ صُورَةً وَمَعْنًى. كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ لِلسَّيِّدِ مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْعَلَّامَةِ السِّيرَامِيِّ

(قَوْلُهُ حَتَّى قَالَ وَلَيْسَ فِيمَا تَكَرَّرَ قَيْدٌ إلَخْ) أَيْ لَفْظُ مَا تَكَرَّرَ فِي قَوْلِ الْوِقَايَةِ وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا تَكَرَّرَ لَيْسَ قَيْدًا فَإِنَّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيهِ وَاجِبَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ) احْتِرَازٌ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَعَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الثُّنَائِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَاقُضٌ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ إلَخْ) أَقُولُ: مُحَصِّلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ التَّرْتِيبَ فَرْضٌ بِاعْتِبَارِ فَسَادِ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَبْلَ الْإِعَادَةِ وَوَاجِبٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ صُورَةً بَعْدَ الْإِعَادَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ، وَتَصَرُّفٌ غَرِيبٌ، فَإِنَّ مَعْنَى التَّرْتِيبِ وُجُودُ كُلِّ رُكْنٍ فِي مَحَلِّهِ فَحَيْثُ أُعِيدَ السُّجُودُ وُجِدَ كُلٌّ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ تَرْكُ تَرْتِيبٍ أَصْلًا صُورَةً وَلَا مَعْنًى إذْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ تَرْكُ التَّرْتِيبِ صُورَةً لَفَسَدَتْ الصَّلَاةُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ فِي مَحَلِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى، لِأَنَّهُ كَذَلِكَ شُرِعَ فَإِذَا غَيَّرَهُ فَقَدْ قَلَبَ الْفِعْلَ وَعَكَسَهُ وَقَلْبُ الْمَشْرُوعِ بَاطِلٌ

وَمَا تَعَدَّدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ فِي مَحَلِّهِ مَعْنًى فَقَطْ، وَالْكَلَامُ فِيمَا اتَحَدَّتْ شَرْعِيَّتُهُ فَيُرَاعَى وُجُودُهُ فِي مَحَلِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى وَعَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ لِكَوْنِ التَّرْتِيبِ فِيهَا وَاجِبًا بَلْ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَسَادِ كَانَ تَقْدِيمَ السُّجُودِ عَلَى الرُّكُوعِ، فَإِذَا أُعِيدَ إلَى مَحَلِّهِ زَالَ السَّبَبُ فَانْتَفَى الْمُسَبَّبُ فَلَمْ تَنْتَفِ الْمُعَارَضَةُ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ هُنَا الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ الصَّادِقُ عَلَى الْوَاجِبِ الِاصْطِلَاحِيِّ لِيَرْتَفِعَ التَّنَاقُضُ وَهَذَا

ص: 314

مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّكْنَ الَّذِي هُوَ فِيهِ يَفْسُدُ بِتَرْكِهِ حَتَّى إذَا رَكَعَ بَعْدَ السُّجُودِ لَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ السُّجُودِ، وَقَوْلُهُمْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ إذَا أَعَادَ الرُّكْنَ الَّذِي أَتَى بِهِ فَإِذَا أَعَادَهُ فَقَدْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ صُورَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْرُوعَ فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا كَالرَّكَعَاتِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ فَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ بَيْنَ الْمُتَّحِدِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَجَمِيعِ مَا سِوَاهُ مِمَّا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا كَالرَّكَعَاتِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ

وَمَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمُفْسِدِ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ أَوْ لِلتِّلَاوَةِ فَعَلَهَا وَأَعَادَ الْقَعْدَةَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ رُكُوعًا قَضَاهُ وَقَضَى مَا بَعْدَهُ مِنْ السُّجُودِ أَوْ قِيَامًا أَوْ قِرَاءَةً صَلَّى رَكْعَةً تَامَّةً، وَكَذَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَلِذَا قُلْنَا آنِفًا فِي تَرْكِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ إنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً تَامَّةً وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ: التَّرْتِيبُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ يَعْنِي الرَّكَعَاتِ أَوْ يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ بَيْنَ السُّجُودِ وَالْمُتَّحِدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْصِيلٌ: إنْ كَانَ سُجُودُ ذَلِكَ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَ رُكُوعًا وَسُجُودًا مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَ رُكُوعًا مِنْ رَكْعَةٍ وَسُجُودًا مِنْ أُخْرَى بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي سَجْدَةِ رُكُوعٍ رَكْعَةً قَبْلَ رُكُوعِ هَذِهِ السَّجْدَةِ قَضَى الرُّكُوعَ وَسَجْدَتَيْهِ

وَإِنْ

ــ

[منحة الخالق]

لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْضًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ وَالْوَاجِبِ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى الْآخَرِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهَا بِالظَّنِّيِّ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، فَإِنَّ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ يُوجِبُ الْفَسَادَ سَهْوًا كَانَ أَوْ عَمْدًا، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ فَإِنَّ تَرْكَهُ سَهْوًا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْقُهُسْتَانِيُّ، قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: لَا بُدَّ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ مِنْ ثَمَرَةٍ وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِ أَحَدٍ التَّصْرِيحَ بِهَا، فَإِنْ قُلْت: إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ اسْتَدَلَّ عَلَى كَوْنِ التَّرْتِيبِ وَاجِبًا بِعَدَمِ لُزُومِ إعَادَةِ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَهَلْ يَصْلُحُ هَذَا أَنْ يَكُونَ ثَمَرَةً لِلِاخْتِلَافِ؟ قُلْتُ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا ثَمَرَةً لِلِاخْتِلَافِ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْفَرْضِيَّةِ وَالْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ مُتَّفِقُونَ عَلَى لُزُومِ إعَادَةِ الرُّكْنِ الَّذِي أَتَى بِهِ وَفَسَادِ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ يُعِدْهُ وَعَلَى عَدَمِ لُزُومِ إعَادَةِ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ بِعَدَمِ لُزُومِ إعَادَةِ الرُّكْنِ الَّذِي أَتَى بِهِ لَكَانَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ ثَمَرَةٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي مِنْ الشَّارِحِ التَّنْبِيهُ عَلَى نَفْيِ مَا فِي السُّؤَالِ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ يَقُولُ: فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِعَادَةِ.

(قَوْلُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّكْنَ إلَخْ) أَيْ الرُّكْنَ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ كَالسُّجُودِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى الرُّكُوعِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يَفْسُدُ هُوَ أَيْ الرُّكْنُ الْمَذْكُورُ وَلَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّرْتِيبِ أَيْ سَبَبِ تَقْدِيمِهِ عَلَى مَحَلِّهِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ.

(قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْرُوعَ) هَذَا أَوَّلُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الْآتِي الْعَزْوُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ فَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ بَيْنَ الْمُتَّحِدِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ، الْأَنْوَاعَ الَّتِي ذَكَرَهَا أَرْبَعٌ هِيَ: مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ أَفْرَادٌ فَالْأَوَّلُ أَفْرَادُهُ: التَّحْرِيمَةُ وَالْقَعْدَةُ، وَالثَّانِي: الرَّكَعَاتُ، وَالثَّالِثُ: السَّجْدَتَانِ، وَالرَّابِعُ: الْقِرَاءَةُ فِي الثُّنَائِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَالْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ، وَالصُّوَرُ الْعَقْلِيَّةُ فِي التَّرْتِيبِ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ آخَرَ سِتَّةٌ بِأَنْ تُعْتَبَرَ تَرْتِيبُ كُلِّ نَوْعٍ مَعَ مَا يَلِيه، وَالصُّوَرُ بَيْنَ تَرْتِيبِ فَرْدٍ مِنْ نَوْعٍ وَفَرْدٍ آخَرَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ خَمْسٌ بِأَنْ تَعْتَبِرَ التَّرْتِيبَ بَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَالْقَعْدَةِ وَبَيْنَ أَوَّلِ الرَّكَعَاتِ وَآخِرِهَا وَبَيْنَ السَّجْدَةِ وَالسَّجْدَةِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَكَذَا بَيْنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْهُ شَرْطٌ وَمِنْهُ وَاجِبٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ: فِي شَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا: فِيمَا بَيْنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، فَيُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْأَوَّلِ أَعْنِي مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا كَالرَّكَعَاتِ وَمَثَّلَ لَهُ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ رَكْعَةً، وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ أَوْ لِلتِّلَاوَةِ، وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَذَكَّرَ رُكُوعًا قَضَاهُ إلَخْ، وَثَانِيهِمَا: التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إذَا كَانَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَذَا تَرْتِيبُ أَفْرَادِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَتَرْتِيبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اشْتِرَاطِهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ صُورَةً يُمْكِنُ فَكُّ التَّرْتِيبِ فِيهَا حَتَّى يُشْتَرَطَ، كَمَا أَنَّ أَفْرَادَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْقَعْدَةِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَهُوَ وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا وَجْهُ تَقْيِيدِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالْمُتَكَرِّرِ فِي رَكْعَةٍ إذْ لَيْسَ غَيْرُهُ وَاجِبًا كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فِي الرَّكَعَاتِ فَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ وَمِثْلُهُ التَّرْتِيبُ فِي السَّجْدَتَيْنِ نَفْسِهِمَا.

(قَوْلُهُ يَعْنِي الرَّكَعَاتِ) تَفْسِيرٌ لِمَا يَتَعَدَّدُ.

(قَوْلُهُ قَبْلَ رُكُوعِ هَذِهِ السَّجْدَةِ)

ص: 315

تَذَكَّر عَلَى الْقَلْبِ بِإِنْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فِي الرَّكْعَةِ قَبْلَهَا سَجَدَهَا وَهَلْ يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ؟ فَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَيْنَ مَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ ارْتَفَضَ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْهُ يُقْبَلُ الرَّفْضُ، وَلِهَذَا ذَكَرَ هُوَ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً بَعْدَمَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَقْضِيهَا وَلَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا تَمَّ بِالرَّفْعِ لَا يُقْبَلُ الرَّفْضُ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِعَادَةِ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ بَلْ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ هَلْ يَرْتَفِضُ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ لَا، وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ رَجُلٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَرْكَعْ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً، وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ أَوَّلًا، ثُمَّ قَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إنْ سَجَدَ أَوَّلًا سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَسْجُدْ وَرَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ سَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى وَاحِدَةً اهـ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرْتِيبُ، وَقُلْنَا: يَفْسُدُ بِتَرْكِهِ الرُّكْنُ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَا، هَلْ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِالْكُلِّيَّةِ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ رَكْعَةً تَامَّةً تَفْسُدُ لِمَا أَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تَقْبَلُ الرَّفْضَ حَتَّى يُرَاعَى التَّرْتِيبُ الْمَشْرُوطُ بِرَفْضِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ فَلَا تَفْسُدُ. إلَيْهِ أَشَارَ فِي النِّهَايَةِ.

(قَوْلُهُ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) ، وَهُوَ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَأَدْنَاهُ مِقْدَارُ تَسْبِيحَةٍ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَسُنَّةٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ وَفَرْضٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الثَّلَاثَةِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُسْتَدِلِّينَ لَهُ وَلِمَنْ وَافَقَهُ بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ حَيْثُ قَالَ:«ارْجِعْ فَصَلِّ فَأَنَّك لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَأَمْرِهِ لَهُ بِالطُّمَأْنِينَةِ فَالْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ فَسَادِ الصَّلَاةِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مَرْفُوعًا «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَاللَّفْظَانِ خَاصَّانِ مَعْلُومٌ مَعْنَاهُمَا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ وَيَصْلُحُ مُكَمِّلًا فَيُحْمَلُ أَمْرُهُ بِالْإِعَادَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَنَفْيُهُ لِلصَّلَاةِ عَلَى نَفْيِ كَمَالِهَا كَنَفْيِ الْإِجْزَاءِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي عَلَى نَفْيِ الْإِجْزَاءِ الْكَامِلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك» فَقَدْ سَمَّاهَا صَلَاةً وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ صَلَاةً وَلِأَنَّهُ تَرَكَهُ عليه السلام بَعْدَ أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى أَتَمَّ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُهَا مُفْسِدًا لَفَسَدَتْ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ وَبَعْدَ فَسَادٍ لَا يَحِلُّ الْمُضِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَتَقْرِيرُهُ عليه السلام مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَبِهَذَا يَضْعُفُ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ، وَلِهَذَا سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ تَرْكِهَا فَقَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا تَجُوزَ، وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ تَلْزَمُهُ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِي، وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ

ــ

[منحة الخالق]

الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِرَكْعَةٍ وَذَلِكَ بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي سَجْدَةِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَقْضِي هَذَا الرُّكُوعَ وَسَجْدَتَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَلْ يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ لِأَنَّ الرُّكُوعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالسُّجُودَ فِي الْأُولَى (قَوْلُهُ فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ) إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْكَافِي لَيْسَ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِعَادَةَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، تَأَمَّلْ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا ذُكِرَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ طَرَفِ الْهِدَايَةِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِرُكْنٍ لَكِنَّهُ مِنْ طَرَفِ الْخَانِيَّةِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ بَلْ عَلَى الارتفاض تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بَلْ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْمُتَذَكَّرَ قَبْلُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ بَدَلَ قَوْلِهِ الْمُتَذَكَّرَ قَبْلُ وَهِيَ الصَّوَابُ

(قَوْلُهُ وَفَرْضٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الثَّلَاثَةِ) أَيْ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَكَذَلِكَ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِحَاصِلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِمَّا سَيَجِيءُ أَنَّ مَا رَجَّحَهُ الْعَيْنِيُّ لِغَرَابَتِهِ لَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ حَتَّى أَوَّلَهُ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ بِالْمُخْتَارِ مِنْ قَوْلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْكَمَالِ وَنَفْيُ الْإِجْزَاءِ الْكَامِلِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ تَرَكَهُ) أَيْ تَرَكَ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ يُصَلِّي حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهَا، وَهُوَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ) أَيْ جَعْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ

ص: 316

قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِالْفَرْضِيَّةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَهُمَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْخَاصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ فَكَيْفَ اسْتَقَامَ لَهُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ هُنَا

وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِالْفَرْضِيَّةِ عَلَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا قَالُوا كَمَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا قَالَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِوَاءُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَبَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ مِنْ الِافْتِرَاضِ عَلَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ لِيُوَافِقَ أُصُولَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَالْإِشْكَالُ أَشَدُّ. قَيَّدَ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْكَانِ أَيْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرْضٌ كَمَا تَقَدَّمَ

وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا عِنْدَهُمَا كَوُجُوبِهَا فِي الْأَرْكَانِ فَإِنَّهُ قَالَ وَذَكَرَ صَدْرُ الْقُضَاةِ: وَإِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَإِكْمَالُ كُلِّ رُكْنٍ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ فَرْضٌ، وَكَذَا رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالِانْتِصَابُ وَالْقِيَامُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ يُكْمِلَ الرُّكُوعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ وَيَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا وَيَطْمَئِنَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ، وَكَذَا فِي السُّجُودِ، وَلَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَاسِيًا يَلْزَمُهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ

وَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا يُكْرَهُ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ. اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِسُنِّيَّتِهِمَا وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَوُجُوبُ نَفْسِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِلْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ مَا يُوجِبُ السَّهْوَ قَالَ: الْمُصَلِّي إذَا رَكَعَ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا سَاهِيًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ تَرَكَ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ أَوْ الْقَوْمَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سَاهِيًا لَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ اهـ.

فَيَكُونُ حُكْمُ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْكُلِّ هُوَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ حَتَّى قَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

(قَوْلُهُ وَالْقُعُودُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْعُمْرِ وَذَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إذَا قَامَ دَلِيلُ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ، وَقَدْ قَامَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَسُبِّحَ لَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَرَجَعَ وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْوُجُوبِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْد الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ هِيَ سُنَّةٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا اسْمَ السُّنَّةِ إمَّا لِأَنَّ وُجُوبَهَا عُرِفَ بِالسُّنَّةِ فِعْلًا أَوْ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الشَّفْعَيْنِ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْآخِرِ لَا الْفَرْضَ السَّابِقَ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ السَّابِقُ لَمْ يُفْهَمْ حُكْمُ الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ

ــ

[منحة الخالق]

الْفَرْضَ هُوَ الثَّانِيَ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ رُكْنٌ (قَوْلُهُ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ صِحَّةَ رَفْعِ الْخِلَافِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْوَاجِبِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَقْوَى نَوْعَيْهِ، وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ لَكِنَّهُ لَا يَفُوتُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَيَفُوتُ عَلَى قَوْلِهِ، فَأَنَّى يَرْتَفِعُ؟ وَقَدْ صَرَّحَ فِي السَّهْوِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَوْ تَرَكَ الْقَوْمَةَ وَالْجَلْسَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ مُطْلَقَيْنِ فَانْصَرَفَا إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ مَا كَانَ بِصِفَةِ التَّعْدِيلِ وَحِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لُزُومُ الزِّيَادَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اهـ.

وَفِي حَوَاشِي الدُّرَرِ لِلْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي بَعْدَمَا قَرَّرَ نَحْوَ مَا فِي النَّهْرِ وَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ كَمَا قَالَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مُسْتَدِلًّا بِالسُّنَّةِ، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ مُسْتَدِلَّيْنِ بِالْكِتَابِ بَلْ هِيَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَاجِبَةٌ، وَفِي الْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ سُنَّةٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَسُنَّةٌ فِي الْكُلِّ عَلَى تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الْفَقِيرِ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ الْعَسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ عِنْدَ هُمَا مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ مَعْلُومٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَلَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ التَّعْدِيلِ لَزِمَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَجُعِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْمُوَاظَبَةُ بَيَانًا لَهُ فَهُمَا خَاصَّانِ عِنْدَهُمَا مُجْمَلَانِ عِنْدَهُ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الْهُمَامِ أَشَارَ إلَى مَا سَنَحَ لِي حَيْثُ قَالَ: وَهَذِهِ أَيْ الْقَوْمَةُ وَالْجَلْسَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرَائِضُ لِلْمُوَاظَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيَانًا اهـ فَحَمِدْت اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إنِّي رَأَيْت صَاحِبَ الْبُرْهَانِ أَوْضَحَ هَذَا الْمَقَامَ طِبْقَ مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الذَّلِيلِ فَحَمِدْت اللَّهَ تَعَالَى ثَانِيًا اهـ مُلَخَّصًا، وَهُوَ كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ، بِهِ يَنْقَطِعُ عِرْقُ الْإِشْكَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْآخِرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ

ص: 317