الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى وَلِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَفِي الْكَافِي وَالْفَتْوَى أَنَّهُ يَطْهُرُ لَوْ مَسَحَهُ بِالْأَرْضِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ اهـ
فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ لَا يُطَهِّرُ إلَّا بِشَرْطِ ذَهَابِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ وَإِلَّا لَا يَطْهُرُ وَأَطْلَقَ الْجُرْمَ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْجُرْمُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ ابْتَلَّ الْخُفُّ بِخَمْرٍ فَمَشْي بِهِ عَلَى رَمْلٍ أَوْ رَمَادٍ فَاسْتَجْمَدَ فَمَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى تَنَاثَرَ طَهُرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْجَفَافِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ فَهُوَ جُرْمٌ وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَيْسَ بِجُرْمٍ وَاشْتِرَاطُ الْجُرْمِ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ بَوْلٌ فَيَبِسَ لَمْ يَجْزِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ تَتَشَرَّبُ فِيهِ فَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ مُقَيَّدٌ فَقَيَّدَهُ أَبُو يُوسُفَ بِغَيْرِ الرَّقِيقِ وَقَيَّدَاهُ بِالْجُرْمِ وَالْجَفَافِ
وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ أَبُو يُوسُفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُفَادٌ بِقَوْلِهِ طَهُورٌ أَيْ مُزِيلٌ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْخُفَّ إذَا تَشَرَّبَ الْبَوْلَ لَا يُزِيلُهُ الْمَسْحُ فَإِطْلَاقُهُ مَصْرُوفٌ إلَى مَا يَقْبَلُ الْإِزَالَةَ بِالْمَسْحِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ مَعْنَى طَهُورٍ مُطَهِّرٌ، وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ شَرْعًا بِالْمَسْحِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ وَكَمَا لَا يُزِيلُ مَا تَشَرَّبَ بِهِ مِنْ الرَّقِيقِ كَذَلِكَ لَا يُزِيلُ مَا تَشَرَّبَ مِنْ الْكَثِيفِ حَالَ الرُّطُوبَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى بِاعْتِرَافِ هَذَا الْمُجِيبِ.
وَالْحَاصِلُ فِيهِ بَعْدَ إزَالَةِ الْجُرْمِ كَالْحَاصِلِ قَبْلَ الدَّلْكِ فِي الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَشْرَبُ إلَّا مَا فِي اسْتِعْدَادِهِ قَبُولُهُ، وَقَدْ يُصِيبُهُ مِنْ الْكَثِيفَةِ الرَّطْبَةِ مِقْدَارٌ كَثِيرٌ يَشْرَبُ مِنْ رُطُوبَتِهِ مِقْدَارَ مَا يَشْرَبُهُ مِنْ بَعْضِ الرَّقِيقِ. اهـ.
وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ التَّشَرُّبَ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِمَا لَكِنْ عُفِيَ عَنْهُ فِي التَّشَرُّبِ مِنْ الْكَثِيفِ حَالَ الرُّطُوبَةِ لِلضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى وَلِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ يُفِيدُ طَهَارَتَهَا بِالدَّلْكِ مَعَ الرُّطُوبَةِ إذْ مَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْزِلِ لَيْسَ مَسَافَةً يَجِفُّ فِي مُدَّةِ قَطْعِهَا مَا أَصَابَ الْخُفَّ رَطْبًا وَلَمْ يُعْفَ عَنْ التَّشَرُّبِ فِي الرَّقِيقِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى إذْ قَدْ جَوَّزُوا كَوْنَ الْجُرْمِ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ يَمْشِيَ بِهِ عَلَى رَمْلٍ أَوْ تُرَابٍ فَيَصِيرُ لَهَا جُرْمٌ فَتَطْهُرُ بِالدَّلْكِ فَحَيْثُ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ لَا ضَرُورَةَ فِي التَّطْهِيرِ بِدُونِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الدَّلْكَ بِالْأَرْضِ تَبَعًا لِرِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَسْحُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا مَسَحَهُمَا بِالتُّرَابِ يَطْهُرُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إنْ حَكَّهُ أَوْ حَتَّهُ بَعْدَمَا يَبِسَ طَهُرَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْلَا الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. لَكُنَّا نَقُولُ: إنَّهُ إذَا لَمْ يَمْسَحْهُمَا بِالتُّرَابِ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالتُّرَابِ لَهُ أَثَرٌ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْمُسَافِرِ إذَا أَصَابَ يَدَهُ نَجَاسَةٌ يَمْسَحُهَا بِالتُّرَابِ، فَأَمَّا الْحَكُّ فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ فَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيَّنَ أَنَّ لَهُ أَثَرًا أَيْضًا. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَسْأَلَةَ مَسْحِ الْمُسَافِرِ يَدَهُ الْمُتَنَجِّسَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَسْحِ خَاصَّةً بِالْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا كَمَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا مَسَحَ الرَّجُلُ مِحْجَمَهُ بِثَلَاثِ خِرْقَاتٍ رَطَبَاتٍ نِظَافٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَنَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ وَقِيَاسُهُ مَا حَوْلَ مَحَلِّ الْفَصْدِ إذَا تَلَطَّخَ وَيَخَافُ مِنْ الْإِسَالَةِ السَّرَيَانَ إلَى الثَّقْبِ اهـ.
وَهُوَ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمَحَاجِمِ بِمَا إذَا خَافَ مِنْ الْإِسَالَةِ ضَرَرًا كَمَا لَا يَخْفَى وَالْمَنْقُولُ مُطْلَقٌ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ خِفٌّ بِطَانَةُ سَاقَهُ مِنْ الْكِرْبَاسِ فَدَخَلَ فِي خُرُوقِهِ مَاءٌ نَجَسٌ فَغَسَلَ الْخُفَّ وَدَلَكَهُ بِالْيَدِ، ثُمَّ مَلَأَ الْمَاءَ وَأَرَاقَهُ طَهُرَ لِلضَّرُورَةِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عَصْرِ الْكِرْبَاسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا الْخُفُّ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا إذَا جَفَّفَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةِ وَعَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّجْفِيفِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْخُفُّ إذَا دُهِنَ بِدُهْنٍ نَجَسٍ، ثُمَّ غُسِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ.
(قَوْلُهُ: وَبِمَنِيٍّ يَابِسٍ بِالْفَرْكِ وَإِلَّا يُغْسَلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْمَاءِ يَعْنِي يَطْهُرُ الْبَدَنُ وَالثَّوْبُ وَالْخُفُّ إذَا أَصَابَهُ مَنِيٌّ بِفَرْكِهِ إنْ
ــ
[منحة الخالق]
لَا يَطْهُرَانِ فِي الطَّسْتِ مُطْلَقًا، ثُمَّ رَمَزَ بِرَمْزِ كَمَالٍ الْبَيَاخِيِّ يَطْهُرَانِ مُطْلَقًا.
[التَّطْهِيرُ بِالدُّهْنِ]
(قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْجُرْمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ ذِي جُرْمٍ وَقَعَ صِفَةَ نَجَسٍ فَاقْتَضَى قَوْلُهُ وَإِلَّا يُغْسَلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ غُسِلَ وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الشَّارِحِ لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي ذَلِكَ. اهـ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الشَّارِحَ بَعْدَ حَلِّ الْمَتْنِ قَالَ وَقِيلَ إذَا مَشَى عَلَى الرَّمْلِ أَوْ التُّرَابِ فَالْتَصَقَ بِالْخُفِّ أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمَادًا أَوْ رَمْلًا فَمَسَحَهُ يَطْهُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ) وَهُوَ الْأَذَى وَالْقَذِرُ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ أَبُو يُوسُفَ بِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الرَّقِيقِ يَعْنِي بِذِي الْجُرْمِ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَالرَّقِيقُ كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْجُرْمِ وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ بِزِيَادَةِ الْجَفَافِ (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ خِرَقَاتٍ) لَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْقُنْيَةِ بِالثَّلَاثِ فَقَالَ رَامِزُ النَّجْمُ الْأَئِمَّةُ الْحَكِيمِيُّ مَسَحَ الْحِجَامُ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَصَلَّى الْمَحْجُومُ أَيَّامًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا صَلَّى إنْ أَزَالَ الدَّمَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْمَاءِ) لَيْسَ بِظَاهِرٍ
كَانَ يَابِسًا وَبِغَسْلِهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَهُوَ فَرْعُ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ» ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يَغْسِلْهُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ الْمَاءِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ سَرَفٌ أَوْ هُوَ عَلَى مَجَازِهِ وَهُوَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ فَهُوَ فَرْعُ عِلْمِهِ أَطْلَقَ مَسْأَلَةَ الْمَنِيِّ فَشَمَلَ مَنِيَّهُ وَمَنِيَّهَا وَفِي طَهَارَةِ مَنِيِّهَا بِالْفَرْكِ اخْتِلَافٌ قَالَ الْفَضْلِيُّ لَا يَطْهُرُ بِهِ لِرِقَّتِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيِّ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَشَمَلَ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِلْبَلْوَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِرُطُوبَتِهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ وَشَمَلَ مَا إذَا تَقَدَّمَهُ مَذْيٌ أَوَّلًا وَقِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ مَذْيٌ، فَإِنْ سَبَقَهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَحْلٍ يُمْذِي، ثُمَّ يُمْنِي إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ فَيُجْعَلُ تَبَعًا. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِيَ، وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ حِينَئِذٍ إلَّا بِالْغَسْلِ لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ وَقِيلَ وَلَوْ بَالَ وَلَمْ يَنْتَشِرْ الْبَوْلُ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ بِأَنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ الثُّقْبَ فَأَمْنَى لَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ الْمَنِيِّ وَكَذَا إذَا جَاوَزَ لَكِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دَفْقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَشِرَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سِوَى مُرُورِهِ عَلَى الْبَوْلِ فِي مَجْرَاهُ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ اهـ.
وَظَاهِرُ الْمُتُونِ الْإِطْلَاقُ أَعْنِي سَوَاءٌ بَالَ وَاسْتَنْجَى أَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ مُسْتَهْلَكٌ كَالْمَذْيِ وَلَمْ يَعْفُ فِي الْمَذْيِ إلَّا لِكَوْنِهِ مُسْتَهْلَكًا لَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَأَطْلَقَ فِي الثَّوْبِ فَشَمَلَ الْجَدِيدَ وَالْغَسِيلَ فَيَطْهُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْفَرْكِ وَقَيَّدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِكَوْنِ الثَّوْبِ غَسِيلًا احْتِرَازًا عَنْ الْجَدِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَلَمْ أَرَهُ فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ لِلثَّوْبِ بِطَانَةٌ نَفَذَ إلَيْهَا وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبِطَانَةَ تَطْهُرُ بِالْفَرْكِ كَالظِّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنِيِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ نَجَاسَةُ الْمَنِيِّ عِنْدَنَا مُغَلَّظَةٌ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى خِزَانَةِ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَحَقِيقَةُ الْفَرْكِ الْحَكُّ بِالْيَدِ حَتَّى يَتَفَتَّتَ، كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الْمَلَكِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِطَهَارَةِ الْمَحِلِّ بِالْفَرْكِ وَكَذَا فِي الْكُلِّ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي آخِرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْمُجْتَبَى وَبَقَاءُ أَثَرِ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْفَرْكِ لَا يَضُرُّ كَبَقَائِهِ بَعْدَ الْغَسْلِ وَفِي الْمَسْعُودِيِّ مَنِيُّ الْإِنْسَانِ نَجَسٌ وَكَذَا مَنِيُّ كُلِّ حَيَوَانٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ نَجِسَانِ كَالْمَنِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَكَذَا الْوَلَدُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ فَهُوَ نَجَسٌ وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْوَلَدُ إذَا نَزَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ وَسَقَطَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ سَوَاءٌ غُسِّلَ أَوْ لَا وَكَذَا لَوْ حَمَلَهُ الْمُصَلِّي لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى أَصَابَ الثَّوْبَ دَمٌ عَبِيطٌ فَيَبِسَ فَحَتَّهُ طَهُرَ الثَّوْبُ كَالْمَنِيِّ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ طَهَارَةَ الثَّوْبِ بِالْفَرْكِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنِيِّ لَا فِي غَيْرِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا سَائِرُ النَّجَاسَاتِ إذَا أَصَابَتْ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ وَنَحْوَهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ إلَّا بِالْغَسْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً وَسَوَاءٌ كَانَتْ سَائِلَةً أَوْ لَهَا جُرْمٌ وَلَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ خَمْرٌ فَأَلْقَى عَلَيْهَا الْمِلْحَ وَمَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ مِقْدَارُ مَا يَتَخَلَّلُ فِيهَا لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَتِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ، وَلَوْ أَصَابَهُ عَصِيرٌ فَمَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ مِقْدَارُ مَا يَتَخَمَّرُ الْعَصِيرُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَنَحْوُ السَّيْفِ بِالْمَسْحِ) أَيْ يَطْهُرُ كُلُّ جِسْمٍ صَقِيلٍ لَا مَسَامَّ لَهُ بِالْمَسْحِ جَدِيدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَخَرَجَ الْجَدِيدُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَدَأٌ أَوْ مَنْقُوشًا فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَخَرَجَ الثَّوْبُ الصَّقِيلُ لِوُجُودِ الْمَسَامِّ وَدَخَلَ الظُّفْرُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا وَكَذَلِكَ الزُّجَاجَةُ وَالزُّبْدِيَّةُ الْخَضْرَاءُ أَعْنِي الْمَدْهُونَةَ وَالْخَشَبُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُجْعَلَ النَّجَسُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَقَدْ قَامَ فِي الْمَذْيِ دُونَ الْبَوْلِ. اهـ.
إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي الْبَوْلِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ وَهُوَ وَجِيهٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَذَا قَالَ فِي الشرنبلالية وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى جَعْلِ عِلَّةِ الْعَفْوِ الضَّرُورَةَ كَمَا بَيَّنَهُ الْكَمَالُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَوْلِ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا لَهُ بِطَانَةٌ فَنَفَذَ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ نَجِسَتَانِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ نَجِسَةٌ، ثُمَّ تَصِيرُ عَلَقَةً وَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ مُضْغَةً فَتَطْهُرُ. (قَوْلُهُ: وَالْخَشَبَ
الْخَرَّاطِيُّ وَالْبُورِيَّا الْقَصَبَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَزَادَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْعَظْمَ وَالْآبِنُوسَ وَصَفَائِحَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْقُوشَةً، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ، ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ، وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ وَالْعَذِرَةَ وَالْبَوْلَ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْبَوْلَ وَالدَّمَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَالْعَذِرَةُ الرَّطْبَةُ كَذَلِكَ وَالْيَابِسَةُ تَطْهُرُ بِالْحَتِّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالْمُصَنِّفُ كَأَنَّهُ اخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ طَهَارَتَهُ بِالْمَسْحِ كَنَظَائِرِهِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ تَطْهُرُ حَقِيقَةً وَقِيلَ تَقِلُّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ اكْتَفَى بِمَسْحِهِمَا وَلَمْ يَقُلْ طَهُرَتَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ الصَّحِيحِ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ قَطَعَ الْبِطِّيخَ أَوْ اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ الْمَمْسُوحَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يَكُونُ مُطَهِّرًا بِشَرْطِ زَوَالِ الْأَثَرِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمْسَحَهُ بِتُرَابٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ صُوفِ الشَّاةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا وَالْمَسَامُّ مَنَافِذُ الشَّيْءِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلتَّيَمُّمِ) أَيْ تَطْهُرُ الْأَرْضُ الْمُتَنَجِّسَةُ بِالْجَفَافِ إذَا ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا لِأَثَرِ عَائِشَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا أَيْ طَهَارَتُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الصَّعِيدَ عُلِمَ قَبْلَ التَّنَجُّسِ طَاهِرًا وَطَهُورًا وَبِالتَّنَجُّسِ عُلِمَ زَوَالُ الْوَصْفَيْنِ، ثُمَّ ثَبَتَ بِالْجَفَافِ شَرْعًا أَحَدُهُمَا أَعْنِي الطَّهَارَةَ فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ زَوَالِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَهُورًا لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ فِي الْفَرْقِ بِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَكَانِ ثَبَتَتْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ الَّتِي خَصَّ مِنْهَا حَالَةَ غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالنَّجَاسَةِ الْقَلِيلَةِ وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مِنْ الْحُجَجِ الْمُجَوِّزَةِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْأَثَرِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] فَإِنَّهُ مِنْ الْحِجَجِ الْمُوجِبَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الْكَافِي قَالَ بَعْدَهُ وَلِي فِيهِ أَشْكَالٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ تَحْتَ النَّصِّ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ضَرُورَةً وَالتَّخْصِيصُ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّعْمِيمِ وَلِأَنَّ الطَّيِّبَ يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ وَالْمُنْبِتَ وَعَلَى الثَّانِي حَمَلَهُ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مُرَادَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ فَيَكُونُ مُؤَوَّلًا وَهُوَ مِنْ الْحُجَجِ الْمُجَوِّزَةِ كَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ قَيَّدَ بِالْأَرْضِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّوْبِ وَالْحَصِيرِ وَالْبَدَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ مُطْلَقًا وَيُشَارِكُ الْأَرْضَ فِي حُكْمِهَا كُلُّ مَا كَانَ ثَابِتًا فِيهَا كَالْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالْكَلَأِ وَالْقَصَبِ وَغَيْرِهِ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَيْهَا فَيَطْهُرُ بِالْجَفَافِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ قُطِعَ الْخَشَبُ وَالْقَصَبُ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَيَدْخُلُ فِي الْقَصَبِ الْخُصُّ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْبَيْتُ مِنْ الْقَصَبِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا السُّتْرَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ مِنْ الْقَصَبِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَكَذَا الْجِصُّ بِالْجِيمِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَرْضِ بِخِلَافِ اللَّبِنِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ
وَأَمَّا الْحَجَرُ فَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ إنْ كَانَ الْحَجَرُ أَمْلَسَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ، وَإِنْ كَانَ تَشَرَّبَ النَّجَاسَةَ كَحَجَرِ الرَّحَا فَهُوَ كَالْأَرْضِ وَالْحَصَى بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا اللَّبِنُ وَالْآجُرُّ، فَإِنْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ يُنْقَلَانِ وَيُحَوَّلَانِ فَإِنَّهُمَا لَا يَطْهُرَانِ بِالْجَفَافِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِأَرْضٍ، وَإِنْ كَانَ اللَّبِنُ مَفْرُوشًا فَجَفَّ قَبْلَ إنْ يُقْلَعَ طَهُرَ بِمَنْزِلَةِ الْحِيطَانِ، وَفِي النِّهَايَةِ إنْ كَانَتْ الْآجُرَّةُ مَفْرُوشَةً فِي الْأَرْضِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ، فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الْأَرْضَ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْجَانِبِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِذَا
ــ
[منحة الخالق]
الْخَرَّاطِيَّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرَهُ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ نِسْبَةٌ إلَى الْخَرَّاطِ وَهُوَ خَشَبٌ يَخْرُطُهُ الْخَرَّاطُ فَيَصِيرُ صَقِيلًا كَالْمِرْآةِ. (قَوْلُهُ: وَالْبُورِيَّا) الْحَصِيرُ الْمَنْسُوجُ قَامُوسٌ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الْكَافِي قَالَ بَعْدَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ أَيْضًا وَكَذَا الْمُرَادُ بِالتَّخْصِيصِ التَّقْيِيدُ يَعْنِي مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ عِنْدَنَا فَيَكُونُ مُؤَوَّلًا فَيُعَارِضُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ وَعَلَى الثَّانِي حَمَلَهُ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ مَعَ اشْتِرَاطِهِمَا الطَّهَارَةَ فِيهِ فَيَكُونُ قَطْعِيًّا فَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْحَصَى بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ الْحَصَى فِي الْأَرْضِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يَطْهُرُ. اهـ.
رُفِعَ الْآجُرُّ عَنْ الْفَرْشِ هَلْ يَعُودُ نَجَسًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الصَّحِيحِ فِي نَظَائِرِهِ وَأَطْلَقَ فِي الْيُبْسِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالشَّمْسِ كَمَا قَيَّدَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالرِّيحِ وَالظِّلِّ وَقَيَّدَ بِالْيُبْسِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ
فَإِنْ كَانَتْ رَخْوَةً تَتَشَرَّبُ الْمَاءَ كُلَّمَا صُبَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا طَهُرَتْ وَلَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَصُبُّ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ النَّجَاسَةُ فِي الثَّوْبِ طَهُرَ وَاسْتَحْسَنَ هَذَا صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً إنْ كَانَتْ مُنْحَدِرَةً حَفَرَ فِي أَسْفَلِهَا حَفِيرَةً وَصَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي تِلْكَ الْحَفِيرَةِ كَبَسَهَا أَعْنِي الْحَفِيرَةَ الَّتِي فِيهَا الْغُسَالَةُ، وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً مُسْتَوِيَةً فَلَا يُمْكِنُ الْغَسْلُ بَلْ يَحْفِرُ لِيَجْعَلَ أَعْلَاهُ فِي أَسْفَلِهِ وَأَسْفَلَهُ فِي أَعْلَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُجَصَّصَةً قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ يَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ يُدَلِّكُهَا وَيُنَشِّفُهَا بِخِرْقَةٍ أَوْ صُوفَةٍ ثَلَاثًا فَتَطْهُرُ جَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ فِي الْإِجَّانَةِ وَالتَّنْشِيفُ بِمَنْزِلَةِ الْعَصْرِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ صَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ كَثِيرًا حَتَّى زَالَتْ النَّجَاسَةُ وَلَمْ يُوجَدْ لَهَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ، ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى نَشَفَتْ طَهُرَتْ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِذَهَابِ الْأَثَرِ الَّذِي هُوَ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَالرِّيحُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَفَّتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا بِالرُّؤْيَةِ وَكَانَ إذَا وَضَعَ أَنْفَهُ شَمَّ الرَّائِحَةَ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ عَلَى مَكَانِهَا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا احْتَرَقَتْ الْأَرْضُ بِالنَّارِ فَتَيَمَّمَ بِذَلِكَ التُّرَابِ قِيلَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِمُطَهَّرٍ غَيْرِ الْمَائِعَاتِ إذَا أَصَابَهُ مَاءٌ هَلْ يَعُودُ نَجَسًا فَذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَأَنَّ أَظْهَرَهُمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ تَعُودُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ قَلَّتْ وَلَمْ تَزُلْ وَحَكَى خَمْسَ مَسَائِلَ الْمَنِيَّ إذَا فُرِكَ وَالْخُفَّ إذَا دُلِّكَ وَالْأَرْضَ إذَا جَفَّتْ مَعَ ذَهَابِ الْأَثَرِ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ دِبَاغًا حُكْمِيًّا بِالتَّتْرِيبِ وَالتَّشْمِيسِ وَالْبِئْرَ إذَا غَارَ مَاؤُهَا، ثُمَّ عَادَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي بَعْضِهَا وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ عِبَارَاتِهِمْ، فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ فَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ نَجَسًا وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ نَجَسًا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْخُفِّ فَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ كَالْمَنِيِّ فِي الثَّوْبِ يَعْنِي الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْعَوْدِ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ نَجَسًا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ فَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ نَجِسَةً وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ عَدَمُ عَوْدِ النَّجَاسَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ أَنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ مِنْ الْمَنِيِّ إذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ بَعْدَ الْفَرْكِ قَالَ وَكَذَا الْأَرْضُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْمَاءُ فَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنْ الْمُتُونُ مُجْمِعَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ بِالدِّبَاغِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ عَوْدِهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ إذَا غَارَ مَاؤُهَا، ثُمَّ عَادَ فَفِي الْخُلَاصَةِ لَا تَعُودُ نَجِسَةً وَعَزَاهُ إلَى الْأَصْلِ وَيُزَادُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْآجُرَّةُ الْمَفْرُوشَةُ إذَا تَنَجَّسَتْ فَجَفَّتْ، ثُمَّ قُلِعَتْ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْعَوْدِ وَيُزَادُ السِّكِّينُ إذَا مُسِحَتْ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اخْتَارَ الْقُدُورِيُّ عَوْدَ النَّجَاسَةِ وَاخْتَارَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَدَمَ الْعَوْدِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَرْضُ إذَا أَصَابَتْهَا النَّجَاسَةُ فَيَبِسَتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا ثُمَّ أَصَابَهَا الْمَاءُ وَالْمَنِيُّ إذَا فُرِكَ وَالْخُفُّ إذَا دُلِّكَ وَالْجُبُّ إذَا غَارَ مَاؤُهَا، ثُمَّ عَادَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَعُودُ نَجِسًا وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ وَالِاخْتِيَارَ قَدْ اخْتَلَفَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا كَمَا تَرَى فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِالطَّهَارَةِ فِي كُلٍّ وَمُلَاقَاةُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ لِلطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنَجُّسَ، وَقَدْ اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِالْعَوْدِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَزُلْ وَإِنَّمَا قَلَّتْ وَلَا يَرِدُ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ إذَا دَخَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَائِعِ لَمْ يُعْتَبَرْ مُطَهِّرًا فِي الْبَدَنِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ
ــ
[منحة الخالق]
وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْحَصَى إذَا تَنَجَّسَتْ وَجَفَّتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا لَا يَطْهُرُ أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَ مُتَدَاخِلًا فِي الْأَرْضِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى نَشَفَتْ طَهُرَتْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ قَالَ لَوْ أَنَّ أَرْضًا أَصَابَهَا نَجَاسَةٌ فَصَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَجَرَى عَلَيْهَا إلَى أَنْ أَخَذَتْ قَدْرَ ذِرَاعٍ مِنْ الْأَرْضِ طَهُرَتْ الْأَرْضُ وَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي وَفِي الْمُنْتَقَى أَرْضٌ أَصَابَهَا بَوْلٌ أَوْ عَذِرَةٌ، ثُمَّ أَصَابَهَا الْمَطَرُ غَالِبًا، وَقَدْ جَرَى مَاؤُهُ عَلَيْهَا فَذَلِكَ مُطَهِّرٌ لَهَا وَإِنْ كَانَ الْمَطَرُ قَلِيلًا لَمْ يَجْرِ مَاؤُهُ عَلَيْهَا لَمْ تَطْهُرْ. اهـ.
(قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمَنِيِّ) أَيْ وَإِلَّا فِي الْمَحَاجِمِ وَمَحَلِّ الْفَصَادَةِ فَإِنَّ الْمَسْحَ فِيهَا كَالْغُسْلِ كَمَا مَرَّ
وَجَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَائِعَاتِ إنَّمَا هُوَ لِسُقُوطِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ عَفْوًا لَا لِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ فَعَنْهُ أَخَذُوا كَوْنَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي النَّجَاسَاتِ عَفْوًا عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ طَهَارَتُهُ أَيْضًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ إلَى هُنَا أَنَّ التَّطْهِيرَ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ بِالْغَسْلِ وَالدَّلْكِ وَالْجَفَافِ وَالْمَسْحِ فِي الصَّقِيلِ دُونَ مَاءٍ وَالْفَرْكُ يَدْخُلُ فِي الدَّلْكِ وَالْخَامِسُ مَسْحُ الْمَحَاجِمِ بِالْمَاءِ بِالْخِرَقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالسَّادِسُ النَّارُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَرْضِ إذَا احْتَرَقَتْ بِالنَّارِ وَالسَّابِعُ انْقِلَابُ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْخَمْرِ فَلَا خِلَافَ فِي الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ تَقَعُ فِي الْمُمَلَّحَةِ فَتَصِيرُ مِلْحًا يُؤْكَلُ وَالسِّرْقِينُ وَالْعَذِرَةُ تَحْتَرِقُ فَتَصِيرُ رَمَادًا تَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَضَمَّ إلَى مُحَمَّدٍ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْمُحِيطِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخ اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَتَنْتَفِي الْحَقِيقَةُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهَا فَكَيْفَ بِالْكُلِّ فَإِنَّ الْمِلْحَ غَيْرُ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ فَإِذَا صَارَ مِلْحًا تَرَتَّبَ حُكْمُ الْمِلْحِ وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ عَلَقَةً وَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ مُضْغَةً فَتَطْهُرُ وَالْعَصِيرُ طَاهِرٌ فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيُنَجَّسُ وَيَصِيرُ خَلًّا فَيَطْهُرُ فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْعَيْنِ تَسْتَتْبِعُ زَوَالَ الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَرَّعُوا الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ صَابُونٍ صُنِعَ مِنْ زَيْتٍ نَجَسٍ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى جَعْلُ الدُّهْنِ النَّجَسُ فِي صَابُونٍ يُفْتَى بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَالتَّغْيِيرُ يُطَهِّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِهِ لِلْبَلْوَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَرَمَادُ السِّرْقِينِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ عَكْسُ الْخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّمَادَ طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجَسٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيهَا أَيْضًا الْعَذِرَاتُ إذَا دُفِنَتْ فِي مَوْضِعٍ حَتَّى صَارَتْ تُرَابًا قِيلَ تَطْهُرُ كَالْحِمَارِ الْمَيِّتِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ فَصَارَ مِلْحًا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ فَارَةٌ وَقَعَتْ فِي دُنِّ خَمْرٍ فَصَارَ خَلًّا يَطْهُرُ إذَا رَمَى بِالْفَأْرَةِ قَبْلَ التَّخَلُّلِ وَإِنْ تَفَسَّخَتْ الْفَأْرَةُ فِيهَا لَا يُبَاحُ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الْعَصِيرِ ثُمَّ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَتْ فِي الْخَمْرِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَكَذَا لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْعَصِيرِ، ثُمَّ تَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ لَا يَطْهُرُ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِي الْخَمْرِ، ثُمَّ صَارَتْ الْخَمْرُ خَلًّا تَطْهُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَدْخَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ التَّطْهِيرَ بِالنَّارِ فِي الِاسْتِحَالَةِ وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَقَ مَوْضِعَ الدَّمِ مِنْ رَأْسِ الشَّاةِ وَالتَّنُّورُ إذَا رُشَّ بِمَاءٍ نَجَسٍ لَا بَأْسَ بِالْخَبْزِ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَكَذَا الطِّينُ النَّجَسُ إذَا جَعَلَ مِنْهُ الْكُوزُ أَوْ الْقِدْرُ وَجُعِلَ فِي النَّارِ يَكُونُ طَاهِرًا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالثَّامِنُ الدِّبَاغُ وَقَدْ مَرَّ، وَالتَّاسِعُ الذَّكَاةُ فَكُلُّ حَيَوَانٍ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْعَاشِرُ النَّزْحُ فِي الْآبَارِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْمُطَهِّرَاتِ عَشَرَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى نَاقِلًا عَنْ صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ كَعَرْضِ الْكَفِّ مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخُرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالرَّوْثُ وَالْخِثْيُ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَأْخُذُهُ الطَّرَفُ كَوَقْعِ الذُّبَابِ مَخْصُوصٌ مِنْ نَصِّ التَّطَهُّرِ اتِّفَاقًا فَيَخُصُّ أَيْضًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ بِنَصِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ قَدْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْحَجَرُ مُطَهِّرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِي قَلِيلِ مَاءٍ نَجَّسَهُ أَوْ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِصَابَةِ فَلَوْ كَانَ دُهْنًا نَجِسًا قَدْرَ دِرْهَمٍ فَانْفَرَشَ فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ فِي اخْتِيَارِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمْ الْمَنْعُ فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ اتِّسَاعِهِ جَازَتْ وَبَعْدَهُ لَا وَبِهِ أَخَذَ الْأَكْثَرُونَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ فَرْكِ الْمَنِيِّ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمَسْعُودِيَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ نَجِسَتَانِ كَالْمَنِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ الْبَحْرِ وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ جَزَمَ هُنَاكَ بِأَنَّ الْمُضْغَةَ نَجِسَةٌ وَنَقَلَ هُنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَأَقَرَّهُ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمِنَحِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ لِتَصْرِيحِ النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ بِذَلِكَ وَلِمَا تَقَدَّمَ فِي النِّفَاسِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ السِّقْطَ إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا عِبْرَةَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ كَالدَّمِ. اهـ.
فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَبِينِ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ مُضْغَةً غَيْرَ مُخَلَّقَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ حُكْمَهَا كَالدَّمِ يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَةِ الدَّمِ كَالنُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ وَهُمَا نَجِسَتَانِ فَتَكُونُ الْمُضْغَةُ نَجِسَةً فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِأَنْ يُحْمَلَ الْقَوْلُ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى الْمُضْغَةِ الْغَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ تُنْفَخْ فِيهَا الرُّوحُ وَالْقَوْلُ بِالطَّهَارَةِ عَلَى الْمُضْغَةِ الْمُخَلَّقَةِ أَيْ الَّتِي نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ لِمَا نَقَلْنَاهُ فِي النِّفَاسِ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِنْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5] أَنَّ التَّخْلِيقَ بِنَفْخِ الرُّوحِ فَالْمُخَلَّقَةُ مَا نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهَا الرُّوحُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نَفْخُ الرُّوحِ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَمْنَعُ) قَالَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَبِهِ يُفْتَى لَكِنْ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا وَبِهِ أَيْ بِالْقَوْلِ الثَّانِي يُؤْخَذُ
النَّجَاسَةَ حِينَئِذٍ وَاحِدَةٌ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ لِتَعَدُّدِهَا فَيَمْنَعُ وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ لَوْ صَلَّى مَعَ دِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ وَجْهِهِ وَهُوَ جَوَاهِرُ سُمْكِهِ وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفُذُ نَفْسُ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ مُتَّحِدَةً فِيهِمَا، ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ حَمَلَ مَيِّتًا إنْ كَانَ كَافِرًا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يُغَسَّلْ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ غُسِّلَ، فَإِنْ اسْتَهَلَّ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَمُرَادُهُ مِنْ الْعَفْوِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِدُونِ إزَالَتِهِ لَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لِمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ نُظِرَ إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ إزَالَتُهَا وَاسْتِقْبَالُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ وَيَجِدُ جَمَاعَةً آخَرِينَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ الْجَائِزَةِ بِيَقِينٍ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَجْوِيزِهِمْ رَفْضَ الصَّلَاةِ لِأَجْلِهَا وَلَا تُرْفَضُ لِأَجْلِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا وَسَوَّى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ فِي الْكَرَاهَةِ وَرَفَضِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ وَيَكُونُ مُسِيئًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْسِلَهَا وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا اهـ.
وَأَرَادَ بِالدِّرْهَمِ الْمِثْقَالَ الَّذِي وَزْنُهُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ دِرْهَمُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَعَرْضِ الْكَفِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَسْطُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَالْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ وَوَفَّقَ الْهِنْدُوَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمِسَاحَةِ فِي الرَّقِيقِ كَالْبَوْلِ وَرِوَايَةَ الْوَزْنِ فِي الثَّخِينِ وَاخْتَارَ هَذَا التَّوْفِيقَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْمُجْتَبَى وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى خُصُوصًا مَعَ مُنَاسَبَةِ هَذَا التَّوْزِيعِ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ فَقَالَ إذَا كَانَ مِثْلَ ظُفْرِي هَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَظُفْرُهُ كَانَ مِثْلُ الْمِثْقَالِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَالَ النَّخَعِيّ أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا مِقْدَارُ الْمَقْعَدَةِ فَاسْتَقْبَحُوا ذَلِكَ وَقَالُوا مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ وَالْمُرَادُ بِعَرْضِ الْكَفِّ مَا وَرَاء مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ صَرِيحًا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْعَرْضُ أَوْ الْوَزْنُ، وَإِنَّمَا رَجَّحَ فِي الْهِدَايَةِ رِوَايَةَ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي النَّوَادِرِ وَرِوَايَةُ الْوَزْنِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً إنَّمَا أُشِيرَ إلَيْهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ الْمِثْقَالِيُّ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله بِمَا يَثْبُتُ بِهِ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله التَّخْفِيفُ وَالتَّغْلِيظُ بِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ وَعَدَمِهِ وَقَالَا بِالِاخْتِلَافِ وَعَدَمِهِ، كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ نَصٌّ وَاحِدٌ بِنَجَاسَةِ شَيْءٍ فَهُوَ مُغَلَّظٌ، وَإِنْ تَعَارَضَ نَصَّانِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَهُوَ مُغَلَّظٌ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَهُوَ مُخَفَّفٌ هَكَذَا تَوَارَدَتْ كَلِمَتُهُمْ وَزَادَ فِي الِاخْتِيَارِ فِي تَفْسِيرِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَهُ وَلَا حَرَجَ فِي اجْتِنَابِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ إلَخْ) أَيْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ إلَخْ) أَقُولُ: إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ فِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بَلْ لِإِطْلَاقِهِ لَهَا كَمَا هُوَ الْأَغْلَبُ حَيْثُ تَنْصَرِفُ إلَى التَّحْرِيمِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا أَيْ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَمَمْنُوعٌ بِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي بَلْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ لِقَوْلِهِ فَالْأَفْضَلُ إزَالَتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ الْإِزَالَةِ فُضَيْلٍ وَلَا فَضِيلَةَ فِي الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مُسَلَّمٌ فِي الدِّرْهَمِ لَا فِيمَا دُونَهُ فَعِبَارَةُ السِّرَاجِ حِينَئِذٍ كَعِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ يَجِبُ وَإِنْ زَادَ يُفْرَضُ. اهـ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ يُدْرِكُ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَغْسِلُ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ لِلْإِكْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فَلَا. اهـ.
وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ. اهـ.
وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِهِ وَلَا تُرْفَضُ لِأَجْلِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا مَوْجُودَةٌ عَقِبَ قَوْلِهِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِعَرْضِ الْكَفِّ إلَخْ) قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَغْرِفَ الْمَاءَ بِالْيَدِ
وَفِي تَفْسِيرِهَا عِنْدَهُمَا وَلَا بَلْوَى فِي إصَابَتِهِ فَظَهَرَ بِهِ أَنَّ عِنْدَهُ كَمَا يَكُونُ التَّخْفِيفُ بِالتَّعَارُضِ يَكُونُ بِعُمُومِ الْبَلْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِنْ وَرَدَ نَصٌّ وَاحِدٌ فِي نَجَاسَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَكَذَا عِنْدَهُمَا كَمَا يَكُونُ التَّخْفِيفُ بِالِاخْتِلَافِ يَكُونُ أَيْضًا بِعُمُومِ الْبَلْوَى فِي إصَابَتِهِ
وَإِنْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَيَقَعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِدْقِ الْقَضِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْكَافِي وَهِيَ أَنَّ مَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ خَفَّتْ قَضِيَّتُهُ نَعَمْ قَدْ يَقَعُ النِّزَاعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي وُجُودِ هَذَا الْمَعْنَى فِي بَعْضِ الْأَعْيَانِ فَيَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إذَا كَانَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي نَجَاسَةِ شَيْءٍ يُضْعِفُ حُكْمَهُ بِمُخَالَفَةِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَهُمَا فَيَثْبُتُ بِهِ التَّخْفِيفُ فَضَعْفُهُ بِمَا إذَا وَرَدَ نَصٌّ آخَرُ يُخَالِفُهُ يَكُونُ بِطَرِيقِ أَوْلَى فَيَكُونُ حِينَئِذٍ التَّخْفِيفُ بِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاخْتِلَافُ فِي ثُبُوتِ التَّخْفِيفِ بِالِاخْتِلَافِ فَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَالَ وَكَأَنَّ مَنْ هُنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي غَيْرِ الرَّوْثِ وَالْخِثْيِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ مَعَ فَقْدِ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، ثُمَّ عَلَى طَرْدِ أَنَّهُ يَثْبُتُ التَّخْفِيفُ عِنْدَهُمَا بِالتَّعَارُضِ كَمَا بِاخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الِاعْتِذَارِ لِمُحَمَّدٍ عَنْ قَوْلِهِ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَضِي لِلتَّخْفِيفِ عِنْدَهُمَا الْخِلَافُ الْمُسْتَقَرُّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمَاضِينَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ وُجُودِهِمَا أَوْ الْكَائِنِينَ فِي عَصْرِهِمَا لَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سُؤْرَ الْحِمَارِ فَإِنَّ تَعَارُضَ النَّصَّيْنِ قَدْ وُجِدَ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالنَّجَاسَةِ أَصْلًا وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ مُغَلَّظٌ اتِّفَاقًا مَعَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ وَفِي الْكَافِي وَخِفَّةُ النَّجَاسَةِ تَظْهَرُ فِي الثِّيَابِ لَا فِي الْمَاءِ. اهـ.
وَالْبَدَنُ كَالثِّيَابِ وَأَرَادَ بِالدَّمِ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ غَيْرَ دَمِ الشَّهِيدِ فَخَرَجَ الدَّمُ الْبَاقِي فِي اللَّحْمِ الْمَهْزُولِ إذَا قُطِعَ وَالْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَالدَّمُ الَّذِي فِي الْكَبِدِ الَّذِي يَكُونُ مَكْمَنًا فِيهِ لَا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا دَمُ قَلْبِ الشَّاةِ فَفِي رَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَدَمِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ نَجَسٌ وَقِيلَ طَاهِرٌ وَخَرَجَ الدَّمُ الَّذِي لَمْ يَسِلْ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ كَمَا سَيَأْتِي وَدَمُ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ، وَإِنْ كَثُرَ وَدَمُ السَّمَكِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَدَخَلَ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَكُلُّ دَمٍ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ وَدَمُ الْحَلَمَةِ وَالْوَزَغِ وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ سَائِلًا وَفِي الْمُحِيطِ وَدَمُ الْحَلَمَةِ نَجَسٌ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قُرَادٌ وَحَمْنَانَةٌ وَحَمَلَةٌ فَالْقُرَادُ أَصْغَرُ أَنْوَاعِهِ وَالْحَمْنَانَةُ أَوْسَطُهَا وَلَيْسَ لَهُمَا دَمٌ سَائِلٌ وَالْحَلَمَةُ أَكْبَرُهَا وَلَهَا دَمٌ سَائِلٌ وَدَمُ كُلِّ عِرْقٍ نَجَسٌ وَكَذَا الدَّمُ السَّائِلُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ.
وَأَمَّا دَمُ الشَّهِيدِ فَهُوَ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ فَإِذَا أُبِينَ مِنْهُ كَانَ نَجِسًا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مُلَطَّخًا بِهِ فِي الصَّلَاةِ صَحَّتْ وَأَرَادَ بِالْبَوْلِ كُلَّ بَوْلٍ سَوَاءٌ كَانَ بَوْلَ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بَوْلَ الْخُفَّاشِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ كَمَا سَيَأْتِي وَإِلَّا بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِتَخْفِيفِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ بَوْلَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ وَشَمَلَ بَوْلَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَوْلُ الْهِرَّةِ أَوْ الْفَأْرَةِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ لَا يُفْسِدُ وَقِيلَ إنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَفْسَدَ وَهُوَ الظَّاهِرُ. اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا بَالَتْ الْهِرَّةُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ عَلَى الثَّوْبِ تَنَجَّسَ وَكَذَا بَوْلُ الْفَأْرَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَنْجُسُ الْإِنَاءُ دُونَ الثَّوْبِ. اهـ.
وَهُوَ حَسَنٌ لِعَادَةِ تَخْمِيرِ الْأَوَانِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ وَخُرْءُ الْفَأْرَةِ وَبَوْلُهَا نَجَسٌ
ــ
[منحة الخالق]
ثُمَّ تَبْسُطَ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِقْدَارُ الْكَفِّ. (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ الْخِلَافِ إلَخْ) أَيْ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ وَدَمُ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ) وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ دَمِ الْبَقِّ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ أَنْتَ قَالَ مِنْ الشَّامِ فَقَالَ اُنْظُرُوا إلَى قِلَّةِ حَيَاءِ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ مِنْ قَوْمٍ أَرَاقُوا دَمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جَاءَنِي يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَقِّ فَعَدَّ الْحَسَنُ هَذَا السُّؤَالَ مِنْ التَّعَمُّقِ وَكَرِهَ لَهُ التَّكَلُّفَ لِمَا فِيهِ مِنْ حَرَجِ النَّاسِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ وَلَمْ أُبْعَثْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ الصَّعْبَةِ» اهـ. مَا فِي النِّهَايَةِ فَرَائِدُ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا دَمُ الشَّهِيدِ فَهُوَ طَاهِرٌ إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ؛ لِأَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ لِضَرُورَةِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الدَّمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَصَلَ الدَّمُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجَسًا حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَكْبَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ فَلَمْ يَسْقُطْ اعْتِبَارُ نَجَاسَتِهِ ذَكَرَهُ رَضِيُّ الدِّينِ فِي الْمُحِيطِ، ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّظَرَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ التَّعْلِيلِ لِجَوَازِ صَلَاةِ حَامِلِ الشَّهِيدِ الْمُتَلَطِّخِ بِدِمَائِهِ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ يُفِيدُ جَوَازَ صَلَاةِ حَامِلِ الْمُسْلِمِ الْمَيِّتِ الْمَغْسُولِ الَّذِي لَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَقَدْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ تَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَذْكُورَةَ بِهِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الشَّهِيدِ اتِّفَاقِيٌّ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّضِيعِ الْمَذْكُورَةِ يُفِيدُ عَامَّ جَوَازِ صَلَاةِ حَامِلِ الْمُسْلِمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَوْجَهُ وَحِينَئِذٍ فَوَضْعُهُ فِي الشَّهِيدِ غَيْرُ اتِّفَاقِيٍّ وَيَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيلٍ غَيْرِ الْمَذْكُورِ لَهَا إلَى آخِرِ مَا قَالَ الْحِلْيَةُ فَرَاجِعْهُ
؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنٌ فِي الْمَاءِ وَغَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ فَصَارَ مَعْفُوًّا فِيهِمَا. اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ يَنْجُسُ الْإِنَاءُ أَيْ إنَاءَ الْمَاءِ لَا مُطْلَقَ الْإِنَاءِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ بَوْلُ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْؤُهُمَا نَجَسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ وَخُرْؤُهَا لَا يُفْسِدُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. اهـ.
وَبِهَذَا كُلِّهِ ظَهَرَ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ التَّجْنِيسِ بِنَقْلِ الِاتِّفَاقِ بِقَوْلِهِ بَالَ السِّنَّوْرُ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ بَوْلَهُ نَجَسٌ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا لَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ أَفْسَدَهُ اتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ لَا مُطْلَقًا لِوُجُودِ الْخِلَافِ كَمَا عَلِمْت وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ بَوْلُ الْفَأْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ قَالَ آخِرًا وَبَوْلُ الْهِرَّةِ نَجَسٌ إلَّا عَلَى قَوْلٍ شَاذٍّ وَفِيهَا أَيْضًا وَمَرَارَةُ كُلِّ شَيْءٍ كَبَوْلِهِ وَجِرَّةُ الْبَعِيرِ حُكْمُهَا حُكْمُ سِرْقِينِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوَارَى فِي جَوْفِهِ وَالْجِرَّةُ بِالْكَسْرِ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فَمِهِ فَيَأْكُلُهُ ثَانِيًا وَالسِّرْقِينُ الزِّبْلُ وَأَشَارَ بِالْبَوْلِ إلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يُوجِبُ خُرُوجُهُ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ فَهُوَ مُغَلَّظٌ كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ إذَا مَلَأَ الْفَمَ، أَمَّا مَا دُونَهُ فَطَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَيَّدَ بِالْخَمْرِ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَالطِّلَاءِ وَالسُّكَّرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ فِيهَا ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ مُغَلَّظَةٌ وَفِي أُخْرَى مُخَفَّفَةٌ وَفِي أُخْرَى طَاهِرَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْبَدَائِعِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ مُغَلَّظٌ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا قَطْعِيَّةٌ وَحُرْمَةُ غَيْرِ الْخَمْرِ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ التَّغْلِيظِ لِلْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا وَكَوْنُ الْحُرْمَةِ فِيهِ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ التَّغْلِيظِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا، وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّجَاسَاتِ الْغَلِيظَةِ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْنَاهُ مَقْطُوعٌ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَالْعَمَلُ بِالظَّنِّيِّ وَاجِبٌ قَطْعًا فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ كَانَ نَفْسُ وُجُوبِ مُقْتَضَاهُ ظَنِّيًّا وَالْأَوْلَى أَنْ يُرِيدَ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ. اهـ.
وَفِي الْعِنَايَةِ الْمُرَادُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ أَنْ يَكُونَ سَالِمًا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْفِيفِ مِنْ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ وَتَجَاذُبِ الِاجْتِهَادِ وَالضَّرُورَاتِ الْمُخَفَّفَةِ. اهـ.
وَأَشَارَ بِخُرْءِ الدَّجَاجِ إلَى خُرْءِ كُلِّ طَيْرٍ لَا يَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ كَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ لِوُجُودِ مَعْنَى النَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْتَقْذِرًا لِتَغْيِيرِهِ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادِ رَائِحَةٍ فَأَشْبَهَ الْعَذِرَةَ، وَفِي الْإِوَزِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ نَجَسٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَخُرْءُ الْبَطِّ إذَا كَانَ يَعِيشُ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا يَطِيرُ فَكَالدَّجَاجِ، وَإِنْ كَانَ يَطِيرُ وَلَا يَعِيشُ بَيْنَ النَّاسِ فَكَالْحَمَامَةِ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ خُرْءَ الطُّيُورِ الَّتِي تَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ نَوْعَانِ فَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالْحَمَّامِ وَالْعُصْفُورِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْآبَارِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْحِدَأَةِ فَسَيَذْكُرُ أَنَّهُ مُخَفَّفٌ وَفِيهِ خِلَافٌ نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَصَرَّحَ بِبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَعَ كَوْنِهِ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الْبَوْلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَوْلِ بَوْلُ الْآدَمِيِّ وَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَأَشَارَ بِالرَّوْثِ وَالْخِثْيِ إلَى نَجَاسَةِ خُرْءِ كُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرِ الطُّيُورِ فَالرَّوْثُ لِلْحِمَارِ وَالْفَرَسِ وَالْخِثْيُ لِلْبَقَرِ وَالْبَعْرُ لِلْإِبِلِ وَالْغَائِطُ لِلْآدَمِيِّ
وَلَا خِلَافَ فِي تَغْلِيظِ غَائِطِ الْآدَمِيِّ وَنَجْوِ الْكَلْبِ وَرَجِيعِ السِّبَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهُ فَعِنْدَهُ غَلِيظَةٌ لِقَوْلِهِ عليه السلام «فِي الرَّوْثَةِ أَنَّهَا رِكْسٌ» أَيْ نَجَسٌ وَلَمْ يُعَارَضْ وَعِنْدَهُمَا خَفِيفَةٌ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى طَهَارَتَهَا وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ حَتَّى رَجَعَ مُحَمَّدٌ آخِرًا إلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّوْثُ، وَإِنْ فَحُشَ لَمَّا دَخَلَ الرَّيَّ مَعَ الْخَلِيفَةِ وَرَأَى بَلْوَى النَّاسِ مِنْ امْتِلَاءِ الطُّرُقِ وَالْخَانَاتِ بِهَا وَقَاسَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا طِينَ بُخَارَى؛ لِأَنَّ مَشْيَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ فِيهَا وَاحِدٌ وَعِنْدَ ذَلِكَ يُرْوَى رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ حَتَّى إذَا أَصَابَتْهُ عَذِرَةٌ يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِلضَّرُورَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَزَاهُ إلَى التَّتَارْخَانِيَّة