الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْت فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ فَتَمَعَّكْت ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْك هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لِغَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ رُخْصَةً لَنَا وَالرُّخْصَةُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْآلَةُ حَيْثُ اكْتَفَى بِالصَّعِيدِ الَّذِي هُوَ مُلَوَّثٌ وَفِي مَحَلِّهِ بِشَطْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
(قَوْلُهُ: يَتَيَمَّمُ لِبُعْدِهِ مِيلًا عَنْ مَاءِ) أَيْ يَتَيَمَّمُ الشَّخْصُ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرَائِطِهِ فَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَفُوتُ إلَى خَلْفٍ وَمَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَغَيْرُ الْكَافِي كَالْمَعْدُومِ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ الْمَوْجُودِ وَالتَّيَمُّمُ لِلْبَاقِي؛ لِأَنَّ مَا نَكِرَةٌ فِي النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَقِيَاسًا عَلَى إزَالَةِ بَعْضِ النَّجَاسَةِ وَسِتْرِ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَكَالْجَمْعِ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بَيْنَ الذَّكِيَّةِ وَالْمَيِّتَةِ قُلْنَا الْآيَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ الطَّهَارَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَكَأَنَّ التَّقْدِيرَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً مُحَلِّلًا لِلصَّلَاةِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمَاءِ النَّجَسِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّيَمُّمِ إجْمَاعًا وَبِاسْتِعْمَالِ الْقَلِيلِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ الْحِلِّ يَقِينًا عَلَى الْكَمَالِ، فَإِنَّ الْحِلَّ حُكْمٌ وَالْعِلَّةَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا وَشَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ لَا يَثْبُتُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ كَبَعْضِ النِّصَابِ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَكَبَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْحَقِيقِيَّةِ وَالْعَوْرَةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَجَزَّآنِ فَيُفِيدُ إلْزَامَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْقَلِيلِ لِلتَّقْلِيلِ وَلَا يُفِيدُ هُنَا إذْ لَا يَتَجَزَّأُ هُنَا بَلْ الْحَدَثُ قَائِمٌ مَا بَقِيَ أَدْنَى لُمْعَةٍ فَيَبْقَى مُجَرَّدَ إضَاعَةِ مَالٍ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ عِزَّتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ كَمَا هُوَ، وَأَمَّا الْجَمْعُ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ؛ فَلِأَنَّ الذَّكِيَّةَ لَمَّا لَمْ تَدْفَعْ الِاضْطِرَارَ صَارَتْ كَالْعَدَمِ كَذَا ذَكَرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَغْسِلُ بِهِ بَعْضَ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ وَجَدَ مِنْ الثَّوْبِ قَدْرَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ لَا يَلْزَمُهُ اهـ.
وَلَوْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِلْحَدَثِ أَوْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ غَسَلَ بِهِ الثَّوْبَ مِنْهَا وَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى فِي النَّجَسِ أَجْزَأَهُ، وَكَانَ مُسِيئًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ النَّجَاسَةَ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ الْحُكْمُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ تَقَدَّمَ عَلَى غَسْلِ الثَّوْبِ أَوْ تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَى الثَّوْبِ عَلَى مَا قَالُوا وَالْمُسْتَحَقُّ الصَّرْفُ إلَى جِهَةٍ مَعْدُومٌ حُكْمًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ مَعَ الْحَدَثِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ لَهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ كَافِيًا لِأَحَدِهِمَا فَبَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ قَبْلَ غَسْلِهَا كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَكَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لِلْعَطَشِ وَنَحْوِهِ نَعَمْ يَتَمَشَّى ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ الْقَائِلَةِ بِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ غَسْلِ اللُّمْعَةِ لَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ ثُمَّ إنَّمَا ثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْرُوفًا إلَى جِهَةٍ أَهَمَّ أَصَابَ بَدَنَ الْمُتَيَمِّمِ قَذَرٌ فَصَلَّى وَلَمْ يَمْسَحْهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ تَقْلِيلًا لِلنَّجَاسَةِ. اهـ.
ثُمَّ الْعَدَمُ عَلَى نَوْعَيْنِ: عَدْمٌ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْمَعْنَى وَعَدَمٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنْهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَدَّ الْبُعْدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ التَّقْدِيرُ بِالْمِيلِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ مِيلًا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ أَقَلَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ مِيلٌ أَوْ أَقَلُّ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِدُخُولِ الْمِصْرِ وَالْمَاءُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً وَالْمِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ وَقِيلَ لِلْأَعْلَامِ الْمَبْنِيَّةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَمْيَالٌ؛ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى مَقَادِيرِ مُنْتَهَى الْبَصَرِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ هُنَا ثُلُثُ الْفَرْسَخِ وَالْفَرْسَخُ اثْنَا عَشْرَ أَلْفَ خُطْوَةٍ كُلُّ خُطْوَةٍ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ، وَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ
ــ
[منحة الخالق]
سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِطَاهِرٍ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ.
[شَرَائِط التَّيَمُّم]
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ) أَيْ لَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَفَرَغَ مَاؤُهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ بَقِيَتْ مِنْهُ لُمْعَةٌ مِنْ جَسَدِهِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْجَنَابَةِ وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهَا، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا لَهَا لِلْحَدَثِ، وَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ غَسَلَ بِهِ اللُّمْعَةُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ غَسَلَهَا فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ وَيُعِيدُ التَّيَمُّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قِيلَ الْأَوْلَى قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِيَةُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفَاصِيلُ بَيَّنَهَا فِي السِّرَاجِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّرَاجِ مَسْأَلَةَ النَّجَاسَةِ بَعْدَ هَذِهِ وَقَالَ لَوْ بَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ النَّجَاسَةَ أَعَادَ التَّيَمُّمَ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْ مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ هُنَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَاءٍ لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ جَازَ وَهُنَاكَ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ لَوْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ اهـ.
وَبِهِ يَنْدَفِعُ النَّظَرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْسَخُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ خُطْوَةٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْجَوْهَرَةِ أَنَّ قَدْرَ الْمِيلِ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَاَلَّذِي هُنَا سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَرَأَيْت فِي الْقِلَادَةِ الْجَوْهَرِيَّةِ مَا صُورَتُهُ قَالَ صَاحِبُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ الْهَائِمِ رحمه الله وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ فِي هَذَا الْبَابِ الْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ أَلْفُ
وَعَنْ الْكَرْخِيِّ رحمه الله أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ صَوْتَ أَهْلِ الْمَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ فَهُوَ بَعِيدٌ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَتَوَضَّأَ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَتَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ وَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَا الْمُقِيمِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَهُمَا، وَلَوْ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْعَدَمُ فَأَيْنَمَا تَحَقَّقَ جَازَ التَّيَمُّمُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَسْرَارِ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي الْمِصْرِ إلَّا لِخَوْفِ فَوْتِ جِنَازَةٍ أَوْ صَلَاةِ عِيدٍ أَوْ لِلْجُنُبِ الْخَائِفِ مِنْ الْبَرْدِ وَكَذَا ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ نَادِرًا وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى عَادَةِ الْأَمْصَارِ فَلَيْسَ خِلَافًا حَقِيقِيًّا وَتَصْحِيحُ الزَّيْلَعِيِّ لَا يُفْسِدُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَلِيلُ السَّفَرِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ الْمِصْرِ إنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي ثَلَاثَةٍ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْإِفْطَارِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ اهـ
وَفِي الْمُحِيطِ الْمُسَافِرُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ شُرِعَ طَهُورًا حَالَةَ عَدَمِ الْمَاءِ وَلَا تُكْرَهُ الْجَنَابَةُ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ فَكَذَا حَالَ عَدَمِهِ اهـ.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَسَافَةُ دُونَ خَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَمَنْ كَانَ فِي كِلَّةٍ جَازَ تَيَمُّمُهُ لِخَوْفِ الْبَقِّ أَوْ مَطَرٍ وَحَرٍّ شَدِيدٍ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُنَاسِبٌ لِقَوْلِ زُفَرَ لَا لِقَوْلِ أَئِمَّتِنَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ خَوْفَ الْفَوْتِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلْبُعْدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَكِنْ ظَفِرْت بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسَائِلَ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا لَوْ ازْدَحَمَ جَمْعٌ عَلَى بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا إلَّا بِالْمُنَاوَبَةِ لِضِيقِ الْمَوْقِفِ أَوْ لِاتِّحَادِ الْآلَةِ لِلِاسْتِقَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ وُصُولَ النَّوْبَةِ إلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالِاتِّفَاقِ
وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَصْبِرُ عِنْدَنَا لِيَتَوَضَّأَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَيَمَّمُ وَلَوْ كَانَ جَمْعٌ مِنْ الْعُرَاةِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ إلَّا ثَوْبٌ يَتَنَاوَبُونَهُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يَصْبِرُ وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ ضَيِّقٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَوْضِعٌ يَسَعُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَقَطْ لَا يُصَلِّي قَاعِدًا بَلْ تَصْبِرُ وَيُصَلِّي قَائِمًا بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْقُدْرَةُ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ وَمَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُهُ وَلَكِنْ لَوْ غَسَلَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ لَزِمَ غَسْلُهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَأَمَّا الْعَدَمُ مَعْنًى لَا صُورَةً فَهُوَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِمَانِعٍ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ مِنْهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ لِمَرَضٍ) يَعْنِي يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْمَرَضِ وَأَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ يَخَافَ اشْتِدَادَ مَرَضِهِ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فَعَلِمَ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ لَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ خَوْفِ الِاشْتِدَادِ وَالِامْتِدَادِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَشْتَدَّ بِالتَّحَرُّكِ كَالْمَبْطُونِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ كَالْجُدَرِيِّ أَوْ كَأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَجَدَ خَادِمًا كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ لَا يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ اتِّفَاقًا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَ خَادِمِهِ مَنْ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ وَلَوْ زَوْجَتَهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَ فِي التَّجْنِيسِ عَنْ شَيْخِهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ عَلَى قَوْلِهِ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا قَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ مَرِيضًا
ــ
[منحة الخالق]
بَاعٍ وَالْبَاعُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعَ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مَرْصُوصَةٌ بِالْعَرْضِ وَالشَّعِيرُ سِتُّ شَعَرَاتٍ بِشَعْرِ الْبِرْذَوْنِ اهـ كَلَامُهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.
قَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ
إنَّ الْبَرِيدَ مِنْ الْفَرَاسِخِ أَرْبَعُ
…
وَلِفَرْسَخٍ فَثَلَاثُ أَمْيَالِ ضَعُوا
وَالْمِيلُ أَلْفٌ أَيْ مِنْ الْبَاعَاتِ قُلْ
…
وَالْبَاعُ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ تُتَتَبَّعُ
ثُمَّ الذِّرَاعُ مِنْ الْأَصَابِعِ أَرْبَعُ
…
مِنْ بَعْدِهَا الْعِشْرُونَ ثُمَّ الْأُصْبُعُ
سِتُّ شُعَيْرَاتٍ فَظَهَرَ شُعَيْرَةٌ
…
مِنْهَا إلَى بَطْنٍ لِأُخْرَى تُوضَعُ
ثُمَّ الشُّعَيْرَةُ سِتُّ شَعَرَاتٍ فَقُلْ
…
مِنْ شَعْرِ بَغْلٍ لَيْسَ فِيهَا مِدْفَعٌ
أَقُولُ: فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ الْمُعَوَّلُ فَتَأَمَّلْ اهـ.
كَلَامُ الرَّمْلِيِّ مُلَخَّصًا وَفِي الشرنبلالية قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ عَنْ ابْنِ شُجَاعٍ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا خِلَافَ لِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ شُجَاعٍ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالذِّرَاعِ مَا فِيهِ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ قَبْضَةٍ فَيَبْلُغُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيْ الْمِيلُ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجِ بْنِ الشَّاشِيِّ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَعَرْضُ كُلِّ أُصْبُعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ مُلْصَقَةٍ ظَهْرَ الْبَطْنِ اهـ.
قُلْتُ: لَكِنْ مَا ادَّعَاهُ مِنْ تَأْيِيدِ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ لِمَا قَالَهُ مِنْ التَّوْفِيقِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَعْدَ تَحْدِيدِهِ الذِّرَاعَ وَكَذَا مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْهَائِمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ فِي كِلَّةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هِيَ السِّتْرُ الرَّقِيقُ وَغِشَاءٌ رَقِيقٌ يَتَوَقَّى بِهِ مِنْ الْبَعُوضِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ) عِبَارَتُهُ عَلَى مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ أَحَدًا يُوَضِّئُهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ
لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ أَوْ كَانَ فِي فِرَاشِهِ نَجَاسَةٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ مِنْهُ وَوَجَدَ مَنْ يُحَوِّلُهُ وَيُوَجِّهُهُ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَالْحَجُّ وَالْخِلَافُ فِيهِمَا مَعْرُوفٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمُكَلَّفُ قَادِرٌ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُعَدُّ قَادِرًا إذَا اخْتَصَرَ بِحَالَةٍ يَتَهَيَّأُ لَهُ الْفِعْلُ مَتَى أَرَادَ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا بَذَلَ الِابْنُ الْمَالَ وَالطَّاعَةَ لِأَبِيهِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَكَذَا مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ مُعْدَمٌ فَبَذَلَ لَهُ إنْسَانٌ الْمَالَ لِمَا قُلْنَا وَعِنْدَهُمَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ بِآلَةِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ آلَةَ الْغَيْرِ صَارَتْ كَآلَتِهِ بِالْإِعَانَةِ، وَكَانَ حُسَامُ الدِّينِ رحمه الله يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ، وَمَعَهُ قَوْمٌ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا أَنَّهُ يَخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ زِيَادَةَ الْوَجَعِ فِي قِيَامِهِ، وَلَا يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ الْوَجَعِ فِي الْوُضُوءِ اهـ.
مَا فِي التَّجْنِيسِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجِيرٌ لَكِنْ مَعَهُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ أَجِيرًا لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ قَلَّ الْأَجْرُ أَوْ كَثُرَ، فَإِنَّهُ قَالَ أَوْ عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ مِقْدَارُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ أَجِيرًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إذَا مَرِضَتْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَضِّئَهَا وَأَنْ يَتَعَاهَدَهَا، وَفِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْوُضُوءَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ يَعْنِي أَنَّ السَّيِّدَ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِ تَعَاهُدَ الْعَبْدِ فِي مَرَضِهِ كَانَ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ يَتَعَاهَدَهُ فِي مَرَضِهِ وَالزَّوْجَةُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَاهَدَهَا فِي مَرَضِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ إذَا مَرِضَ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا بِفِعْلِهَا وَفِي الْمُبْتَغَى مَرِيضٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَحَدٌ يُوَضِّئُهُ إلَّا بِأَجْرٍ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَلَّ الْأَجْرُ أَوْ كَثُرَ وَقَالَا لَا يَتَيَمَّمُ إذَا كَانَ الْأَجْرُ رُبْعَ دِرْهَمٍ اهـ.
وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ قَلِيلًا لَا إذَا كَانَ كَثِيرًا لِمَا عُرِفَ مِنْ مَسْأَلَةِ شِرَاءِ الْمَاءِ إذَا وَجَدَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] وَالْمُرَادُ مِنْ الْوُجُودِ فِي الْآيَةِ الْقُدْرَةُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكَرْدَرِيُّ الْفَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا} [النساء: 43] لِلْعَطْفِ عَلَى الشَّرْطِ وَفِي {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] لِجَوَابِ الشَّرْطِ وَفِي {فَامْسَحُوا} [النساء: 43] لِتَفْسِيرِ التَّيَمُّمِ، وَهَذَا إذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ عَلَى التَّيَمُّمِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا عِنْدَهُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي عِنْدَهُمَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ رَأَيْت فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْكَرْخِيِّ أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَرْدٌ) أَيْ إنْ خَافَ الْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ إنْ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ أَوْ يُمْرِضَهُ تَيَمَّمَ سَوَاءٌ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ فِيهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَيَمَّمُ فِيهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَجَوَازُهُ لِلْمُحْدِثِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
ــ
[منحة الخالق]
الَّذِي يُوَضِّئُهُ حُرًّا فِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُ الثَّانِي إذَا كَانَ الَّذِي يُوَضِّئُهُ مَمْلُوكًا لَهُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا شَكَّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَذَكَرَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله عَمَّنْ عَجَزَ بِنَفْسِهِ عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ مَنْ يُوَضِّئُهُ ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الْفَضْلِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنْ لَا يَعْتَبِرَ الْمُكَلَّفَ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَفْتَرِضُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَهُ) قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُعِينُ حُرًّا ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ بِمَا سَيَأْتِي وَذَكَرَ قَبْلَهُ إنْ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ يُعِينُهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ إنْ كَانَ الْمُعِينُ حُرًّا أَوْ أَجْنَبِيًّا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ، فَإِنْ كَانَ الْمُعِينُ مَمْلُوكًا اخْتَلَفَتْ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَيْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا مَرَّ قُلْت وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُعْتَبَرُ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ غَيْرُ الْخَادِمِ وَكَأَنَّهُ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْخَادِمِ اُعْتُبِرَ قَادِرًا بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَرْقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ إلَخْ) لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا وَجَدَ الزَّوْجَةَ أَوْ الْمَمْلُوكَ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ قَلِيلًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَلَامُهُ يُعْطِي أَنَّ الْقَلِيلَ ثَمَنُ الْمِثْلِ وَالْكَثِيرُ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِذَلِكَ إطْلَاقَ مَا فِي التَّجْنِيسِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِئْجَارُ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا طَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ اهـ.
أَقُولُ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَخْذًا مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ كَلِمَتُهُمْ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ إذَا كَانَ يُبَاعُ وَلَا يُوجَدُ مَجَّانًا.
(قَوْلُهُ: تَيَمَّمَ سَوَاءٌ كَانَ إلَخْ) لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَلَمَّا رَجَعُوا شَكَوْا مِنْهُ أَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُمْ قَالُوا صَلَّى بِنَا، وَهُوَ جُنُبٌ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْنَبْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَخِفْتُ عَلَى نَفْسِي الْهَلَاكَ لَوْ اغْتَسَلْتُ فَذَكَرْتُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَتَيَمَّمْتُ وَصَلَّيْتُ بِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ أَلَا تَرَوْنَ صَاحِبَكُمْ كَيْفَ نَظَرَ لِنَفْسِهِ وَلَكُمْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ» وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَنَّهُ كَانَ فِي مَفَازَةٍ أَوْ مِصْرٍ وَعَلَّلَ بِعِلَّةٍ عَامَّةٍ، وَهُوَ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَصْوَبَ رَأْيَهُ وَالْحُكْمُ يَتَعَمَّمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ اهـ حِلْيَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَجَوَازُهُ لِلْمُحْدِثِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ)
وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ جَوَازَهُ لِلْجُنُبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ وَلَا عَلَى أُجْرَةِ الْحَمَّامِ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَجِدُ ثَوْبًا يَتَدَفَّأُ فِيهِ، وَلَا مَكَانًا يَأْوِيهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا وَقَالَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْبَرْدِ فِي الْمِصْرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ نَشَأَ عَنْ اخْتِلَافِ زَمَانٍ لَا بُرْهَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْحَمَّامِ فِي زَمَانِهِمَا يُؤْخَذُ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّمَنِ دَخَلَ ثُمَّ تَعَلَّلَ بِالْعُسْرَةِ، وَفِي زَمَانِهِ قَبْلَهُ فَيُعْذَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بُرْهَانِيًّا بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِغَيْرِ الْوَاجِدِ قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْ رَفِيقِهِ إذَا كَانَ لَهُ رَفِيقٌ فَعَلَى هَذَا يُقَيِّدُ مَنْعُهُمَا بِأَنْ يَتْرُكَ طَلَبَ الْمَاءِ الْحَارِّ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ أَمَّا إذَا طَلَبَ فَمُنِعَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَالظَّاهِرُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ أَوْ الشِّرَاءِ وَعِنْدَ انْتِفَاءِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُفَصِّلْ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ثَمَنُ الْمَاءِ بَيْنَ إمْكَانِ أَخْذِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بِالْحِيلَةِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا بَلْ أَطْلَقُوا جَوَازَ التَّيَمُّمِ إذْ ذَاكَ فَمَا أَطْلَقَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْحَمَّامِ يُؤْخَذُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَيَتَعَلَّلُ بِالْعُسْرَةِ بَعْدَهُ فِيهِ نَظَرٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا شَكَّ فِي هَذَا فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ لَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِيهِ، وَمَنْ ادَّعَى إبَاحَتَهُ فَضْلًا عَنْ تَعْيِينِهِ، فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَ الْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ مَعَهُ مَالٌ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ غَائِبٌ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ، وَلَهُ مَالٌ غَائِبٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَجِيرٌ لَا يَجِدُ الْمَاءَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُهُ فِي نِصْفِ مِيلٍ لَا يُعْذَرُ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ثُمَّ يُعِيدُ وَلَوْ صَلَّى صَلَاةً أُخْرَى، وَهُوَ يَذْكُرُ هَذِهِ تَفْسُدُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ خَوْفُ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ فَقْدِ آلَةٍ) يَعْنِي يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِهَذِهِ الْأَعْذَارِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَعْدُومٌ مَعْنًى لَا صُورَةً أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَتَاهُ؛ فَلِأَنَّ إلْقَاءَ النَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ حَرَامٌ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَسَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الْمُبْتَغَى وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ يَخَافُ عَلَيْهَا إنْ ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ يَتَيَمَّمُ وَفِي التَّوْشِيحِ إذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ عِنْدَ فَاسِقٍ أَوْ خَافَ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عِنْدَ الْمَاءِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمَا الْأَسِيرُ فِي يَدِ الْعَدُوِّ إذَا مَنَعَهُ الْكَافِرُ عَنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ إذَا خَرَجَ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ تَوَضَّأْت حَبَسْتُك أَوْ قَتَلْتُك، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ يُعِيدُ كَالْمَحْبُوسِ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ لَمْ تَظْهَرْ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَمَنَعَهُ إنْسَانٌ عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِوَعِيدٍ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَ الصَّلَاةَ بَعْدَ مَا زَالَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَلَا يُسْقِطُ فَرْضَ الْوُضُوءِ عَنْهُ اهـ.
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعُذْرَ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ
وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ هَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ هُوَ بِسَبَبِ الْعَبْدِ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ ذَهَبَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَذَهَبَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ مَا فِي النِّهَايَةِ لِمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْعِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ بِوَعِيدٍ مِنْ الْحَبْسِ أَوْ الْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْخَوْفُ لَا الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ وَكَذَا ظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ التَّجْنِيسِ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ، فَإِنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ وَعِيدٌ مِنْ الْعَبْدِ نَشَأَ مِنْهُ الْخَوْفُ فَكَانَ هَذَا
ــ
[منحة الخالق]
قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ جَوَازُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ خَوْفِ الْبَرْدِ لَهُ قَوْلُهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ فِي الْأَسْرَارِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَى تَصْحِيحِ عَدَمِ الْجَوَازِ مَسْأَلَةُ الْمَسْحِ الْآتِيَةِ فِي بَابِهِ، وَهِيَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا خَافَ سُقُوطَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ وَاخْتَارَهُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَيْسَ هُوَ إلَّا تَيَمُّمُ الْمُحْدِثِ لِخَوْفِهِ عَلَى عُضْوِهِ فَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ اخْتِيَارُ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَدْ ظَهَرَ بِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ مَدْفُوعٌ عَنَّا بِالنَّصِّ الشَّرِيفِ تَأَمَّلْ اهـ.
وَلَكِنْ سَيَأْتِي مِنْهُ فِي مَحَلِّهِ تَضْعِيفُ هَذَا التَّصْحِيحِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ خَوْفِ سُقُوطِ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ هُوَ الْمَسْحُ لَا التَّيَمُّمُ وَسَتَطَّلِعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَأْيِيدِنَا لَهُ بِالنُّقُولِ الصَّرِيحَةِ.
(قَوْلُهُ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ) أَقُولُ: إنْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ الْوُضُوءِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الدُّرَرِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مَعًا يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الصُّورَتَيْنِ إذَا زَالَ الْمَانِعُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ لِلْعَلَّامَةِ نُوحٍ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ) وَبِهِ جَزَمَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ نُورِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ: مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ إلَى كَوْنِهِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى الثَّانِي)
مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ وَعِيدٌ مِنْ الْعَبْدِ أَصْلًا بَلْ حَصَلَ خَوْفٌ مِنْهُ فَكَانَ هَذَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَعِيدٌ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الدِّرَايَةِ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْخَوْفِ فِي الْأَسِيرِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الدِّرَايَةِ نَصَّ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا فِي النِّهَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ بَعْدَ هَذَا رَأَيْت الْعَلَّامَةَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ صَرَّحَ بِمَا فَهِمْته فَقَالَ وَتَحَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ الْخَوْفُ الَّذِي لَمْ يَنْشَأْ عَنْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نُسِبَ هَذَا الْخَوْفُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْهُ تَعَالَى أَيْضًا خَلْقًا وَإِرَادَةً لِتَجَرُّدِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ لَهُ مِنْ الْغَيْرِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ حُبِسَ فِي السَّفَرِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَوْ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ انْضَمَّ عُذْرُ السَّفَرِ إلَى الْعُذْرِ الْحَقِيقِيِّ وَالْغَالِبُ فِي السَّفَرِ عَدَمُ الْمَاءِ فَتَحَقَّقَ الْعَدَمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.
وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ، فَإِنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ وَالْمَشْغُولُ بِالْحَاجَةِ كَالْمَعْدُومِ وَعَطَشُ رَفِيقِهِ وَدَابَّتِهِ وَكَلْبِهِ لِمَاشِيَتِهِ أَوْ صَيْدِهِ فِي الْحَالِ أَوْ ثَانِي الْحَالِ كَعَطَشِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ رَفِيقَهُ الْمُخَالِطَ لَهُ أَوْ آخَرَ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْمَاءِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ وَهُنَاكَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَإِنْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ صَاحِبَ الْمَاءِ فَدَمُهُ هَدَرٌ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمُضْطَرُّ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَاءِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِلْعَطَشِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ الْأَجْنَبِيُّ لِلْوُضُوءِ، وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَكَذَا الْمَاءُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَجِينِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِاتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الطَّبْخِ دُونَ حَاجَةِ الْعَطَشِ
وَأَمَّا جَوَازُهُ بِفَقْدِ الْآلَةِ فَلِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَدِّدْ لِوَا يَسْتَقِي بِهِ فَوُجُودُ الْبِئْرِ وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ إيصَالُ ثَوْبِهِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ إيصَالُ ثَوْبِهِ وَيَخْرُجُ الْمَاءُ قَلِيلًا بِالْبَلَلِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْدِيلٌ طَاهِرٌ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَهَذَا يُوَافِقُ فُرُوعًا ذَكَرَهَا الشَّافِعِيَّةُ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِئْرًا فِيهَا مَاءٌ وَلَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ إلَيْهِ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يُدْلِيهِ إلَّا ثَوْبُهُ أَوْ عِمَامَتُهُ لَزِمَهُ إدْلَاؤُهُ ثُمَّ يَعْصِرُهُ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ، فَإِنْ زَادَ النَّقْصُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْ يَنْزِلُ إلَيْهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ، وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ إنْ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ وَصَلَ إلَى الْمَاءِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِلْ، فَإِنْ كَانَ نَقْصُهُ بِالشَّقِّ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ وَثَمَنِ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ لَزِمَهُ شَقُّهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ، وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِنَا كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ غَيْرِ لُحُوقِ ضَرَرٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ ضَرَرٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَبِوُجُودِ آلَةِ التَّقْوِيرِ فِي نَهْرٍ جَامِدٍ تَحْتَهُ مَاءٌ لَا يَتَيَمَّمُ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ وَفِي سَفَرِهِ جَمَدٌ أَوْ ثَلْجٌ وَمَعَهُ آلَةُ الذَّوْبِ لَا يَتَيَمَّمُ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ
ــ
[منحة الخالق]
أَيْ إلَى كَوْنِهِ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ (قَوْلُهُ: وَتَحَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ إلَخْ) وَيُلْحَقُ بِخَوْفِ الْعَدُوِّ وَالسَّبُعِ مَا هُوَ مِثْلُهُ كَخَوْفِ الْحَيَّةِ أَوْ النَّارِ لَكِنْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ يَجِبُ الْإِعَادَةُ بِالْوُضُوءِ فِيمَا إذَا كَانَ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ لِمَا أَنَّ الْعُذْرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ فَرْضِ الْوُضُوءِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ، وَكَذَا الْمَحْبُوسُ فِي السِّجْنِ وَالْأَسِيرُ وَالْمُقَيَّدُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْإِعَادَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَوْ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ طِينٍ لَا يُعِيدُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْقَيْدُ إذَا صَلَّى قَاعِدًا يُعِيدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. ابْنُ مَلَكٍ عَلَى التُّحْفَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِنَا) أَقُولُ: هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: إنْ كَانَ نُقْصَانُ قِيمَةِ الْمِنْدِيلِ قَدْرَ دِرْهَمٍ يَتَيَمَّمُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ الْمِنْدِيلَ فَأَمَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ دِرْهَمٍ لَا يَتَيَمَّمُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَى مَنْ يَسْرِقُ مَالَهُ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارَ دِرْهَمٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يَقْطَعُ كَذَا هُنَا اهـ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ قَرُبَ إلَى الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ إلَى الْمَنْقُولِ فِي الْمَذْهَبِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشِّرَاءِ أَنَّ الشِّرَاءَ
وَإِنْ كَثُرَتْ الْقِيمَةُ مُبَادَلَةٌ بِعِوَضٍ فَلَيْسَ فِيهِ إتْلَافُ مَالٍ بِخِلَافِ إدْلَاءِ الْمِنْدِيلِ وَشَقِّهِ، فَإِنَّ فِيهِ إتْلَافَ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ وَلَا ضَرُورَةَ دَاعِيَةً؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ عُدِمَ الْمَاءُ يَعْدِلُ إلَى بَدَلِهِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَلَا يَرْتَكِبُ الْمَنْهِيَّ لِأَجْلِهِ تَأَمَّلْ وَقَدْ عَلَّلُوا عَدَمَ لُزُومِ الشِّرَاءِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ يُقَابِلْهَا عِوَضٌ فَلَا يَلْزَمُهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ شَرْعًا وَمِمَّا يُقَرُّ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ وَلَا مَاءَ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ كَوْنِهِ إذَا قُطِعَ يَنْتَقِصُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمَاءِ أَنْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ بِأَكْثَرَ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلُزُومِ الضَّرَرِ بِلَا عِوَضٍ
اهـ.
وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُحِيطِ الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ فِي الْفَلَاةِ فِي الْحُبِّ وَنَحْوِهِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْوُضُوءِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا وُضِعَ لِلشُّرْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَيُسْتَدَلُّ بِكَثْرَتِهِ عَلَى أَنَّهُ وُضِعَ لِلشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا اهـ.
وَكَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَالْحُبُّ بِضَمِّ الْحَاءِ الْخَابِيَةُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلشُّرْبِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْهُ وَالْمَوْضُوعُ لِلْوُضُوءِ لَا يُبَاحُ مِنْهُ الشُّرْبُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فِي السَّفَرِ جُنُبٌ وَحَائِضٌ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَمَيِّتٌ وَمَعَهُمْ مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِأَحَدِهِمْ إنْ كَانَ الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَهُمْ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا فَالْجُنُبُ أَحَقُّ فَتَتَيَمَّمُ الْمَرْأَةُ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْحَائِضِ مُحْدِثٌ يُصْرَفُ إلَى الْجُنُبِ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ الْمَيِّتُ أَوْلَى وَقِيلَ الْجُنُبُ أَوْلَى، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَا نَصِيبَهُمَا إلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ وَيَتَيَمَّمَا فِيمَا إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا قُمْقُمَةٌ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فِي رَحْلِهِ وَقَدْ رَصَّصَ رَأْسَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَكَثِيرًا مَا يُبْتَلَى بِهِ الْحَاجُّ الْجَاهِلُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَسْتَوْدِعُ مِنْهُ الْمَاءَ اهـ.
قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي، فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى مَعَ غَيْرِهِ مَاءً يَبِيعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ اهـ.
وَدَفَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ تَمَلُّكٌ بِسَبَبٍ مَكْرُوهٍ، وَهُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ شَرْعًا فَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَاءُ مَعْدُومًا فِي حَقِّهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَمَاءِ الْحُبِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ.
وَقِيلَ الْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَخْلِطَهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ حَتَّى يُغَابَ عَلَيْهِ فَلَا يَبْقَى طَهُورًا كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَالْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يَجِدُ طَهُورًا لَا يُصَلِّي عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ تَشَبُّهًا بِالْمُصَلِّينَ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْأَدَاءِ لِمَكَانِ الْحَدَثِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّشَبُّهُ كَالْحَائِضِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَعَمِّدًا لَيْسَ بِكُفْرٍ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كُفْرًا لَمَا أَمَرَ أَبُو يُوسُفَ بِهِ وَقِيلَ كُفْرٌ كَالصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ الثَّوْبِ النَّجَسِ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَخِفِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ الثَّوْبِ النَّجَسِ لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ أَدَاؤُهُ بِحَالٍ وَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَعَمِّدًا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ فَإِذَا صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ تَهَاوَنَ وَاسْتَخَفَّ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَيَكْفُرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ نَظِيرَ الصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ الثَّوْبِ النَّجَسِ فَيَنْبَغِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّكْفِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: مُسْتَوْعِبًا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) أَيْ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا مُسْتَوْعِبًا فَهُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَجَوَّزَ الزَّيْلَعِيُّ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي تَيَمَّمَ فَيَكُونُ حَالًا مُنْتَظِرَةً قَالَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ فِيهِ رُكْنٌ لَا يَتَحَقَّقُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِهِ، وَعَلَى جَعْلِهِ حَالًا يَصِيرُ شَرْطًا خَارِجًا عَنْ مَاهِيَّتِه؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ شُرُوطٌ عَلَى مَا عُرِفَ.
اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ فَرْضٌ لَازِمٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ تَرَكَ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ وَنَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْهُمْ قَاضِي خَانْ وَنَصَّ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَصَاحِبُ الِاخْتِيَارِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ والْوَلْوَالِجِيِّ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَشَارِحُ الْوُقَايَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ لِوَجْهٍ غَيْرِ لَازِمٍ، وَهُوَ إمَّا لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَفِي تَفْصِيلِ عَقْدِ الْفَوَائِدِ بِتَكْمِيلِ قَيْدِ الشَّرَائِدِ مَعْزِيًّا إلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَدَفَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَكُونُ الرُّجُوعُ مَحْذُورًا إذَا كَانَ عَقْدُ الْهِبَةِ حَقِيقِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ فَلَا، إذْ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَتَأَدَّى مِنْ الرُّجُوعِ هُنَا أَصْلًا تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي عَنْ الْوَافِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَطْلُبُهُ مِنْ رَفِيقِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ يُعِيدُ وَهُنَا إنْ لَمْ يَرْجِعْ بِهِبَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ لِوُجُودِ الظَّنِّ بِإِعْطَائِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَعَاهَدَا عَلَى أَنَّهُ إنْ سَأَلَهُ بَعْدَ الْهِبَةِ لَا يُعْطِيهِ تَتْمِيمًا لِلْحِيلَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، فَإِنْ قُلْت قَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ عُلَمَائِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ شَرْطٌ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ وَعَلَيْهِ فَلَا يُتَّجَهُ التَّوْجِيهُ قُلْت حَمَلَهُ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ رُكْنٌ قَطْعًا وَفِي الْبَدَائِعِ هَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِ الرُّكْنِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ مَجِيءَ اسْمِ الْفَاعِلِ صِفَةً أَكْثَرُ مِنْ مَجِيئِهِ حَالًا إذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ مِنْ أَنَّهُ حَالٌ وَكَوْنُهُ صِفَةً احْتِمَالٌ فِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى
الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالظَّاهِرُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا خُلَاصَةَ الْفَتَاوَى الْمَشْهُورَةِ، فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ الْمُخْتَارَ افْتِرَاضُ الِاسْتِيعَابِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَسْحِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ تَعَلَّقَ بِاسْمِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَأَنَّهُ يَعُمُّ الْكُلَّ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِيعَابُ فِي الْأَصْلِ مِنْ تَمَامِ الرُّكْنِ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ فَيَلْزَمُهُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ وَنَزْعُ الْخَاتَمِ أَوْ تَحْرِيكُهُ وَلَوْ تَرَكَ لَمْ يَجُزْ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا يَلْزَمُهُ وَيَمْسَحُ الْمِرْفَقَيْنِ مَعَ الذِّرَاعَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ حَتَّى لَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ يَمْسَحُ مَوْضِعَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْوُضُوءِ وَقُدِّرَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْمُحِيطِ
وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ فَوْقَ الْمِرْفَقِ لَا يَجِبُ الْمَسْحُ يَعْنِي اتِّفَاقًا وَيَمْسَحُ تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَفَوْقَ الْعَيْنَيْنِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْحِلْيَةِ تَبَعًا لِلدِّرَايَةِ يَمْسَحُ مِنْ وَجْهِهِ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ وَالشَّعْرِ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ.
لَكِنْ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَسْحُ اللِّحْيَةِ فِي التَّيَمُّمِ وَلَا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ أَجْزَأَهُ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدِ الْأُولَى وَيُعِيدُ الضَّرْبَ لِلْيَدِ الْأُخْرَى اهـ.
وَفِي تَعْبِيرِهِ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَيَدَيْهِ دُونَ ثُمَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ كَأَصْلِهِ وَيُشْتَرَطُ الْمَسْحُ بِجَمِيعِ الْيَدِ أَوْ بِأَكْثَرِهَا حَتَّى لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَرَّرَ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَمَسْحُ الْعَذَارِ شَرْطٌ عَلَى مَا حَكَى عَنْ أَصْحَابِنَا وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ يَرَى التَّيَمُّمَ إلَى الرُّسْغِ وَالْوِتْرَ رَكْعَةً ثُمَّ رَأَى التَّيَمُّمَ إلَى الْمِرْفَقِ وَالْوِتْرَ ثَلَاثًا لَا يُعِيدُ مَا صَلَّى؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا ثُمَّ سَأَلَ فَأَمَرَ بِثَلَاثٍ يُعِيدُ مَا صَلَّى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ اهـ.
وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُيَمِّمَهُ وَنَوَى هُوَ جَازَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاضِي لَا يُجْزِئُهُ اهـ وَالنَّاوِي هُوَ الْآمِرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَأَمَّا اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ فَلَيْسَ مُسْتَفَادًا مِنْ الْإِلْصَاقِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْغُسْلِ فَلَزِمَ الِاسْتِيعَابُ فِي الْخَلَفِ حَسَبِ لُزُومِهِ فِي الْأَصْلِ. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ (قَوْلُهُ: بِضَرْبَتَيْنِ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَيَمُّمٍ أَيْ يَتَيَمَّمُ بِضَرْبَتَيْنِ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ الضَّرْبِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ الْوَضْعُ دُونَ الضَّرْبِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الضَّرْبُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَمِنْهُمْ كَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُسْتَصْفَى مَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا اخْتَارُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ جَائِزًا لِمَا أَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِلَفْظِ الضَّرْبِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الضَّرْبِ أَنْ يَدْخُلَ الْغُبَارُ فِي خِلَالِ الْأَصَابِعِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْتِيعَابِ وَتَعَقَّبَ مَا فِي الْمُسْتَصْفَى بِأَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي سَائِرِ الْآثَارِ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي بَعْضِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الضَّرْبَتَيْنِ الرَّدُّ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ ضَرْبَةٍ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٍ لِلْكَفَّيْنِ وَضَرْبَةٍ لِلذِّرَاعَيْنِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ فَلَيْسَ افْتِرَاضًا لِلثَّالِثَةِ لِذَاتِهَا بَلْ لِتَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْغُبَارُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَالْمَقْصُودُ، وَهُوَ التَّخْلِيلُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الضَّرْبَتَيْنِ رُكْنٌ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ فَهُمَا مِنْ مَاهِيَةِ التَّيَمُّمِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الضَّرْبَةِ أَعَادَهَا وَلَا يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ التُّرَابِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَلَكِنْ قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ إنَّ الضَّرْبَةَ تُجْزِئُهُ كَمَا فِي الْوُضُوءِ حَيْثُ يَتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَفَرَّقَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوُضُوءِ الْحُصُولُ وَفِي التَّيَمُّمِ التَّحْصِيلُ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّحْصِيلَ شَرْطٌ فَلَا يُنَافِي الْحَدَثَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْخِلَافَ وَعَلَى هَذَا فَمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ الْغُبَارَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ فَمَسَحَ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَجْزَأَهُ
وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ لَا يَجُوزُ يَلْزَمُ فِيهِ أَمَّا كَوْنُهُ قَوْلَ مَنْ أَخْرَجَ الضَّرْبَةَ لَا قَوْلَ الْكُلِّ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْحِلْيَةِ) أَقُولُ: فِي حِفْظِي أَنَّ الْحِلْيَةَ الَّتِي يَنْقُلُ عَنْهَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي مَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَ مَا فِي الْمُسْتَصْفَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا لَا يَصْلُحُ دَفْعًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ، وَهُوَ التَّخْلِيلُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الضَّرْبِ الثَّالِثِ وَلَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ مُحَمَّدًا يَشْتَرِطُ الْغُبَارَ فَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ يَحْتَاجُ إلَى الثَّالِثَةِ لِيُخَلِّلَ بِالْغُبَارِ عَلَى قَوْلِهِ