المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الوضوء بالماء ولو خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ١

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌[سَبَبُ وُجُوب الطَّهَارَةُ]

- ‌[أَحْكَام الْوُضُوء]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[أَرْكَانُ الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءُ]

- ‌[نَوَاقِض الْوُضُوء]

- ‌[أَحْكَام الْغُسْل]

- ‌[فَرَائِض الْغُسْل]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْل]

- ‌ آدَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَات الْغُسْل]

- ‌[الْغُسْل الْمُسِنُّونَ]

- ‌[الْغُسْل الواجب]

- ‌[أَحْكَام الْمِيَاه]

- ‌[الْوُضُوء بِمَاءِ السَّمَاءِ]

- ‌[الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ]

- ‌[مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ]

- ‌ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ

- ‌[صِفَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[حُكْم الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ]

- ‌[الطَّهَارَة بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْد الْفِيل إذَا دُبِغَ]

- ‌[التَّدَاوِي بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[طَهَارَة سُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[سُؤْرُ الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ]

- ‌ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم]

- ‌[شَرَائِط التَّيَمُّم]

- ‌كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ

- ‌سُنَنُ التَّيَمُّمِ

- ‌[نَوَاقِض التَّيَمُّم]

- ‌ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ

- ‌[رَجُلٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ]

- ‌[الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ]

- ‌ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ]

- ‌[بَيَان مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مَحَلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَمْنَع الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةُ الْقُرْحَةِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازُ]

- ‌[الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[كَيْفِيَّة الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الْحَيْضِ]

- ‌[مَا يَمْنَعهُ الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْض]

- ‌[الْمُحَيِّرَةِ فِي الْحَيْض]

- ‌[الْحُكْمِ فِيمَا لَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ]

- ‌[حَيْض الْمُبْتَدَأَة وَنِفَاسهَا]

- ‌[أَحْكَام النِّفَاسُ]

- ‌ أَقَلَّ النِّفَاسِ

- ‌(بَابُ الْأَنْجَاسِ)

- ‌[التَّطْهِيرُ بِالدُّهْنِ]

- ‌جِلْدَةُ آدَمِيٍّ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ

- ‌[طَهَارَة دَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ]

- ‌النَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ

- ‌[الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ مُنْقٍ]

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[آدَاب دُخُولَ الْخَلَاءِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّلَاة]

- ‌[أَوْقَات الصَّلَاة]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْفَجْرِ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعَصْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْمَغْرِبُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الظُّهْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِشَاءُ]

- ‌[الْأَوْقَات المنهي عَنْ الصَّلَاة فِيهَا]

- ‌[التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ)

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَة بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ

- ‌[جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌[أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ]

- ‌ أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ)

- ‌(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)

- ‌[تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاة]

- ‌ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ

- ‌[الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَكْبِير الْعِيدَيْنِ]

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ الْإِمَامَةِ)

- ‌[شَرَائِطِ صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[صِفَة الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا]

- ‌[جَمَاعَةُ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[وُقُوف الْمَأْمُومِينَ فِي الصَّلَاة خَلْف الْإِمَام]

- ‌[حُضُور النِّسَاء الْجَمَاعَاتِ ومَجَالِسِ الْوَعْظِ]

- ‌[اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي

- ‌ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ)

- ‌[اقْتِدَاء غَاسِلٍ بِمَاسِحٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ

- ‌(بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌[سَبَقَهُ حَدَثٌ وَكَانَ إمَامًا فِي الصَّلَاة]

- ‌[رَأَى الْإِمَام المُتَيَمِّمٌ مَاءً]

- ‌[اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ فِي الصَّلَاة]

الفصل: ‌[الوضوء بالماء ولو خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ إنْ ظَهَرَ لَوْنُهَا فِي الْكَفِّ لَا يُتَوَضَّأُ بِهَا لَكِنْ يُشْرَبُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِالطَّبْخِ) أَيْ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَا تَغَيَّرَ بِسَبَبِ الطَّبْخِ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ كَمَاءِ الْمَرَقِ وَالْبَاقِلَاءِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ لِعَدَمِ تَبَادُرِهِ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ وَلَا نَعْنِي بِالْمُطْلَقِ إلَّا مَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ النَّظَافَةُ تُقْصَدُ بِهِ كَالسِّدْرِ وَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ يُطْبَخْ بِالْمَاءِ، فَإِنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ إلَّا إذَا خَرَجَ الْمَاءُ عَنْ طَبْعِهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَالسَّيْلَانِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ أَنَّ الْبَاقِلَاءَ أَوْ الْحِمَّصَ إذَا طُبِخَ إنْ كَانَ إذَا بُرِّدَ ثَخُنَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْخُنُ وَرِقَّةُ الْمَاءِ بَاقِيَةٌ جَازَ لَيْسَ هُوَ الْمُخْتَارَ بَلْ هُوَ قَوْلُ النَّاطِفِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا رحمهم الله يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ بِمَا لَفْظُهُ، وَلَوْ طُبِخَ الْحِمَّصُ وَالْبَاقِلَاءُ فِي الْمَاءِ وَرِيحُ الْبَاقِلَاءِ تُوجَدُ فِيهِ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ رحمه الله إذَا لَمْ تَذْهَبْ عَنْهُ رِقَّةُ الْمَاءِ، وَلَمْ يُسْلَبْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ. اهـ.

وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ أَيْضًا عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ الْمَطْبُوخَ بِشَيْءٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ يَصِيرُ مُقَيَّدًا سَوَاءٌ تَغَيَّرَ شَيْءٌ مِنْ أَوْصَافِهِ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْبَغِي عَطْفُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَا تَغَيَّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ مُقَيَّدًا فَقَدْ تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ تَغَيَّرَ أَيْ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ كَالرِّيبَاسِ أَوْ ثَمَرٍ كَالْعِنَبِ لِأَنَّ هَذَا مَاءٌ مُقَيَّدٌ، وَلَيْسَ بِمُطْلَقٍ، فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ بِلَا وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا، وَفِي ذِكْرِ الْعَصْرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ بِلَا عَصْرٍ كَمَاءٍ يَسِيلُ مِنْ الْكَرَمِ يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قَاضِي خان فِي الْفَتَاوَى وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الْكَافِي وَذَكَرَ الْجَوَازَ بِصِيغَةِ قَبْلُ.

وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْأَوْجَهُ عَدَمُ الْجَوَازِ، فَكَانَ هُوَ الْأَوْلَى لِمَا أَنَّهُ كَمُلَ امْتِزَاجُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي فَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ امْتِزَاجُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ بِالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ ثُمَّ الْمَاءُ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ لَا يَخْرُجُ عَنْ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بَقِيَ الْكَلَامُ هُنَا فِي تَحْقِيقِ الْغَلَبَةِ بِمَاذَا تَكُونُ فَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ كَعِبَارَةِ الْكَنْزِ وَالْمُخْتَارُ تُفِيدُ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَوْ كَانَ وَصْفَيْنِ لَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ، وَهِيَ قَوْلُهُ وَنُجِيزُهُ بِغَالِبٍ عَلَى طَاهِرٍ كَزَعْفَرَانٍ تَغَيَّرَ بِهِ بَعْضُ أَوْصَافِهِ تُفِيدُ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَوْ كَانَ وَصْفَيْنِ يَجُوزُ أَوْ كُلُّهَا لَا يَجُوزُ

وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ حُكِيَ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَفِي الْمَجْمَعِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ الْغَلَبَةَ بِالْأَجْزَاءِ وَمُحَمَّدٌ بِاللَّوْنِ، وَفِي الْمُحِيطِ عَكْسُهُ، وَالْأَصَحُّ مِنْ الْخِلَافِ الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْغَلَبَةَ تُعْتَبَرُ أَوَّلًا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الطَّعْمُ ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نُقِعَ الْحِمَّصُ وَالْبَاقِلَاءُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَاءُ الصَّابُونِ إذَا كَانَ ثَخِينًا قَدْ غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ وَكَذَا مَاءُ الْأُشْنَانِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَفِيهِ إذَا كَانَ الطِّينُ غَالِبًا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَصَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى اعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ بِالْأَجْزَاءِ قَوْلَ الْجُرْجَانِيِّ إذَا طُرِحَ الزَّاجُّ أَوْ الْعَفْصُ فِي الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقَشُ إذَا كُتِبَ بِهِ، فَإِنْ نُقِشَ لَا يَجُوزُ، وَالْمَاءُ هُوَ الْمَغْلُوبُ، وَهَكَذَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ ظَاهِرًا فِي عِبَارَاتِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ، فَنَقُولُ إنَّ التَّقْيِيدَ الْمُخْرِجَ عَنْ الْإِطْلَاقِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: كَمَالُ

ــ

[منحة الخالق]

[الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ]

(قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ لَا يَنْبَغِي عَطْفُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَا تَغَيَّرَ)

كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَا يَنْبَغِي عَطْفُهُ عَلَى بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ لَا مَا ذَكَرَهُ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَاعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) أَسْقَطَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَجْزَأَ فَكَانَ الْوَاجِبُ ذِكْرَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ فَنَقُولُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ) أَقُولُ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَأَطَالَ بِهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّنْوِيرِ بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ وَلِلَّهِ دَرُّهُ حَيْثُ قَالَ الْغَلَبَةُ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ أَوْ بِطَبْخٍ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ وَإِمَّا بِغَلَبَةِ الْمُخَالِطِ فَلَوْ جَامِدًا فَبِثَخَانَةٍ مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ كَنَبِيذِ تَمْرٍ وَلَوْ مَائِعًا فَلَوْ مُبَايِنًا لِأَوْصَافِهِ فَبِتَغَيُّرِ أَكْثَرِهَا أَوْ مُوَافِقًا كَلَبَنٍ فَبِأَحَدِهَا أَوْ مُمَاثِلًا كَمُسْتَعْمَلٍ فَبِالْأَجْزَاءِ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ جَازَ التَّطْهِيرُ بِالْكُلِّ، وَإِلَّا لَا، وَهَذَا يَعُمُّ لِيَلْقَى وَلِيُلَاقِيَ فَفِي الْفَسَاقِي يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِتَسَاوِي الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ قُلْت لَكِنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا اهـ.

وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى ضَعْفِ مَا فِي الشرنبلالية مِنْ الْفَرْقِ وَسَتَطَّلِعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ هَذَا

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَجْهُ أَنْ يَخْرُجَ

ص: 72

الِامْتِزَاجِ، وَهُوَ بِالطَّبْخِ مَعَ طَاهِرٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ سَوَاءٌ خَرَجَ بِعِلَاجٍ أَوْ لَا.

الثَّانِي غَلَبَةُ الْمُخَالِطِ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَبِانْتِفَاءِ رِقَّةِ الْمَاءِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَا فِي الْيَنَابِيعِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إذَا طُرِحَ الزَّاجُّ فِي الْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا مُوَافِقًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ كَالْمَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِالتَّقْطِيرِ مِنْ لِسَانِ الثَّوْرِ وَمَاءِ الْوَرْدِ الَّذِي انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ وَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ طَهَارَتِهِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمُطْلَقِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَكْثَرَ جَازَ الْوُضُوءُ بِالْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ الْمَغْلُوبِ احْتِيَاطًا وَعَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِبْرَةُ بِالْأَجْزَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ جَامِدًا فَغَلَبَةُ الْأَجْزَاءِ فِيهِ بِثُخُونَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَائِعًا مُوَافِقًا لِلْمَاءِ، فَغَلَبَةُ الْأَجْزَاءِ فِيهِ بِالْقِدْرِ وَذَكَرَ الْحَدَّادِيُّ أَنَّ غَلَبَةَ الْأَجْزَاءِ فِي الْجَامِدِ تَكُونُ بِالثُّلُثِ، وَفِي الْمَائِعِ بِالنِّصْفِ

فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ كُلِّهَا، فَإِنْ غَيَّرَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ فَالْعِبْرَةُ لِغَلَبَةِ مَا بِهِ الْخِلَافُ كَاللَّبَنِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ، فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِالطَّعْمِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ ثُمَّ الطَّعْمِ ثُمَّ الْأَجْزَاءِ فَمُرَادُهُ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَائِعَ لِلْمَاءِ إنْ كَانَ لَوْنُهُ مُخَالِفًا لِلَوْنِ الْمَاءِ فَالْغَلَبَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، وَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ لَوْنَ الْمَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلطَّعْمِ إنْ غَلَبَ طَعْمُهُ عَلَى الْمَاءِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ.

وَأَمَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْبَعْضِ الْبَعْضُ الْأَقَلُّ، وَهُوَ الْوَاحِدُ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي شَرْحِهِ فَغَيَّرَ بَعْضَ أَوْصَافِهِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ لَوْنٍ ذَكَرَهُ بِأَوْ الَّتِي هِيَ لِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ بَعْدَ مِنْ الَّتِي أَوْقَعَهَا بَيَانًا لِلْبَعْضِ وَلَا يَظْهَرُ لِتَغْيِيرِ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ فَائِدَةٌ وَهَاهُنَا تَنْبِيهَاتٌ مُهِمَّةٌ لَا بَأْسَ بِإِيرَادِهَا الْأَوَّلُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْجَامِدَ لَا يُقَيَّدُ الْمَاءُ إلَّا إذَا سَلَبَهُ وَصْفَ الرِّقَّةِ وَالسَّيْلَانِ جَوَازُ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَلَوْ غَيَّرَ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ وَقَدْ صَرَّحُوا قُبَيْلَ بَابِ التَّيَمُّمِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَأَنَّ تِلْكَ رِوَايَةٌ مَرْجُوعٌ عَنْهَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ وَفِي مَسْأَلَةِ نَبِيذِ التَّمْرِ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، فَلَا مُخَالَفَةَ كَمَا لَا يَخْفَى الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّ الزَّعْفَرَانَ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ

ــ

[منحة الخالق]

مِنْ الْأَقْسَامِ مَا خَالَطَ جَامِدًا فَسَلَبَ رِقَّتَهُ وَجَرَيَانَهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَاءٍ مُقَيَّدٍ وَالْكَلَامُ فِيهِ بَلْ لَيْسَ بِمَاءٍ أَصْلًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُخْتَلَطِ بِالْأُشْنَانِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ فَيَصِيرَ كَالسَّوِيقِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَا فِي الْيَنَابِيعِ) الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُخَالِفُ هَذَا ظَاهِرًا حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا فِي الْيَنَابِيعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَجْزَاءِ أَيْ الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ إنْ كَانَ لَا يُخَالِفُ فِي الْأَوْصَافِ وَعَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِانْتِفَاءِ الرِّقَّةِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ جَامِدًا وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ وَتَفْصِيلٌ لِمَا عُلِمَ إجْمَالًا.

(قَوْلُهُ: كَاللَّبَنِ يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: الْمُشَاهَدُ فِي اللَّبَنِ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَاءِ فِي الرَّائِحَةِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْمُشَاهَدُ فِي الْبِطِّيخِ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَاءِ فِي الرَّائِحَةِ فَجُعِلَ الْأَوَّلُ مِمَّا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفَيْنِ فَقَطْ وَالثَّانِي فِي وَصْفٍ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ وَأَيْضًا فِي الْبِطِّيخِ مَا لَوْنُهُ أَحْمَرُ وَفِيهِ مَا لَوْنُهُ أَصْفَرُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْبَعْضِ الْبَعْضُ الْأَقَلُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَوْلُ الْمَجْمَعِ وَنُجِيزُهُ بِغَالِبٍ عَلَى طَاهِرٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ أَوْ عَلَى الْجَامِدِ فَقَطْ وَلَا سَبِيلَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَائِعِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ كَزَعْفَرَانٍ.

فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْأَعَمِّ لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْبَعْضِ عَلَى الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الْمُخَالِطِ الْجَامِدِ تُعْتَبَرُ بِانْتِفَاءِ الرِّقَّةِ لَا بِالْأَوْصَافِ فَضْلًا عَنْ وَصْفٍ وَاحِدٍ وَأَيْضًا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُخَالِطِ الْمَائِعِ لَا تَثْبُتُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي كُلِّ الْأَوْصَافِ يُعْتَبَرُ ظُهُورُهَا كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْجَامِدِ فَقَطْ فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ انْتِفَاءُ الرِّقَّةِ وَالسَّيَلَانِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا مَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ كَمَا يَأْتِي التَّقْيِيدُ بِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّعْفَرَانِ وَبَيْنَ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَالْجَازِ الَّذِي فِي الْيَنَابِيعِ وَالظَّهِيرِيَّةِ فَكَمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ انْتِفَاءُ الرِّقَّةِ فَلْيُعْتَبَرْ فِي الزَّعْفَرَانِ نَعَمْ فِي عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ تَأَمُّلٌ مِنْ حَيْثُ إفْهَامُهَا أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَيُقَيَّدُ بِانْتِفَاءِ الرِّقَّةِ أَوْ يُقَالُ إذَا تَغَيَّرَتْ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا بِنَحْوِ الزَّعْفَرَانِ يَزُولُ اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ غَالِبًا فَقَدْ ظَهَرَ لَك إمْكَانُ حَمْلِهَا عَلَى مَا قَرَّرَهُ وَإِنْ حَمَلَهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ الْوَاحِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ شَرْحِهِ يُقَوِّي الْأَشْكَالَ فَيَجِبُ تَأْوِيلُ مَا فِي شَرْحِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَغْيِيرَ وَاحِدٍ فَقَطْ أَوْ عَلَى أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَنْتَظِمُ الْكَلَامُ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الْإِلْهَامِ

ص: 73

مَا دَامَ رَقِيقًا سَيَّالًا وَلَوْ غَيَّرَ الْأَوْصَافَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْجَامِدَاتِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُنْيَةِ أَنَّ الزَّعْفَرَانَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ إنْ أَمْكَنَ الصَّبْغُ فِيهِ، فَلَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الثُّخُونَةِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ إلَّا إذَا غَلَبَهُ أَوْ سَاوَاهُ إمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْكُلِّ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا اُسْتُعْمِلَ الْمَاءُ خَارِجًا ثُمَّ أَلْقَى الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ وَاخْتَلَطَ بِالطَّهُورِ أَوْ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ الطَّهُورِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» لَا يُقَالُ إنَّهُ نَهْيٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا بِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمُطَهِّرِ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرُ الْمُطَهِّرِ غَالِبًا كَمَاءِ الْوَرْدِ وَاللَّبَنِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا وَهَاهُنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مَا يُلَاقِي الْبَدَنَ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فَكَيْفَ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا اهـ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيمَنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ بِأَنْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا لَا يُنْزَحُ شَيْءٌ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ مُسْتَعْمَلًا وَجَعَلَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَعْمَلِ أَكْثَرُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ طَهُورًا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعْمَلُ غَالِبًا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ صَبَّ اللَّبَنَ فِي الْبِئْرِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بَالَتْ شَاةٌ فِيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَقَالَ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ، وَهَذَا فَاسِدٌ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ فَلِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَلَا يُغَيِّرُهُ عَنْ صِفَةِ الطَّهُورِ كَاللَّبَنِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ثُمَّ الْكَثِيرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا يَغْلِبُ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَسْتَبِينَ مَوَاضِعَ الْقَطْرَةِ فِي الْإِنَاءِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ جُنُبٌ اغْتَسَلَ فَانْتَضَحَ مِنْ غُسْلِهِ شَيْءٌ فِي إنَائِهِ لَمْ يَفْسُدْ عَلَيْهِ الْمَاءُ أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيلُ فِيهِ سَيَلَانًا أَفْسَدَهُ وَكَذَا حَوْضُ الْحَمَّامِ عَلَى هَذَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُهُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ يَعْنِي لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الطَّهُورِيَّةِ اهـ.

بِلَفْظِهِ فَإِذَا عَرَفْت هَذَا لَمْ تَتَأَخَّرْ عَنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْفَسَاقِي الْمَوْضُوعَةِ فِي الْمَدَارِسِ عِنْدَ عَدَمِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِغَلَبَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَوْ وُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِي الصِّغَارِ مِنْهَا

فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَوْ صُبَّ مَاءُ الْوُضُوءِ فِي الْبِئْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ إنْ كَانَ اسْتَنْجَى بِذَلِكَ الْمَاءِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَنْجَى بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ نَجِسًا لَكِنْ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا لِيَصِيرَ الْمَاءُ طَاهِرًا اهـ.

فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِوُقُوعِ قَلِيلٍ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْجُنُبَ إذَا نَزَلَ فِي الْبِئْرِ بِقَصْدِ الِاغْتِسَالِ يَفْسُدُ الْمَاءُ عِنْدَ الْكُلِّ صَرَّحَ بِهِ الْأَكْمَلُ وَصَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرُهُمَا وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ يُنْزَحُ عِشْرُونَ دَلْوًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَوْلَا أَنَّ الْكُلَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِمَا نُزِحَ مِنْهَا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي الْإِنَاءِ لِلتَّبَرُّدِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَاءَ يَفْسُدُ إذَا أَدْخَلَ الْكَفَّ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ الْكُلِّ.

وَقَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ والْوَلْوَالِجِيِّ فِي فَتَاوِيهِ جُنُبٌ اغْتَسَلَ فِي بِئْرٍ ثُمَّ فِي بِئْرٍ إلَى الْعَشَرَةِ عَلَى قَصْدِ الِاغْتِسَالِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُنَجَّسُ الْآبَارُ كُلُّهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثَةِ طَاهِرًا ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ عَيْنُ نَجَاسَةٍ تَنَجَّسَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنَ نَجَاسَةٍ صَارَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا مُسْتَعْمَلًا إلَى آخِرِ الْفُرُوعِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هَكَذَا كُنْت تَوَهَّمْت وَكَتَبْت بَعْضَ مَقُولَاتٍ عَلَى عِبَارَةِ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُفْسِدُ الطَّهُورَ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ أَوْ يُسَاوِهِ لَا عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ قَاضِي خان إلَخْ) جَوَابُ الشَّرْطِ سَيَأْتِي بَعْدَ صَفْحَةٍ وَمَنْشَأُ السُّؤَالِ مَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُفْسِدُ الطَّهُورَ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ أَوْ يُسَاوِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ عَيْنُ نَجَاسَةٍ تَنَجَّسَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمِيَاهِ مِيَاهَ الْآبَارِ الْعَشَرَةِ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ وَكَذَا تَنَجُّسُ الْآبَارِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُشْكِلٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ نَزَلَ فِي الْبِئْرِ، وَهُوَ جُنُبٌ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا وَالرَّجُلُ نَجِسٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ جحط وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِسْبِيجَابِيَّ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْفُرُوعَ بَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ بِحَالِهِ وَالْمَاءَ بِحَالِهِ اهـ.

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِيَاهِ الْمُتَنَجِّسَةِ أَوْ الْمُسْتَعْمَلَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِيَاهُ الْآبَارِ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ بِدَلِيلِ تَكْمِلَةِ عِبَارَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ هُنَا ثُمَّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ إنْ وُجِدَتْ مِنْهُ النِّيَّةُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا

وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ النِّيَّةُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ. اهـ. فَتَأَمَّلْ.

ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ مَسْطُورَةً فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَوْضَحِ مِمَّا ذَكَرَهُ

ص: 74

وَهَذَا صَرِيحٌ فِي اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الْمَاءِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالِاغْتِسَالِ فِيهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي الْأَسْرَارِ: فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ» إلَى آخِرِهِ قَالَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ طَهُورٌ لَا يَجْعَلُ الِاغْتِسَالَ فِيهِ حَرَامًا، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ إذَا وَقَعَ فِي مَاءِ آخَرَ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ اللَّبَنِ يَقَعُ فِيهِ وَقَدْرُ مَا يُلَاقِي بَدَنَ الْمُسْتَعْمَلِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُغْتَسَلُ فِيهِ عَادَةً يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا فَضُلَ عَنْ مُلَاقَاةِ بَدَنِهِ فَلَا يَفْسُدُ وَيَبْقَى طَهُورًا لِذَلِكَ وَلَا يَحْرُمُ فِيهِ الِاغْتِسَالُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِنَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ فَيَفْسُدُ الْكُلُّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْغُسَالَةِ كَقَطْرَةِ خَمْرٍ تَقَعُ فِي حُبٍّ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَمَّا اغْتَسَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ صَارَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا اهـ.

فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ كَشَفَتْ اللَّبْسُ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ، فَإِنَّهَا أَفَادَتْ أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِاخْتِلَاطِ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا حَكَمَ بِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَمَا فِي الْبَدَائِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ عَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ بِخِلَافِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ تَوَضَّأَ فِي طَسْتٍ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي بِئْرٍ يُنْزَحُ مِنْهُ الْأَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ دَلْوًا وَمِمَّا صُبَّ فِيهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا. اهـ.

وَهَذَا يُفِيدُ صَيْرُورَةَ مَاءِ الْبِئْرِ مُسْتَعْمَلًا بِصَبِّ الْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَيْهِ فَبِالْأَوْلَى إذَا تَوَضَّأَ فِيهَا أَوْ اغْتَسَلَ قُلْت قَدْ وَقَعَ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ مِنْ الْفَسَاقِي الصِّغَارِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْمَدَارِسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ الطَّلَبَةِ وَالْأَفَاضِلِ فِي عَصْرِنَا وَقَبْلَهُ وَقَدْ أَلَّفَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِيهَا رِسَالَةً وَسَمَّاهَا رَفْعَ الِاشْتِبَاهِ عَنْ مَسْأَلَةِ الْمِيَاهِ وَاسْتَدَلَّ فِيهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ عَصْرِهِ وَأَفْتَى بِهِ وَتَعَقَّبَهُ الْبَعْضُ الْآخَرُ وَأَلَّفَ فِيهَا رِسَالَةً وَسَمَّاهَا زَهْرَ الرَّوْضِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْضِ وَنَبَّهَ عَلَيْهَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنُ وَهْبَانَ.

وَقَالَ لَا تَغْتَرَّ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَاسْتَنَدَ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْأَسْرَارِ

ــ

[منحة الخالق]

الشَّارِحُ مَعَ النَّصِّ عَلَى مَا اسْتَظْهَرْنَاهُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أَنَّ الْجُنُبَ اغْتَسَلَ فِي الْبِئْرِ ثُمَّ فِي بِئْرٍ إلَى الْعَشَرَةِ أَوْ أَكْثَرَ تُنَجَّسُ الْمِيَاهُ كُلُّهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ عَيْنِيَّةٌ أَوْ لَا وَالرَّجُلُ عَلَى حَالِهِ جُنُبٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَخْرُجُ مِنْ الْبِئْرِ الثَّالِثَةَ طَاهِرًا وَالْمِيَاهُ الثَّلَاثَةُ يُنْظَرُ فِيهَا إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ صَارَ الْمَاءُ نَجِسًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَالْمُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ، وَأَمَّا الرَّابِعُ وَمَا وَرَاءَهُ إنْ وُجِدَتْ مِنْهُ النِّيَّةُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، وَإِلَّا فَلَا يَعْنِي إذَا لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ فَالْمِيَاهُ طَاهِرَةٌ اهـ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ اغْتَسَلَ أَنَّ الْغُسْلَ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ كَانَ بِنِيَّةٍ وَوَجْهُ اسْتِعْمَالِهَا سُقُوطُ الْفَرْضِ بِهَا مَعَ الْقُرْبَةِ وَسُنِّيَّةُ التَّثْلِيثِ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ مَا بَعْدَهَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ أَيْضًا لِحُصُولِ الْقُرْبَةِ بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَالْوُضُوءِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَا يَتَنَجَّسُ الرَّابِعُ وَمَا بَعْدَهُ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لِطَهَارَتِهِ بِخُرُوجِهِ مِنْ الثَّالِثَةِ

(قَوْلُهُ: فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ كَشَفَتْ اللَّبْسَ إلَخْ) قَالَ أَخُوهُ الْمُحَقِّقُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي هَوَامِشِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَعَمْ كَشَفَتْ اللَّبْسَ مِنْ حَيْثُ آخِرُهَا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَمَّا اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ صَارَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا فَلَنَا صُورَتَانِ صُورَةُ وُقُوعِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي مَاءٍ غَيْرِ مُسْتَعْمَلٍ فَيُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الْمَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مَاءٌ وَاحِدٌ تَوَضَّأَ بِهِ شَخْصٌ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ لِحَاجَةٍ صَارَ مُسْتَعْمَلًا كُلُّهُ حُكْمًا كَمَا رَأَيْت اهـ.

(قَوْلُهُ: فَمَا فِي الْبَدَائِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ عَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ) أَيْ حَقِيقَةً يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ نَسَبَ إلَى مُحَمَّدٍ عَدَمَ الِاسْتِعْمَالِ بِنَاءً عَلَى مَا اقْتَضَاهُ مَذْهَبُهُ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ أَوْ يُسَاوِهِ لَكِنَّ مُحَمَّدًا مَا قَالَ بِذَلِكَ الَّذِي اقْتَضَاهُ مَذْهَبُهُ بَلْ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةُ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ عِبَارَةُ الدَّبُوسِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَمِمَّا صُبَّ فِيهِ) أَيْ وَيُنْزَحُ مَا ذُكِرَ أَيْضًا مِنْ بِئْرٍ أُخْرَى صُبَّ فِيهَا دَلْوٌ مَثَلًا مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الْعِشْرِينَ دَلْوًا وَفِي الْمَصْبُوبِ فَأَيُّهُمَا أَكْثَرُ يُنْزَحُ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي أَحْكَامِ الْآبَارِ لَوْ وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي جُبٍّ فَأُرِيقَ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُنْزَحُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَصْبُوبَةِ وَمِنْ عِشْرِينَ دَلْوًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ لَوْ وَقَعَتْ فِيهَا يُنْزَحُ عِشْرُونَ فَكَذَا إذَا صُبَّ فِيهَا مَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا إذَا زَادَ الْمَصْبُوبُ عَلَى ذَلِكَ فَتُنْزَحُ الزِّيَادَةُ مَعَ الْعِشْرِينَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَنَبَّهَ عَلَيْهَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ إلَخْ) ، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ إذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ مَا نَصُّهُ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي أَنَّهُ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ أُصُولِ أَئِمَّتِنَا فِيهِ وَالتَّحْقِيقُ النَّزْحُ لِلْجَمِيعِ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ عِنْدَهُ وَتَحْقِيقُ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الْإِمَامِ وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى يُنْزَحُ مِنْهُ عِشْرُونَ لِيَصِيرَ طَهُورًا، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ

أَمَّا لَوْ اُعْتُبِرَتْ الضَّرُورَةُ وَدَفْعُ الْحَرَجِ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ فِي الِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ أَوْ إدْخَالِ الْعُضْوِ فِيهِ وَاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الصُّغْرَى وَغَيْرهَا وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ

ص: 75

وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَكْشِفُ لَك عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ وَالْإِمْكَانِ وَجُهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ فَأَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صَيْرُورَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ مُسْتَعْمَلًا بِاخْتِلَاطِ الْمُسْتَعْمَلِ الْأَقَلِّ مِنْهُ بِهِ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ كَالزَّيْلَعِيِّ وَالْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ وَالسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ كَمَا نَقَلْنَاهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الدَّبُوسِيِّ فِي الْأَسْرَارِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ نَزْحِ عِشْرِينَ دَلْوًا وَمَا ذَكَرَهُ الْأَكْمَلُ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ كَوْنِهِ يَفْسُدُ عِنْدَ الْكُلِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ والْوَلْوَالِجِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فَكُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَسَيَظْهَرُ لَك صِدْقُ هَذِهِ الدَّعْوَى الصَّادِقَةِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ

وَإِذَا وَقَعَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْبِئْرِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَيُنْزَحُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ

ــ

[منحة الخالق]

تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِرَفْعِ الِاشْتِبَاهِ فَإِنَّهُ خَالَفَ فِيهَا صَرِيحَ الْمَنْقُولِ عَنْ أَئِمَّتِنَا وَاسْتَنَدَ إلَى كَلَامٍ وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ يُوهِمُ عَدَمَ صَيْرُورَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْغِمَاسِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مِنْهُ مَا لَاقَى بَدَنَ الْمُحْدِثِ، وَهُوَ قَلِيلٌ لَاقَى طَهُورًا أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا يَسْلُبُهُ وَصْفَ الطَّهُورِيَّةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّنْ لَا رُسُوخَ لَهُ فِي فِقْهِهِمْ وَكَتَبَ فِيهِ كِتَابَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى خَلْطٍ وَخَبْطٍ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي مُقَدَّمَةٍ كَتَبْتهَا حَقَّقْت فِيهَا الْمَذْهَبَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الدَّبُوسِيَّ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ أَوْرَدَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ مِنْ أَبِي يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

وَذَكَرَ جَوَابَ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فَكَشَفَ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَذَاهِبِ عُلَمَائِنَا فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِمُحَمَّدٍ وَعَامَّةِ مَشَايِخِنَا يَنْصُرُونَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَتَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ يُحْتَجُّ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ بِمَا رُوِيَ فَذَكَرَ حَدِيثَ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ» ثُمَّ قَالَ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ طَهُورٌ لَا يُجْعَلُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ حَرَامًا إلَى آخِرِ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَا عَنْ الدَّبُوسِيِّ.

وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الطَّاهِرَ إذَا انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِلِاغْتِسَالِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَصَرَّحَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان بِأَنَّ إدْخَالَ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ لِلْغَسْلِ يُفْسِدُ الْمَاءَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَتَكَفَّلَ بِإِيضَاحِ هَذَا وَتَحْرِيرِهِ رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةُ بِزَهْرِ الرَّوْضِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْضِ وَمَا كَتَبْته بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ رُؤْيَةِ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَانْظُرْهُ اهـ.

وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِالْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِي جَسَدُهُ دُونَ بَاقِي الْمَاءِ فَيَصِرْ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُسْتَهْلَكًا فِي كَثِيرٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِسَرَيَانِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجَمِيعِ حُكْمًا، وَلَيْسَ كَالْغَالِبِ بِصَبِّ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ اهـ.

يَعْنِي: أَنَّهُ لَمَّا انْغَمَسَ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ مَثَلًا صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِجَمِيعِ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي انْغَمَسَ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ حَقِيقَةً هُوَ مَا لَاقَى جَسَدَهُ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعْمَلَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هُوَ ذَلِكَ الْمُلْقَى فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ عَلَى الْمُلْقَى فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَا لَمْ يُسَاوِهِ أَوْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يُدْخِلْ فِيهِ جَسَدَهُ حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ حُكْمًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْأَسْرَارِ لِلدَّبُّوسِيِّ وَقَوْلُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ جحط لَوْ انْغَمَسَ بِقَصْدِ الِاغْتِسَالِ لِلصَّلَاةِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا

وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْأَسْرَارِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مُسْتَدِلًّا بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَالسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَاقَاهُ الْمُسْتَعْمَلُ أَوْ أُلْقِيَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْهِنْدِيِّ فِي الْمُلْقَى وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمُلَاقَى فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ عَدَمِ الْفَرْقِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ مَا يُثْبِتُهُ.

(قَوْلُهُ: فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ) أَقُولُ: إنْ كَانَ الْخِلَافُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ أَهْلِ الْعَصْرِ فِي جَوَازِ التَّوَضُّؤِ مِنْ الْفَسَاقِي وَعَدَمِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِانْغِمَاسٍ بِجَسَدٍ أَوْ يَدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا كَلَامَ فِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُ مِنْ الْجَوَازِ فَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الِانْغِمَاسِ وَغَيْرِهَا فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ بِالِانْغِمَاسِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا وَأَيَّدْنَاهَا بِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الدَّبُوسِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَإِذَا عَرَفَتْ هَذَا إلَخْ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُلْقَى وَالْمُلَاقَى فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْمُلَاقَى سِوَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ.

وَأَمَّا غَيْرُ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ فَهُوَ فِي الْمُلْقَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ وَلِذَا قَالَ أَخُو الشَّارِحِ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي هَوَامِشِ هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْآتِي قَالَ فِي الْمُحِيطِ: إلَخْ مَا نَصُّهُ لَا يَخْفَاك أَنَّ الْعِبَارَةَ فِي وُقُوعِ الْمَاءِ لَا الْمُغْتَسَلِ، وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ اهـ.

وَكَذَا مَا نَقْلنَا عَنْهُ سَابِقًا وَكَأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلِّمُ عَدَمَ الْفَرْقِ فَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِّ الْأَقْدَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الْإِلْهَامِ هَكَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُحَشِّي قَوْلُهُ وَنَبَّهَ عَلَيْهَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةٍ إلَخْ إلَى قَوْلِهِ الْآتِي إذْ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ عَلَى حَسَبِ مَا وُجِدَ بِخَطِّهِ رحمه الله فِي حَاشِيَةِ نُسْخَتِهِ حَيْثُ كَانَ هُوَ الْأَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ الْمُجَرَّدُ لِخَطِّهِ فِي الْمُبَيَّضَةِ فَلِذَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ اهـ مُصَحَّحَةً

ص: 76

وَيَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فَصَارَ كَالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ اهـ. بِلَفْظِهِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: إذَا وَقَعَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْبِئْرِ لَا يَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَفِي التُّحْفَةِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ، وَإِذَا وَقَعَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الْقَلِيلِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بِخِلَافِ بَوْلِ الشَّاةِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ مِنْ جِنْسِ مَاءِ الْبِئْرِ فَلَا يُسْتَهْلَكُ فِيهِ وَالْبَوْلُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فِيهِ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ صَبَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي بِئْرٍ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَكَانَ دُونَ الْفَأْرَةِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُجَوَّزُ اسْتِعْمَالُ مَاءِ الْبِئْرِ اهـ.

كَلَامُ الْعَلَّامَةِ السَّرَّاجِ فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ الْأَكْثَرِ مِنْهُ الْقَلِيلِ فِي نَفْسِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِيرُ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ فَأَفَادَ الْفَرْقَ بِقَوْلِهِ، وَالْفَرْقُ لَهُ إلَى آخِرِهِ، وَهِيَ الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمُطْلَقِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْعَلَّامَةُ كَمَا رَأَيْت وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ عَنْ التُّحْفَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَمِنْهَا حَمْلُ مَا نَقَلَهُ قَاضِي خان وَغَيْرُهُ مَنْ نَزْحِ عِشْرِينَ دَلْوًا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فَلَا يُنْزَحُ شَيْءٌ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا تَعَيَّنَ عَلَيْك حَمْلُ قَوْلِ مَنْ نَقَلَ عَدَمَ الْجَوَازِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ لَا الصَّحِيحِ كَمَا فَعَلَهُ الْعَلَّامَةُ.

وَأَمَّا مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي الْمَاءِ فَسَدَ الْمَاءُ، فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا عَلَى الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجِسِ لِلْمَاءِ الْقَلِيلِ تَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ لَا مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ لَهُ وَقَدْ كَشَفَ عَنْ هَذَا خِتَامُ الْمُحَقِّقِينَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ حِجَابِ الْأَسْتَارِ فَقَالَ حَوْضَانِ صَغِيرَانِ يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيَدْخُلُ فِي الْآخَرِ فَتَوَضَّأَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْجَارِي مِنْ فَوْقُ وَقَدْ بَقِيَ جَرْيُ الْمَاءِ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَا يَجْرِي فِي النَّهْرِ.

وَذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ: وَالْمَاءُ الَّذِي اجْتَمَعَ فِي الْحَفِيرَةِ الثَّانِيَةِ فَاسِدٌ، وَهَذَا مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى كَوْنِ الْمُسْتَعْمَلِ نَجِسًا وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا، فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فَلَا فَلْتُحْفَظْ لِيُفَرَّعَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْتَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْفُرُوعِ اهـ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ.

وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ فَهْمَ الْمَسَائِلِ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إطْلَاقَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي الْغَالِبِ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ يَعْرِفُهَا صَاحِبُ الْفَهْمِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُمَارِسُ لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَإِنَّمَا يَسْكُتُونَ عَنْهَا اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ فَهْمِ الطَّالِبِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ اجْتِهَادِيَّةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى لَا يُعْرَفُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ التَّامِّ إلَّا بِمَعْرِفَةِ وَجْهِ الْحُكْمِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ وَتَفَرَّعَ عَنْهُ، وَإِلَّا فَتَشْتَبِهُ الْمَسَائِلُ عَلَى الطَّالِبِ وَيَحَارُ ذِهْنُهُ فِيهَا لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْوَجْهِ وَالْمَبْنَى وَمَنْ أَهْمَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ حَارَ فِي الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا ظَهَرَ لَك ضَعْفُ مَنْ يَقُولُ فِي عَصْرِنَا إنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ إذَا صُبَّ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَكَانَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ غَالِبًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْكُلِّ، وَإِذَا تَوَضَّأَ فِي فَسْقِيَّةٍ صَارَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا إذْ لَا مَعْنًى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ فِي الْفَرْقِ مِنْ أَنَّ فِي الْوُضُوءِ يَشِيعُ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْجَمِيعِ بِخِلَافِهِ فِي الصَّبِّ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الشُّيُوعَ وَالِاخْتِلَاطَ فِي الصُّورَتَيْنِ سَوَاءٌ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلْقَاءُ الْغُسَالَةِ مِنْ خَارِجٍ أَقْوَى تَأْثِيرًا مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَيُّنِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ بِالْمُعَايَنَةِ وَالتَّشْخِيصِ وَتَشَخُّصِ الِانْفِصَالِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يُعْقَلُ فَرْقٌ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ الْفَسَاقِي الصِّغَارِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ أَكْثَرُ أَوْ مُسَاوٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فَلَا) قَالَ أَخُوهُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ أَيْ فَلَا يُقَالُ فَاسِدٌ بَلْ يُقَالُ هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَإِنَّهَا لِغَفْلَةٍ عَنْ فَهْمِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ اهـ أَقُول اسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَقَدْ كُشِفَ عَنْ هَذَا لِكَوْنِ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مَحْمُولًا عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا شَكَّ فِي كَشْفِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ) قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَيْضًا رِوَايَةُ النَّجَاسَةِ فَإِنَّ النَّجِسَ يُنَجِّسُ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُلْقًى أَوْ مُلَاقِيًا فَكَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيَكُنْ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ سِيَّمَا وَقَدْ اخْتَارَهُ كَثِيرُونَ وَعَامَّةُ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الشَّارِحِ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صَاحِبُ النَّهْرِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ الْعَظِيمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

ص: 77

وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ نَجَاسَةٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ: فِي رِسَالَتِهِ، فَإِنْ قُلْت إدًّا تَكَرَّرَ الِاسْتِعْمَالُ قَدْ يُجْمَعُ وَيَمْنَعُ قُلْت الظَّاهِرُ عَدَمُ اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى فِي النَّجِسِ فَكَيْفَ بِالطَّاهِرِ قَالَ فِي الْمُبْتَغَى يَعْنِي بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْمٌ يَتَوَضَّئُونَ صَفًّا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ جَازَ فَكَذَا فِي الْحَوْضِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَاءِ الْحَوْضِ فِي حُكْمِ مَاءٍ جَارٍ اهـ بِلَفْظِهِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْمَعُ وَيَمْنَعُ.

وَأَمَّا مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُبْتَغَى فَلَا يَمَسُّ مَحَلَّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْحَوْضِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْجَارِي، وَمَا فِي الْمُبْتَغَى مُصَوَّرٌ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَاءِ الْحَوْضِ فِي حُكْمِ مَاءٍ جَارٍ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُحَقِّقُ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ عِبَارَةَ الْمُبْتَغَى ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ بِالضَّرُورَةِ وَأَيْضًا مَا فِي الْمُبْتَغَى مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَدَّادِيَّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ ذَكَرَ مَا فِي الْمُبْتَغَى تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَكَلَامُنَا هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَالَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْمُنْيَةِ.

وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لَوْ تَوَضَّأَ فِي أَجَمَةِ الْقَصَبِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ جَازَ قَالَ مَا نَصُّهُ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْجَوَازُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ لَا يَجُوزُ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ الْمُخَالِفُ لِجَوَابِ الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَمَّا عَلَى طَهَارَتِهِ فَلَا بَلْ يَجُوزُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَغْتَرِفُهُ مِنْهُ لِإِسْقَاطِ فَرْضٍ مِنْ مَسْحٍ أَوْ غَسْلِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ أَوْ مَاءٍ اخْتَلَطَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ مُسَاوٍ لَهُ أَوْ غَالِبٍ عَلَيْهِ اهـ.

وَالْأَجَمَةُ مُحَرَّكَةٌ الشَّجَرُ الْكَثِيرُ الْمُلْتَفُّ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا وَاتِّصَالُ الزَّرْعِ بِالزَّرْعِ لَا يَمْنَعُ اتِّصَالَ الْمَاءِ بِالْمَاءِ

وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْلُصُ فَيَجُوزُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ فِي طَهَارَةِ الْمُسْتَعْمَلِ بِالشَّرْطِ الَّذِي سَلَفَ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ اهـ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَيْضًا مَسَائِلَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِهِ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ قَلِيلٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوِيهِ الَّتِي جَمَعَهَا تِلْمِيذُهُ خِتَامُ الْمُحَقِّقِينَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ بِمَا لَفْظُهُ سُئِلَ عَنْ فَسْقِيَّةٍ صَغِيرَةٍ يَتَوَضَّأُ فِيهِ النَّاسُ وَيَنْزِلُ فِيهَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ فِيهَا مَاءٌ جَدِيدٌ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهَا أَجَابَ إذَا لَمْ يَقَعْ فِيهَا غَيْرُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ لَا يَضُرُّ اهـ يَعْنِي: إذَا وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَتْ لِصِغَرِهَا اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِمَاءٍ دَائِمٍ فِيهِ نَجَسٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ) أَيْ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءٍ سَاكِنٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ أَوْ لَا وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَاءُ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَشْرَةٍ.

اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِالنَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا جَارِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَ جَارٍ هَكَذَا نُقِلَ الْإِجْمَاعُ فِي كُتُبِنَا، وَمِمَّنْ نَقَلَهُ أَيْضًا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا فَاتَّفَقَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ يُنَجَّسُ بِهَا دُونَ الْكَثِيرِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَقَالَ مَالِكٌ إنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِهَا، فَهُوَ قَلِيلٌ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَثِيرٌ وَحِينَئِذٍ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ النَّجَاسَةِ فِي الْكَمِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ كَثِيرٌ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ قَلِيلٌ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ بِحَيْثُ تَصِلُ النَّجَاسَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَإِلَّا جَازَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: إنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ مَا تَيَقَّنَّا فِيهِ جُزْءًا مِنْ النَّجَاسَةِ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ جَارِيًا أَوْ لَا. اهـ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَا كَانَ مِنْ الْمِيَاهِ فِي الْغُدْرَانِ أَوْ فِي مُسْتَنْقَعٍ مِنْ الْأَرْضِ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ نَظَرَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَخْتَلِطْ بِجَمِيعِهِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 78

لِكَثْرَتِهِ تَوَضَّأَ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي هُوَ طَاهِرٌ عِنْدَهُ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ فِي إصَابَةِ الطَّاهِرِ مِنْهُ وَمَا كَانَ قَلِيلًا يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ خَلَصَتْ إلَى جَمِيعِهِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ لَمْ يُتَوَضَّأْ مِنْهُ اهـ.

وَقَالَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تَحْدِيدِ الْكَثِيرِ: وَالظَّاهِرُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقَّتْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْكُولٌ إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي خُلُوصِ النَّجَاسَةِ اهـ.

وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُوَقِّتُ عَشْرَةً فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ لَا أُوَقِّتُ فِيهِ شَيْئًا اهـ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: ثُمَّ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا هُوَ الْخُلُوصُ، وَهُوَ أَنْ يَخْلُصَ بَعْضُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَلَمْ يُفَسِّرْ الْخُلُوصَ فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ.

وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ حَدِّ الْحَوْضِ فَقَالَ مِقْدَارُ مَسْجِدِي فَذَرَعُوهُ فَوَجَدُوهُ ثَمَانِيَةً فِي ثَمَانِيَةٍ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَسَحُوا مَسْجِدَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ دَاخِلُهُ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ وَخَارِجُهُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ لَا أُوَقِّتُ فِيهِ شَيْئًا اهـ.

وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا قَالَ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي خُلُوصِ النَّجَاسَةِ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ تَجْرِي مَجْرَى الْيَقِينِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَا إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الرَّائِي وَظَنِّهِ اهـ.

وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْمُجْتَبَى وَفِي الْغَايَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُهُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.

وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْغَدِيرُ الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ اهـ.

وَهَكَذَا فِي أَكْثَرِ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا فَثَبَتَ بِهَذِهِ النُّقُولِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مَذْهَبُ إمَامِنَا الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ عَامَّتُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَثَبَتَ بِهَذِهِ النُّقُولِ إلَخْ) أَيْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا عَدَمُ التَّقْدِيرِ بِشَيْءٍ. هَذَا وَفِي الْهِدَايَةِ الْغَدِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّك أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ ثُمَّ إنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ التَّحْرِيكَ بِالِاغْتِسَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ التَّحْرِيكُ بِالْيَدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِالتَّوَضُّؤِ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرُوا بِالْمَسَّاحَةِ عَشْرًا فِي عَشْرٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ ثُمَّ قَالَ وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَتَفْسِيرُ الْخُلُوصِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوْ حُرِّكَ جَانِبٌ يَتَحَرَّك الْجَانِبُ الْآخَرُ فَيَكُونُ صَغِيرًا، وَإِلَّا كَانَ كَبِيرًا.

وَفِي الشَّرْحِ لِلزَّيْلَعِيِّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُ بِالتَّحْرِيكِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُ بِالْمَسَّاحَةِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْمُحِيطِ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ أَنْ يَرْتَفِعَ وَيَنْخَفِضَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا بَعْدَ الْمُكْثِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلُ الْحَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَرِّكٌ بِطَبْعِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّقْدِيرِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْمَسَّاحَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ وَمِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ وَمِنْهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَبَرَ بِالتَّحْرِيكِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ بِالِاغْتِسَالِ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِالتَّوَضُّؤِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ اغْتِسَالٍ وَلَا وُضُوءٍ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِغَمْسِ الرِّجْلِ وَقِيلَ يُلْقَى فِيهِ قَدْرُ النَّجَاسَةِ مِنْ الصَّبْغِ فَمَوْضِعٌ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الصَّبْغُ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالتَّكَدُّرِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ اهـ مُلَخَّصًا.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْخُلُوصَ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ اعْتَبَرُوهُ بِشَيْءٍ آخَرَ فَقِيلَ بِوُصُولِ الْكُدْرَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَقِيلَ بِالصَّبْغِ وَقِيلَ بِعَشْرِ فِي عَشْرٍ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِ كِتَابٍ فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُمْ نَقَلُوا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارَ الْخُلُوصِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِلَا تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ نَقَلُوا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارَهُ بِالتَّحْرِيكِ وَبَيْنَ النَّقْلَيْنِ مُنَافَاةٌ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الظَّانِّينَ وَالتَّحْرِيكُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ ظَاهِرٌ لَا يَخْتَلِفُ وَلَعَلَّ التَّوْفِيقَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَوْ حَرَّكَ لَوَصَلَ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّحْرِيكُ بِالْفِعْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ ثُمَّ حَيْثُ عَلِمْت أَنَّ اعْتِبَارَ التَّحْرِيكِ مَنْقُولٌ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ يَظْهَرُ لَك أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ الْمَذْهَبِ بِالْكُلِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا تَخْتَلِفُ الْآرَاءُ فِي عَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ فِيهِ إلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ فَقَدَّرُوا بِهِ لِئَلَّا يَقَعَ مَنْ لَا رَأْيَ لَهُ أَوْ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ فِي تَنْجِيسِهِ أَوْ تَنْجِيسِ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ ثَمَانٍ فِي ثَمَانٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ مِنْ الْحَرَكَةِ هَلْ هِيَ حَرَكَةُ الْيَدِ أَوْ حَرَكَةُ الِاغْتِسَالِ أَوْ حَرَكَةُ الْوُضُوءِ، وَهَذِهِ الْحَرَكَةُ هِيَ الْمُتَوَسِّطَةُ؛ وَلِذَا رَجَّحُوهَا وَاعْتَبَرُوا لَهَا عَشْرًا فِي عَشْرٍ

ص: 79

مِنْ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا، وَإِنْ كَانَ قَدَّرَ بِهِ رَجَعَ عَنْهُ كَمَا نَقَلَهُ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فَإِنْ قُلْت إنَّ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَكَيْفَ سَاغَ لَهُمْ تَرْجِيحُ غَيْرِ الْمَذْهَبِ قُلْت لَمَّا كَانَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْوِيضَ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ، وَكَانَ الرَّأْيُ يَخْتَلِفُ بَلْ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا رَأْيَ لَهُ اعْتَبَرَ الْمَشَايِخُ الْعَشْرَ فِي الْعَشْرِ تَوْسِعَةً وَتَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يَعْمَلُ بِمَا صَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ أَوْ بِفَتْوَى الْمَشَايِخِ قُلْت يُعْمَلُ بِمَا صَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ سُئِلَ أَبُو نَصْرٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيْهِ مَا تَقُلْ رَحِمَك اللَّهُ وَقَعَتْ عِنْدَك كُتُبٌ أَرْبَعَةٌ كِتَابُ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ وَأَدَبِ الْقَاضِي عَنْ الْخَصَّافِ وَكِتَابُ الْمُجَرَّدِ وَكِتَابُ النَّوَادِرِ مِنْ جِهَةِ هِشَامٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُفْتِيَ مِنْهَا أَوْ لَا وَهَذِهِ الْكُتُبُ مَحْمُودَةٌ عِنْدَك فَقَالَ مَا صَحَّ عَنْ أَصْحَابِنَا فَذَلِكَ عِلْمٌ مَحْبُوبٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ مَرَضِيٌّ بِهِ.

وَأَمَّا الْفُتْيَا، فَإِنِّي لَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِشَيْءٍ لَا يَفْهَمُهُ وَلَا يَتَحَمَّلُ أَثْقَالَ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ مَسَائِلَ قَدْ اُشْتُهِرَتْ وَظَهَرَتْ وَانْجَلَتْ عَنْ أَصْحَابِنَا رَجَوْت أَنْ يَسَعَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا فِي النَّوَازِلِ انْتَهَى.

وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ رُجُوعِ مُحَمَّدٍ عَنْ هَذَا التَّقْدِيرِ فَمَا قُدِّرَ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَهُ بِهِ إلَّا فِي نَظَرِهِ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ كَوْنُهُ مَا اسْتَكْثَرَهُ الْمُبْتَلَى فَاسْتِكْثَارُ وَاحِدٍ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يَقَعُ فِي قَلْبِ كُلِّ إنْسَانٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْعَامِّيِّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَنْ الْحَسَنِ وَأَصَحُّ حَدِّهِ مَا لَا يَخْلُصُ بَعْضُ الْمَاءِ إلَى بَعْضٍ بِظَنِّ الْمُبْتَلَى بِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَلَا يُنَاظِرُ الْمُجْتَهِدَ فِيهِ اهـ.

فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّقْدِيرَ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ لَا يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ مُحْيِي السُّنَّةِ فَإِنْ قُلْت قَالَ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» فَيَكُونُ لَهُ حَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَةٌ فَفُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ آخَرُ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا بِئْرًا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَنْجَذِبُ الْمَاءُ إلَيْهَا وَيَنْقُصُ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ الْأُولَى، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرَ بَالُوعَةٍ يَمْنَعُ أَيْضًا السِّرَايَةُ النَّجَاسَةَ إلَى الْبِئْرِ الْأُولَى وَيَنْجُسُ مَاؤُهَا وَلَا يُمْنَعُ فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ الْعَشْرَ فِي الْعَشْرِ فِي عَدَمِ سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ تَسْرِي يَحْكُمُ بِالْمَنْعِ قُلْت هُوَ مَرْدُودٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ كَوْنَ حَرِيمِ الْبِئْرِ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:

الثَّانِي: أَنَّ قِوَامَ الْأَرْضِ أَضْعَافُ قِوَامِ الْمَاءِ فَقِيَاسُهُ عَلَيْهَا فِي مِقْدَارِ عَدَمِ السِّرَايَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ

الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُخْتَارَ الْمُعْتَمَدَ فِي الْبُعْدِ بَيْنَ الْبَالُوعَةِ وَالْبِئْرِ نُفُوذُ الرَّائِحَةِ إنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ تَنَجَّسَ، وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَغَيْرِهِمَا.

وَصَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ أَرَاضِيهِمْ وَالْجَوَابُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا وَحَيْثُ اخْتَارَ فِي الْمَتْنِ اعْتِبَارَ الْعَشْرِ لَا بَأْسَ بِإِيرَادِ تَفَارِيعِهِ وَالتَّكَلُّمِ عَلَيْهَا، فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الذِّرَاعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَفِي التَّجْنِيسِ الْمُخْتَارُ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةِ إصْبَعٍ قَائِمَةٍ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا بِعَدَدِ حُرُوفِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالْمُرَادُ بِالْإِصْبَعِ الْقَائِمَةِ ارْتِفَاعُ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ أَنَّ ذِرَاعَ الْكِرْبَاسِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٍ قَائِمَةٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَغَيْرِهَا الْأَصَحُّ ذِرَاعُ الْمَسَّاحَةِ، وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمَسَّاحَةِ وَالْكِرْبَاسِ وَالْأَقْوَالُ الْكُلُّ فِي الْمُرَبَّعِ، فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ مُدَوَّرًا فَفِي.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا سَاغَ لَهُمْ الْخُرُوجُ عَنْ ذَلِكَ الْمَقَالِ كَيْفَ، وَقَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ أَكْثَرَ تَفَارِيعِهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ اهـ

ص: 80

الظَّهِيرِيَّةِ يُعْتَبَرُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مُبَرْهَنٌ عِنْدَ الْحِسَابِ وَفِي غَيْرِهَا الْمُخْتَارُ الْمُفْتَى بِهِ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ كَيْلًا لِعُسْرِ رِعَايَةِ الْكَسْرِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَحْوَطُ اعْتِبَارُ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْكُلُّ تَحَكُّمَاتٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ إنَّمَا الصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ التَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَصُورَةُ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ الْمُقَدَّرِ بِعَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْحَوْضِ عَشَرَةٌ وَحَوْلَ الْمَاءِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَوَجْهُ الْمَاءِ مِائَةُ ذِرَاعٍ هَذَا مِقْدَارُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ. اهـ.

وَأَمَّا الْعُمْقُ فَفِي الْهِدَايَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَيْ لَا يَنْكَشِفُ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ ثُمَّ اتَّصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا أَخَذَ الْمَاءُ وَجْهَ الْأَرْضِ يَكْفِي وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَهُوَ الْأَوْجُهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْفَتَاوَى غَدِيرٌ كَبِيرٌ لَا يَكُونُ فِيهِ الْمَاءُ فِي الصَّيْفِ وَتَرُوثُ فِيهِ الدَّوَابُّ وَالنَّاسُ ثُمَّ يُمْلَأُ فِي الشِّتَاءِ وَيُرْفَعُ مِنْهُ الْجَمَدَانِ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي يَدْخُلُهُ يَدْخُلُ عَلَى مَكَان نَجِسٍ فَالْمَاءُ وَالْجَمَدُ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِي مَكَان طَاهِرٍ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ حَتَّى صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ انْتَهَى إلَى النَّجَاسَةِ، فَالْمَاءُ وَالْجَمَدُ طَاهِرَانِ اهـ.

وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ إذَا دَخَلَ عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ لَا يُنَجِّسُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ غَالِبًا عَلَى الْحَوْضِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْحَوْضِ الْكَبِيرِ يَصِيرُ مِنْهُ فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَعَلَى هَذَا فَمَاءُ بَرَكَةِ الْفِيلِ بِالْقَاهِرَةِ طَاهِرٌ إذَا كَانَ مَمَرُّهُ طَاهِرًا أَوْ أَكْثَرُ مَمَرِّهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَاءِ السَّطْحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِفُّ كُلُّهَا بَلْ لَا يَزَالُ بِهَا غَدِيرٌ عَظِيمٌ فَلَوْ أَنَّ الدَّاخِلَ اجْتَمَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى ذَلِكَ الْمَاءِ الْكَثِيرِ بِهَا فِي مَكَان نَجِسٍ حَتَّى صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ اتَّصَلَ بِذَلِكَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ كَانَ الْكُلُّ طَاهِرًا هَذَا إذَا كَانَ الْغَدِيرُ الْبَاقِي مَحْكُومًا بِطَهَارَتِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّجْنِيسِ، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ طُولٌ وَعُمْقٌ وَلَيْسَ لَهُ عَرْضٌ وَلَوْ قَدْرٌ يَصِيرُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ فِيهِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ الْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الْوُقُوعِ، فَإِنْ نَقَصَ بَعْدَهُ لَا يَنْجُسُ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَطْهُرُ؛ وَلِذَا صُحِّحَ فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ مَا فِي التَّجْنِيسِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْدِيرِ بِعَشْرٍ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ لَوْ ضُمَّ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ لَهُ عُمْقٌ بِلَا سَعَةٍ وَلَوْ بُسِطَ بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ جَعْلَهُ كَثِيرًا وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَحْكِيمِ الرَّأْيِ فِي عَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَعِنْدَ تَقَارُبِ الْجَوَانِبِ لَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ الْخُلُوصِ إلَيْهِ وَالِاسْتِعْمَالُ إنَّمَا هُوَ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ فَأَقْرَبُ الْأُمُورِ الْحُكْمُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ عَرْضِهِ وَبِهِ خَالَفَ حُكْمَ الْكَثِيرِ إذْ لَيْسَ حُكْمُ الْكَثِيرِ تَنَجُّسُ الْجَانِبِ الْآخَرِ بِسُقُوطِهَا فِي مُقَابِلِهِ بِدُونِ تَغَيُّرٍ وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت الْأَصْلَ الَّذِي بَيَّنَّاهُ قَبِلْت مَا وَافَقَهُ وَتَرَكْت مَا خَالَفَهُ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهَ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ وَسَّعُوا الْأَمْرَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا بِالضَّمِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّجْنِيسِ بِقَوْلِهِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفِي التَّجْنِيسِ الْحَوْضُ إذَا كَانَ أَعْلَاهُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَأَسْفَلُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُمْتَلِئٌ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ فِيهِ وَالِاغْتِسَالُ فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَ الْمَاءُ حَتَّى صَارَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فِي عَشْرَةٍ لَا يُتَوَضَّأُ فِيهِ وَلَكِنْ يُغْتَرَفُ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأُ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ أَعْلَاهُ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ وَأَسْفَلُهُ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ وَوَقَعَتْ قَطْرَةُ خَمْرٍ أَوْ تَوَضَّأَ مِنْهُ رَجُلٌ ثُمَّ انْتَقَصَ الْمَاءُ وَصَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي تَنَجَّسَ فِي أَعْلَى الْحَوْضِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي فِي أَسْفَلِهِ وَوَقَعَ الْمَاءُ النَّجِسُ فِي الْأَسْفَلِ جُمْلَةً كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا، وَيَصِيرُ النَّجِسُ غَالِبًا عَلَى الطَّاهِرِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ وَقَعَ الْمَاءُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلِذَا صُحِّحَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا فِي التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِعْمَالُ إنَّمَا هُوَ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ) هَذَا نَاظِرٌ إلَى قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ لَهُ عُمْقٌ بِلَا سَعَةٍ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَالِاسْتِعْمَالُ إنَّمَا هُوَ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ تَصْحِيحِ مَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُمْقِ وَالطُّولِ.

ص: 81

النَّجَسُ فِي أَسْفَلِ الْحَوْضِ عَلَى التَّدْرِيجِ كَانَ طَاهِرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَطْهُرُ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ انْبَسَطَ اهـ.

وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ أَنَّ الْأَشْبَهَ الْجَوَازُ وَفِي التَّجْنِيسِ حَوْضٌ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ إلَّا أَنَّ لَهُ مَشَارِعَ فَتَوَضَّأَ رَجُلٌ مِنْ مَشْرَعَةٍ أَوْ اغْتَسَلَ وَالْمَاءُ مُتَّصِلٌ بِأَلْوَاحِ الْمَشْرَعَةِ لَا يَضْطَرِبُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْأَلْوَاحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ كَالْحَوْضِ الصَّغِيرِ، وَفِي الثَّانِي حَوْضٌ كَبِيرٌ مُسَقَّفٌ، وَعَلَى هَذَا الْحَوْضِ الْكَبِيرِ إذَا جَمَدَ مَاؤُهُ فَنَقَبَ فِيهِ إنْسَانٌ نَقْبًا فَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَمَدِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْحَوْضِ الْمُسَقَّفِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا لَا لِأَنَّهُ صَارَ كَالْقَصْعَةِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاتِّصَالُ الْقَصَبِ بِالْقَصَبِ لَا يَمْنَعُ اتِّصَالَ الْمَاءِ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ غَدِيرًا عَظِيمًا، فَيَجُوزُ لِهَذَا التَّوَضُّؤُ فِي الْأَجَمَةِ وَنَحْوِهَا اهـ.

وَفِي الْمُغْرِبِ الْأَجَمَةُ الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ وَالْجَمْعُ أَجَمٌ وَآجَامٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْكَلَامِ فِي الْفَسَاقِيِ مَسْأَلَةَ الْأَجَمَةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.

وَلَوْ تَنَجَّسَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ مَاءٌ آخَرُ وَخَرَجَ حَالَ دُخُولِهِ طَهُرَ، وَإِنْ قَلَّ وَقِيلَ لَا حَتَّى يَخْرُجَ قَدْرُ مَا فِيهِ وَقِيلَ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ وَصُحِّحَ الْأَوَّلُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ قَالَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ وَكَذَا الْبِئْرُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ حَالَةَ الدُّخُولِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى جَارِيًا لَكِنْ إيَّاكَ وَظَنَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَوْضُ غَيْرَ مَلْآنَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ لَمَّا امْتَلَأَ خَرَجَ مِنْهُ بَعْضُهُ لِاتِّصَالِ الْمَاءِ الْجَارِي بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَاهِرًا حِينَئِذٍ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ عِنْدَ امْتِلَائِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَاءِ مِنْهُ نَجِسٌ فَيَطْهُرُ بِخُرُوجِ الْقَدْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الطَّهَارَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَاءُ الْجَارِي الطَّهُورُ كَمَا لَوْ كَانَ مُمْتَلِئًا ابْتِدَاءً مَاءً نَجِسًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ لِاتِّصَالِ الْمَاءِ الْجَارِي بِهِ ثُمَّ كَلَامُهُمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ نَجِسٌ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَى الْحَوْضِ بِالطَّهَارَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَإِذَا كَانَ حَوْضٌ صَغِيرٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ جَانِبٍ وَيَخْرُجُ مِنْ جَانِبٍ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعٍ أَوْ أَقَلَّ فَيَجُوزُ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يَجُوزُ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ يُفْتَى بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَاعْتَمَدَهُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَقَوْلُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ إلَّا فِي مَوْضِعِ خُرُوجِ الْمَاءِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَالْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْمُتَوَضِّئِ أَنَّ مَا يَغْتَرِفُهُ لِإِسْقَاطِ فَرْضِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ أَوْ مَا يُخَالِطُهُ مِنْهُ مِقْدَارُ نِصْفِهِ فَصَاعِدًا فَكُنْ عَلَى هَذَا مُعْتَمِدًا كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ التَّفَارِيعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ فَيُوضَعُ مَكَانَ لَفْظِ عَشْرٍ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ لَفْظُ كَثِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ثُمَّ تَجْرِي التَّفَارِيعُ اهـ.

وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ يَعْنِي كُلُّ مِقْدَارٍ لَوْ كَانَ مَاءً تَنَجَّسَ فَإِذَا كَانَ غَيَّرَهُ يُنَجَّسُ.

وَحَيْثُ انْتَهَيْنَا مِنْ التَّفَارِيعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ نَرْجِعُ إلَى بَيَانِ الدَّلَائِلِ لِلْأَئِمَّةِ فَنَقُولُ اسْتَدَلَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي التَّجْنِيسِ حَوْضٌ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ إلَّا أَنَّ لَهُ مَشَارِعَ) هِيَ جَمْعُ مَشْرَعَةٍ مَوْرِدُ الشَّارِبَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْحَوْضَ مُسَقَّفٌ وَفِيهِ طَاقَاتٌ لِأَخْذِ الْمَاءِ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَّصِلًا بِالْأَلْوَاحِ الَّتِي سُقِّفَ بِهَا هَذَا الْحَوْضُ لَا يَضْطَرِبُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَشْرَعَةٍ مِنْهُ حِينَئِذٍ كَحَوْضٍ صَغِيرٍ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَلْوَاحِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حَوْضٌ وَاحِدٌ لِاضْطِرَابِهِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَنَجَّسَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ مَاءٌ آخَرُ وَخَرَجَ إلَخْ) أَقُولُ: سَيَأْتِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إذَا جَرَى طَهُرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدَدٌ وَسَيَذْكُرُ فُرُوعًا مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ الْحَوْضُ مُنْتَقِصًا وَتَنَجَّسَ ثُمَّ أُفْرِغَ فَوْقَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَحْوِ قِرْبَةٍ حَتَّى جَرَى مَاءُ الْحَوْضِ وَكَذَا الْإِبْرِيقُ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ نَجِسٌ ثُمَّ صُبَّ فَوْقَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ هَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَمُقْتَضَى مَا سَيَأْتِي الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي عَصْرِنَا الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فَبَعْضُهُمْ مَنَعَهُ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ جَارِيًا وَبَعْضُهُمْ قَالَ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمِيزَابِ الْآتِيَةِ حَتَّى أَفْتَى فِي آنِيَةٍ فِيهَا مَاءُ وَرْدٍ وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ بِأَنَّهَا تَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ جَرَيَانِهَا بِأَنْ يُصَبَّ فَوْقَهَا مَاءٌ قَرَاحٌ أَوْ مَاءُ وَرْدٍ طَاهِرٍ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ وَمِمَّا سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ سَائِرَ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ لَكِنْ أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي حَلَبَ أَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمَائِعَاتِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ النَّكِيرَ أَهْلُ عَصْرِهِ وَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قُلْت وَرَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي تَطْهِيرِ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ قَالَ مَا نَصُّهُ وَعَلَى هَذَا حَوْضُ الْحَمَّامِ أَوْ الْأَوَانِي إذَا تَنَجَّسَتْ اهـ.

وَمُقْتَضَاهُ طَهَارَةُ الْأَوَانِي بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْمَاءِ وَخُرُوجِهِ وَإِنْ قَلَّ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهُ يُعَدُّ جَارِيًا وَقَدْ عَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَاءً جَارِيًا وَلَمْ نَسْتَيْقِنْ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ قَالَ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ كَلَامُهُمْ إلَخْ) أَيْ إذَا قُلْنَا

ص: 82

الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ خَبَثًا وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَالنَّجَاسَاتُ لَا مَحَالَةَ مِنْ الْخَبَائِثِ فَحَرَّمَهَا اللَّهُ تَحْرِيمًا مُبْهَمًا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالِ اخْتِلَاطِهَا وَانْفِرَادِهَا بِالْمَاءِ فَوَجَبَ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ كُلِّ مَا تَيَقَّنَّا بِهِ جُزْءًا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَتَكُونُ جِهَةُ الْحَظْرِ مِنْ طَرِيقِ النَّجَاسَةِ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ قُدِّمَ الْمُحَرِّمُ وَأَيْضًا لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي سَائِرِ الْمَائِعَاتِ إذَا خَالَطَهُ الْيَسِيرُ مِنْ النَّجَاسَةِ كَاللَّبَنِ وَالْأَدْهَانِ أَنَّ حُكْمَ الْيَسِيرِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْكَثِيرِ وَأَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ فَكَذَا الْمَاءُ بِجَامِعِ لُزُومِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَوْلَ الْقَلِيلَ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَا يُغَيِّرُ لَوْنَهُ وَلَا طَعْمَهُ وَلَا رَائِحَتَهُ وَقَدْ مَنَعَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا الْإِنَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْيَدِ احْتِيَاطًا مِنْ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ وَلَوْلَا أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَمَا كَانَ لِلْأَمْرِ بِالِاحْتِيَاطِ مَعْنًى وَحُكْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَجَاسَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ بِقَوْلِهِ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا» ، وَهُوَ لَا يُغَيَّرُ اهـ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ نَجَاسَةٍ فِي الْمَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلًا بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ تَغَيَّرَ أَوْ لَا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالتَّقْدِيرُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَصٍّ وَلَمْ يُوجَدْ وَفِي بَعْضِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ رضي الله عنه فَهُوَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ ضَعِيفٌ بِرِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ صَرَّحَ بِضَعْفِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَمَّا بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَدْ وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتِنُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي يَحْيَى قَالَ دَخَلْت عَلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي نِسْوَةٍ فَقَالَ لَوْ أَنِّي أَسْقَيْتُكُمْ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَكَرِهْتُمْ ذَلِكَ وَقَدْ وَاَللَّهِ سَقَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ مِنْهَا قُلْنَا هَذَا وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ بِسَنَدِهِ إلَى الْوَاقِدِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْوَاقِدِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يُسْنِدُهُ فَضْلًا عَمَّا يُرْسِلُهُ قُلْنَا قَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجَمَاعَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَارِيًا أَنَّ الْمَاءَ الرَّاكِدَ إذَا وَقَعَ فِيهِ عَذِرَةُ النَّاسِ وَالْجِيَفُ وَالْمَحَائِضُ وَالنَّتِنُ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَرِيحُهُ وَلَوْنُهُ وَيَتَنَجَّسُ بِذَلِكَ إجْمَاعًا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ اسْتِثْنَاءٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَرَيَانِ مَائِهَا

فَإِنْ قِيلَ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ مَدَدْت رِدَائِي عَلَى بِئْرِ بُضَاعَةَ ثُمَّ ذَرَّعْتهَا فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَسَأَلْت الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا قَالَ رَأَيْت فِيهَا مَاءً مُتَغَيِّرًا قُلْنَا مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ إثْبَاتٌ وَمَا نَقَلَ أَبُو دَاوُد عَنْ الْبُسْتَانِيِّ نَفْيٌ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ وَالْبُسْتَانِيُّ الَّذِي فَتَحَ الْبَابَ مَجْهُولُ الشَّخْصِ وَالْحَالُ عِنْدَهُ فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ أَبَا دَاوُد تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُدَّةٌ كَثِيرَةٌ وَدَلِيلُ التَّغَيُّرِ غَالِبٌ، وَهُوَ مُضِيُّ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ

ــ

[منحة الخالق]

إنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يُخْرِجْ قَدْرَ مَا فِيهِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهِ، فَذَلِكَ الْخَارِجُ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ فَكَذَا مَا خَرَجَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْخَارِجَ طَاهِرٌ لِحُكْمِنَا بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ، وَإِنْ رَفَعَ إنْسَانٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي خَرَجَ وَتَوَضَّأَ بِهِ جَازَ اهـ.

ص: 83

قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهَذِهِ صِفَتُهَا فِي زَمَنِ أَبِي دَاوُد وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ هَكَذَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ إلْقَاءَ الْعَذِرَةِ وَالْجِيَفِ وَخُرُوقِ الْحُيَّضِ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ كَانَ عَادَةً وَتَعَمُّدًا، وَهَذَا لَا يُظَنُّ بِذِمِّيٍّ وَلَا وَثَنِيٍّ فَضْلًا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَزَلْ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ تَنْزِيهُ الْمَاءِ وَصَوْنُهُ عَنْ النَّجَاسَاتِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَهُمْ أَعْلَى طَبَقَاتِ أَهْلِ الدِّينِ وَأَفْضَلُ جَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَاءُ بِبِلَادِهِمْ أَعَزُّ

وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ

أَمَسُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا صَنِيعَهُمْ بِالْمَاءِ وَامْتِهَانُهُمْ لَهُ وَقَدْ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَغَوَّطَ فِي مَوَارِدِ الْمَاءِ وَمَشَارِعِهِ» فَكَيْفَ مَنْ اتَّخَذَ عُيُونَ الْمَاءِ وَمَنَابِعَهُ مَطْرَحَ الْأَنْجَاسِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ هَذِهِ الْبِئْرَ مَوْضِعُهَا فِي حُدُورٍ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَتْ السُّيُولُ تَمْسَحُ هَذِهِ الْأَقْذَارَ مِنْ الطُّرُقِ وَالْأَفْنِيَةِ وَتَحْمِلُهَا فَتُلْقِيهَا فِيهِ، وَكَانَ الْمَاءُ لِكَثْرَتِهِ وَغَزَارَتِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَكَانَ جَوَابُهُ عليه السلام لَهُمْ إنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ الَّذِي صِفَتُهُ هَذِهِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْغَزَارَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ إنَّمَا وَقَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَالْجَوَابُ إنَّمَا يَقَعُ عَنْهُ اهـ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْأَقْطَعِ لَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرٍ هَذِهِ صِفَتُهَا مَعَ نَزَاهَتِهِ وَإِيثَارِهِ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ وَنَهْيِهِ عَنْ الِامْتِخَاطِ فِي الْمَاءِ، فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَشَكَّ الْمُسْلِمُونَ فِي أَمْرِهَا فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ النَّزْحِ اهـ.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

أَنَّهُ لَا يَبْقَى نَجِسًا بَعْدَ إخْرَاجِ النَّجَاسَةِ مِنْهُ بِالنَّزْحِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى حَالِ كَوْنِ النَّجَاسَةِ فِيهَا، وَإِنَّمَا سَأَلُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْبِئْرِ لَمْ تُغْسَلْ وَطِينُهَا لَمْ يُخْرَجْ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ ذَلِكَ يُعْفَى لِلضَّرُورَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ، فَإِنْ قِيلَ الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَهُوَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَهُوَ بِئْرُ بُضَاعَةَ فَكَيْفَ خَصَّ هَذَا الْعُمُومَ بِوُرُودِهِ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ قُلْنَا إنَّمَا لَا يُخَصُّ عُمُومُ اللَّفْظِ بِسَبَبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُخَصِّصُ مِثْلَهُ فِي الْقُوَّةِ، وَهَاهُنَا قَدْ وَرَدَ مَا يُخَصِّصُهُ، وَهُوَ يُسَاوِيهِ فِي الْقُوَّةِ، وَهُوَ حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، وَحَدِيثُ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ» ، وَإِنَّمَا خَصَّصْنَاهُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحَمْلِ لِدَفْعِ التَّنَاقُضِ لَا مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ بِالسَّبَبِ؛ وَلِأَنَّا مَا خَصَّصْنَاهُ بِبِئْرِ بُضَاعَةَ بَلْ عَدَّيْنَا حُكْمَهُ مِنْهَا إلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي، وَتَرْكُ عُمُومِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِدَفْعِ التَّنَاقُضِ وَاجِبٌ كَذَا ذَكَرَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمِعْرَاجِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ تَنَجُّسُ الْمَاءِ الدَّائِمِ فِي الْجُمْلَةِ لَا كُلُّ مَاءٍ إذْ لَيْسَتْ اللَّامُ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِتَغَيُّرِهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءِ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَعَدَمُ تَنَجُّسِ الْمَاءِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بِحَسَبِ مَا هُوَ الْمُرَادُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا تَعَارَضَ بَيْنَ مَفْهُومَيْ هَاتَيْنِ الْقَضِيَّتَيْنِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْيَدِ نَجِسَةً بَلْ ذَلِكَ تَعْلِيلٌ مِنَّا لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ أَعْنِي تَعْلِيلَهُ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ عَيْنًا بِتَقْدِيرِ نَجَاسَتِهِمَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ أَعَمَّ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْكَرَاهَةِ فَنَقُولُ: نَهْيٌ لِتَنْجِيسِ الْمَاءِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُتَنَجِّسَةً بِمَا يُغَيِّرُ أَوْ لِلْكَرَاهَةِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا بِمَا لَا يُغَيَّرُ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ لَكِنْ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمُعَارِضِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ» الْحَدِيثُ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْمَاءِ وَلَا يُغَيَّرُ بِالْوُلُوغِ فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ الْحَمْلُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اللَّامَ فِي حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ» لِلْعُمُومِ حَتَّى حَرُمَ الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ جَمِيعًا فَاخْتَصَّتْ الْقَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ بِالْقَلِيلِ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهَا حَتَّى لَمْ يَحْرُمْ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ إلَخْ) مَنْشَأُ السُّؤَالِ قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ قُلْنَا هَذَا وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَاخْتَصَّتْ الْقَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ بِالْقَلِيلِ) الْمُرَادُ بِالْقَضِيَّةِ الثَّانِيَةِ تَتِمَّةُ حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» ، وَهِيَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا

ص: 84

الْكَثِيرِ مِثْلُ الْغَدِيرِ الْعَظِيمِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ فَعَلَى هَذَا حَاصِلُ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ تَنَجُّسُ كُلِّ مَاءٍ رَاكِدٍ فَعَارَضَ قَوْلَهُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَكَوْنُ الْإِجْمَاعِ أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ أَمْرٌ آخَرُ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ، وَإِثْبَاتُ التَّعَارُضِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومَيْنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَاءَ بِئْرِ بُضَاعَةَ كَانَ كَثِيرًا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ «يُسْأَلُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ فَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا قُلْنَا هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّونَ، وَنَقَلَ ضَعْفَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ لِوَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَقْدِيرِ الْمَاءِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَضْعِيفُ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ.

وَإِنْ كَانَ رَوَاهُ فِي كِتَابِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَكَذَا ضَعَّفَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ اخْتِيَارِي وَاخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ رَأَيْتهمْ بِخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمَخْرَجُ، وَقَدْ جَمَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَرِوَايَاتِهِ وَاخْتِلَافَ أَلْفَاظِهِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ إطَالَةً لَخَّصَ مِنْهَا تَضْعِيفَهُ لَهُ فَلِذَلِكَ أَضْرِبَ عَنْ ذِكْرِهِ فِي كِتَابِ الْإِلْمَامِ مَعَ شِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاضْطِرَابَ وَقَعَ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَمَعْنَاهُ أَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ فَمَرَّةً يَقُولُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ وَمَرَّةً عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَرَّةً يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمَرَّةً يُرْوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.

وَقَدْ أَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ اضْطِرَابًا؛ لِأَنَّ الْوَلِيدَ رَوَاهُ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمُحَمَّدَيْنِ فَحَدَّثَ مَرَّةً عَنْ أَحَدِهِمَا، وَمَرَّةً عَنْ الْآخَرِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا وَهُمَا أَيْضًا ثَبْتَانِ وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَفِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ «لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» . وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ «سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ فَتَرِدُهُ السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ فَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ.

وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْكِلَابُ وَالدَّوَابُّ وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ: عَنْهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ دَخَلْت مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بُسْتَانًا فِيهِ مَقَرُّ مَاءٍ فِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَقُلْت: أَتَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْقَاسِمِ بِإِسْنَادِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً، فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْقَاسِمِ.

وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يَنْجُسْ وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ جِهَةِ بِشْرِ بْنِ السُّرِّيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالُوا أَرْبَعِينَ غَرْبًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ دَلْوًا وَهَذَا الِاضْطِرَابُ يُوجِبُ الضَّعْفَ، وَإِنْ وُثِّقَتْ الرِّجَالُ.

وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ هَذَا الِاضْطِرَابِ أَمَّا عَنْ الشَّكِّ فِي قَوْلِهِ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ غَيْرُ ثَابِتَةٍ، فَهِيَ مَتْرُوكَةٌ، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا لَكِنَّ الطَّحَاوِيُّ أَثْبَتَهَا بِإِسْنَادِهِ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ أَرْبَعِينَ قُلَّةً أَوْ أَرْبَعِينَ غَرْبًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا نُقِلَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَرْبَعِينَ غَرْبًا أَيْ دَلْوًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُقَدَّمٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا حَاصِلُ النَّهْيِ إلَخْ) مُرَادُهُ رَدُّ مَا قَدَّمَهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِنَاءً عَلَى تَخْصِيصِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّعَارُضَ بِالنَّظَرِ إلَى مَفْهُومَيْهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِجْمَاعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَدَارُهُ عَلَى مَطْعُونٍ عَلَيْهِ أَوْ مُضْطَرِبٍ فِي الرِّوَايَةِ أَوْ مَوْقُوفٍ حَسْبُك أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله رَوَاهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ هُوَ إبَاضِي مَنْسُوبٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَاضٍ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ وَاضْطِرَابُهُ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ رُوِيَ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَرُوِيَ أَرْبَعُونَ قُلَّةً وَرُوِيَ أَرْبَعُونَ غَرْبًا فَلَا يَصِيرُ حُجَّةً عَلَيْنَا وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ تَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَذْهَبَهُ فِيهِ لِضَعْفِهِ كَالْغَزَالِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ

ص: 85

عَلَى غَيْرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَا نَعْتَمِدُهُ فِي الْجَوَابِ.

وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَاهُ فَذَكَرَ شَمْسٌ السَّرَخْسِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَيَتَنَجَّسُ كَمَا يُقَالُ هُوَ لَا يَحْمِلُ الْكَلَّ أَيْ لَا يُطِيقُهُ، وَهَذَا مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَبِي دَاوُد «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ» فَتُحْمَلُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَلَيْهَا فَمَعْنَى لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا لَمْ يَنْجُسْ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَحْسَنُ تَفْسِيرِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْقُلَّتَيْنِ حَدًّا فَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ لَكَانَ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ بَاطِلًا فَإِنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يُسَاوِي الْقُلَّتَيْنِ فِي هَذَا زَادَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ هَذَا إنْ اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ شَرْطِهِ

وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ شَرْطِهِ فَيَلْزَم عَدَمُ إتْمَامِ الْجَوَابِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ إذَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَالسُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَيْفَمَا كَانَ وَالنَّوَوِيُّ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ حُجَّةٌ لَكِنْ قَالَ الْخَبَّازِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ يَعْنِي انْتِقَاصًا لَا ازْدِيَادًا، فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، فَهُوَ أَيْضًا يَضْعُفُ عَنْ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْقُلَّتَيْنِ قِيلَ لَهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ كَانَ يُوحِي إلَيْهِ بِأَنَّ مُجْتَهِدًا سَيَجِيءُ وَيَقُولُ بِأَنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَدًّا لِذَلِكَ الْقَوْلِ اهـ.

وَهُوَ كَمَا تَرَى فِي غَايَةِ الْبُعْدِ قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَى الْقُلَّةِ، فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ عَلَى الْجَرَّةِ وَالْقِرْبَةِ وَرَأْسِ الْجَبَلِ وَمَا فَسَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مُنْقَطِعٌ لِلْجَهَالَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ بِقِلَالِ هَجَرَ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تُجْعَلَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا فَإِذَا كَانَ خَمْسَ قِرَبٍ كِبَارٍ كَقِرَبِ الْحِجَازِ لَمْ يَنْجُسْ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ ضَعِيفٌ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ قُلْت مَنْ صَحَّحَهُ اعْتَمَدَ بَعْضَ طُرُقِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أَلْفَاظِهِ وَمَفْهُومِهَا إذْ لَيْسَ هَذَا وَظِيفَةَ الْمُحَدِّثِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الْفَقِيهِ إذْ غَرَضُهُ بَعْدَ صِحَّةِ الثُّبُوتِ الْفَتْوَى وَالْعَمَلُ بِالْمَدْلُولِ، وَقَدْ بَالَغَ الْحَافِظُ عَالِمُ الْعَرَبِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي تَضْعِيفِهِ وَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ غَلِطَ فِي رَفْعِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: زَادَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ زَادَ وَجْهًا آخَرَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومَ شَرْطٍ يَلْزَمُ عَدَمُ إتْمَامِ الْجَوَابِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَعْنِي اعْتِبَارَ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَهُوَ حَاصِلُ الْوَجْهِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَ الثَّانِيَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ لِكَوْنِ النَّوَوِيِّ يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ هَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ لَا فِيمَا دُونَهُمَا كَمَا هُوَ مَبْنَى اعْتِرَاضِ النَّوَوِيِّ:

الثَّانِي: فَإِنَّ مَا دُونَهُمَا يُنَجَّسُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَإِذَا تَنَجَّسَ مَا كَانَ قُلَّتَيْنِ فَبِالْأَوْلَى تَنَجَّسَ مَا دُونَهُمَا فَلَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ مَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ الدَّاخِلُ فِيهِ الزَّائِدُ عَلَيْهِمَا أَيْ يُفْهَمُ مِنْهُ ثُمَّ مَا زَادَ لَا يُنَجَّسُ فَلَا يُنَاسِبُ الْحَنَفِيَّ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ أَعْنِي أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ النَّجَاسَةِ إذْ لَا يَقُولُ بِعَدَمِ نَجَاسَةِ مَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ غَدِيرًا، وَهَذَا كَمَا تَرَى غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فَقَوْلُهُ هَذَا إنْ اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ شَرْطِهِ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ غَيْرُ صَوَابٍ فَكَانَ عَلَيْهِ بَيَانُهُ وَجْهًا مُسْتَقِلًّا وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ تَوْضِيحًا لِمَا قُلْنَا فَنَقُولُ قَالَ فِي الْفَتْحِ مُعْتَرِضًا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا عَدَمُ إتْمَامِ الْجَوَابِ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ شَرْطِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ إذَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَالسُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَيْفَ كَانَ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ لِيَتِمَّ الْجَوَابُ وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ إذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَ لَا إنْ زَادَ

فَإِنْ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ هُنَا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَيْ لَا يَلْزَمَ إخْلَاءُ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ الْمُطَابِقِ كَانَ الثَّابِتُ بِهِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ إذْ لَمْ نَقُلْ بِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى قُلَّتَيْنِ شَيْئًا مَا لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ اهـ.

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الْإِيرَادَ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا بَلْ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِهِ هُنَا لِدَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ عَلِمْته فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ الْخَبَّازِيُّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ كَثِيرًا ثُمَّ انْتَقَصَ، وَصَارَ قُلَّتَيْنِ ضَعُفَ عَنْ حَمْلِ النَّجَاسَةِ فَيَتَنَجَّسُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْتِدْرَاكًا عَلَيْهِ نَعَمْ يَصْلُحُ اسْتِدْرَاكًا عَلَى مَا رَدَّ بِهِ صَاحِبُ الْفَتْحِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِهِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَيَكُونُ مَا بِهِ الِاسْتِدْرَاكُ مُسْتَفَادًا مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ لَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ نَجِسًا حَيْثُ فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ تَخْصِيصِ النَّجَاسَةِ بِالْقُلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِذَلِكَ لِفَائِدَةِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ سَيَقُولُ بِعَدَمِ النَّجَاسَةِ، وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحَ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتِصَارُهُ عِبَارَةَ الْفَتْحِ.

ص: 86

الْحَدِيثِ وَعَزَوْهُ إلَى ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ دَائِمًا يُفْتِي النَّاسَ وَيُحَدِّثُهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا سِيَّمَا عِنْدَ سَالِمٍ ابْنِهِ وَنَافِعٍ مَوْلَاهُ، وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ لَا سَالِمٌ وَلَا نَافِعٌ وَلَا عَمِلَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَذُكِرَ عَنْ التَّابِعِينَ مَا يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى فِيهَا، وَلَا يَنْقُلُهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَّا رِوَايَةً مُخْتَلِفَةً مُضْطَرِبَةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَلَا أَهْلِ الشَّامِ وَلَا أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْكَلَامَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَوْضِعُ وَلَا يَضُرُّ الْحَافِظَ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ لِضَعْفِهِ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ بِأَنَّ حَدَّهَا هُوَ مَا حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ وَحَرَّمَ مُخَالَفَتَهُ وَحَدُّهُمْ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ مُخَالِفٌ حَدَّهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ حَدٌّ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا ضَبْطَ فِيهِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ مَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا صِرْنَا إلَيْهِ يَشْهَدُ لَهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ أَمَّا الشَّرْعُ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ

وَأَمَّا الْعَقْلُ، فَإِنَّا نَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا وَالظَّنُّ كَالْيَقِينِ فَقَدْ اسْتَعْمَلْنَا الْمَاءَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَقِينًا وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ بَلْ اعْتَبَرَ غَلَبَةَ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ مُؤَيَّدٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ مُتَعَيِّنًا؛ وَلِأَنَّ دَلِيلَنَا، وَهُوَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرٌ وَحَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَإِسْلَامِهِ مُتَقَدِّمٌ وَالْمُتَأَخِّرُ يَنْسَخُ الْمُتَقَدِّمَ لَوْ ثَبَتَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَحْمَدُ لَوْ زَالَ تَغَيُّرُ الْقُلَّتَيْنِ بِنَفْسِهِ طَهُرَ الْمَاءُ مَعَ بَقَاءِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ نَجَاسَةُ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَالْخَمْرِ بِاعْتِبَارِ الرَّائِحَةِ وَاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ لَا لِذَاتِهَا، وَهَذَا لَا يُعْقَلُ وَلَا تَشْهَدُ لَهُ أُصُولُ الشَّرْعِ وَلَوْ أُضِيفَتْ قُلَّةٌ نَجِسَةٌ إلَى قُلَّةٍ نَجِسَةٍ عَادَتَا طَاهِرَتَيْنِ عِنْدَهُمْ وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى تَنَجُّسِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِقَلِيلِ النَّجَاسَةِ دُونَ كَثِيرِهَا؛ لِأَنَّهُمْ نَجَّسُوا الْقُلَّةَ الطَّاهِرَةَ بِرِطْلِ مَاءٍ نَجِسٍ، وَلَمْ يُنَجِّسُوهَا بِقُلَّةٍ نَجِسَةٍ مِنْ الْمَاءِ بَلْ طَهَّرُوهَا بِهَا، وَيُؤَدِّي أَيْضًا إلَى تَوَلُّدِ طَاهِرٍ بِاجْتِمَاعِ نَجِسَيْنِ، وَهَذَا مِمَّا تُحِيلُهُ الْعُقُولُ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ كَالْجَارِي) أَيْ، وَإِنْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَهُوَ كَالْجَارِي فَلَا يَتَنَجَّسُ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ كَالْجَارِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بُخَارَى، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْن الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَ كَثْرَةِ الْمَاءِ عَدَمَ التَّنَجُّسِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَهُوَ أَيْضًا الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَصُحِّحَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدُ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَطَهُ النَّجَسُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ جَارِيًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَعَلَى هَذَا إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ لَا يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ إلَّا كَالْجَارِي فَإِذَا تَنَجَّسَ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ مِنْ الْجَارِي فَمِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَتَنَجَّسَ وَفِي الْبَدَائِعِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَلَكِنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتْرُكُ مِنْ مَوْضِع النَّجَاسَةِ قَدْرَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِالنَّجَاسَةِ فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ، وَشَكَكْنَا فِيمَا وَرَاءَهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ اسْتَنْجَى فِي مَوْضِعٍ مِنْ حَوْضٍ لَا يُجْزِيه أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَبْلِ تَحْرِيكِ الْمَاءِ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْجِيفَةُ فِي وَسَطِ الْحَوْضِ عَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنْ كَانَ بَيْنَ الْجِيفَةِ وَبَيْنَ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ الْحَوْضِ مِقْدَارُ مَا لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ بِأَنْ بَالَ إنْسَانٌ أَوْ اغْتَسَلَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي) أَيْ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ لَكِنَّهُ ذَكَرَ عِبَارَةَ النِّصَابِ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْجَارِي (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ مَا عُلِمَ فِيهِ النَّجَسُ بِأَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ لَا مُجَرَّدُ الْمُخَالَطَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَوْ جَارِيًا إذْ لَوْ كَانَ جَارِيًا وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ النَّجَسِ كَيْفَ يَكُونُ الصَّحِيحُ عَدَمَ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فَتَدَبَّرْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشرنبلالية ذِكْرُ مَا قُلْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

ص: 87

جُنُبٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ مَشَايِخُ: الْعِرَاقِ إنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَرْئِيَّةِ حَتَّى لَا يَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ بِخِلَافِ الْجَارِي وَمَشَايِخُنَا مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ فَصَلُوا بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي الْمَاءِ الْجَارِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَان وَاحِدٍ بَلْ يَنْتَقِلُ لِكَوْنِهِ مَائِعًا سَيَّالًا بِطَبْعِهِ فَلَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالنَّجَاسَةِ فِي الْجَانِبِ الَّذِي يَتَوَضَّأُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَرْئِيَّةِ اهـ.

وَهَكَذَا مَشَى قَاضِي خان أَنَّهُ يَتْرُكُ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ قَدْرَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ وَقُدِّرَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ بِأَرْبَعِ أَذْرُعٍ فِي أَرْبَعٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ يُحَرِّكُ الْمَاءَ بِيَدِهِ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ، فَإِنْ تَحَرَّكَتْ النَّجَاسَةُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ إنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَخْلُصْ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ تَوَضَّأَ وَشَرِبَ مِنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى حَتَّى قَالُوا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ التَّحْرِيكِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ) أَيْ الْمَاءُ الْجَارِي مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُشْتَغِلِينَ أَنَّ هَذَا الْحَدَّ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْجَمَلُ وَالسَّفِينَةُ، فَإِنَّهُمَا يَذْهَبَانِ بِتِبْنٍ كَثِيرٍ وَمَنْشَأُ التَّوَهُّمِ أَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ فِي كَلَامِهِ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُهَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنَّهُ قَالَ الْكَلَامُ مَا يَتَضَمَّنُ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ فَقِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَرَقَةُ وَالْحَجَرُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ كَلِمَتَانِ فَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُمَا أَنَّ مَا لَيْسَتْ مَوْصُولَةً، وَإِنَّمَا هِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ فَالْمَعْنَى الْجَارِي مَاءٌ بِالْمَدِّ يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ وَالْكَلَامُ لَفْظٌ يَتَضَمَّنُ كَلِمَتَيْنِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْجَارِي عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَصَحُّهَا أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّبْيِينِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوعِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَثَرَ النَّجِسِ فِيهِ وَرَأَى تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى عَلِمَ قَالَ الشَّاعِرُ

رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ

، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الطَّعْمَ وَالرَّائِحَةَ لَا تَعَلُّقَ لِلْبَصَرِ بِهِمَا، وَإِنَّمَا الطَّعْمُ لِلذَّوْقِ وَالرَّائِحَةُ لِلشَّمِّ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) أَيْ الْأَثَرُ مَا ذُكِرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ إنْ ظَهَرَ أَثَرُهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْأَثَرِ دَلِيلُ وُجُودِ النَّجَاسَةِ، فَكُلُّ مَا تَيَقَّنَّا فِيهِ نَجَاسَةً أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ جَارِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُتُونِ أَنَّ الْجَارِيَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهَا سَوَاءٌ كَانَ النَّجَسُ جِيفَةً مَرْئِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، فَإِذَا بَالَ إنْسَانٌ فِيهِ فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْجَرْيَةِ أَثَرُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ: وَلَوْ كُسِرَتْ خَابِيَةٌ خَمْرٍ فِي الْفُرَاتِ وَرَجُلٌ يَتَوَضَّأُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَمَا لَمْ يَجِدْ فِي الْمَاءِ طَعْمَ الْخَمْرِ أَوْ رِيحَهُ أَوْ لَوْنَهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَكَذَا لَوْ اسْتَقَرَّتْ الْمَرْئِيَّةُ فِيهِ بِأَنْ كَانَتْ جِيفَةً إنْ ظَهَرَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا جَازَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُشْتَغِلِينَ إلَخْ) قِيلَ هُوَ عَلِيٌّ الرُّومِيُّ شَيْخُ الْمَدْرَسَةِ الْأَشْرَفِيَّةِ أَوْرَدَ الرَّدَّ فَضَحِكَ مِنْهُ وَقَدْ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ بِقَائِلِهِ وَلَيْسَ الْعَجَبُ مِنْهُ بَلْ الْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ حَيْثُ أَوْرَدَهُ هُنَا (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُمَا أَنَّ مَا لَيْسَتْ مَوْصُولَةً وَإِنَّمَا هِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ) أَقُولُ: النَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ هِيَ الَّتِي تُقَدَّرُ بِقَوْلِك شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ فَمَا وَرَدَ عَلَى كَوْنِهَا مَوْصُولَةً يَرِدُ عَلَى كَوْنِهَا مَوْصُوفَةً بِالْأَوْلَى وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فَالْمَوْصُولُ صِفَةٌ لَهُ وَيَجُوزُ تَقْدِيرهَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً لَكِنْ مَعَ تَخْصِيصِ لَفْظِ شَيْءٍ أَيْ وَالْمَاءُ الْجَارِي شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَأَنَّ الْإِيرَادَ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ إذْ لَا يَخْطِرُ فِي بَالِ عَاقِلٍ فَضْلًا عَنْ فَاضِلٍ

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ) أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَارِيَ لَمْ يُذْكَرْ مَقْصُودًا بَلْ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ الْمَاءُ الدَّائِمُ وَالْجَارِي ذُكِرَ مُعْتَرِضًا فِي الْبَيْنِ فَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا بِعَشْرٍ أَيْ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ دَائِمٍ فِيهِ نَجَسٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا بِعَشْرٍ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا إلَخْ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ فَقَالَ مُعْتَرِضًا عَلَى الْعِنَايَةِ حَيْثُ فَسَّرَ يَرَى بِيُبْصِرُ فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ، وَهُوَ طَعْمٌ إلَخْ يَمْنَعُ حَمْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَلْ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا أَثَرٌ بِالطَّرِيقِ الْمَوْضُوعِ لِعِلْمِهِ كَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ وَالْإِبْصَارِ اهـ.

قَالَ فِي النَّهْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِبْصَارَ بِالْبَصِيرَةِ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [النمل: 54] اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَفْسِيرَ الرُّؤْيَةِ بِالْإِبْصَارِ ثُمَّ ادِّعَاءُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِبْصَارُ بِالْبَصِيرَةِ خِلَاف الظَّاهِرِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَفَسَّرَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْعِلْمِ.

ص: 88

سَوَاءٌ أَخَذَتْ الْجِيفَةَ الْجَرْيَةُ أَوْ نِصْفَهَا إنَّمَا الْعِبْرَةُ لِظُهُورِ الْأَثَرِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي سَاقِيَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا كَلْبٌ مَيِّتٌ سَدَّ عَرْضَهَا فَيَجْرِي الْمَاءُ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ أَسْفَلَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ فِيهَا أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَلْبِ اهـ.

مَا فِي الْيَنَابِيعِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْفَتَاوَى كَفَتَاوَى قَاضِي خان وَالتَّجْنِيسِ والْوَلْوَالِجِيِّ وَالْخُلَاصَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَكَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْجِيفَةِ أَمَّا فِي الْجِيفَةِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ يَجْرِي عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ يَجُوزُ الْوُضُوءُ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ فَالْقِيَاسُ الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَنَظِيرُ هَذَا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا جَرَى فِي مِيزَابٍ مِنْ السَّطْحِ، وَكَانَ عَلَى السَّطْحِ عَذِرَةٌ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجْرِي عَلَى غَيْرِ الْعَذِرَةِ أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَذِرَةُ عِنْدَ الْمِيزَابِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ أَوْ نِصْفُهُ يُلَاقِي الْعَذِرَةَ فَهُوَ نَجَسٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ لَا يُلَاقِي الْعَذِرَةَ فَهُوَ طَاهِرٌ وَكَذَا أَيْضًا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا جَرَى عَلَى عَذِرَاتٍ وَاسْتَنْقَعَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِظُهُورِ الْأَثَرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ، وَهُوَ قَوْلُهُ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» لَمَّا حُمِلَ عَلَى الْجَارِي كَانَ مُقْتَضَاهُ جَوَازَ التَّوَضُّؤِ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَإِنْ أَخَذَتْ الْجِيفَةُ أَكْثَرَ الْمَاءِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَقَوْلُهُمْ إذَا أَخَذَتْ الْجِيفَةُ أَكْثَرَ الْمَاءِ أَوْ نِصْفَهُ لَا يَجُوزُ يَحْتَاجُ إلَى مُخَصِّصٍ قَالَ وَيُوَافِقُهُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ نَقَلْنَاهُ عَنْ الْيَنَابِيعِ

وَقَالَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي رِسَالَتِهِ الْمُخْتَارُ اعْتِبَارُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ.

لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْأَوْجَهُ مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَقَدْ صَحَّحَهُ فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ رضي الله عنهم إنَّمَا قَالُوا بِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إذَا لَمْ يَرَ أَثَرَهَا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهَا عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ ذَهَبَ بِعَيْنِهَا وَلَمْ تَبْقَ عَيْنُهَا مَوْجُودَةً فَجَازَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ جِيفَةً، وَكَانَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ نِصْفِهَا تَيَقَّنَّا بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ مَا تَيَقَّنَّا وُجُودَ النَّجَاسَةِ فِيهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا وُجُودُهَا فِيهِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فَكَانَ هَذَا مَأْخُوذًا مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمَّا حُمِلَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ لِأَجْلِ أَنَّهُ عِنْدَ التَّغَيُّرِ تَيَقَّنَ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ كَانَ التَّغَيُّرُ دَلِيلَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ أَمَّا فِي الْجِيفَةِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الَّتِي هِيَ فِيهِ أَوْ أَكْثَرُهَا أَوْ نِصْفُهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ التَّغَيُّرِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ لَمَّا كَانَ عَلَامَةً عَلَى وُجُودِ النَّجَاسَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاؤُهُ فَكَانَ الْإِجْمَاعُ مُخَصِّصًا لِلْحَدِيثِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ لَمَّا كَانَ عَلَامَةً عَلَى وُجُودِ النَّجَاسَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاؤُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَارِيَ، وَمَا فِي حُكْمِهِ لَا يَتَأَثَّرُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهَا فِيهِ فَمُجَرَّدُ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَإِلَّا لَاسْتَوَى الْحَالُ بَيْنَ جَرْيِهِ عَلَى الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ فَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْجَهُ اهـ.

وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَقَلُّ جَارِيًا عَلَى الْجِيفَةِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ بِوُجُودِهَا وَلَكِنَّ مَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ مَثَلًا لَمْ يَحْصُلْ التَّيَقُّنُ بِكَوْنِهِ جَرَى عَلَيْهَا بَلْ وَلَا غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ بَلْ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِاسْتِعْمَالِ مَا جَرَى عَلَيْهَا بِدَلِيلِ التَّفْرِقَةِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ لَكِنَّهُ مُرَادٌ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ لِشَيْخِ شُيُوخِ مَشَايِخِنَا الْعَارِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِكَلَامِ النَّهْرِ قُلْت نَعَمْ مُجَرَّدُ التَّيَقُّنِ بِالنَّجَاسَةِ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَكِنَّ هَذَا فِي نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ إذَا تَيَقَّنَّا وُقُوعَهُ فِيهِ فَلَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْأَثَرُ، وَأَمَّا فِي نَحْوِ الْجِيفَةِ الْمَرْئِيَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ أَيْ احْتِيَاجُ إلَى اشْتِرَاطِ الْأَثَرِ مَعَ تَحَقُّقِ وُجُودِهَا فِي الْمَاءِ فَمَا فِي الْبَحْرِ أَوْجَهُ اهـ.

قُلْت: وَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ مَا قُلْنَاهُ لِيَتِمَّ الْجَوَابُ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يَكْفِي وَبَعْدَ هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبِعَ فِيهِ مَا فِي أَكْثَرِ الْفَتَاوَى وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْمُتُونِ اعْتِبَارَ ظُهُورِ الْأَثَرِ مُطْلَقًا وَمِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الشُّرُوحِ وَمَا فِي الشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ قَالَ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ عَنْ النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.

(تَنْبِيهٌ) : هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ لَا بَأْسَ بِالتَّعَرُّضِ لَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِهَا طُولًا لِاغْتِفَارِهِ بِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فَنَقُولُ قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ مُفْتِي دِمَشْقَ فِي كِتَابِهِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ: مَسْأَلَةٌ: قَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى فِي الْخِزَانَةِ مَاءُ الثَّلْجِ إذَا جَرَى عَلَى طَرِيقٍ فِيهِ سِرْقِينٌ وَنَجَاسَةٌ إنْ تَغَيَّبَتْ النَّجَاسَةُ وَاخْتَلَطَتْ حَتَّى لَا يُرَى أَثَرُهَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ جَمِيعُ بَطْنِ النَّهْرِ نَجِسًا، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ يُرَى فَهُوَ نَجِسٌ وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ جَارِيًا قُلْت وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ يُسْتَأْنَسُ بِهَا لِمَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي بِلَادِنَا مِنْ اعْتِيَادِهِمْ إجْرَاءَ الْمَاءِ بِسِرْقِينِ الدَّوَابِّ فَلْتُحْفَظْ، فَإِنَّهَا أَقْرَبُ مَا ظَفِرْنَا بِهِ

ص: 89

وَمَا قُلْنَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُمْ إذَا أَخَذَتْ الْجِيفَةُ أَقَلَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ إذَا أَخَذَتْ الْجِيفَةُ الْأَكْثَرَ أَوْ النِّصْفَ لَا يَجُوزُ يَعْنُونَ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ

وَأَمَّا التَّوَضُّؤُ فِي عَيْنٍ وَالْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ خُرُوجِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْرُهُ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعٍ فَأَقَلَّ وَإِنْ كَانَ خَمْسًا فِي خَمْسٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَاخْتَارَ السَّعْدِيُّ جَوَازَهُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَخْرُجُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ قَبْلَ تَكَرُّرِ الِاسْتِعْمَالِ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمِسَاحَةِ أَوْ لَا وَهَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ

ــ

[منحة الخالق]

فِي ذَلِكَ بَعْدَ التَّنْقِيبِ وَالتَّنْقِيرِ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ وَلَا سِيَّمَا إذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ وَغَيْرُهُ فِي فُرُوعِ الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَعْذُورِ وَعَدَمِ الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إذَا لَاقَى الْمُتَنَجِّسَ إلَّا بِالِانْفِصَالِ وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْحُكْمِ بِالطَّهَارَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ كُلَّمَا لَاقَى النَّجَاسَةَ يَنْجُسُ وَبِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَضُرُّهُ التَّغَيُّرُ بِالْمُكْثِ وَالطِّينِ وَالطُّحْلُبِ وَكُلَّمَا يَعْسُرُ صَوْنُهُ عَنْهُ اهـ.

وَقَدْ أَطَالَ هُنَا سَيِّدِي الْعَارِفُ فِي شَرْحِهِ وَلَكِنْ أَذْكُرُ مِنْهُ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ فَنَقُولُ السِّرْقِينُ هُوَ الزِّبْلُ وَمَعْنَى كَوْنِ النَّجَاسَةِ تَغَيَّبَتْ عَدَمُ ظُهُورِ أَثَرِهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمَدَدِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ لَا تُرَى النَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ فِي بَطْنِ النَّهْرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تُرَى وَالْمَاءُ يَمُرُّ عَلَيْهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجِيفَةِ وَمُقْتَضَاهُ نَجَاسَةُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَاءِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَيَكُونُ هَذَا كَالْقَوْلِ الْآخَرِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِيفَةِ النَّاظِرِ إلَى ظُهُورِ الْأَثَرِ وَعَدَمِهِ وَحَاصِلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ تَغَيُّرُ أَحَدِ الْأَوْصَافِ بِنَجَاسَةِ السِّرْقِينِ وَعَدَمِ ذَلِكَ فَإِذَا وَضَعَ السِّرْقِينَ فِي مَقْسِمِ الْمَاءِ إلَى الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا الْمُسَمَّى بِالطَّالِعِ وَجَرَى مَعَ الْمَاءِ فِي الْقَسَاطِلِ فَالْمَاءُ نَجِسٌ فَإِذَا رَكَدَ الزِّبْلُ فِي وَسَطِ الْقَسَاطِلِ وَجَرَى الْمَاءُ صَافِيًا كَانَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ مَا لَوْ جَرَى مَاءُ الثَّلْجِ عَلَى النَّجَاسَةِ أَوْ كَانَ بَطْنُ النَّهْرِ نَجَسًا وَجَرَى الْمَاءُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ طَاهِرٌ كُلُّهُ وَكَذَلِكَ هَذَا فَإِذَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الْحِيَاضِ فِي الْبُيُوتِ، فَإِنْ وَصَلَ مُتَغَيِّرَ أَحَدِ الْأَوْصَافِ بِالزِّبْلِ أَوْ عَيْنُ الزِّبْلِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ فَهُوَ نَجِسٌ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي حَوْضٍ دُونَ الْقَدْرِ الْكَثِيرِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ صَفَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْحَوْضِ وَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ نَجَسٌ وَالْمَاءُ النَّجِسُ لَا يَطْهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رَكَدَ الزِّبْلُ فِي أَسْفَلِهِ، وَإِنْ اسْتَقَرَّ فِي حَوْضٍ كَبِيرٍ فَهُوَ نَجِسٌ أَيْضًا مَا دَامَ مُتَغَيِّرًا أَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ أَيْضًا

وَأَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ الْمَاءُ جَارِيًا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ أَتَى الْمَاءُ صَافِيًا وَزَالَ تَغَيُّرُ الْحَوْضِ بِذَلِكَ الْمَاءِ الصَّافِي، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ الْمَاءُ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَإِنْ كَانَ الزِّبْلُ فِي أَسْفَلِهِ رَاكِدًا مَا دَامَ الْمَاءُ الصَّافِي فِي ذَلِكَ الْحَوْضِ يَدْخُلُ مِنْ مَكَان وَيَخْرُجُ مِنْ مَكَان فَإِذَا انْقَطَعَ الْجَرَيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا وَالزِّبْلُ فِي أَسْفَلِهِ رَاكِدًا فَالْحَوْضُ نَجِسٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ الزِّبْلُ الَّذِي فِي أَسْفَلِهِ حَمْأَةً، وَهِيَ الطِّينُ الْأَسْوَدُ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا حِينَئِذٍ، وَإِذَا كَانَ الْحَوْضُ كَبِيرًا فَالْأَمْرُ فِيهِ يَسِيرُ هَذَا مَا نُعَامَل بِهِ أَنْفُسَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ اُبْتُلِينَا بِهَا وَلَمْ نَجِدْ فِيهَا نَقْلًا صَرِيحًا اهـ.

كَلَامُهُ قُدِّسَ سِرُّهُ قُلْت وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَالْحَوْضُ نَجِسٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ الزِّبْلُ الَّذِي فِي أَسْفَلِهِ حَمْأَةٌ فَلَا يَكُونُ نَجَسًا حِينَئِذٍ يَعْنِي إذَا جَرَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِمُجَرَّدِ صَيْرُورَةِ الزِّبْلِ حَمْأَةً كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ ثُمَّ قَالَ قُدِّسَ سِرُّهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله هُنَا أَنَّ الْعَفْوَ فِي ذَلِكَ كَائِنٌ وَإِنْ ظَهَرَ أَثَر السِّرْقِينُ فِي الْمَاءِ حَمْلًا عَلَى التَّغَيُّرِ بِالْمُكْثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ الضَّرُورَةُ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا أَنَّ أَثَرَ النَّجَاسَةِ إذَا ظَهَرَ فِي الْمَاءِ فَلَا عَفْوَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بِانْتِظَارِ صَفْوِ الْمَاءِ غَايَتُهُ الْعَفْوُ عَنْ النَّجَاسَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي بَاطِنِ الْقَسَاطِلِ إذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَيْهَا صَافِيًا عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَعَدَمُ تَنْجِيسِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِالزِّبْلِ النَّجِسِ لِلضَّرُورَةِ حَيْثُ لَا يَجْرِيَ الْمَاءُ إلَّا بِهِ لِكَوْنِهِ يَسُدُّ خُرُوقَ الْقَسَاطِلِ فَلَا يَنْفُذُ الْمَاءُ مِنْهَا وَيَبْقَى جَارِيًا فَوْقَهُ اهـ.

قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ ظُهُورِ الْأَثَرِ فِي الْجَارِي يَكُونُ طَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَوْلِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ بِنَاءً عَلَيْهِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الشَّافِعِيِّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ أَنْهُرِ الشَّامِ بِمَا فِيهَا مِنْ الزِّبْلِ وَلَوْ قَلِيلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَرْيُهَا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ النَّاسُ إلَّا بِهِ اهـ.

قَالَ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَضُرُّ إلَخْ أَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ عِنْدَهُ أَثَرُ الزِّبْلِ لَا عَيْنُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ الزِّبْلِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الرَّوْثَ وَالْخِثَى عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله طَاهِرَانِ وَعَنْ زُفَرَ رَوْثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ وَعَنْهُ أَيْضًا مُطْلَقًا كَمَالِكٍ ثُمَّ قَالَ وَفِي كِتَابِ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْأَرْوَاثُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ لِلْبَلْوَى، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَوْسِعَةً لِأَرْبَابِ الدَّوَابِّ فَقَلَّ مَا يَسْلَمُونَ عَنْ التَّلَطُّخِ بِالْأَرْوَاثِ وَالْأَخْثَاءِ فَتُحْفَظُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ اهـ.

كَلَامُ الْمُبْتَغَى قَالَ: وَإِذَا أَرَدْت تَقْلِيدَ مَنْ يَقُولُ بِالطَّهَارَةِ فَانْظُرْ فِي شُرُوطِهِ فِي بَاقِي الْمَسْأَلَةِ وَاعْمَلْ عَلَى ذَلِكَ

وَإِنْ قُلْنَا بِالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فِي طَهَارَةِ الْأَرْوَاثِ كُلِّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَغَيُّرِ الْمَاءِ بِهَا فِي بِلَادِنَا هَذِهِ فَلَا يَبْعُدُ؛ لِأَنَّ

الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ

إلَى ذَلِكَ كَمَا أَفْتَى عُلَمَاؤُنَا رحمهم الله بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله فِي

ص: 90

قَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَأَلْحَقُوا بِهَا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهُ حَتَّى لَوْ أُدْخِلْت الْقَصْعَةُ النَّجِسَةُ وَالْيَدُ النَّجِسَةُ فِيهِ لَا تَتَنَجَّسُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ وَمَعَ ذَلِكَ تَدَارَكَ اغْتِرَافَ النَّاسِ مِنْهُ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْيَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَاءُ مِنْ الْأُنْبُوبِ وَالْغُرَفُ مُتَدَارِكٌ فَهُوَ مِنْ كَالْجَارِي وَتَفْسِيرُ الْغُرَفِ أَنْ لَا يَسْكُنَ وَجْهُ الْمَاءِ فِيمَا بَيْنَ الْغَرْفَتَيْنِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ جَرَيَانِهِ لِمَدَدٍ لَهُ كَمَا فِي الْعَيْنِ وَالنَّهْرِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ.

وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي الْمَدَدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ

وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا الْمَاءُ الْجَارِي إذَا سُدَّ مِنْ فَوْقٍ فَتَوَضَّأَ إنْسَانٌ بِمَا يَجْرِي فِي النَّهْرِ وَقَدْ بَقِيَ جَرْيُ الْمَاءِ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ هَذَا مَاءٌ جَارٍ اهـ فَهَذَا يَشْهَدُ لِمَا فِي السَّرَّاجِ وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ أَنَّ مَنْ حَفَرَ نَهْرًا مِنْ حَوْضٍ صَغِيرٍ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِي النَّهْرِ وَتَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ فِي حَالِ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي مَكَان وَاسْتَقَرَّ فِيهِ فَحَفَرَ رَجُلٌ آخَرُ نَهْرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِيهِ وَتَوَضَّأَ بِهِ فِي حَالِ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي مَكَان آخَرَ أَيْضًا فَفَعَلَ رَجُلٌ ثَالِثٌ كَذَلِكَ جَازَ وُضُوءُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ حَالَ جَرَيَانِهِ وَالْمَاءُ الْجَارِي لَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ.

وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وُضُوءِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي حُفْرَتَيْنِ يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَدْخُلُ فِي الْأُخْرَى فَتَوَضَّأَ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَازَ وَالْحَفِيرَةُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الْمَاءُ تَفْسُدُ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ كَمِيزَابٍ وَاسِعٍ وَمَعَهُ إدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَكِنْ لَا يَتَيَقَّنُ ذَلِكَ مَاذَا يَصْنَعُ حَكَى عَنْ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ أَبِي الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَأْمُرُ أَحَدَ رُفَقَائِهِ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ فِي طَرَفٍ مِنْ الْمِيزَابِ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَعِنْدَ الطَّرَفِ الْآخَرِ مِنْ الْمِيزَابِ إنَاءٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَالْمُجْتَمِعُ طَاهِرٌ وَطَهُورٌ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ حَصَلَ فِي حَالِ جَرَيَانِهِ وَالْمَاءُ الْجَارِي لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِاسْتِعْمَالِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا كَانَ لَهُ مَدَدٌ كَالْعَيْنِ وَالنَّهْرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدَدٌ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّ النَّهْرَ إذَا سُدَّ مِنْ فَوْقٍ فَتَوَضَّأَ إنْسَانٌ بِمَا جَرَى، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَمْ يَبْقَ لِلْمَاءِ مَدَدٌ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ اهـ. مَا ذَكَرَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَا اجْتَمَعَ فِي الْحُفَيْرَةِ الثَّانِيَةِ فَاسِدٌ، وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ طَهَارَتِهِ فَلَا فَلْتُحْفَظْ لِيُفَرَّعَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْتَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْفُرُوعِ.

(فُرُوعٌ) فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَوْضِ الَّذِي يَخَافُ فِيهِ قَذَرًا وَلَا يَتَيَقَّنُهُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَ إلَى لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ وَالْأَصْلُ دَلِيلٌ يُطْلِقُ الِاسْتِعْمَالَ وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه حِينَ سَأَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ صَاحِبَ الْحَوْضِ أَتَرِدُهُ السِّبَاعُ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَكَذَا إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ نَجَاسَةٍ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ قَدْ يَكُونُ بِظَاهِرٍ وَقَدْ يُنْتِنُ الْمَاءُ لِلْمُكْثِ وَكَذَا الْبِئْرُ الَّذِي يُدَلِّي فِيهَا الدِّلَاءَ وَالْجِرَارَ الدَّنِسَةَ يَحْمِلُهَا الصِّغَارُ وَالْعَبِيدُ وَلَا يَعْلَمُونَ الْأَحْكَامَ وَيَمَسُّهَا الرُّسْتَاقِيُّونَ بِالْأَيْدِي الدَّنِسَةِ مَا لَمْ تُعْلَمْ يَقِينًا النَّجَاسَةُ، وَلَوْ ظَنَّ الْمَاءَ نَجِسًا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ جَازَ وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ السُّؤَالِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، وَإِنْ سَأَلَ كَانَ أَحْوَطَ لِدِينِهِ وَعَلَى هَذَا الضَّيْفُ إذَا قُدِّمَ إلَيْهِ طَعَامٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَفِي فَوَائِدِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الْحَوْضِ أَفْضَلُ مِنْ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يُجِيزُونَهُ، مِنْ الْحِيَاضِ فَنُرْغِمُهُمْ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا اهـ.

وَهَذَا إنَّمَا يُفِيدُ الْأَفْضَلِيَّةَ لِهَذَا الْعَارِضِ فَفِي مَكَان لَا يَتَحَقَّقُ النَّهْرُ أَفْضَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ

ــ

[منحة الخالق]

طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَتَرَكُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِالنَّجَاسَةِ وَأَفْتَوْا بِقَوْلِ زُفَرَ وَحْدَهُ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ خَمْسَةً اهـ.

كَلَامُهُ قُدِّسَ سِرُّهُ وَاَلَّذِي يُقَوِّي مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الْبُعْدِ فِي الْفَتْوَى بِطَهَارَةِ الْأَرْوَاثِ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْمُبْتَغَى مِنْ التَّوْسِعَةِ لِأَرْبَابِ الدَّوَابِّ وَأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَلَا شَكَّ فِي الضَّرُورَةِ فِي هَذِهِ كَمَا وَسَّعَ عَلَى أَرْبَابِ الدَّوَابِّ، فَإِنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِمْ لَيْسَتْ بِأَشَدَّ مِمَّا هُنَا، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمَحَلَّاتِ مِيَاهُهَا قَلِيلَةٌ وَأَنَّ حِيَاضَهَا لَا تَكُونُ مَلْأَى دَائِمًا وَالْمَاءُ يَنْقَطِعُ تَارَةً وَيَجِيءُ أُخْرَى وَفِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ يَسْتَصْحِبُ الْمَاءُ عَيْنَ الزِّبْلِ وَيَعْسُرُ الِاسْتِعْمَالُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَاءِ سِيَّمَا عَلَى النِّسَاءِ فِي بُيُوتِهِنَّ فَلَا يُمَكِّنُهُنَّ الْخُرُوجُ، وَعِنْدَ قَطْعِ الْأَنْهُرِ لِكَرْيِهَا تَشْتَدُّ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْحِيَاضَ فِي أَسْفَلِهَا عَيْنُ الزِّبْلِ غَالِبًا وَيَسْتَمِرُّ انْقِطَاعُهَا أَيْ أَيَّامًا {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .

(قَوْلُهُ: وَأَلْحَقُوا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَبِالْأَوْلَى إلْحَاقُ الْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الدُّولَابُ بِبِلَادِنَا إذْ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهَا وَالْغَرْفُ فِيهَا بِالْقَوَادِيسِ مُتَدَارَكٌ فَوْقَ تَدَارُكِ الْغَرْفِ مِنْ حَوْضِ الْحَمَّامِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ حُكْمَ مَائِهَا حُكْمُ الْجَارِي فَلَوْ وَقَعَ فِي حَالِ الدَّوَرَانِ فِي الْبِئْرِ وَالْحَالُ هَذِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَتَنَجَّسُ تَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 91

قِيلَ مَسْأَلَةُ الْحَوْضِ بِنَاءٌ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَتَتَّصِلُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ إلَى جُزْءٍ لَا يُمْكِنُ تَجْزِئَتُهُ فَيَكُونُ بَاقِي الْحَوْضِ طَاهِرًا أَوْ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ هُوَ مَعْدُومٌ، فَيَكُونُ كُلُّ الْمَاءِ مُجَاوِرًا لِلنَّجَاسَةِ، فَيَكُونُ الْحَوْضُ نَجِسًا عِنْدَهُمْ وَقِيلَ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ نَظَرٌ اهـ.

قَالُوا وَلَا بَأْسَ بِالتَّوَضُّؤِ مِنْ حُبًّ يُوضَعُ كُوزُهُ فِي نَوَاحِي الدَّارِ وَيُشْرَبُ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ قَذَرٌ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ لِنَفْسِهِ إنَاءً يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ غَيْرُهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهِيَةِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَالْأَصَحُّ هُوَ الْكَرَاهَةُ.

وَأَمَّا الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ إجْمَاعًا بَلْ مَكْرُوهٌ وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ وَيُحْمَلُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ فَيَنْبَغِي هَذَا أَنْ يَكُونَ الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا وَرَدَ الرَّجُلُ مَاءً فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ عَدْلًا، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يُصَدَّقُ وَفِي الْمَسْتُورِ رِوَايَتَانِ اهـ.

وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِرُؤْيَةِ أَثَرِ أَقْدَامِ الْوُحُوشِ عِنْدَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ سَبُعٌ مَرَّ بِالرَّكِيَّةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ شُرْبُهُ مِنْهَا تَنَجَّسَ وَإِلَّا فَلَا اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْوُحُوشَ شَرِبَتْ مِنْهُ بِدَلِيلِ الْفَرْعِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الشَّكِّ لَا يَمْنَعُ الْوُضُوءَ بِهِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَا نَقْلَهُ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَوْضِ الَّذِي يَخَافُ فِيهِ قَذَرًا وَلَا يَتَيَقَّنُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ التَّيَقُّنُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَتَيَقَّنُهُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالْخَوْفِ عَلَى الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَفِي التَّجْنِيسِ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَاغْتَسَلَ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ نَعْلٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى اهـ.

وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ

(قَوْلُهُ: وَمَوْتُ مَا لَا دَمَ فِيهِ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ لَا يُنَجِّسُهُ) أَيْ مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُنَجِّسُهُ وَقَدْ جَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ أَوَّلًا مَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ قَالَ وَمَوْتُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ كَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَقَدْ جَمَعَهُمَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَوْتُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: قِيلَ فِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَوْضِ بِنَاءً عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ إلَخْ) بَيَانُ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِسَيِّدِنَا الْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْغَنِيِّ أَنَّ الْأَجْسَامَ الْمُرَكَّبَةَ كَالْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَنَحْوِهِمَا هُمْ يَقُولُونَ إنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْهَيُولَى، وَهِيَ الْمَادَّةُ الْكُلِّيَّةُ وَمِنْ الصُّورَةِ، وَهِيَ التَّعَيُّنُ الْجُزْئِيُّ فَقَطْ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ مَاءُ الْحَوْضِ كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ مُتَّصِلًا وَاحِدًا فَلَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ صَارَ جَمِيعُهُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمْ لِكَوْنِهِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ نَصَرَ اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَتَهُمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَنَّ الْأَجْسَامَ كُلَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ لَا وَهْمًا وَلَا فَرْضًا كَمَا قُرِّرَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ فِي كُلِّ جِسْمٍ مُرَكَّبٌ أَيُّ جِسْمٍ كَانَ نَوْعٌ مِنْ النَّارِ وَنَوْعٌ مِنْ الْهَوَاءِ وَنَوْعٌ مِنْ الْمَاءِ وَنَوْعٌ مِنْ التُّرَابِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَرْكِيبَ جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ جَمَعَ بِيَدِ قُدْرَتِهِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ أَجْزَاءً صِغَارًا مُتَلَاصِقَةً وَضَمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ بِتَدْبِيرٍ إلَهِيٍّ خَاصٍّ فَتَكُونُ جِسْمًا ثُمَّ إذَا أَرَادَ إعْدَامَ ذَلِكَ الْجِسْمِ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ فَيَذْهَبُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ إلَى جِنْسِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَعَادَ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَهَذَا هُوَ الْبَعْثُ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْقَطْعِيَّةُ ثُمَّ إنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ مُرَكَّبٌ أَيْضًا مِنْ أَجْزَاءٍ صِغَارٍ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مُتَلَاصِقَةٍ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِحَيْثُ تَظْهَرُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَتَتَّصِلُ وَتَنْقَطِعُ لِشِدَّةِ مُنَاسَبَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ وَلَكِنْ لَا تُشْبِهُ أَجْزَاءُ هَذَا النَّوْعِ أَجْزَاءَ النَّوْعِ الْآخَرِ فَالْمَاءُ أَجْزَاءٌ صِغَارٌ مُتَلَاصِقَةٌ مُتَنَاسِبَةٌ يَتَّصِلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَيَنْفَصِلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ الْهَوَاءُ وَالنَّارُ وَالتُّرَابُ فَلَوْ تَوَضَّأَ أَحَدٌ بِالْمَاءِ حَتَّى صَارَ بَعْضُ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ مُسْتَعْمَلًا لَا يَلْزَمُ أَنْ تَصِيرَ بَقِيَّةُ الْأَجْزَاءِ مُسْتَعْمَلَةً كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ عِنْدَنَا لَيْسَ شَيْئًا وَاحِدًا إلَّا بِحَسَبِ ظَاهِرِ الصُّورَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَجْزَاءِ الصِّغَارِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَنَاهِيَةٍ تَنْفَصِلُ وَتَتَّصِلُ فَلَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ الْجَمِيعِ بَلْ الْبَعْضُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَجْزَاءَ فِي كُلِّ مُرَكَّبٍ مُتَنَاهِيَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْإِلْزَامُ أَنْ يَدْخُلَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ كَمَا ثَبَتَ بِذَلِكَ بُطْلَانُ التَّسَلْسُلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا التَّقْرِيرِ نَظَرٌ) أَيْ فِي تَقْرِيرِ ابْتِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرُ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ عِنْدَنَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ غَدِيرًا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْجَارِي عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ قَطْرَةُ بَوْلٍ يَكُونُ الْحَوْضُ نَجِسًا لِمُجَاوَرَةِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ، وَهَلْ هُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ فَلْيُنْظَرْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 92