الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11)
- 3005 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي،
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب البيوع، باب في وضع الربا، والترمذي في كتاب التفسير، باب ومن سورة التوبة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
فائدة
ملحقة في إعراب: (يا أمتاه) أصله: (يا أمتي)، وإعرابه:(يا) حرف نداء مبني على السكون (أمتاه) منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف، الممنوعة تلك الفتحة بالفتح المجلوب لمناسبة الألف؛ لأن ما قبل الألف لا يكون إلا مفتوحًا (أمة) مضاف و (ياء المتكلم) المنقلبة ألفا للتخفيف في محل الجر مضاف إليه مبني على السكون و (الهاء) حرف سكت مبني على السكون، وضمه غلط، أو تشبيه له بهاء الضمير ولا يجوز إلا للضرورة.
ثم استشهد المؤلف لحديث عمرو بن الأحوص بحديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(11)
- 3005 - (2)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني، ثقة، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ السَّلَام، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ
===
(عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي مولاهم المدني، صدوق، بل ثقة عارف بالعلوم، من الخامسة، مات سنة خمسين ومئة، ويقال بعدها. يروي عنه:(م عم).
(عن عبد السلام) بن حرب بن سلم النهدي الملائي - بضم الميم وتخفيف اللام - أبي بكر الكوفي، أصله بصري. روى عن: يحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري، ويروي عنه:(ع)، وابن إسحاق وهو أكبر منه، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ)، وله ست وتسعون (96) سنة، وولد سنة إحدى وتسعين (91 هـ)، ويحتمل أنه عبد السلام بن أبي الجنوب - بفتح الجيم وتخفيف النون آخره موحدة - المدني، ضعيف، من الثامنة أيضًا.
يروي عنه: (ق)، كما ذكرناه في مقدمة المؤلف، وما قلناه أولًا أولى. راجع "التهذيب".
(عن الزهري) محمد بن مسلم ابن شهاب، ثقة إمام، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(عن محمد بن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي المدني، ثقة عارف بالنسب، من الثالثة، مات على رأس المئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، عارف بالأنساب، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين (59 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَيْفِ مِنْ مِنىً فَقَالَ: "نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ،
===
(قال) جبير بن مطعم: (قام) فينا (رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا (بالخيف من منىً) والخيف - بفتح فسكون -: الموضع المرتفع من مجرى السيل المنحدر من غلظ الجبل، ومسجد منىً يسمى مسجد الخيف؛ لأنه في سفح جبلها.
(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته: (نضر الله) سبحانه، قال التوربشتي: النضرة: الحسن والرونق، يتعدى ولا يتعدى، وروي مخففًا ومشددًا، وقال النووي: التشديد أكثر، وقال الأبهري: روى أبو عبيدة بالتخفيف، قال: هو لازم ومتعد، ورواه الأصمعي، وقال: المخفف لازم والتشديد للتعدية، وعلى الأول للتكثير والمبالغة. انتهى.
أي: خص الله بالبهجة والسرور (امرأً سمع مقالتي) فحفظها؛ كما في بعض الرواية؛ أي: بالقلب أو بالكتابة (فبلغها) كما سمعها؛ كما في بعض الرواية؛ أي: من غير زيادة ولا نقصان؛ لما رزق بعلمه ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدنيا، ونعَّمه في الآخرة، حتى يرى عليه رونق الرخاء والنعمة.
ثم قيل: إنه إخبار؛ يعني: جعله ذا نضرة، وقيل: دعاء له بالنضرة؛ وهي البهجة والبهاء في الوجه من أثر النعمة (فرب حامل فقه) أي: حامل علم وحافظه، والفاء فيه معللة لما يفهم من الحديث؛ أي: أن التبليغ مطلوب؛ لأنه رب حامل فقه وحديث غير فقيه معناه، فيبلغه إلى من يعلمه.
(غير فقيه) بالرفع على المحل والجر على اللفظ؛ أي: غير عالم معناه،
وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ:
===
فيبلغه إلى فقيه (ورب حامل فقه) فقيه، فيبلغه (إلى من هو أفقه منه) أي: فرب حامل قد يكون فقيهًا ولم يكن أفقه، فيحفظه ويبلغه إلى من هو أفقه منه، فيستنبط منه ما لا يفهمه الحامل، أو إلى من يصير أفقه منه، وهذا إشارة إلى فائدة النقل والداعي إليه.
قال الطيبي: قوله: "فرب حامل
…
" إلى آخره .. هو صفة لمدخول (رب)، استغني بها عن جوابها؛ أي: رب امرئ حامل فقه أداه إلى من هو أفقه منه.
قوله: "فرب حامل فقه غير فقيه" بين به أن راوي الحديث ليس الفقه من شرطه، إنما شرطه: الحفظ، وعلى الفقيه: التفهم والتدبر، قاله المناوي.
(ثلاث) خصال، سوغ الابتداء بالنكرة إضافته إلى مقدر؛ كما قدرناه، أو الوصف به؛ أي: ثلاث من الخصال.
والخبر جملة قوله: (لا يغل) - بكسر الغين المعجمة واللام المشددة - على المشهور، وضم الياء؛ من أغل الرباعي؛ إذا خان، أو فتحها؛ من غل الثلاثي؛ إذا صار ذا حقد وعداوة.
و(عليهن) حال مقدمة على صاحبها؛ وهو قوله: (قلب مؤمن) وهو فاعل يغل؛ أي: ثلاث خصال لا يوصف قلمب امرئ مؤمن بالغل والغش والخيانة والحقد والعداوة، حالة كونه كائنًا عليهن؛ أي: ما دام مستمرًا على تلك الثلاث؛ أي: لا يدخل في قلبه خيانة أو حقد يمنعه من تبليغ العلم، فينبغي له الثبات على تلك الثلاث؛ حتى لا يمنعه شيء من الغل والحقد من التبليغ، وبهذا ظهر مناسبة هذه الجملة لما قبلها. انتهى "سندي".
أو (على) بمعنى (مع) أي: معهن.
إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لله، وَالنَّصِيحَةُ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ".
===
أحدها: (إخلاص العمل لله) أي: جعْل العمل من التبليغ وغيره مخلصًا لله تعالى لا لغرض دنيوي؛ كالمال والمحمدة والسمعة والرياء.
ومعنى الإخلاص: تصفية العمل للخالق عن ملاحظة المخلوق.
(و) الثاني: (النصيحة لولاة المسلمين) وأمرائهم وملوكهم بالسمع والطاعة ما لم يأمروا بمعصية تعالى؛ والنصح: هو إرادة الخير للغير.
والمعنى: والنصح للمسلمين حتى لولاتهم، ويكفي في إرادة النصح للولاة إرادته لكل أحد من الرعية؛ لأن فساد الرعية يتعدى آثاره إليهم، ويؤخذ من هذا أن رئيس الأئمة هو النبي صلى الله عليه وسلم، ونصحه مطلوب بهذا الحديث أولًا، ويتضمن نصحه بالتبليغ النصح لتمام أمته صلى الله عليه وسلم. انتهى "سندي".
(و) الثالث: (لزوم جماعتهم) أي: موافقتهم في أمور الدين؛ بترك الابتداع من التشيع والاعتزال وغيرهما، وترك المخالفة في شؤون الدنيا؛ بشهر السلاح عليهم؛ لقطع الطريق وأخذ الأموال ونهبها.
والفاء في قوله: (فإن دعوتهم) للتعليل؛ أي: وإنما أمر بلزوم الجماعة؛ لأن دعوة المسلمين لربهم (تحيط) بهم (من ورائهم) وتحفظهم من شرور الدنيا والآخرة؛ كإحاطة السور بالبلدة، فيكون أهل البلدة محفوظًا من شر الأعداء ومن شر السباع، ومن كل طارق بالليل.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، وقد سبق في أول الكتاب مشروحًا في المقدمة، في باب من بلغ علمًا رقم (18) حديث رقم (228 - 229).
(12)
- 3006 - (3) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ،
===
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، أو ضعيف السند، صحيح المتن بغيره؛ لأن له شاهدًا من حديث زيد بن ثابت؛ كما مر هناك، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به لحديث عمرو بن الأحوص.
وقد ذكرنا هناك تحت حديث زيد بن ثابت عند قوله: (رب حامل فقه غير فقيه) والمراد بحامل الفقه: حافظ الأدلة التي يستنبط منها الفقه (غير فقيه) أي: غير قادر على استنباط الفقه من تلك الأدلة، فيبلغها إلى قادر الاستنباط منها (ورب حامل فقه) أي: حامل أدلتها قادر على الاستنباط منها شيئًا يسيرًا، فيبلغها (إلى من هو أفقه منه) أي: إلى من هو أعلم من الحامل، وأقدر على الاستنباط منها أحكامًا كثيرة؛ بأن كان الذي يسمع منه أفقه منه وأقدر على الاستنباط منها أحكامًا كثيرة. انتهى من "المرشد".
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عمرو بن الأحوص بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(12)
- 3006 - (3)(حدثنا إسماعيل بن توبة) بن سليمان بن زيد الثقفي أبو سليمان الرازي، أصله من الطائف، ثم نزل قزوين، صدوق، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا زافر) بالفاء (ابن سليمان) الإيادي أبو سليمان القهستاني - بضم القاف والهاء وسكون المهملة - سكن الري، ثم بغداد، وولي قضاء سجستان، صدوق كثير الأوهام، من التاسعة. يروي عنه:(ت س ق).
(عن أبي سنان) الشيباني الأصغر الكوفي سعيد بن سنان البرجمي - بضم
عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْمُخَضْرَمَةِ بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ:
===
الموحدة والجيم بينهما راء ساكنة - نزيل الري، صدوق له أوهام، من السادسة. يروي عنه:(م د ت س ق)، وزافر بن سليمان.
وروى (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الجملي - بفتح الجيم والميم - المرادي أبي عبد الله الكوفي الأعمى، ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومئة (118 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(ع).
(عن مرة) بن شراحيل الهمداني، أبي إسماعيل الكوفي، ثقة عابد، من الثانية، مات سنة ست وسبعين (76)، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع)، وقوله: عن مرة سقط من بعض النسخ، والصواب إثباته كما في تحفة الأشراف، ومصباح الزجاجة.
(عن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) ابن مسعود: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) راكب (على ناقته المخضرمة) بصيغة اسم المفعول؛ أي: المقطوعة الأذن؛ من خضرم؛ من باب دحرج، يقال: خضرمت الناقة؛ إذا قطعت طرف أذنها، والجملة الاسمية حال من الرسول.
وقوله: (بعرفات) متعلق بقال، وقوله:(فقال) توكيد لفظي لقال الأول، والفاء فيه زائدة.
"أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ وَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ وَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "، قَالُوا: هَذَا بَلَدٌ حَرَامٌ، وَشَهْرٌ حَرَامٌ، وَيَوْمٌ حَرَامٌ،
===
(أتدرون) أي: هل تعلمون أيها المسلمون (أي يوم هذا) اليوم؟ وهو يوم عرفة (وأي شهر هذا) الشهر؟ وهو شهر ذي الحجة (وأي بلد هذا) البلد؟ وهو مكة (قالوا) أي: قال الحاضرون عنده في جواب سؤاله: (هذا) البلد (بلد حرام) أي: محترم بحرمة الله تعالى، (و) هذا الشهر (شهر حرام، و) هذا اليوم (يوم حرام) أجابوه على طريق اللف والنشر غير المرتب، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والمعنى: قال ابن مسعود: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: خطب (وهو على ناقته المخضرمة بـ) عرنة (يوم عرفات) أي: وعظ الناس قبل الصلاة؛ أي: صلاة الظهر (فقال) في خطبته: (أتدرون) وتعلمون (أي: يوم) خبر مقدم (هذا) مبتدأ مؤخر، وقدم الخبر على المبتدأ؛ للزومه الصدارة؛ لأنه اسم استفهام؛ أي: هذا اليوم أي يوم هو من بين الأيام؛ هل هو محترم أم لا؟
…
إلى آخره، فأجابوه بما قالوا على سبيل اللف والنشر غير المرتب.
قال الزرقاني: فيه أنه يستحب للإمام أن يخطب يوم عرفة في هذا الموضع؛ يعني: عرنة، وبهذا قال الجمهور والمد نيون والمغاربة من المالكية، وهو المشهور وعليه عمل الناس إلى الآن.
قال النووي: ومذهب الشافعي أن في الحج أربع خطب مسنونة؛ إحداها: يوم السابع من ذي الحجة، يخطب بها عند الكعبة، بعد صلاة الظهر، والثانية: هذه التي في بطن عرنة يوم عرفات، والثالثة: يوم النحر بمنىً، والرابعة: يوم النفر الأول؛ وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، قال أصحابنا: وكل هذه الخطب أفراد، وبعد صلاة الظهر، إلا التي يوم عرفات؛ فإنها خطبتان، وقبل صلاة
قَالَ: "أَلَا وَإِنَّ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي يَوْمِكُمْ هَذَا،
===
الظهر، قال أصحابنا: ويعلمهم في كل خطبة من هذه الخطب ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى، والله أعلم. انتهى كلام النووي.
وعند الحنفية: في الحج ثلاث خطب: أولها وثانيها: ما ذكره النووي، وثالثها: بمنىً في اليوم الحادي عشر، فيفصل بين كل خطبتين بيوم، وكلها سنة.
ولما أجابوه بما ذكر .. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الخطبة؛ يعني: في خطبة يوم عرفة التي كانت في عرنة: (ألا وإن أموالكم ودماءكم).
قال الحافظ: وهذا الكلام على حذف مضاف؛ تقديره: وإن أخْذَ أموالكم وسفك دمائكم، وزاد في بعض الطرق:(وأعراضكم) أي: وثلب أعراضكم، جمع عرض؛ والعرض - بكسر العين وسكون الراء -: موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في سلفه.
وقال الزرقاني: معناه: إن دماء بعضكم على بعض حرام، وأموال بعضكم على بعض حرام، وإن كان ظاهر اللفظ أن دم كل واحد حرام عليه نفسه، ومال كل واحد حرام عليه نفسه، فليس بمراد؛ لأن الخطاب للمجموع؛ والمعنى فيه مفهوم بقرينة الحال، ولا تبعد إرادة المعنى الثاني.
أما الدم .. فواضح، وأما المال .. فمعنى تحريمه عليه: تحريم تصرفه فيه على غير الوجه المأذون فيه شرعًا، قاله الولي العراقي.
(عليكم حرام؛ كحرمة شهركم هذا) يعني: ذا الحجة (في بلدكم هذا) يعني: مكة (في يومكم هذا) يعني: يوم عرفة؛ معناه: متأكدة التحريم شديدته
أَلَا وَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَأُكَاثِرُ بِكُمُ الْأُمَمَ فَلَا تُسَوِّدُوا وَجْهِي، أَلَا وَإِنِّي مُسْتَنْقِذٌ أُنَاسًا وَمُسْتَنْقَذٌ مِنِّي أُنَاسٌ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ؛ أُصَيْحَابِي فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ".
===
(ألا) أي: انتبهوا واستمعوا (وإني فرطكم) - بفتحتين - أي: سابقكم إلى الآخرة موتًا منتظركم (على الحوض) والفرط: هو السابق على الرفقة؛ ليهيئ لهم ما يحتاجون إليه في محل النزول.
(وأكاثر بكم) أي: أفاخر بكثرتكم على (الأمم) السابقة يوم القيامة (فلا تسودوا وجهي) أي: فلا تؤثروا في وجهي السواد بسبب كثرة معاصيكم؛ والمعنى: فلا تكثروا، فلا تصلحوا لأن يفتخر بمثلكم.
(ألا وإني مستنقذ) بصيغة اسم الفاعل؛ أي: ألا وإني منقذ ومخرج (أناسًا) من أمتي من العذاب بشفاعتي، ألا (و) إني (مستنقذ مني) بصيغة اسم المفعول؛ أي: مدفوع عني عند الحوض (أناس) وهم المرتدون بعده (فأقول) لربي: (يا رب) هؤلاء (أُصَيْحَابي) - تصغير الأصحاب - فَلِمَ رُدُّوا عَن حوضي؟ (فيقول) الربُّ جل جلاله: (إنك) يا محمد (لا تدري) ولا تعلم (ما أحدثوا) وابتدعوا (بعدك) أي: بعد وفاتك، فليسوا من أصحابك؛ لأنهم بدلوا دينك، وأشركوا بالله، وفي بعض الرواية زيادة:(فأقول: سحقًا لهم) أي: بعدًا لهم عن رحمة الله تعالى، قال الزرقاني: وفي تقديم اليوم على الشهر وهو على البلد الترقي؛ فالشهر أقوى من اليوم، وهو ظاهر في الشهر؛ لاشتماله على اليوم، فاحترامه أقوى من احترام جزئه، وأما زيادة حرمة البلد .. فلأنه محرم في جميع الشهور، لا في هذا الشهر وحده، فحرمته لا تختص به، فهو أقوى منه.
قال الحافظ: وفيه مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير؛ ليكون
(13)
- 3007 - (4) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ،
===
أوضح للسامع، وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد؛ لأن المخاطبين بذلك كانوا يرون تلك الأشياء، ولا يرون هتك حرمتها، ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب.
وقال في موضع آخر: ومناط التشبيه في قوله: "كحرمة يومكم" وما بعده .. ظهوره عند السامعين؛ لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم مقررًا عندهم، بخلاف الأنفس والأموال والأعراض؛ فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بان تحريم دم المسلم وماله وعرضه .. أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه؛ لأن الخطاب بها وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع. انتهى "فتح الملهم".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، لكن أخرجه أحمد (5/ 412) عن مرة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والبيهقي في باب تحريم القتل من السنة.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عمرو بن الأحوص بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(13)
- 3007 - (4)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ خطيب، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا صدقة بن خالد) الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة، من
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ "، قَالُوا: يَوْمُ النَّحْر، قَالَ:"فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "،
===
الثامنة، مات سنة إحدى وسبعين ومئة (171 هـ)، وقيل: ثمانين، أو بعدها. يروي عنه:(خ د س ق).
(حدثنا هشام بن الغاز) - بمعجمتين بينهما ألف - من الغزو - بحذف الياء وإثباتها. انتهى " قسطلاني " - ابن ربيعة الجرشي - بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة - الدمشقي نزيل بغداد، ثقة، من كبار السابعة، مات سنة بضع وخمسين ومئة (153 هـ). يروي عنه:(عم).
(قال) هشام بن الغاز: (سمعت نافعًا يحدث عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر) أي: يوم العيد (بين الجمرات) - بفتح الجيم والميم - جمع جمرة؛ وفيه بيان موضع وقوفه صلى الله عليه وسلم؛ كتعيين الوقت منه في رواية رافع بن عمرو المزني عند أبي داوود والنسائي، ولفظه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنىً حين ارتفع الضحى. انتهى "قسطلاني".
وقوله: (في الحجة) متعلق بوقف؛ كالظرف الذي قبله؛ أي: وقف في الحجة (التي حج فيها) أي: بها؛ أي: وقف خطيبًا للناس (فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته تلك: (أي يوم هذا) اليوم؟ أي: بأي اسم يسمى؟ (قالوا): هو (يوم النحر، قال: فأي بلد هذا) البلد؟ بالتذكير
قَالُوا: هَذَا بَلَدُ اللهِ الْحَرَامُ، قَالَ:"فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ "، قَالُوا: شَهْرُ اللهِ الْحَرَامُ، قَالَ:"هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَر، وَدِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَأَعْرَاضُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ هَذَا الْبَلَدِ فِي هَذَا الشَّهْرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، ثُمَّ قَالَ:"هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"اللَّهُمَّ؛ اشْهَدْ"، ثُمَّ وَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ.
===
(قالوا: هذا بلد الله الحرام) أي: المحترم المعظم (قال: فأي شهر هذا) الشهر؟ (قالوا): هذا (شهر الله الحرام، قال: هذا) اليوم (يوم الحج الأكبر) يعني: يوم النحر.
واختلف في المراد بالحج الأصغر: فالجمهور على أنه العمرة، وقيل: يوم الحج الأصغر: يوم عرفة، ويوم الحج الأكبر: يوم النحر؛ لأن فيه تستكمل بقية المناسك، وعن مجاهد: الأكبر: القران، والأصغر: الإفراد، وقيل: أيام الحج كلها، قاله الثوري.
ثم قال: (و) انتهاك حرمة (دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة هذا البلد) أي: كانتهاك حرمة بلدكم هذا (في هذا الشهر) يعني: ذا الحجة (في هذا اليوم) يعني: يوم النحر (ثم قال: هل بلغت) ما أمرني ربي بتبليغه إليكم؟ (قالوا: نعم) بلغت إلينا، وإنما قال ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان التبليغ فرضًا عليه (فطفق) أي: شرع (النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم؛ اشهد) لي على تبليغي إليهم وعلى شهادتهم لي، وجملة القول خبر لطفق (ثم ودع الناس) من التوديع عند الرحيل؛ أي: ودعهم بأمرهم بالمأمورات ونهيهم عن المنكرات (فقالوا) أي: قال الناس؛ أخذًا من توديعه: (هذه) الحجة (حجة الوداع).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وإنما ودعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه علم أنه لا يتفق له بعد هذا وقفة أخرى، ولا اجتماع آخر مثل ذلك.
وسبب علمه ذلك أنه أنزلت عليه سورة: (إذا جاء نصر الله والفتح)، في وسط أيام التشريق، وعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء، فرحلت له وركب عليها ووقف بالعقبة، واجتمع الناس إليه
…
الحديث، ورواه البيهقي بسند فيه ضعف. انتهى "قسطلاني".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الحج، باب الخطبة أيام منىً تعليقًا، وأبو داوود في كتاب المناسك، باب يوم الحج الأكبر، والدارقطني وأحمد.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به للحديث الأول.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم