الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(18) - (42) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْكَنِيفِ وَإِبَاحَتِهِ دُونَ الصَّحَارَى
(55)
- 319 - (1) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيب، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ،
===
(18)
- (42) - (باب الرخصة في ذلك في الكنيف وإباحته دون الصحاري)
أي: باب ما جاء من الأحاديث في الرخصة والتيسير في ذلك؛ أي: في استقبال القبلة واستدبارها في الكنيف؛ أي: في البنيان، والكنيف: البناء الذي يبنى لتقضى فيه حاجة الإنسان بولًا أو غائطًا كان في داخل البيت أم لا.
وقوله: (وإباحته) عطف تفسير للرخصة؛ أي: ما جاء في إباحته ذلك المذكور من الاستقبال والاستدبار في الكنيف والبنيان دون إباحته في الصحاري -بفتح الراء وكسرها كالدعاوي والفتاوي- جمع صحراء؛ وهو المكان الخالي عن البنيان والساتر بينه وبين القبلة.
* * *
واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال:
(55)
- 319 - (1)(حدثنا هشام بن عمار) السلمي الدمشقي، صدوق، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا عبد الحميد بن حبيب) بن أبي العشرين الدمشقي كاتب الأوزاعي، وثقه الدارقطني، وقال أبو زرعة: ثقة مستقيم الحديث، وقال في "التقريب": صدوق، ربما أخطأ، من التاسعة. يروي عنه:(ت ق).
(حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، ثقة، من السابعة،
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ
===
مات سنة سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه: (ع)، قال الأوزاعي:
(حدثني يحيى بن سعيد) بن قيس (الأنصاري) النجاري المدني، ثقة، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا أبو بكر) محمد (بن خلاد) ابن كثير الباهلي البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(م د س ق).
(ومحمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي النيسابوري، ثقة متقن، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(قالا) أي: قال كل من أبي بكر ومحمد بن يحيى:
(حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي أبو خالد الواسطي، ثقة، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(أنبأنا) أي: أخبرنا (يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري.
(أن محمد بن يحيى بن حبان) -بفتح المهملة وتشديد الموحدة- ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني أبا عبد الله المدني، كانت له حلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة فقيه، من الرابعة، مات سنة إحدى وعشرين ومئة (121 هـ). يروي عنه:(ع) .. (أخبره) أي: أخبر ليحيى بن سعيد.
(أن عمه واسع بن حبان) بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني المدني،
أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: يَقُولُ أُنَاسٌ: إِذَا قَعَدْتَ لِلْغَائِطِ .. فَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا
===
صحابي بن صحابي، وقيل: بل ثقة، من الثانية. يروي عنه:(ع)، وليس واسع عندهم إلا هذا.
(أخبره، أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما.
وهذان السندان: الأول منهما: من سباعياته، والثاني: من سداسياته، وحكمهما: الصحة، لأن رجالهما ثقات.
(قال) ابن عمر: (يقول أناس) من الصحابة: (إذا قعدت) وجلست (للغائط) أي: لإخراج الخارج المسمى بالغائط .. (فلا تستقبل القبلة) أي: جهة الكعبة المشرفة؛ أي: إذا جلست لقضاء حاجتك بولًا أو غائطًا .. فلا تقعد مستقبل القبلة؛ أي: متوجهًا جهة الكعبة المشرفة، وكذا مستدبرًا لها؛ احترامًا لها؛ أي: مطلقًا سواء كنت في البنيان، أو في الصحراء مع خصوص النهي بالصحراء.
قوله: (فلا تستقبل القبلة) أي: ولا تستدبرها، وفي الحديث اختصار، وإلا .. فالاستدبار محل الكلام في هذا الحديث أصالة. انتهى "سندي".
قال ابن عمر: (و) الله؛ (لقد ظهرت) وطلعت وصعدت (ذات يوم) أي: يومًا (من الأيام على ظهر بيتنا) أي: على سطح بيتنا، قال السندي: جاء في رواية مسلم وغيره: (على ظهر بيت حفصة) فالإضافة مجازية باعتبار أنها أخته، بل الإضافة إلى حفصة كذلك بتعلق السكن، وإلا .. فالبيت كان ملكًا له صلى الله عليه وسلم، وفي "الكوكب": واختلفت الروايات في هذا اللفظ: ففي بعضها: (على ظهر البيت)، وفي بعضها:(على ظهر بيت لنا)، وفي أخرى:(على ظهر بيتنا)، وفي بعضها:(على ظهر بيت حفصة).
فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
===
وطريق الجمع بينها: أن يقال: أضاف البيت إلى نفسه على سبيل المجاز إما لسكونه لبيت حفصة، أو أضافه إلى نفسه باعتبار ما آل إليه الحال؛ لأنه ورث حفصة دون إخوته؛ لكونه شقيقها، وأضافه إلى حفصة؛ لأنه البيت الذي أسكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. انتهى من "البذل"، وأبسط من هذا ما في "الفتح".
(فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا) أي: جالسًا لإخراج حاجته (على لبنتين) أي: على طوبين غير محروقين، وهو بفتح اللام وكسر الموحدة، وتسكن مع فتح اللام وكسرها، واحدة الطوب؛ وهو ما يُصنع من الطين ونحوه ويُبنى به قبل أن يُحرق، فإن حُرق .. فيُسمى آجرًا، وهذه الرؤية كانت اتفاقية من دون قصد منه ولا من الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ويحتمل أنه قصد ليُعلّم الناس كيفية الجلوس لقضاء الحاجة، وذلك يظهر برؤية الوجه دون غيره، قال ابن رسلان: ففيه دلالة على ارتفاع الجالسين لقضاء الحاجة، ولم أر أحدًا ذكر هذا الأدب. انتهى "كوكب".
حالة كونه (مستقبل بيت المقدس) لقضاء حاجته؛ أي: متوجهًا بوجهه جهة بيت المقدس مستدبر القبلة، كما هو مصرح في بعض روايات مسلم.
قال السندي: قوله (مستقبل بيت المقدس) أي: والمستقبل له يكون مستدبرًا للقبلة، فيدل على الرخصة في البيوت، وخصوص النهي بالصحراء.
قلت: ويؤيد القول بالخصوص حديث النهي عن إتيان الغائط في كثير من الروايات، والمراد به: المكان المنخفض في الفضاء، كما قررنا، وبه يظهر التوفيق بين أحاديث الباب. انتهى منه.
هَذَا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ.
===
واستدل بهذا الحديث من قال بجواز الاستقبال والاستدبار، ورأى أنه ناسخ، واعتقد الإباحة مطلقًا، وبه احتج من خص عدم الجواز بالصحاري، ومن خص المنع بالاستقبال دون الاستدبار في الصحارى والبنيان، وقد عرفت ما فيه من أنها حكاية فعل لا عموم لها، فيحتمل أن يكون لعذر، وأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة. انتهى "تحفة الأحوذي".
قال المؤلف: و (هذا) المذكور لفظ (حديث يزيد بن هارون)، وأما الأوزاعي .. فروى عن يحيى بن سعيد معنى هذا المذكور، لا لفظه، أتى بهذه الجملة؛ تورعًا من الكذب على الأوزاعي.
قال القرطبي: قول ابن عمر: (لقد ظهرت على ظهر بيتنا) هذا الظهور من ابن عمر الظاهر منه: أنه لم يكن عن قصد الاستكشاف، وإنما كان لحاجة غير ذلك، ويحتمل أن يكون ليطلع على كيفية جلوس النبي صلى الله عليه وسلم للحدث على تقدير أن يكون قد استشعر ذلك، وأنه تحفظ من أن يُطلّع على ما لا يجوز له، وفي هذا الثاني بُعد، وكونه صلى الله عليه وسلم على لبنتين يدل لمالك على قوله: إذا اجتمع المرحاض الملجئ والساتر .. جاز ذلك. انتهى منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الوضوء، باب من تبرز على لبنتين، رقم (145)، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الاستطابة (17)، رقم (266)، وأبو داوود في كتاب الطهارة، باب الرخصة في ذلك، رقم (12)، والترمذي (11)، والنسائي (1/ 23).
وقال الترمذي: وحديث ابن عمر هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب حديث عن جابر، قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول
(56)
- 320 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ،
===
أو غائط، فرأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبلها)، وقال الترمذي فيه: حديث حسن غريب، وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار رضي الله عنهم، فدل على أن النهي للكراهة لا للتحريم.
ودرجة هذا الحديث: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استأنس المؤلف رحمه الله تعالى للترجمة بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما، فقال:
(56)
- 320 - (2)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله الذهلي النيسابوري، ثقة متقن، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا عبيد الله بن موسى) بن أبي المختار باذام العبسي أبو محمد الكوفي. روى عنه: (ع) ثقة، من التاسعة، كان يتشيع، قال أبو حاتم: كان أثبت في إسرائيل من أبي نعيم، واستصغر في سفيان الثوري، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ) على الصحيح.
(عن عيسى) بن أبي عيسى، اسمه: ميسرة (الحنّاط) -بالحاء المهملة والنون المشددة- لُقب به؛ لكونه يبيع الحنطة، الغفاري أبو موسى المدني، أصله من الكوفة، ويقال فيه: الخياط -بالمعجمة والتحتانية- لُقب به؛ لأنه كان يخيط الثياب للناس، ويقال فيه أيضًا: الخبّاط -بالمعجمة ثم الموحدة- لأنه كان يبيع الخبط؛ وهو ورق الشجر، كان قد عالج الصنائع الثلاثة.
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في كَنِيفِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، قَالَ عِيسَى: فَقُلْتُ ذَلِكَ لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ عُمَرَ وَصَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ،
===
وهو متروك، من السادسة، مات سنة إحدى وخمسين ومئة (151 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ق).
(عن نافع) مولى ابن عمر.
(عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه راويًا متروكًا؛ وهو عيسى الحنّاط.
(قال) ابن عمر: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته (في كنيفه) أي: في حمامه، حالة كونه (مستقبل القبلة) أي: جهة الكعبة المشرفة.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، وهو ضعيف جدًّا (10)(54)؛ لضعف عيسى الحناط راويه.
ورواه الدارقطني في "سننه" من طريق عيسى المذكور، ورواه البيهقي من طريقه في "السنن الكبرى".
(قال عيسى) الحنّاط: (فقلت ذلك) الحديث الذي سمعته من ابن عمر؛ أي: حدثته (للشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من الثالثة، (فقال) الشعبي:(صدق ابن عمر) في هذا الحديث؛ فهو صحيح، (وصدق أبو هريرة) في حديثه السابق أول الترجمة السابقة؛ أعني:(باب الاستنجاء بالحجارة) حيث قال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها".
أَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ .. فَقَالَ: فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ .. فَإِنَّ الْكَنِيفَ لَيْسَ فِيهِ قِبْلَةٌ، اسْتَقْبِلْ فِيهِ حَيْثُ شِئْتَ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سَلَمَةَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
===
(أما قول أبي هريرة .. فقال) الشعبي: معنى حديث أبي هريرة: أن قاضي الحاجة (في الصحراء لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) فالنهي في حديث أبي هريرة محمول على الصحراء، (وأما قول ابن عمر) وحديثه هذا .. (فـ) محمول على قاضي الحاجة في البنيان لـ (أن الكنيف) والبنيان (ليس فيه قبلة) أي: توجه إلى القبلة؛ لأنها محجوبة مستورة عنك بالبناء، (استقبل) بصيغة الأمر؛ أي: توجه أيها القاضي حاجته (فيه) أي: في البناء (حيث شئت) أي: أي جهة شئتها من زوايا بنائك يمينًا وشمالًا أمامًا وخلفًا، فبهذا الذي قلته يُجمع بين الحديثين، فلا تعارض بينهما، فيكون حديث ابن عمر صحيح المعنى على هذا الجمع لولا ضعف سنده جدًّا.
(قال أبو الحسن) علي بن إبراهيم (بن سلمة) بن بحر القطان القزويني:
(وحدثنا أبو حاتم) الرازي محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أحد الحفاظ، من الحادية عشرة، مات سنة سبع وسبعين ومئتين (277). يروي عنه:(خ د س).
(حدثنا عبيد الله بن موسى) بن أبي المختار الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).
غرضه: بيان متابعة أبي حاتم لمحمد بن يحيى (فذكر) أبو حاتم (نحوه) أي: نحو ما حدّث محمد بن يحيى.
* * *
(57)
- 321 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ،
===
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم، فقال:
(57)
- 321 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي -بفتح المهملة وتخفيف النون- الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن خالد) بن مهران المجاشعي (الحذّاء) أبي المنازل البصري، ثقة، من الخامسة، مات سنة إحدى وأربعين ومئة (141 هـ) في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).
(عن خالد بن أبي الصلت) البصري، مدني الأصل، عامل عمر بن عبد العزيز بواسط. روى عن: عراك بن مالك، وعمر بن عبد العزيز، وربعي بن حراش، وسماك بن حرب، ويروي عنه:(ق)، وخالد الحذاء، والمبارك بن فضالة، وسفيان بن حسين، وغيرهم.
قال البخاري في "التاريخ"(3/ 155): خالد بن أبي الصلت عن عراك مرسل، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": مقبول، من السادسة، وقال أبو محمد بن حزم: هو مجهول، وقال عبد الحق: ضعيف،
عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِمُ الْقِبْلَةَ فَقَالَ: "أُرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوهَا،
===
وقال إبراهيم بن الحارث: أنكر أحمد قول من قال: عن عراك سمعت عائشة، وقال: عراك من أين سمع من عائشة؟ ! وقال أبو طالب عن أحمد: هو عراك عن عروة عن عائشة، وقال الترمذي في "العلل الكبير": سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: فيه اضطراب، والصحيح عن عائشة قولها، وذكر أبو حاتم نحو قول البخاري، وأن الصواب عراك عن عروة عن عائشة قولها، وأن من قال فيه: عن عراك سمعت عائشة مرفوعًا وهم فيه سندًا ومتنًا. انتهى من "التهذيب" باختصار وتصرف.
(عن عراك بن مالك) الغفاري المدني، فقيه أهل دهلك؛ ودهلك: جزيرة قريبة من أرض. الحبشة من ناحية اليمن، نفاه إلى دهلك يزيد بن عبد الملك؛ لكلمة قالها في أيام عمر بن عبد العزيز.
قال في "التقريب": ثقة فاضل، من الثالثة، مات في خلافة يزيد بن عبد الملك بعد المئة. يروي عنه:(ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأنه قد ثبت سماع عراك من عائشة عند مسلم، فليس السند منقطعًا، كما قال البخاري بالانقطاع، وقال النووي في "المجموع": إسناده حسن، رجاله ثقات معروفون.
(قالت) عائشة: (ذُكر) بالبناء للمجهول، ولم أر من ذكر اسم الذاكر ولا أسماء القوم؛ أي: ذكر (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم) من الصحابة (يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة) أي: جهتها عند قضاء الحاجة، (فقال: أُراهم) -بضم الهمزة- أي: أظن أولئك القوم (قد فعلوها) أي: قد فعلوا
استَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ".
===
كراهة الاستقبال؛ أي: مقتضى كراهتهم؛ وهو ترك الاستقبال، فقال لمن عنده:(استقبلوا) أي: وجِّهوا (بمقعدتي القبلة) أي: وجهوا موضع قعودي عند قضاء الحاجة إلى جهة القبلة؛ لأستقبل القبلة عند قضاء الحاجة؛ فإنه جائز، ومقعدته: لبنتاه التي يقعد عليهما عند قضاء الحاجة.
قال السندي: قوله: (استقبلوا بمقعدتي القبلة) أي: حوِّلوا ووجِّهوا موضع قعودي عند قضاء الحاجة إلى جهة القبلة؛ حتى يزول عن قلوبهم إنكار الاستقبال في البيوت، فيرسخ في قلوبهم جوازه فيها، ويفهموا أن النهي مخصوص بالصحراء.
وهذا الحديث: صحيح متنًا وسندًا، وإن انفرد به ابن ماجه.
ورواه أبو داوود الطيالسي في "مسنده" عن حماد بن سلمة، وذكر المزي عن البخاري أنه قال ابن بكير: حدثني بكر عن جعفر بن ربيعة عن عراك عن عروة أن عائشة كانت تنكر قولهم وهذا أصح، وهذا الذي علل به البخاري ليس بقادح؛ فالإسناد الأول حسن ورجاله ثقات معروفون، وقد أخطأ من زعم أن خالد بن أبي الصلت مجهول، وأقوى ما عُلل به هذا الخبر أن عراكًا لم يسمع من عائشة نقلوه عن الإمام أحمد، وقد ثبت سماعه منها عند مسلم رواه الدارقطني في سننه من هذا الوجه، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه كما رواه ابن ماجه عنه وأحمد (6/ 137) فبعد صحة الإسناد يجب القول بصحة الحديث، فنقول:
الحديث: صحيح متنًا وسندًا، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به لحديث ابن عمر.
وقوله أيضًا: (قوم يكرهون
…
) إلى آخره، الظاهر: أنهم حملوا النهي الوارد في الاستقبال على العموم، فكرهوا ذلك مطلقًا، وكان النهي من أصله
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدَكَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُغِيرَةِ،
===
مخصوصًا بالصحراء، كما تقدم، فأنكر ذلك عليهم في البيوت، وهذا صريح في أنه ما ورد النهي أولًا عامًا، ثم نُسخ عمومه؛ إذ لو كان ذلك .. لما أنكر عليهم العموم بناء على أنهم رأوا بقاءه؛ لعدم بلوغ النسخ ولا إنكار على من يرى بقاء العموم قبل بلوغ النسخ، بل ذلك هو الواجب، فكيف يُنكر على صاحبه؟ ! بل الحديث صريح في أن العموم من محدثاتهم. انتهى من "السندي".
(قال أبو الحسن) علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر (القطان: حدثنا يحيى بن عبدك) بن عبد الأعظم أبو زكريا القزويني، من نظراء ابن ماجه، لكنه أسنَد وأسن روى عن: أبي عبد الرحمن المقرئ، وعفان، والقعنبي، وغيرهم، ويروي عنه: عبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة، وآخرون. قال أبو يعلى الخليلي: ثقة، متفق عليه، مات سنة إحدى وسبعين ومئتين (271 هـ)، وفي "السندي":(عبيد)، وفي المطبوعة الهندية:(عبدك)، وفي الحاشية: الكاف في (عبدك) علامة التصغير في اللغة الفارسية.
(حدثنا عبد العزيز بن المغيرة) بن أمي، ويقال: أمية المنقري أبو عبد الرحمن الصفّار البصري، نزيل الري. روى عن: خالد الحذاء، وعن الحمادين، وجرير بن حازم، ومهدي بن ميمون، وغيرهم، ويروي عنه:(ق)، ويحيى بن عبدك، وهارون بن حيان القزويني، ويوسف بن موسى القطان، وأحمد بن نصر النيسابوري، وابن وارة، وأبو حاتم، وأبو زرعة.
وقال ابن وارة: سمعت المقري يثني عليه، وقال: كان يقرأ معنا القرآن بالبصرة، قال: سمعت أبا الوليد أثنى عليه خيرًا، وقال أبو حاتم: صدوق لا بأس به، وقال في "التقريب": صدوق، من التاسعة.
عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ مِثْلَهُ.
(58)
- 322 - (4) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ،
===
(عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت).
غرضه بسوق هذا السند: بيان متابعة عبد العزيز بن المغيرة لحماد بن سلمة، وساق عبد العزيز (مثله) أي: مثل حديث حماد بن سلمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، فقال:
(58)
- 322 - (4)(حدثنا محمد بن بشار، حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا أبي) جرير بن حازم، ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، من السادسة، مات سنة سبعين ومئة (170 هـ). يروي عنه:(ع).
(قال) جرير: (سمعت محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي المدني صاحب المغازي، صدوق، من الخامسة، مات سنة خمسين ومئة، ويقال بعدها. يروي عنه:(م عم).
(عن أبان بن صالح) بن عمير بن عبيد القرشي مولاهم. روى عن: مجاهد، وأنس، وعطاء، والحسن البصري، وغيرهم، ويروي عنه:(عم)، ومحمد بن إسحاق، وابن جريج، وأسامة بن زيد الليثي، وآخرون.
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا.
===
وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة وأبو زرعة وأبو حاتم، وقال ابن سعد: وُلد سنة ستين (60 هـ) ومات بعسقلان سنة بضع عشرة ومئة، وهو ابن خمس وخمسين سنة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": وثقه الأئمة، ووهم ابن حزم فجهله، وابن عبد البر فضعفه، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومئة وهو ابن خمس وخمسين.
(عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي المقرئ المفسر، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة) ملتبسين (ببول) أو غائط، وهذا محمول على الصحراء، قال جابر:(فرأيته) صلى الله عليه وسلم (قبل أن يُقبض) روحه ويموت (بـ) مدة (عام يستقبلها) أي: يستقبل القبلة في حال قضاء حاجته، وهذا محمول على البنيان.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الطهارة، باب (5) الرخصة في استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، رقم (13)، والترمذي (1/ 156) في كتاب الطهارة، باب (7) الرخصة في استقبال القبلة بغائط وبول، رقم (9)، وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار بن ياسر، قال أبو عيسى: حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب. انتهى "تحفة الأشراف" رقم (2574).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فالحديث: صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
قال الخطابي: وفي قوله: (فرأيته قبل أن يُقبض بعام
…
) إلى آخره .. بيان صحة قول من فرّق بين البنيان والصحراء، غير أن جابرًا توهم أن النهي كان على العموم، فحمل الأمر في ذلك على النسخ. انتهى من "العون".
وقال السندي: قوله: (فرأيته قبل أن يُقبض) هذا مبني على أن النهي كان مخصوصًا، لا أن الثاني جاء ناسخًا لعموم الأول، كما هو ظاهر الحديث، لعدم موافقته للأحاديث المتقدمة، وحديث جابر هذا قد حسّنه الترمذي، ولا يخفى أن الجمع بين هذه الأحاديث يُبطل قول المانعين عن الاستقبال مطلقًا: بأن ما جاء من الاستقبال يُحمل على أنه كان قبل النهي، أو كان بعده، ولكنه مخصوص به صلى الله عليه وسلم والنهي لغيره، أو كان للضرورة والنهي عند عدمها؛ إذ الفعل لا عموم له، فليتأمل.
* * *
فجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول: حديث ابن عمر، ذكره للاستدلال.
والثاني: حديث ابن عمر الثاني، ذكره للاستئناس.
والثالث: حديث عائشة، ذكره للاستشهاد.
والرابع: حديث جابر، ذكره للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم