المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) - (29) - باب: الوضوء شطر الإيمان - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطّهارة وسننها

- ‌(1) - (25) - بَابُ مَا جَاءَ فِي مِقْدَارِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ

- ‌(2) - (26) - بَابٌ: لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ

- ‌(3) - (27) - بَابٌ: مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ

- ‌(4) - (28) - بَابُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوُضُوءِ

- ‌(5) - (29) - بَابٌ: الْوُضُوءُ شَطْرُ الْإِيمَانِ

- ‌(6) - (30) - بَابُ ثَوَابِ الطُّهُورِ

- ‌(7) - (31) - بَابُ السِّوَاكِ

- ‌(8) - (32) - بَابُ الْفِطْرَةِ

- ‌(9) - (33) - بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ

- ‌(10) - (34) - بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ

- ‌(11) - (35) - بَابُ ذِكْرِ اللهِ عز وجل عَلَى الْخَلَاءِ وَالْخَاتَمِ فِي الْخَلَاءِ

- ‌(12) - (36) - بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ

- ‌(13) - (37) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا

- ‌(14) - (38) - بَابٌ: فِي الْبَوْلِ قَاعِدًا

- ‌(15) - (39) - بَابُ كَرَاهِيَّةِ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ وَالاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ

- ‌تتمة

- ‌(16) - (40) - بَابُ الاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ

- ‌(17) - (41) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ

- ‌(18) - (42) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْكَنِيفِ وَإِبَاحَتِهِ دُونَ الصَّحَارَى

- ‌(19) - (43) - بَابُ الاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْبَوْلِ

- ‌(20) - (44) - بَابُ مَنْ بَالَ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً

- ‌(21) - (45) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخَلَاءِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ

- ‌(22) - (46) - بَابُ التَّبَاعُدِ لِلْبَرَازِ فِي الْفَضَاءِ

- ‌(23) - (47) - بَابُ الارْتِيَادِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ

- ‌(24) - (48) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الاجْتِمَاعِ عَلَى الْخَلَاءِ وَالْحَدِيثِ عِنْدَهُ

- ‌(25) - (49) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ

- ‌(26) - (55) - بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الْبَوْلِ

- ‌(27) - (51) - بَابُ الرَّجُلِ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبُولُ

- ‌تتمة

- ‌(28) - (52) - بَابُ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ

- ‌(29) - (53) - بَابٌ: مَنْ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ بَعْدَ الاسْتِنْجَاءِ

- ‌(30) - (54) - بَابُ تَغْطِيَةِ الْإِنَاءِ

- ‌(31) - (55) - بَابُ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ

- ‌(32) - (56) - بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْهِرَّةِ وَالرُّخْصَةِ فِيهِ

- ‌(33) - (57) - بَابُ الرُّخْصَةِ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ

- ‌(34) - (58) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ

- ‌(35) - (59) - بَابُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ

- ‌(36) - (60) - بَابُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَتَوَضَّأَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ

- ‌(37) - (61) - بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ

- ‌(38) - (62) - بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ

- ‌(39) - (63) - بَابُ الرَّجُلِ يَسْتَعِينُ عَلَى وُضُوئِهِ فَيُصَبُّ عَلَيْهِ

- ‌(40) - (64) - بَابُ الرَّجُلِ يَسْتَيْقِظُ مِنْ مَنَامِهِ هَلْ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(41) - (65) - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ

- ‌(42) - (66) - بَابُ التَّيَمُّنِ فِي الْوُضُوءِ

- ‌بشارة عظيمة للمؤلف

- ‌(43) - (67) - بَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ

- ‌(44) - (68) - بَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي الاستِنْشَاقِ وَالاسْتِنْثَارِ

- ‌(45) - (69) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً

- ‌تتمة

- ‌(46) - (70) - بَابُ الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا

- ‌(47) - (71) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا

- ‌(48) - (72) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَصْدِ فِي الْوَضُوءِ وَكَرَاهِيَةِ التَّعَدِّي فِيهِ

- ‌(49) - (73) - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ

- ‌(50) - (74) - بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ

- ‌(51) - (75) - بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسْحِ الرَأْسِ

- ‌(52) - (76) - بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ

- ‌(53) - (77) - بَابٌ: الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ

- ‌(54) - (78) - بَابُ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ

- ‌(55) - (79) - بَابُ غَسْلِ الْعَرَاقِيبِ

الفصل: ‌(5) - (29) - باب: الوضوء شطر الإيمان

(5) - (29) - بَابٌ: الْوُضُوءُ شَطْرُ الْإِيمَانِ

(14)

- 278 - (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ،

===

(5)

- (29) - (باب: الوضوء شطر الإيمان)

أي: هذا باب معقود في ذكر الحديث الذي يدل على أن الوضوء شطر الإيمان ونصفه، والمراد بالإيمان هنا: الصلاة؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (1) والكلام على حذف مضاف، تقديره: باب إكمال الوضوء وإسباغه شطر إكمال الصلاة، وتوضيحه: أن إكمال الصلاة بإكمال شرائطها الخارجة عنها وأركانها الداخلة فيها، وأعظم الشرائط الخارجة. . الوضوء، فجعل إكماله نصف إكمال الصلاة، فليس يلزم في الشرط أن يكون نصفًا حقيقيًّا.

ويحتمل أن المراد: الترغيب في إكمال الوضوء وإسباغه وتعظيم ثوابه، حتى كأنه بلغ إلى نصف ثواب الإيمان، والله أعلم، انتهى "سندي".

* * *

(14)

- 278 - (1)(حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو بن ميمون القرشي الأموي مولى آل عثمان، أبو سعيد (الدمشقي) القاضي المعروف بدحيم -بمهملتين- مصغرًا. روى عن: محمد بن شعيب، والوليد بن مسلم، وسفيان بن عيينة، ومروان بن معاوية، وآخرين، ويروي عنه:(خ د س ق) البخاري وأبو داوود والنسائي وابن ماجه، وابناه: إبراهيم وعمرو، وبقي بن مخلد، وآخرون.

وقال مسلم: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان يكره أن يقال

(1) سورة البقرة: (143).

ص: 57

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ أَخِيهِ

===

له: دحيم، وكان من المتقنين الذين يحفظون علم بلدهم وشيوخهم وأنسابهم، ومات بطبرية في رمضان سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ)، وقال ابن حبان في موضع آخر: دحيم تصغير دحمان، ودُحمان بلغتهم: خبيث. انتهى "تهذيب"، وقال في "التقريب": ثقة، من العاشرة.

(حدثنا محمد بن شعيب بن شابور) الأموي مولاهم أبو عبد الله الدمشقي، أحد الكبار، كان يسكن بيروت. روى عن: معاوية بن سلام، والأوزاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وغيرهم، ويروي عنه:(عم) أبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، وابن المبارك ومات قبله، والوليد بن مسلم وهو من أقرانه، وغيرهم.

قال العجلي: شامي ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": صدوق، صحيح الكتاب، من كبار التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ)، وقال ابن حبان: وُلد سنة ست عشرة ومئة، ومات سنة مئتين، وله أربع وثمانون.

(أخبرني معاوية بن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي -بضم المهملة- أبو سلام الدمشقي. روى عن: أبيه، وجده، وأخيه زيد بن سلام، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، وعكرمة بن عمار، وآخرين، ويروي عنه:(ع)، ومحمد بن شعيب، والوليد بن مسلم، ومروان بن محمد، وآخرون.

وثقه ابن معين، وقال دحيم: جيد الحديث ثقة، كان بحمص، ثم انتقل إلى دمشق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": وكان يسكن حمص، ثقة، من السابعة، مات في حدود سنة مئة وسبعين (170 هـ).

(عن أخيه) زيد بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي -بضم المهملة-

ص: 58

أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ،

===

الدمشقي. روى عن: جده، وعدي بن أرطاة، وعبد الله بن فروخ، ويروي عنه:(م عم)، وأخوه معاوية، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم.

قال العجلي: شامي لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": ثقة، من السادسة.

(أنه) أي: أن أخاه زيدًا (أخبره) أي: أخبر لمعاوية.

(عن جده أبي سلام) ممطور الأسود الحبشي الأعرج الدمشقي، ويقال: النوبي، وقيل: إن الحبشي نسبة إلى حي من حمير. روى عن: عبد الرحمن بن غنم، وأبي مالك الأشعري، والحارث بن الحارث الأشعري، وأبي سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه:(بخ م عم)، وحفيداه: زيد ومعاوية ابنا سلام، ومكحول الشامي، والأوزاعي، وخلق.

قال العجلي: شامي تابعي ثقة، وقال في "التقريب": ثقة يرسل، من الثالثة.

(عن عبد الرحمن بن غنم) -بفتح المعجمة وسكون النون- الأشعري، مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي مالك الأشعري وغيرهم، ويروي عنه:(خت عم)، وأبو سلام الأسود، ومكحول الشامي، وشهر بن حوشب، ورجاء بن حيوة، وغيرهم.

ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام، وقال: كان ثقة إن شاء الله، بعثه عمر بن الخطاب يفقِّه الناس، وكان أبوه ممن قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحاب أبي موسى الأشعري، وقال ابن يونس: عبد الرحمن بن غنم بن غريب بن هانئ بن ربيعة، وساق نسبه إلى أشعر. . ممن قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفينة، وذكره ابن حبان في

ص: 59

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ مِلْءُ الْمِيزَانِ،

===

ثقات التابعين، وقال في "التقريب": مات سنة ثمان وسبعين (78 هـ).

(عن أبي مالك الأشعري) الحارث بن الحارث الشامي الصحابي المشهور، رضي الله عنه. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم. وتفرد بالرواية عنه: أبو سلام الحبشي.

وهذا المسند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إسباغ الوضوء) وإكماله؛ بغسل ما يجب غسله وبشروطه وآدابه. . (شطر الإيمان)، قال في "النهاية": لأن الإيمان يطهِّر نجاسة الباطن، والطهور يطهِّر نجاسة الظاهر، وفي رواية مسلم:"الطهور شطر الإيمان"، وقد مر تفسيره في مبحث الترجمة.

(والحمد لله ملء الميزان) بصيغة المصدر، فيكون بمعنى: اسم الفاعل، ورُوي بصيغة الماضي:(ملأ الميزان)، عبَّر عنه بالماضي، كأنه وقع وتحقق، قال النووي: عظم أجرها يملأ الميزان.

وظاهره: أن الأعمال تجسد عند الوزن، وتصير أجسامًا لطيفة نورانية لا تزاحم بعضها بعضًا، ولا تُزاحم غيرها، كما هو المشاهد في الأنوار؛ إذ يمكن أن يسرج ألف سراج في بيت واحد مع أنه يمتلئ نورًا من واحد من تلك السرج، لكن لكونه لا يزاحم يجتمع معه نور الثاني والثالث، ثم لا يمنع امتلاء البيت من النور جلوس القاعدين فيه؛ لعدم المزاحمة، فلا يرد: أنه كيف يتصور ذلك مع كثرة التسبيحات والتقديسات، مع أنه يلزم من وجود واحد ألا يبقى مكان لشخص من أهل المحشر، ولا لعمل آخر متجسد مثل تجسد التسبيح وغيره؟ ! والله تعالى أعلم.

ص: 60

وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالزَّكَاةُ بُرْهَانٌ،

===

(والتسبيح والتكبير ملء السماوات والأرض) أي: مالئ كل منهما السماوات والأرض لو كانا جسمًا، ورواية مسلم:"والحمد لله" أي: كلمة الحمد لله "تملأ" ثوابًا "الميزان" أي: ميزان الحسنات لو كان جسمًا يظهر بالعيان، قال القرطبي: والحمد: الثناء على مُثنىً ما بأوصاف كماله، فإذا حمد الله حامد مستحضرًا معنى الحمد في قلبه. . امتلأ ميزانه من الحسنات، والتسبيح؛ أي: تنزيهه تعالى عن كل النقائص؛ أي: بكلمة (سبحان الله)، والتكبير؛ أي: تكبير الله وتعظيمه ووصفه بكمال كبريائه بكلمة (الله أكبر) مستحضرًا معناه في قلبه، (ملء السماوات والأرض) أي: مالئتان السماوات والأرض؛ أي: ثوابهما لو كان جسمًا. . لملأ السماوات والأرض؛ يعني: أن الثواب عليهما كثير، بحيث لو كان جسمًا. . لملأ السماوات والأرض، وهذا على جهة الإغياء.

(والصلاة نور) أي: أجرها نور يسعى بين يدي صاحبها يوم القيامة، أو: أن الصلاة سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح الصدر؛ لتفرغ القلب فيها، والإقبال بالجسم والقلب على الله تعالى، وشغل الجوارح بها عما سواها؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:"وجُعلت قرة عيني في الصلاة"، رواه النسائي وأحمد والحاكم.

(والزكاة) المفروضة، وكذا الصدقة؛ أي: إنفاق المال في الخيرات واجبًا كان أو غيره. . (برهان) أي: دليل على إيمان صاحبها، وعبارة "المفهم" هنا:"والصدقة برهان" أي: على صحة إيمان المتصدق، أو: على أنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات، أو: على صحة محبة المتصدق لله تعالى ولما لديه من الثواب؛ إذ قد آثر محبة الله تعالى وابتغاء ثوابه على ما جُبل عليه من حب الذهب والفضة حتى أخرجه لله تعالى.

ص: 61

وَالصَّبْرُ ضِيَاء، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ،

===

(والصبر) أي: الصبر على العبادات ومشاقها وعلى المصائب، والصبر عن المخالفات والمنهيات؛ كاتباع هوى النفس، والشهوات، وغير ذلك. . (ضياء) أي: مُضيء لصاحبه في عواقب أحواله، فمن كان صابرًا في تلك الأحوال، متثبتًا فيها، مقابلًا لكل حال بما يليق به. . ضاءت له عواقب أحواله، ووضحت له مصالح أعماله، فظفر بمطلوبه، وحصل له من الثواب على مرغوبه، كما قيل:

فَقَلَّ مَن جَدَّ في أمرٍ تَطَلَّبَهُ

واستعملَ الصَّبرَ إلا فازَ بالظَّفَرِ

انتهى من "الكوكب الوهاج".

قال النووي: يعني: أن الصبر المحبوب في الشرع. . ضياء؛ وهو الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معصيته، والصبر أيضًا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا؛ يعني: أن الصبر محمود لا يزال صاحبه مستضيئًا مهتديًا مستمرًا على الصواب، قال إبراهيم الخواص: الصبر: هو الثبات على الكتاب والسنة، وقال ابن عطاء: الصبر: الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، وقال أبو علي الدقاق: حقيقة الصبر: ألا يعترض على المقدور، فأما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى. . فلا ينافي الصبر، قال الله تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (1) مع أنه قال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} (2) والله أعلم. انتهى.

(والقرآن حجة) أي: شاهد (لك) بالإيمان إن صدقته، وعملت بما فيه، (أو) شاهد (عليك) إن خالفته، ولم تعمل بما فيه، قال القرطبي: يعني أنك

(1) سورة ص: (44).

(2)

سورة الأنبياء: (83).

ص: 62

كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".

===

إذا امتثلت أوامره، واجتنبت نواهيه. . كان حجة لك في المواقف التي تسأل عنه فيها؛ كمسألة الملكين في القبر، والمسألة عند الميزان، وفي عقبات الصراط، وإن لم تمتثل ذلك. . احتج به عليك، ويحتمل أن يراد به: أن القرآن هو الذي ينتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية والوقائع الحكمية؛ فبه تستدل على صحة دعواك، وبه يستدل عليك خصمك.

(كل الناس يغدو) أي: يبكر في أشغاله، (فبائع) أي: فمنهم بائع (نفسه) بطاعات الله تعالى. . (فمعتقها) أي: فهو يعتقها من عذاب الله تعالى، (أو) بائع؛ أي: فمنهم بائع نفسه للهوى والنفس والشيطان؛ أي: بائع بمعصية الله تعالى. . فـ (موبقها) أي: فيهلكها بالعذاب؛ باتباع ما ذكر؛ أي: بالمعاصي.

وفي "المفهم": (كل الناس يغدو) أي: يبكر، يقال: غدا يغدو غدوًا؛ إذا خرج صباحًا في مصالحه، وراح؛ إذا رجع بعشي.

ومعنى ذلك: أن كل إنسان يصبح ساعيًا في أموره متصرفًا في أغراضه، ثم إما أن تكون تصرفاته بحسب دواعي الشرع والحق. . فهو الذي يبيع نفسه من الله تعالى، وهو بيع آيل إلى عتق وحرية؛ كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (1)، أو إما أن تكون بحسب دواعي الهوى والشيطان. . فهو الذي باع نفسه من الشيطان فأوبقها؛ أي: أهلكها، ومنه قوله تعالى:{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} (2)، ومنه قول ابن مسعود:(الناس غاديان؛ فبائع نفسه فموبقها، أو مفاديها فمعتقها). رواه الطبراني بإسناد جيد.

(1) سورة التوبة: (111).

(2)

سورة الشورى: (34).

ص: 63

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته: الإمام مسلم في كتاب الطهارة (2)، باب فضل الطهارة والوضوء (1)، رقم الحديث (1)، والترمذي (3517)، والنسائي (5/ 5 - 6) في الزكاة، وابن حبان في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده".

فدرجة الحديث: أنه صحيح، وغرضه بسوقه: الاستدلال به على الترجمة.

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا هذا الحديث.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 64