الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسلم من (حَدِيثه وَحَدِيث ابْن عمر وَلَفظه فِي) حَدِيث ابْن عمر: «وتمكث اللَّيَالِي مَا تصلي وتفطر فِي (شهر) رَمَضَان فَهَذَا نُقْصَان الدَّين» .
رَوَاهُ مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِمثلِهِ، وَانْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ من طَرِيقه وَمن طَرِيق ابْن عمر.
وَوَقع فِي «جَامع المسانيد» لِلْحَافِظِ أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ أَن البُخَارِيّ انْفَرد بِإِخْرَاج حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَهُوَ من طغيان الْقَلَم، وَصَوَابه: أَن مُسلما انْفَرد بِهِ، وَمِمَّا يُؤَكد هَذَا أَنه سَاقه بِسَنَد مُسلم.
الحَدِيث الثَّانِي
قَالَ صلى الله عليه وسلم َ: «تحيضي فِي علم الله سِتا أَو سبعا كَمَا تحيض النِّسَاء ويطهرن» .
هَذَا الحَدِيث أصل عَظِيم فِي الْبَاب، وَعَلِيهِ مَدَاره، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَقد ذكر مِنْهُ قِطْعَة الرَّافِعِيّ بعد هَذَا، فنذكره بِتَمَامِهِ، فَنَقُول: رَوَى الْأَئِمَّة الشَّافِعِي وَأحمد فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم
أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» وَالْبَيْهَقِيّ فِي (كِتَابيه)«الْمعرفَة» و «السّنَن» من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عَقيل - بِفَتْح الْعين - عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن عَمه عمرَان بن طَلْحَة، عَن أمه حمْنَة بنت جحش رضي الله عنها قَالَت: «كنت أسْتَحَاض حَيْضَة كَبِيرَة شَدِيدَة، فَأتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أستفتيه وَأخْبرهُ، فَوَجَدته فِي بَيت أُخْتِي زَيْنَب بنت جحش، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسْتَحَاض حَيْضَة كَثِيرَة (شَدِيدَة) فَمَا تَأْمُرنِي فِيهَا؟ قد منعتني الصَّوْم وَالصَّلَاة. قَالَ: أَنعَت لَك الكرسف، فَإِنَّهُ يذهب الدَّم. قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك؟ (قَالَ: فتلجمي. قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك؟ قَالَ: فاتخذي خرقًا. قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك) إِنَّمَا أثج ثجًّا. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ: سآمرك بأمرين، أَيهمَا صنعت أَجْزَأَ عَنْك، فَإِن قويت عَلَيْهِمَا فَأَنت أعلم، فَقَالَ: إِنَّمَا (هِيَ) ركضة من الشَّيْطَان فتحيضي سِتَّة أَيَّام أَو سَبْعَة أَيَّام فِي علم الله، ثمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذا رَأَيْت أَنَّك قد طهرت واستنقأت فَصلي (أَرْبعا) وَعشْرين لَيْلَة أَو ثَلَاثًا وَعشْرين لَيْلَة وأيامها فصومي وَصلي فَإِن ذَلِك يجزئك، وَكَذَلِكَ فافعلي كَمَا تحيض النِّسَاء، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، وَإِن
قويت عَلَى أَن تؤخري الظّهْر و (تعجلِي) الْعَصْر ثمَّ تغتسلين حتَّى تطهرين، وتصلين الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، ثمَّ تؤخرين الْمغرب وتعجلين الْعشَاء، ثمَّ تغتسلين وتجمعين بَين الصَّلَاتَيْنِ فافعلي، ثمَّ تغتسلين مَعَ الصُّبْح وتصلين، وَكَذَلِكَ فافعلي وصومي إِن قويت عَلَى ذَلِك، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ:« (هُوَ) أعجب الْأَمريْنِ إليّ» هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ.
وَلَفظ البَاقِينَ بِنَحْوِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث (حسن) . قَالَ: وَرَوَاهُ عبيد الله بن (عَمْرو) الرقي وَابْن جريج وَشريك، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن عَمه عمرَان، عَن أمه حمْنَة إِلَّا أَن ابْن جريج يَقُول: عمر بن طَلْحَة. وَالصَّحِيح: عمرَان بن طَلْحَة. قَالَ: وسالت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَنهُ فَقَالَ: (هُوَ) حَدِيث (حسن) . قَالَ: وَهَكَذَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : قد اتّفق الشَّيْخَانِ - يَعْنِي البُخَارِيّ وَمُسلمًا - عَلَى إِخْرَاج حَدِيث الْمُسْتَحَاضَة من حَدِيث الزُّهْرِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة عَن عَائِشَة «أَن فَاطِمَة بنت جحش سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ» وَلَيْسَ فِيهِ
هَذِه الْأَلْفَاظ الَّتِي فِي حَدِيث حمْنَة بنت جحش.
قَالَ: وَرِوَايَة عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وَهُوَ من أَشْرَاف قُرَيْش وَأَكْثَرهم رِوَايَة، غير أَن الشَّيْخَيْنِ لم يحْتَجَّا بِهِ، قَالَ: وَله شَوَاهِد فَذكرهَا.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : اخْتلف عَلَى عبد الله بن عقيل فِيهِ، فَرَوَاهُ أَبُو أَيُّوب الأفريقي عبد الله بن [عَلّي] عَنهُ عَن جَابر وَوهم فِيهِ، وَخَالفهُ (عبيد الله) بن عمر، وَابْن جُرَيْج وعَمرو بن أبي ثَابت وزُهير بن مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى فَرَوَوْه عَن ابْن (عَقيل) ، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن عمرَان بن طَلْحَة، عَن أمه حمْنَة (قَالَ) وَهُوَ الصَّحِيح.
قلت: وَخَالف هَؤُلَاءِ (جمَاعَة) فضعفوه، قَالَ الْخطابِيّ: ترك بعض الْعلمَاء الِاحْتِجَاج بِهِ؛ لِأَن (رَاوِيه) ابْن عقيل لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» : تفرد بِهِ ابْن عقيل وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عَمْرو بن ثَابت، عَن ابْن عقيل فَقَالَ:«قَالَت حمْنَة: و (هُوَ) أعجب الْأَمريْنِ» وَلم يَجعله قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ عَمْرو بن ثَابت رَافِضِيًّا. وَذكره عَن يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» وَمِنْهَا نقلت: سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: هُوَ حَدِيث حسن إِلَّا أَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة هُوَ (قديم) لَا أَدْرِي سمع مِنْهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل أم لَا، وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: هُوَ حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن مَنْدَه الْحَافِظ: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح عِنْدهم بِوَجْه من الْوُجُوه؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن عقيل وَقد أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ، فوهنه وَلم يقو إِسْنَاده. (ورده) أَبُو مُحَمَّد بن حزم بِوُجُوه:
أَحدهَا: الِانْقِطَاع بَين ابْن جريج وَابْن عقيل، وَزعم أَن ابْن جريج لم (يسمعهُ) من ابْن عقيل، بَينهمَا فِيهِ النُّعْمَان بن رَاشد، وَذكره بِسَنَدِهِ وَضعف النُّعْمَان هَذَا.
ثَانِيهَا: (أَنه رَوَاهُ) عَن ابْن عقيل: شريك وَزُهَيْر بن مُحَمَّد، وَكِلَاهُمَا ضَعِيف.
ثَالِثهَا: أَن عمر بن طَلْحَة غير مَخْلُوق وَلَا يعرف لطلْحَة (ابْن اسْمه) عمر، قَالَ: وَرُوِيَ من طَرِيق ابْن أبي أُسَامَة، وَقد ترك حَدِيثه فَسقط الْخَبَر جملَة، وَعَن أبي دَاوُد عَن أَحْمد أَنه قَالَ: فِي هَذَا
الْبَاب حديثان وثالث فِي النَّفس مِنْهُ شَيْء. وَفسّر أَبُو دَاوُد الثَّالِث بِأَنَّهُ حَدِيث حمْنَة هَذَا.
قلت: وَلَك أَن تجيب عَمَّا طعنوا فِيهِ، وَأما ترك بعض الْعلمَاء الِاحْتِجَاج بِهِ فمعارض بتصحيح غَيره لَهُ.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل لَا يقبل؛ فَإِن أَئِمَّة الحَدِيث صححوه، وَهَذَا الرَّاوِي وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِي توثيقه وجرحه فقد صحّح الْحفاظ حَدِيثه هَذَا، وهم أهل هَذَا الْفَنّ، وَقد علم من قاعدتهم فِي حد الحَدِيث الصَّحِيح وَالْحسن أَنه إِذا كَانَ فِي الرَّاوِي بعض الضعْف يجْبر حَدِيثه بشواهد (لَهُ) أَو متابعات وَهَذَا من (ذَلِك) .
وَأما مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ من تفرد ابْن عقيل بِهِ فَجَوَابه أَنه إِذا كَانَ الرَّاجِح توثيقه فَلَا يضر تفرده بِهِ؛ لِأَن تفرد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ لَا يضر، وَقد عرفت حَاله فِي بَاب الْوضُوء، وَقد ذكرنَا آنِفا تَحْسِين أَحْمد وَالْبُخَارِيّ حَدِيثه هَذَا، وَزَاد أَحْمد تَصْحِيحه.
وَأما مَا ذكره أَبُو دَاوُد من أَن عَمْرو بن ثَابت رَوَاهُ عَن ابْن عقيل فَقَالَ: «قَالَت حمْنَة: هَذَا أعجب الْأَمريْنِ (إليَّ) » فَجعله من قَوْلهَا وَلم يَجعله قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ، فَلَا يقْدَح فِيمَا تقدم؛ لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنَّهَا قَالَت ذَلِك بعد قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ عَلَى أَن هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَأحمد وَغَيرهمَا من جِهَة زُهَيْر عَن ابْن عقيل، لَا من جِهَة عَمْرو بن ثَابت.
وَأما قَول يَحْيَى بن معِين أَن عَمْرو بن ثَابت كَانَ رَافِضِيًّا، فمسلّم، لَكِن لم ينْقل أحد أَنه كَانَ دَاعِيَة، نعم هُوَ مَتْرُوك.
وَأما مَا ذكره التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ من توقفه فِي سَماع ابْن عقيل من إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة لقدم إِبْرَاهِيم؛ فَجَوَابه أَن إِبْرَاهِيم هَذَا مَاتَ سنة عشر وَمِائَة فِي قَول أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَعلي بن الْمَدِينِيّ، وَخَلِيفَة بن خياط، وَهُوَ تَابِعِيّ سمع عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَأَبا أسيد السَّاعِدِيّ، و (أَبَا) هُرَيْرَة، وَعَائِشَة.
وَابْن عقيل سمع: عبد الله بن عمر، وَجَابِر بن عبد الله، و (أنسا) وَالربيع بنت معوذ فَلَا يُنكر (إِذا) سَمَاعه من إِبْرَاهِيم لقدمه، وَابْن أبي طَلْحَة من هَؤُلَاءِ فِي الْقدَم، وهم نظراء، وَلَو توقف البُخَارِيّ عَن ذَلِك غير مُعَلل بعلة أَو بعلة أُخْرَى لما توجه الْإِنْكَار عَلَيْهِ عَلَى أَنِّي رَأَيْت بعض (مَشَايِخنَا) يَقُول: إِن فِي صِحَة هَذَا عَن البُخَارِيّ نظرا، لَكِن قد نَقله عَنهُ مثل هَذَا الإِمَام. وَجَوَابه مَا سلف.
وَأما قَول ابْن مَنْدَه فِي ابْن عقيل، فقولة (عَجِيبَة) مِنْهُ، وَقد أنكرها عَلَيْهِ صَاحب «الإِمَام» وَقَالَ: لَيْسَ الْأَمر (كَمَا) ذكره وَإِن
كَانَ بحرًا من بحور هَذِه (الصِّنَاعَة)، فقد ذكر التِّرْمِذِيّ أَن الْحميدِي وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق كَانُوا يحتجون بِحَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وَقَالَ البُخَارِيّ فِيهِ: أَنه مقارب الحَدِيث.
قلت: وَحسن حَدِيثه هَذَا وَصَححهُ كَمَا سلف.
وَأما مَا ذكره ابْن أبي حَاتِم فَلم يبين سَبَب وهنه حتَّى يبْحَث مَعَه (عَنهُ) ، وَلَعَلَّه أَرَادَ (بعض) مَا مَضَى أَو مَا يَأْتِي، وَقد أجبنا عَنهُ.
وَأما رد ابْن حزم بالانقطاع بَين ابْن جريج وَابْن عقيل وَضعف الْوَاسِطَة بَينهمَا، فَجَوَابه أَن التِّرْمِذِيّ وَأَبا دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم رَوَوْهُ من غير طَرِيق ابْن جرير، (فليتصل) طَرِيق ابْن جريج أَو لينقطع، ولتكن الْوَاسِطَة بَينه وَبَين ابْن عقيل ضَعِيفا إِن شَاءَ أَو قويًّا، وَعَلَى تَقْدِير الْوَاسِطَة وَهُوَ النُّعْمَان بن رَاشد، فقد أخرج لَهُ مُسلم وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ وَقَالَ: فِي حَدِيثه وهمٌ كثير وَهُوَ صَدُوق فِي الأَصْل. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: أدخلهُ البُخَارِيّ فِي الضُّعَفَاء، فَسمِعت أبي يَقُول: يحول اسْمه مِنْهُ.
وَأما (تَضْعِيفه) لِشَرِيك فَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، لِأَنَّهُ مخرج لَهُ فِي الصَّحِيح، وَقد انْفَرد بِهَذَا الطَّرِيق ابْن مَاجَه فأخرجها فِي «سنَنه» عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن شريك، عَن ابْن عقيل بِهِ كَمَا تقدم.
وَأما (تَضْعِيفه زهيرًا) وَهُوَ الَّذِي سَاقه من قدمْنَاهُ من طَرِيقه خلا ابْن مَاجَه، فقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» محتجًا بِهِ، وَمُسلم فِي الشواهد، وَقَالَ أَحْمد: هُوَ مُسْتَقِيم الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق وَفِي حفظه شَيْء، وَحَدِيثه بِالشَّام أنكر من حَدِيثه بالعراق. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الصَّغِير» : مَا رَوَى عَنهُ أهل الشَّام فَإِنَّهُ مَنَاكِير، وَمَا (رَوَى) عَنهُ أهل الْبَصْرَة فَإِنَّهُ صَحِيح الحَدِيث. قَالَ الإِمَام أَحْمد: كَأَن الَّذِي رَوَى عَنهُ أهل الشَّام زهيرًا آخر؛ فَقلب اسْمه. وَقَالَ الدَّارمِيّ: ثِقَة صَدُوق وَله أغاليط. وَقَالَ يَحْيَى: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ أهل الشَّام حَيْثُ رووا عَنهُ أخطأوا عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إِذا حدّث عَنهُ أهل الْعرَاق فروايتهم عَنهُ شَبيهَة بالمستقيمة، وَأَرْجُو (أَنه) لَا بَأْس بِهِ.
قلت: وَحَدِيثه هَذَا من رِوَايَة أبي عَامر الْعَقدي عَنهُ، وَهُوَ بَصرِي، فَهَذَا من حَدِيث أهل الْعرَاق وَلَيْسَ من حَدِيث أهل الشَّام.
وَأما إِنْكَاره عمر بن طَلْحَة فقد أسلفنا عَن التِّرْمِذِيّ أَنه لَا يَقُوله فِي هَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا ابْن جريج، وَغَيره يَقُول: عمرَان. وَهُوَ مَا سَاقه التِّرْمِذِيّ وَغَيره مِمَّن (أسلفنا) .
وَأما تَضْعِيفه لِلْحَارِثِ بن أبي أُسَامَة الْحَافِظ صَاحب «الْمسند» فَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَقد تكلم فِيهِ الْأَزْدِيّ (بِلَا) حجَّة، والأزدي مُتَكَلم
فِيهِ، وَلينه بعض البغاددة لكَونه يَأْخُذ عَلَى الرِّوَايَة (أَي أجرا)، قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قد اخْتلف فِيهِ وَهُوَ عِنْدِي صَدُوق. وَقَالَ البرقاني: أَمرنِي الدَّارَقُطْنِيّ أَن أخرج عَنهُ فِي الصَّحِيح. وَخرج عَنهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» .
وَأما تَفْسِير أبي دَاوُد الحَدِيث الثَّالِث - الَّذِي قَالَ فِيهِ أَحْمد مَا أسلفناه عَنهُ - بِأَنَّهُ حَدِيث حمْنَة، فَهُوَ معَارض بِنَقْل التِّرْمِذِيّ عَنهُ أَنه صَححهُ.
فَائِدَة: فِي ضبط أَلْفَاظه ومعانيه، مَعْنَى «أَنعَت (لَك) الكرسف» : أصف (لَك) قيل: النَّعْت وصف الشَّيْء بِمَا فِيهِ من حسن، وَلَا يُقَال فِي الْقبْح إِلَّا أَن يتَكَلَّف متكلف فَيَقُول: نعت سوء.
والكرسف - بِضَم الْكَاف وَالسِّين - الْقطن، وَقد جعل وَصفا فِي حَدِيث «كفن فِي (ثَلَاثَة) أَثوَاب يَمَانِية كُرْسُف» و (هُوَ) من بَاب إبل مائَة (وجبة) ذِرَاع، مِمَّا جعل وَصفا وَإِن لم يكن مشتقًّا.
وَقَوله: «تلجمي» اللجام مَا تشده الْحَائِض. قَالَه الْجَوْهَرِي، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قَالَ (الْخَلِيل) : اللجام مَعْرُوف، فَإِن أخذناه من هَذَا كَانَ مَعْنَاهُ افعلي فعلا يمْنَع سيلان الدَّم واسترساله كَمَا يمْنَع اللجام استرسال الدَّابَّة. ثمَّ نقل عَن بَعضهم أَن اللجمة فِيمَا يُقَال فوهة النَّهر
(قَالَ) : فَإِن صَحَّ هَذَا فَيكون مَعْنَاهُ شدّ اللجمة وَهِي الفوهة الَّتِي ينهر مِنْهَا الدَّم. (قَالَ) وَهَذَا بديع غَرِيب. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب: وَورد فِي هَذَا الحَدِيث «تلجمي واستثفري» - قلت: لم أَقف عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الثَّانِي - ثمَّ ذكر عَن الْهَرَوِيّ احْتِمَالَيْنِ فِي الاستثفار، ثمَّ قَالَ: وَالْمرَاد بالتلجم والاستثفار شَيْء وَاحِد. قَالَ: (وَسَماهُ) الشَّافِعِي التَّعْصِيب أَيْضا.
والثج: السيلان، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:(ثجاجًا) أَي سيّالاً، وَمِنْه الحَدِيث « (أفضل) الْحَج العج والثج» .
والركض: أَصله الضَّرْب بِالرجلِ والإصابة بهَا، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بقوله:«ركضة الشَّيْطَان» الْإِضْرَار بِالْمَرْأَةِ والأذى (لَهَا) بِمَعْنى أَن الشَّيْطَان وجد بذلك سَبِيلا إِلَى (التلبيس) عَلَيْهَا فِي أَمر دينهَا وطهرها وصلاتها حتَّى أَنْسَاهَا بذلك عَادَتهَا، فَصَارَ فِي التَّقْدِير كَأَنَّهُ ركضة (يَا لَهُ) من ركضاته، وَإِضَافَة ذَلِك إِلَى الشَّيْطَان كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:(فأنساه الشَّيْطَان ذكر ربه) وَقيل: هُوَ حَقِيقَة وَأَن الشَّيْطَان ضربهَا حتَّى انْقَطع عرقها.
وَقَوْلها: «تحيضي فِي علم الله» أَي: الزمي الْحيض وَأَحْكَامه فِيمَا
أعلمك الله من عَادَة النِّسَاء، كَذَا (قَالَ) أَصْحَابنَا فِي كتبهمْ، وَالْعلم هُنَا بِمَعْنى (الْمَعْلُوم) .
وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ: فِيمَا (علم) الله من أَمرك من سِتَّة أَو سَبْعَة.
وَقَوله: «كَمَا تحيض النِّسَاء» المُرَاد غَالب النِّسَاء، لِاسْتِحَالَة إِرَادَة النِّسَاء (كُلهنَّ) لاختلافهم.
وَقَوله: «مِيقَات حيضهن» هُوَ (بِنصب التَّاء) عَلَى الظّرْف أَي فِي وَقت حيضهن.
فَائِدَة ثَانِيَة: حمْنَة هَذِه (هِيَ) بنت جحش أُخْت زَيْنَب بنت جحش أم الْمُؤمنِينَ كَمَا تقدم فِي الحَدِيث، كَانَت تَحت مُصعب بن عُمَيْر، فاستشهد عَنْهَا يَوْم أحد فَتَزَوجهَا طَلْحَة بن عبيد الله فَولدت لَهُ مُحَمَّدًا وَعمْرَان، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ فِيمَا حَكَاهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «أَطْرَافه» : بَعضهم يغلط فيروي أَن الْمُسْتَحَاضَة حمْنَة بنت جحش، ويظن أَن كنيتها أم حَبِيبَة وَهُوَ يَعْنِي الْمُسْتَحَاضَة حَبِيبَة أم حبيب. وَكَذَا نقل الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْحَرْبِيّ أَن الصَّوَاب أم حبيب بِغَيْر هَاء وَأَن اسْمهَا حَبِيبَة، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهَذَا صَحِيح، وَكَانَ من أعلم النَّاس بِهَذَا الْبَاب.
وَذكر (الزبير) بن بكار وشباب الْعُصْفُرِي أَنَّهَا حمْنَة، وكناها ابْن الْكَلْبِيّ وَابْن حزم فِي «جمهرتهما» وَابْن عَسَاكِر والمزي: أم حَبِيبَة،
وَذكر الْمزي أَن أَبَا دَاوُد أخرجه من أحد الْوَجْهَيْنِ عَن حَبِيبَة وَهِي حمْنَة، وَأَن ابْن مَاجَه أخرجه من وَجْهَيْن أَحدهمَا عَن حمْنَة، وَالْأُخْرَى عَن أم حَبِيبَة.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : حمْنَة بنت جحش، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هِيَ أم حَبِيبَة. وَخَالفهُ يَحْيَى بن معِين فَزعم أَن الْمُسْتَحَاضَة أم حَبِيبَة بنت جحش تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لَيست بحمنة.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث ابْن عقيل يدل عَلَى أَنَّهَا غَيرهَا كَمَا قَالَ يَحْيَى، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: أم حَبِيبَة بنت جحش كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَكَانَت تستحاض، وَقيل: إِن الْمُسْتَحَاضَة (كَانَت حمْنَة) أُخْتهَا، وَالصَّحِيح عِنْد أهل الحَدِيث أَنَّهُمَا كِلَاهُمَا مستحاضتان، قَالَ: وَبَنَات جحش الثَّلَاث استحضن، زَيْنَب وَأم حَبِيبَة وَحمْنَة.
فَائِدَة ثَالِثَة: اخْتلف الْعلمَاء فِي حمْنَة هَذِه؛ هَل كَانَت مُسْتَحَاضَة مُبتَدأَة أَو مُعْتَادَة؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَاخْتَارَ الْخطابِيّ وجماعات من أَصْحَابنَا أَنَّهَا كَانَت مُبتَدأَة فَردَّتْ إِلَى غَالب عَادَة النِّسَاء، قَالَ الْخطابِيّ: وَيدل لَهُ قَوْله: «كَمَا تحيض النِّسَاء و (يطهرن) » ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِي (فِي «الْأُم» أَنَّهَا كَانَت مُعْتَادَة وأوضح دَلِيله، وَقَالَ: هَذَا أشبه مَعَانِيه وَرجحه الْبَيْهَقِيّ) فِي «الْمعرفَة» وَقَالَ فِي «خلافياته» : إِنَّه الظَّاهِر.