الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَين الْحَدِيثين عَلَى خلاف الأَصْل؛ إِذْ لَا عِبْرَة بِمُجَرَّد التَّرَاخِي. ثمَّ نقُول فِي حَدِيث عبد الله بن زيد: إِنَّمَا فوض الْأَذَان إِلَى بِلَال؛ لِأَنَّهُ كَانَ أندى صَوتا من عبد الله - عَلَى مَا ذكر فِي الحَدِيث - وَالْمَقْصُود من الْأَذَان الْإِعْلَام، وَمن (شَرطه) الصَّوْت، فَكلما كَانَ الصَّوْت أَعلَى كَانَ أولَى، وَأما زِيَاد بن الْحَارِث (فَكَانَ) جَهورِي (الصَّوْت) وَمن صلح للأذان كَانَ للإقامة أصلح، وَهَذَا الْمَعْنى يُؤَكد قَول من قَالَ: من أذن فَهُوَ يُقيم.
الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ
رُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْمُؤَذّن أملك بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَام أملك بِالْإِقَامَةِ) .
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين (أَحدهمَا) : من (حَدِيث) أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء (و) زِيَادَة: (اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة، واغفر للمؤذنين) رَوَاهُ ابْن عدي فِي كَامِله كَذَلِك من حَدِيث شريك بن عبد الله القَاضِي، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة (بِهِ) ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا رَوَاهُ النَّاس عَن الْأَعْمَش بِلَفْظ آخر، وَهُوَ:«الإِمَام ضَامِن» .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : من وثق شَرِيكا وَصحح حَدِيثه لَا يَنْبَغِي أَن يقْدَح هَذَا عِنْده فِيهِ؛ لِأَن هَذِه زِيَادَة لَا تعارضها تِلْكَ الرِّوَايَة.
(ثَانِيهمَا) : من حَدِيث ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (المؤذنون أَحَق بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَام أَحَق بِالْإِقَامَةِ) .
رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ من حَدِيث معارك بن عباد، عَن يَحْيَى بن أبي الْفضل، عَن أبي الجوزاء، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا (بِهِ) ومعارك هَذَا ضعفه غير وَاحِد، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أَحَادِيثه مُنكرَة.
قلت: وَرُوِيَ من طَرِيق ثَالِث مَوْقُوفا عَن عَلّي رضي الله عنه أَنه قَالَ: (الْمُؤَذّن أملك بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَام أملك بِالْإِقَامَةِ) .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (فِي «سنَنه» هَكَذَا) مَوْقُوفا عَن عَلّي رضي الله عنه ثمَّ قَالَ: رَوَى شريك عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ) وَقد أسلفنا (الْكَلَام) عَلَيْهَا أَولا، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب - بِفضل الله وَمِنْه - وَذكر الرَّافِعِيّ فِي آخِره خَاتِمَة مُشْتَمِلَة عَلَى محبوبات الْأَذَان وَلكُل (مِنْهَا) حَدِيث شَاهد بذلك، وَلَيْسَ من شرطي الْخَوْض فِي ذَلِك، لِئَلَّا يصير شرحًا لكتاب الرَّافِعِيّ، وَإِنَّمَا شرطي أَن أعزو مَا صرح بِهِ أَو (أَوْمَأ) إِلَيْهِ.
وَأما آثاره فَأَرْبَعَة:
أَولهَا: عَن ابْن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ: (لَيْسَ عَلَى النِّسَاء أَذَان) .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ بِإِسْنَاد صَحِيح (بِهِ) وَزِيَادَة: (وَلَا إِقَامَة) وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : حَكَى أَصْحَابنَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَيْسَ عَلَى النِّسَاء أَذَان وَلَا إِقَامَة) قَالَ: وَهَذَا لَا نعرفه مَرْفُوعا؛ إِنَّمَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم (وَالشعْبِيّ) وَسليمَان بن يسَار، وَحكي عَن عَطاء أَنه قَالَ:(يقمن) .
قلت: قد جَاءَ مَرْفُوعا من حَدِيث الحكم بن عبد الله الْأَيْلِي (و) رَوَاهُ ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيثه عَن الْقَاسِم، عَن أَسمَاء قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ عَلَى النِّسَاء أَذَان وَلَا إِقَامَة وَلَا جُمُعَة وَلَا اغتسال، وَلَا (تتقدمهن) امْرَأَة، وَلَكِن تقوم فِي وسطهن) (و) لكنه حَدِيث ضَعِيف بِسَبَب الحكم هَذَا؛ فَإِنَّهُ مَتْرُوك مُتَّهم (نسبه) إِلَى الْكَذِب السَّعْدِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ (بِثِقَة) وَلَا مَأْمُون. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء، لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه كلهَا مَوْضُوعَة. وَقَالَ البُخَارِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» هَكَذَا رَوَاهُ الحكم بن عبد الله
الْأَيْلِي، وَهُوَ ضَعِيف.
قَالَ: ورويناه فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة عَن أنس مَرْفُوعا وموقوفًا، وَرَفعه ضَعِيف.
الْأَثر الثَّانِي: عَن عَائِشَة رضي الله عنها «أَنَّهَا كَانَت تؤذن وتقيم» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِزِيَادَة: (وتؤم النِّسَاء وسطهن) .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة قَالَ: (سَأَلت ابْن ثَوْبَان: عَلَى النِّسَاء إِقَامَة؟ فَحَدثني أَن أَبَاهُ حَدثهُ قَالَ: سَأَلت مَكْحُولًا فَقَالَ: إِذا أذنَّ وأقمن فَذَلِك أفضل، وَإِن لم يزدن عَلَى الْإِقَامَة أَجْزَأت عَنْهُن. قَالَ ابْن ثَوْبَان: وَإِن لم يقمن، فَإِن الزُّهْرِيّ حدث عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: كُنَّا نصلي بِغَيْر إِقَامَة) .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إِن صَحَّ مَعَ الأول فَلَا (يتنافيان) لجَوَاز فعلهَا ذَلِك مرّة وَتركهَا أُخْرَى؛ لجَوَاز الْأَمريْنِ جَمِيعًا. قَالَ: وَيذكر عَن جَابر بن عبد الله «قيل (لَهُ) : أتقيم الْمَرْأَة؟ قَالَ: نعم» .
الْأَثر الثَّالِث: عَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ: (لَوْلَا الخليفى لأذنت) .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ:(قدمنَا عَلَى عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فَقَالَ: من (مؤذنكم) ؟ فَقُلْنَا: عبيدنا وموالينا. فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا
(يقلبها) - عبيدنا وموالينا؟ ! إِن ذَلِك بكم لنَقص شَدِيد لَو أطقت الْأَذَان مَعَ الخليفى لأذنت) .
(وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا عَن قيس قَالَ: قَالَ عمر: (لَو كنت أُطِيق الْأَذَان مَعَ الخليفى لأذنت)) .
وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ - عَلَى مَا نَقله صَاحب «الإِمَام» عَنهُ - من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا قَالَ: ثَنَا شبيل بن عَوْف البَجلِيّ أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ: (من مؤذنوكم الْيَوْم؟ قُلْنَا: موالينا وعبيدنا. قَالَ: إِن ذَلِك بكم لنَقص (كَبِير)) قَالَ: وَقَالَ إِسْمَاعِيل: قَالَ: (و) قَالَ عمر: (لَو كنت أُطِيق مَعَ الخليفى لأذنت) وَقَالَ حُصَيْن: حدثت أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: (لَوْلَا أَن يكون سنة مَا أذن غَيْرِي) .
فَائِدَة: الخليفى - بتَشْديد (اللَّام) مَعَ كسر الْخَاء الْمُعْجَمَة مَقْصُور.
وَقيس بن أبي (حَازِم) هَذَا تَابِعِيّ جليل، رَوَى عَن الْعشْرَة، وَلَا يعرف أحد رَوَى عَن الْعشْرَة غَيره، قَالَه ابْن خرَاش الْحَافِظ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لم يسمع ابْن عَوْف. وَذكر الْحَاكِم مَعَ (قيس) هَذَا سعيد بن الْمسيب وَغَيره، وَفِيه نظر لَا يخْفَى، وَاسم أَبِيه: عبد عَوْف
بن الْحَارِث، وَقيل: عَوْف الأحمسي (البَجلِيّ) الْكُوفِي، وَهُوَ من المخضرمين، أدْرك الْجَاهِلِيَّة، وَجَاء ليبايع النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَتوفي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الطَّرِيق، وَقيل فِي المخضرم غير ذَلِك، مِمَّا أوضعته فِي «الْمقنع فِي عُلُوم الحَدِيث» فِي النَّوْع الْأَرْبَعين؛ فَرَاجعه (مِنْهُ) تَجِد غرائب ونفائس لَا تُوجد مَجْمُوعَة فِي غَيره.
الْأَثر الرَّابِع: «أَن عُثْمَان) رضي الله عنه (أَخذ) أَرْبَعَة من المؤذنين، وَلم يزدْ الْخُلَفَاء الراشدون عَلَى هَذَا الْعدَد) .
(و) هَذَا (الْأَمر) مَشْهُور فِي كتب أَصْحَابنَا، وَمِمَّنْ ذكره مِنْهُم صَاحب «الْمُهَذّب» وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ، وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديثه بَيَاضًا، وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» بَاب عدد المؤذنين، وَذكر فِي آخِره زِيَادَة عُثْمَان:(التأذين يَوْم الْجُمُعَة) ثمَّ قَالَ: الْخَبَر ورد فِي التأذين لَا فِي الْمُؤَذّن. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَهُوَ إِذا (أَدخل) فِي الْبَاب غير مَا ترْجم لَهُ، وَفِي «الْمعرفَة» لَهُ عَن (بعض) أَصْحَابنَا أَنه قَالَ: احْتج الشَّافِعِي فِي «الْإِمْلَاء» عَلَى جَوَاز أَكثر من مؤذنين اثْنَيْنِ بِقصَّة عُثْمَان، قَالَ: ومعروف أَنه زَاد فِي عدد المؤذنين فجعلهم) ثَلَاثَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد روينَا فِي حَدِيث السَّائِب بن يزِيد (أَن) التأذين الثَّالِث يَوْم
الْجُمُعَة (إِنَّمَا أَمر بِهِ عُثْمَان حِين كثر أهل الْمَدِينَة إِلَّا أَن أهل الْعلم يَقُولُونَ: المُرَاد بِهِ التأذين الثَّالِث) مَعَ الْإِقَامَة، وَذَلِكَ لِأَن فِي حَدِيث السَّائِب «وَكَانَ التأذين يَوْم الْجُمُعَة حِين يجلس (الإِمَام) » فَالَّذِي زَاد عُثْمَان هُوَ الْأَذَان قبل خُرُوج الإِمَام. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعَلَى هَذَا يدل كَلَام الشَّافِعِي فِي كتاب الْجُمُعَة. قَالَ: وَلَعَلَّه زَاد أَيْضا فِي عدد المؤذنين.
خاتمتان نختم بهما الْبَاب:
(الأولَى) : قَالَ الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب: وَأما الْجمع بَين الْأَذَان [الْإِمَامَة] فَلَا يسْتَحبّ؛ لِأَنَّهُ لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا أَمر بِهِ، وَلَا السّلف الصَّالح بعده، هَذَا لَفظه. وَفِي كَون الرَّسُول لم يفعل ذَلِك نظر؛ فَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يعْلى بن مرّة:(فَأذن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى (رَاحِلَته) وَأقَام (وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته)) ثمَّ قَالَ: غَرِيب.
وَقد أخرجه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالا فِيهِ:(فَأمر الْمُؤَذّن فَأذن وَأقَام) وَقد أوضحت ذَلِك (أكمل إِيضَاح) فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط» فَرَاجعه مِنْهُ.
الثَّانِيَة: قَالَ الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي أثْنَاء مَسْأَلَة الْأَذَان وَالْإِقَامَة أَيهمَا أفضل؟ إِن الْمَنْقُول أَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول فِي تشهده: «أشهد أَنِّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم 2667» ) . وَفِيمَا ذكره نظر؛ فَإِن الْمَنْقُول خِلَافه (وَأَن)(لفظ)(تشهده) : أشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، كَمَا ستعلمه بِطرقِهِ فِي أَوَاخِر بَاب صفة الصَّلَاة عِنْد الْكَلَام عَلَى ذكر التشهدات، وَلَقَد أصَاب النَّوَوِيّ فِي (التَّنْقِيح) شرح الْوَسِيط (حَيْثُ) قَالَ:(كَانَ عليه السلام يَقُول فِي تشهده: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) .