الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَى مثل هَذَا حمل الحَدِيث السائر: (مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة) . وَقيل: المُرَاد التَّقْدِير بِمَعْنى لَو فعل هَكَذَا صَلَّى (و) مَعَه صف من الْمَلَائِكَة يبلغ هَذَا الْمِقْدَار، حَكَاهُمَا ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» ، قَالَ: وَلَعَلَّ المُرَاد بالملكين فِي خبر سعيد بن الْمسيب السَّابِق «الْحفظَة» ؛ لِأَنَّهُمَا حاضران مَعَه فَلَا يحتاجان إِلَى نِدَاء.
الحَدِيث الْخَامِس
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: (حبسنا عَن الصَّلَاة يَوْم الخَنْدَق حَتَّى كَانَ بعد الْمغرب وهويًا من اللَّيْل، فَدَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فَأَقَامَ الظّهْر فَصلاهَا، ثمَّ أَقَامَ الْعَصْر فَصلاهَا، ثمَّ أَقَامَ الْمغرب فَصلاهَا، ثمَّ أَقَامَ الْعشَاء فَصلاهَا، وَلم يُؤذن لَهَا مَعَ الْإِقَامَة) .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن ابْن أبي فديك، (عَن ابْن أبي ذِئْب) عَن المَقْبُري، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أبي سعيد قَالَ:(حبسنا يَوْم الخَنْدَق عَن الصَّلَاة، حَتَّى كَانَ بعد الْمغرب بهوي من اللَّيْل حَتَّى كفيناه، وَذَلِكَ قَول الله - تَعَالَى -: (وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ الله قويًّا عَزِيزًا) فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فَأمره فَأَقَامَ الظّهْر فَصلاهَا فَأحْسن صلَاتهَا كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أَقَامَ الْعَصْر فَصلاهَا كَذَلِك، ثمَّ أَقَامَ الْمغرب فَصلاهَا كَذَلِك (ثمَّ أَقَامَ الْعشَاء فَصلاهَا كَذَلِك) أَيْضا، قَالَ: وَذَلِكَ
قبل أَن ينزل فِي صَلَاة الْخَوْف (فرجالًا أَو ركبانًا) وَهُوَ مخرج فِي «مُسْند الشَّافِعِي» ، و «السّنَن المأثورة» وَالَّتِي رَوَاهَا الْمُزنِيّ عَنهُ أَيْضا.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» (أَيْضا بقريب من هَذَا اللَّفْظ وَبِنَحْوِ من رِوَايَة الرَّافِعِيّ وَرِوَايَة النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» ) عَن عَمْرو بن عَلّي، عَن يَحْيَى، (عَن) ابْن أبي ذِئْب بِالْإِسْنَادِ قَالَ:(شغلنا الْمُشْركُونَ يَوْم الخَنْدَق عَن صَلَاة الظّهْر حَتَّى غربت الشَّمْس، وَذَلِكَ قبل أَن ينزل فِي الْقِتَال، فَأنْزل الله - تَعَالَى -: (وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال (فَأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فَأذن لِلظهْرِ فَصلاهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أذن للعصر فَصلاهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أذن للمغرب فَصلاهَا فِي وَقتهَا) ، كَذَا نقلته من أصل أصيل (لكتاب) النَّسَائِيّ، وَوَقع لعبد الْحق والنَّوَوِيّ اخْتِلَاف فِي النَّقْل عَنهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : ورواة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات؛ فقد احْتج مُسلم بِعَبْد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وسائرهم مُتَّفق عَلَى عدالتهم.
قلت: لَا جرم أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن شَيْخه ابْن خُزَيْمَة، نَا مُحَمَّد بن بشار، نَا يَحْيَى بن سعيد، عَن ابْن أبي ذِئْب، نَا سعيد المَقْبُري، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أَبِيه قَالَ:(حبسنا يَوْم الخَنْدَق حَتَّى كَانَ بعد الْمغرب وَذَلِكَ قبل أَن ينزل الْقِتَال، فَلَمَّا كفينا [فِي] الْقِتَال - وَذَلِكَ قَول الله - تَعَالَى -: (وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ الله قويًّا عَزِيزًا) - أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فَأَقَامَ الظّهْر (فَصَلى) كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أَقَامَ الْعَصْر (فَصَلى) كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أَقَامَ الْمغرب (فَصَلى) كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا» وَذكره ابْن السكن أَيْضا (فِي «صحاحه» .
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : وَرَوَى أَبُو عَلّي الزَّعْفَرَانِي، عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ) فِي كِتَابه الْقَدِيم: أَنا غير وَاحِد، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن المَقْبُري
…
وَذكر الحَدِيث، لَكِن قَالَ: (بعد الْعشَاء بهوي من اللَّيْل، فَأمر بِلَالًا فَأذن فَأَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أمره فَأَقَامَ فَصَلى الْعَصْر
…
) وَذكر بَاقِي الحَدِيث. قَالَ: فقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن ابْن أبي ذِئْب فِي الْأَذَان لِلظهْرِ، والأثبت (عَنهُ) مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» .
قلت: لَكِن لَهُ شَاهد عَلَى الْأَذَان رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث مُؤَمل، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق، عَن مُجَاهِد، عَن جَابر بن عبد الله:(أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم شغل يَوْم الخَنْدَق عَن صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء، فَأمر بِلَالًا فَأذن وَأقَام فَصَلى الظّهْر، ثمَّ (أمره) فَأَقَامَ فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ أمره (فَأذن وَأقَام) فَصَلى الْمغرب، ثمَّ أمره فَأذن وَأقَام فَصَلى الْعشَاء، ثمَّ قَالَ: مَا عَلَى وَجه الأَرْض قوم يذكرُونَ الله هَذِه السَّاعَة غَيْركُمْ) (ثمَّ)) قَالَ الْبَزَّار: هَذَا حَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن جَابر بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقد اخْتلف عَن مُجَاهِد فَرَوَاهُ مُؤَمل من حَدِيث عبد الْكَرِيم عَنهُ، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن عبد الله، وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ رَوَاهُ عَن حَمَّاد بن سَلمَة بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا مُؤَمل.
قلت: وَقد ضعفه أَبُو حَاتِم، وَعبد الْكَرِيم كذب وَترك، وَأخرج لَهُ (خَ) تَعْلِيقا، و (م) مُتَابعَة، و (ت، ق) وَله (شَاهد ثَانِي) من
حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن ابْن مَسْعُود (قَالَ) :(شغل الْمُشْركُونَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم الخَنْدَق عَن الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء، (فَأمر) بِلَالًا فَأذن وَأقَام فَصَلى الظّهْر، وَأذن وَأقَام فَصَلى الْعَصْر، وَأذن وَأقَام فَصَلى الْمغرب) . وَذكر الْعشَاء أَيْضا.
وَرَوَاهُ أَحْمد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي عُبَيْدَة (بن) مَسْعُود، عَن أَبِيه:«أَن (الْمُشْركين) شغلوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن أَربع صلوَات حَتَّى ذهب من اللَّيْل مَا شَاءَ الله، فَأمر بِلَالًا فَأذن (و) أَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْمغرب، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعشَاء» .
قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْس إِلَّا أَن أَبَا عُبَيْدَة لم يسمع من عبد الله - يَعْنِي فَيكون مُنْقَطِعًا.
تَنْبِيهَات: أَحدهَا: (يجمع) بَين هَذَا الِاخْتِلَاف فِي حَدِيث أبي سعيد وَابْن مَسْعُود بِتَعَدُّد الْوَاقِعَة؛ فَإِن أَيَّام الخَنْدَق كَانَت خَمْسَة عشر يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي.
ثَانِيهَا: كَانَ فَوَات هَذِه الصَّلَوَات (الِاشْتِغَال) بِالْقِتَالِ، وَذَلِكَ قبل نزُول آيَة الْخَوْف كَمَا سلف، وَالْمرَاد بشغله عَن صَلَاة الْعشَاء كَمَا