الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الرَّافِعِيّ: أَخْرجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد تقدم بَيَانه وَاضحا فِي أول بَاب الْغسْل، وَذكر بعضه المُصَنّف فِي أَوَائِل الْبَاب وَهُوَ الحَدِيث الثَّالِث مِنْهُ.
وَذكر فِي أثْنَاء الْبَاب أَنه رُوِيَ: «فَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وَصلي» وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجهَا البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن عَائِشَة «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش كَانَت تستحاض فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَ: ذَلِك عرق وَلَيْسَت بالحيضة، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وَصلي» .
فَائِدَة: الْعرق بِكَسْر الْعين وَإِسْكَان الرَّاء، هَذَا الْعرق يُقَال لَهُ العاذل - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة - قَالَه الْأَزْهَرِي.
وَحَكَى ابْن سَيّده إهمالها وَبدل اللَّام رَاء، وَهَذَا الْعرق (فَمه) فِي أدنَى الرَّحِم، وَمَعْنى «إِنَّمَا ذَلِك عرق» : أَي دم عرق.
(الحَدِيث) التَّاسِع عشر
أَنه عليه السلام قَالَ لَهَا: «إِن دم الْحيض أسود يعرف، وَإِن لَهُ رَائِحَة، فَإِذا كَانَ ذَلِك فدعي الصَّلَاة، وَإِذا كَانَ الآخر فاغتسلي وَصلي» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» من
حَدِيث عُرْوَة بن الزبير، عَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش «أَنَّهَا كَانَت تستحاض فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: إِذا كَانَ دم الْحيض فَإِنَّهُ دم أسود يعرف، فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة، فَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي» .
هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ مثله إِلَّا أَنه قَالَ بعد «فتوضئي» :«فَإِنَّمَا هُوَ عرق» وَلم يذكر: «وَصلي» .
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن دم الْحيض أسود يعرف، فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة، فَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي» .
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرُوِيَ عَن الْعَلَاء بن الْمسيب وَشعْبَة، عَن الحكم، عَن أبي جَعْفَر، قَالَ الْعَلَاء: عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ. وَأَوْقفهُ شُعْبَة « (تَوَضَّأ) لكل صَلَاة» .
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ أبي دَاوُد سَوَاء، وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» بِزِيَادَة (بعد) «وَصلي» :«فَإِنَّمَا ذَلِك عرق» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» فِي كتاب النِّكَاح: إِنَّه حَدِيث صَحِيح.
وَقَالَ ابْن الصّلاح: حَدِيث (مُحْتَج) بِهِ.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إلمامه» بعد أَن عزاهُ إِلَى رِوَايَة النَّسَائِيّ: رِجَاله رجال مُسلم.
وَخَالف ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» لَهُ: هُوَ فِيمَا أرَى مُنْقَطع، لِأَنَّهُ يرْوَى عَن عُرْوَة، عَن فَاطِمَة. وَعَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، عَن فَاطِمَة. قَالَ: وَلَو صَحَّ أَن عُرْوَة سمع من فَاطِمَة لم (يَقع) ذَلِك فِي الأول لإدخال عُرْوَة (بَينهَا) وَبَينه (فِيهِ) عَائِشَة.
قَالَ: وَزعم ابْن حزم أَن عُرْوَة أدْرك فَاطِمَة وَلم يستبعد أَن (يسمعهُ) من خَالَته وَمن ابْنة عَمه. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي غير صَحِيح. قَالَ: وَقد يظنّ السماع مِنْهَا لحَدِيث الْمُنْذر بن الْمُغيرَة عَن عُرْوَة أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش حدثته «أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فشكت إِلَيْهِ الدَّم فَقَالَ لَهَا: إِنَّمَا ذَلِك عرق، فانظري
…
» الحَدِيث.
وَهَذَا لَا يَصح (مِنْهُ) سَمَاعه مِنْهَا للْجَهْل بِحَال الْمُنْذر بن الْمُغيرَة، قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول لَيْسَ بالمشهور. وَفِي حَدِيث آخر سَمَاعه مِنْهَا عَلَى الشَّك. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن فَاطِمَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ لَهَا: «إِذا رَأَيْت الدَّم الْأسود فأمسكي عَن الصَّلَاة، وَإِذا كَانَ الْأَحْمَر
فتوضئي» فَقَالَ: لم يُتَابع مُحَمَّد بن عَمْرو عَلَى هَذِه الرِّوَايَة وَهُوَ مُنكر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أغرب مُحَمَّد بن عَمْرو عَن الزُّهْرِيّ بِهَذِهِ اللَّفْظَة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: فَاسد الْإِسْنَاد لم يروه إِلَّا ابْن (عَمْرو) ، وَقد أَنْكَرُوا عَلَيْهِ.
وَأما رِوَايَة الإِمَام الرَّافِعِيّ بعد قَوْله «يعرف» : «وَأَن لَهُ رَائِحَة» فَلم أرها فِي شَيْء من كتب الحَدِيث، وَذكرهَا فِي أثْنَاء الْبَاب بِلَفْظ:«لَهُ رَائِحَة (تعرف) » ، وَهَذَا هَكَذَا لَا يعرف.
قَالَ: وَورد فِي صفته أَنه أسود محتدم بحراني ذُو دفعات.
قلت: (وَتبع) فِي إِيرَاد هَذَا الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ ذكره فِي «وسيطه» وَتبع فِي ذَلِك الإِمَام فِي «نهايته» ، وَفِي «تَارِيخ الْعقيلِيّ» نَحوه من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت:«دم الْحيض أَحْمَر بحراني، وَدم الِاسْتِحَاضَة كغسالة اللَّحْم» .
قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الصّلاح عَن رِوَايَة الْغَزالِيّ وإمامه: إِنَّهَا ضَعِيفَة لَا تعرف. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط أَيْضا قَالَ - وَيَعْنِي حَدِيث فَاطِمَة، ثمَّ سَاق الحَدِيث السالف عَن رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَعَزاهُ (إِلَى) ابْن مَاجَه أَيْضا، وَإِنَّهُم رَوَوْهُ بأسانيد صَحِيحَة -: وَذكر الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» تبعا للْإِمَام زِيَادَة فِي حَدِيث فَاطِمَة وَهِي: «عرق انْقَطع» وَأنكر وجود هَذِه الزِّيَادَة وَهِي «انْقَطع»
ابنُ الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» وَهُوَ غَرِيب مِنْهُم، فَهَذِهِ اللَّفْظَة صَحِيحَة مَوْجُودَة فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» وَالْبَيْهَقِيّ وصحيح الْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. و «خلافيات» الْبَيْهَقِيّ أَيْضا لكنه لينه، وَقد أوضحت ذَلِك كُله فِي تخريجي لأحاديث «الْوَسِيط» (فارحل إِلَيْهِ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَورد فِي دم الِاسْتِحَاضَة) أَنه أَحْمَر رَقِيق مشرق. قلت: الَّذِي أعلمهُ فِي صفة دم الِاسْتِحَاضَة مَا أسلفته عَن عَائِشَة، وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث (عبد الْملك)، عَن الْعَلَاء قَالَ: سَمِعت مَكْحُولًا يَقُول: عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: «دم الْحيض أسود خاثر تعلوه حمرَة، وَدم الِاسْتِحَاضَة أصفر رَقِيق» .
وَفِي رِوَايَة للدارقطني: «دم الْحيض لَا يكون إِلَّا دَمًا أسود عبيطًا يعلوه حمرَة، وَدم الِاسْتِحَاضَة رَقِيق يعلوه صفرَة» .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: عبد الْملك هَذَا مَجْهُول، والْعَلَاء هُوَ ابْن كثير ضَعِيف فِي الحَدِيث، وَمَكْحُول لم يسمع من أبي أُمَامَة شَيْئا، أَنا بذلك
أَبُو بكر الْفَقِيه عَن الدَّارَقُطْنِيّ (قلت: الْعَلَاء لم ينْسب فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ)«هُوَ ابْن كثير» وَإِقْرَار الْبَيْهَقِيّ لَهُ عَلَى ذَلِك يُعَارضهُ أَن الطَّبَرَانِيّ رَوَى هَذَا الحَدِيث وَفِيه الْعَلَاء بن الْحَارِث.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن الْعَلَاء بن الْحَارِث فَقَالَ: ثِقَة لَا أعلم أحدا من أَصْحَاب مَكْحُول أوثق مِنْهُ. قَالَ: وحَدَّثَني أبي سَمِعت دحيمًا وَذكر الْعَلَاء بن الْحَارِث فقدمه وَعظم شَأْنه. وَقَالَ: رَوَى الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» نعم كَانَ يرَى الْقدر.
وَأما ابْن طَاهِر الْحَافِظ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «تَذكرته» عقب هَذَا الحَدِيث: الْعَلَاء هَذَا يروي الموضوعات. قَالَ: وَمن أَصْحَابنَا من زعم أَنه الْعَلَاء بن الْحَارِث، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن الْعَلَاء بن الْحَارِث حضرمي من الْيمن، وَهَذَا مولَى بني أُميَّة، وَذَاكَ صَدُوق، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث.
قلت: يُقَوي هَذَا مَا ذكره الحافظان وَالله أعلم.
تَنْبِيه: وهم صَاحب (التنقيب عَلَى الْمُهَذّب) فَادَّعَى أَن حَدِيث فَاطِمَة الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ أَولا وَهُوَ «أَن دم الْحيض (أسود) يعرف» أخرجه مُسلم (من) حَدِيث فَاطِمَة (فِيهِ) وَفِي البُخَارِيّ (بِغَيْر) هَذَا
اللَّفْظ كَمَا أسلفناه قبل ذَلِك.
فَائِدَة: الْأسود، قد فسره الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب بِأَنَّهُ الَّذِي يعلوه حمرَة متراكبة فَيضْرب من ذَلِك إِلَى السوَاد.
والمحتدم - بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ - كَمَا (قَيده) النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (قَالَ) وَهُوَ مَأْخُوذ من احتدام النَّهَار، وَهُوَ اشتداد حره. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: هُوَ الَّذِي يلْدغ الْبشرَة، ويحرقها لحدته، وَيخْتَص برائحة كريهة. قَالَ: وَقيل: هُوَ الضَّارِب إِلَى السوَاد. قَالَ: وَدم الِاسْتِحَاضَة رَقِيق (لَا احتدام) فِيهِ يضْرب إِلَى الشقرة أَو الصُّفْرَة، وَلذَلِك سمي مشرقًا، (وَالْمَشْهُور فِي كتب اللُّغَة أَن المحدوم هُوَ الَّذِي اشتدت حمرته حتَّى اسود، الْفِعْل مِنْهُ احتدم) .
وَقَوله: «ذُو دفعات» هُوَ بِضَم الدَّال وَفتحهَا، وَالضَّم أَجود، وَهُوَ اسْم للمدفوع، وبالفتح اسْم للمرة الْوَاحِدَة.
والبحراني: هُوَ (الشَّديد) الْحمرَة، ( [قَالَه] الرَّافِعِيّ ثمَّ حَكَى عَن صَاحب «الغريبين» أَنه يُقَال (بحراني وباحراني) أَي شَدِيد الْحمرَة أَي نِسْبَة إِلَى الْبَحْر لصفاء لَونه، بِخِلَاف دم الْفساد) .