الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كَانَ) لَهُ مؤذنان أَرَادَ الَّذين كَانَا يؤذنان بِالْمَدِينَةِ، وَمن قَالَ: ثَلَاثَة أَرَادَ أَبَا مَحْذُورَة الَّذِي كَانَ يُؤذن بِمَكَّة.
قلت: وَله مُؤذن رَابِع، وَهُوَ سعد الْقرظ (بقباء) وَهُوَ مَشْهُور فِي السّير.
الحَدِيث الْحَادِي بعد (الثَّلَاثِينَ)
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَو يعلم النَّاس مَا فِي النداء والصف الأول (ثمَّ) لم يَجدوا إِلَّا أَن يستهموا عَلَيْهِ؛ (لاستهموا عَلَيْهِ)) .
هَذَا (الحَدِيث) مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه (بِهِ) سَوَاء، وَزِيَادَة:(وَلَو يعلمُونَ مَا فِي التهجير لَاستبقوا إِلَيْهِ، وَلَو يعلمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح لأتوهما وَلَو حبوًا) .
التهجير: التبكير، وَالْمرَاد هُنَا: التبكير إِلَى الصَّلَاة.
الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ
عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي رضي الله عنه قَالَ: (أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن أؤذن فِي صَلَاة الْفجْر، فَأَذنت، فَأَرَادَ بِلَال أَن يُقيم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن أَخا صداءٍ قد أذن، وَمن أذن فَهُوَ يُقيم) .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم الأفريقي، عَن زِيَاد بن نعيم الْحَضْرَمِيّ، عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لِلتِّرْمِذِي وَابْن مَاجَه، وَلَفظ أَحْمد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (أذن يَا أَخا صداء. قَالَ: فَأَذنت، وَذَلِكَ حِين أَضَاء الْفجْر، فَلَمَّا تَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ إِلَى الصَّلَاة، فَأَرَادَ بِلَال أَن يُقيم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يُقيم أَخُو صداء؛ فَإِن من أذن فَهُوَ يُقيم) .
وَلَفظ أبي دَاوُد: عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي قَالَ: (لما كَانَ أول أَذَان الصُّبْح أَمرنِي - يَعْنِي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَذنت فَجعلت أَقُول: أقيم يَا رَسُول الله؟ فَجعل ينظر (إِلَى) نَاحيَة الْمشرق - إِلَى الْفجْر - فَيَقُول: لَا. حَتَّى إِذا طلع الْفجْر نزل فبرز، ثمَّ انْصَرف إِلَيّ وَقد تلاحق أَصْحَابه - يَعْنِي: فَتَوَضَّأ - فَأَرَادَ بِلَال أَن يُقيم، فَقَالَ لَهُ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم: إِن أَخا صداء هُوَ أذن؛ وَمن أذن فَهُوَ يُقيم. قَالَ: فأقمت) .
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث (إِنَّمَا)(يعرف) من حَدِيث الأفريقي وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث، ضعفه يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَغَيره. وَقَالَ أَحْمد: لَا أكتب حَدِيثه. قَالَ: وَرَأَيْت مُحَمَّد
بن إِسْمَاعِيل يُقَوي أمره وَيَقُول: هُوَ مقارب الحَدِيث. قَالَ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم أَن من أذن فَهُوَ يُقيم. وَنقل النَّوَوِيّ عَن الْبَغَوِيّ تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث أَيْضا (وَسَببه) الطعْن فِي عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الأفريقي الْمَذْكُور - كَمَا قدمْنَاهُ عَن التِّرْمِذِيّ - وَقد ضعفه مَعَ من تقدم النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب فرض التَّشَهُّد: ضعفه الْقطَّان وَابْن مهْدي وَابْن معِين وَابْن حَنْبَل وَغَيرهم. وَقَالَ فِي بَاب عتق أُمَّهَات الْأَوْلَاد: ضَعِيف.
وَقَالَ ابْن حبَان: إِنَّه يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، وَيُدَلس عَن مُحَمَّد (بن) سعيد المصلوب. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» (فِي) حَدِيث لَا صَلَاة بعد الْفجْر إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر: هَالك، وَقد أسلفت ذَلِك هُنَاكَ. وَقَالَ:(هَذَا) الْأَثر الْمَرْوِيّ: (إِنَّمَا يُقيم من أذن) إِنَّمَا جَاءَ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم، وَهُوَ هَالك.
قلت: قد أخرجه أَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب (الْأَذَان) من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا، وَلَيْسَ فِيهِ الأفريقي (و) الأفريقي قد وَثَّقَهُ جمَاعَة، كَمَا (أسلفت) ذَلِك عَنْهُم فِي الحَدِيث السَّابِع (بعد)
الْأَرْبَعين (من) من كتاب الصَّلَاة، وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: سَمِعت يَحْيَى الْقطَّان يَقُول: عبد الرَّحْمَن بن [زِيَاد] ثِقَة. وَهَذَا خلاف مَا نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ من تَضْعِيفه لَهُ، وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد: إِنَّمَا تكلم النَّاس فِي عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم، وضعفوه؛ لِأَنَّهُ رَوَى عَن مُسلم بن يسَار فَقيل لَهُ: أَيْن رَأَيْت مُسلم بن يسَار؟ ! فَقَالَ: بإفريقية. فكذبه النَّاس وضعفوه، وَقَالُوا: مَا دخل مُسلم بن يسَار إفريقية قطّ! - يعنون: الْبَصْرِيّ - وَلم يعلمُوا أَن مُسلم بن يسَار آخر يُقَال لَهُ: أَبُو عُثْمَان الطنبذي، وطنبذ بطن من الْيمن، وَعنهُ رَوَى، وَكَانَ (الأفريقي) رجلا صَالحا، قَالَ ابْن يُونُس: هُوَ أول مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام بإفريقية. وَاعْترض الْمُنْذِرِيّ عَلَى قَوْله فِي طنبذ (أَنَّهَا) بطن من الْيمن؛ فَقَالَ: فِيهِ نظر، وَإِنَّمَا هِيَ قَرْيَة من قرَى مصر من أَعمال البهنسا، وَهِي بِضَم الطَّاء، ثمَّ نون سَاكِنة، ثمَّ بَاء مَضْمُومَة ثمَّ ذال مُعْجمَة مَكْسُورَة. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» : هُوَ من أهل الْعلم والزهد بِلَا خلاف، وَكَانَ من النَّاس من يوثقه، وَلَكِن الْحق أَنه ضَعِيف بِكَثْرَة رِوَايَة الْمُنْكَرَات، وَهُوَ أَمر يعتري الصَّالِحين (كثيرا) لقلَّة نقدهم للرواة (وَلذَلِك) قيل: لم نر الصَّالِحين فِي شَيْء أكذب مِنْهُم فِي الحَدِيث.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» : الأفريقي هَذَا غمزه بَعضهم فِي الحَدِيث، وَوَثَّقَهُ أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ وَآخَرُونَ. (قَالَ) : وَهُوَ قَاضِي إفريقية، وَكَانَ (عابدًا) قوالًا بِالْحَقِّ، ورد بَغْدَاد عَلَى أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وشكا عماله وخشن لَهُ فِي القَوْل. وعلق الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» القَوْل (فِي) هَذَا الحَدِيث؛ فَقَالَ: إِن ثَبت كَانَ أولَى مِمَّا رُوِيَ فِي حَدِيث عبد الله بن زيد - يَعْنِي: الْآتِي - (أَن بِلَالًا أذن، فَقَالَ عبد الله: يَا رَسُول الله، إِنِّي أرَى الرُّؤْيَا وَيُؤذن بِلَال! فَقَالَ: أقِم أَنْت) لما فِي إِسْنَاده وَمَتنه من الِاخْتِلَاف، وَأَنه كَانَ فِي أول شرع الْأَذَان، وَحَدِيث الصدائي كَانَ بعد.
قلت: وَقواهُ جمَاعَة، (وَصرح جمَاعَة بِهِ) قَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ) الضُّعَفَاء) : إِسْنَاده صَالح. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «ناسخه ومنسوخه» : هَذَا حَدِيث حسن. (و) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي (كتاب)«الْأَعْلَام» : إِنَّه حَدِيث ثَابت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وَهَذِه الْعبارَة لَا أسلمها (لَهُ) وَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» : إِن قيل فِي (الْإِسْنَاد) الأفريقي، وَهُوَ ضَعِيف.
(قُلْنَا) : قد قوى أمرَه البخاريُ، وَقَالَ: هُوَ مقارب الحَدِيث.
وَلَا نسلم لَهُ ذَلِك أَيْضا؛ فقد ذكره هُوَ فِي «ضُعَفَائِهِ» كَمَا أسلفنا ذَلِك عَنهُ فِي الْموضع السالف، وَالْأَقْرَب ضعفه، وَفِي حسنه وَقْفَة، وَالله أعلم.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ عَلَى أَنه إِذا أذن جمَاعَة عَلَى التَّرْتِيب؛ فَالْأول أولَى بِالْإِقَامَةِ، (فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِذا انْتَهَى الْأَمر إِلَى الْإِقَامَة فَإِذا أذنوا عَلَى التَّرْتِيب؛ فَالْأول أولَى بِالْإِقَامَةِ) ، ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَلَيْسَ مطابقًا لما ادَّعَاهُ؛ إِذْ هُوَ دَلِيل عَلَى (أَن) من أذن وَحده (يُقيم) وَلَا يلْزم من إِقَامَة من انْفَرد بِالْأَذَانِ انْفِرَاد من أذن (أَولا) بِالْإِقَامَةِ، وَفِي حَدِيث عبد الله بن زيد الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ بعد هَذَا النّظر؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تعدد الْأَذَان، وإِنَّمَا فِيهِ انْفِرَاد وَاحِد بِهِ وَالْآخر بِالْإِقَامَةِ، فتفطن لَهُ.
ثَانِيهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: (و) إِذا سبق غير الْمُؤَذّن الرَّاتِب وَأذن فَهَل يسْتَحق ولَايَة الْإِقَامَة؟ فِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: نعم؛ لإِطْلَاق الْخَبَر (وأظهرهما) لَا؛ لِأَنَّهُ مسئ (بالتقدم) وَفِي الْقِصَّة المروية كَانَ بِلَال غَائِبا، وَزِيَاد أذن بِإِذن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم انْتَهَى.
وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ: لم يكن
بِلَال حَاضرا حِينَئِذٍ و (زَاد) أَن أَذَان زِيَاد كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح فِي السّفر. وَهُوَ كَمَا قَالَا؛ فقد رَوَى ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» من حَدِيث خَلاد بن يَحْيَى، نَا سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد، عَن زِيَاد بن نعيم الْحَضْرَمِيّ، عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي قَالَ:(كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأمرنِي فَأَذنت (للفجر) فجَاء بِلَال ليقيم، فَقَالَ عليه السلام: يَا بِلَال، إِن أَخا صداء أذن، وَمن أذن فَهُوَ يُقيم) .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: (كنت مَعَه فِي سفر فَحَضَرت صَلَاة الصُّبْح، فَقَالَ لي: أذن يَا أَخا صداء. وَأَنا عَلَى رَاحِلَتي) وَفِي لفظ لَهُ: (فَلَمَّا (تحين) الصُّبْح أَمرنِي فَأَذنت، ثمَّ قَالَ: يَا أَخا صداء، مَعَك مَاء؟ قلت: نعم، وَجَاء بِلَال ليقيم، فَقَالَ عليه السلام: إِن أَخا صداء أذن، وَمن أذن فَهُوَ يُقيم) .
وَرَوَى ابْن شاهين فِي (ناسخه ومنسوخه) وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» والعقيلي فِي «ضُعَفَائِهِ» من حَدِيث سعيد بن رَاشد الْمَازِني، نَا عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عمر رضي الله عنه (أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي
مسير (لَهُ) فَحَضَرت الصَّلَاة فَنزل الْقَوْم فطلبوا بِلَالًا، فَلم يجدوه، فَقَامَ رجل فَأذن ثمَّ جَاءَ بِلَال. فَقَالَ الْقَوْم: إِن رجلا قد أذن، فَسكت الْقَوْم هونا ثمَّ إِن بِلَالًا أَرَادَ أَن يُقيم، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: مهلا يَا بِلَال؛ فَإِنَّمَا يُقيم من أذن) وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْمُبْهم هُوَ الصدائي السالف. و (ابْن) رَاشد هَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي كتاب «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» : سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: ضَعِيف الحَدِيث (مُنكر الحَدِيث) . وَقَالَ فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْأنْصَارِيّ، عَن سعيد بن رَاشد، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم:(من أذن فَهُوَ يُقيم) قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَسَعِيد ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ مرّة:(مَتْرُوك) . وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: سعيد هَذَا يروي: (من أذن فَهُوَ يُقيم)(و) لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ (والرازي) : مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن عدي: لَا يُتَابِعه عَلَى رواياته أحد. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بالمعضلات. قَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» : وَقد رُوِيَ هَذَا الْمَتْن بِغَيْر هَذَا الْإِسْنَاد - أَعنِي: رِوَايَة ابْن عمر - من وجهٍ صَالح، وَقد أسلفنا ذَلِك عَنهُ، وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَن بِلَالًا كَانَ فِي حَاجَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَظَاهر مَا (ذَكرْنَاهُ) بل صَرِيحه أَنه لم يصدر من بِلَال