الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَأَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رفع يَدَيْهِ (حِين) دخل فِي الصَّلَاة كبر وصفهما حِيَال أُذُنَيْهِ، ثمَّ التحف بِثَوْبِهِ، ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا (أَرَادَ) أَن يرْكَع أخرج يَده من الثَّوْب، ثمَّ (رفعهما) ثمَّ كبر فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: سمع الله لمن حَمده (رفع) يَدَيْهِ، فَلَمَّا سجد (سجد بَين) كفيه) .
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من طرق عَنهُ فِي بَعْضهَا: «وَكبر) وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى حاذتا أُذُنَيْهِ وَفِي بَعْضهَا (فَرفع) يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْت (إبهاميه) قَرِيبا من أُذُنَيْهِ) .
الحَدِيث التَّاسِع
رُوِيَ (أنَّه صلى الله عليه وسلم رفع يَدَيْهِ إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ) .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ:(رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يرفع إبهاميه فِي الصَّلَاة إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ) .
وَهُوَ مُنْقَطع، عبد الْجَبَّار لم يسمع من أَبِيه، وَقيل: إِنَّه ولد بعد أَبِيه بِسِتَّة أشهر، وَقد سلف ذَلِك فِي بَاب الْأَذَان.
وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث وَائِل أَيْضا رَفعه: (إِذا صليت فَاجْعَلْ يَديك حذاء أذنيك، وَالْمَرْأَة تجْعَل يَديهَا حذاء ثدييها) .
تَنْبِيه:
قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي وَقت رفع الْيَدَيْنِ أوجه، أَحدهَا: أَنه يرفع غير مكبر ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير مَعَ ابْتِدَاء الْإِرْسَال (وَيَنْتَهِي) مَعَ انتهائه (و) رُوِيَ ذَلِك عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
ثَانِيهَا: أَنه يَبْتَدِئ الرّفْع مَعَ ابْتِدَاء التَّكْبِير، وَيروَى ذَلِك عَن وَائِل بن حجر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
ثَالِثهَا: أَنه يرفع غير مكبر، ثمَّ يكبر ويداه قاربان، ثمَّ يرسلهما فَيكون التَّكْبِير بَين الرّفْع والإرسال، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. هَذَا آخر كَلَامه.
فَأَما حَدِيث أبي حميد فسأذكره بعد - إِن شَاءَ الله - وَأما حَدِيث وَائِل وَابْن عمر، فقد عَرفته آنِفا، وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ، عَن الشَّافِعِي أَنه أَخذ بِأَحَادِيث الرّفْع إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ قَالَ:(لِأَنَّهَا) أثبت إِسْنَادًا، وَأكْثر عددا، وَالْعدَد أولَى بِالْحِفْظِ من الْوَاحِد.
فصل فِيمَا وصل إِلَيْنَا من الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْأَمَاكِن الَّتِي يسْتَحبّ فِيهَا رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة عَلَى وَجه الِاخْتِصَار.
فَإِنَّهُ قد شغب فِي (زَمَاننَا) فِي ذَلِك شغب، وأثار فتْنَة فَتعين إِيضَاح ذَلِك، وَالْمَسْأَلَة مُفْردَة بالتصنيف لخلق من الْحفاظ (قد ذكر) الرَّافِعِيّ (حَدِيث ابْن عمر الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقد سلف بِطُولِهِ وبذكر الرّفْع) فِي الِافْتِتَاح وَعند الرُّكُوع وَعند الرّفْع.
قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ - وَكَانَ أعلم (أهل) زَمَانه -: حق عَلَى الْمُسلمين أَن يرفعوا أَيْديهم؛ لهَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: رَوَى الْحَاكِم أَبُو عبد الله عَن أبي الْحسن بن (عَبدُوس) عَن عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ، قَالَ: سَمِعت عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول فِي حَدِيث سُفْيَان هَذَا عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَالَ سُفْيَان: حفظته عَن الزُّهْرِيّ كَمَا أَنَّك هَا هُنَا. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي حجَّة عَلَى الْخلق (عَلَى) كل من سَمعه فَعَلَيهِ أَن يعْمل بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إِسْنَاده شَيْء. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: لم أزل أعمل بِهِ مُنْذُ أَنا صبيّ. قَالَ الدَّارمِيّ: وَبِه نَأْخُذ. قَالَ أَبُو الْحسن: وَبِه نَأْخُذ (قَالَ الْحَاكِم: وَبِه نَأْخُذ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَبِه (آخذ) وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا حَدِيث وَائِل بن حجر، وَقد سلف بِطُولِهِ (بِذكر) الرّفْع فِي المواطن الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة.
وَعَن أبي قلَابَة (أَنه رَأَى مَالك بن الْحُوَيْرِث إِذا صَلَّى كبر، ثمَّ رفع يَدَيْهِ؛ فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع رفع يَدَيْهِ، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفع يَدَيْهِ. وَحدث أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يفعل ذَلِك) مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَفِي رِوَايَة لمُسلم (أَنه رَأَى مَالك بن الْحُوَيْرِث إِذا صَلَّى كبر ثمَّ رفع يَدَيْهِ) بِلَفْظ «ثمَّ» لَا بِالْوَاو، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث (أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ (فَإِذا ركع رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ) ، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع، وَقَالَ: سمع الله لمن حَمده فعل مثل ذَلِك) وَفِي رِوَايَة لَهُ: (حَتَّى يُحَاذِي بهما فروع أُذُنَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: (رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع حَتَّى يبلغ بهما فروع أُذُنَيْهِ) .
(وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: (كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى يجعلهما قَرِيبا من أُذُنَيْهِ) وَإِذا ركع صنع مثل ذَلِك، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع صنع مثل ذَلِك) .
وَفِي رِوَايَة للنسائي: (رفع يَدَيْهِ فِي صلَاته (وَإِذا) ركع، وَإِذا رفع رَأسه من رُكُوعه، وَإِذا سجد، وَإِذا رفع رَأسه من سُجُوده حَتَّى يُحَاذِي بهما فروع أُذُنَيْهِ) .
وَعَن (عَلّي) بن أبي طَالب رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (أَنه كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة كبر وَرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه (ويصنع) مثل ذَلِك إِذا قَضَى قِرَاءَته وَأَرَادَ أَن يرْكَع، ويصنعه إِذا رفع (رَأسه) من الرُّكُوع، وَلَا يرفع يَدَيْهِ فِي شَيْء من صلَاته وَهُوَ قَاعد، فَإِذا قَامَ من السَّجْدَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ كَذَلِك وَكبر) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظ وَالْبُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح (و) رَوَوْهُ كلهم هُنَا إِلَّا التِّرْمِذِيّ فَرَوَاهُ فِي كتاب الدُّعَاء فِي أَوَاخِر كِتَابه.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَرَأَيْت فِي «علل الْخلال» أَن أَحْمد سُئِلَ عَن حَدِيث عَلّي ابْن أبي طَالب فِي الرّفْع فَقَالَ: صَحِيح، وَعَن حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ فِي الرّفْع الْآتِي فَقَالَ: صَحِيح.
قَوْله: (فَإِذا قَامَ من السَّجْدَتَيْنِ) يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ (ويوضحه)(رِوَايَة) البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُمَا ذكرا فِي روايتهما: (وَإِذا قَامَ من
الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ) وَانْفَرَدَ الْخطابِيّ عَن الْعلمَاء أَجْمَعِينَ، فَظن (أَن) المُرَاد (السجدتان) المعروفتان ثمَّ اسْتشْكل الحَدِيث، وَقَالَ: لَا أعلم أحدا من الْفُقَهَاء قَالَ بِهِ. وَكَأَنَّهُ لم يقف عَلَى طرق الحَدِيث، وَلَو وقف عَلَيْهَا (لحمله) عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (كَمَا حمله) الْأَئِمَّة.
وَعَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء أَنه سمع أَبَا حميد فِي عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحدهم أَبُو قَتَادَة يَقُول: «أَنا أعلمكُم بِصَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالُوا: [فَلم؟ فوَاللَّه مَا كنت بأكثرنا لَهُ تبعا وَلَا أقدمنا لَهُ صُحْبَة. قَالَ: بلَى. قَالُوا:] فاعرض. فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة اعتدل قَائِما وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه (وَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه) ثمَّ قَالَ: الله أكبر وَركع، ثمَّ اعتدل فَلم يصوب وَلم يقنع، وَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ قَالَ: سمع الله لمن حَمده. وَرفع يَدَيْهِ (فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: حَتَّى إِذا قَامَ من السَّجْدَتَيْنِ كبر وَرفع يَدَيْهِ) حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه كَمَا صنع حِين افْتتح الصَّلَاة» وَفِي آخِره: (قَالُوا: صدقت، هَكَذَا صَلَّى الله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن
صَحِيح. وللبخاري مِنْهُ: (رَأَيْته إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حذاء مَنْكِبَيْه) .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : قد قَالَ الشَّافِعِي فِي حَدِيث أبي حميد: وَبِهَذَا نقُول، وَفِيه: رفع الْيَدَيْنِ إِذا قَامَ من (الرَّكْعَتَيْنِ) . قَالَ: وَمذهب الشَّافِعِي مُتَابعَة السّنة إِذا ثبتَتْ. وَقد قَالَ فِي حَدِيث أبي حميد: وَبِهَذَا أَقُول.
وَعَن أنس رضي الله عنه (أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا دخل فِي الصَّلَاة وَإِذا ركع) .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا عبد الْوَهَّاب، حَدثنَا حميد، عَن أنس بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمَام) : هَؤُلَاءِ (المذكورون عَن) مُحَمَّد بن (بشار) إِلَى منتهاه من رجال (الصَّحِيح) .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من جِهَة ابْن خُزَيْمَة، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن فياض، عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ بِإِسْنَادِهِ، وَفِيه:(أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) .
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب «رفع الْيَدَيْنِ» كَمَا سَاقه ابْن مَاجَه،
وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَ: (رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاة الظّهْر يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ثمَّ قَالَ: قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث لم نَكْتُبهُ من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ (عَن) أبي الزبير إِلَّا عَن شَيخنَا أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْبُوب التَّاجِر وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون، وَإِنَّمَا نعرفه من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي الزبير.
قلت: وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه ابْن مَاجَه قَالَ فِي «سنَنه» : نَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي الزبير (أَن جَابر بن عبد الله كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه (من الرُّكُوع فعل مثل ذَلِك) وَيَقُول: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (فعل) مثل ذَلِك، وَرفع إِبْرَاهِيم بن طهْمَان يَدَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حُذَيْفَة مُوسَى بن مَسْعُود النَّهْدِيّ، عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، وَتَابعه زِيَاد بن سوقة. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح رُوَاته عَن آخِرهم ثِقَات.
وَعَن أبي بكر رضي الله عنه: (أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع. وَقَالَ: صليت خلف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة وَإِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» و «سنَنه» وَقَالَ فِي سنَنه: رُوَاته ثِقَات.
وَعَن ابْن عمر، عَن عمر رضي الله عنهما قَالَ:(رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) .
(و) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَبله الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب حَدِيث مَالك» .
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: الحديثان كِلَاهُمَا محفوظان - يَعْنِي: حَدِيث ابْن عمر، عَن عمر، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (وَحَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم) فَإِن ابْن عمر رَأَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فعله، وَرَأَى أَبَاهُ فعله.
وَرَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَصوب أَحْمد - فِيمَا (حَكَاهُ) الْخلال فِي «علله» - حَدِيث ابْن عمر.
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا كبر للصَّلَاة جعل يَدَيْهِ حذاء مَنْكِبَيْه، وَإِذا ركع فعل مثل ذَلِك، وَإِذا (رفع للسُّجُود فعل مثل ذَلِك، وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ فعل مثل ذَلِك) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث، حَدثنِي أبي، عَن جدي، عَن يَحْيَى ابْن أَيُّوب، عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي بكر بن الْحَارِث ابْن هِشَام، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : هَؤُلَاءِ كلهم رجال الصَّحِيح، فَإِن يَحْيَى بن أَيُّوب احْتج بِهِ مُسلم فِي مَوَاضِع من كِتَابه، وَقد تَابع يَحْيَى (عُثْمَان) بن الحكم الجذامي (قلت: حَكَى ابْن الْعَرَبِيّ فِي رجال
(م، خَ) تَشْدِيد الذَّال، وَهُوَ غَرِيب) عَن ابْن جريج عَلَى مَا ذكر فِي كتاب «الْعِلَل» عَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيه:«إِذا قَامَ من الرَّكْعَة الثَّانِيَة بعد التَّشَهُّد، (وَذكر) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» أَن عَمْرو بن عَلّي رَوَى عَن (ابْن) أبي عدي، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي كل خفض وَرفع وَيَقُول: أَنا أشبهكم صَلَاة برَسُول الله صلى الله عليه وسلم» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (و) لم يُتَابع عَمْرو بن عَلّي (عَلَى) ذَلِك، وَغَيره يرويهِ «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يكبر فِي كل خفض وَرفع» وَهُوَ (الصَّحِيح) .
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَهِشَام بن عمار قَالَا: ثَنَا إِسْمَاعِيل ابْن عَيَّاش، عَن صَالح بن كيسَان، عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:«رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة حَذْو مَنْكِبَيْه حِين يفْتَتح الصَّلَاة (و) حِين يرْكَع وَحين يسْجد» .
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد بن سمْعَان قَالَ: «دخل علينا أَبُو هُرَيْرَة فِي الْمَسْجِد
فَقَالَ: ثَلَاث كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يعْمل بِهن تركهن النَّاس: كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ مَدًّا، وَكَانَ يقف قبل الْقِرَاءَة هنيَّة (يسْأَل) الله من فَضله، وَكَانَ (يكبر) فِي الصَّلَاة كلما ركع وَسجد» .
وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ: « (هَل) أريكم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (فَكبر) وَرفع يَدَيْهِ، ثمَّ كبر وَرفع يَدَيْهِ للرُّكُوع، ثمَّ قَالَ: سمع الله لمن حَمده. وَرفع يَدَيْهِ، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا. وَلَا يرفع بَين السَّجْدَتَيْنِ» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن الْأَزْرَق بن قيس، عَن (حطَّان) بن عبد الله، عَن أبي مُوسَى بِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَلَا يقْدَح فِي رَفعه؛ لما أسلفناه مرَارًا أَن مَعهَا زِيَادَة علم.
وَعَن عبد الله بن الزبير «أَنه صَلَّى بهم يُشِير بكفيه حِين يقوم وَحين يرْكَع وَحين يسْجد وَحين ينْهض» .
قَالَ مَيْمُون: فَانْطَلَقت إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: «إِن (أَحْبَبْت) أَن تنظر إِلَى صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاقتدوا بِصَلَاة ابْن الزبير» . (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
وَعَن (عُمَيْر) اللَّيْثِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يَدَيْهِ (مَعَ) كل (تَكْبِيرَة) فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة» .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه.
وَعَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا افْتتح (الصَّلَاة) رفع يَدَيْهِ، وَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع» .
رَوَاهُ الْحَاكِم، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ.
وَعَن النَّضر بن كثير قَالَ: «صَلَّى إِلَى جَنْبي ابْن طَاوس، فَكَانَ إِذا سجد السَّجْدَة الأولَى فَرفع رَأسه مِنْهَا رفع يَدَيْهِ تِلْقَاء وَجهه، فَقَالَ ابْن طَاوس: رَأَيْت أبي يصنعه، وَقَالَ أبي: رَأَيْت ابْن عَبَّاس يصنعه، وَلَا أعلم إِلَّا أَنه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.
وَعَن حميد بن هِلَال قَالَ: حَدثنِي من سمع الْأَعرَابِي يَقُول: «رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي يرفع» .
رَوَاهُ أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن.
وَعَن قَتَادَة «أَنه عليه السلام كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا [ركع] وَإِذا رفع» .
وَعَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَنه عليه السلام كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة» .
هَذِه الثَّلَاثَة مَرَاسِيل: الأول فِي «جَامع عبد الرَّزَّاق» وَالثَّانِي فِي «كتاب الصَّلَاة» لأبي نعيم، وَالثَّالِث فِي «الْمُوَطَّأ» .
هَذَا مَا حَضَرنَا من الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الرّفْع، قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي كتاب «اخْتِلَاف الحَدِيث» : رَوَى الرّفْع جمع من الصَّحَابَة، لَعَلَّه لم يرو قطّ حَدِيث بِعَدَد أَكثر مِنْهُم: أحد عشر من الصَّحَابَة، وَأَبُو حميد رَوَاهُ و (ثَلَاثَة) عشر رجلا. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لم يخْتَلف أهل الْعلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : رَوَى رفع الْيَدَيْنِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة عشر (رجلا) من الصَّحَابَة. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي بعض «أَمَالِيهِ» : رَوَى رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة (سَبْعَة) عشر رجلا من الصَّحَابَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُم عَلّي بن أبي طَالب، وَأَبُو الدَّرْدَاء، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، والعبادلة: ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَابْن عَمْرو، وَابْن الزبير، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأنس. وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: قَالَ أَبُو عَلّي: رَوَى الرّفْع عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَيف وَثَلَاثُونَ من الصَّحَابَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: قد روينَا عَن سَبْعَة
عشر نفسا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنهم كَانُوا يرفعون أَيْديهم عِنْد الرُّكُوع فَمنهمْ أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو أسيد السَّاعِدِيّ البدري، وَمُحَمّد بن (مسلمة) البدري، وَسَهل بن سعد، وَعبد الله بن عمر، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَأنس، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعبد الله بن الزبير، وَوَائِل بن حجر، وَمَالك بن الْحُوَيْرِث، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رَوَيْنَاهُ عَن هَؤُلَاءِ وَعَن الصّديق، وَعمر بن الْخطاب، وَعلي، وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَعقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ، وَعبد الله بن جَابر البياضي، وَقَالَ فِي «خلافياته» : رُوِيَ الرّفْع عِنْد الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ مَرْفُوعا عَن أبي بكر، وَعمر، وَعلي، وَأنس، وَجَابِر بن عبد الله، وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَأبي هُرَيْرَة، قَالَ: وَقد روينَا رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ عَن الصّديق، وَعمر، وَعلي، وَابْن عمر، وَمَالك بن الْحُوَيْرِث، وَوَائِل بن حجر، وَأبي حميد السَّاعِدِيّ، فِي عشرَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو قَتَادَة، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَمُحَمّد بن مسلمة، وَأَبُو أسيد، وَسَهل بن سعد، وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَأنس، وَجَابِر رضي الله عنهم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صَحِيحَة مُحْتَج بهَا.
قَالَ: وَسمعت الْحَاكِم أَبَا عبد الله يَقُول: لَا يعلم سنة اتّفق عَلَى رِوَايَتهَا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثمَّ بَاقِي الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالْجنَّةِ فَمن بعدهمْ من أكَابِر الصَّحَابَة عَلَى تفرقهم فِي الْبِلَاد الشاسعة (غير) هَذِه السّنة.
قلت: (قد) شاركها فِي ذَلِك سنة الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ - كَمَا (أسلفت) لَك فِي بَابه - وَكَذَا حَدِيث: «من كذب عَلّي مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ كَمَا (قَالَ) أستاذنا أَبُو عبد الله: فقد رَوَى هَذِه السّنة عَن أبي بكر - ثمَّ عدد بَاقِي الْعشْرَة - ومعاذ بن جبل، وَمَالك بن الْحُوَيْرِث، وَزيد بن ثَابت، وَأبي بن كَعْب، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَابْن عمر، وَالْحسن بن عَلّي بن أبي طَالب، والبراء بن عَازِب، وَزِيَاد بن الْحَارِث الصدائي، وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ، وَأبي سعيد، وَأبي قَتَادَة، وسلمان الْفَارِسِي، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعقبَة بن عَامر (وَبُرَيْدَة) بن الْحصيب الْأَسْلَمِيّ (وَأبي) هُرَيْرَة، وعمار بن يَاسر (وَأبي) أُمَامَة صدي بن عجلَان (الْبَاهِلِيّ) وَعُمَيْر بن قَتَادَة اللَّيْثِيّ وَأبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ، وَعَائِشَة بنت الصّديق، وأعرابي آخر صَحَابِيّ، كلهم عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَذكره ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» وَابْن الْجَوْزِيّ من رِوَايَة عمرَان بن حُصَيْن، وَفِي «تَارِيخ ابْن عَسَاكِر» عَن سَلمَة الْأَعْرَج قَالَ: «أدْركْت ألفا من الصَّحَابَة كلهم يرفع يَدَيْهِ عِنْد كل خفض
وَرفع» وَنقل البُخَارِيّ عَن الْحسن وَحميد بن هِلَال «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أَيْديهم» وَلم يسْتَثْن أحدا (مِنْهُم) .
قَالَ البُخَارِيّ: وَلم يثبت عَن أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه لم يرفع يَدَيْهِ. قَالَ: وَيروَى عَن عدَّة من أهل مَكَّة وَأهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق وَالشَّام وَالْبَصْرَة (وَأهل) الْيمن أَنهم كَانُوا يرفعون أَيْديهم عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ مِنْهُم سعيد بن جُبَير، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَمُجاهد، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَسَالم بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَعمر بن عبد الْعَزِيز، والنعمان بن أبي عَيَّاش، وَالْحسن (و) ابْن سِيرِين، وَطَاوُس، وَمَكْحُول، وَعبد الله بن دِينَار (وَنَافِع)(وَعبيد الله بن عمر) ، وَالْحسن بن مُسلم، وَقيس بن سعد، وَغَيرهم عدَّة كَثِيرَة. وَكَذَلِكَ يرْوَى عَن أم الدَّرْدَاء «أَنَّهَا كَانَت ترفع يَديهَا» وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يرفع يَدَيْهِ، وَكَذَلِكَ عَامَّة أَصْحَابه ومحدثي أهل بُخَارَى مِنْهُم عِيسَى بن مُوسَى، وَكَعب بن سعيد، وَمُحَمّد بن سَلام، وَعبد الله بن مُحَمَّد (المسندي) وعدة مِمَّن لَا تحصى لَا اخْتِلَاف بَين من (وَصفنَا) من أهل الْعلم، وَكَانَ عبد الله بن الزبير - يَعْنِي: الْحميدِي -
شَيْخه وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَيَحْيَى بن معِين وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم (يثبتون) عَامَّة هَذِه الْأَخْبَار عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ويرونها حقًّا، وَهَؤُلَاء أهل الْعلم من أهل زمانهم.
هَذَا آخر مَا نَقله البُخَارِيّ رحمه الله وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: رَوَى أَحَادِيث رفع الْيَدَيْنِ فِي المواطن الثَّلَاثَة نَحْو من ثَلَاثِينَ صحابيًّا (فسردهم) وَقد أسلفناهم بِزِيَادَة. ثمَّ قَالَ: وَبِه يَقُول (أَكثر) أهل الْعلم من الصَّحَابَة، مِنْهُم أَبُو بكر، وَعمر، وَابْنه، وَابْن عَبَّاس، وَأَبُو سعيد، وَجَابِر، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأنس، وَابْن الزبير، وَغَيرهم. وَإِلَيْهِ ذهب من التَّابِعين الْحسن، وَابْن سِيرِين، وَعَطَاء، وَطَاوُس، وَمُجاهد، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَسَالم بن عبد الله (و) ابْن جُبَير، وَنَافِع، وَقَتَادَة، وَمَكْحُول، (وَغَيرهم) قَالَ: وَهُوَ قَول جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ (للمخالفين) فِيهَا حَدِيث صَحِيح، و (بِهِ) قَالَ الْأَوْزَاعِيّ، وَابْن الْمُبَارك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، وَإِسْحَاق.
وَرَوَى الإِمَام أَحْمد بِإِسْنَادِهِ عَن نَافِع قَالَ: «كَانَ ابْن عمر إِذا رَأَى مُصَليا لَا يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة حصبه» .
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب «رفع الْيَدَيْنِ» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ إِذا رَأَى رجلا لَا يرفع يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع رَمَاه بالحصى» .
قَالَ عبد الله بن أَحْمد: وَسمعت أبي يَقُول: يرْوَى عَن عقبَة بن عَامر «أَنه قَالَ فِي: من رفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة لَهُ بِكُل إِشَارَة عشر حَسَنَات» .
وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: «من تَمام الصَّلَاة رفع الْأَيْدِي فِيهَا» .
وَرَوَى ابْن عبد الْبر (بِسَنَدِهِ) إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: «إِن كُنَّا لنؤدب عَلَيْهَا بِالْمَدِينَةِ - يَعْنِي: إِذا لم يرفعوا أَيْديهم فِي الصَّلَاة» .
وَرَوَى الْأَثْرَم بِسَنَدِهِ عَن الْحسن وَمُحَمّد أَنَّهُمَا كَانَا يرفعان أَيْدِيهِمَا إِذا كبرا وَإِذا رفعا، قَالَ مُحَمَّد: هُوَ من تَمام الصَّلَاة.
وَرَوَى البُخَارِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا أَيْديهم المراوح يرفعونها إِذا ركعوا وَإِذا رفعوا رُءُوسهم.
(و) رَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن جُبَير «أَنه سُئِلَ عَن رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة فَقَالَ: هُوَ شَيْء يزين بِهِ الرجل صلَاته، كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أَيْديهم فِي الِافْتِتَاح وَعند الرُّكُوع وَإِذا رفعوا رُءُوسهم» .
وَرَوَى البُخَارِيّ عَنهُ نَحوه.
وَرَوَى الْأَثْرَم، عَن النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش قَالَ:«كَانَ يُقَال: إِن لكل شَيْء زِينَة، وزينة الصَّلَاة رفع الْأَيْدِي عِنْد استفتاح الصَّلَاة، وَحين يُرِيد أَن يرْكَع، وَحين (يُرِيد أَن) يرفع يَدَيْهِ» .
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: (أَخذ أهل مَكَّة رفع الْيَدَيْنِ) فِي الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ عَن ابْن جريج وَأَخذه عَن عَطاء، وَأَخذه عَطاء عَن ابْن الزبير، وَأَخذه ابْن الزبير عَن أبي بكر، وَأَخذه أَبُو بكر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
فصل فِيمَا عَارض ذَلِك من الْأَحَادِيث والْآثَار وَبَيَان ضعفها
(ذهب قوم إِلَى أَنه لَا يرفع إِلَّا عِنْد الِافْتِتَاح وَيروَى عَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَبِه قَالَ ابْن أبي لَيْلَى وَالثَّوْري وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَعَن مَالك كالمذهب) أما الْأَحَادِيث (فعشرة:)
الأول: عَن جَابر بن سَمُرَة رضي الله عنه قَالَ: «خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا لي أَرَاكُم رافعي أَيْدِيكُم كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟ ! اسكنوا فِي الصَّلَاة» .
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ.
ثَانِيهَا: عَن الْبَراء بن عَازِب رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ إِلَى قريب من أُذُنَيْهِ ثمَّ لَا يعود» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث شريك، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء بِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث وَكِيع، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن
أَخِيه عِيسَى، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ:«رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رفع يَدَيْهِ حِين افْتتح الصَّلَاة ثمَّ لم (يرفعهما) حَتَّى انْصَرف» .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا (عَن يزِيد) بن أبي زِيَاد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء «أَنه رَأَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَى بهما أُذُنَيْهِ ثمَّ لم يعد إِلَى شَيْء من ذَلِك حَتَّى فرغ من صلَاته» .
ثَالِثهَا: عَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: «لأصلين بكم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. فَصَلى، فَلم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا مرّة» .
رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَاصِم بن كُلَيْب، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود (بِهِ) قَالَ: التِّرْمِذِيّ: (حَدِيث) حسن، وَرَوَى ابْن عدي والخطيب وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم (عَن) عَلْقَمَة، عَن
عبد الله قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر وَعمر، فَلم يرفعوا أَيْديهم إِلَّا عِنْد استفتاح الصَّلَاة» .
رَابِعهَا: عَن ابْن عمر رضي الله عنهما «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة ثمَّ لَا يعود» .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن (سَالم) عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ.
خَامِسهَا: عَن أنس رَفعه: «من رفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع فَلَا صَلَاة لَهُ»
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مدخله» .
وَرَوَى الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب من حَدِيث أنس: «أَنه عليه السلام كَانَ لَا يرفع الْيَد إِلَّا فِي (ثَلَاثَة) مَوَاطِن: الاسْتِسْقَاء، والاستنصار، وَعَشِيَّة عَرَفَة» .
سادسها: عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «من رفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة فَلَا صَلَاة لَهُ» .
ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من حَدِيث الْمَأْمُون بن أَحْمد السّلمِيّ، نَا الْمسيب بن وَاضح، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ.
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من رفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِير فَلَا صَلَاة لَهُ» ذكرهَا فِي «مَوْضُوعَاته» وَذكر الأولَى الجوزقاني فِي «مَوْضُوعَاته» أَيْضا.
سابعها: عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن: (عِنْد) افْتِتَاح الصَّلَاة، واستقبال الْبَيْت، والصفا والمروة، والموقفين، والجمرتين» .
رَوَاهُ الْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس. وَعَن نَافِع، عَن ابْن عمر (بِهِ) .
ورويا أَيْضا عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَعَن ابْن (أبي) لَيْلَى، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَا:«ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن: فِي افْتِتَاح الصَّلَاة، واستقبال الْقبْلَة، وَعَلَى الصَّفَا والمروة، وبعرفات، وبجمع، وَفِي المقامين، وَعند (الْجَمْرَتَيْن) » .
ثامنها: عَن مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى قَالَ: «صليت إِلَى جنب عباد بن عبد الله بن الزبير قَالَ: فَجعلت أرفع يَدي فِي كل رفع وَوضع، قَالَ: (يَا) ابْن أخي: رَأَيْتُك ترفع فِي كل (رفع و) خفض (وَإِن) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ فِي أول الصَّلَاة ثمَّ لم يرفعها فِي شَيْء حَتَّى فرغ» .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن الْحَاكِم بِسَنَدِهِ إِلَى حَفْص بن غياث، عَن مُحَمَّد بِهِ.
تاسعها: عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يَدَيْهِ كلما ركع وَكلما رفع، ثمَّ صَار إِلَى افْتِتَاح الصَّلَاة وَترك مَا سُوَى ذَلِك» .
عَاشرهَا: عَن ابْن الزبير «أَنه رَأَى رجلا يرفع يَدَيْهِ (فِي) الرُّكُوع فَقَالَ: مَه؛ فَإِن هَذَا شَيْء فعله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ تَركه!» .
وَأما الْآثَار: فَعَن عَلّي رضي الله عنه «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَة الأولَى من الصَّلَاة ثمَّ لَا يرفع فِي شَيْء مِنْهَا» .
رَوَاهُ البُخَارِيّ.
وَعَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود قَالَ:«رَأَيْت عمر بن الْخطاب يرفع يَدَيْهِ فِي أول (تَكْبِيرَة) ثمَّ لَا يعود، وَقَالَ: رَأَيْت إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ يفْعَلَانِ ذَلِك» . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ.
وَعَن مُجَاهِد قَالَ: «مَا رَأَيْت ابْن عمر رَافعا يَدَيْهِ فِي شَيْء من الصَّلَاة إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولَى» . رَوَاهُ البُخَارِيّ.
عَن أبي بكربن عَيَّاش، عَن حُصَيْن، عَن مُجَاهِد، وَعَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ «أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عمر كَانَا يرفعان أَيْدِيهِمَا أول مَا يكبران، ثمَّ لَا يعودان» .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ.
(و) الْجَواب عَن هَذِه الْأَحَادِيث والْآثَار بِفضل الله.
(أما) الحَدِيث الأول، وَهُوَ حَدِيث (جَابر بن) سَمُرَة فجعْله مُعَارضا لما قدمْنَاهُ من أقبح الجهالات لسنة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ لم يرد فِي رفع الْأَيْدِي فِي الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانُوا يرفعون أَيْديهم فِي حَالَة السَّلَام من الصَّلَاة، ويشيرون بهَا إِلَى (الْجَانِبَيْنِ) يُرِيدُونَ بذلك السَّلَام عَلَى من (عَلَى) الْجَانِبَيْنِ، وَهَذَا لَا (اخْتِلَاف) فِيهِ بَين أهل الحَدِيث وَمن لَهُ أدنَى اخْتِلَاط بأَهْله، وبرهان ذَلِك أَن مُسلم بن الْحجَّاج رَوَاهُ فِي «صَحِيحه» من طَرِيقين أَحدهمَا كَمَا سلف، وَثَانِيهمَا: عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: «كُنَّا إِذا صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (علام) تومئون بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟ ! إِنَّمَا يَكْفِي أحدكُم أَن يضع (يَده عَلَى فَخذه) ثمَّ يسلم عَلَى أَخِيه من عَلَى يَمِينه وشماله» .
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَكُنَّا إِذا سلمنَا قُلْنَا بِأَيْدِينَا السَّلَام عَلَيْكُم (السَّلَام عَلَيْكُم) فَنظر إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
مَا شَأْنكُمْ تشيرون بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟ ! إِذا سلم أحدكُم فليلتفت إِلَى صَاحبه وَلَا يُومِئ بِيَدِهِ» .
وَلما أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن الْمسيب بن رَافع، عَن تَمِيم بن طرفَة، عَن جَابر بِهِ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر لم يسمعهُ الْأَعْمَش من الْمسيب بن رَافع
…
فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، وَفِيه: سَمِعت الْمسيب بن رَافع. ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر الْمُقْتَضِي (للفظة) المختصرة الَّتِي تقدم ذكرنَا لَهَا بِأَن الْقَوْم إِنَّمَا أمروا بِالسُّكُونِ فِي الصَّلَاة عِنْد الْإِشَارَة بِالتَّسْلِيمِ دون رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع، ثمَّ أوردهُ كَذَلِك من طَرِيقين بِمَعْنى روايتي مُسلم، قَالَ البُخَارِيّ: وَأما احتجاج بعض من لَا يعلم بِحَدِيث جَابر بن سَمُرَة فَإِنَّمَا كَانَ فِي [التَّشَهُّد] عِنْد السَّلَام لَا فِي الْقيام. قَالَ: وَلَا يحْتَج بِمثل هَذَا من لَهُ حَظّ من الْعلم، هَذَا مَعْرُوف مَشْهُور لَا اخْتِلَاف فِيهِ، وَلَو كَانَ كَمَا توهم هَذَا المحتج لَكَانَ رفع الْأَيْدِي فِي الِافْتِتَاح وَفِي تَكْبِيرَات الْعِيد أَيْضا منهيًّا عَنهُ؛ لِأَنَّهُ لم يستبن رفعا وَقد بَينه حَدِيث حدّثنَاهُ أَبُو نعيم
…
. فَذكر بِإِسْنَادِهِ الرِّوَايَة السالفة عَن مُسلم، ثمَّ قَالَ: فليحذر امْرُؤ أَن يتَأَوَّل أَو يَقُول عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا لم يقل، قَالَ تَعَالَى: (فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره
…
) الْآيَة.
وَأما الحَدِيث الثَّانِي: وَهُوَ حَدِيث الْبَراء بن عَازِب؛ فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاق الْحفاظ، كسفيان بن عُيَيْنَة وَالشَّافِعِيّ وَعبد الله بن الزبير الْحميدِي شيخ البُخَارِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى بن معِين والدارمي وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهم من الْمُتَقَدِّمين، وَهَؤُلَاء أَرْكَان الحَدِيث وأئمة الْإِسْلَام فِيهِ، وَأما (الْحفاظ) الْمُتَأَخّرُونَ الَّذين ضَعَّفُوهُ فَأكْثر من أَن تحصر كَابْن عبد الْبر وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهم، وَسبب ضعفه أَنه من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء - كَمَا سلف - وَاتفقَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة المذكورون وَغَيرهم عَلَى أَن يزِيد بن أبي زِيَاد غلط فِيهِ، وَأَنه رَوَاهُ أَولا «إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع (يَدَيْهِ) » قَالَ سُفْيَان: فَقدمت الْكُوفَة فَسَمعته يحدث (بِهِ) وَيزِيد فِيهِ «ثمَّ لَا يعود» فَظَنَنْت أَنهم لقنوه. قَالَ سُفْيَان: وَقَالَ لي أَصْحَابنَا إِن حفظه قد تغير أَو قد سَاءَ. قَالَ الشَّافِعِي: ذهب سُفْيَان إِلَى تغليط يزِيد بن أبي زِيَاد فِي هَذَا الحَدِيث وَيَقُول: كَأَنَّهُ لقن هَذَا الْحَرْف فتلقنه، وَلم يكن سُفْيَان (يرَى) يزِيد بِالْحِفْظِ لذَلِك. وَذكر الْخَطِيب هَذِه الزِّيَادَة «ثمَّ لَا يعود» فِي «المدرج» وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تثبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لقنها يزِيد فِي آخر عمره (فتلقنها) وَقد حدث بِهِ عَن يزِيد بإسقاطها: الثَّوْريّ وَشعْبَة و [هشيم]
وأسباط بن مُحَمَّد وخَالِد الطَّحَّان وَغَيرهم من الْحفاظ، وَذكر أَحَادِيثهم بذلك، وَقَالَ الْحميدِي: هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ يزِيد (وَيزِيد) يزِيد.
وَقَالَ أَبُو سعيد الدَّارمِيّ: سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَا يَصح، وَسمعت يَحْيَى بن معِين يضعف يزِيد بن أبي زِيَاد. وَقَالَ الْحَاكِم: قَالَ يَحْيَى بن أَحْمد بن يَحْيَى: سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: هَذَا حَدِيث واهي، قد كَانَ يزِيد بن أبي زِيَاد يحدث بِهِ بُرْهَة من دهره لَا يذكر فِيهِ «ثمَّ لَا يعود» فَلَمَّا لقن أَخذه فَكَانَ يذكرهُ فِيهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسمعت الْحَاكِم أَبَا عبد الله يَقُول: يزِيد بن أبي زِيَاد كَانَ يذكر بِالْحِفْظِ فِي شبابه، فَلَمَّا كبر سَاءَ حفظه، فَكَانَ يُخطئ فِي كثير من رواياته وَحَدِيثه، ويقلب الْأَسَانِيد وَيزِيد فِي الْمُتُون وَلَا يُمَيّز. قَالَ (الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الدَّارمِيّ) : وَمِمَّا يُحَقّق قَول سُفْيَان أَنهم لقنوه هَذِه اللَّفْظَة أَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وهشيمًا وَغَيرهم من أهل الْعلم لم يجيئوا بهَا؛ إِنَّمَا جَاءَ بهَا من سمع مِنْهُ بِأخرَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمِمَّا يُؤَكد مَا ذهب إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ مَا أخبرنَا (أَبُو) عبد الله. وَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: ثَنَا يزِيد بن أبي زِيَاد (بِمَكَّة) عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ، وَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع. قَالَ سُفْيَان: فَلَمَّا قدمت الْكُوفَة سمعته يَقُول:
يرفع يَدَيْهِ إِذا (افْتتح) الصَّلَاة [ثمَّ] لَا يعود» فَظَنَنْت أَنهم لقنوه. قَالَ الْحَاكِم: لَا أعلم سَاق هَذَا الْمَتْن بِهَذِهِ الزِّيَادَة عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة غير إِبْرَاهِيم بن يسَار الرَّمَادِي، وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون من الطَّبَقَة الأولَى من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة، جَالس ابْن عُيَيْنَة نيفًا وَأَرْبَعين سنة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ فِيهِ:«ثمَّ لَا يعود» وَقيل: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن الحكم، عَن ابْن (أبي) لَيْلَى، وَقيل [عَنهُ] : عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى لَا يحْتَج بحَديثه وَهُوَ أَسْوَأ حَالا عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ من يزِيد بن أبي زِيَاد. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث يتوهمه من لَا يرجع إِلَى معرفَة الحَدِيث أَنه مُتَابعَة لحَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد. وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَلَى تقدمه فِي الْفِقْه وَالْقَضَاء أَسْوَأ حَالا عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ من يزِيد. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ أَنه ذكر فصلا فِي تَضْعِيف حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد هَذَا، ثمَّ قَالَ: وَلم يرو هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي لَيْلَى أحد أَقْوَى من يزِيد. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : هَذَا حَدِيث (انْفَرد) بِهِ يزِيد بن أبي زِيَاد، وَرَوَاهُ عَنهُ الْحفاظ الثِّقَات
مِنْهُم: شُعْبَة، وَالثَّوْري، وَابْن عُيَيْنَة، وهشيم، وخَالِد بن عبد الله الوَاسِطِيّ، لم يذكر وَاحِد مِنْهُم فِيهِ قَوْله:«ثمَّ لَا يعود» وَحَكَى ابْن عُيَيْنَة عَنهُ أَنه حَدثهمْ بِهِ قَدِيما، وَلَيْسَ فِيهِ:«ثمَّ لَا يعود» ثمَّ حَدثهمْ بِهِ بعد فَذكر فِيهِ: «ثمَّ لَا يعود» . [قَالَ فنظرته فَإِذا مُلْحق بَين سطرين] .
قَالَ: وَقَالَ الْبَزَّار (الْحَافِظ) : لَا يَصح حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد فِي رفع الْيَدَيْنِ قَوْله: «ثمَّ لَا يعود» (وَهُوَ) قَول أبي دَاوُد وَجَمَاعَة (من) أهل الحَدِيث.
قَالَ: وَقَالَ الدَّارمِيّ: سَمِعت ابْن وضاح يَقُول: الْأَحَادِيث الَّتِي تروى فِي رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة «ثمَّ لَا يعود» ضَعِيفَة كلهَا.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» : قَالَ ابْن حبَان: كَانَ يزِيد يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ:«رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ» ثمَّ قدم الْكُوفَة فِي آخر عمره فروَى هَذَا الحَدِيث، فلقنوه «ثمَّ لم يعد» فتلقن.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا أهل الْعرَاق وَمن لم يكن علم الحَدِيث من صناعته.
وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» كَلَام الْأَئِمَّة فِي تَضْعِيف يزِيد هَذَا، وَأَن ابْن الْمُبَارك قَالَ:(ارْمِ بِهِ. وَأَن) الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: إِنَّمَا لقن
يزِيد فِي آخر عمره «ثمَّ لم يعد» فتلقنه وَكَانَ قد اخْتَلَط. وَكَذَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: لقن يزِيد هَذَا لما كبر.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَيُمكن أَن يكون هَذَا من الرَّاوِي عَنهُ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا وَمُحَمّد بن أبي لَيْلَى، قَالَ أَحْمد: إِسْمَاعِيل (ضَعِيف) وَمُحَمّد بن أبي لَيْلَى ضَعِيف ومضطرب الحَدِيث.
قَالَ: ويؤكد أَن ذَلِك من الروَاة مَا أَتَى بِهِ ابْن عبد الْخَالِق، ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَلّي بن عَاصِم، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، عَن يزِيد (عَن) عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ:«رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَكبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى سَاوَى بهما أُذُنَيْهِ، ثمَّ لم يعد» قَالَ عَلّي: فَلَمَّا قدمت الْكُوفَة قيل لي: إِن يزِيد حَيّ. فَأَتَيْته فَحَدثني بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ:«رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين قَامَ الصَّلَاة (وَكبر) وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى (سَاوَى) بهما أُذُنَيْهِ، فَقلت: إِنَّه أَخْبرنِي ابْن أبي لَيْلَى أَنَّك قلت: «ثمَّ لم يعد» قَالَ: لَا أحفظ هَذَا (فعاودته فَقَالَ: لَا أحفظ هَذَا) قَالَ البُخَارِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَى الْحفاظ الَّذين سمعُوا من يزِيد (قَدِيما) مِنْهُم الثَّوْريّ وَشعْبَة وَزُهَيْر لَيْسَ فِيهِ «ثمَّ لم يعد» .
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ هشيم وخَالِد وَابْن إِدْرِيس عَن يزِيد، وَلم
يذكرُوا فِيهِ «ثمَّ لَا يعود» .
وَقد رَوَى مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن الحكم كَمَا قدمْنَاهُ عَن أبي دَاوُد (قَالَ أَبُو دَاوُد) فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح.
وَأما (الْجَواب عَن) الحَدِيث الثَّالِث وَهُوَ حَدِيث ابْن مَسْعُود فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أَيْضا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ (فِي «سنَنه» ) : قَالَ ابْن الْمُبَارك: لم يثبت عِنْدِي حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا: وَقد ثَبت عِنْدِي حَدِيث رفع الْيَدَيْنِ (ذكره) عبيد الله وَمَالك وَمعمر وَابْن أبي حَفْصَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَأرَاهُ وَاسِعًا، ثمَّ قَالَ عبد الله: كَأَنِّي أنظر إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة؛ لِكَثْرَة الْأَحَادِيث وجودة الْأَسَانِيد.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ويعارضه بِأَنَّهُ قد رَوَى حَدِيثا مسلسلًا عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذكر فِيهِ الرّفْع عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث خطأ وَإِن الثَّوْريّ وهم فِيهِ (وَضَعفه) أَيْضا الإمامان أَحْمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى (بن آدم) عَلَى مَا نَقله عَنْهُمَا البُخَارِيّ فِي كتاب «رفع
الْيَدَيْنِ» وتابعهما عَلَى تَضْعِيفه.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ هُوَ بِصَحِيح عَلَى هَذَا اللَّفْظ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يثبت عِنْدِي. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الْخَبَر مُخْتَصر من أَصله، وَعَاصِم بن كُلَيْب - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد الأول - لم يخرج حَدِيثه فِي الصَّحِيح، وَذَلِكَ أَنه كَانَ يختصر (الْأَخْبَار) يُؤَدِّيهَا عَلَى الْمَعْنى، وَهَذِه اللَّفْظَة «ثمَّ لم يعد» غير مَحْفُوظَة فِي الْخَبَر.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الخلافيات» : يُرِيد الْحَاكِم - وَالله أعلم - بذلك صَحِيح البُخَارِيّ؛ لِأَن مُسلما قد أخرج حَدِيثه. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّهُ قد نَص فِي «مُسْتَدْركه» أَن مُسلما احْتج بِهِ، ذكره فِي الصَّلَاة، وَقَالَ (النَّوَوِيّ) فِي (خلاصته) : اتَّفقُوا عَلَى تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث، وأنكروا عَلَى التِّرْمِذِيّ تحسينه.
قلت: وينكر أَيْضا عَلَى ابْن حزم تَصْحِيحه فِي «محلاه» وَأعله الحافظان ابْن الْجَوْزِيّ وَالْمُنْذِرِي بعلة أُخْرَى، وَهِي الِانْقِطَاع فَقَالَا: لم يسمع عبد الرَّحْمَن من عَلْقَمَة. لَكِن نقل الْخَطِيب فِي كِتَابه «الْمُتَّفق والمفترق» أَنه سمع مِنْهُ.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَيجوز أَن يكون عَلْقَمَة لم يضْبط، أَو ابْن مَسْعُود خَفِي عَلَيْهِ هَذَا من (أَمر) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا خَفِي عَلَيْهِ غَيره مثل نسخ التطبيق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي كِتَابه «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» : هَذَا أحسن خبر رَوَى أهل الْكُوفَة فِي نفي رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة عِنْد الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة أَضْعَف شَيْء يعول عَلَيْهِ؛ لِأَن لَهُ عللًا تبطله، وأسبابًا توهيه، ومعاني تدحضه ثمَّ ذكرهَا مُوضحَة. قلت: وَأما طَرِيق حَدِيث ابْن مَسْعُود الآخر فضعيف أَيْضا بل ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الموضوعات» وَقَالَ إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَمُحَمّد بن جَابر قَالَ يَحْيَى فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: لَا يحدث عَنهُ إِلَّا من هُوَ شَرّ مِنْهُ. وَقَالَ الفلاس لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ الْحَاكِم: هَذَا إِسْنَاد مقلوب لَا نعلم أحدا حدث بِهِ من أَصْحَاب حَمَّاد من الْمَشْهُورين بِالْأَخْذِ عَنهُ قَالَ وَلَو كَانَ مَحْفُوظًا لبادر بروايته أَبُو حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ عَن حَمَّاد إِذْ كَانَ يُوَافق مَذْهَبهمَا ذَلِك قَالَ فَأَما مُحَمَّد بن جَابر بن سيار السحيمي فَإِنَّهُ قد تكلم فِيهِ أَئِمَّة أهل الحَدِيث قَالَ وَأما إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل فَغير مُحْتَج بِرِوَايَاتِهِ. قَالَ: وَأما مَا رُوِيَ عَن حَمَّاد فِي هَذَا الْبَاب فحدثنا أَبُو الْحسن وَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم «أَن ابْن مَسْعُود كَانَ إِذا دخل فِي الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ أول مرّة ثمَّ لَا يعود يرفع بعد ذَلِك» قَالَ الْحَاكِم: فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ لم ير ابْن مَسْعُود، والْحَدِيث مُنْقَطع وَالْعجب من ابْن جَابر أَنه لم يرض بِأَن
وصل هَذَا الحَدِيث الْمُنْقَطع حَتَّى زَاد أَيْضا فأسنده إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ لم يقنعه ذَلِك إِلَّا أَن وَصله بِذكر أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما. قلت: وَكَذَا نَص غير وَاحِد أَيْضا من الْحفاظ عَلَى ضعفه، قَالَ ابْن عدي: لم يصله عَن حَمَّاد غير (مُحَمَّد بن جَابر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ مُحَمَّد بن جَابر - وَكَانَ ضَعِيفا - عَن) حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم. وَغير حَمَّاد يرويهِ عَن إِبْرَاهِيم مُرْسلا عَن عبد الله من قَوْله غير مَرْفُوع وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : كَذَلِك رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن مَسْعُود مُرْسلا مَوْقُوفا، وَقد أخرج هَذَا الرِّوَايَة فِي «خلافياته» بِسَنَدِهِ كَمَا تقدم وَذكر الْحَاكِم عَن جمَاعَة من أهل الْكُوفَة أَن مُحَمَّد بن جَابر عمي، فَكَانَ يلْحق فِي كِتَابه مَا لَيْسَ من حَدِيثه. قَالَ: وَهَذَا من أحسن مَا يُقَال فِيهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يسرق الحَدِيث من كل من يذاكره فيرويه حَتَّى كثرت الْمَنَاكِير والموضوعات فِي رِوَايَته. قلت: وَأما إِدْخَال ابْن حبَان إِيَّاه فِي «الثِّقَات» فتفرد مِنْهُ مُخَالف لأقوال الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين، وَكَذَا إِدْخَال ابْن السكن الحَدِيث فِي «صحاحه» وَقَوله فِيهِ: يُقَال إِنَّه مَنْسُوخ.
وَأما الحَدِيث الرَّابِع وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر قَالَ الْبَيْهَقِيّ - وَقَبله الْحَاكِم -: إِنَّه بَاطِل مَوْضُوع، لَا يجوز أَن يذكر إِلَّا عَلَى سَبِيل التَّعَجُّب والقدح فِيهِ، وَقد روينَا بِالْأَسَانِيدِ الباهرة عَن مَالك بِخِلَاف هَذَا.
وَأما الحَدِيث الْخَامِس، وَهُوَ حَدِيث أنس فَقَالَ الْحَاكِم فِي
«مدخله» إِلَى معرفَة الإكليل فِي ذكر الْمَجْرُوحين: كتب تَرْجَمَة جمَاعَة وضعُوا الحَدِيث فِي الْوَقْت لحاجتهم إِلَيْهِ. قيل لمُحَمد بن عكاشة الْكرْمَانِي: إِن قوما يرفعون أَيْديهم فِي الرُّكُوع وَبعد رفع الرَّأْس مِنْهُ. فَقَالَ: نَا الْمسيب بن وَاضح، ثَنَا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس رَفعه:«من رفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع فَلَا صَلَاة لَهُ» قَالَ الْحَاكِم: وكل من رزقه الله فهما فِي نوع من الْعلم وَتَأمل هَذِه الْأَحَادِيث علم أَنَّهَا مَوْضُوعَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُحَمَّد بن عكاشة هَذَا يضع الحَدِيث. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا فِي «مَوْضُوعَاته» (وَأما حَدِيث أنس السالف عَن رِوَايَة الرَّافِعِيّ، فَهُوَ حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِف من خرجه) من حَدِيث أنس، وَالْمَعْرُوف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى قَالَ: لم نَحْفَظ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه رفع يَده الرّفْع كُله إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن: الاستقساء، والاستنصار، وَعَشِيَّة عَرَفَة ثمَّ كَانَ بعد رفع دون رفع.
وَأما الحَدِيث السَّادِس، وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة ضَعِيف أَيْضا؛ بل مَوْضُوع كَمَا سلف؛ فَإِن مَأْمُون بن أَحْمد السّلمِيّ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده كَذَّاب، قَالَ ابْن حبَان: كَانَ دجالًا من الدجاجلة.
وَأما الحَدِيث السَّابِع، وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن عمر فَالْجَوَاب عَنْهُمَا من أوجه ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن شَيْخه أبي عبد الله الْحَاكِم:
أَحدهَا: أَن ابْن أبي لَيْلَى تفرد بِهِ، وَقد اتّفق أهل الحَدِيث عَلَى ترك الِاحْتِجَاج بِرِوَايَاتِهِ.
ثَانِيهَا: أَن وكيعًا رَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِمَا. قَالَ الْحَاكِم: ووكيع أثبت من كل من رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي لَيْلَى. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : حَدِيث ابْن عَبَّاس لَا يعرف مُسْندًا؛ إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَيْهِ.
ثَالِثهَا: أَن شُعْبَة بن الْحجَّاج قَالَ: لم يسمع الْحَاكِم من مقسم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث مِنْهَا فَيكون مُنْقَطِعًا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن جريج فَقَالَ: حدثت عَن مقسم. وَبِذَلِك لَا تثبت الْحجَّة.
رَابِعهَا: أَن جمَاعَة من التَّابِعين رَوَوْهُ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة المأثورة عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر «أَنَّهُمَا كَانَا يرفعان أَيْدِيهِمَا عِنْد الرُّكُوع وَبعد الرّفْع مِنْهُ» كَمَا قدمنَا ذكره وأسنداه إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
خَامِسهَا: أَن فِي جَمِيع هَذِه (الرِّوَايَات)«ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن» وَلَيْسَ فِي رِوَايَة مِنْهَا «لَا ترفع) إِلَّا فِي سبع مَوَاطِن) .
قلت: قد رَوَاهُ كَذَلِك مَوْقُوفا (عَلَيْهِمَا) سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» لَكِن قَالَ الْحَاكِم: يَسْتَحِيل أَن يكون (لَا ترفع الْأَيْدِي إِلَّا فِي سبع مَوَاطِن) وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار المأثورة بِأَن الْأَيْدِي ترفع فِي مَوَاطِن كَثِيرَة غير المواطن السَّبْعَة؛ فَمِنْهَا: الاسْتِسْقَاء، وَدُعَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لدوس، وَرفع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الدُّعَاء فِي الصَّلَوَات وَأمره بِهِ، وَرفع الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح وَالْوتر.
وَأما الحَدِيث الثَّامِن، وَهُوَ حَدِيث عباد بن عبد الله بن الزبير فَهُوَ
مُرْسل؛ لِأَن عبادًا من التَّابِعين قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» (قَالَ) : وَقد رُوِيَ عَن أَبِيه ضِدّه.
وَأما الحَدِيث التَّاسِع، وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس فَهُوَ غَرِيب غير مَعْرُوف، وَكَذَا. الحَدِيث الْعَاشِر، حَدِيث ابْن الزبير لَا نعلم من رَوَاهُ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ (فِي (تَحْقِيقه)) : لَا يعرفان أصلا. قَالَ: وَالْمَحْفُوظ عَنْهُمَا الرّفْع؛ فروَى أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَيْمُون الْمَكِّيّ (أَنه رَأَى ابْن الزبير (صَلَّى) بهم يُشِير بكفيه حِين يقوم وَحين يرْكَع وَحين يسْجد (قَالَ:) فَذَهَبت إِلَى ابْن عَبَّاس فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ: إِن أَحْبَبْت أَن تنظر إِلَى صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بِصَلَاة عبد الله بن الزبير) قَالَ: وَرَوَى طَاوس عَن ابْن عَبَّاس (أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي المواطن الثَّلَاثَة) .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (خلافياته) : وَلَهُم خبر آخر رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن بشر بن حَرْب، عَن ابْن عمر قَالَ:(أَرَأَيْتُم رفعكم أَيْدِيكُم فِي الصَّلَاة هَكَذَا إِنَّهَا لبدعة، مَا زَاد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا، وَرفع حَمَّاد يَدَيْهِ حَذْو (مَنْكِبَيْه) أَو نَحْو ذَلِك) قَالَ: وَهَذَا مُجمل بُيِّن فِي رِوَايَة أُخْرَى عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن بشر، عَن ابْن عمر:(وَالله إِن رفعكم أَيْدِيكُم فِي السَّمَاء لبدعة - يحلف عَلَيْهَا ثَلَاثًا - مَا زَاد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا، وَرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه) .
قَالَ الدَّارمِيّ: فَهَذَا دَلِيل وَاضح عَلَى أَنه فِي الدُّعَاء لَا فِي التَّكْبِير
عِنْد الرُّكُوع؛ فَإِن أَبيت إِلَّا أَن تحتج بِهِ كَانَ عَلَيْك وَلنَا (إِنَّه) قد أَبَاحَ رَفعهَا عَلَى كل حَال، وَلَو صَحَّ هَذَا عَن ابْن عمر - كَمَا رويت عِنْد الرُّكُوع - لم يكن لَك فِيهِ كثير رَاحَة؛ لِأَن بشر بن حَرْب لَيْسَ لَهُ من التَّقَدُّم فِي الرِّوَايَة مَا يدْفع بروايته رِوَايَة الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ (رِوَايَة) بضعَة عشر رجلا، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفعل أمة من أَصْحَاب مُحَمَّد (وَالتَّابِعِينَ سَمِعت يَحْيَى بن معِين يضعف بشرا فِي الحَدِيث، وَرَوَى حُسَيْن بن وَاقد، عَن بشر بن حَرْب، عَن ابْن عمر قَالَ: (وَالله مَا رفع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَوق صَدره فِي الدُّعَاء) .
قَالَ الْحَاكِم: فَهَذَا الْحُسَيْن بن وَاقد - عَلَى صدقه وإتقانه - قد أَتَى بِالْمَعْنَى الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ.
قلت: وَقد انْتَهَى الْجَواب (عَن) الْأَحَادِيث الَّتِي ظن أَنَّهَا مُعَارضَة، وَأَنه يرد بهَا الْأَخْبَار الثَّابِتَة كالأساطين. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» (بعد أَن ذكر) حَدِيث ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة وَأنس وضعفها مَا (أبله) من وضع هَذِه الْأَحَادِيث ليقاوم بهَا الْأَحَادِيث الصِّحَاح.
وَأما الْآثَار فأثر عَلّي رضي الله عنه ضَعِيف لَا يَصح عَنهُ، وَمِمَّنْ ضعفه البُخَارِيّ ثمَّ رُوِيَ تَضْعِيفه عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي
«سنَنه» و «خلافياته» عَن عُثْمَان الدَّارمِيّ أَنه قَالَ: قد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عَلّي من هَذَا الطَّرِيق الواهي، وَقد رَوَى عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن عَلّي (أَنه رَأَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم (يرفعهما) عِنْد الرُّكُوع (وَبعد) رفع رَأسه (مِنْهُ)) فَلَيْسَ الظَّن أَنه يخْتَار فعله عَلَى فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَلَكِن (لَيْسَ) أَبُو بكر النَّهْشَلِي - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - مِمَّن يحْتَج بروايته (أَو تثبت) بِهِ سنة لم يَأْتِ بهَا غَيره.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الزَّعْفَرَانِي: قَالَ الشَّافِعِي: (وَلَا يثبت) عَن عَلّي وَابْن مَسْعُود - يَعْنِي: مَا رُوِيَ عَنْهُمَا - «أَنَّهُمَا كَانَا لَا يرفعان أَيْدِيهِمَا فِي غير تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح» . قَالَ الشَّافِعِي: وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن عَلّي، فَأخذ بِهِ وَترك مَا رَوَى عَاصِم، عَن أَبِيه، عَن وَائِل بن حجر (أَنه عليه السلام رفع يَدَيْهِ) كَمَا رَوَى ابْن عمر. قَالَ الشَّافِعِي: وَلَو كَانَ ثَابتا (عَنْهُمَا) لأشبه أَن يكون الرَّاوِي رآهما مرّة أغفلا ذَلِك. قَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل: ذهب (عَنْهُمَا) حفظ ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (وَحفظ) ابْن عمر (لكَانَتْ لَهُ حجَّة) . وَأما (أثر) عمر رضي الله عنهما فَقَالَ
الْحَاكِم: هِيَ رِوَايَة شَاذَّة لَا تقوم بهَا الْحجَّة وَلَا تعَارض بهَا الْأَخْبَار الصَّحِيحَة المأثورة (أَنه) أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ. قَالَ: وَقد رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الزبير بن عدي، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَنهُ وَلم يذكر فِيهِ:(ثمَّ لَا يعود) وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الْأَثر عَن عمر لَا يَصح عَنهُ وَفِي ذَلِك رد عَلَى تَصْحِيح الطَّحَاوِيّ لَهُ. وَأما أثر ابْن عمر فَقَالَ البُخَارِيّ: قد خُولِفَ فِي ذَلِك عَن مُجَاهِد، قَالَ وَكِيع (عَن) الرّبيع بن صبيح قَالَ: رَأَيْت مُجَاهدًا يرفع يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع. وَقَالَ جرير، عَن لَيْث، عَن مُجَاهِد إِنَّه كَانَ يرفع يَدَيْهِ. وَهَذَا أحفظ عِنْد أهل الْعلم. وَقَالَ صَدَقَة: إِن الَّذِي رَوَى حَدِيث مُجَاهِد أَنه لم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولَى كَانَ صَاحبه قد تغير بِأخرَة. قَالَ البُخَارِيّ: وَالَّذِي رَوَاهُ الرّبيع وَاللَّيْث أولَى مَعَ رِوَايَة طَاوس وَسَالم وَنَافِع وَأبي الزبير ومحارب ابْن دثار وَغَيرهم قَالُوا: «رَأينَا ابْن عمر يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا (رفع) » وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَن الْمَحْفُوظ فِي ذَلِك عَن أبي بكر بن عَيَّاش إِنَّمَا هُوَ عَن عبد الله بن مَسْعُود لَا عَن عبد الله بن عمر.
وَأما أثر أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عمر فَرَوَاهُ سوار بن مُصعب عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ هما ضعيفان، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا خبر لَا يستجيز الِاحْتِجَاج بِهِ من يرجع إِلَى أدنَى معرفَة بِالرِّجَالِ؛ فَإِن عَطِيَّة بن سعيد الْعَوْفِيّ ذَاهِب بِمرَّة. وَأما سوار بن مُصعب فَإِنَّهُ أَسْوَأ حَالا مِنْهُ، قَالَ يَحْيَى بن معِين فِي حَقه إِنَّه زائغ غير مُحْتَج بحَديثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. فقد ظهر
- بِحَمْد الله وَمِنْه - ضعف مَا عَارض الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة والنصوص الصَّرِيحَة.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن الإِمَام أبي بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه أَنه قَالَ: قد صَحَّ رفع الْيَدَيْنِ - يَعْنِي فِي الْمَوَاضِع الْمُتَقَدّمَة - عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين ثمَّ عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلَيْسَ فِي نِسْيَان ابْن مَسْعُود رفع الْيَدَيْنِ مَا يُوجب أَن هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة لم يرَوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم رفع يَدَيْهِ، قد نسي ابْن مَسْعُود من الْقُرْآن مَا لم يخْتَلف الْمُسلمُونَ فِيهِ بعد وَهُوَ المعوذتان، وَنسي مَا اتّفق الْعلمَاء كلهم عَلَى نسخه وَتَركه من التطبيق، وَنسي كَيْفيَّة قيام الِاثْنَيْنِ خلف الإِمَام، وَنسي مَا لم يخْتَلف الْعلمَاء فِيهِ «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْح يَوْم النَّحْر فِي وَقتهَا» وَنسي كَيْفيَّة جمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَة وَنسي كَيفَ كَانَ يقْرَأ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى) وَإِذا جَازَ عَلَى عبد الله أَن ينسَى مثل هَذَا فِي الصَّلَاة خَاصَّة كَيفَ لَا يجوز مثله فِي رفع الْيَدَيْنِ؟ ! وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن الرّبيع قَالَ: قلت للشَّافِعِيّ: مَا مَعْنَى رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع؟ فَقَالَ: مثل مَعْنَى رفعهما عِنْد الِافْتِتَاح تَعْظِيمًا لله - تَعَالَى - وَسنة متبعة يُرْجَى بهَا ثَوَاب الله - تَعَالَى - وَمثل رفع الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّفَا والمروة وَغَيرهمَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: اجْتمع الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري بمنى فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ للثوري: لم لَا ترفع يَديك فِي خفض الرُّكُوع وَرَفعه؟ فَقَالَ الثَّوْريّ: نَا يزِيد بن أبي زِيَاد، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: أروي لَك
عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وتعارضني بِيَزِيد بن أبي زِيَاد وَيزِيد رجل ضَعِيف وَحَدِيثه مُخَالف للسّنة؟ ! فاحمار وَجه الثَّوْريّ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: كَأَنَّك كرهت مَا قلت؟ ! قَالَ: نعم. فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: قُم بِنَا إِلَى الْمقَام نلتعن أَيّنَا عَلَى الْحق. فَتَبَسَّمَ الثَّوْريّ لما رَأَى الْأَوْزَاعِيّ قد احتد.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي فِي مناظرته مَعَ مخالفه فِي ذَلِك مناظرة طَوِيلَة مُشْتَمِلَة عَلَى مهمات تركتهَا خشيَة التَّطْوِيل فلتراجع مِنْهَا، وَقَالَ البُخَارِيّ: نسَاء بعض الصَّحَابَة أعلم إِن من هَؤُلَاءِ «كَانَت أم الدَّرْدَاء ترفع يَديهَا فِي الصَّلَاة حَذْو منكبيها حِين تفتتح الصَّلَاة وَحين تركع، وَإِذا قَالَت: سمع الله لمن حَمده رفعت يَديهَا وَقَالَت: رَبنَا لَك الْحَمد» قَالَ البُخَارِيّ: وَلم يثبت عِنْد أهل الْبَصْرَة مِمَّن أدركنا من أهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق مِنْهُم الْحميدِي وَعلي بن الْمَدِينِيّ، وَيَحْيَى بن معِين، وَأحمد بن حَنْبَل، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هَؤُلَاءِ أهل الْعلم من أهل زمانهم لم يثبت عَن وَاحِد مِنْهُم (عَلمته) فِي ترك رفع الْأَيْدِي عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا عَن أحد من الصَّحَابَة أَنه لم يرفع يَدَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يرفع يَدَيْهِ، وَهُوَ أكبر أهل زَمَانه علما فِيمَا يعرف، فَلَو لم يكن عِنْد من لَا يعلم عَن السّلف علما فاقتدى بِابْن الْمُبَارك فِيمَا اتبع فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَكَانَ أولَى
بِهِ من أَن يَقْتَدِي بقول من لَا يعلم، وَقَالَ معمر: قَالَ ابْن الْمُبَارك: صليت إِلَى جنب النُّعْمَان فَرفعت يَدي، فَقَالَ: مَا خشيت أَن تطير! قلت: إِن لم أطر فِي (الأولَى) لم أطر فِي الثَّانِيَة. وَلما رَوَى البُخَارِيّ الرّفْع فِي الْمَوَاضِع السالفة عَن أَعْلَام أَئِمَّة الْإِسْلَام من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم، قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وَالْعراق قد اتَّفقُوا عَلَى رفع الْأَيْدِي. ثمَّ رَوَاهُ عَن جماعات آخَرين ثمَّ قَالَ: فَمن زعم أَن رفع الْأَيْدِي بِدعَة (فقد) طعن فِي أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالسَّلَف وَمن بعدهمْ وَأهل الْحجاز وَأهل الْمَدِينَة وَمَكَّة وعدة من أهل الْعرَاق وَأهل الشَّام واليمن وعلماء خُرَاسَان مِنْهُم ابْن الْمُبَارك حَتَّى شُيُوخنَا، وَلم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة ترك الرّفْع، وَلَيْسَ أَسَانِيد أصح من أَسَانِيد الرّفْع. قَالَ: وَأما رِوَايَة الرّفْع فِي الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ وَرِوَايَة الرّفْع فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَفِي الْقيام من الرَّكْعَتَيْنِ فالجميع صَحِيح؛ لأَنهم لم يحكوا صَلَاة وَاحِدَة (فَاخْتَلَفُوا) فِيهَا بِعَينهَا مَعَ أَنه لَا (اخْتِلَاف) فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا زَاد بَعضهم عَلَى بعض، وَالزِّيَادَة مَقْبُولَة من أهل الْعلم، وَالله - تَعَالَى - أعلم.
وَإِذا انْتَهَى الْكَلَام (بِنَا) فِي الرّفْع، وَهُوَ من الْمُهِمَّات وَقد اجْتمع فِيهِ - بِفضل الله - مَا لم يجْتَمع فِي غَيره من المصنفات مَعَ رِعَايَة الِاخْتِصَار
فنعود إِلَى مَا نَحن بصدده من تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ وآثاره.
(نجزُ الْجُزْء الثَّانِي - بِفضل الله وَمِنْه - يتلوه فِي الَّذِي يَلِيهِ الحَدِيث الْعَاشِر حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصَلى الله عَلَى سيدنَا مُحَمَّد وَعَلَى آله وَصَحبه وَسلم كلما ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون.
غفر الله لمن كتبه لأَجله آمين) .