الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْبِيهَانِ:
الأول: وَقع فِي «الْمُهَذّب» إِسْقَاط الْألف فِي «أَحَق» و (الْوَاو) فِي «وكلنَا» وَهُوَ كَذَلِك فِي «سنَن النَّسَائِيّ» وَهُوَ يرد قَول النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» الَّذِي رَوَاهُ سَائِر الْمُحدثين بإثباتهما، وَأَن الْوَاقِع فِي كتب الْفُقَهَاء بإسقاطهما، وَقد تعرض القَاضِي الْحُسَيْن فِي تَعْلِيقه للروايتين.
وَقد أوضحت كل ذَلِك فِي تخريجي لأحاديث «الْوَسِيط» فَرَاجعه مِنْهُ.
الثَّانِي: فِي ضبط أَلْفَاظ وَقعت فِي الحَدِيث وإعرابها والتنبيه عَلَى مَعَانِيهَا، وَقد أوضحت كل ذَلِك فِي لُغَات «الْمِنْهَاج» فَرَاجعهَا مِنْهُ.
الحَدِيث الثَّامِن بعد الْخمسين
(أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يَدْعُو عَلَى قاتلي أَصْحَابه ببئر مَعُونَة (ثمَّ) ترك، فَأَما فِي الصُّبْح فَلم يزل يقنت حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من طرق ثَلَاثَة عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس لَفظه فِي أَحدهَا:(كَمَا) ذكره الرَّافِعِيّ ذكره من طَرِيق عبيد الله بن مُوسَى، عَن أبي جَعْفَر بِهِ
وَلَفظه فِي ثَانِيهَا: «مَا زَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقنت فِي الْفجْر حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» ذكره من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن أبي جَعْفَر بِهِ. وَفِي ثَالِثهَا: عَن الرّبيع بن أنس: «كنت جَالِسا عِنْد أنس فَقيل لَهُ: إِنَّمَا قنت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شهرا. فَقَالَ: مَا زَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقنت (فِي صَلَاة) الْغَدَاة حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» ذكره من طَرِيق أبي نعيم، عَن أبي جَعْفَر بِهِ. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ كَمَا سلف.
وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب من حَدِيث جَعْفَر الْأَحْمَر، (عَن أبي جَعْفَر)، عَن الرّبيع بن أنس قَالَ:«كنت عِنْد أنس بن مَالك فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ: مَا تَقول فِي الْقُنُوت؟ فبدره رجل فَقَالَ: قنت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَقَالَ أنس: لَيْسَ كَمَا تَقول؛ قنت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَبضه الله عز وجل» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي جَعْفَر، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس قَالَ:«مَا زَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق (عبيد الله بن مُوسَى السالف، ثمَّ من حَدِيث أبي نعيم السالف أَيْضا ثمَّ قَالَ) أَبُو عبد الله - يَعْنِي الْحَاكِم -: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح سَنَده، ثِقَة رُوَاته. وَالربيع بن أنس تَابِعِيّ مَعْرُوف من أهل الْبَصْرَة سمع أنسا و (رَوَى) عَنهُ ابْن الْمُبَارك وَغَيره، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن الرّبيع بن أنس فَقَالَ: صَدُوق ثِقَة. زَاد
غَيره عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ: ذاكرت بِهِ بعض الْحفاظ (فَقَالَ) : غير الرّبيع بن أنس (فَمَا زلت) أتأمل التواريخ وأقاويل الْأَئِمَّة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَلم أجد (أحدا) طعن فِيهِ. وَقَالَ الْعجلِيّ: بَصرِي صَدُوق. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس.
قلت: وَأما أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عِيسَى بن ماهان فقد اخْتلف فِيهِ، فَقَالَ الإِمَام أَحْمد: صَالح الحَدِيث. كَذَا رَوَاهُ حَنْبَل عَنهُ، وَأخرج الحَدِيث وَصَححهُ من جِهَته، وَقَالَ عبد الله ابْنه عَنهُ: لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «ناسخه ومنسوخه» : وَالرِّوَايَة الأولَى عَن الإِمَام أَحْمد أولَى (ويؤكدها) إِخْرَاجه حَدِيثه فِي «مُسْنده» وَعَن يَحْيَى فِيهِ رِوَايَات: أَحدهَا: ثِقَة، قَالَه إِسْحَاق بن مَنْصُور عَنهُ. ثَانِيهَا: يكْتب حَدِيثه لكنه يُخطئ، قَالَه ابْن أبي مَرْيَم عَنهُ. ثَالِثهَا: صَالح، قَالَه ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ. رَابِعهَا: ثِقَة وَهُوَ يغلط فِيمَا يروي عَن مُغيرَة، قَالَه الدوري عَنهُ. وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ من رِوَايَته عَن مُغيرَة. خَامِسهَا: صَدُوق لَيْسَ بمتقن، قَالَه السَّاجِي عَنهُ. وَذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي عَن السَّاجِي نَفسه، وَإِنَّمَا (ذكره رِوَايَة، كَذَا) هُوَ فِي جرحه وتعديله. وَكَذَا نَقله (عَنهُ) ابْن حزم. وَاخْتلف النَّقْل فِيهِ عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ، فَقَالَ مرّة: هُوَ نَحْو
مُوسَى بن عُبَيْدَة، يخلط فِيمَا رَوَى عَن مُغيرَة وَنَحْوه. وَقَالَ مرّة: كَانَ عندنَا ثِقَة، وَهَذِه رِوَايَة مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَنهُ، وَالْأولَى رِوَايَة وَلَده عَنهُ. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله (بن عمار) الْموصِلِي: ثِقَة. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي الفلاس فِيهِ: صَدُوق وَهُوَ من أهل الصدْق سيئ الْحِفْظ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: شيخ يهم كثيرا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة صَدُوق صَالح الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن خرَاش: سيئ الْحِفْظ صَدُوق. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث صَالِحَة، وَقد رَوَى عَنهُ النَّاس، وَأَحَادِيثه عامتها مُسْتَقِيمَة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ ثِقَة، وَكَانَ يقدم بَغْدَاد يسمعُونَ مِنْهُ. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي بَاب صَلَاة الْكُسُوف: البُخَارِيّ وَمُسلم (قد) هجرا أَبَا جَعْفَر الرَّازِيّ وَلم يخرجَا عَنهُ، وحاله عِنْد سَائِر الْأَئِمَّة أحسن الْحَال. وَقَالَ مرّة: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «الِاسْتِغْنَاء» : هُوَ عِنْدهم ثِقَة عَالم بتفسير الْقُرْآن. وَذكره ابْن شاهين فِي «ثقاته» وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «ناسخه ومنسوخه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَأَبُو جَعْفَر ثِقَة. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» بعد أَن أخرج الحَدِيث فِيهِ:(فِي) إِسْنَاده أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ وَقد وَثَّقَهُ غير وَاحِد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا حَدِيث قد حكم بِصِحَّتِهِ غير وَاحِد من حفاظ الحَدِيث، مِنْهُم: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَلّي الْبَلْخِي من أَئِمَّة الحَدِيث،
وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم، وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «خلاصته» : هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ جماعات من الْحفاظ وصححوه، ثمَّ ذكر أَن هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرهم ابْن الصّلاح من جملَة من صَححهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طرق بأسانيد صَحِيحَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي «مفهمه» : الَّذِي اسْتَقر (عَلَيْهِ) أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْقُنُوت مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أنس
…
فَذكر الحَدِيث. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فأعله فِي «علله المتناهية» و «تَحْقِيقه» بِأبي جَعْفَر هَذَا نصْرَة لمذهبه، وَنقل كَلَام من ضعفه فَقَط وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَاقْتصر عَلَى رِوَايَة من رَوَى التَّضْعِيف عَن أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ وَيَحْيَى بن معِين، وَمَا هَذَا فعل الْمنصف، عَلَى أَن حَدِيث أنس هَذَا من هَذَا الْوَجْه لم يتفرد بِهِ عِيسَى بن ماهان بل لَهُ (طرق) أُخْرَى غَيره ذكرتها مُوضحَة فِي تخريجي لأحاديث «الْمُهَذّب» يتَعَيَّن عَلَيْك مراجعتها مِنْهُ، وَذكرت فِيهِ أَن بَعضهم وهم فَعَزاهُ إِلَى مُسلم، وَأَن النَّوَوِيّ عزاهُ إِلَى «الْمُسْتَدْرك» (وَلَيْسَ) فِيهِ وبينت سَبَب وهمه فِي ذَلِك.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ الْقُنُوت فِي الصُّبْح أَيْضا عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْعَوام بن حَمْزَة قَالَ: «سَأَلت أَبَا عُثْمَان عَن الْقُنُوت فِي الصُّبْح قَالَ: بعد الرُّكُوع. قلت:
عَمَّن؟ قَالَ: عَن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان» .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده حسن، و (رَوَاهُ) الْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَيْضا من طرق، وَرَوَى أَيْضا عَن عبد الله بن معقل (بِفَتْح الْمِيم) وَإِسْكَان الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف - التَّابِعِيّ قَالَ:(قنت عَلّي رضي الله عنه فِي الْفجْر) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا عَن عَلّي صَحِيح مَشْهُور.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: قَوْله: بِئْر مَعُونَة - بالنُّون - قَالَ الْحَازِمِي: فِي «المؤتلف والمختلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» : بِئْر مَعُونَة بَين جبال يُقَال لَهَا: أبلى فِي طَرِيق (المصعد) من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة وَهِي لبني سليم، قَالَه الْكِنْدِيّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ مَاء لبني عَامر بن صعصعة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: هَذِه الْبِئْر فِي أَرض بني سُليم وَبني كلاب. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: هِيَ بَين أَرض بني عَامر وحرة بني سليم، كلا البلدين مِنْهَا قريب، وَهِي من (بني) سُليم أقرب.
ثَانِيهَا: قَوْله فِي الحَدِيث السالف «ثمَّ تَركه» . المُرَاد ترك الدُّعَاء عَلَى أُولَئِكَ الْكفَّار ولعنهم فَقَط، لَا ترك جَمِيع الْقُنُوت أَو ترك الْقُنُوت فِي غير الصُّبْح، وَهَذَا التَّأْوِيل مُتَعَيّن؛ لِأَن حَدِيث أنس بعده «لم (يزل يقنت) فِي الصُّبْح حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» صَحِيح صَرِيح، فَيتَعَيَّن الْجمع بَينهمَا. وَقد رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الإِمَام أَنه قَالَ: إِنَّمَا ترك
اللَّعْن. وَيُؤَيّد هَذَا التَّأْوِيل مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قنت بعد الرُّكُوع فِي صلَاته شهرا يَدْعُو لفُلَان وَفُلَان ثمَّ ترك الدُّعَاء لَهُم» . وَمَعْنى لفُلَان: عَلَى فلَان، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى:(وَإِن أسأتم فلهَا) أَي: فعلَيْهَا، قَالَ أَصْحَابنَا: الَّذين رووا إِثْبَات الْقُنُوت أَكثر وَمَعَهُمْ زِيَادَة علم، فَتقدم روايتهم.
ثَالِثهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما مَا عدا الصُّبْح من الْفَرَائِض فَإِن نزل بِالْمُسْلِمين نازلة من وباء أَو قحط، فيقنت فِيهَا أَيْضا فِي الِاعْتِدَال عَن رُكُوع الرَّكْعَة الْأَخِيرَة كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث بِئْر مَعُونَة عَلَى مَا سبق، وَإِن لم تنزل نازلة فَفِيهِ قَولَانِ: أصَحهمَا لَا يقنت؛ لِأَنَّهُ عليه السلام ترك الْقُنُوت (فِيهَا. انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لما عَلمته. وَبَوَّبَ الْبَيْهَقِيّ ترك الْقُنُوت) فِي سَائِر الصَّلَوَات غير الصُّبْح عِنْد ارْتِفَاع النَّازِلَة وَفِي صَلَاة الصُّبْح لقوم أَو عَلَى قوم بِأَسْمَائِهِمْ أَو قبائلهم. ثمَّ ذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت فِي «صَحِيح مُسلم» قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول حِين يفرغ من صَلَاة الْفجْر من الْقِرَاءَة وَيكبر وَيرْفَع رَأسه: سمع الله لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الْحَمد ثمَّ يَقُول -[وَهُوَ قَائِم]-: «اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك عَلَى مُضر وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم كَسِنِي يُوسُف، اللَّهُمَّ الْعَن لحيان