الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : قَول جمَاعَة من مصنفي الْفُقَهَاء أَن هَذَا الحَدِيث ضَعِيف؛ مَرْدُود عَلَيْهِم.
قلت: ولعلهم أَرَادوا طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ الَّتِي فِيهَا الْعَرْزَمِي فَإِنَّهُ ضَعِيف جدًّا، بل قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» عقب ذكر رِوَايَة أبي دَاوُد الْأَخِيرَة: قد رُوِيَ فِي هَذَا عَن أنس وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ (فِي النُّفَسَاء)«أَنَّهَا تقعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة» وَفِي بَعْضهَا: «إِلَّا أَن ترَى الطُّهْر قبل ذَلِك» وَهِي أَحَادِيث معتلة بأسانيد متروكة، وأحسنها حَدِيث أبي دَاوُد
الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ
أَنه صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: «لَا تُوطأ حَامِل حتَّى تضع، ولاحائل حتَّى تحيض» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاس:«لَا تُوطأ حَامِل حتَّى تضع، وَلَا غير ذَات حمل حتَّى تحيض حَيْضَة» .
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
وَقَالَ عبد الْحق: فِي إِسْنَاده أَبُو الوداك، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين،
وَهُوَ عِنْد غَيره دون (ذَلِك) .
قَالَ ابْن الْقطَّان: ترك عبد الْحق مَا هُوَ أولَى أَن (يعل) بِهِ الْخَبَر وَهُوَ شريك بن عبد الله، فَإِنَّهُ (يرويهِ) عَن قيس بن وهب عَن أبي الوداك، وَشريك مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ مُدَلّس. قلت: قد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَأخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة.
وَذكر الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث مُعَلّقا وَقَالَ: إِنَّه أصل الِاسْتِبْرَاء. وَقَالَ فِي «الْمُخْتَصر» : «نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ عَام سبي أَوْطَاس أَن تُوطأ حَامِل حتَّى تضع وَلَا حَائِل حتَّى تحيض» وَهَذَا هُوَ عين مَا أوردهُ الرَّافِعِيّ، وَاعْترض القَاضِي عَلَى الشَّافِعِي، فَقَالَ: ذكر أول الْخَبَر بِالْمَعْنَى وَآخره بِاللَّفْظِ، وَلَو كَانَ أَتَى بِالْمَعْنَى لقَالَ: أَو حَائِل حتَّى تحيض. وَلَو أَتَى بِأول اللَّفْظ لقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: «لَا تُوطأ حَامِل حتَّى تضع» . قَالَ: وَكَانَ الأولَى بَعْدَمَا عمد إِلَى الْمَعْنى أَن ينْقل آخر الحَدِيث بِالْمَعْنَى، وَإِن كَانَ مَا فعله سائغًا فِي كَلَامهم، وَيُسمى تلوين الْكَلَام.
قلت: قد علمت أَن آخِره لم نجده بِهَذَا اللَّفْظ، فَإِذا هُوَ بِالْمَعْنَى، وَلِهَذَا الحَدِيث شَاهد من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث
ابْن صاعد، ثَنَا عبد الله بن عمرَان العائذي، ثَنَا ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن مُسلم (الجندي) ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:«نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَن تُوطأ حَامِل حتَّى تضع أَو حَائِل حتَّى تحيض» ثمَّ قَالَ: قَالَ لنا ابْن صاعد: مَا قَالُوا لنا فِي هَذَا الْإِسْنَاد أحدا عَن ابْن عَبَّاس إِلَّا العائذي. وَله شَاهد ثَالِث أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَكِن بِإِسْنَاد ضَعِيف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من حَدِيث بَقِيَّة، عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه:«أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ نهَى فِي وقْعَة أَوْطَاس أَن يَقع الرجل عَلَى حَامِل حتَّى تضع» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن دَاوُد إِلَّا الْحجَّاج تفرد بِهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَلَا رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل إِلَّا بَقِيَّة.
فَائِدَة: أَوْطَاس - بِفَتْح أَوله وبالطاء وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ - وادٍ فِي بِلَاد هوَازن، وَبِه كَانَت غَزْوَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ هوَازن.
قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فِي كَلَامه عَلَى نِكَاح الْمُتْعَة: عَام أَوْطَاس وعام الْفَتْح وَاحِد، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب «الْآيَات الْبَينَات» : وَكَانَت بعد فتح مَكَّة بِيَوْم.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وَأما آثاره فَثَلَاثَة:
(أَولهَا) عَن عَلّي رضي الله عنه: «إِن أقل الْحيض يَوْم وَلَيْلَة» .
ثَانِيهَا: عَنهُ (أَيْضا) أَنه قَالَ: «مَا زَاد عَلَى خَمْسَة عشر فَهُوَ اسْتِحَاضَة» وَلَا يحضرني من خرجها.
ثَالِثهَا: مَذْهَب عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ: «من جَامع فِي الْحيض فَعَلَيهِ عتق رَقَبَة» وَهَذَا ورد فِي خبر مَرْفُوع لكنه ضَعِيف، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ:«جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أصبت امْرَأَتي وَهِي حَائِض. فَأمره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَن يعْتق النَّسمَة، وَقِيمَة النَّسمَة يومئذٍ دِينَار» .
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث مُنكر، تفرد بروايته عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم. قَالَ أَحْمد: قلب أَحَادِيث شهر بن حَوْشَب فَجَعلهَا حَدِيث الزُّهْرِيّ وَجعل يُضعفهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث.
قلت: وَهَذَا عَجِيب إِذْ يروي لَهُ فِي «سنَنه» وَيَقُول: هُوَ مَتْرُوك! وَقَالَ صَاحب «الإِمَام» : عبد الرَّحْمَن هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث. وَضَعفه الإِمَام أَحْمد أَيْضا، وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَلَا يَصح فِي إتْيَان الْحَائِض إِلَّا التَّحْرِيم. وَهَذَا قد أسلفناه عَنهُ فِي أثْنَاء الْكَلَام عَلَى الحَدِيث الْحَادِي عشر من هَذَا الْبَاب.
وأسلفنا هُنَاكَ عَن ابْن الْقطَّان أَنه قَالَ: لَا يعول عَلَى هَذَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر، وَفِي إِسْنَاده مُوسَى بن أَيُّوب وَهُوَ ضَعِيف.
قلت: لَا، قد وَثَّقَهُ الْعجلِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق.
(آخر الْجُزْء السَّادِس عشر من تَحْرِير المُصَنّف غفر الله لَهُ بِحَمْد الله وَمِنْه وَكَرمه.
يتلوه: كتاب الصَّلَاة) .