الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لقد سَمِعت فِي هَؤُلَاءِ تأذين إِنْسَان حسن الصَّوْت، فَأرْسل (إِلَيْنَا) » ، وَقَالَ الزبير بن بكار: كَانَ أَبُو مَحْذُورَة أحسن النَّاس وأنداهم صَوتا ولبعض (الشُّعَرَاء) من قُرَيْش فِي أَذَان أبي مَحْذُورَة:
وَمَا تَلا مُحَمَّد من سُورَة
لَأَفْعَلَنَّ فعلة مَذْكُورَة
أما وَرب الْكَعْبَة المستورة
والنغمات من أبي مَحْذُورَة
تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ هُنَا مواظبة النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَى (الْإِمَامَة) دون الْأَذَان، وَهَذَا مَشْهُور من فعله - عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - يزِيد عَلَى التَّوَاتُر (وَالله سُبْحَانَهُ أعلم بغيبه) .
الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْأَئِمَّة ضمناء، والمؤذنون أُمَنَاء؛ فأرشد الله الْأَئِمَّة (واغفر) للمؤذنين) .
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد هَكَذَا وأسنده فِي «الْأُم» عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة كَذَلِك، وَهُوَ مخرج فِي «الْمسند» أَيْضا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشَّافِعِي.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عبد الرَّزَّاق، ثَنَا معمر، عَن
الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه بِلَفْظ أبي دَاوُد (الْآتِي) .
(و) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن حَنْبَل، نَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، نَا الْأَعْمَش، عَن رجل، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة واغفر للمؤذنين) .
قَالَ: وثنا الْحسن بن عَلّي، نَا ابْن نمير، عَن الْأَعْمَش قَالَ: نبئت عَن أبي صَالح وَلَا (أَرَانِي) إِلَّا قد (سمعته) مِنْهُ، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمثلِهِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» عَن هناد، نَا أَبُو الْأَحْوَص، وَأَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح مَرْفُوعا بِلَفْظ أبي دَاوُد، (و) قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَحَفْص بن غياث وَغير وَاحِد عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَى أَسْبَاط بن مُحَمَّد، عَن الْأَعْمَش قَالَ: حدثت عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا قَالَ: وَرَوَى نَافِع بن سُلَيْمَان، عَن مُحَمَّد بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَسمعت أَبَا زرْعَة يَقُول: حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة أصح من (حَدِيث) أبي صَالح
(عَن عَائِشَة) . قَالَ: وَسمعت مُحَمَّدًا يَقُول: حَدِيث أبي صَالح عَن عَائِشَة أصح، (و) ذكر عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه لم يثبت حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَا حَدِيث (أبي) صَالح عَن عَائِشَة (فِي هَذَا) هَذَا آخر كَلَام التِّرْمِذِيّ وَنَقله.
وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل - فِيمَا نَقله عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث أصل - يَعْنِي: حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح (عَن أبي هُرَيْرَة: لَيْسَ يَقُول فِيهِ أحد: عَن الْأَعْمَش أَنه قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالح) وَالْأَعْمَش يحدث عَن ضِعَاف.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : بَلغنِي عَن أبي بكر بن مغور الْحَافِظ الأندلسي قَالَ عَن ابْن الْمَدِينِيّ: رَوَاهُ أَبُو صَالح عَن عَائِشَة بِإِسْنَاد جيد، وطرق أبي هُرَيْرَة معلولة (وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ) : لم يسمع هَذَا الحَدِيث سُهَيْل من أَبِيه؛ إِنَّمَا سَمعه من الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، وَالْأَعْمَش لم يسمعهُ يَقِينا من أبي صَالح؛ إِنَّمَا يَقُول فِيهِ: نبئت عَن أبي صَالح، وَلَا أرَى إِلَّا قد (سمعته) مِنْهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» : خَفِي عَلَى عبد الْحق انْقِطَاعه، ومعنعن الْأَعْمَش عرضه لتبيين الِانْقِطَاع، فَإِنَّهُ مُدَلّس (ثمَّ) ذكر رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة
المصرحة بالانقطاع، ثمَّ قَالَ: وَفِي كتاب عَبَّاس الدوري عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: لم يسمع الْأَعْمَش (هَذَا الحَدِيث) من أبي صَالح. وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» عَن ابْن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب مَرْفُوعا إِلَّا حَدِيث رَوَاهُ الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُرْسلا. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي (تَارِيخه) : الحَدِيث حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة وَسَائِر ذَلِك أَوْهَام. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : حَدِيث أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا هُوَ الصَّوَاب. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ إِنَّه أصح لما سَأَلَهُ ابْنه عَن ذَلِك.
فتحصلنا عَلَى ثَلَاث مقالات فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة (إِحْدَاهَا: أَنَّهُمَا لَا يصحان) وَهُوَ قَول عَلّي ابْن الْمَدِينِيّ، إِنَّمَا صَحَّ مُرْسلا.
ثَانِيهَا: أَن حَدِيث عَائِشَة أصح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - وَهُوَ قَول البُخَارِيّ.
ثَالِثهَا: عَكسه وَهُوَ قَول أبي زرْعَة وجماعات - كَمَا سلف - وَأما أَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُ صححهما، فَإِنَّهُ أخرجهُمَا فِي «صَحِيحه» وَهَذِه مقَالَة رَابِعَة، رَوَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة من حَدِيث قُتَيْبَة بن سعيد، نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:
(الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، فأرشد الله الْأَئِمَّة (واغفر) للمؤذنين) .
وَرَوَى حَدِيثه عَائِشَة (من) حَدِيث ابْن وهب، عَن حَيْوَة بن شُرَيْح، عَن نَافِع بن سُلَيْمَان (أَن) مُحَمَّد بن أبي صَالح أخبرهُ عَن أَبِيه، أَنه سمع عَائِشَة تَقول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن؛ فأرشد الله الْأَئِمَّة وَعَفا عَن المؤذنين) ثمَّ قَالَ: قد سمع هَذَا الْخَبَر أَبُو صَالح السمان، عَن عَائِشَة عَلَى حسب مَا ذَكرْنَاهُ وسَمعه من أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا؛ فَمرَّة حدث (بِهِ) عَن عَائِشَة، وَأُخْرَى عَن أبي هُرَيْرَة، وَتارَة وَقفه عَلَيْهِ وَلم يرفعهُ، وَأما الْأَعْمَش؛ فَإِنَّهُ سَمعه من أبي صَالح عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا قَالَ: وَقد وهم من أَدخل بَين سُهَيْل وَأَبِيهِ فِيهِ الْأَعْمَش؛ لِأَن الْأَعْمَش سَمعه من سُهَيْل لَا أَن سهيلًا سَمعه من الْأَعْمَش. هَذَا آخر كَلَامه.
(وَذكره) ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» أَيْضا قَالَ: وَله طرق عَن أبي هُرَيْرَة.
وَقَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، عَن قُتَيْبَة، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد (عَن سُهَيْل) عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقد رَوَى مُسلم بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحْو أَرْبَعَة عشر حَدِيثا.
انْتَهَى. يُرِيد بذلك أَنه عَلَى شَرط مُسلم.
قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَالِث؛ رَوَاهُ السراج فِي «مُسْنده» عَن أَحْمد بن حَفْص بن عبد الله قَالَ: حَدثنِي أبي (قَالَ) حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، ثَنَا سُلَيْمَان الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة واغفر للمؤذنين) .
وَله طَرِيق رَابِع واه رَوَاهُ أَحْمد، وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي غَالب، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا:(الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رُوِيَ مَرْفُوعا هَكَذَا وموقوفًا عَلَى أبي أُمَامَة: (الإِمَام ضَامِن، وَالْأَذَان أحب إِلَيّ من الْإِمَامَة، المؤذنون أُمَنَاء النَّاس، يفضلون النَّاس لطول أَعْنَاقهم) .
قَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج (بغالب) إِلَّا إِذا وَافق الثِّقَات.
وَله طَرِيق خَامِس من (حَدِيث) جَابر ذكرهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» وَضعف إِسْنَاده، وَجَاءَت رِوَايَة غَرِيبَة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف رَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَالْبَزَّار من حَدِيث أبي حَمْزَة السكرِي، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة واغفر للمؤذنين. قَالُوا: يَا
رَسُول الله، لقد تركتنا نتنافس فِي الْأَذَان بعْدك. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّه يكون بعدِي - أَو بعدكم - قوم (سفلتهم) مؤذنوهم) . (رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» ) وَقَالَ: هَذِه الزِّيَادَة لَا تَجِيء إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَهُوَ إِسْنَاد رِجَاله ثِقَات معروفون إِلَّا أَن أَحْمد بن حَنْبَل ضعف الحَدِيث كُله. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا سلف من عِلّة الِانْقِطَاع فِيمَا بَين الْأَعْمَش وَأبي صَالح.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا عيب للإسناد إِلَّا هَذَا (قَالَ) : وَلَا مبالاة بقول الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» إِنَّهَا لَيست مَحْفُوظَة لثقة أبي حَمْزَة مُحَمَّد بن مَيْمُون الرَّاوِي عَن الْأَعْمَش، وَكَذَا بَاقِي رجالها.
فَائِدَة: الضَّمَان فِي اللُّغَة هُوَ (الْكِفَايَة) وَالْحِفْظ وَالرِّعَايَة (قَالَه) الْهَرَوِيّ وَغَيره، وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ هُنَا عَلَى خَمْسَة أوجه، أَحدهَا: أَنهم ضمناء لما غَابُوا (عَلَيْهِ) من الْقِرَاءَة والإسرار بِالْقِرَاءَةِ وَالذكر، قَالَه الشَّافِعِي فِي «الْأُم»
ثَانِيهَا: المُرَاد ضَمَان الدُّعَاء أَن يعم الْقَوْم بِهِ وَلَا يخص نَفسه.
ثَالِثهَا: لِأَنَّهُ يتَحَمَّل الْقِرَاءَة وَالْقِيَام عَن الْمَسْبُوق، حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ فِي «شرح السّنة» .
رَابِعهَا: أَنه يحفظ عَلَى الْقَوْم صلَاتهم، وَلَيْسَ هُوَ من الضَّمَان
الْمُوجب للغرامة (قَالَه) الْخطابِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» أَن مَعْنَى ذَلِك الْتِزَام (شُرُوطهَا) وَحفظ (صلَاته) فِي نَفسه؛ لِأَن صَلَاة (الْمَأْمُوم) تبنى عَلَيْهِ.
خَامِسهَا: (مَعْنَاهُ) أَنهم إِذا قَامُوا بِالصَّلَاةِ جمَاعَة سقط فرض الْكِفَايَة (عَن) سَائِر البَاقِينَ بفعلهم، وَفِي (أَمَانَة) المؤذنين ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَنهم أُمَنَاء عَلَى مَوَاقِيت الصَّلَاة. ثَانِيهَا: أَنهم أُمَنَاء عَلَى حرم النَّاس؛ لأَنهم يشرفون عَلَى الْمَوَاضِع الْعَالِيَة. ثَالِثهَا: أَنهم أُمَنَاء فِي تبرعهم بِالْأَذَانِ.
قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : وَالْعَفو يكون لمن اسْتوْجبَ النَّار من عباده، والغفران هُوَ الرِّضَا نَفسه؛ فَلَا يكون لمن اسْتوْجبَ النيرَان، ونازعه الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: فِيمَا ذكره نظر؛ فَإِن صفة الرِّضَا أبلغ من صفة الْمَغْفِرَة؛ لِأَن الْمَغْفِرَة تَسْتَلْزِم ذَنبا يغْفر، وَالرِّضَا قد لَا (يستلزمه) بل قد ينشأ لكَمَال حَال المرضي عَنهُ وَعدم تَقْصِيره بذنب، فالمغايرة بَينهمَا ثَابِتَة إِذا، وَأما الغفران وَالْعَفو فَالْوَجْه أَن يُقَال إنَّهُمَا - وَإِن تَغَيَّرت حقيقتهما - يرجعان إِلَى مَعْنَى وَاحِد، وَلذَلِك (تواردا) فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَن الْعَفو فِي الأَصْل إِمَّا