الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَالِثهَا: أَن مِنْهُم من (يوقفه) ذكره ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» حاكيًا (لَهُ) عَن بَعضهم.
رَابِعهَا: ذكره الْأَثْرَم أَيْضا حَيْثُ قَالَ: إِنَّه لم يروه غير حسان بن إِبْرَاهِيم.
قلت: هُوَ (الْكرْمَانِي) قَاضِي كرمان من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة وَابْن معِين. (وَقَالَ) ابْن عدي: قد حدث بإفرادات كَثِيرَة، وَهُوَ عِنْدِي من أهل الصدْق، إِلَّا أَنه يغلط فِي الشَّيْء، وَلَيْسَ (مِمَّن) يظنّ بِهِ أَنه يتَعَمَّد فِي بَاب الرِّوَايَة إِسْنَادًا ومتنًا؛ وَإِنَّمَا هُوَ وهم مِنْهُ، وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: رُبمَا أَخطَأ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
(فَائِدَة: تسجر - بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْجِيم - توقد، قَالَ الْجَوْهَرِي: سجرت التَّنور أسجره سجرًا إِذا أحميته، وَمِنْه: (وَإِذا الْبحار سجرت) .
الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين
عَن مُجَاهِد، عَن أبي ذَر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:(لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَلَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس، إِلَّا بِمَكَّة) .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن عبد الله بن المؤمل، عَن حميد مولَى عفراء، عَن قيس بن سعد، عَن مُجَاهِد، عَن أبي ذَر «أنَّه (قَامَ) فَأخذ بِحَلقَة بَاب الْكَعْبَة، ثمَّ قَالَ: من عرفني فقد عرفني (وَمن لم يعرفنِي) فَأَنا جُنْدُب صَاحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَلَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس، إِلَّا بِمَكَّة، إِلَّا بِمَكَّة، إِلَّا بِمَكَّة) .
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن يزِيد، ثَنَا عبد الله بن المؤمل، عَن قيس بن سعد، عَن مُجَاهِد، عَن أبي ذَر (أَنه أَخذ بِحَلقَة بَاب الْكَعْبَة فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَلَا بعد الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس، إِلَّا بِمَكَّة إِلَّا بِمَكَّة) .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ السَّابِق إِلَّا أَنه قَالَ: «قدم [أَبُو ذَر] مَكَّة، فَأخذ بِعضَادَتَيْ الْبَاب وَقَالَ: إِلَّا بِمَكَّة - مرَّتَيْنِ» كَرِوَايَة أَحْمد.
وأعل هَذَا الحَدِيث بِوُجُوه:
أَحدهَا: الطعْن فِي عبد الله بن المؤمل المَخْزُومِي قَاضِي مَكَّة، وَقد ضَعَّفُوهُ. قَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مَنَاكِير. وَقَالَ يَحْيَى: ضَعِيف الحَدِيث.
وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس يُنكر عَلَيْهِ حَدِيثه. قَالَ ابْن الْقطَّان: إِن كَانَ قد وَثَّقَهُ ابْن معِين فَفِي بعض الرِّوَايَات عَنهُ (ضعفه وعلته شَيْئَانِ) أَحدهمَا: سوء الْحِفْظ، وَالْآخر: نَكَارَة الحَدِيث. (ونكارة الحَدِيث) كَافِيَة فِي إِسْقَاط الثِّقَة (بِمن) جربت عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: (شبه) الْمَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ قَلِيل الحَدِيث مُنكر الرِّوَايَة لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد، (ثمَّ) ذكر لَهُ مَا يُنكر عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة (حَدِيثه الضعْف) عَلَيْهِ بَين. وَذكر من جملَة مَا يُنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث، قَالَ: وَبِه يعرف. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : هُوَ سيئ الْحِفْظ فَلذَلِك اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَة عَنهُ، وَمَا علمنَا لَهُ (جرحة) تسْقط عَدَالَته، وَقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة من (جلة) الْعلمَاء، وَفِي ذَلِك مَا (يرفع) من حَاله، (وَالِاضْطِرَاب) عَنهُ لَا يسْقط حَدِيثه، وَلم يقْدَح ذَلِك فِي روايتهم، وَقد اتّفق شَاهِدَانِ عَدْلَانِ عَلَيْهِ وهما الشَّافِعِي وَأَبُو نعيم وَلَيْسَ من لم يحفظ وَلم يقم، حجَّة عَلَى من أَقَامَ وَحفظ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا كَلَام (أَوله) يُنَاقض آخِره. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث يعد فِي أَفْرَاد عبد الله بن المؤمل، وَعبد الله بن المؤمل ضَعِيف. قَالَ: إِلَّا أَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان قد تَابعه فِي ذَلِك عَن
حميد وَأقَام إِسْنَاده ثمَّ ذكر ذَلِك بِإِسْنَادِهِ، وَاقْتصر عَلَى هَذَا الْوَجْه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، ثمَّ نقل قَول أَحْمد وَيَحْيَى فِي عبد الله.
ثَانِيهَا: الطعْن فِي حميد مولَى عفراء، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حميد الْأَعْرَج لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
قلت: حميد هَذَا هُوَ ابْن قيس الْمَكِّيّ الْمُقْرِئ الْأَعْرَج أَبُو صَفْوَان، أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، رَوَى عَنهُ الْأَئِمَّة: مَالك، والسفيانان، وَغَيرهمَا. قَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث قَارِئ أهل مَكَّة. وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بحَديثه؛ إِنَّمَا يَقع الْإِنْكَار (عَلَيْهِ) فِي حَدِيثه من قبل من يروي عَنهُ. وَاخْتلف قَول أَحْمد فِيهِ (فَمرَّة) قَالَ: ثِقَة وَعَلَيْهَا اقْتصر الْمزي فِي «تهذيبه» وَقَالَ مرّة: لَيْسَ (بِالْقَوِيّ) فِي الحَدِيث نقلهَا الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» .
وَاعْلَم أَن بعض شُيُوخنَا الْتبس عَلَيْهِ حميد بن قيس الْأَعْرَج هَذَا، (بحميد) بن عمار أَو عَلّي أَو عبيد أَو عَطاء (أَقْوَال) . الْأَعْرَج الْمَتْرُوك انْفَرد بِإِخْرَاج حَدِيثه التِّرْمِذِيّ؛ فَاعْترضَ (عَلَى) الْبَيْهَقِيّ فِي
قَوْله: حميد الْأَعْرَج لَيْسَ بِالْقَوِيّ، فَقَالَ: تساهل فِي أمره، وَالَّذِي فِي الْكتب أَنه واهي الحَدِيث، وَقيل: ضَعِيف، وَقيل: مُنكر الحَدِيث، وَقيل: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: رَوَى عَن عبد الله بن الْحَارِث (عَن ابْن مَسْعُود) نُسْخَة كَأَنَّهَا مَوْضُوعَة. وَهَذَا عَجِيب من هَذَا الْمُعْتَرض فطبقتهما مُخْتَلفَة؛ فَإِن هَذَا الْمَتْرُوك لم يرو (إِلَّا) عَن عبد الله بن الْحَارِث الْمُؤَذّن، وَحميد الآخر رَوَى عَن قيس بن سعد وَجَمَاعَة.
ثَالِثهَا: الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده؛ فَرَوَاهُ سعيد بن سَالم، عَن عبد الله بن المؤمل، عَن حميد مولَى عفراء، عَن مُجَاهِد، عَن أبي ذَر وَلم يذكر قيس بن سعد.
أخرجه ابْن عدي فِي «كَامِله» من هَذَا الْوَجْه.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد [الشَّافِعِي] عَن عبد الله بن المؤمل، عَن حميد الْأَعْرَج، عَن مُجَاهِد.
قلت: وَقد أسلفنا رِوَايَة أَحْمد لَهُ، عَن يزِيد، عَن ابْن المؤمل، عَن قيس، عَن مُجَاهِد وَلم أر فِيهِ حميد [عَن] قيس.
رَابِعهَا: الِانْقِطَاع فِيمَا بَين مُجَاهِد وَأبي ذَر، (نَص) عَلَى ذَلِك الْحفاظ. قَالَ أَبُو حَاتِم: مُجَاهِد عَن أبي ذَر مُرْسل. وَقَالَ ابْن عبد
الْبر: مُجَاهِد لم يسمع مِنْهُ، (وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الْخَبَر مُنْقَطع) وَفِي ثُبُوته نظر، وَمُجاهد لَا يثبت لَهُ سَماع من أبي ذَر قَالَ صَاحب «الإِمَام» : مِمَّا يُؤَيّد هَذَا أَن ابْن عدي رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي «كَامِله» من حَدِيث اليسع بن طَلْحَة الْقرشِي قَالَ: سَمِعت مُجَاهدًا يَقُول: بلغنَا أَن أَبَا ذَر قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَخذ بحلقتي (الْكَعْبَة) يَقُول ثَلَاثًا: لَا صَلَاة بعد الْعَصْر إِلَّا بِمَكَّة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: اليسع بن طَلْحَة قد ضَعَّفُوهُ، والْحَدِيث مُنْقَطع، مُجَاهِد لم يدْرك أَبَا ذَر بِحَال. قَالَ ابْن عبد الْبر (عقب) ذكر حَدِيث حميد السالف: هَذَا حَدِيث وَإِن لم يكن بِالْقَوِيّ؛ لضعف حميد مولَى عفراء، وَلِأَن (مُجَاهدًا) لم يسمع من أبي ذَر فَفِي حَدِيث جُبَير بن مطعم (مِمَّا) يقويه وَهُوَ كَمَا قَالَ، وستعلم طرقه عَلَى الإثر.
تَنْبِيه: وَقع فِي «الْمعرفَة» للبيهقي إِطْلَاق دَعْوَى الْإِرْسَال عَلَى حَدِيث أبي ذَر هَذَا، وَهُوَ مُوَافق لقَوْل الْفُقَهَاء، والأصوليين، وَجَمَاعَة من الْمُحدثين، أَن الْمُرْسل مَا انْقَطع إِسْنَاده عَلَى أَي وَجه كَانَ انْقِطَاعه، فَهُوَ عِنْدهم بِمَعْنى الْمُنْقَطع، وَجُمْهُور الْمُحدثين قَالُوا: لَا يُسمى الحَدِيث مُرْسلا إِلَّا إِذا أخبر بِهِ التَّابِعِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.