الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البُخَارِيّ لهذين الْحَدِيثين وسياقه وَلَفظه.
الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الْعَصْر قبل أَن تغيب الشَّمْس فليتم صلَاته، وَإِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فليتم صلَاته) .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، كَمَا (أسلفناه) فِي الْكَلَام عَلَى الحَدِيث الثَّامِن.
الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين
عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: (الصَّلَاة أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله) .
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْبُوَيْطِيّ» و «الْمُخْتَصر» ، هَكَذَا بِغَيْر إِسْنَاد؛ لَكِن بِصِيغَة جزم
وَذكره أَيْضا كَذَلِك ابْن السكن فِي «صحاحه» وَهُوَ مَرْوِيّ من طرق كلهَا ضَعِيفَة.
أَحدهَا: من طَرِيق ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (الْوَقْت الأول من الصَّلَاة رضوَان الله، وَالْوَقْت الآخر عَفْو الله) .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يَعْقُوب بن الْوَلِيد
الْمدنِي، عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَيَعْقُوب هَذَا أحد الهلكى، قَالَ أَحْمد:(كَانَ) من الْكَذَّابين الْكِبَار يضع الحَدِيث، وَقَالَ يَحْيَى: لم يكن بِشَيْء كَذَّاب. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون، وَفِي رِوَايَة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث ضَعِيف الحَدِيث، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة (و) الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ (مَوْضُوع) . وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَهُوَ بَين الْأَمر فِي الضُّعَفَاء. وَقَالَ ابْن حبَان: مَا رَوَى هَذَا الحَدِيث إِلَّا يَعْقُوب، وَهُوَ يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات، لَا يحل كتب حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب.
قلت: وَقد نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: الْحمل فِي هَذَا الحَدِيث عَلَى يَعْقُوب بن الْوَلِيد؛ فَإِنَّهُ شيخ من أهل الْمَدِينَة قدم عَلَيْهِم بَغْدَاد، فَنزل الرصافة، وَحدث عَن هِشَام بن عُرْوَة ومُوسَى بن عقبَة وَمَالك بن أنس وَغَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين بِأَحَادِيث (كَثِيرَة) مَنَاكِير.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث يعرف بِيَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمدنِي، وَيَعْقُوب مُنكر الحَدِيث، ضعفه يَحْيَى بن معِين، وَكذبه أَحْمد بن حَنْبَل (وَسَائِر الْحفاظ) ، ونسبوه إِلَى الْوَضع، ونعوذ بِاللَّه من الخذلان.
قَالَ ابْن عدي: وَكَانَ ابْن حميد يَقُول لنا فِي هَذَا الْإِسْنَاد «عبيد الله» بدل «عبد الله» ، وَالصَّوَاب الثَّانِي، قَالَ: عَلَى أَن هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد بَاطِل إِن قيل فِيهِ عبد الله (أَو) عبيد الله.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح. وَأعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِأَن قَالَ: يرويهِ عبد الله بن عمر الْعمريّ، وَقد تكلمُوا فِيهِ، وَتعقبه ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي بَاب ذكر أَحَادِيث أعلها عبد الْحق بِرِجَال: وفيهَا من هُوَ مثلهم، أَو أَضْعَف مِنْهُم، أَو مَجْهُول لَا يعرف، (إِنَّمَا) الْعجب أَن يكون هَذَا هُوَ عبد الله بن عمر الْعمريّ، وَهُوَ رجل صَالح قد وَثَّقَهُ قوم وأثنوا عَلَيْهِ، وَضَعفه آخَرُونَ من أجل (حفظه) لَا من أجل صدقه وأمانته، وَيَرْوِيه عَنهُ يَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمدنِي وَهُوَ كَذَّاب، فَلَعَلَّهُ كذب عَلَيْهِ، ثمَّ شرع بعد ذَلِك فعلله بِهِ - أَعنِي: يَعْقُوب - كَمَا أسلفناه.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جرير بن عبد الله مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء.
رَوَاهُ الدارقطني من حَدِيث الْحُسَيْن بن حميد بن الرّبيع، عَن [فرج] بن عبيد المهلبي، عَن عبيد بن الْقَاسِم، عَن إِسْمَاعِيل
بن أبي خَالِد، (عَن) قيس بن أبي حَازِم، عَن جرير بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : إِسْنَاده لَيْسَ بِشَيْء.
قلت: لِأَن إِسْنَاده اشْتَمَل عَلَى مَجْهُول وَضَعِيف، أما الْمَجْهُول: فَفرج بن عبيد، وَأما الضَّعِيف فحسين بن حميد بن الرّبيع، قَالَ ابْن عدي: هُوَ مُتَّهم فِي كل مَا يرويهِ كَمَا قَالَه (مطين) وَقَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد قَالَ: سَمِعت (مطينًا) يَقُول وَمر عَلَيْهِ أَبُو عَلّي الْحُسَيْن بن حميد بن الرّبيع فَقَالَ: (هَذَا) كَذَّاب بن كَذَّاب بن كَذَّاب. وَذكره ابْن عدي أَيْضا واتهمه.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن إِبْرَاهِيم - يَعْنِي ابْن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة من أهل مَكَّة - قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن جدي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (أول الْوَقْت رضوَان الله، ووسط الْوَقْت رَحْمَة الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله) .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا، عَن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور (بِهِ) .
وَإِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا هُوَ (أَبُو) إِسْحَاق الْعجلِيّ الْبَصْرِيّ الضَّرِير
الْمعلم العبدسي الوَاسِطِيّ، مُتَّهم.
قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول، وَحَدِيثه مُنكر. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: كَأَن حَدِيثه مَوْضُوع لَا يشبه حَدِيث النَّاس. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي عَن مَالك بِأَحَادِيث مَوْضُوعَة. وَقَالَ ابْن عدي: حدث عَن الثِّقَات بِالْبَوَاطِيل، (وَهُوَ) فِي جملَة الضُّعَفَاء (لَا جرم) (قَالَ) الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث شَاذ لَا تقوم بِمثلِهِ الْحجَّة، وَقَالَ فِي «سنَنه» - بعد أَن نقل كَلَام ابْن عدي السالف -: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أنس رَفعه: (أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله) .
رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث بَقِيَّة، عَن عبد الله مولَى عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ: حَدثنِي عبد الْعَزِيز (قَالَ) : حَدثنِي مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أنس بِهِ، ثمَّ قَالَ: لَا يرويهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا بَقِيَّة، وَهُوَ من الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا بَقِيَّة عَن المجهولين؛ لِأَن عبد الله مولَى عُثْمَان وَعبد الْعَزِيز لَا يعرفان.
قلت: لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» : إِنَّه حَدِيث لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : لَا يَصح.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: (أول الْوَقْت رضوَان الله،
وَآخره عَفْو الله) .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث نَافِع مولَى يُوسُف السّلمِيّ الْبَصْرِيّ، عَن عَطاء، عَنهُ بِهِ، ثمَّ قَالَ: نَافِع هَذَا أَبُو هُرْمُز، ضعفه يَحْيَى بن معِين وَابْن حَنْبَل وَغَيرهمَا.
قلت: أَبُو هُرْمُز هَذَا يروي عَن أنس، وَالْوَاقِع فِي الْإِسْنَاد يروي عَن عَطاء، وَقد فرق ابْن الْجَوْزِيّ بَينهمَا؛ فجعلهما ترجمتين، وَنقل (تَضْعِيف) أَحْمد (وَيَحْيَى) لنافع أبي هُرْمُز الْبَصْرِيّ، وَنقل تَضْعِيفه عَن غَيرهمَا أَيْضا، ثمَّ ذكر نَافِعًا مولَى يُوسُف السّلمِيّ وَقَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي التَّفْرِقَة بَينهمَا فِي كِتَابه «الْمُغنِي» وأجمل الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» القَوْل فِي تَضْعِيفه فَقَالَ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا مَرْفُوعا وَلَيْسَ بِشَيْء، قَالَ فِيهَا:(وَرُوِيَ) أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَهُوَ مَعْلُول. (قَالَ) : وَله أصل من قَول أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي الباقر كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو أويس، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه قَالَ:(أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله) قَالَ: وَرُوِيَ عَن مُوسَى بن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي مَرْفُوعا قَالَ: وَإِسْنَاده - فِيمَا أَظن - أصح مَا رُوِيَ فِي الْبَاب، وَنقل فِي «خلافياته» عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ: أما الَّذِي رُوِيَ فِي أول الْوَقْت وَآخره؛
فَإِنِّي لَا (أحفظه) عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من وَجه يَصح، وَلَا عَن أحد من (أَصْحَابه) ، إِنَّمَا الرِّوَايَة فِيهِ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي الباقر، وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَن الْخلال، أَنا الْمَيْمُونِيّ قَالَ: سَمِعت أَبَا عبد الله - يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: لَا أعرف شَيْئا يثبت فِي أَوْقَات الصَّلَاة أَولهَا كَذَا، وأوسطها كَذَا، وَآخِرهَا كَذَا يَعْنِي مغْفرَة ورضوانًا - وَقَالَ لَهُ رجل: مَا (يرْوَى) أول الْوَقْت كَذَا (و) أوسطه كَذَا، (رضوَان) ومغفرة؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عبد الله: من يروي هَذَا؟ لَيْسَ هَذَا يثبت.
قلت: ويغني عَن هَذَا كُله فِي الدّلَالَة حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود السالف فِي أول التَّيَمُّم «أنَّه صلى الله عليه وسلم (سُئِلَ) أَي الْأَعْمَال أفضل؟ فَقَالَ: الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح كَمَا أسلفناه (ثمَّ) . وَقد ذكره الرَّافِعِيّ إِثْر هَذَا الحَدِيث، وَكَانَ يتَعَيَّن عَلَيْهِ تَقْدِيمه عَلَيْهِ.
فَائِدَة: الرضْوَان بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا لُغَتَانِ، قرئَ بهما فِي السَّبع. قَالَ الشَّافِعِي رحمه الله فِي «الْمُخْتَصر» : رضوَان الله إِنَّمَا يكون للمحسنين، وَالْعَفو يشبه أَن يكون للمقصرين.
قَالَ أَصْحَابنَا: قَوْله «للمقصرين» قد (يسْتَشْكل) من حَيْثُ أَن التَّأْخِير لَا إِثْم فِيهِ، فَكيف يكون فَاعله (مقصرًا)، وَأَجَابُوا بِوَجْهَيْنِ: