الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا)
كتاب الصَّلَاة
بَاب أَوْقَات الصَّلَاة
ذكر فِيهِ رحمه الله خمسين حَدِيثا
الحَدِيث الأول
عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم) : «أمَّني جِبْرِيل عليه السلام عِنْد بَاب الْبَيْت مرَّتَيْنِ فَصَلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس - وَيروَى: حِين كَانَ الْفَيْء مثل الشَّراك - وَصَلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ كل شَيْء بِقدر ظله، وَصَلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم، وَصَلى بِي الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق، وَصَلى بِي الْفجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب عَلَى الصَّائِم، فَلَمَّا كَانَ الْغَد صَلَّى بِي الظّهْر (حِين) كَانَ كل شَيْء بِقدر ظله، وَصَلى بِي الْعَصْر حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، وَصَلى بِي الْمغرب للقدر الأول لم يؤخرها، وَصَلى بِي الْعشَاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل، وَصَلى بِي
الْفجْر حِين أَسْفر، ثمَّ الْتفت وَقَالَ: يَا مُحَمَّد، هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك، وَالْوَقْت فِيمَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ» .
هَذَا الحَدِيث أصلٌ أصيل فِي هَذَا الْبَاب، وَرَوَاهُ الْأَئِمَّة الشَّافِعِي فِي «الْأُم» (وخرجه) فِي «الْمسند» أَيْضا، وَأحمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن أبي ربيعَة، عَن حَكِيم بن حَكِيم بن عباد بن (حنيف) ، عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن ابْن عَبَّاس، وَأَلْفَاظهمْ مُتَقَارِبَة.
وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ قريب من رِوَايَة الشَّافِعِي (و) لَيْسَ فِي روايتهم قَوْله: «عِنْد بَاب الْبَيْت» إِنَّمَا فِيهَا «عِنْد الْبَيْت» نعم ذَلِك فِي رِوَايَة الشَّافِعِي كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ. قَالَ
التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بِطُولِهِ. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ كَمَا تقدم. قَالَ: وَاخْتَصَرَهُ سُلَيْمَان بن بِلَال، فَأخْرجهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وَمُحَمّد بن عمر، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع، عَن ابْن عَبَّاس:«أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَصَلى بِهِ الصَّلَوَات لوقتين، إِلَّا الْمغرب» وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي من أَشْرَاف قُرَيْش، والمقبولين فِي الراوية، قَالَ: وَحَكِيم بن حَكِيم هُوَ ابْن عباد بن حنيف الْأنْصَارِيّ، وَكِلَاهُمَا مدنيان.
قلت: لَكِن عبد الرَّحْمَن قد اختُلف فِيهِ، قَالَ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم: صَالح، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة، وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من أهل الْعلم، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» وَنقل عَن أَحْمد أَنه قَالَ فِي حَقه: مَتْرُوك الحَدِيث (و) عَن ابْن نمير أَنه قَالَ: لَا أقدم عَلَى ترك حَدِيثه.
وَأما حَكِيم فَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وحسَّن لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث: «الْخَال وَارِث» ، وَخَالف ابْن سعد فَقَالَ: قَلِيل الحَدِيث (و) لَا يحتجون بحَديثه (وَأَخُوهُ) عُثْمَان بن حَكِيم كَانَ ثِقَة.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر فِي «تمهيده» : تكلم بعض النَّاس فِي إِسْنَاد (حَدِيث) ابْن عَبَّاس هَذَا بِمَا لَا وَجه لَهُ من الْكَلَام، وَرُوَاته كلهم معروفو النّسَب (مَشْهُورُونَ) فِي الْعلم، وَقد خرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره، وَذكره عبد الرَّزَّاق، (عَن الثَّوْريّ) وَابْن أبي (سُبْرَة) عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث (بِإِسْنَادِهِ)، مثل رِوَايَة وَكِيع (وَأبي نعيم - يَعْنِي: عَن الثَّوْريّ - وَذكره عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن الْعمريّ، عَن عمر) (بن) نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس نَحوه.
قَالَ صَاحب «الإِمَام» : وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بالشهرة فِي حمل الْعلم مَعَ عدم الجرحة الثَّابِتَة وَهُوَ مُقْتَضَى رَأْيه، وَذكر أَيْضا مَا يَقْتَضِي تَأْكِيد الرِّوَايَة
بمتابعة ابْن أبي (سُبْرَة) عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وَكَذَلِكَ ذكر أَيْضا مُتَابعَة الْعمريّ، عَن عمر (بن) نَافِع، (وَهَذِه) مُتَابعَة حَسَنَة.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا اجتنبه قدماء النَّاس، وَمَا (حَقه أَن) يجْتَنب؛ فَإِن طَرِيقه صَحِيحَة، وَلَيْسَ ترك الْجعْفِيّ والقشيري (لَهُ) - يَعْنِي: البُخَارِيّ وَمُسلمًا - دَلِيلا عَلَى عدم صِحَّته؛ لِأَنَّهُمَا لم يخرجَا كل صَحِيح. قَالَ: وَقد رَوَى البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى البُخَارِيّ، ثَنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان، ثَنَا أَبُو بكر بن أبي أويس، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث وَمُحَمّد بن عمر، عَن حَكِيم (بن حَكِيم) ، عَن نَافِع، عَن ابْن عَبَّاس
…
فَذكره. قَالَ: ورواة حَدِيث ابْن عَبَّاس (هَذَا) كلهم ثِقَات مشاهير.
قلت: قد علمت مَا فِي عبد الرَّحْمَن وَحَكِيم، وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا أَبُو بكر بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَمِنْه نقلت من جِهَة مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن ووكيع، عَن سُفْيَان، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث الْمَذْكُور فِيهِ «وَصَلى بِي الظّهْر حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ» ، وَفِي
تَنْبِيهَانِ: الأول: قَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر بعد أَن (خرج) حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا من رِوَايَة أبي نعيم عَن سُفْيَان: لَا تُوجد هَذِه اللَّفْظَة وَهِي: «وَوقت الْأَنْبِيَاء من قبلك» إِلَّا فِي هَذَا الْإِسْنَاد
قلت: قد رَوَاهَا التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس
…
فَذكره. وَقَالَ فِي آخِره: «ثمَّ الْتفت إِلَيّ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك، وَالْوَقْت (فِيمَا بَين هذَيْن) الْوَقْتَيْنِ» وَحسنه كَمَا سلف.
الثَّانِي: قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : مدَار هَذَا الحَدِيث عَلَى حَكِيم بن حَكِيم - بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ - بن عباد - بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة - بن حنيف - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون.
قلت: قد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيقين آخَرين؛ أَحدهمَا: من حَدِيث عبيد الله بن مقسم، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا.
ثَانِيهمَا: من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أَيْضا، وَقد قَالَ هُوَ بعد هَذَا الْموضع بأسطر: ومتابعة الْعمريّ، عَن عمر بن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه مُتَابعَة حَسَنَة، وَقد أسلفنا ذَلِك عَنهُ أَيْضا.
وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ [عُبَيْس] بن مَرْحُوم، عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن ابْن عجلَان، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: (أمني جِبْرِيل عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ
…
) الحَدِيث، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: وهم [عُبَيْس] فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ أبي: أخْشَى أَن يكون وهم فِيهِ [عُبَيْس]، فَقلت لَهما: فَمَا (علته؟) قَالَا: رَوَاهُ عدَّة من الْحفاظ عَن حَاتِم، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
تَنْبِيه ثَالِث: اعْترض النَّوَوِيّ فِي «تنقيحه عَلَى الْوَسِيط» فِي إِيرَاده فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث «عِنْد بَاب الْكَعْبَة» (فَقَالَ إِنَّه ذكره فِي «الْبَسِيط» )