الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الثَّانِي عشر
ورد النَّهْي عَن التَّضْحِيَة بالثولاء.
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : هَذَا الحَدِيث لم أَجِدهُ ثَابتا.
قلت: وَفِي «نِهَايَة» ابْن الْأَثِير من حَدِيث الْحسن: لَا بَأْس أَن يضحى بالثولاء.
فَائِدَة: «الثولاء» بثاء مُثَلّثَة مَفْتُوحَة مَأْخُوذ من الثول وَهُوَ الْجُنُون، وتستعمل فِي الأناسي مجَازًا فَيَقُولُونَ: رجل أثول وَامْرَأَة ثولاء. قَالَ الْجَوْهَرِي: الثول - بِفَتْح الثَّاء وَالْوَاو -: جُنُون يُصِيب الشَّاة فَلَا تتبع الْغنم وتستدير فِي مرعاها، يُقَال: شَاة ثولاء، وتيس أثول.
الحَدِيث الثَّالِث عشر
عَن عَلّي رضي الله عنه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن، وَأَن لَا نضحي بِمُقَابلَة، وَلَا مدابرة، وَلَا شرقاء، وَلَا خرقاء» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد، وَالْبَزَّار فِي «مسنديهما» وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة د ت ن ق وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه»
وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ بأسانيد صَحِيحَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ غير وَاحِد عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجية عَن عَلّي، وَلَا نعلم رَوَى أَبُو إِسْحَاق عَن سَلمَة حَدِيثا مُسْندًا سواهُ، وَلَا [رَوَاهُ] عَن أبي إِسْحَاق إِلَّا جرير بن حَازِم، وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ هُوَ لفظ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، زَاد التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَته الْأُخْرَى:«والمقابلة: مَا قطع من طرف أذنها، والمدابرة: مَا قطع من جَانب الْأذن، والشرقاء: المشقوقة، والخرقاء: المثقوبة» .
وَلَفظ أبي دَاوُد، وَإِحْدَى روايتي النَّسَائِيّ:«أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن، وَلَا نضحي بعوراء وَلَا مُقَابلَة وَلَا مدابرة وَلَا خرقاء وَلَا شرقاء» . قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ زُهَيْر: فَقلت لأبي إِسْحَاق: أَذَكر عضباء؟ قَالَ: لَا. قلت: فَمَا الْمُقَابلَة؟ قَالَ: يقطع طرف الْأذن. قلت: فَمَا المدابرة؟ قَالَ: يقطع مُؤخر الْأذن. قلت: فَمَا الشرقاء؟ قَالَ: تشق الْأذن. قلت: فَمَا الخرقاء؟ قَالَ: تخرق أذنها للسِّمَة» وَلَفظ ابْن مَاجَه: «نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يضحى بِمُقَابلَة أَو مدابرة أَو شرقاء أَو خرقاء أَو جَدْعَاء» وَهَذَا لفظ أَحْمد وَهُوَ يرد عَلَى قَول ابْن حزم فِي «محلاه» : حَدِيث «لَا تُجزئ الجدعاء» لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق جَابر الْجعْفِيّ. وَهَذَا طَرِيق لَيْسَ هُوَ فِيهَا، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه:«أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن» وَهَذَا الثَّانِي هُوَ لفظ الْبَزَّار وَابْن حبَان، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كَلَفْظِ د ت ق، وَلَفظ الْحَاكِم فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج من
«مُسْتَدْركه» كَلَفْظِ ابْن مَاجَه الْأَخير وَمن تبعه. ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. وَلَفظه فِي كتاب الْأَضَاحِي مِنْهُ بِلَفْظ ابْن مَاجَه الأول ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. ثمَّ رَوَاهُ بِلَفْظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إِلَّا أَنه لم يذكر فِيهِ العَوَر، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح أسانيده كلهَا، وَلم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ لزِيَادَة ذكرهَا قيس بن الرّبيع عَن أبي إِسْحَاق عَلَى أَنَّهُمَا لم يحْتَجَّا بقيس. قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجية بن عدي
…
ثمَّ ذكر ذَلِك بأسانيده عَنْهُمَا ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة وَلم يحْتَجَّا بحجية بن عدي، وَهُوَ من كبار أَصْحَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلّي بن أبي طَالب.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إرْسَال هَذَا الحَدِيث عَن عَلّي هُوَ الْأَشْبَه، وَفِي رِوَايَة للْجَمَاعَة الْمَذْكُورين كلهم عَن عَلّي قَالَ:«نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يضحى بأعضب الْقرن وَالْأُذن» قَالَ قَتَادَة: فَذكرت ذَلِك لسَعِيد بن الْمسيب، فَقَالَ: العضب مَا بلغ النّصْف فَمَا فَوق ذَلِك. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَخَالف ابْن عبد الْبر وَالْمُنْذِرِي فَقَالَا: لَا [يحْتَج] بِمِثْلِهَا. وَسبب مقالتهما أَن مَدَاره عَلَى جُرَي بن كُلَيْب الْبَهْزِي، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: مَجْهُول لَا أعلم رَوَى عَنهُ غير قَتَادَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم
الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم روىَ قَتَادَة عَن جري غير هَذَا الحَدِيث، وَحَدِيث النَّهْي عَن الْمُتْعَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لم يرو عَنهُ غير قَتَادَة، وَأَثْنَى عَلَيْهِ - يَعْنِي قَتَادَة - وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ فَقَالَ: بَصرِي ثِقَة. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَيَنْبَغِي أَن نعلم أَن لَهُم آخر اسْمه جري بن كُلَيْب، والفارق بَينهمَا أَن هَذَا بَصرِي، وَذَاكَ كُوفِي، وَهَذَا نهدي، وَذَاكَ سدوسي، كَذَا فرق بَينهمَا أَبُو دَاوُد. قَالَ الْمزي: وَرَوَى عَن هَذَا أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، وَابْنه يُونُس بن أبي إِسْحَاق.
قلت: وَعَاصِم بن بَهْدَلَة، كَمَا ذكره ابْن مَاكُولَا وَأغْرب الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» ، فَقَالَ: رَوَى [عَنهُ] أَبُو إِسْحَاق السبيعِي. وَأما ابْن أبي حَاتِم فَاقْتَضَى كَلَامه أَنَّهُمَا وَاحِد فَإِنَّهُ ذكر جري النَّهْدِيّ، وَقَالَ: رَوَى عَنهُ قَتَادَة وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي. فَتنبه لَهُ، وَأما ابْن حزم فَقَالَ فِي «محلاه» : وَرُوِيَ فِي الأعضب أَنه لَا يُجزئ وَلَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق جري بن كُلَيْب وَلَيْسَ مَشْهُورا، وَعَمن لم يسم عَن عَلّي. هَذَا كَلَامه، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة كَمَا تقدم من حَدِيث قَتَادَة عَن جري عَن عَلّي نَفسه لَيْسَ بَينه وَبَين جري أحد، وَقد صرح جري بِالسَّمَاعِ أَنه عَن عَلّي. قَالَ ابْن مَاجَه: ثَنَا حميد بن مسْعدَة، ثَنَا خَالِد بن الْحَارِث، ثَنَا
سعيد [عَن قَتَادَة] أَنه ذكر أَنه سمع جري بن كُلَيْب يحدث أَنه سمع عليًّا عليه السلام يحدث «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهَى أَن يضحى بأغضب الْقرن أَو الْأذن» وَكَذَا أوردهُ ابْن الْمُغلس الظَّاهِرِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى جري قَالَ: سَمِعت عليًّا يَقُول: «نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يضحى بأعضب الْقرن» .
فَائِدَة: فِي تَفْسِير مَا وَقع فِي هَذَا الحَدِيث من الْغَرِيب فَإِنَّهُ مُهِمّ:
مَعْنَى استشراف الْأذن وَالْعين: أَن تشرف عَلَيْهِمَا ويتأملان كَيْلا يَقع فيهمَا نقص وعيب. وَقيل: إِن ذَلِك مَأْخُوذ من الشُرْف - بِضَم الشين وَإِسْكَان الرَّاء - وَهُوَ خِيَار المَال أَي أمرنَا أَن نتخيرها. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقيل: مَعْنَى الحَدِيث أَن نضحي بواسع الْعين طَوِيل الْأُذُنَيْنِ. والمقابَلة والمدابَرة: بِفَتْح الْبَاء فيهمَا، قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء من أهل اللُّغَة والغريب وَالْفُقَهَاء: الْمُقَابلَة هِيَ الَّتِى قطع من مقدم أذنها فلقَة وتدلت مِنْهُ وَلم تنفصل، والمدابرة الَّتِي قطع من مُؤخر أذنها فلقَة وتدلت مِنْهُ وَلم تنفصل. والفلقة الأولَى تسمى الإقبالة، وَالْأُخْرَى تسمى الإدبارة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى فِي كِتَابه «غَرِيب الحَدِيث» : الْمُقَابلَة الموسومة بالنَّار فِي بَاطِن أذنها، والمدابرة فِي ظَاهر أذنها. وَالْمَشْهُور الأول، والشرقاء والخرقاء ممدودان، وَالْأولَى المشقوقة وَالثَّانيَِة الَّتِي فِي أذنها ثقب مستدير وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَالَّذِي قَالَه جماعات، وَمِنْهُم الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، وَفسّر صَاحب «الْمُهَذّب» الشرقاء بِالَّتِي ثقبت أذنها من الكي، والخرقاء الَّتِي شقّ أذنها بالطول. وأنكروه عَلَيْهِ وغلطوه فِيهِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ، وَالصَّوَاب الأول، وَعَن الشَّافِعِي أَن الشرقاء: المشقوقة