الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين
قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي نقل رُءُوس الْكفَّار إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام وَجْهَان: أَحدهمَا: لَا يكره؛ لِأَن أَبَا جهل لما قتل حمل رَأسه. وأصحهما: أَنه يكره، وَهُوَ الَّذِي أوردهُ أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَاضِي الرَّوْيَانِيّ، قَالُوا: مَا حمل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأس كَافِر قطّ، وَحمل إِلَى عُثْمَان رُءُوس جمَاعَة من الْمُشْركين فَأنكرهُ. وَقَالَ: مَا فعل هَذَا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا فِي أَيَّام أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما، وَمَا رُوِيَ من حمل الرَّأْس إِلَى أبي بكر فقد تكلمُوا فِي ثُبُوته، وَبِتَقْدِير الثُّبُوت فَإِنَّهُ حمل فِي الْوَقْعَة من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَلم ينْقل من بلدٍ إِلَى بلد، فكأنهم أَرَادوا أَن ينظر النَّاس إِلَيْهِ فيتحققوا بِمَوْتِهِ.
هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ. وَقد اشْتَمَل عَلَى حَدِيث وأثرين، أما الحَدِيث وَهُوَ حمل رَأس أبي جهل فَأخْرجهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة معَاذ بن عَمْرو بن الجموح قَاتله وَأَن ابْن مَسْعُود حزَّها وَجَاء بهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ كَذَلِك أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن أبي بشر بكر بن خلف، نَا سَلمَة بن رَجَاء، عَن شعثاء الكوفية، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى رضي الله عنه «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْم بُشر بِرَأْس أبي جهل رَكْعَتَيْنِ» . إِسْنَاده جيد. وَلَا يضر
كَلَام بَعضهم فِي سَلمَة بن رَجَاء فقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ. قَالَ الْعقيلِيّ: «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حِين أُتِي بِرَأْس أبي جهل» لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذِهِ الطّرق.
وَأما أثر عُثْمَان فَهُوَ كَذَلِك فِي بعض النّسخ الْمُعْتَمدَة وَهُوَ فِي بَعْضهَا: عَن أبي بكر وَهُوَ الصَّوَاب، وَقد أخرجه كَذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَبَوَّبَ بَابا فِيمَا جَاءَ فِي نقل الرُّءُوس. فروَى عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ «أَن عَمْرو بن العَاصِي وشرحبيل ابْن حَسَنَة بعثا عقبَة بريدًا إِلَى أبي بكر الصّديق رضي الله عنه بِرَأْس ينَّاق بطرِيق الشَّام - قلت: وَهُوَ بياء مثناة تَحت مَفْتُوحَة ثمَّ نون مُشَدّدَة ثمَّ ألف ثمَّ قَاف - فَلَمَّا قدم عَلَى أبي بكر رضي الله عنه أنكر ذَلِك. فَقَالَ لَهُ عقبَة: [يَا] خَليفَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُم يصنعون ذَلِك بِنَا. قَالَ: أفاستنان بِفَارِس وَالروم؟ ! لَا يحمل إليَّ رَأس وَإِنَّمَا يَكْفِي الْكتاب وَالْخَبَر» . وَإِسْنَاده صَحِيح.
والبطريق - بِكَسْر الْبَاء - وَهُوَ كالأمير. قَالَ ابْن الجواليقي: البطريق بلغَة الرّوم هُوَ الْقَائِد أَي: مقدم الجيوش وأميرها، وَجمعه بطارقة وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب.
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن مُعَاوِيَة بن خديج قَالَ: «هاجرنا عَلَى عهد أبي بكر الصّديق فَبَيْنَمَا نَحن عِنْده إِذْ طلع الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ. قَالَ: إِنَّه قدم علينا بِرَأْس يناق البطريق وَلم يكن لنا بِهِ حَاجَة إِنَّمَا هَذِه سنة الْعَجم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي» أَن أَبَا بكر الصّديق أُتِي بِرَأْس. فَقَالَ: بغيتم» . وَعَن معمر. قَالَ: حَدثنِي صَاحب لنا عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «لم يكن يحمل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَأس إِلَى الْمَدِينَة قطّ وَلَا يَوْم بدر. وَحمل إِلَى أبي بكر رَأس فَأنْكر ذَلِك. قَالَ: وَأول من حملت إِلَيْهِ الرُّءُوس عبد الله بن الزبير» . وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَاب قبله عَن عَلّي رضي الله عنه قَالَ: «جِئْت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِرَأْس مرحب» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأما حَدِيث أبي دَاوُد الَّذِي رَوَاهُ فِي «مراسيله» عَن أبي نَضرة قَالَ: «لَقِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْعَدو. فَقَالَ: من جَاءَ بِرَأْس فَلهُ عَلَى الله مَا تمنى. فَجَاءَهُ رجلَانِ بِرَأْس فاختصما فِيهِ [فَقَضَى] بِهِ لأَحَدهمَا» فمنقطع. قَالَ أَبُو دَاوُد: فِي هَذَا أَحَادِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا يَصح مِنْهَا شَيْء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِيه - إِن ثَبت - تحريض عَلَى قتل الْعَدو، وَلَيْسَ فِيهِ نقل الرَّأْس من بِلَاد الشّرك إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام.
قلت: وَأما الحَدِيث الْمَشْهُور فِي «النَّسَائِيّ» وَغَيره من حَدِيث عبد الله بن فَيْرُوز الديلمي، عَن أَبِيه. قَالَ: «أتيت [النَّبِي صلى الله عليه وسلم] بِرَأْس