الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيع: صَحِيح السَّنَد. وَقَالَ هُنَا: هَذَا خبر جيد السَّنَد كل رُوَاته ثِقَات.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا عَن عَائِشَة رضي الله عنها «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم توفّي وَلم يتْرك دِينَارا وَلَا درهما وَلَا عبدا وَلَا أمة» وَفِي ذَلِك دلَالَة [أَنه] لم يتْرك أم إِبْرَاهِيم أمة وَإِنَّمَا أعتقت بِمَوْتِهِ بِمَا تقدم من حُرْمَة الِاسْتِيلَاد.
الحَدِيث الرَّابِع
عَن ابْن عمر رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أم الْوَلَد لَا تبَاع وتعتق بِمَوْت سَيِّدهَا» .
هَذَا الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الثَّانِي، وَقد تقدم بَيَانه، وَفِي «علل» ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَنه عليه السلام سُئِلَ عَن أم الْوَلَد فَقَالَ: يسْتَمْتع بهَا حَيَاته، فَإِذا مَاتَ فَهِيَ حرَّة» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ.
الحَدِيث الْخَامِس
عَن جَابر قَالَ: «كُنَّا نبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا نرَى بذلك بَأْسا» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالشَّافِعِيّ فِي «السّنَن
المأثورة» وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث أبي الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «كُنَّا نبيع سرارينا أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَيّ لَا يرَى بذلك بَأْسا» وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَلم يُنكر ذَلِك علينا» وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي، عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر بن عبد الله:«كُنَّا نبيع سرارينا وَأُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَيّ بَين أظهرنَا وَلَا يُنكر ذَلِك علينا» فَقَالَ: حَدِيث مُنكر، وَالْحسن بن زِيَاد ضَعِيف الحَدِيث لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مَأْمُون. وَعزا عبد الْحق حَدِيث جَابر هَذَا إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ وَلم يُوجد فِي «سنَنه» فَتنبه لَهُ. وَأخرج الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كُنَّا نبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى [عهد] رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح.
قلت: فِيهِ نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده زيد الْعمي، وحاله مَعْلُومَة بالضعف، لَا جرم رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ: زيد الْعَمى لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَلما ذكره الْعقيلِيّ من حَدِيثه قَالَ: الْمَتْن يرْوَى عَن غير زيد الْعمي بِإِسْنَاد جيد. وَأَشَارَ إِلَى حَدِيث جَابر السالف، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه»
وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث جَابر قَالَ: «بعنا أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر، فَلَمَّا كَانَ عمر نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ فِي شَيْء من هَذِه الْأَحَادِيث أَنه عليه السلام علم بذلك وأقرهم بذلك عَلَيْهِ.
قلت: لَكِن قد جَاءَ فِي حَدِيث جَابر أَنه عليه السلام اطلع عَلَى ذَلِك ونهاهم عَنهُ، فروَى أَبُو بكر بن أبي شيبَة، عَن مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن أَيُّوب، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن جَابر قَالَ:«كُنَّا نبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَين أظهرنَا» ثمَّ ذكر أَنه زجر عَن بيعهنَّ وَكَانَ عمر يشْتَد فِي بيعهنَّ. لَكِن [قَالَ] عبد الْحق: أَيُّوب ضَعِيف، إِلَّا أَن أَبَا حَاتِم قَالَ: كتاب أَيُّوب عَن يَحْيَى صَحِيح.
قَالَ الْخطابِيّ: وَيحْتَمل أَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد كَانَ مُبَاحا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نهَى عَنهُ عليه السلام آخر حَيَاته، وَلم يشْتَهر ذَلِك النَّهْي إِلَى زمَان عمر، فَلَمَّا بلغ عمر النَّهْي نَهَاهُم.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ: إِن الزبير خَالف فِي ذَلِك، لَكِن يُقَال: إِن الصَّحَابَة اتَّفقُوا عَلَى أَنه لَا يجوز بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد فِي عهد عمر وَعُثْمَان. قَالَ: ومشهور عَن عَلّي أَنه قَالَ: «اجْتمع رَأْيِي ورأي عمر أَن أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا يبعن، ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك أَن أبيعهن. فَقَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي: إِنَّك مَعَ رَأْي
عمر أحب إِلَيْنَا من رَأْيك وَحدك. فَيُقَال: إِنَّه رَجَعَ عَن ذَلِك» . وَهَذَا الْأَثر مَشْهُور أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد جيد، وَكَذَا أثر ابْن الزبير.
تمّ الْكتاب وَالله الْمُوفق للصَّوَاب، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب، وَله الْحَمد أَولا وآخرًا ظَاهرا وَبَاطنا حمدًا كثيرا طيبا مُبَارَكًا، حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، كَمَا يحب رَبنَا ويرضى، حمدًا دَائِما بدوامه بَاقِيا بِبَقَائِهِ، وَأفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام والتحية وَالْإِكْرَام عَلَى عَبده وَرَسُوله مُحَمَّد خير الْأَنَام، ومصباح الظلام، وَعَلَى آله وَصَحبه البررة الْكِرَام، وَعَلَى إخوانه من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَسَائِر عباد الله الصَّالِحين من أهل السَّمَاوَات الْأَرْضين، وَغفر لنا ولوالدينا، وَلمن كتب لأَجله، وَلمن نظر فِيهِ، ولكاتبه من الْمُسلمين، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. فرغ من كِتَابَته فِي شَوَّال سنه ثَلَاث وَثَمَانمِائَة.