الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِنَّا لننحر الْإِبِل ونذبح الْبَقر وَالشَّاة، فنجد فِي بَطنهَا الْجَنِين أفنلقيه أم نأكله؟ فَقَالَ: كلوه إِن شِئْتُم، فَإِن ذَكَاته ذَكَاة أمه» .
هَذَا الحَدِيث من هَذَا الطَّرِيق لَهُ طرق: أَحدهَا عَن مجَالد، عَن أبي الوداك - واسْمه: جبر بن نوف - عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَأَبُو دَاوُد بلفظين أَحدهمَا مَا ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ، إِلَّا أَنه قَالَ «النَّاقة» بدل «الْإِبِل» . الثَّانِي:«سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْجَنِين، فَقَالَ: كلوه إِن شِئْتُم. قَالَ: ذَكَاته ذَكَاة أمه» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بلفظين: أَحدهمَا «أَنه عليه السلام سُئِلَ عَن الْجَنِين [يخرج مَيتا] فَقَالَ: إِن شِئْتُم فكلوه» . الثَّانِي. «أَنه سُئِلَ عَن الْجَزُور وَالْبَقَرَة يُوجد فِي بَطنهَا الْجَنِين، فَقَالَ: إِذا سميتم عَلَى الذَّبِيحَة فذكاته ذَكَاة أمه» ثمَّ ذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد المطول، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. قَالَ: وَقد رُوِيَ من غير هَذَا الْوَجْه عَن أبي سعيد. قَالَ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَغَيرهم.
قلت: مدَار الحَدِيث عَلَى مجَالد بن سعيد الْهَمدَانِي ضَعَّفُوهُ، وَفِي روايةٍ عَن النَّسَائِيّ توثيقه، وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا مَعَ غَيره، وَادَّعَى النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه فَكيف يُحسنهُ التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقد رُوِيَ من غير هَذَا الْوَجْه عَن أبي سعيد. وَأما ابْن حزم فِي «محلاه» فَقَالَ: وَاحْتج المخالفون بأخبار واهية مِنْهَا هَذَا الْخَبَر
…
فَذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد الثَّانِي، وَذكر من حَدِيث مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي الوداك، ثمَّ قَالَ: ومجالد ضَعِيف، وَأَبُو الوداك كَذَلِك.
قلت: قد تقدم القَوْل فِي مجَالد، وَأما أَبُو الوداك فَقَالَ ابْن معِين: ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالح. وَاحْتج بِهِ مُسلم وَلَا أعلم فِيهِ جرحا وَأما الإِمَام فِي «نهايته» فَإِنَّهُ ذكره بِلَفْظ الرَّافِعِيّ وَقَالَ: هُوَ حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن الصّلاح: حَدِيث ثَابت، ثُبُوت الْحسن مَرْوِيّ من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو سعيد.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَفعه:«ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . ذكره ابْن حزم فِي «محلاه» . وَقَالَ: ابْن أبي لَيْلَى سيئ الْحِفْظ، وعطية هَالك.
قلت: أخرجه الْحَاكِم من حَدِيث أبي حَمْزَة مُحَمَّد بن مَيْمُون
السكرِي، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد رَفعه بِمثلِهِ سَوَاء. فَهَذَا طَرِيق لَيْسَ فِيهِ ابْن أبي لَيْلَى، وَعبد الْملك من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَإِن لين. وَفِي «التَّهْذِيب» أَنه رَوَى عَن عَطِيَّة الْقرظِيّ فَليُحرر عَطِيَّة هَذَا هُوَ الْقرظِيّ أَو الْعَوْفِيّ.
الطَّرِيق الثَّالِث وَهُوَ أجدرها بالتقدم: عَن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الوداك، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن أبي عُبَيْدَة الْحداد، عَن يُونُس بِهِ. وَأَبُو عُبَيْدَة هَذَا اسْمه [عبد الْوَاحِد] بن وَاصل، احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّة ابْن معِين وَغَيره، لَا جرم أخرجهَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ، ثَنَا عَلّي بن أنس العسكري، ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة
…
فَذكره، وَاقْتصر عَلَى هَذَا الطّرق الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» وَعَزاهَا إِلَى ابْن حبَان وَحده، وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : هَذَا بَاب كَبِير مَدَاره عَلَى طَرِيق عَطِيَّة عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَطَرِيق أبي الوداك، عَن أبي سعيد تفرد بِهِ عَلان. كَذَا قَالَ، وَلَا أعرف هَذَا فِي طرقه. ثمَّ قَالَ: وَفِيه زيادات فِي اللَّفْظ وَلَا تقوم بِهِ حجَّة. قَالَ: وَمن تَأمل هَذَا الْبَاب من أهل الصَّنْعَة قَضَى [فِيهِ] بالعجب أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَاهُ فِي الصَّحِيح.
قلت: حاشاهما من إِخْرَاج كل طرقه، نعم بَعْضهَا جيد كَمَا عَرفته وستعرفه، وَلما ذكر التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي سعيد هَذَا قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن جَابر، وَأبي أُمَامَة، وَأبي الدَّرْدَاء، وَأبي هُرَيْرَة. زَاد الْبَيْهَقِيّ بِدُونِ أبي أُمَامَة: وَعلي بن أبي طَالب، وَابْن مَسْعُود، وَابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَأبي أَيُّوب، والبراء بن عَازِب.
قلت: وَفِي الْبَاب أَيْضا عَن كَعْب بن مَالك، ولنذكر طرق هَذِه الْأَحَادِيث ونتكلم عَلَيْهَا، فَإِن هَذَا الحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة، فَنَقُول:
أما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ الدَّارمِيّ، وَأَبُو دَاوُد، من حَدِيث إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، عَن عتاب بن بشير، عَن عبيد الله بن أبي زِيَاد القداح، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَفعه «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» .
أعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بعبيد الله القداح وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف الحَدِيث. وَتعقبه ابْن الْقطَّان بِأَنَّهُ لم يبين أَنه من روايه عتاب بن بشير عَنهُ، قَالَ: وعتاب هُوَ الْحَرَّانِي، زَعَمُوا أَنه رَوَى بِأخرَة أَحَادِيث مُنكرَة وَأَنه اخْتَلَط عَلَيْهِ الْعرض وَالسَّمَاع فتكلموا فِيهِ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي من
الوسواس وَلَا يضرّهُ ذَلِك؛ فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا تحمل صَحِيح. واستمداد هَذَا التَّعْلِيل من كتاب أبي مُحَمَّد بن حزم فَهُوَ عَن مَجْهُول، ثمَّ لم يَأْتِ عَن [أبي] الزبير إِلَّا من طَرِيق حَمَّاد بن شُعَيْب وَالْحسن بن بشر وعتاب بن بشير عَن عبيد الله القداح وَكلهمْ ضعفاء. انْتَهَى. فَأَما القداح هَذَا فَقَالَ ابْن معِين فِيهِ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَحْمد: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر لَهُ شَيْئا مُنْكرا. وَصحح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه عَن الْقَاسِم، عَن:«عَائِشَة إِنَّمَا جعل الطّواف (وَالسَّعْي والجمار لإِقَامَة ذكر الله تَعَالَى» . وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ) وَلَا بالمتين يحول من الضُّعَفَاء. وَأما عتاب بن بشير، فقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين مرّة. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَول ابْن حزم لم يَأْتِ عَن [أبي] الزبير إِلَّا من الطّرق الَّذِي ذكرهَا للتبين كَذَلِك هَذَا خرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث زُهَيْر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر:«ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . ثمَّ قَالَ: تَابعه من الثِّقَات عبيد الله
بن زِيَاد، عَن أبي الزبير
…
فَذكره بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا يعرف من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى وَحَمَّاد بن شُعَيْب، عَن أبي الزبير. وَهَذَا طَرِيق آخر لم يذكرهُ ابْن حزم وَهُوَ طَرِيق ابْن أبي لَيْلَى، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبان، عَن صباح بن يَحْيَى الْمدنِي، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَفعه:«كل الْجَنِين فِي بطن أمه» وَفِي لفظ: «فِي بطن النَّاقة»
وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث يُوسُف بن عدي، نَا بشر بن عمَارَة، عَن الْأَحْوَص بن حَكِيم، عَن رَاشد بن سعد، عَن عتبَة بن عبد، عَن أبي أُمَامَة وَأبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا:«ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» ثمَّ أخرجه من حَدِيث رَاشد بن سعد، عَن أبي أُمَامَة وَأبي الدَّرْدَاء. وَرَاشِد هَذَا ثِقَة، والأحوص بن حَكِيم ضَعْفه مَحْض وَعتبَة بن عبد كَأَنَّهُ صَحَابِيّ.
وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء فقد عَرفته الْآن. وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عمر بن قيس، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم «أَنه قَالَ فِي الْجَنِين: ذَكَاته ذَكَاة أمه» . قَالَ عبد الْحق: لَا يحْتَج بِإِسْنَادِهِ. وَلم يبين مَوضِع الْعلَّة، وَبَينهَا
ابْن الْقطَّان بعمر بن قيس فَقَالَ: هُوَ مَتْرُوك. وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِن ابْن الْقطَّان ذكره عَن طَاوس، عَن [ابْن] عَبَّاس، عَن أبي هُرَيْرَة. وَذكره الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وَلم [يذكر] أَبَا هُرَيْرَة. وَقَالَ: حَدِيث مُنكر لَكِن ذكره الْحَاكِم من رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن سعيد المَقْبُري، عَن جده، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه بِهِ ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح.
وَفِيه وَقْفَة، فعبد الله هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ.
وَأما حَدِيث عَلّي فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيه الْحَارِث الْأَعْوَر الْكذَّاب وَعنهُ مُوسَى بن عُثْمَان الْكُوفِي. ادَّعَى ابْن الْقطَّان جهالته وَغلط، نعم هُوَ ضَعِيف، قَالَ ابْن عدي: حَدِيثه لَيْسَ بالمحفوظ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك.
وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة عَلْقَمَة عَنهُ أرَاهُ رَفعه: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . وَرِجَاله رجال الصَّحِيح إِلَّا أَن شيخ شَيْخه أَحْمد بن حجاج بن الصَّلْت ذكره الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» وَذكر لَهُ [حَدِيثا] وَأَنه آفته وَالظَّاهِر أَنه هُوَ.
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَلهُ طرق عَنهُ أَحدهَا: عَن عِصَام بن يُوسُف، عَن مبارك بن مُجَاهِد، عَن عبيد الله [بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْجَنِين: ذَكَاته ذَكَاة أمه أشعر أم لم] يشْعر» قَالَ عبيد الله: وَلكنه إِذا خرج من بطن أمه يُؤمر بذَبْحه حَتَّى يخرج الدَّم من جَوْفه. قَالَ عبد الْحق: إِسْنَاده ضَعِيف، فِيهِ عِصَام ومبارك. قَالَ ابْن الْقطَّان: لم يبين حَال عِصَام، وَهُوَ رجل لَا تعرف حَاله قَالَ: وَأرَاهُ الَّذِي ذكره ابْن أبي حَاتِم وَلم يعرف من حَاله. شَيْء غير أَنه قَالَ فِيهِ: الزَّاهِد.
قلت: قد تكلم فِيهِ ابْن عدي فَقَالَ: رَوَى عَن الثَّوْريّ وَغَيره أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. ومبارك بن مُجَاهِد ضعفه البُخَارِيّ وَقَالَ عَن قُتَيْبَة: كَانَ قدريًّا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا أرَى بحَديثه بَأْسا.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن وهب بن بَقِيَّة، ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن الوَاسِطِيّ، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه:«ذَكَاة الْجَنِين إِذا أشعر ذَكَاة أمه وَلكنه يذبح حَتَّى ينصاب مَا فِيهِ من الدَّم» أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط» من هَذِه الطَّرِيق بِلَفْظ: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه إِذا أشعر» ثمَّ قَالَ: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق إِلَّا مُحَمَّد بن الْحسن، تفرد بِهِ وهب بن بَقِيَّة، وَأخرجه ابْن حبَان فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» من هَذِه الطَّرِيق
بِلَفْظ الْحَاكِم ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد هَذَا يرفع الْمَوْقُوفَات ويسند الْمَرَاسِيل، وَإِنَّمَا هُوَ قَول ابْن عمر. وَأخرجه الْخَطِيب فِي كتاب «من رَوَى عَن مَالك» من حَدِيث أَحْمد بن عِصَام، ثَنَا مَالك، عَن نَافِع بِهِ وَلم يذكر «إِذا أشعر» ثمَّ قَالَ: هُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» مَوْقُوف وَذَلِكَ أصح.
قلت: وَأحمد تكلم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: ضَعِيف. وَلَفظ «الْمُوَطَّأ» عَن نَافِع عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول: «إِذا نحرت النَّاقة فذكاة مَا فِي بَطنهَا فِي ذكاتها إِذا كَانَ قد تمّ خلقه وَنبت شعره، فَإِذا خرج من بطن أمه ذبح حَتَّى يخرج الدَّم من جَوْفه» .
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أَحْمد بن يَحْيَى الْأَنْطَاكِي، عَن عبد الله بن نصر بِهِ. ثمَّ قَالَ: لم يروه مَرْفُوعا عَن عبيد الله إِلَّا أَبُو أُسَامَة، تفرد بِهِ عبد الله بن نصر.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي حُذَيْفَة، نَا مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، عَن أَيُّوب بن مُوسَى قَالَ: ذُكِرَ [لي] عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم «فِي الْجَنِين إِذا أشعر فذكاته ذَكَاة أمه» .
ذكره ابْن حزم فِي «محلاة» ، ثمَّ قَالَ: أَبُو حُذَيْفَة ضَعِيف، وَمُحَمّد بن مُسلم أسقط مِنْهُ، ثمَّ هُوَ مُنْقَطع. قلت: أَبُو حُذَيْفَة هُوَ مُوسَى بن مَسْعُود الْبَصْرِيّ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَقيل ليحيى بن معِين: إِن بندارًا يَقع فِيهِ. قَالَ يَحْيَى: هُوَ خير من بنْدَار وَمن ملْء الأَرْض مثله. وَقَالَ أَحْمد: صَدُوق، هُوَ من أهل الصدْق. وَقَالَ الْعجلِيّ:
ثِقَة صَدُوق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. نعم قَالَ التِّرْمِذِيّ: يضعف [فِي] الحَدِيث. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا أحتج بِهِ. وَقَالَ الفلاس: لَا يحدث عَنهُ من يبصر الحَدِيث.
وَأما مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي فاحتج بِهِ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَله فِيهِ حَدِيث وَاحِد، وَقَالَ ابْن معِين: لَا بَأْس بِهِ، فَإِذا حدث من حفظه يُخطئ. وَقَالَ البُخَارِيّ: قَالَ ابْن مهْدي: كتبه صِحَاح. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا. وَقَالَ: اخْتلف فِي رَفعه عَن نَافِع. فَذكر الِاخْتِلَاف ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَيُّوب وَجَمَاعَة عدَّدهم عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَوْقُوفا وَهُوَ الصَّحِيح.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عُثْمَان الْكِنْدِيّ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عِكْرِمَة، عَنهُ مَرْفُوعا بِلَفْظ:«ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . أعله ابْن الْقطَّان بِجَهَالَة مُوسَى هَذَا وَهُوَ الْمُتَقَدّم ذكره فِي حَدِيث عَلّي.
وَأما حَدِيث أبي أَيُّوب فَأخْرجهُ الْحَاكِم من حَدِيث شُعْبَة، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن أبي أَيُّوب مَرْفُوعا بِهِ، وَقَالَ: رُبمَا توهم متوهم أَن حَدِيث أبي أَيُّوب صَحِيح وَلَيْسَ
كَذَلِك. وَأخرجه ابْن حزم فِي «محلاه» من طَرِيق ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:«ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه إِذا أشعر» . ثمَّ قَالَ ابْن أبي لَيْلَى: سيئ الْحِفْظ ثمَّ هُوَ مُنْقَطع.
قلت: قد ذكر بذلك مَوْصُولا.
وَأما حَدِيث الْبَراء فَلَا يحضرني غير مَا ذكرته عَن الْبَيْهَقِيّ.
وَأما حَدِيث كَعْب بن مَالك فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الْحسن بن عَمْرو بن شَقِيق، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك (
…
) أخرجه من حَدِيث عبد الله بن الجهم، ثَنَا عبد الله بن الْعَلَاء بن شبيب، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن (
…
) عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن كَعْب رَفعه بِهِ.
فَهَذِهِ طرق هَذَا الحَدِيث وَهِي إِحْدَى عشر طَرِيقا مُوضحَة الْكَلَام عَلَيْهَا، وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : لَا يحْتَج بأسانيدها كلهَا. وَأقرهُ ابْن الْقطَّان عَلَى ذَلِك، وَسَبقه بذلك ابْن حزم فَإِنَّهُ قَالَ فِي «محلاه» : وَاحْتج المخالفون بأخبار واهية. ثمَّ ذكره من أَربع طرق ووهاها، وَقد عرفت أَن بَعْضهَا يصلح للاحتجاج بِهِ، وَهُوَ طَرِيق أبي سعيد الَّتِي أخرجهَا أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان، وَطَرِيق جَابر الَّتِي أخرجهَا الْحَاكِم، ويقابل قَول ابْن حزم وَعبد الْحق فِي تَضْعِيف مَا ورد من ذَلِك عَلَى سَبِيل الْإِجْمَال قَول الْغَزالِيّ فِي كِتَابه «الْإِحْيَاء» تبعا لإمامه
إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي «الأساليب» : وَقد صَحَّ فِي الصِّحَاح من الْأَخْبَار حَدِيث الْجَنِين «فَإِن ذَكَاته ذَكَاة أمه» صِحَة لَا يتَطَرَّق احْتِمَال إِلَى مَتنه وَلَا ضعف إِلَى سَنَده، وَهَذَا من الْعجب العجاب، وَخير الْأُمُور أوسطها، وَإِن طرقه ضَعِيفَة خلا طَريقَة أبي سعيد وَجَابِر الْمُتَقَدِّمين وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. كَيفَ وَقد رَوَى ابْن حزم من طَرِيق سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك قَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مَا يُقَوي ذَلِك.
فَائِدَة: قَوْله عليه الصلاة والسلام: «ذَكَاة الْجَنِين حَاصِلَة بِذَكَاة أمه» .
قَالَ النَّوَوِيّ، ويوضحه أَن فِي رِوَايَة للبيهقي «ذَكَاة الْجَنِين فِي ذَكَاة أمه» وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا «ذَكَاة الْجَنِين بِذَكَاة أمه» ، قَالَ: وَبَعض النَّاس ينصب «ذَكَاة» ويجعله بِالنّصب دَلِيلا لأَصْحَاب أبي حنيفَة فِي أَنه لَا يحل إِلَّا بِذَكَاة وَيَقُول: ذَكَاته كذكاة أمه، حذفت الْكَاف [فانتصب] . قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء؛ لِأَن الرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة بِالرَّفْع، وَكَذَا نَقله الْخطابِيّ وَغَيره، وَتَقْدِيره عَلَى الرّفْع يحْتَمل أوجهًا أحْسنهَا أَن «ذَكَاة الْجَنِين» خبر مقدم و «ذَكَاة أمه» مُبْتَدأ وَالتَّقْدِير: ذَكَاة أم الْجَنِين ذَكَاة لَهُ. كَقَوْل الشَّاعِر: بنونا بَنو أَبْنَائِنَا.
ونظائر ذَلِك؛ لِأَن الْخَبَر مَا حصلت بِهِ الْفَائِدَة، وَلَا تحصل [إِلَّا] بِمَا ذَكرْنَاهُ، وَأما رِوَايَة النصب عَلَى تَقْدِير صِحَّتهَا فتقديرها: ذَكَاة الْجَنِين