الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب الْوَلَاء
ذكر فِيهِ رحمه الله أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فثمانية:
أَحدهَا
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِن الْوَلَاء لمن أعتق» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة عَائِشَة فِي قصَّة بَرِيرَة من طرق كَثِيرَة وَهُوَ حَدِيث عَظِيم كثير السّنَن والآداب، وَقد أفرده النَّاس بالتصنيف وبالغوا فِي الاستخراج مِنْهُ عَلَى ثَلَاثمِائَة حكم وَأكْثر، وَقد لخصت مِنْهَا جملَة فِي «شرح الْعُمْدَة» فَرَاجعه مِنْهَا وَمِمَّنْ صنف فِي ذَلِك إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة رحمه الله.
الحَدِيث الثَّانِي
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ [الْبَيْهَقِيّ] فِي «سنَنه» عَن الْحَاكِم وَغَيره عَن
الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي - وَهُوَ فِي «مُسْنده» - عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن الْفَقِيه، عَن يَعْقُوب أبي يُوسُف القَاضِي، عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي عقب [هَذَا الحَدِيث:] هَذَا خطأ؛ لِأَن الثِّقَات لم يرووه هَكَذَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الْحسن مُرْسلا. ثمَّ رَوَاهُ - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ - عَن الْحَاكِم وَغَيره عَن الْأَصَم، عَن يَحْيَى بن أبي طَالب، عَن يزِيد [بن] هَارُون، عَن هِشَام بن حسان، عَن الْحسن، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكره بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدّم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من أوجه أخر كلهَا ضَعِيفَة. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن ضَمرَة، عَن سُفْيَان، عَن ابْن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، قَالَ سُلَيْمَان بن أَحْمد - يَعْنِي الطَّبَرَانِيّ -: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن سُفْيَان إِلَّا ضَمرَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن ضَمرَة كَمَا رَوَاهُ يَعْنِي [الْجَمَاعَة «نهَى] عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته» وَكَأن الْخَطَأ وَقع من غَيره. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن يَحْيَى بن سليم، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: هَذَا وهم من يَحْيَى بن سليم أَو من دونه فِي الْإِسْنَاد والمتن جَمِيعًا، فَإِن الْحفاظ إِنَّمَا رَوَوْهُ عَن عبيد الله بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن
ابْن [عمر] مَرْفُوعا «نهَى عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته» .
قلت: وَكَذَا قَالَ أَبُو زرْعَة فِيمَا نَقله عَنهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» أَن هَذَا هُوَ الصَّحِيح
[قَالَ] الْبَيْهَقِيّ: وَأخرجه مُسلم - يَعْنِي حَدِيث «نهَى عَن بيع وَوَلَاء» - من وَجه آخر عَن عبيد الله فِي البيع. قَالَ: وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب، عَن يَحْيَى بن سليم عَلَى الْوَهم فِي إِسْنَاده دون مَتنه، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيمَا بَلغنِي عَنهُ: سَأَلت البُخَارِيّ فَقَالَ: يَحْيَى بن سليم أَخطَأ فِي حَدِيثه، إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر، وَعبد الله بن دِينَار تفرد بِهَذَا الحَدِيث يَعْنِي بِاللَّفْظِ الْمَشْهُور. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة عَن أبي حسان الزيَادي، عَن يَحْيَى بن سليم، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب» . قَالَ: وَهَذَا اخْتِلَاف ثَالِث عَلَى يَحْيَى بن سليم وَكَانَ سيئ الْحِفْظ كثير الْخَطَأ.
قلت: قد تَابعه عَلَى هَذِه الرِّوَايَة مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي كَذَلِك أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيثه كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى فِي ذَلِك عَن عبد الله بن نَافِع بِإِسْنَادَيْنِ وهم فيهمَا، وَاخْتلف عَلَيْهِ فيهمَا. قَالَ: وَرَوَى عَن يَحْيَى بن أبي أنيسَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. قَالَ:[وَلَيْسَ]
الزُّهْرِيّ فِيهِ أصل، وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة ضَعِيف بِمرَّة، وَإِنَّمَا يروي هَذَا اللَّفْظ مُرْسلا كَمَا قدمنَا ذكر. قَالَ:(وَيروَى عَمَّن دون ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة) وَعَن عَلّي مَرْفُوعا «الْوَلَاء بِمَنْزِلَة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» هَذَا ملخص مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي هَذَا الْبَاب. وَقَالَ فِي بَاب «الْمِيرَاث بِالْوَلَاءِ» بعد أَن رَوَاهُ مُرْسلا عَن الْحسن: رُوِيَ مَوْصُولا من وَجه آخر عَن ابْن عمر وَلَيْسَ بِصَحِيح. وَذكر الْعقيلِيّ عبد الله بن دِينَار فِي ضُعَفَائِهِ؛ لأجل انْفِرَاده بِهَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حجَّة بِإِجْمَاع فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَخَالفهُ جماعات فصححوه مِنْهُم شَيْخه أَبُو عبد الله الْحَاكِم، فَإِنَّمَا خرجه فِي «مُسْتَدْركه» بِسَنَد الْبَيْهَقِيّ الْمُتَقَدّم أَولا ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَقد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن حمدَان، حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن مهْرَان، ثَنَا مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «الْوَلَاء لحْمَة من النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» وَمِنْهُم الإِمَام أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» عَن أبي يعْلى الْموصِلِي قَالَ: قَرَأَ عليّ بشر بن الْوَلِيد، عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن عبيد الله بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «الْوَلَاء (لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» وَهَذِه الرِّوَايَة مُخَالفَة) لجَمِيع مَا تقدم إِذْ فِيهَا [عبيد الله
بن عمر، عَن] عبد الله بن دِينَار وَقد تَابع بشرا عَلَى ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن فَرَوَاهُ عَن أبي يُوسُف كَذَلِك. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «الْمعرفَة» : وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْوَلَاء عَن أبي يُوسُف عَن عبيد الله بن عمر عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر - بِخِلَاف - مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم كَمَا تقدم عَن مُحَمَّد بن الْحسن وَمِنْهُم ابْن خُزَيْمَة فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» وَمِنْهُم الْحَافِظ عبد الْحق فَإِنَّهُ ذكره فِي «أَحْكَامه» من رِوَايَة يَحْيَى بن سليم عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَسكت عَلَيْهِ وسكوته قَاض بِصِحَّة الحَدِيث عَلَى مَا قدره فِي خطْبَة كِتَابه وَمِنْهُم الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» فَإِنَّهُ عزاهُ فِيهِ إِلَى أبي يعْلى وصحيح ابْن حبَان وَسكت عَنْهُمَا وَمن الغرائب عبارَة الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك» عقب قَول الْحَاكِم:«هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد» . قلت: بِالسَّيْفِ وَأَشَارَ إِلَى الْإِنْكَار عَلَى الْحَاكِم، وَفِي ذهنه مقَالَة الْبَيْهَقِيّ الَّتِي ذَكرنَاهَا وَلِهَذَا الحَدِيث مخرج آخر لم يَعْتَرِيه أحد من مصنفي الْأَحْكَام ورجال إِسْنَاده كلهم ثِقَات.
قَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي كِتَابه «تَهْذِيب الْآثَار» : حَدثنِي مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عِيسَى [يعْنى الطباع، ثَنَا عَبْثَر
بن الْقَاسِم، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن عبد الله] بن أبي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» وَهَذَا يرد قَول الْبَيْهَقِيّ: «رَوَى من أوجهٍ أخر كلهَا ضَعِيفَة» وَقَالَ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة عبد الله بن أبي أوفي: أَحْمد بن إِسْحَاق، نَا عَلّي بن مُحَمَّد بن جبلة، ثَنَا يَحْيَى هَاشم، [عَن إِسْمَاعِيل] بن أبي خَالِد، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب» قَالَ وَرَوَاهُ عبيد بن الْقَاسِم عَن إِسْمَاعِيل وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا عَن سَلمَة بن سهل، عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، عَن عتبَة بن الْقَاسِم، بِهِ سَوَاء، وَذكره من أَصْحَابنَا الْفُقَهَاء الْمَاوَرْدِيّ من حَدِيثه عَن عتبَة بِهِ سَوَاء ثمَّ قَالَ: وإرسال هَذَا الحَدِيث أثبت (إِسْنَادًا) .
وَهَذَا الحَدِيث قد ذَكرْنَاهُ فِيمَا مَضَى من كتَابنَا هَذَا فِي تناسب بَيَان الْأَوْلِيَاء وأحكامهم حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ ووعدنا هُنَاكَ أَنا أَن وصلنا إِلَى هَذَا الْمَكَان تريده إيضاحًا وَقد وفْق الْكَرِيم لذَلِك وَله الحمدُ الْمِنَّة ونقلنا هُنَاكَ أَن النَّوَوِيّ نقل فِي كِتَابه «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» عَن جُمْهُور أهل اللُّغَة أَنهم ضبطوا اللحمة فِي هَذَا الحَدِيث بِضَم اللَّازِم وَأَن الْأَزْهَرِي حَكَى عَن ابْن الْأَعرَابِي وَغَيره فتح اللَّازِم وَأَن الْأَزْهَرِي قَالَ إِن مَعْنَى هَذَا الحَدِيث قرَابَة كقرابة النّسَب وَكَذَا قَالَه الإِمَام الرَّافِعِيّ هُنَا إِلَى اللُّغَة