الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا نظرت في طبقة التابعين فإن المنقول بالنسبة لهم يشمل كل ما رواه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار الغيبية والإسرائيليات، وما ذكروه من أسباب النُّزول، ويضاف إلى ذلك ما قاله الصحابة بآرائهم فإنه يعد أيضًا منقولاً بالنسبة للتابعين، وإن كان في أصله يعود إلى التفسير بالمعقول.
وإذا نزلت إلى طبقة أتباع التابعين فإن كل المنقولات التي ذُكِرَتْ للتابعين تُعَدُّ تفسيرًا منقولاً عندهم، ويضاف إليها ما نقلوه من معقول التابعين في التفسير.
ومعنى هذا: أن ضابط المنقول في عصر الصحابة يختلف عنه في عصر التابعين، وفي عصر التابعين يختلف عنه في عصر من بعدهم.
ويمكن القول أن دائرة المنقول تضيق بتقدم الزمان، وتتسع بتأخره.
فإذا رجعت ـ مثلاً ـ إلى كتاب زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (ت:597)، فالأقوال التي ينقلها المصنف هي بالنسبة لك منقولة، لأنه لا يمكن أن تعرفها إلا عن طريق النقل.
وبناءً على ما تقدم فإن
من بلغ درجة الاجتهاد في التفسير في العصر الحاضر فإن له مجالين:
المجال الأول: هو أن يجتهد في الاختيار بين أقوال المفسرين السالفين دون أن يخرج عنها.
مثال ذلك: للمفسرين قولان في معنى قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات: 1]:
أحدهما: أنها الإبل.
والثاني: أنها الخيل.
فيُرَجِّح المجتهد المعاصر ـ مثلاً ـ أن المراد بالعاديات: الخيل؛ بدليل قوله تعالى: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} [العاديات: 2]؛ لأن الخيل هي التي
يظهر فيها إيراء النار، بسبب الضرب الشديد على الحصى.
فهذا ترجيح مستنده العقل، وهو يدخل في باب التفسير بالرأي، وإن كان المُرَجَّح هو من التفسير المنقول.
فإذا نُظِرَ إلى نفس الأقوال المحكية في التفسير فهي بالنسبة للمجتهد المعاصر من التفسير المنقول، وإذا نظرنا إلى الترجيح بينها فهو من التفسير المعقول.
المجال الثاني: هو أن يأتي المفسر بمعنى جديد لم يذكره المتقدمون، وهذا يظهر جليًا فيما يسمى بالتفسير العلمي الذي يستعين بالعلوم التجريبية في معرفة معاني الآيات القرآنية.
ومثال ذلك ـ وهو مثال للدراسة وليس للتقرير ـ: أن المفسرين ذكروا في قوله تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] قولين عن السلف:
أحدهما: أن دحاها بمعنى بسطها.
والثاني: أن (دحاها) يفسرها ما بعدها، فيكون معناها:{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} [النازعات: 31] وما بعدها.
ولم ينقل عن السلف غير هذين القولين في تفسير الآية.
وأما في هذا العصر فتجد أنه ظهر رأي جديد يقول بأن الدَّحْوَ هنا بمعنى التكوير والاستدارة، فتكون لفظة (دحاها) بمعنى كوَّرها، يعني جعلها كالكُرَةِ، وهذا رأي جديد لم يقل به المتقدمون من المفسرين (1).
ثالثًا: أن التفسير إما أن يكون منقولاً عن معصوم وهذا هو التفسير
(1) وهذا المجال من التفسير له ضوابطه وشروطه، وليس هذا محل ذكرها وإنما المراد هنا هو التمثيل فقط.