الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6].
وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. وغيرها كثير.
النوع الثاني من المتواطئ:
الأوصاف التي حُذِفَ موصوفها؛ كقوله تعالى: {وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ *وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 1 ـ 3].
وقد ورد عن السلف أقوال في الفجر، منها ما أورده السيوطي في الدر المنثور:
الفجر: أول الغداة؛ أي: الصبح، وقد ورد عن ابن عباس (ت:68)، وعكرمة (ت:105).
الفجر: فجر يوم مزدلفة، وقد ورد عن عكرمة (ت:105).
الفجر: فجر يوم النحر، وقد ورد عن مجاهد (ت:104).
الفجر: فجر أول المحرم من السنة، وقد ورد عن ابن عباس (ت:68).
وقد ورد غير ذلك من الأقوال، وهذه الأقوال التي ذكرت، وإن اختلفت في تحديد الفجر، فإنَّ نسبتها إلى مسمى الفجر واحدة لا تختلف، ففجر أول يوم من السنة، أو فجر يوم مزدلفة، أو فجر يوم النحر، أو كل فجر لا تختلف في فجريتها عن بعضها البعض.
وكذا ما ورد من الأقوال في تفسير (الشفع والوتر)، فكل الأقوال التي ذكروها لا تختلف في نسبتها إلى الشفعية أو الوترية، فالصلوات مثلاً: منها شفع ومنها وتر، والخلق شفع، والرب وتر، ويوم عرفة وتر ويوم النحر شفع، وهكذا غيرها من الأقوال، فنسبتها إلى ما ذكرتُ لا تختلف، وهذا هو معنى المتواطئ.
ويدخل في هذا كثير من الأوصاف التي لم يُذكر لها موصوف، فوقع الاختلاف في تحديده بسبب عدمِ ذكرِه، واحتمالِ الوصف لأكثر من واحد، كلفظ النازعات وما بعدها، ولفظ الخنّس وما بعدها، وغيرها.
ثُمَّ نبَّه على نتيجة هذا الاحتمال في التفسيرات الواردة عن السلف، وجعل هذه الاحتمالات لا تخرج عن أمرين:
الأول: أنَّ مثل هذه الاحتمالات قد لا يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالتها السلف، بل يكون المراد أحدها.
وهذا يعني أن تحديد أحد هذه المحتملات يحتاج إلى ترجيح، والترجيح يحتاج إلى علمٍ بطرق الترجيح وقواعده (1)، وهو علم مستقل من علم أصول التفسير.
الثاني: أن مثل هذه الاحتمالات قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالتها السلف، وذكر لذلك عللاً:
الأولى: إما لكون الآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة.
وقد سبقت الإشارة إلى مسألة نزول الآية مرتين، وأنها لا دليل من الآثار عليها سوى الاحتمال العقلي.
الثانية: وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه؛ إذ قد جَوَّز ذلك أكثر الفقهاء المالكية والشافعية والحنبلية وكثير من أهل الكلام.
الثالثة: وإما لكون اللفظ متواطئًا، فيكون عامًا إذا لم يكن لتخصيصه موجب.
أقول: وأكثر ما يقع موجب التخصيص في تنازع الضمير، والأمثلة التي
(1) ينظر في: قواعد الترجيح ما كتب الشيخ الدكتور حسين الحربي في كتابه: (قواعد الترجيح عند المفسرين).
سبق ذكرها تدلُّ على أن المرادَ أحد هذه الأقوال المذكورة، كالاختلاف الوارد في الذي دنا في قوله تعالى:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8].
ثمَّ قال: «فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني» .
أقول: وفي عود هذه العبارة احتمالان:
الأول: تحتمل أن تعود إلى المشترك والمتواطئ الذي ساق الحديث عنه من أول قوله: «ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللفظ فيه محتملاً لأمرين
…
»، ولا يكون ذلك إلَاّ بالنظر إلى تعميم الوصف في المشترك والمتواطئ، دون النظر إلى ما يترجح منها.
ومثال المشترك اللغوي، ما وقع من الخلاف في تفسير قوله تعالى:{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]. فقد قيل فيه أقوالٌ:
الأول: المسجور، الموقد المحميُّ، وهو قول عليٍّ (ت:40) وشِمْرُ بن عطية، ومجاهد (ت:104)، وابن زيد (ت:182).
الثاني: المسجور: المملوء، وهو قول قتادة (ت:117).
الثالث: المسجور: الذي ذهب ماؤه، حكاه الطبري (ت:310) عن ابن عباس (ت:68) من طريق عطية العوفي (ت:111).
الرابع: المسجور: المحبوس، وهو قول ابن عباس (ت:68) من طريق علي بن أبي طلحة (ت:143)(1).
فإذا نظرت إلى صحة إطلاق هذا اللفظ (السَّجر) على هذه المعاني (المختلفة) جعلته من هذا الباب شبيهًا بالعام الذي له أفراد، فهذا لفظٌ مشتركٌ له أكثر من معنى، وذاك لفظٌ عامٌ له أكثر من فردٍ.
الثاني: تحتمل أن تعود إلى المتواطئ دون المشترك؛ لأنه قال: «وإما
(1) ينظر في أقوالهم: تفسير الطبري، ط: هجر (21:567 ـ 569).
لكون اللفظ متواطئًا، فيكون عامًا إذا لم يكن لتخصيصه موجب، فهذا النوع إذا صحَّ فيه القولان كان من الصنف الثاني».
ويكون بالنظر إلى تعميم اللفظ المتواطئ على محتملاته، دون النظرِ إلى صحة احتمال الآيةِ لما قيل فيها من هذه الأقوال. ويصحُّ ذلك بلا إشكالٍ في المتواطئ الذي هو من قبيل الأوصاف التي حذف موصوفها؛ كالفجر والشفع والوتر والمرسلات والنازعات وغيرها، فكل الخلاف الوارد على هذه الشاكلة من الألفاظ يجوز أن يقال فيها بتعميم الوصف، فيدخل فيها كل موصوف مناسبٍ لها، ومثال ذلك ما ورد في تفسير النازعات، فقد أورد الطبري فيها أقوالاً وهي:
1 -
الملائكة التي تجذب روح الكافر من أقاصي بدنه، ورد ذلك عن ابن مسعود (ت:32)، وابن عباس (ت:68)، ومسروق (ت: نحو 63)، وسعيد بن جبير (ت:95).
2 -
الموت ينْزع النفوس، وهو قول مجاهد (ت:104).
3 -
النجوم تنْزع من أفق إلى أفق، وهو قول الحسن (ت:110)، وقتادة (ت:117).
4 -
القسي تنْزع بالسهم، وهو قول عطاء (ت:114).
5 -
النفس حين تنْزع، وهو قول السدي (ت:128).
(1) تفسير الطبري، ط: الحلبي (30:28).