الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الأمثلة التي طرحها: تفسير لفظ أوحينا، قال:«وكذلك إذا قال: الوحي: الإعلام، أو قيل: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}: أنزلنا إليك» .
أما تفسيره بالإعلام، فهو تفسير بجزءٍ من المعنى، لذا قال بعد ذلك: «
…
فهذا كله تقريب لا تحقيق، فإن الوحي هو إعلام سريع خفي
…
».
ومن ثَمَّ، فكل وحيٍ إعلامٌ، وليس كل إعلامٍ وحيًا، ويجمعه مع الإعلام معنى الإعلام العام، ثمَّ ينفرد الوحي بمدلولات جزئية لا تنطبق على مجرد الإعلام.
وأما تفسيره بالإنزال، فهو من باب التفسير باللازم، وهو لازم للوحي بالقرآن فقط، وليس لازمًا للفظ الوحي من حيث المدلول اللغوي، إذ ليس كل وحي يلزم منه الإنزال، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]، فهذا الوحي لا يلزم منه الإنزال.
والنتيجة من هذا تقرير أن تفسير المعنى بألفاظ متقاربة، ليس من باب المطابقة بين معنى اللفظين، وإنما هو من جهة تقريب معنى اللفظ المفسَّر.
ثانيًا: التضمين:
التضمين يأتي في الفعل والشبيه في الفعل، وهو أن يُقصدَ بلفظ معناها الحقيقي، ويلاحظ معه معنى آخر يناسبه، ويدل على هذا المعنى الآخر حرف الجرِّ المذكور مع اللفظ الأول (1).
(1) يمكن الاستفادة في موضوع التضمين من الآتي:
1 -
تناوب حروف الجر في لغة القرآن الكريم، لمحمود حسن عواد، دار الفرقان للنشر والتوزيع الأردن.
2 -
مسالك القول في النقد اللغوي، لصلاح الدين الزعبلاوي. =
وهذا يعني أنَّ اللفظ المذكور لا يناسبه حرف الجرِّ المذكور معه، ويكون حرف الجرِّ قد دلَّ على معنى يناسبه، ويكون أيضًا مناسبًا للَّفظِ المذكور، وفيه معنى زائد عليه، فلا يُضمَّن اللفظ ما هو في معناه، كلفظ (استند) لا يُضمَّن معنى (اعتمد).
وهذا المبحث من البحوث الصالحة للدراسة في ألفاظ القرآن الكريم، لكثرة التطبيقات الموجودة فيه، فكل حرف قيل فيه بأنه يعاقب حرفًا في معناه، فهو داخل في التضمين.
وقد طرح شيخ الإسلام (ت:728) عددًا من الأمثلة، وهي:
1 -
قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص: 24]، فسأل يتعدى بنفسه، فيقال: سأله كذا، ويتعدَّى بعن، فيقال سأله عن كذا، ولا يتعدى بإلى. فلما جاء في الآية متعديًا بإلى دلَّ على أنَّ فعل سأل قد أُشرِب معنى فعل آخر معه، وهو ضمَّ أو جمع، ويكون التقدير: لقد ظلمك بسؤاله أن تضمَّ نعجتك إلى نعاجه، فالسؤال ضُمِّن معنى الضمِّ أو الجمع.
2 -
قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52]، وقد ذكر فيه تأويل من يقول بتعاقب الحروف، ويكون المعنى عنده من أنصاري مع الله، أما على التضمين، فيُقدَّر لفظ الضمِّ، ويكون تقدير المعنى على التضمين: من ضامُّون نصرهم إياي إلى نصر الله إياه، أفاد هذا المعنى الطاهر بن عاشور (1).
3 -
الفعل «يفتنونك» في قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} [الإسراء: 73]،
= 3 - التضمين في العربية؛ بحث في البلاغة والنحو، أد. أحمد حسن حامد.
(1)
التحرير والتنوير (3:255).
وجعله مضمنًا معنى يصدونك أو يزيغونك، ويكون التقدير: وإن كادوا ليفتنونك فيصدونك عن الذي أوحينا إليك، أو فيزيغونك عن الذي أوحينا إليك (1).
4 -
الفعل «نصرناه في قوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنبياء: 77]، وجعله مضمَّنًا معنى نجيناه وخلَّصناه، ويكون التقدير: ونصرناه، فنجيناه وخلصناه من القوم الذي كذبوا بآياتنا (2).
5 -
الفعل «يشرب» في قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 6]، وقد ضمَّنه معنى يروى بها، والتقدير: عينًا يشرب فيروى بها عباد الله.
والقول بالتضمين أعرق في البلاغة من القول بتعاقب الحروف؛ لأنه يبقى سؤالٌ لمن يقول بتعاقب الحروف، وهو أنَّ المتكلِّمَ ما ترك المعنى الظاهر إلى هذا المعنى إلا لسبب، خصوصًا إذا عُلِمَ أنَّ النص يستقيم بالحرف الذي يُزعم فيه التعاقب، فلو قيل: لقد ظلمك بسؤال نعجتك مع نعاجه، لاستقام الكلام، ولما كان في المعنى أيُّ مشكلٍ، لكن لما تُركَ هذا الظاهر واختير حرف آخر لا يتناسب مع الفعل أو شبيهه، فإن ذلك قد دلَّ على إرادة معنى يحتاج إلى تحرير وتنقيب، وهو ما ذهب إليه من قال بالتضمين.
(1) قال الطاهر ابن عاشور: «وعُدِّي «يفتنونك» بحرف عن لتضمينه معنى فعل كان الفَتْنُ من أجله، وهو ما في معنى يصرفونك». التحرير والتنوير (15:171).
(2)
قال الطاهر ابن عاشور: «وعُدِّي «نصرناه» بحرف من لتضمينه معنى المنع والحماية، كما قال تعالى:{إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ} [المؤمنون: 65]، وهو أبلغ من تعديته بعلى؛ لأنه يدل على نصر قوي تحصل به المنعة والحماية فلا يناله العدو بشيء، وأما نصره عليه فلا يدلُّ إلا على المدافعة والمعونة» التحرير والتنوير (17:113).