الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: موضوع البيان النبويِّ للقرآن:
ذكر شيخ الإسلام في هذا المبحث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن للصحابة معاني القرآن كما بيَّن لهم ألفاظه، واستدلَّ لذلك بأربعة أدلة:
الأول: قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وهو يشمل بيان الألفاظ وبيان المعاني.
الثاني: الآثار الواردة في تعلُّم الصحابة لمعاني القرآن.
الثالث: الآيات الحاثَّة على عقلِ القرآن وتدبره.
الرابع: العادة الجارية بين الناس فيمن أراد أن يتعلم علمًا، فإنه يستشرح كتابًا في هذا العلم.
ويُعبِّر بعض المعاصرين عن هذه المسألة بسؤال، وهو:
هل فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كله، أم فسَّر بعضَه
؟ (1).
والذي يُفهم من كلام شيخ الإسلام هنا أنه فسَّره كلَّه، وقد طرق هذا الموضوع في غير هذا الموضع، وأورد فيه مثل ما أورده هنا، وهذا يعني أنَّ هذه القضية قضية محسومة عنده (2).
ومن أمثلة ما ورد عنه في هذه القضية:
(1) ينظر على سبيل المثال: التفسير والمفسرون، للدكتور محمد حسين الذهبي (1:50 ـ 55).
(2)
سوف أورد جوابًا له مطولاً حول هذه المسألة، وكذا كلامًا لتلميذه ابن القيم في الملاحق في آخر الكتاب.
قال ـ في معرض حديثه عن المتشابه، وبيان أن السلف تكلموا في جميع معاني القرآن ـ: «
…
ثَّم إنَّ الصحابة نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة، ولم يذكر أحد منهم قط أنه امتنع عن تفسير آية.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا ـ عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ـ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل
…
» (1).
قال في بغية المرتاد (ص:330 ـ 332) في معرض ردِّه على أبي حامد الغزالي قوله في كتاب جواهر القرآن عن التفسير الباطن: «إن كنت لا تقوى على احتمال ما يقرع سمعك من هذا النمط ما لم تُسند التفسير للصحابة، فإنَّ التقليد غالب عليك» ـ: «
…
وأما التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين، فذلك إنما قَبِلُوه لأنهم قد علموا أن الصحابة بلَّغوا عن النبي لفظ القرآن ومعانيه جميعًا كما ثبت ذلك عنهم، مع أن هذا مما يعلم بالضرورة من عادتهم، فإن الرجل لو صنف كتاب علمٍ في طبٍ أو حسابٍ أو غيرِ ذلك وحفظه تلامذته ـ لكان يُعْلَمُ بالاضطرارِ أنَّ هِمَمَهم تشوَّق إلى فهم كلامه ومعرفة مراده، وإن بمجرد حفظ الحروف لا تكتفي به القلوب، فكيف بكتاب الله الذي أمر ببيانه لهم، وهو عصمتهم، وهداهم، وبه فَرَقَ الله بين الحق والباطل والهدى والضلال والرشاد والغي، وقد أمرهم بالإيمان بما أخبر به فيه والعمل بما فيه، وهم يتلقونه شيئًا بعد شيء؛ كما قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان: 32]، وقال تعالى:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} [الإسراء: 106]، وهل يتوهم عاقل أنهم كانوا إنما يأخذون منه مجرد حروفه، وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم، ولا ما يقرؤونه،
(1) دقائق التفسير (1:142).