الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، يديل الأممَ والأيام بعلمه وحكمته، {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، وهو العليم الخبير.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ترك الأمة على محجةٍ بيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.
إخوة الإسلام: بين إشراقة الصورة في نماذج الإعلام الإسلامي فيما مضى، ونتائجه المثمرة في الوجود أمنًا وإيمانًا، وسلامًا وإسلامًا، وعملًا وصدقًا، وبين قتامة الصورة ونتائجها المرةِ، وظلمةِ الواقع وجور الإعلام العالمي المعاصر، لابد للإعلام الإسلامي المعاصر من دورٍ بناء، وموقعٍ متميز، وتحمل المسؤولية بكل صدق وأمانة .. وعلى كاهل رجالهِ الأوفياء تقوم المسؤوليات التالية:
1 -
رعاية التنميةِ، والتنميةُ بمفهومها الشامل، وبجوانبها المختلفة، الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والفكرية ونحوها، وما يتفرعَ عنها- كما لا يتسع الوقت لتفصيلها.
2 -
حمايةُ مكتسبات الأمةِ- عبر تاريخها الطويل- والتنبهُ لكل من يريد العبثَ بها، أو بترَ حاضرِ الأمةِ عن ماضيها، أو صياغة مستقبلها خارج إطار الشريعة الإسلامية ونُظمِ الإسلام الكاملة المتفوقة.
3 -
فضحُ أتونِ الحضارةِ المعادية ومنعُ تسرب أخلاقها وعوائدها الموبوءةِ
النكدةِ! ، وحمايةُ الأمةِ من مخاطرها الآنية والمستقبلية، مع الاستفادة من الضَّالةِ المنشودة. فالحكمة مطلوبة أيًا كان موقعها، وفرق بين هذا وذاك!
4 -
كشف تحيزِ الإعلام العالمي، لقضاياه الخاصة، ووفق سياساته التسلطية المستعمرة، وتجهيل العالم بقضايا العالم الإسلامي أو رسمها بالصورة المشوهة، وقيام الإعلام الإسلامي بالدور الغائب تجاه قضايا الشعوب المظلومة والمطالبةُ بحقوقهم المستباحة.
إخوة الإيمان من المفارقات العجيبة أن تجدَ هذا الإعلام المتحيز يُعنى بأخبار القططِ والكلاب، ويعرضه صورًا للكاسيات العاريات، ويبلغ الاهتمام بخصوصيات الفرد هناك إلى درجة تقتل معه عدسات التصوير مشاهير القوم- كما زعموا- وإنما قتلهم زيادة نسبة الكحول عقول المخمورين وقادة السيارات!
والحقُّ أنهم في عدادِ الموتى قبل أن يقتلوا، يوم أن وأدوا الفضيلة والحياء، وليسوا بمشاهير- في نظر الإسلام- والقضية باختصار: كفرٌ وعهر وخلاعة ومجون، عقول مخمورة، وقلوب خربة واهتمامات ساقطة، ونهايةٌ مؤلمة!
عباد الله! ليس غريبًا أن يحدث هذا في مثل هذه البيئات الموبوءة، التي تنكرت لشرائع السماء، وأفاء الله عليها من النعم ما شاء، فكفرت بأنعم الله .. ليس بعد الكفر ذنب .. وليس مع العلمنة وتقديس المادة ما يؤسف عليه بالبقاء .. إنها لوحة معبرة عن حضارة الرجل الأبيض - شاء المنهزمون والمعجبون بهم أم أبوا- وهي مؤشر للصيرورة إلى الزوال- طالت المدة أم قصر الزمان- فتلك سنةٌ إلهيةٌ، جاء بيانها في القرآن {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن
بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (1).
ولكن الغريب- يا عباد الله- أن تُصدَّر هذه المخازي إلى بلاد المسلمين، وأن يفرض الإعلام المتفوق على من دونه حتمية الصورة، وتناقل الخبر بنوع من الشراهةِ، يُضلل العامة، وربما فتن الحدث والمرأة، ودون تعليق يوضح الحقيقة، ويكشف المأساة، ويبعد شُبهة التقليد وفتنة المحاكاة!
أيها المسلمون! لابد أن نفهم الصورة في أحداث الإعلام المعادي بهذه الصورة، ومن رام غير ذلك فقد جعل الأسود أبيض، والظلمة نورًا، والكذب المزيف صدقًا وعدلًا!
والصورة باختصار: إعلامٌ متورم، وشعبٌ مغرور متفوق، وحضارة غارقة في المادية، وبلغت الوحلَ في الشهوانية، تريد تصديرَ هذه الزبالات بقناة الإعلام عبر الصورة المخرجة، والأخبار المتتابعة وتحت رقابة وكالات أنبائهم الخسيسة.
والهدفُ من ذلك حتى تدخل الأمة المسلمة حجر الضب الخرب وتسير في النفق المظلم ولا تدري نهايته.
ونحن أمة لها تأريخها وقيمها، وحضارتها المتميزة، نخبر أول الطريق وندرك ما ينتهي إليه، ونميز بين ما يضر وما ينفع، وما أعظم مسؤولية رجال الإعلام المسلمين، وهم المؤتمنون على توضيح الصورة، وإعادة الثقة للأمة، هم مسؤولون عما ينقلون وعما يكتبون وما يشاهدون .. ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا. ومن غشَّ فليس منا، وظلم النفس جريمة، ولكن ظلم الآخرين واستلاب عقولهم أشد جرمًا، وليس
(1) سورة الإسراء، الآيتان: 16، 17.
من الوفاء للأمة التابع لها جرها إلى ذيل قافلة الأمم الأخرى .. إن معركة اليوم انتقلت من حرب السلاح إلى حرب الفكر، ووسائل الإعلام بكافة وسائلها وميادينها ورجالُ الفكر والإعلام حراسُها .. فالله الله أن يؤتى الإسلامُ من قبل أي ثغرة نقف حراسًا لها .. ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، والله غني عن العالمين، اللهم انصر وسدد.