الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرأة في الحضارة المادية المعاصرة
(1)
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال- وهو أصدق القائلين:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (2).
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أوصى أبا ذرٍ رضي الله عنه أن يتعوذ من شياطين الجن والإنس، فقال أبو ذرٍ: يا رسول الله وللإنس شياطين؟ قال: «نعم» (3).
اللهم صل على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى سائر المرسلين، وارض اللهم عن الآل الطيبين والصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (4)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (5){وَللَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (6).
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 27/ 4/ 1416 هـ.
(2)
سورة طه، الآيات: 124 - 126.
(3)
الحديث رواه أحمد والنسائي.
(4)
سورة آل عمران، آية:102.
(5)
سورة الأحزاب، الآيتان: 70، 71.
(6)
سورة النساء، آية:131.
أيها الإخوة المؤمنون .. أيتها الأخواتُ المؤمنات، قد آن الأوان للحديث عن وضع المرأة في ظل الحضارة المادية المعاصرة، بعد سبق الحديث عن وضع المرأة وكرامتها وصون حقوقها في الإسلام، وسبق الحديث كذلك عن وضع المرأة وقيمتها في ظل الجاهليات القديمة في شرق الأرض ومغربها ولست أدري من أين أبدأ حديثي عن المرأة في ظل الحضارة المادية المعاصرة أبدأه من صيحات أساتذة الجامعات؟ أم من تحذير الكاتبات الشهيرات؟ أم يكون الحديث دراسة واعية للأرقام المذهلة والإحصاءات ونتائج الدراسات؟
أم يكونُ جلاءً لانتكاسة دور السينما وانتحار أشتهر الممثلات أم يكون حديثًا عن بداية الضياع ورصيد خط الانحراف. أم يكون تشخيصًا للأسباب، ورصدًا للنتائج، وتوصيفًا للعلاج؟
ولئن لم يفِ الحديث بهذه أو تلك فمرد ذلك أن الخُطبة ليست للإسهاب والتفصيل بقدر ما هي للإشارة والتذكير، وهذا يعني أن وراء القليل المذكور الكثيرُ الذي لم يتسع المقام لذكره.
وخلاصة القول أن المرأة في ظل هذه الحضارة المادية المعاصرة بدأت تشعر بحجم قضيتها، وفداحة وضعها، وخداع الرجال لها.
لقد قيل لها- زورًا وبهتانًا- أنت إنسانة حرة يجب أن تتمتعي بحريتك وتهتمى بجمالك وتختلطي بالرجال في صداقات بريئة حتى لا تتعقدي ولا تكوني فريسة للأمراض النفسية والانهيارات العصبية فلما مشت في هذا الطريق عشرات السنين اكتشفت أخيرًا الفرية الكبرى والفضيحة العظمى من مراكز القيادة، واكتشفت أن حريتها لم تكن إلا لتصبح متعةً للرجل ومستقرًا لشهوته، إذ هو يخادعها في الخلوات، ويجلس معها في البارات، يراقصها في الحلبات، ويسبح معها على شواطئ الأنهار والبحار .. كل ذلك دون أن يرتبط معها
بمسؤولية الحياة الزوجية والسكون العائلي.
لقد اكتشفت المرأة بعد التجارب المريرة أنها غدت وردةً ذابلة تدوسها المادة ولا يشعر بمأساتها أحد؟
أجل لقد انهارت سعادتها البيتية، وضاعت أمومتها الحانية، وفقدت كيانها وإرادتها وشخصيتها، وغدت حامل الطفل اللقيط تبحث في شرق البلاد وغربها عن مستشفيات الوضع، تمزقها المأساة وتحمل مع آلام الحمل ظلم الرجال على كتفها ويزيد من لوعتها وحسرتها تأوهاتُ الطفل كلما صرخ: ماما أين أبي؟ لماذا ليس لي أبٌ كسائر الأطفال؟ (1).
إخوة الإسلام إنها الصورة الحقيقية- باختصار- للمرأة في ظل ظلم وجور هذه الحضارة العصرية المزعومة للمرأة؟ هذا الظلم والجور للمرأة لم يعد سرًا، بل أزعج المنظمات والهيئات الدولية فقد بدأت لجنةُ حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تشعر بهذا الانحراف الخطير فنشرت قبل ما يزيد على عشرين عامًا مشروع قانون جديد على الدول الأعضاء لإزالة التمييز ضد النساء بمناسبة عام المرأة العالمي عام خمسة وسبعين وتسعمائة وألف للميلاد (1975 م) ومما جاء فيه أن أي مشروع يوضع لتنظيم قضايا المرأة في العالم ويحدد علاقتها بالرجل يجب أن يراعي الواجب الأساسي للمرأة في الحياة الاجتماعية، وهو الأمومة وتربية الأطفال، وتهيئة الجو المناسب لإنشاء البيت السعيد» (2).
مع ما في هذه التوصية من تخفيف لآلام المرأة وتقدير لمنزلتها قد جاء مؤتمر المرأة الأخير في بكين ليقضي على هذا الحلم للمرأة ولذلك حين يتخبط البشر
(1) المرأة في ظل الحضارة الغربية د. محسن عبد الحميد 3، 4.
(2)
السابق: 5.
في أنظمتهم يهدم اللاحقون ما استصلحه السابقون، ويخرب العابثون بيوتهم بأيديهم فاعتبروا يا أولي الأبصار! .
إخوة الإسلام استمعوا إلى حصاد الحرية المزعومة تعلن قاضية سويدية كلفتها الأمم المتحدة بزيارة البلاد الغربية لدراسة مشاكلها والتعرف على أوضاعها الاجتماعية والقانونية ..
فتحدثت القاضية السويدية (بريجيت أوف هاهر) عن المأساة التي خلفتها أوضاعُ الحرية في السويد- أرقى بلاد الحضارة الغربية- وتشير إلى زيادة نسبة الانتحار سنة بعد سنة بين النساء، ثم تقول: «إن المرأة السويدية فجأة اكتشفت أنها اشترت وهمًا هائلًا- هو الحرية- بثمن مفزع هو سعادتها الحقيقية، ولهذا فإنها تستقبل العام العالمي لحقوق المرأة (1975) بفتور مهذب، وتحن إلى حياة الاستقرار العائلية المتوازنة جنسيًا وعاطفيًا ونفسيًا، فهي تريد أن تتنازل عن معظم حريتها في سبيل كلِّ سعادتها.
وتذهب القاضية السويدية في تقريرها أبعد من هذا وتقول: «إن النتيجة على مستوى الأمة مذهلة حقًا وتذكر نسبًا مخيفة للمرضى النفسيين والمصابين عقليًا، والمصابين بأمراض الشذوذ الجنسي» (1).
أيها المسلمون أيتها المسلمات .. أما ثمار الاختلاط فتتحدث عنه بمرارة الكاتبة الإنجليزية الشهيرة «أنارورد» حين تقول: «ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف رداء، إنه عارٌ على بلاد الإنجليز أن نجعل بناتنا مثلًا للزائل بكثرة مخالطتهن للرجال فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنات تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية بما يوافق القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال
(1) المرأة في ظل الحضارة الغربية 6، 7.
سلامة لشرفها وحفاظًا على أنوثتها
…
» (1).
وفي، أمريكا تعترف الدكتورة «أيدي ألين» أن سبب الأزمات العائلية في أمريكا، وسبب كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف من دخل الأسرة، فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق .. إلى أن تقول الكاتبة: إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى بيتها هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل من التدهور الذي يسير فيه.
وفي ألمانيا قامت مظاهرةٌ نسائية تدعو إلى تحرر المرأة من العمل وتفريغها للبيت وشؤونه، ونادت النساء الألمانيات في هذه المظاهرة أن يُنص عند عقد الزواج على عدم مزاولة المرأة للعمل وأن تكون رسالتها الزوجية والأمومة لا مزاحمة الرجال في المكاتب والمصانع والمرافق الحكومية» (2).
تجتمع هذه النذر وتتلاقى هذه الصيحات لما نتج عن عمل المرأة وخروجها واختلاطها من انتكاسة في القيم والأخلاق، حتى قال العالم الإنجليزي (سامويل سمايلي) في كتابه «الأخلاق» «إن النظام الذي يقضي بأن تشتغل المرأة في المعامل ودور الصناعات مهما نشأ عنه من الثروة، فإن النتيجة هادمةٌ لبناء الحياة المنزلية
…
» (3).
أيها المسلمون والمسلمات- لماذا لا تُعلن الصيحات، ومأساةُ المرأة في الحضارة المادية المعاصرة لم تقف عند حدود المعمل والمصنع والشارع والشاطئ، بل حاصرت المرأة في دور العلم، ولم تسلم المرأة المتعلمة من
(1) المرأة بين البيت والعمل 24.
(2)
المرأة بين البيت والعمل 25، 26.
(3)
بدرية العزاز، المرأة، ماذا يعد السقوط 147.
حصار الرجل وظلمه حتى والمرأة تُحضر أعلى الدرجات العلمية، تقول إحدى الدارسات الحاصلات على درجة الدكتوراه في علم النفس أن رئيسها المباشر في الجامعة ابتدأ في معاكستها، وهي لا تستطيع أن ترفض طلبه لأن مستقبلها الدراسي بين يديه، تقول الدارسة: ولولا رضوخي لما كانت هناك امرأة في هذه الدرجة العلمية! ! (1).
أفبعد هذا يبقى مكانٌ للقيم والشيم؟ وقد شاعت الفاحشة في دور العلم، وشمل المثقفين، ووقع في شراكه المعلمون والمربون؟
إن الكارثة لا تنتهي عند هذا الحد، وسوسُ الفساد ينخر في المجتمع بسبب إفساد المرأة، وقد صدر كتابُ «الابتزاز الجنسي» لمؤلفه «لين فارلي» عام 1978 م ليفضح استغلال الرجل للمرأة جنسيًا وفي الاستفتاء الذي قامت به جامعة «كورنل» بين عدد من العاملات في الخدمة المدنية، جاء من نتائج الاستفتاء أن سبعين في المائة من النساء تعرضن للاعتداء الجنسي عليهن، وأن ستة وخمسين بالمائة منهن اعتدي عليهن اعتداءاتٍ جسمانية .. إلخ التقرير الخطير (2).
فأي حضارة تلك، وأي قيمة للمرأة في ظلها .. أين وقع المصطلحات الرنانة كالحرية، المساواة، وأين صيانة حقوق المرأة؟ !
(1) العزيز- المرجع السابق 143.
(2)
السابق: 142.