الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين منَّ على من شاء بالعبادة والهدى فشرح صدرهمْ للإسلام فهو على نور من ربه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حجب نوره عن المعرضين المعاندين فعاشوا حياة العَمىَ وإن كانوا مبصرين، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أوحى إليه ربُّه فيما أوحى {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} .
اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أما بعد- إخوة الإسلام- فإن هذا الدين سببٌ للسعادة والهداية وغيرُه من الأديان والنحل سببٌ للنكدِ والشقوة، قال الله تعالى:{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (1).
والقرآن طريقُك للهدى وهو مذكرٌ لك لحصولِ السعادة ومحذرٌ من طرق الغوايةِ والردى، ومن أعرض عنه باتت حياته ضنكًا، وإن خُيل للآخرين غير ذلك ظاهرًا وكذلك حكم ربنا {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} .
يا أخا الإسلام، إذا كان الإيمانُ واليقين وعمل الصالحات، والاستقامةُ على الحقِّ، وسلامةُ القلبِ من الأمراضِ الخبيثة، والاهتداءُ بهدي القرآن .. كلُّ ذلك من أسباب السعادة، فهناك أسبابٌ أخرى فلا يفوتنَّك العلمُ بها والعمل،
(1) سورة الزمر، آية:22.
والعلمُ الشرعي بابٌ واسعٌ للسعادة وأهلُه أشرحُ الناسِ صدرًا، وأوسعُهم قلوبًا، وأحسنُهم أخلاقًا، وأطيبُهم عيشًا، أما الجهلُ فهو يورثُ الضيقَ والحصرَ والحبس وصدق الله «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» .
أيها المسلمون: من أسباب السعادة أيضًا دوام ذكرِ اللهِ على كل حال، فبذكر اللهِ تطمئن القلوب، وتورث الغفلةُ ألوانًا من الضيق والعذاب، وهي طريقٌ إلى موت القلوب «ومثل الذي يذكر اللهَ والذي لا يذكره كمثل الحي والميت» ومصيبة أن يُميتَ الإنسانُ نفسهَ وهو يعدُ في عداد الأحياء؟
وأعظمُ ممن ذلك أن يرضى المرءُ بقرين الشيطان عوضًا عن الأُنس بالله، والله يقول:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (1).
ونفعُ الخلقِ والإحسان إليهم بالمال أو الجاه أو البدن كلُّ ذلك يورث السعادة، فإن المحسنين الكرماءَ أشرحُ الناسِ صدرًا وأطيبُهم نفسًا، وأنعمُهم قلبًا، أما البخلاءُ فهم أضيقُ الناسِ صدرًا وأنكدُهم عيشًا ..
عباد الله، إذا أورث الكرمُ السعادةَ وانشراحَ الصدر، فكذلك الشجاعةُ تورث السعادةَ، فالشجاعُ منشرحُ الصدر، واسعُ البطان، متسعٌ القلب، والجبانُ أضيقُ الناس صدرًا وأحصرهم قلبًا.
أيها المؤمنون إن لَّذة الحياةِ وجمالَها وقمةَ السعادةِ وكمالَها لا تكونُ إلا في طاعةِ الله، ومهما ابتُغيت السعادةُ بغير ذلك فهي وهمٌ زائف، وما أهون الحياةَ الدنيا على الله وقد حكم على متاعِها بالقلة مهما تكاثر أو تطاول في أعين الجاهلية «قل متاعُ الدنيا قليل» وتأمل هوانَها على الله في قوله: {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا
(1) سورة الزخرف، آية:36.
يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} (1).
وحذار يا أخا الإسلام أن تغرك سعادةُ لحظة عن السعادةِ الأبدية، أو تُفتنَ بلذةٍ عاجلةٍ ندامةٌ آجلة، احذر أن تكونَ في حضيض طبعِك محبوسًا وقلبُك عما خُلق له مصدودًا منكوسًا، حذار أن ترعى مع الهملِ، أو تستطيبَ لقيعان الراحةِ والبطالةِ، وتستلين فراشَ العجزِ والكسل، فتبصرَ حين تبصر وإذا بجيادِ الآخرين قد استقرت في منازلها العالية وأنت دون ذلك بمراحل وتود الرجعة لتعوِّض ما فات ولكن هيهات.
يا أخا الإيمان كيف ترجو السعادة وتأمل النجاة ولم تسلكْ مسالكها، وهل رأيت سفينةً تجري على اليبسِ؟
حاسب نفسَك على الصلاة ولا تأمل السعادة وأنت ساهٍ مضيعٌ لها والله يقول: «فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون» .
ولقد أخطأت الفهمَ حين قَدَّرت أن سماعَ الغناءِ المحرم وسيلةٌ للسعادة والأنسِ في هذه الحياة، وفي ذلك ضلالٌ عن طريق الهدى والله يقول:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (2).
وكيف ترجو السعادةَ إن كنتَ من أهل الكسب الحرام، وإن خُيل لك ذلك وأنت تتعاطى الرِّبا مثلًا فاقرأ قوله تعالى «يمحق الله الربا .. » .
وليست عقوبةُ الآخرةِ أقلَّ من الدنيا {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا
(1) سورة الزخرف، الآيات: 33 - 35.
(2)
سورة لقمان، آية:6.
يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (1).
ابن آدم بشكل عام احذر خطوات الشيطانِ تكن سعيدًا في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، واتخذه عدوًّا .. تشعر بالسعادة عاجلًا وأنت واجدٌ ذلك آجلًا والله يقول:{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (2).
يا ابن آدم في طباعِ النفس من الهلعِ والجزع والشح والبخل ما يقعد بها عن السعادة، وفي تعاليم الإسلام ووصايا القرآن ما يهذبها وتضمن سيرها إلى الله {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَاّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} (3) اللهم اجعلنا من أهل الجنة.
(1) سورة البقرة، آية:275.
(2)
سورة البقرة، آية:168.
(3)
سورة المعارج، الآيات: 19 - 35.