الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرأة في الإسلام
(1)
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الظلماتِ والنورَ ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شيء هالكٌ إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وارض اللهم عن أصحابه وآله وأزواجه أمهاتِ المؤمنين، ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين والمسلمات فتلك وصية الله لكم ولمن سبقكم {وَللَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (2).
أيها الإخوة المؤمنون لا عجبَ أن يكثر الحديث عن المرأة، فهي تمثل نصف المجتمع أو تزيد، وهي الأم والبنت والزوج والأخت هي قمة شماء وصخرة صماء إذا صلحت واستقامت تحطمت على أسوارها المنيعة مكائد الكائدين، وهي نافذة واسعة، وبوابة مشرعة للفساد إذا خلص إليها المغرضون، أمر الله لها بحسن العشرة في محكم التنزيل فقال {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (3). وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهن
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 20/ 4/ 1416 هـ.
(2)
سورة النساء: آية: 131.
(3)
سورة النساء، آية:19.
خيرًا وقال: «استوصوا بالنساء خيرًا .. » (1).
ونزل القرآن الكريم معليًا شأنهن ومؤكدًا حقوقهن من مثل قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (2).
بل نزلت سورةٌ كاملة من القرآن تحمل اسمهن، وتعالج قضاياهن ومع ذلك كله فهن موضعٌ للفتنة، وأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وخاف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من النساء فقال:«ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء» (3).
لا عجب والحالة تلك أن يكثر الحديث عنهن، وأن توضح الصورة المتميزة التي حددها الشرع لهن، ولا عجب أن يكثر الحديث عن المرأة في زمن كثرت أصوات الناعقين، وامتلأت الأجواء ضجيجًا وزورًا وباطلًا باسمهن ومخادعة لهن.
ومع كثرة اللقاءات والمؤتمرات التي عُقدت فيما مضى أو تعقد اليوم، أو يخطط لعقدها مستقبلًا، سواء ما يسر به أو يعلن على الملأ .. فإنا على ثقة أن هذه الصيحات الفاجرة الظالمة التي تنادي بتحرير المرأة ومساواتها وتدعو إلى خروجها واختلاطها، وتَئِدُ كرامتها وعفتها بعد نزع حجابها والتخلي عن حيائها .. إنا على ثقة أنها لن تؤثر- إن أثرت- إلا على صنفين من النساء، الصنفِ الأول: امرأة عفيفةٍ في نفسها، لكنها جاهلةٌ بحقوقها ومكانتها في
(1) متفق عليه، رياض الصالحين ص 140.
(2)
سورة آلة عمران، آية:195.
(3)
صحيح الجامع 5/ 138.
الإسلام، غافلة غائبة عما يريده لها أعداءُ الإسلام، فتلك يختلط عليها الحقُّ بالباطل، ولا تميز بين أصوات المؤمنين والمنافقين، يخدعها السراب وتبهرها الأنوار الكاشفة الكاذبة حتى إذا أطُفئت عنها فجأة وقعت في ظلمات بعضها فوق بعض، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.
أما الصنفُ الآخر فهن نساءٌ لديهن حظ من العلم والمعرفة الدنيوية، لكنهن في سلوكهن متهتكاتٌ مستهترات، أو فيهن استعدادٌ لهذا وذاك.
هؤلاء لا يرين في الاختلاط عيبًا، ولا في السفور بأسًا، قد فتنتهن وغرتهن الدنيا بزينتها فهي محلُّ تفكيرهن ومحط آمالهن وغايةُ طموحاتهن أما الآخرة بنعيمها وسرمديتها فتمر بهن أحيانًا كالطيف، حين العزاء أو في مناسبات إسلامية عامة كشهر رمضان والحج أو ما شابهها .. ومع ذلك فباب الهداية مفتوح غير موصد، وطريق الإنابة والرشد ميسور ليس دونه أبواب تغلق
…
ومن أوسع أبوابه العلمُ والخشية فبالعلم النافع تكون الخشية {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} .
وبالخشية تحصل المنعة من الفتنة بإذن الله.
أيها المؤمنون والمؤمنات على طريق العلم والمعرفة وحيث سبق الحديثُ عن نماذج من امتهان المرأة في الجاهليات الأولى، وما كانت تلاقيه من مسخ وخسفٍ وذلةٍ ومهانة، أعرض لكم اليوم شيئًا من عناية الإسلام بالمرأة وبيان مكانتها الحقيقية في شرع الله، بضددها تتميز الأشياء وأعتذر لكم سلفًا عن الاختصار بما يقتضيه المقام، ومن رام التفصيل فدونه مطولات الكتب، ومؤلفات أهل الإسلام ففيها الإيضاح والبيان فيقرر الإسلامُ ابتداءً وحدة الأصل بين الذكر والأنثى، وأن المرأة كالرجل في الإنسانية سواءً بسواء ويقول تعالى
في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (1).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «إنما النساء شقائق الرجال» (2).
ثانيًا: ضمن لها الإسلامُ الحياة الكريمة الطيبة في الدنيا والآخرة إن هي آمنت وعملت صالحًا وخوفها من الخزي في الدنيا والآخرة إن هي ضلت السبيل، كالرجل، فقال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3).
ثالثًا: كما ساوى الإسلامُ في تكليفها بالعبادات- مع الرجل- فلها ثواب الطاعة إن عملتها، وعليها عقوبة المعصية أن وقعت فيهما.
وقال تعالى- في الجانب الآخر- {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} (5).
وقال تعالى مخاطبًا الجنسين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن
(1) سورة النساء، آية:1.
(2)
حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي (صحيح الجامع الصغير 2/ 281).
(3)
سورة النحل، آية:97.
(4)
سورة الأحزاب، آية:35.
(5)
سورة النور، آية:2.
يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} (1).
وفي سبيل وقاية النوعين من الوقوع في الرذيلة قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (2).
رابعًا: حرم الإسلام التشاؤم بالمرأة والحزن لولادتها كما كان شائعًا عند العرب فقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} إلى قوله تعالى: {
…
أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (3).
كما حرم وأدها وشنع على ذلك فقال: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} (4).
وقال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (5).
خامسًا: كما ضمن الإسلامُ الأهلية للمرأة في الحقوق المالية، مهما كان نصيبها قال تعالى:{لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (6).
قال سعيدُ بنُ جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئًا، فأنزل الله هذه الآية (7).
(1) سورة الحجرات، آية:11.
(2)
سورة النور، الآيتان: 30، 31.
(3)
سورة النحل، آية:59.
(4)
سورة التكوير، الآيتان: 8، 9.
(5)
سورة الأنعام، آية:140.
(6)
سورة النساء، آية:7.
(7)
تفسير ابن كثير 2/ 191.
بل فوق ذلك جعل الإسلامُ للمرأة الرعاية في بيت زوجها وحملها مسؤولية رعايته «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» .
فأين ذلك من بعض تشريعات البشر وقوانينهم التي تعتبر المرأة مع الصغير والمجنون محجورًا عليهم؟ كما في القانون الروماني والفرنسي سابقا» (1).
سادسًا: واعتنى الإسلام بتعليم المرأةِ، وقال لها وللرجل:«قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» .
وخصص الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء يومًا يعلمهن مما علمه الله، وكن خير معينات على العلم والتعلم، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجالُ بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا، فاجتمعن فأتاهن مما علمه الله» (2).
وأفلح تعليم المرأة المسلمة في عصور الإسلام الزاهية فكانت نوابغ النساء في كافة الفنون، تشهده بذلك مدونات الإسلام، ويفتخر عددٌ من الرجال بمشيخة عددٍ من النساء، مع كمال الحشمة والعفة والوقار، وظلت المرأة المسلمة نموذجًا يحتذى في العلم والفقه والعزة بالإسلام، لا في عصر النبوة فحسب بل فيما تلاها من القرون أيضًا وإذا تجاوزنا أمثال عائشة رضي الله عنها نموذج العلم والفقه الأول، فهذه بنتُ سعيد بن المسيب رحمهما الله. حين دخل بها زوجها وكان من طلبة والدها، وأصبح أخذ رداءه يريد أن يخرج قالت له زوجته -بنت سعيد-
(1) الإسلام والمرأة: إقبال المسلم، دانه الفليح ص 4 - 6، والسباعي: المرأة بين الفقه والقانون ص 43).
(2)
عناية النساء بالحديث النبوي مشهور آل سلمان ص 6.
إلى أين تريد؟ قال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، فقالت له: أجلس أعلمك علم سعيد (1).
وهذه أم الشافعي رحمهما الله كانت باتفاق النقلة من العابدات القانتات، ومن أذكى الخلق فطرة، شهدت مع أم بشر المريسي بمكة عند القاضي، فأراد أن يفرق بينهما ليسألهما منفردتين عما شهدتا به استفسارًا، فاعترضت عليه أم الشافعي وقالت أيها القاضي ليس لك ذلك لأن الله يقول:{أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} (2) فلم يفرق بينهما (3).
تلك نماذج وغيرها كثير تفاخر بها المرأة المسلمة، ويعترف بها غير المسلمين وهذا غوستاف لوبون صاحب حضارة العرب- يذكر أنه كثر في العهد العباسي في المشرق، وفي ظل الأمويين في الأندلس اللواتي اشتهرن بمعارفهن العلمية والأدبية، وبعد ذلك من الأدلة على أهمية النساء أيام نضارة حضارة العرب» (4).
فهل تعيد المرأة المعاصرة تاريخ ومجد أسلافها من المؤمنات العاملات ليس ذلك على الله بعزيز، ولا يقف مد الإسلام وفي الأرض مسلم ومسلمة يقولان لا إله إلا الله محمد رسول الله، أعوذ بالله {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (5).
(1) الحلية لأبي نعيم 2/ 167/ 168، عناية النساء بالحديث، آل سلمان ص 121.
(2)
سورة البقرة، آية:282.
(3)
عناية النساء بالحديث، ص 131.
(4)
حضارة العرب ص 489، عن المصدر السابق ص 7.
(5)
سورة النساء، الايتان، 123، 124.
هذه عناية الإسلام بالبنت حتى تغادر البيت معززة مكرمة فأين هذا من الحضارة المزعومة المعاصرة التي ترمي بالبنت في قارعة الطريق لتبحث عن مأوى آخر، وتهيم على وجهها في صحراء مهلكة تحيط بها الذئاب من كل جانب؟