الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله العليم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يَحكم ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة من أمرهم.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسولهُ عاش حياته راضيًا مرضيًا رغم ضيقِ العيش حينًا، وكيد الأعداءِ حينًا، ولم تكن حياته عليه الصلاة والسلام من الأكدار والمنغصات صفوًا.
اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله، وارض اللهم عن أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون ومن صفحة الماضي إلى ظروف الحاضر نتأمل حقيقة القرآن {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} فبالأمس القريب تنمرت الشيوعية الحمراء وحكمت الشعوبَ المسلمة المحيطة بها بالنار والحديد، وبات المسلمون حينًا من الدهر يُصلون ويتلون القرآن في السراديب المظلمة والخلوات، وامتدت هذه الأفعى لتغزو أجزاءَ من عالمنا الإسلامي بقوةِ السلاح، بل امتد أثرها الفكري ليغزو العقولَ النخرة، ونبتت في العالم الإسلامي نابتةٌ يسارية الفكر والمعتقد، لغرضٍ أو لآخر. وحين بلغ السيلُ الزبى، وبلغ الكرهُ والتأففُ للواقع الإلحادي مداه .. كانت النهايةُ قاب قوسين أو أدنى، وأخيرًا تحطمت الدولة الشيوعية الكبرى على مرأى الناسِ ومسمع، وأصيب الأتباعُ بالذهول، وكانت البشرى للذين آمنوا وضاقوا من قبلُ بها ذرعًا، وتنفس المسلمون الصُّعداء، وعسى أن يكره الناس شيئًا ويجعل الله من بعده خيرا كثيرًا.
واليوم نشهدُ بأمِّ أعيننا غطرسةَ اليهودِ وتطرفَهم، وهم يسيئون إلى الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام، ويستفزون مشاعرَ أكثر من مليار مسلم، ويصل بهم التطرفُ والغطرسة إلى تصوير الرسول صلى الله عليه وسلم على هيئة خنزير - قاتلهم الله أنى ينفكون- وتنشر هذه الصورُ المزريةُ على مرأى من العالم ومسمع؟ !
ثم لا يقف التحدي العقديُّ عند هذا الحد، بل يُستخرج القرآن ويمزقُ أمام أعين المسلمين؟
لقد ضاق المسلمون ذرعًا بهذه التصرفات الرعناء، ومن قبلُ كره المسلمون وصول المتطرفين من اليهود لحكم إسرائيل.، ولكن {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} .
أجل إن المتأملَ في الأحداث الجارية على الساحة يرى أن في هذا الشرِّ الظاهر خيرًا كثيرًا في الباطن.
فالأحداثُ تكشف أولًا حقيقة اليهودِ لمن به غبشٌ في الرؤية أو خداعٌ في النظرة، ويتولى اليهود بأنفسهم رسمَ الصورةِ الحقةِ لنفسياتهم ومعتقداتهم وأخلاقهم وطبيعة نظرتهم للأديان والشعوب، وهذه حقيقة لو مكث العلماءُ، والدعاةُ وأهلُ الاختصاص والخطباء حينًا من الدهر لكشفِها وبيانها للناسِ لم تصل أثرُ كلماتِهم وخطَبِهم إلى ما وصلت إليه أفعال اليهودِ أنفسِهم، فهل أبصرتم هذا الخير من وراء هذا الشر؟
وتكشف أحداثُ اليهودِ الراهنة ثانيًا عن حقيقة التطرف، وأصنافِ المتطرفين، ويتهاوى المصطلحُ العالمي الحائر بوصف المسلمين بالتطرف على أصداءِ التطرفِ الحقِّ لبني صهيون؟ .
وثالثُ جوانبِ الخيرِ الذي نرجو أن يتحقق عاجلًا من وراء هذا الشر المستطير أن تستفزَّ هذه التصرفات المشينةُ مشاعرَ المسلمين، ويستيقظ أصحاب
السُّبات منهم على ضربات اليهودِ الموجعة، فيهبوا مدافعين عن عقيدتهم، وكأن اليهود بتصرفاتهم يقولون للمسلمين: هكذا نفعل بنبيكم وكتابكم، فأين أنتم؟ وماذا تفعلون؟ !
إن هذا التحدي السافرَ حريٌّ بأن يوحدَ كلمة المسلمين، ويجمع شتاتهم، وينسيَهم أضغانهم، ويضيِّق هوةَ الخلافِ في اجتهاداتهم، فالخطرُ يهددهم جميعًا، والعدو يُكشر لهم عن أنيابه، وخطوة اليوم من إخوان القردة والخنازير سيتبعها خطوات أكثر جرأة، إذا لم يعِ المسلمون دورهم، ويستعدوا لمنازلة عدوِّهم.
أما الرابعة من جوانب الخير المتوقعة من وراء هذا الشر، أن تكون هذه الكبرياء وذلك السوءُ في المعتقد والخلق من يهود مؤشرًا لنهاية هذا الجسم الغريبِ في الأمة المسلمة، ومعجلًا بالمنازلة المحتومةِ النتائج مع اليهود «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهوديُّ من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله هذا يهوديٌّ خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقدَ، فإنه من شجر اليهود» (1).
إن سلبيات واقعنِا المعاصر كثيرةٌ ومتنوعة، وإن رعودَ الشرِّ تبرق هنا وهناك، وإن الغصصَ والمآسي التي يراها المسلمُ أو يسمعها تدمي الفؤاد وتبكي العيون .. ومع ذلك فبإمكان المسلمين أن يحيلوا هذه السلبيات إلى إيجابيات حين يعودون إلى دينهم، ويعرفوا حقيقة أعدائهم وطبيعة المعركة معهم، ويأخذوا بأسباب العدة والنصر التي أمروا بها، ولا يركنوا إلى الذين ظلموا، ولا ينتظروا النصفَ والنصرةَ من أعدائهم فالكفرُ ملةٌ واحدة، ولن يرضى اليهود ولا النصارى عن المسلمين إلا باتباع ملتهم، وما النصر إلا من عند الله.
(1) الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة.