الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأجلها نعمة الإسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرع لنا من الدين أحسنه وأنزل علينا أفضل كتبه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، به تمت رسالات السماء وكان خير المرسلين .. اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.
إخوة الإسلام لضراوة الجاهلية المعاصرة، وظلم المرأة في ظل هذه الحضارة المادية المعاصرة، فقد استيقظت وتستيقظ أحيانًا فطرُ أكثر النساء لهوًا وضياعًا .. إنهن الممثلات العاريات، ورائدات دور السينما الفاتنات المفتونات .. تستيقظ أولئك النسوة على ضياعهن واستغلال الرجال لهن وفي فرنسا مثلًا- نشرت جرائد العالم في حينها- قصة الممثلة الفرنسية الداعرة، التي كانت تمثل مشهدًا عاريًا أمام الكاميرا، وفجأة ثارت ثورةً عارمةً وصاحت في وجه الممثل والمخرج تقول: أيها الكلاب، أنتم الرجال لا تريدون منا نحن النساء إلا أجسادنا، حتى تصبحوا من أصحاب الملايين على حسابنا، ثم انفجرت تبكي .. ».
وقبلها انتحرت الممثلةُ الأمريكية «مارلين
…
» وكتبت كلمات تندب فيها حظها وتحذر بنات جنسها من مثل مصيرها (1).
أيها المسلمون والمسلمات أكتفي بهذه الإطلالة السريعة على واقع المرأة في الحضارة المادية المعاصرة لأقف مستنتجًا العبر والدروس الآتية:
أولًا: أن هذا الواقع المشين لم تبلغه المرأة دفعة واحدة، ولم تُجر إليه بين
(1) المرأة في ظل الحضارة الغربية؛ د. محسن عبد الحميد 10 - 11.
عشية أو ضحاها، وإنما كان هذا نتيجة تخطيط ماكرٍ مسبق استخدمت فيه الألفاظ البراقة الخادعة من جهة، وروجت له وسائل الإعلام وقنواتها المختلفة من جهة المرأة، ومع هذا الضجيج والخداع فقد اكتشفت المرأة أخيرًا اللعبة ولكن أنى لها الرجوع وقد أدخلت في النفق المظلم ولا تعلم طريق الخروج، فالاختلاط مثلًا عاد عليها بالويل والثبور وعرض أجسادهن لنهش الذئاب وفتك السباع، والحرية المزعومة لم تكن إلا غطاءً لخروجها دون حسيب أو رقيب وكان سببًا لتقويض بيت الزوجية الهانئة، ومعولًا لمشاعر الأم الحنونة، وسيفًا مصلتًا على العفة والكرامة والحياء أما المساواة فليس لها من المصطلح إلا رنينُ العبارة وجمال التسمية، وكيف تتاح المساواة مع الرجل في بيئات تشتد المنافسة في العمل بين جنس الرجال وأنى لهن أن يتحملن منافسة الجنس الآخر، والعطالة على أشدها، والانهيار الاقتصادي شبحٌ مخيفٌ!
ثانيًا: هذه الموجةُ الغازيةُ وهذا الفساد المستشري لم يقف عند حدود البلاد الكافرة ولو كان كذلك لهان الخطبُ وقيل هذه أمةٌ لا تهتدي بهدي الله ولا تظللها شريعة السماء، والمرأة هناك لا تستند على حقوق معتبرة كتلك التي ضمنتها الشريعة الإسلامية للمرأة المسلمة .. ولكن المصيبة أن يصل الخداع إلى المرأة المسلمة، فتنزع حجابها، وتختلط بالرجال، وتطالب بالحرية والمساواة وتحشر نفسها في النفق المظلم الذي دخلته المرأة الكافرة وهي الآن تصرخ باحثة عن المخرج، إنه عارٌ على المرأة المسلمة أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير وإذا كان للمرأة الكافرة ما يفسر مطالبتها دون تبرير، فأي تفسير لانتهاك القيم ونزع الحياء والجلباب من المرأة المسلمة .. إن المرأة المسلمة أهلٌ للقيادة والريادة فكيف ترضى أن تُقاد، وكيف يسهل عليها أن تكون في مؤخرة القافلة، بدل أن تتصدرها؟
ثالثًا: ينبغي أن يُعلم أن خط الانحراف في إفساد المرأة عمومًا والمرأة المسلمة خصوصًا لا يأتي جملة واحدة. ولا يُعلن المنفذون عن أهدافهم الحقيقية ببساطة، فالتدرجُ أسلوبٌ متبع والتذرعُ بالنصح للمرأة والمدافعة عن حقوقها بات وسيلة مكشوفة للمرأة قبل الرجل، فالحجاب مثلًا لا ينزع في البداية جملة، وإنما يكتفى بكشف الوجه ثم يتدرج إلى كشف شيء من الشعر ثم الذراعين، ثم الصدر وهكذا حتى يصل المخطط نهايته، والاختلاط لا ينبغي أن يصدم به المجتمع في الجامعات أو حتى في الثانويات والمتوسطات، على حد تعبير هؤلاء وإنما يطرح الاختلاط في الصفوف الأولى الابتدائية لتستمرأه النفوس وتخف النفرة من كلمة الاختلاط، فينتقل بعد حين إلى مرحلة أخرى وهكذا حتى يبلغ المخطط نهايته.
ومنافسة المرأة للرجل في الوظيفة ومشاركته في العمل تبدأ بافتتاح مجالات واسعةٍ لتعليم الفتاة في غير مجالها الذي يناسبها، ثم بعد ذلك حثها وحث وليها على المطالبة بتوظيفها، فتوفر وظائف كثيرة للنساء، حتى إذا امتلأت الأماكن الخاصة بالنساء، وبقيت طوابيرًا أخرى من النساء كانت الخطوة الجريئة بعد ذلك، بتوظيف المرأة بوظائف خاصة بالرجال والرجلُ أحوج ما يكون إليها، وربما كانت مع الرجل في مكتب واحد أو بينهما حجابٌ خفيف في البداية سرعان ما يخترق وتزال الحجب .. فتنبهوا معاشر المسلمين والمسلمات للخطر واستفيدوا من حصاد تجربة الآخرين والسعيد من وعظ بغيره.
رابعًا: أيتها المرأة المسلمة حذار أن يخدعك المنافقون، أو يؤثر فيك أصوات المأفونين، ولن تجدي أصدق من كتاب الله خطابًا إليك، ولا أرحم من شريعة الله بك، وليسعك ما وسع الأمهات الطيبات الطاهرات، ونساءُ المؤمنين الخيرات {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن
جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (1).
أما الناعقون بحريتك والمنادون بمساواتك، والحريصون على اختلاطك، ما أجد من أصدق العبارات التي قيلت بشأنهم «المرأة وذئاب تخنق ولا تأكل» وهو عنوان كتاب صدر لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري- عفا الله عنا وعنه- يقول في تحليل العنوان: الخنق رمزُ جوع جنس باعثه التداوي من الإثم بالإثم، وإيحاش القلب بالسلوك الرديء، وجبن وتقاعس عن الالتزام ومسؤليات الزواج» (3).
إنني أحمل المرأة مسؤولية الدفاع عن نفسها، والاعتراف بدينها، واكتشاف النصحة من المتاجرين بقضيتها .. وأدعوها لمزيد من العلم بشريعة ربها، والوعي بإسلامها .. والتنبه لمخططات الأعداء لها .. ومن يتق الله يجعل له مخرجًا.
خامسًا: وفي سبيل وقاية نسائنا عما وصلت إليه المرأة الغربية من تعاسة وانتكاسة، أذكر بمسؤولية الجميع في الحفاظ على حياء وعفة المرأة المسلمة،
(1) سورة الأحزاب، آية:59.
(2)
سورة الأحزاب: الآيتان: 32، 33.
(3)
ص 9 ط 1411 هـ.
وعدم اختلاطها، أو الاستجابة لنزع جلبابها تحت أي شعار، وبأي أسلوب خادع طرح، لابد من التنبه لمخاطر الطروحات المغلفة بغلاف المصلحة المزعومة، والحاجة القائمة .. ونحوها.
ومصيبة أن يُفاجأ الخيرون والخيرات بالستار يزاح عن مصيدة للمرأة حبكت فصولها في الخفاء، تلك مسؤولية العلماء والدعاة، ورجال الفكر، وأولي الأمر كافة.