الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجبنا مع بدء العام الدراسي
(1)
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين يُقلب الليل والنهار، وتتعاقب بإذنه الأمم والأجيال، وكلُّ يوم هو في شأن، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مالك الملك، وما بكم من نعمةٍ فمن الله، وإذا مسكم الضر فإليه تجأرون وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، الأمين على وحيه، والشافع المُشفع للأمة، صاحب الحوض المورود وسيذاد عنه أقوام أحوج ما يكونوا إليه، وحين يسأل عنهم نبي الرحمة ويقول أمتي أمتي .. يجاب إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
اللهم ألهمنا العلم بسنته، وارزقنا الثبات على الحق الذي جاء به، حتى نلقاك ربَّنا وأنت راضٍ عنا.
اتقوا الله معاشر المسلمين في سرِّكم وعلانيتكم وإياكم أن يطلع الله في قلوبكم، خلاف ما تتحدث به ألسنتكم فاللهُ لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وسويداء القلب صمام الأمان .. إذا صلحت المضغة صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله .. ، وغدًا تبلى السرائر، وتكشف الخبايا، والناجون هم الصادقون المتقون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (2).
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 20/ 5 / 1419 هـ.
(2)
سورة التوبة، آية:119.
عباد الله ابتدأ العام الدراسي، والمسافة بين امتحانات الفصول الماضي، وبدء الدراسة في هذا الفصل الحالي وإن كانت قصيرة في عمر الزمن. فهي طويلة في حساب المكاسب والخسائر.
أجل لقد غنم فيها قومٌ وغُبن آخرون .. كانت مكاسب لمن اغتنموها بالجد وعمل الصالحات، والقراءة النافعة ونحوها من أعمالٍ قد لا يتوفر الوقت لها أثناء موسم الدراسة .. أما الصنف المغبون فهم أولئك المفرطون لطاقاتهم، القاتلون لأوقاتهم، هؤلاء ظنوا الإجازة سهرًا وصخبًا، وخيل لهم أنهم يعيشون أحلى الليالي مع برامج ساقطة وعبر شاشات وقنوات هابطة تم انقشع الصبح وإذا بالسراب خادع .. وانتهت اللذة وهيجت الشهوة .. واستحكمت الغريزة، فعاشت المُشاهد لحظات الحسرة والندامة، والصريع الأكبر من قادته هذه المشاهد إلى اقتراف المحرم، فاخترق الحمى، وتجاوز الخطوط الحمراء! !
معاشر الطلبة والطالبات عدتم إلى مقاعد الدراسة، والعودُ أحمدٌ إن شاء الله .. فكيف بدأتم هذا العام .. هل جددتم إخلاص النية لله في طلب العلم، وهل اتخذتم من الإجازة محطة للتقوية والترويح البريء، الذي يُسهم في تقبلكم للمعلومة المفيدة، هل تحتاجون إلى من يُذكركم أدب طلب العلم، وهل تمارسون الأدب مع معلميكم وزملائكم وهل تتذكرون يوم أن تسعوا كلَّ صباح إلى أماكن الدراسة قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:«من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» وتستحضرون تقوى الله في طلبكم العلم والله يقول:
(1) سورة الأحزاب، الآيتان: 70، 71.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (1).
أخي الطالب أختي الطالبة ما نوع الزملاء والأصدقاء الذين تختارونهم لرفقتكم أثناء الدراسة وخارجها، هل هم من النوع الذي يعينكم على الخير، ويساهم في تذليل المصاعب ويُشجع على الطموح؟ أم هم من النوع الذي يجركم إلى الوراء كلما حاولتم الصعود إلى الأمام، ويدعوكم إلى الرذيلة، ويسخر من الفضائل والمكارم .. ألا ففروا من المجذوم فراركم من الأسد .. واحرصوا على الجليس الصالح فهذا إن لم تبتعْ منه، أحذاك من رائحته الطيبة .. ويكفيك أنه محل وصية نبي الهدى والرحمة .. وأنت خبيرٌ بالفرق بين حامل المسك ونافخ الكير .. واختر لنفسك ما تشاء! !
أيها المعلمون والمرشدون وأيتها المعلمات والمرشدات .. وحين تتوافد عليكم هذه الجموع المتجددة من الطلبة والطالبات، فماذا أعددتم لهم وبم تستقبلونهم؟ وكيف وماذا ستعلمونهم؟ إنهم أمانة في أعناقكم فقدِّروا الكلمة التي تقولونها وزنوا الحركة قبل أن تتحركوها .. واعلموا أن الدارسين والدارسات يسمعون بأعينهم أكثر من سماعهم بآذانهم .. نعم إنها القدوة لا يكفي بها مجرد الكلام .. بل تحتاج إلى ممارسة الأفعال، والعلمُ ليس مجرد نصوص تُحفظ .. ولكنها الممارسة والتطبيق العملي الذي يجعل من النصوص أشكالًا تتحرك، وأشخاصًا تترجمها إلى واقع عملي فتنساب في أذهان الدارسين والدارسات ويتيسر عليهم هضمها والاستفادة منها.
أيها المدرسون والمدرسات مهنتكم من أعزِّ المهن، وقد قيل: كاد المعلمُ أن يكون رسولًا، فجملوها بالإخلاص، واحموها بالجدِّ والمتابعة ومهما كان نوع
(1) سورة البقرة.
رقابة البشر عليكم، فضعوا رقابة الله دائمًا نصب أعينكم وتذكروا دائمًا قوله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} . اعلموا أن الغرس الذي تغرسونه اليوم سيثمر غدًا، ولا يكن شبحُ الامتحان همكم الوحيد، أو معوقًا لرسالتكم التربوية النبيلة، واستثمروا فرص النشاط اللامنهجية التي تبعث بها إداراتكم إليكم، وبأخلاقكم العالية ومعاملتكم الطيبة تصلوا إلى قلوب الطلاب قبل أن تصل كلماتكم إلى أسماعهم.
أيها المدراء الفضلاء أنتم على رأس المسؤولين في مدارسكم فكونوا عند حسن الظن بكم، وما أجمل الرئيس يجمع بين الحزم والحلم، وبين الضبط الإداري والمرونة في التطبيق، شجعوا المدرس والطالب المجد، وخذوا بأيدي الكسالى وساهموا في صعودهم إلى أعلى، وليكن أسوأ ما عندكم آخر سهمٍ في جعبتكم، عالجوا الأخطاء بحكمة، وإياكم والتساهل بعلاج الأخطاء أو الانحرافات فور وقوعها .. حتى لا تتسع دائرتُها، ويتعاظم خطرُها، اجمعوا بين اليقظة والثقة، وليكن لكم جولات ولقاءات متتابعة، أنصفوا المظلوم، وخذوا على أيدي الظالم .. وأشركوا البيت في مهمتكم، وتعاونوا ورجالات الحي في كل ما يحقق النجاح لرسالتكم، شكلوا من المدرسة أسرة صالحة بمعلميها وطلابها وإدارييهم .. واجعلوا من تقوى الله، والإخلاص لله سندًا يمدكم الله بعونه، ومن يتق الله يجعل له مخرجًا، ويجعل الله من أمره يسرًا.
ومثل ذلك يقال للمديرات الفاضلات .. وكلٌّ بحسبه.
معاشر الأولياء، أنتم شركاء للمدرسة في مسؤوليتها .. ولا ينتهي دوركم عند تأمين اللوازم المدرسية للطلبة والطالبات .. وإيقاظهم في الصباح ولا ينبغي أن يكون آخر عهدكم بالمدرسة تسجيلهم فيها .. لابد من متابعة الأبناء والبنات والسؤال عن حالهم وزيارة المدرسة بين الفينة والأخرى للسؤال عن الأبناء
والمساهمة في رأي أو اقتراح مفيد لعموم الدارسين.
معاشر الأولياء كم هو مؤلم أن تجد عناية من الأسرة لجانب من جوانب الطلبة، وترى إهمالًا في جوانب آخري .. وقولوا لي: بربكم هل أدى الأمانة من حرصه على استيقاظ ابنه للدراسة مقدمٌ على حرصه على الصلاة .. وتحسُره على فوته الدراسة أشدُّ من تحسره على فوت وقت الصلاة .. إنها ممارسات خاطئة يحس الطلبة والطالبات فيها بنوع من التناقض بين ما درسوه في المدرسة وما يجدونه في المنزل .. فعظموا أمر الله- معاشر الأولياء- في نفوس الناشئة، ومروهم بالصلاة لسبعٍ واضربوهم عليها لعشرٍ وفرقوا بينهم في المضاجع .. وإياكم وإشغالهم بمشاهد يطول سهرهم عليها فيأتون للمدارس وما بهم قدرة على التركيز والتحصيل وإن كانت هذه المشاهد محرمة فالأمر أدهى وأمر.
معاشر الأولياء تشكو المدارس من ضعف قوامة بعض البيوت على أبنائهم وبناتهم. وتلك مصيبةٌ وداء عضال ولاسيما إذا كان منشأه قلة الاهتمام والانشغال بأمور الدنيا .. وكل ذلك له آثاره على ضعف الطلبة والطالبات دراسيًا .. وانحرافهم- لا قدر الله- خلقيًا فتنبهوا لذلك معاشر الأولياء، وتذكروا دائمًا قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (1).
(1) سورة التحريم، آية:6.