الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخيرَ كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.
أعود للمرأة قائلًا:
أيتها الفتاة البكر: بم تُفكرين؟ وما مواصفات شريك الحياة الذي ترغبين؟ وما نوع الحياة الزوجية التي تأملين؟ وإلام بعد الزواج تتطلعين؟ هل قرأت عن حقوق الزوج؟ وهل لديك عزمٌ وحزمٌ على تربية جيلٍ يسعد أمته ولا يشقيها، ويبني ما تهدم من أركانها؟
أيتها النساء عمومًا، بل أيها المسلمون جميعًا أن الوقت ثروةٌ عظيمة والمغبون حقًا من فرَّط فيها، وإن الحياة تمضي سريعًا. والعاجزون هم أصحاب التمني والتسويف فيها، واسمعوا إلى كلام الحسنِ البصري يرحمه الله وهو يُحذر من التسويف، ويقول:«إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غد لك فكس فيه (أي اجتهد فيه) كما كست في اليوم، وإلا يكن الغد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم» (1).
ويقول ابن الجوزي: إياك والتسويف، فإنه أكبر جنود إبليس (2).
أما ابن القيم فيشير إلى صوارف الخير بـ «لعل» و «عسى» محذرًا حين يقول: كلما جاء طارقُ الخير صَرَفه بوَّابُ: (لعل) و (عسى)(3).
(1) 125 طريقة لحفظ الوقت، محمد بن صالح آل عبد الله ص 137.
(2)
صيد الخاطر.
(3)
الفوائد.
إخوة الإسلام أن الكسلَ والتسويف بضاعةُ الحمقى والمفاليس ولذا قيل: تزوج التواني الكسلَ فتولد منهما الخسران (1).
وليس يخفى أن العمل، والعام، والشهر، واليومَ مضبوطٌ بساعات ودقائق وثوان لا تزيد، ولكنك مع ذلك تلحظ البون شاسعًا بين الناس في استثمارها، وكم بنى بها المشمرون قصورًا عالية في الجنان، وكم كانت سببًا لهلكة أقوامٍ ومعبرًا لهم إلى النار، كم شيد فيها أولو هممٍ وأصحابُ عزائم من بيوتٍ للعلم، أصبحت منابر تضيء للسالكين، وكم خمل فيها ذكرُ آخرين، ومرت عليهم السنون، وهم في ظلمات الجهل يتقلبون، كم أشاد فيها عاملون نشطون من صروح الحضارة ما بقي ذكره في العالمين .. وكم ثرب التاريخ على أمم عاشوا على فُتات حضارات الآخرين؟ !
إنه الزمن لك أو عليك، ومن لم يستثمر حياته بالخير وعملِ الصالحات قادته نفسه الأمارةُ بالسوء إلى مهاوي الردى وعمل السيئات، ولا ينفع الندم حين كشف الحساب عند أهل الغوايةِ والجهل، وبطول مُكثِهم وعدم استثمارِ أوقاتهم في الخير يشهد عليهم أهل العلم والإيمان {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَاّ يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} (2).
إنه مشهد غائب حاضر لا يستبعده إلا الغافلون {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَأن أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَن جَاهَدَ فَأنمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ أن اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (3).
(1) ابن الجوذي، المدهش، عن 125 طريقة لحفظ الوقت ص 137.
(2)
سورة الروم، الآيات: 55 - 57.
(3)
سورة العنكبوت، الآيتان: 5، 6.
أختاه في الإسلام حنانيك أن يضيع وقتك سدى عبر جلسات مطولة لا فائدة فيها، بل ربما حملت نفسك أوزارًا من خلال الحديث المحرم فيها. ووقتك أغلى من أن يضيع في العكوف على سماع أو رؤية أصوات أو مشاهد الفجور والخنا وعمرك أنفس من إضاعته بكثرة النوم. وربما لم تصل الفجر حتى تعالى الضحى، ولربما كان النوم سببًا للخصام مع الزوج للتقصير في الأداء، وضياع الوقت هدرًا، وغدا الأطفال يسرحون ويفسدون، وأنت غائبةٌ لطول موتتك الصغرى.
أختاه! ومن الخطأ أن تعتقدي أن في الذهاب للأسواق بكثرة ما يقطع الوقت، ويجلب السرور والسلوى .. والبيت نِعمَ المستقرُّ لك، وقد قيل لمن قبلك من خيرة النساء:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (2).
كما أن من الخطأ أن تظني أن رفع سماعة الهاتف وقتًا طويلًا دونما فائدة تُرتَجى، يجلب السعادة ويمضي به الوقت سريعًا؟ !
أختاه! ليس ذلك حصرًا لمواطن هدر الوقت سدى عند بعض النساء. أنت بذلك وغيره أدرى، فاحذري وحذري غيرك من النساء من إضاعة الوقت سدى.
كما أنت أدرى بمواطن استثمار الوقت، وهي من الكثرة بحيث أوصلها بعضهم إلى (مائة وخمس وعشرين طريقةً لحفظ الوقت)(3) يمكن أن يزاد عليها.
(1) سورة الكهف، آية:110.
(2)
سورة الأحزاب، آية:33.
(3)
أبو القعقاع محمد بن صالح آل عبد الله.
إن الخطوة الأولى- لنا معاشر الرجال، ولكن معاشر النساء- نحو استثمار الوقت هي الشعور بأهميته، يتبع ذلك خطوة أخرى بالهمة والعزيمة الصادقة، ثم تكون الخطوة الثالثة بالعمل والتنفيذ، مع مراعاة القصد حتى تبلغوا، وطاقة النفس حتى لا تملوا «عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا» .
أيها الرجال- هذه كلمات وتوجيهات، وإن كانت في أصلها موجهة للنساء، فنحن شركاء في المسؤولية، والمرأة ليست جسمًا غريبًا عنا، فهي (أمٌّ) أو «زوجة» أو «أخت» أو «بنتٌ» أو «قريبة» لنا، والله أمرنا بالتعاودن على البر والتقوى، ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان. وعليكم كفلٌ من مسؤولية البلاغ والنصح والمتابعة، فكلكم راعٍ ومسؤولًا عن رعيته.
هذا فضلًا عن كون بعض ما جاء فيها يصلح أن يكون خطابًا يوجه للرجل والمرأة على حدٍّ سواء.
اللهم وفقنا لاستثمار أعمارنا بعمل الصالحات، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة واتباع الهوى والشهوات ..