الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسكين نائرة الفتنة، وتطييب قلوب العامّة، مع تفضيل عليّ على الشّيخين عندهم في أوانهم. وأتباعه يعتقدون أنّ هذا هو المعتقد الحقّ، ومن خالفه خرج عن طريق الحقّ، وضل عن سواء السّبيل.
وهم يقولون: إن نصّ الأذان بدل الحيعلتين: «حيّ على خير العمل» يقولونها في أذانهم مرّتين بدل الحيعلتين، وربّما قالوا قبل ذلك:«محمد وعليّ خير البشر، وعترتهما خير العتر» ومن رأى أن هذا بدعة فقد حاد عن الجادّة.
وهم يسوقون الإمامة في أولاد عليّ كرّم الله وجهه من فاطمة رضي الله عنها، ولا يجوّزون ثبوت الإمامة في غير بنيهما؛ إلا أنّهم جوّزوا أن يكون كلّ فاطميّ عالم زاهد شجاع خرج لطلب الإمامة إماما معصوما واجب الطاعة، سواء كان من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام، ومن خلع طاعته فقد ضلّ. وهم يرون أن الإمام المهديّ المنتظر من ولد الحسين رضي الله عنه دون ولد الحسن، ومن خالف في ذلك فقد أخطأ. ومن قال: إنّ الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أفضل من عليّ وبنيه فقد أخطأ عندهم وخالف زيدا في معتقده. ويقولون: إن تسليم الحسن الأمر لمعاوية كان لمصلحة اقتضاها الحال، وإن كان الحقّ له.
قال في «التعريف» : وأيمانهم أيمان أهل السّنّة، يعني فيحلّفون كما تقدّم، ويزاد فيها: وإلّا برئت من معتقد زيد بن عليّ، ورأيت أنّ قولي في الأذان:«حيّ على خير العمل» بدعة، وخلعت طاعة الإمام المعصوم الواجب الطّاعة، وادّعيت أن المهديّ المنتظر ليس من ولد الحسين بن عليّ، وقلت بتفضيل الشيخين على أمير المؤمنين عليّ وبنيه، وطعنت في رأي ابنه الحسن لما اقتضته المصلحة، وطعنت عليه فيه.
الفرقة الثانية (من الشّيعة: الإمامية)
وهم القائلون بإمامة اثني عشر إماما: أوّلهم أمير المؤمنين عليّ المرتضى، ثم ابنه الحسن المجتبى، ثم أخوه الحسين شهيد كربلاء، ثم ابنه عليّ السّجّاد
زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصّادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه عليّ الرّضا وهو الذي عهد إليه المأمون بالخلافة ومات قبل أن يموت المأمون، ثم ابنه محمد التّقي، ثم ابنه عليّ النقي، ثم ابنه الحسن الزّكيّ المعروف بالعسكريّ، ثم ابنه محمد الحجّة، وهو المهديّ المنتظر عندهم، يقولون إنه دخل مع أمّه صغيرا سردابا بالحلّة على القرب من بغداد ففقد ولم يعد، فهم ينتظرونه إلى الآن، ويقال: إنهم في كلّ ليلة يقفون عند باب السّرداب ببغلة مشدودة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشّفق ينادون: أيّها الإمام! قد كثر الظّلم! وظهر الجور فاخرج إلينا! ثم يرجعون إلى اللّيلة الأخرى، وتلقّب هذه الفرقة بالأثني عشريّة أيضا، لقولهم بإمامة اثني عشر إماما، وبالموسويّة لقولهم بانتقال الخلافة بعد جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم المقدّم ذكره دون أخيه إسماعيل إمام الإسماعيليّة الآتي ذكره، وبالقطعيّة لقولهم بموت إسماعيل المذكور في حياة أبيه الصادق والقطع بانتقال الإمامة إلى موسى «1» قال في «التعريف» : وهم مسلمون، إلا أنهم أهل بدعة كبيرة سبّابة.
وهم يقولون: بإمامة عليّ رضي الله عنه نصّا ظاهرا، وتعيينا صادقا، احتجاجا بأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«من يبايعني على ماله، فبايعه جماعة، ثم قال: من يبايعني على روحه وهو وصيّي ووليّ هذا الأمر من بعدي، فلم يبايعه أحد، حتّى مدّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يده إليه فبايعه على روحه ووفى بذلك» .
قال في «العبر» «2» : وهذه الوصيّة لا تعرف عن أحد من أهل الأثر، بل هي من موضوعاتهم؛ ويخصّونه بوراثة علم النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ويروون أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خمّ: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأدر الحقّ على لسانه كيفما دار» ويرون أنّ بيعة الصّدّيق رضي الله عنه يوم السّقيفة غير صحيحة: حين اجتمع
الأنصار بعد موت النبيّ صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ليبايعوه، وذهب إليهم أبو بكر رضي الله عنه ومعه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة، وروى لهم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«لا يصلح هذا الأمر إلّا لهذا الحيّ من قريش» فرجعوا إلى قوله وبايعه عمر، ثم بايعه الناس على ما تقدّم ذكره في الكلام على مبايعات الخلفاء في المقالة الخامسة، وأنّ القائم فيها مجترم لا سيّما أوّل باد بذلك. ويقولون: إن الحقّ كان في ذلك لعليّ بالوصيّة. ويقولون: إن القيام على أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وحصره في الدار كان واجبا لاعتقادهم عدم صحّة خلافته مع وجود عليّ رضي الله عنه، وإن المتأخّر عن حصره كان مخطئا. ويرون جواز التّقيّة خوفا على النّفس، وأنّ عليّا رضي الله عنه إنما تأخّر عن طلب الإمامة عند قيام من كان قبله بها تقيّة على نفسه «1» ويرون أنّ من أعان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخلافة كان مخطئا: لبطلان خلافته بترتّبها على خلافة أبي بكر ووجود عليّ الذي هو أحقّ بها. ويزعمون أنّ الصّدّيق رضي الله عنه منع فاطمة رضي الله عنها حقّها من إرثها «2» من رسول الله صلى الله عليه وسلم تعدّيا، وأنّ من ساعد في تقديم تيم بخلافة أبي بكر، أو تقديم عديّ بخلافة عمر، أو تقديم أميّة بخلافة عثمان كان مخطئا. ويزعمون أنّ عمر رضي الله عنه لم يصب في جعل الأمر شورى بين بقيّة العشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاستحقاق تقدّم عليّ على الجميع.
ويصوّبون قول حسان بن ثابت رضي الله عنه فيما كان من موافقته في حديث الإفك «1» في حقّ عائشة رضي الله عنها، ولا يرون تكذيبه في ذلك. ويرون أنّ عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها كانت مخطئة في قيامها على عليّ يوم الجمل، وأنّ من قام معها كان مخطئا للموافقة على الخطإ.
ويقولون إنّ من قام مع معاوية على عليّ بصفّين وشهر السّيف معه عليه فقد ارتكب محظورا، وينكرون ما وقع من زياد بن أبيه من الدّعوى الباطلة؛ وذلك أنه بعد قتل الحسين عليه السلام جهّز جيشا إلى المدينة النبوية مع مسلم ابن عبد الله فقتلوا وسبوا وبايعوا من تبعهم على أنّهم خول ليزيد.
ويقولون ببطلان حكم ابن مرجانة، ويعدّون من العظائم قيام عمر بن سعد في قتال الحسين؛ وحقيق أن ينكروا عليه ذلك ويستعظموه! فقد قيل: إنه بعد قتله أمر جماعة فوطئوا صدر الحسين وظهره بالخيل، وكان يزيد قاتله الله قد أمره بذلك.
ويرون أن الأمر صار بعد الحسن عليه السلام إلى أخيه الحسين، ويقولون:
إنّ الإمامة عند الحسن مستودعة لا مستقرّة، ولذلك لم تثبت في بنيه. ويعدّون من العظائم فعل شمر بن [ذي] «2» الجوشن: وهو الذي احتزّ رأس الحسين، وأنّ من ساعده على ذلك مرتكب أعظم محظورات بأشدّ بليّة، وحقيق ذلك أن يستعظموه! فأيّ جريمة أعظم من قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
وقد ذكر صاحب «نظم السّمط في خبر السّبط» : أنه وجد في حجر مكتوب قبل البعثة بألف سنة ما صورته:
أترجو أمّة قتلت حسينا
…
شفاعة جدّه يوم الحساب؟
ويقال: إنّ الذي احتزّ رأس الحسين إنما هو سنان بن أنس النّخعي.
ويعدّون من العظائم أيضا سبي معاوية أهل البيت عند غلبة عليّ رضي الله عنه بصفّين وسوقهم معه إلى دمشق سوقا بالعصيّ، ويرون أنّ خلافة يزيد بن معاوية كانت من أعظم البلايا، وأن المغيرة بن شعبة أخطأ حيث أشار على معاوية بها، ويقولون بالتّبرّي من عمرو بن العاص رضي الله عنه لانتمائه إلى معاوية، وخديعته أبا موسى الأشعريّ يوم الحكمين حتى خلع عليّا، وإنّ من ظاهره أو عاضده كان مخطئا.
وكذلك يتبرّؤون من بسر بن [أبي]«1» أرطاة: لأنّ معاوية بعثه إلى الحجاز في عسكر فدخل المدينة وسفك بها الدّماء، واستكره الناس على البيعة لمعاوية، وتوجه إلى اليمن بعد ذلك فوجد صبيّين لعبيد الله بن عبّاس [عامل عليّ]«2» على اليمن فقتلهما.
ويرون تخطئة عقبة بن عبد الله المرّي، ويقدحون في رأي الخوارج: وهم الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه بعد حرب صفّين، على ما تقدّم ذكره [في الكلام] «3» على أيمان الخوارج: وهو مفارقتهم عليّا رضي الله عنه، وتخطئتهم له في الغنائم.
ويقولون: إنّ الامامة انتقلت بعد الحسين السّبط عليه السلام في أبنائه إلى تمام الأثني عشر؛ فانتقلت بعد الحسين إلى ابنه زين العابدين، ثم إلى ابنه محمد الباقر، ثم إلى ابنه جعفر الصّادق، ثم إلى ابنه موسى الكاظم، ثم إلى ابنه عليّ الرّضا، ثم إلى ابنه محمد التّقيّ «4» ، ثم إلى ابنه علي النّقي، ثم إلى ابنه الحسن الزّكيّ، ثم إلى ابنه محمد الحجّة، وهو المهديّ المنتظر عندهم، على ما تقدّم ذكره في أوّل الكلام على هذه الفرقة، وإنّ من خالف ذلك فقد خالف الصّواب.
ويستعظمون دلالة من دلّ بني أميّة وبني العبّاس على مقاتل أهل البيت. أما دلالة بني أميّة، فبعد غلبة معاوية بصفّين. وأما دلالة بني العبّاس، فعند تنازع بني العبّاس وأهل البيت في طلب الخلافة، زمن أبي جعفر المنصور وما بعده.
ويقولون: ببقاء حكم المتعة: وهي النكاح المؤقّت الذي كان في صدر الإسلام. ويشنّعون على نجدة بن عامر الحنفي «1» الخارجيّ حيث زاد في حدّ الخمر، وغلّظ فيه تغليظا شديدا، كما حكاه الشّهرستانيّ عنهم.
ويستعظمون البراءة من شيعة أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، واتبّاع أهوية أهل الشام من متابعي بني أميّة والغوغاء القائمين بالنّهروان: وهم الخوارج الذين خالفوا عليّا بعد قضيّة التحكيم بصفّين، وأقاموا بالنّهروان من العراق لقتال عليّ، ورئيسهم يومئذ عبد الله بن وهب، فسار إليهم عليّ وكانوا أربعة آلاف فقتلوا عن آخرهم «2» ، ولم يقتل من أصحاب عليّ سوى سبعة أنفس.
ويرون أنّ أبا موسى الأشعريّ رضي الله عنه أخطأ في موافقته عمرو بن العاص رضي الله عنه: حيث حكم بخلع عليّ ولم يخلع عمرو معاوية.
ويعتمدون في القرآن الكريم على مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، دون المصحف الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، فلا يثبتون ما لم يثبت فيه قرآنا «3»
ويتبرّأون من فعل ابن ملجم في قتله أمير المؤمنين رضي الله عنه، وحقّ لهم التّبرّي من ذلك.
ويرون أنّ موالاة ابن ملجم وإسعافه في صداق زوجته قطام جريرة.
ويرون محبة قبيلة همدان من المحبوب المطلوب: لمشايعتهم عليّا رضي الله عنه ومحبّتهم أهل البيت كما هو المشهور عنهم؛ حتّى يحكى أنّ أمير المؤمنين عليّا رضي الله عنه صعد يوما المنبر وقال: ألا لا ينكحنّ أحد منكم الحسن بن عليّ فإنه مطلاق، فنهض رجل من همدان وقال: والله لننكحنّه ثم لننكحنّه! إن أمهر أمهر كثيفا، وإن أولد أولد شريفا!. فقال عليّ رضي الله عنه حينئذ:
لو كنت بوّابا على باب جنّة
…
لقلت لهمدان ادخلي بسلام!
ويقولون باشتراط العصمة في الأئمّة، فلا يكون من ليس بمعصوم عندهم إماما.
وقد رتّب في «التعريف» يمينهم على هذه العقائد، فقال: وهؤلاء يمينهم هي:
إنّني والله والله والله العظيم، الرّبّ الواحد الأحد، الفرد الصّمد، وما أعتقده من صدق محمد صلى الله عليه وسلم ونصّه على إمامة ابن عمّه ووارث علمه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يوم غدير خمّ، وقوله:«من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه! وعاد من عاداه! وأدر الحقّ على لسانه كيفما دار!» وإلّا كنت مع أوّل قائم يوم السّقيفة، وآخر متأخّر يوم الدّار، ولم أقل بجواز التّقيّة خوفا على النّفس، وأعنت ابن الخطّاب، واضطهدت فاطمة، ومنعتها حقّها من الإرث، وساعدت في تقديم تيم وعديّ وأميّة، ورضيت بحكم الشّورى، وكذّبت حسّان بن ثابت يوم عائشة، وقمت معها يوم الجمل، وشهرت السّيف مع معاوية يوم صفّين، وصدّقت دعوى زياد، ونزلت على حكم ابن مرجانة «1» ، وكنت مع عمر بن سعد في قتال الحسين،