الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة السابعة (في بيان حكم الإقطاع)
قال في «الأحكام السلطانية» : وإقطاع السلطان مختصّ بما جاز فيه تصرّفه، ونفذت فيه أوامره، دون ما تعيّن مالكه وتميّز مستحقّه.
ثم الإقطاع على ضربين:
الضرب الأوّل (إقطاع التّمليك)
«1» والأرض المقطعة بالتمليك إمّا موات، وإمّا عامر، وإمّا معدن.
فأمّا الموات فإن كان لم يزل مواتا على قديم الزمان، لم تجر فيه عمارة، ولم يثبت عليه ملك، فيجوز للسلطان أن يقطعه من يحييه ويعمره. ثم مذهب أبي حنيفة أنّ إذن الإمام شرط في إحياء الموات؛ وحينئذ فيقوم الإقطاع فيه مقام الإذن. ومذهب الشافعيّ أن الإقطاع يجعله أحقّ بإحيائه من غيره. وعلى كلا المذهبين يكون المقطع أحقّ بإحيائه من غيره.
وأما إن كان الموات عامرا فخرب وصار مواتا عاطلا، فإن كان جاهليّا:
كأرض عاد وثمود، فهي كالموات الذي لم تثبت فيه عمارة في جواز إقطاعه.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: «عادت الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم منّي، يعني أرض عاد» .
وإن كان الموات إسلاميّا جرى عليه ملك المسلمين، ثم خرب حتّى صار مواتا عاطلا، فمذهب الشافعيّ أنه لا يملك بالإحياء، عرف أربابه أم لم يعرفوا؛ ومذهب مالك أنه يملك بالإحياء، عرف أربابه أم لم يعرفوا؛ ومذهب أبي حنيفة أنه إن عرف أربابه لم يملك بالإحياء، وإلّا ملك. ثم إذا لم يجز أن يملك بالإحياء على مذهب الشافعي، فإن عرف أربابه لم يجز إقطاعه، وإن لم يعرفوا جاز إقطاعه وكان الإقطاع شرطا في جواز إحيائه؛ فإذا صار الموات إقطاعا لمن خصّه الإمام به لم يستقرّ ملكه عليه حتى يحييه ويكمل إحياؤه، فإن أمسك عن إحيائه كان أحقّ به يدا وإن لم يصر له ملكا.
وأمّا العامر: فإن تعيّن مالكوه، فلا نظر للسلطان فيه إلا ما تعلّق بتلك الأرض من حقوق بيت المال إذا كانت في دار الإسلام، سواء كانت لمسلم أو ذمّيّ، وإن كانت في دار الحرب التي لم يثبت عليها للمسلمين يد جاز للإمام أن يقطعها ليملكها المقطع عند الظّفر بها، كما أقطع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تميما وأصحابه أرضا بالشام قبل فتحه، على ما تقدّم ذكره في أوّل الباب.
وإن لم يتعيّن مالكوه: فإن كان الإمام قد اصطفاه لبيت المال من فتوح البلاد: إما بحقّ الخمس، أو باستطابة نفوس الغانمين، لم يجز إقطاع رقبته:
لأنه قد صار باصطفائه لبيت المال ملكا لكافّة المسلمين، فصار «1» على رقبته حكم الوقف المؤبّد؛ والسلطان فيه بالخيار بين أن يستغلّه لبيت المال وبين أن يتخيّر له من ذوي المكنة والعمل من يقوم بعمارة رقبته، ويأخذ خراجه، ويكون الخراج أجرة عنه تصرف في وجوه المصالح.
وإن كان العامر أرض خراج لم يجز إقطاع رقابها تمليكا.